شعار الموقع

شرح كتاب فتح المجيد في شرح كتاب التوحيد_5

00:00
00:00
تحميل
123

وقول الله عز وجل: "4 :  48 و 116 " (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)[1].

قال ابن كثير: أخبر تعالى أنه (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) أي لا يغفر لعبدٍ لقيه وهو مشرك (وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) أي من الذنوب لمن يشاء من عباده . انتهى.

فتبيَّن بهذه الآية أن الشرك أعظم الذنوب؛ لأن الله تعالى أخبر أنه لا يغفره لمن لم يتب منه، وما دونه من الذنوب فهو داخل تحت المشيئة، إن شاء غفره لمن لقيه به، وإن شاء عذّبه به[2].

وذلك يوجب للعبد شدة الخوف من الشرك الذي هذا شأنه عند اللَّه؛ لأنه أقبح القبيح وأظلم الظلم، وتنقّص لرب العالمين، وصرف خالص حقه لغيره وعدل غيره به.[3]

كما قال تعالى: "6: 1" (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يّعْدِلُونَ) ولأنه مناقض للمقصود بالخـلق والأمر منافٍ له من كل وجه، وذلك غاية المعاندة لرب العالمين[4].

والاستكبار عن طاعته، والذل له، والانقياد لأوامره الذي لا صلاح للعالم إلا بذلك، فمتى خلا منه خَرَب وقامت القيامة[5].

كما قال صلى اللَّه عليه وسلم: " لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض اللَّه اللَّه " رواه مسلم.

[6]ولأن الشرك  تشبيه للمخلوق بالخالق تعالى وتقدَّس ومشاركة في خصائص الإلهية: من ملك الضر والنفع، والعطاء والمنع، الذي يوجب تعلق الدعاء والخوف والرجاء، والتوكل وأنواع العبادة كلها باللَّه وحده، فمن علق ذلك بمخلوق فقد شبهه بالخالق، وجعل من لا يملك لنفسه ضـرًّا ولا نفعًا ولا موتًا ولا حياةً ولا نُشورًا، شبيهًا بمن له الحمد كله، وله الخلق كله، وله الملك كله، وإليه يرجع الأمر كله، وبيده الخير كله[7].

فأزِمَّة الأمور كلها بيده سبحانه ومرجعها إليه، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع، الذي إذا فتح للناس رحمةً فلا ممسِكَ لها، وما يُمسك فلا مُرسِل له من بعده وهو العزيز الحكيم.[8]

فأقبح التشبيه تشبيه العاجز الفقير بالذات: بالقادر الغني بالذات.[9]

[10]ومن خصائص الإلهية: الكمال المطلق من جميع الوجوه، الذي لا نقص فيه بوجه من الوجوه[11].

وذلك يوجب أن تكون العبادة كلها له وحده، والتعظيم والإجلال، والخشية والدعاء، والرجاء والإنابة [12].

والتوكل والتوبة والاستعانة، وغاية الحب مع غاية الذُّل[13].

كل ذلك يجب عقلاً وشرعًا وفطرةً أن يكون لله وحده، ويمتنع عقلاً وشرعًا وفطرةً أن يكون لله وحدة

فمن فعل شيئًا من ذلك لغيره فقد شبَّه ذلك الغير بمن لا شبيه له ولا مثيل له، ولا ندَّ له، وذلك أقبح التشبيه وأبطله؛ فلهذه الأمور وغيرها أخبر سبحانه وتعالى أنه لا يغفره، مع أنه كتب على نفسه الرحمة. هذا معنى كلام ابن القيم - رحمه الله وفي الآية رد على الخوارج المكفِّرين  بالذنوب، وعلى المعتزلة القائلين بأن أصحاب الكبائر يخلدون في النار، وليسوا عندهم بمؤمنين ولا كفَّار[14].

ولا يجوز أن يحمل قوله: (وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَّشَاءُ) على التائب، فإن التائب من الشرك مغفور له كما قال تعالى: "39 : 53 " (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا)  فهنا عمَّم وأطلق؛ لأن المراد به التائب، وهناك خصَّ وعلَّق؛ لأن المراد به من لم يتب. هذا مُلخّص قول شيخ الإسلام [15].

 

 

 قوله  وقال الخليل عليه السلام "14 : 35"

(وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ) الصنم ما كان منحوتًا على صورة، والوثن ما كان

موضوعًا على غير ذلك. ذكره الطبري عن مجاهد.[16]

 

قلت: وقد يسمى الصنم وثنًا [17].

كما قال الخليل عليه السلام: "29 : 17" (إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا) الآية.[18]

ويُقال: إن الوثن أعم، وهو قوي، فالأصنام أوثان، كما أن القبور أوثان.

[19]وقد بيَّن ما يوجب الخوف من ذلك بقوله: (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ).[20]

قوله: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ) أي اجعلني وبني في جانب عن عبادة الأصنام، وباعِد بيننا وبينها، وقد استجاب الله تعالى دعاءه، وجعل بنيه أنبياء، وجنبهم عبادة الأصنام[21].

فإنه هو الواقع في كل زمان، فإذا عَرَف الإنسان أن كثيرًا وقعوا في الشرك الأكبر وضلّوا بعبادة الأصنام، أوجب ذلك خوفه من أن يقع فيما وقع فيه الكثير من الشرك الذي لا يغفره الله.

قال إبراهيم التيمي: ومن يأمن البلاء بعد إبراهيم؟ رواه ابن جرير وابن أبي حاتم.

فلا يأمن الوقوع في الشرك إلا من هو جاهل به وبما يخلّصه منه: من العلم باللَّه وبما بعث به رسوله من توحيده، والنهي عن الشرك به.

 

 

قال المصنف  وفي الحديث:

"أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، فسئل عنه فقال: الرياء".

أورد المصنف هذا الحديث مختصرًا غير معزو، وقد رواه الإمام أحمد والطبراني والبيهقي، وهذا لفظ أحمد: حدثنا يونس حدثنا ليث عن يزيد - يعني ابن الهاد - عن عمرو عن محمود بن لبيد أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: "إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر". قالوا وما الشرك الأصغر يا رسول اللَّه؟ قال: "الرياء". يقول اللَّه تعالى يوم القيامة، إذا جازى الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء.

قال المنذري: ومحمود بن لبيد رأى النبي صلى اللَّه ولم يصح له منه سماع فيما رأى[22].

وذكر ابن أبي حاتم أن البخاري قال: له صحبة، ورجحه ابن عبد البر والحافظ. وقد رواه الطبراني بأسانيد جيدة عن محمود بن لبيد عن رافع بن خديج. مات محمود سنة ست وتسعين. وقيل سنة سبع وتسعين وله تسع وتسعون سنة.[23]

قول: "إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر" هذا من شفقته - صلى اللَّه عليه وسلم - بأمته ورحمته ورأفته بهم، فلا خير إلا دلَّهم عليه وأمرهم به، ولا شرّ إلا بينه لهم وأخبرهم به ونهاهم عنه، كما قال - صلى اللَّه عليه وسلم - فيما صحَّ عنه: " ما بعث الله من نبيٍّ إلا كان حقًّا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم …" الحديث، فإذا كان الشرك الأصغر مخوفًا على أصحاب رسول اللَّه  صلى اللَّه عليه وسلم  مع كمال علمهم وقوة إيمانهم، فكيف لا يَخافه وما فوقه من هو دونهم في العلم والإيمان بمراتب؟[24]

خصوصًا إذا عُرِفَ أن أكثر علماء الأمصار اليوم لا يعرفون من التوحيد إلا ما أقر به المشركون، وما عرفوا معنى الإلهية التي نفتها كلمة الإخلاص عن كل ما سوى اللَّه[25].

 [لا إله إلا الله] لا خالق إلا الله، ويظن أنّ من أقرَّ بأن الله هو الخالق الرازق المدبر أنه موحِّد، مع أن هذا أقرّ به المشركون ولم ينفعهم، أقرُّوا بأن الله هو الخالق، الرازق، المدبر، المحي، المميت، أقرَّ به المشركون (وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهَ)، (وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهَ)، (وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ مِن بَعْدَ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللهَ)، (قٌلْ مَن يَّرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضَ أَمَّن يَّمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَن يُّخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُّدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُلُونَ الله)، (قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ)، (قٌلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ سَيَقُولُونَ للهِ) إذن: مُقِرُّون بتوحيد الربوبية المشركون، ولا ينفعهم هذا، فكثير من الناس لا يفرِّقون بسبب الجهل، وضعف البصيرة، وهذا هو الذي جرى عليه أهل الكلام من الأشاعرة، يُفَسِّرون كلمة التوحيد [لا إله إلا الله] لا قادر على الاختراع إلا الله، يُفَسِّرونها بتوحيد الربوبية، فالواجب على المسلم أن - ولا سيَّما طالب العلم - يعتني بهذا الأمر ويتبصّر حتى يفرِّق بين: توحيد الربوبية الذي أقرَّ به المشركون، وتوحيد الألوهية الذي هو الفارق بين المسلم وبين الكافر.

 

وأخرج أبو يعلى وابن المنذر عن حذيفة بن اليمان عن أبي بكر عن النبي  صلى اللَّه عليه وسلم  قال: "الشرك فيكم أخفى من دبيب النمل".

قال أبو بكر: يا رسول اللَّه، وهل الشرك إلا ما عبد من دون اللَّه أو ما دُعِيَ مع اللَّه؟ قال: "ثكلتك أمك، الشرك فيكم أخفى من دبيب النمل" الحديث.[26]

وفيه: أن تقول أعطاني اللَّه وفلان[27].

والندّ أن يقول الإنسان: لولا فلان قتلني فلان. ا.هـ من الدر[28].

 

 

 وعن ابن مسعود رضي اللَّه عنه: أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: "من مات وهو يدعو من دون الله ندًّا دخل النار" رواه البخاري.

قال ابن القيم رحمه اللَّه: الند الشبيه، يقال فلان ند فلان، ونديده أي: مثله وشبيهه ا.هـ.  قال تعالى: "2 : 22" (فَلاَ تَجْعَلُوا للَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ).

قوله: "من مات وهو يدعو لله ندًّا" أي يجعل للَّه ندًّا في العبادة يدعوه ويسأله ويستغيث به، دخل النار.[29]

قال العلامة ابن القيم رحمه اللَّه :

والشِّركَ فاحذره، فشركٌ ظاهرٌ        ذا القسمُ ليس بقابل الغفران[30]

بِهِ).

وهو اتخاذ الند للرحمن أيًا           كان من حجر ومن إنسانِ[31]

يدعوه أو يرجوه ثم يخافه            ويحبه كـمحبة الديَّـانِ

[32]واعلم أن اتخاذ الند على قسمين:

[33]الأول: أن يجعله للَّه شريكًا في أنواع العبادة أو بعضها كما تقدَّم، وهو شرك أكبر.

والثاني: ما كان من نوع الشرك الأصغر كقول الرجل: ما شاء اللَّه وشئت، ولولا اللَّه وأنت، وكيسير الرياء، فقد ثبت أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم لما قال له رجل: ما شاء اللَّه وشئت، قال: "أجعلتني للَّه ندًّا؟ بل ما شاء الله وحده" رواه أحمد وابن أبي شيبة والبخاري في الأدب المفرد والنسائي وابن ماجة. وقد تقدَّم حكمه في باب فضل التوحيد.

وفيه: بيان أن دعوة غير اللَّه فيما لا يقدر عليه إلا اللَّه شرك جلي، كطلب الشفاعة من الأموات، فإنها ملك للَّه تعالى وبيده، ليس بيد غيره منها شيء.[34]

[35]وهو الذي يأذن للشفيع أن يشفع فيمن لاقى اللَّه بالإخلاص والتوحيد من أهل الكبائر، كما يأتي تقريره في باب الشفاعة إن شاء اللَّه تعالى.

ولمسلم عن جابر أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: "من لقي اللَّه لا يشرك به شيئًا دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئًا دخل النار".[36]

جابر: هو ابن عبد الله بن عمرو بن حرام - بمهملتين - الأنصاري ثم السلمي - بفتحتين-.[37]

صحابي جليل هو وأبوه، ولأبيه مناقب مشهورة رضي اللَّه عنهما، مات بالمدينة بعد السبعين، وقد كفَّ بصره، وله أربع وتسعون سنة.[38]

قوله: "من لقي اللَّه لا يشرك به شيئًا" قال القرطبي: أي لم يتخذ معه شريكًا في الإلهية، ولا في الخلق، ولا في العبادة.[39]

ومن المعلوم من الشرع المجمع عليه عند أهل السنة: أن من مات على ذلك فلا بد له من دخول الجنة،[40]

.

وإن جرت عليه قبل ذلك أنواع من العذاب والمحنة، وأن من مات على الشرك لا يدخل الجنة ولا يناله من اللَّه رحمة، ويخلد في النار أبد الآباد، من غير انقطاع عذاب ولا تصرُّم آماد.[41]

وقال النووي: أما دخول المشرك النار فهو على عمومه، فيدخلها ويخلد فيها، ولا فرق فيه بين الكتابي اليهودي والنصراني، وبين عبدة الأوثان وسائر الكفرة.[42]

ولا فرق عند أهل الحق بين الكافر عنادًا وغيره.[43]

ولا بين من خالف ملة الإسلام وبين من انتسب إليها ثم حكم بكفره بجحده وغير ذلك.[44]

وأما دخول من مات غير مشرك الجنة فهو مقطوع له به، لكن إن لم يكن صاحب كبيرة مات مصرًا عليها دخل الجنة أولاً، وإن كان صاحب كبيرة مات مصرًا عليها فهو تحت المشيئة، فإن عفا اللَّه عنه دخل الجنة أولاً، و إلا عذب في النار ثم أخرج من النار وأدخل الجنة[45].

وقال غيره: اقتصر على نفي الشرك لاستدعائه التوحيد بالاقتضاء واستدعائه إثبات الرسالة باللزوم.[46]

[47]إذ من كذب رسل اللَّه فقد كذب اللَّه، ومن كذبَ الله فهو مشرك، وهو كقولك: من توضأ صحت صلاته، أي مع سائر الشروط، فالمراد: من مات حال كونه مؤمنًا بجميع ما يجب الإيمان به إجمالاً في الإجمالي وتفصيلاً في التفصيلي. انتهى.[48]

 

[1] يعني: أن الإنسان إذا عرف التوحيد، وفضله، وحقَّق التوحيد، لا يأمن، يخاف على نفسه، ويسأل ربَّه الثَّبات والاستقامة، فهذا إبراهيم الخليل - عليه الصلاة والسلام - وهو إمام الحنفاء خاف على نفسه وبنيه وقال: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ) وهو الذي كَسّرَ الأصنام بيده، ومع ذلك خاف قال: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ) فالإنسان الموحِّد، ولو كان موحِّدًا يسأل ربه الثبات، ويبتعد عن الشرك وأسبابه، وذرائعه، ولو كان موحِّدًا.

 

[2] وهذا واضح في كونه أعظم الذنوب، أن الله تعالى نفى المغفرة لمن لقيه به، وأما ما دونه من الذنوب فهو تحت المشيئة قد يغفر وقد لا يغفر، يرجى أما هذا لا حيلة فيه، من لقي الله بالشرك فهو غير مغفور (إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُّشْرَكَ بِه) هذا يدل على أن الإنسان ينبغي أن يشتد خوفه من الشرك هذا الذنب العظيم الذي هذا شأنه.

 

[3] كل هذا من الشرك، أظلم من الظلم لأن المشرك صرف العبادة إلى غير مستحقِّها، فوقع في أظلم الظلم، والظلم: وضع الشيء في غير موضعه، فوقع في أقبح القبيح، وتنقَّص الرَّب سبحانه وتعالى، حيث صرف حقه لغيره، وأساء الظن به بأن غيره يستحق العبادة، وعدَل غير الله بالله كما قال سبحانه: (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) .

 

[4] المقصود بالخلق والأمر: أن يعبد الله، أن تصرف له العبادة، الله تعالى خلق الخلق لذلك (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ) والله أمر عباده أن يعبدوه وأن يخلصوا له العبادة، فالمشرك مناقِض للمقصود بالخلق والأمر، حيث عبد غير الله.

 

[5] خَرَب إذا خلا العالم من التوحيد خَرَب، لا قيام لهذا العالم إلا بالتوحيد، مادام التوحيد موجود فهو باقي، وإذا خلا من التوحيد خرب، فتنفطر السماء، تنكدر النجوم، تنشق الأرض، وتسجِّر البحار، وتقوم القيامة إذا خلا من التوحيد.

أما إذا كان التوحيد باقي فلا يخرب، صلاح هذا العالم بالتوحيد، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى لا يُقال في الأرض الله الله" في آخر الزمان تقبض أرواح المؤمنين والمؤمنات، تأتيهم ريح طيِّبة، ثم يبقى الكفرة وعليهم تقوم الساعة، الكفرة غير موحِّدين، لا يعرفون معروفًا ولا يُنكرون منكرًا فعليهم تقوم الساعة - نعوذ بالله -.

فالساعة تقوم على الكفرة، كما في الحديث: " إنَّ من شِرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء، والذين يتَّخذون القبور مساجد" هم شرار الناس.

 

[6] إذن المعنى: أنهم لا يقولون لا إله إلا الله، لا يعرفون كلمتها، أو قيل المعنى: أنهم لا يقولون: الله الله حتى ولا لفظ الجلالة.

 

[7] وإذا كان كذلك فهو المستحق للعبادة، بيده من يملك الضر والنفع، بيده الأمر كله، فإذا عبد مخلوقًا فقد شبَّهه بالله، لأن هذه خصائص الألوهيَّة هي التي بها استحقَّ سبحانه وتعالى أن يُعبد وحده دون ما سواه، فإذا عبد غيره فقد شبَّهه بالله.

 

[8] وما يُمسكْ، الآية فيها إسكان (مَا يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ) وما يمسكُ لا بأس.

 

[9] العاجز الفقير بالذات: هذا وصف المخلوق عاجز فقير بالذات، وصف الخالق: غني بالذات سبحانه وتعالى، هذا وصف كل مخلوق عاجز فقير بالذات، ولو كان ملك، هو عاجز فقير بالذات، يحتاج إلى الله سبحانه وتعالى، لو سُلب منه ما استطاع أن يردّه، سلب منه ما يملك من سلطان، أو من غنى، أو أموال أو ولد،`

[10] يسلب منه في لحظة، ولا يستطيع ردّها، هذا يدل على أنه فقير بالذات، أما الله فهو غني بذاته سبحانه وتعالى.

 

[11] هذا من خصائص الله الكمال المطلق من جميع الوجوه، الذي لا نقص فيه بوجه من الوجوه، هذا من خصائص الله عز وجل، أما المخلوق مهما كان فهو فقير بالذات عنده نقص.

 

[12] هذه خصائص الألوهية هي التي توجب استحقاق العبادة لله عز وجل، خصائص الألوهية؛ لما له سبحانه من الصفات العظيمة والأسماء، كالضر والنفع، والكمال المطلق من جميع الوجوه، ولما له سبحانه من الإنعام على عبيده من جميع الوجوه، هذه خاصة به سبحانه وتعالى، بها استحقَّ أن يُعبد وحده دون ما سواه.

 

[13] هذه هي العبادة .

 

[14] قف عند الآية، يحتاج إلى تأمّل هذا.

[15] هذا علم عظيم وهو أن هذه الآية مع الآية الأخرى تجمع النصوص بعضها إلى بعض، ويضم بعضها إلى بعض، فالله تعالى قال: (إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُّشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَّشَاءُ) فخَصَّ وعلَّق، خصَّ الشرك بأنه لا يغفر، وعلَّق ما دونه: تحت المشيئة، فدلَّ على أن ما دون الشرك تحت المشيئة، وليس في التائبين؛ لأن التائب مغفور له، الشرك وما دونه؛ لقوله تعالى في آية الزمر: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا) يعني لمن تاب، هذه الآية في التائبين، الله تعالى عمَّمَ وأطلق، عمَّم جميع الذنوب كلها ولم يخصِّص، فدلَّ على أنها في التائبين، أما آية النساء فهنا خصَّ وعَلَّق، خصَّ الشرك بأنه لا يغفر، وعلّق ما دونه تحت المشيئة فدلَّ على أن في غير التائبين، ما دون الشرك في غير التائبين، الآية في غير التائبين؛ لأنه إذا تاب من الشرك مغفور، وإذا تاب من دون الشرك فهو مغفور، فلما خصَّ وعَلَّق في آية النساء، وعمَّمَ وأطلق في آية الزمر دلَّ على أن آية الزمر في التائبين، وآية النساء في غير التائبين .

 

[16]  (وَاجْنُبْنِي) المجانبة يعني: المباعدة، يعني باعِد بيني وبنيّ وبين عبادة الأصنام، سأل ربَّه أن يجنبه وأن يجنب بنيه عبادة الأصنام، وهذا يدل على أنه ينبغي للإنسان أن يخاف على نفسه من الشرك، إذا كان إبراهيم الخليل - عليه الصلاة والسلام - الذي كسر الأصنام بيده، وسمَّاه الله أمَّة: قدوة للناس، ومع ذلك يخاف من الشرك، ويسأل ربه أن يجنبه وبنيه، بنيه من هم؟ أنبياء الله تعالى، رزقه إسماعيل وهو نبي، ورزقه إسحاق نبيان كريمان، وإسماعيل من سلالته نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وإسحاق أنجب يعقوب، ويعقوب أنجب يوسف، ومن سلالته جميع أنبياء بني إسرائيل، فإذا كان سأل ربه، وسأل بنيه وهم أنبياء أن يجنبه عبادة الأصنام، فكيف الإنسان يأمن على نفسه، ولهذا قال إبراهيم التيمي  رحمه الله -: ومن يأمن البلاء بعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام؟!

 

[17] الصنم: ما كان منحوتًا على صورة، والوثن: ما عُبِدَ وهو ليس على صورة، مثل: الخشبة والجدار، هذا يسمى وثن، وأما ما كان على صورة؛ صورة إنسان أو حيوان أو طير هذا يسمى صنمًا، فإن كان ليس له صورة مثل الجدار أو شجر أو حجر هذا يسمى وثن ولا يسمى صورة.

 

[18] هذا يسمى وثن؛ لأنه عُبِدَ من دون الله، يشمل، كل ما عُبِدَ من دون الله يُسمَّى وثن، لكن إن كان على صورة سُمي صنم مع ذلك، و إلا لو كان على صورة سمي وثن ولا يُسمَّى صنم.

 

[19] نعم، الوثن أعم؛ لأنه يشمل ما له صورة، وما ليس له صورة، والصنم أخص؛ لأنه خاص بما عُبِدَ من دون الله ممَّا له صورة، مما كان على صورة.

 

[20] وإذا كانت الأصنام أضلَّت كثيرًا من الناس، فهذا يوجب للعبد الخوف الكثير، غالب الناس أضلتهم الأصنام -نسأل الله العافية- فهذا يوجب الحذر والخوف، من أن ينجرف الإنسان مع الكثير.

 

[21] (وَاجْنُبْنِي) يعني: أكون في جانب وأنا في جانب، أو الشيء في جانب والآخر في جانب آخر، يعني: أكون أنا في شق والأصنام في شق آخر.

 

[22] فيكون مرسل صحابي، محمود بن لبيد صحابي صغير، وأسامة بن زيد، وابن عباس كل هؤلاء صحابة صغار، ولكن مرسل الصحابي حجة؛ لأنهم سمعوه من الصحابة، لكن لو ذكر المصنف حديث عبد الله بن مسعود: سُئِلَ النبي: أي الذنب أعظم؟ قال: " أن تجعل لله ندًّا وهو خلقك " هذا أولى.

 

[23] التقسيم ما في إشكال – الله يهديك – ما أحد قال إن الشرك ما يقسم، ما قلنا هذا، الشرك ينقسم إلى أصغر وأكبر، لكن البحث هل يغفر الشرك الأصغر أو لا يغفر؟ هذا البحث، بعض العلماء يقول: إنه يغفر، وحكمه حكم الكبائر تحت المشيئة، وبعضهم قال: لا، له حكم خاص، حكمه حكم الشرك الأكبر، لا يغفر، بمعنى أنه لابد أن يؤاخذ به، ولا يلزم من ذلك أن يخلد في النار.

 

[24] يعني: كيف لا يخاف الشرك الأصغر، وما فوقه هو الشرك الأكبر، إذا كان الصحابة يخاف عليهم الشرك الأصغر فغيرهم يخاف عليهم الشرك الأصغر والأكبر من باب أولى؛ لضعف الإيمان، وقلة البصيرة عند كثير من الناس،  الرسول صلى الله عليه وسلم  خاف على الصحابة الشرك الأصغر وهو الرياء، وغير الصحابة يخاف عليهم الشرك الأصغر والأكبر.

 

[25] كثير من الناس لا يعرفون الشرك، ولا يعرفون التوحيد، يظنون أن الموحِّد هو الذي أقرَّ بالربوبية، حتى أنّ هناك علماء كبار، معهم شهادات عالية ولا يُفرِّقون بين الشرك الأكبر والأصغر! ويفسِّرون الإله بالخلق والإيجاد، فيقولون معنى [لا إله إلا الله] لا خالق إلا الله، ما يعرفون معنى الإلهية، الإله معناه: المعبود الذي تصرف له العبادة، يُخص بالدعاء والخوف، [لا إله] لا معبود حق إلا الله، كثير من الناس لا يفرق بين توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، يفسر الإله بتوحيد الربوبية يقول: معنى

[26] يعني: ليس خاصًّا بهذا، هذا ما عُبِدَ من دون الله، وما دُعِيَ من دون الله هذا الشرك الأكبر، "والشرك أخفى فيكم" يعني: الشرك الأصغر، ومنه الحلف بغير الله، ومنه التشريك بين الخالق والمخلوق، والمشيئة، كل هذا من الشرك، أخفى من دبيب النمل، وجاء في كفارة ذلك أن نقول: "اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئًا وأنا أعلم، وأستغفرك لما تعلم ولا أعلم" جاء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي بكر: "إذا فعلت ذلك كَفَّرَ الله عنك صغار الشرك وكباره" أو كما جاء في الحديث.

 

[27] الواو، الواجب أن يقول: أعطاني الله ثم فلان.

 

[28] من الدر المنثور للسيوطي.

 

[29] لأنه جعله مثيلاً لله في العبادة، جعل لله ندًّا في العابدة يدعوه، ويستغيث به، ويسأله قضاء الحاجات، وتفريج الكربات، أو يصلي له، أو يذبح له، وينذر له، جعله نديدًا لله، مثيلاً لله، فيكون مشرك. أما إذا حلف بغير الله يكون هذا تنديد أصغر، أو قال: لولا الله وفلان، أو ما شاء الله وشاء فلان هذا تنديد أصغر.

 

[30] ذا القسمُ ليس بقابل الغفران، الشرك الأكبر لا يغفر (إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُّشْرَكَ

[31] هذا هو الشرك اتخاذ الند للرحمن، أيًّا كان من حجر ومن إنسان، إذا جعل ندًّا لله في العبادة من حجر أو من شجر أو من إنسان، أو من ملك مخلوق، يعبده، ويحبه كمحبة الله كما سيأتي.

 

[32] هذا هو، يدعوه أو يرجوه ثم يخافه، وهو يحبُّهُ كمحبة الديَّان وهو الله سبحانه وتعالى، هذا هو الشرك، هذا الشرك الأكبر، إذا جعل ندًّا لله من حجر أو من إنسان، جعله نديدًا لله في العبادة يدعوه، أو يخافه، أو يرجوه، يذبح له، أو ينذر له، صار شركًا أكبر - نعوذ بالله - هذا الند الأكبر، لا يغفر إذا لقي الله به (إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُّشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَّشَاءُ).

 

[33] قسم أكبر وقسم أصغر، تنديد أكبر وتنديد أصغر، فالمثال الأول هذا مثال الند الأكبر، والند الأصغر ما كان دون ذلك، دون العبادة، كأن يحلف بغير الله، أو يقول ما شاء الله وشئت، لولا الله وفلان، هذا تنديد أصغر، هذا القسم الثاني.

 

[34] إذا دعا غير الله، قال: يا فلان اشفع لي، هذا دعاء غير الله شرك أكبر، أما الشرك الأصغر مثل: الحلف بغير الله، مثل يسير الرياء الذي يصدر من المؤمن، مثل: لولا الله وفلان، أما كونه يدعو غير الله ولو شفاعة يسأل؛ لأنه دعا غير الله،

[35] قال يا رسول الله اشفع لي، هذا شرك، وإنما يقول: يا ربي شفِّع فيَّ نبيك، يسأل ربَّه .

 

[36] وهاتان الموجبتان  كما سبق من لقي الله لا يشرك به شيئًا دخل الجنة، يعني: وجبت له الجنة، ومن لقي الله يشرك به شيئًا دخل النار، يعني: وجبت له النار، هاتان الموجبتان.

من مات على التوحيد وجبت له الجنة، ومن مات على الشرك وجبت له النار.

 

[37] سلمي؛ لأنه من بني سلمة، بطن من الأنصار يقال سَلَمي، أما السُّلَمي بالضم هذا من بني سُلَيْم، قبيلة من العرب، بنسبة سُلَم، وأما السَّلَمي نسبة إلى سَلِمَ بطن من الأنصار، جابر منهم.

 

[38] أبوه عبد الله بن حرام.

 

[39] في الإلهية والعبادة متقاربان، يعني لم يتخذ معه شريكًا في الإلهية، يعني: لم يتخذ شريكًا مع الله يعبده أو يدعوه أو ينذر له، ولم يتخذ شريكًا مع الله في الخلق بأن يعتقد أن هناك خالق مع الله، وأنه مدبر مع الله، ولا في العبادة يعبده أعم، يعني يصلي له، أو يسجد له، أو يركع له، وهو داخل في الإلهية .

 

[40] على ذلك يعني: على التوحيد

[41] نعوذ بالله، نسأل الله العافية، هذا مجمع عليه معلوم من النصوص، أن من مات على التوحيد لابد أن يدخل الجنة، ولو ناله محن وشدائد، إذا مات على كبائر من غير توبة قد يناله شدائد ومحن وأهوال في القبر، قد يعذب في قبره، وقد يناله أهوال وشدائد في موقف القيامة، وقد يناله عذاب النار قد يدخل النار، وقد يشفع فيه، فهو على خطر، لكن مآله إلى السلامة، مآله إلى الجنة، في النهاية لابد أن يدخل الجنة، ولو طال مكثه في النار، هذا لابد منه مجمع عليه، من مات على التوحيد.

إذا توكل على شخص ليس معه أسباب ظاهرة، فهذا شرك أكبر، وإن كان معه أسباب ظاهرة كالكي هذا شرك أصغر، هذا خاص بالله.

 

[42] جميع أصناف الكفرة، لا فرق بين كافر وكافر، سواء هذا الكافر مات على الكفر لأنه وثني يعبد صنم أو وثن، أو مات على الكفر لأنه يهودي يدين بدين اليهودية، أو مات على الكفر لأنه نصراني يدين بدين النصرانية، أو مات على النفاق، أو ملحد متحلل من الأديان، أو منافق يظهر الإسلام ويبطن الكفر، كل هؤلاء في حكم واحد، أو حكم عليه بالردة لأنه أنكر أمرًا معلوم من الدين بالضرورة، أنكر وجوب الصلاة أو وجوب الزكاة أو وجوب الحج، قد قامت عليه الحجة فالحكم واحد، كل من كفر كفرًا أكبر أو أصغر فهذا الحكم للجميع - نسأل الله العافية-.

 

[43] الكافر عناد يعني: عاند معانِد، استُتيب ولم يتب، أو كافر وليس معاندًا، كفر لأنه يعبد الأصنام ولو ما عاند، سواء كان كافر بعناد أو بغير عناد.

 

[44] يعني لا فرق بين من كافر لأنه خالف ملة الإسلام، أو منتسب لملة الإسلام لكن كفر، مثل عُباد القبور، ينتسبون للإسلام، يزعمون أنهم مسلمون ويقولون [لا إله إلا الله] وهم يعبدون القبور، الحكم واحد، حكمه حكم اليهود والنصارى، الحكم واحد كلهم كفار، الذين يطوفون بالقبور، ويذبحون لها، وينذرون لها، ويدعونها من دون الله، ويسألونها قضاء الحاجات وتفريج الكربات، أو يدعوا الشمس أو القمر، أو النجم أو الأنبياء، الحكم واحد، ولو انتسب للإسلام، ما ينفعه الانتساب للإسلام -

[45] يعني: إن لم يشفع فيه، إن لم يُشَفِّع الله فيه، لأنه قد يُشْفَع بعضهم يشفع فيه، قال تعالى: (إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُّشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَّشَاءُ) فهو تحت مشيئة الله، إن شاء الله غفر له برحمته أو بشفاعة الشافعين، وإن شاء عذَّبه.

 

[46] يعني قوله: "من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة" كيف من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة؟ قال: لأنه يقتضي التوحيد؛ لأن الذي لا يشرك لابد أن يكون عنه موحد، فالموحد لا يكون مشرك، وغير المشرك لابد أن يكون موحِّد، هو يقتضيه، فالذي لا يشرك بالله لابد أن يكون موحِّد، لأنه لو لم يكن موحدًا صار مشركًا، فلا يجتمعان.

إذا وُجِدَ التوحيد انتفى الشرك، وإذا وُجِدَ الشرك انتفى التوحيد، فلا يجتمع شرك أكبر وتوحيد أبدًا، فالذي نُفِيَ عنه الشرك لابد أن يكون موحِّدًا، فهو يقتضي التوحيد بالاقتضاء، ويقتضي الرسالة باللزوم، يعني: يلزم من قوله "لا يشرك بالله شيئًا" أن يكون موحِّدًا يقتضي، ويلزم من الموحِّد أن يكون مؤمنًا بالرسول - عليه الصلاة والسلام - لأنه ليس هناك توحيد بالإيمان بالرسول عليه الصلاة والسلام، الإيمان بالرسل، لابد من الإيمان بأصول الدين الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، و إلاَّ ما صار موحِّد، لأن من أخلَّ بواحد من هذه الأصول فهو مشرك، لا يكون موحد، فهذا معنى قوله:  "من مات لا

[47] يشرك بالله شيئًا دخل الجنة" لأن نفي الشرك يقتضي التوحيد، يتضمن التوحيد، كما أنه يتضمن الرسالة، الإيمان بالرسالة.

 

[48] من توضَّأ صحَّت صلاته، يعني من توضَّأ بالإتيان بالشروط، توضَّأ واستقبل القبلة وكان مخلصًا لله، وكان طاهر، والبقعة طاهرة، وأتى بالصلاة بأركانها لابد من هذا معروف، كذلك "من مات لا يشرك بالله شيئًا" يعني : وأتى بالتوحيد والرسالة وآمن بالرسول وبالكتب المنزلة.

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد