شعار الموقع

شرح كتاب فتح المجيد في شرح كتاب التوحيد_6

00:00
00:00
تحميل
158

باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله

قال رحمه الله  وقول الله تعالى: '12 : 108'

(قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِين)[1].

كما هو سبيل المرسلين وأتباعهم، كما قال الحسن البصري لما تلا قوله تعالى: '41 : 33' (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِين) فقال: هذا حبيب الله، هذا ولي الله، هذا صفوة الله، هذا خيرة الله، هذا أحب أهل الأرض إلى الله، أجاب الله في دعوته، ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته، وعمل صالحًا في إجابته (وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِين)، هذا خليفة الله[2].

 

 قال أبو جعفر ابن جرير: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم (قُلْ) يا محمد (هَذِهِ) الدعوة التي أدعو إليها، والطريقة التي أنا عليها، من الدعاء إلى توحيد الله، وإخلاص العبادة له دون الآلهة والأوثان، والانتهاء إلى طاعته وترك معصيته (سَبِيلِي) وطريقتي، ودعوتي (أَدْعُو إِلَى اللَّهِ) تعالى وحده لا شريك له (عَلَى بَصِيرَةٍ) بذلك، ويقين علمٍ مني به (أَنَا) ويدعو إليه على بصيرة أيضًا من اتبعني، وصدّقني وآمن بي (وَسُبْحَانَ اللَّهِ) يقول له تعالى ذكره: وقل تنزيهاً لله تعالى وتعظيمًا له من أن يكون له شريك في ملكه أو معبود سواه في سلطانه (وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِين) يقول: وأنا بريء من أهل الشرك به، لست منهم ولا هم مني. انتهى[3].

 

قال ابن القيم في شرح المنازل:[4]

يريد أن تصل باستدلالك إلى أعلى درجات العلم، وهي البصيرة التي تكون نسبة المعلوم فيها إلى القلب كنسبة المرئيّ إلى البصر، وهذه هي الخِصّيصة التي اختص بها الصحابة عن سائر الأمة وهي أعلى درجات العلماء.[5]

قال تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) أي أنا وأتباعي على بصيرة، وقيل: (مَنِ اتَّبَعَنِي) عطف على المرفوع في (أَدْعُو) أي: أنا أدعو إلى الله على بصيرة، ومن اتبعني كذلك يدعو إلى الله تعالى (عَلَى بَصِيرَةٍ)، وعلى القولين فالآية تدل على أن أتباعه هم أهل البصائر الداعون إلى الله تعالى، ومن ليس منهم فليس من أتباعه على الحقيقة والموافقة، وإن كان من أتباعه على الانتساب والدعوى.[6]

[7]منها: التنبيه على الإخلاص لأن كثيرًا ولو دعا إلى الحق فهو يدعو إلى نفسه[8].

ومنها: أن البصيرة من الفرائض.

[9]ومنها: أن من دلائل حسن التوحيد أنه تنزيه لله تعالى عن المسبّة.

[10]ومنها: أن من قبح الشرك كونه مسبةٌ لله تعالى.

ومنها: إبعاد المسلم عن المشركين لا يصير منهم، ولو لم يشرك. انتهى.[11]

وقال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في معنى قوله تعالى: '16 :125' (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَة) ذكر سبحانه مراتب الدعوة وجعلها ثلاثة أقسام بحسب حال المدعو:

فإنه إما أن يكون طالبًا للحق محبًا له، مؤثِرًا له على غيره إذا عرفه، فهذا يُدعى بالحكمة، ولا يحتاج إلى موعظة وجدال.

  1.  

وإما أن يكون مشتغلاً بضد الحق، لكن لو عرفه آثره واتبعه، فهذا يحتاج إلى الموعظة بالترغيب والترهيب.

وإما أن يكون معاندًا معارضًا، فهذا يجادل بالتي هي أحسن، فإن رجع وإلا انتقل معه إلى الجلاد إن أمكن. انتهى[12].

وقال أيضًا – رحمه الله تعالى –: والفرق بين حبِّ الإمامة والدعوة إلى الله وحبِّ الرياسة هو الفرق بين تعظيم أمر الله والنصح له، وتعظيم النفس والسعي في حظها.[13]

فإن الناصح لله، المحبَّ له، يحب أن يطاع ربه فلا يعصى، وأن تكون كلمته هي العليا، وأن يكون الدين كله لله.[14]

وأن يكون العباد ممتثلين أوامره، مجتنبين نواهيه.[15]

فقد ناصح الله في عبوديته،[16]

وناصح خلقه في الدعوة إلى الله، فهو يحب الإمامة في الدين، بل يسأل ربه أن يجعله للمتقين إمامًا يقتدي به المقتدون، كما اقتدى هو بالمتقين.

[17]فإذا أحب هذا العبد الداعي إلى الله أن يكون في أعين الناس جليلاً، وفي قلوبهم مهيبًا، وإليهم حبيبًا، وأن يكون فيهم مُطاعًا لكي يَأْتمُّوا به، ويقتفوا أثر الرسول - صلى الله عليه وسلم - على يديه، لم يضرّه ذلك بل يُحمد عليه؛ لأنه داعٍ إلى الله، يُحب أن يطاع ويُعبد ويُوَحَّد، فهو يحب ما يكون عونًا على ذلك، موصلاً إليه؛ ولهذا ذكر الله سبحانه عباده الذين اختصهم لنفسه، وأثنى عليهم في تنزيله، وأحسن جزاءهم يوم لقائه، فذكَرهم بأحسن أعمالهم وأوصافهم، ثم قال: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا).[18]

[19]فسألوه أن يقرَّ أعينهم بطاعة أزواجهم وذرياتهم له سبحانه، وأن يسرّ قلوبهم باتباع المتقين لهم على طاعته وعبوديته، فإن الإمام والمؤتمّ متعاونان على طاعته،[20]

وإنما سألوه ما يعاونون به المتقين على مرضاته وطاعته، وهو دعوتهم إلى الله بالإمامة في الدين التي أساسها الصبر واليقين، قال تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ).[21]

فسؤالهم أن يجعلهم أئمة للمتقين هو سؤالهم أن يهديهم ويوفقهم، ويمنّ عليهم بالعلوم النافعة، الأعمال الصالحة ظاهرًا وباطنًا التي لا تتم الإمامة إلا بها.

وتأمل كيف نسبهم في هذه الآيات إلى اسم الرحمن جل جلاله، ليعلم خلقه أن هذا إنما نالوه بفضله ورحمته، ومحض جوده ومنته.[22]

وتأمل كيف جعل جزاءهم في هذه الصورة، الغُرَف: وهي المنازل العالية في الجنة.[23]

 

وهذا لمَّا كانت الإمامة في الدين من الرتب العالية – بل من أعلى مراتب يُعطاها العبد في الدنيا – كان جزاؤه عليها الغرف العالية في الجنة.[24]

وهذا بخلاف طلب الرياسة، فإنّ طالبيها يسعون في تحصيلها؛ لينالوا بها أغراضهم من العلو في الأرض، وتعبُّد القلوب لهم، وميلها إليهم ومساعدتهم لهم على جميع أغراضهم، مع كونهم عالين عليهم، قاهرين لهم[25].

فترتّب على هذا الطلب من المفاسد ما لا يعلمه إلا الله،[26]

من البغي، والحسد، والطغيان، والظلم، والعصبية، والحمية للنفس دون حق الله، وتعظيم من حقَّره الله، واحتقار من أكرمه الله، ولا تتم الرياسة الدنيوية إلا بذلك، ولا تُنال إلا بأضعافه من المفاسد،والرؤساء في عمى عن هذا، فإذا كُشف الغطاء تبين لهم فساد ما كانوا عليه،[27]

ولاسيما إذا حشُروا في صفة الذر، يطؤهم أهل الموقف بأرجلهم، إهانة لهم، وتحقيرًا وتصغيرًا، كما صغروا أمرا لله، وحقروا عباده. انتهى كلامه رحمه الله.[28]

وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذًا إلى اليمن قال له: "إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله - وفى رواية: إلى أن يوحدوا الله

فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقةً تؤخذ من أغنيائهم فتُرَدُّ على فقرائهم، فإن هم أطاعوك لذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب". أخرجاه.[29]

 

قال الحافظ: كان بعث معاذ إلى اليمن سنة عشر، قبل حج النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكره المصنف - يعنى البخاري في أواخر المغازي - وقيل: كان ذلك في آخر سنة تسع عند منصرفه صلى الله عليه وسلم من تبوك. رواه الواقدي بإسناد إلى كعب بن مالك، وأخرجه ابن سعد في لطبقات عنه، واتفقوا على أنه لم يزل على اليمن إلى أن قدم في خلافة أبى بكر رضي الله عنه ثم توجه إلى الشام فمات بها[30].

قال شيخ الإسلام: ومن فضائل معاذ رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم بعثه إلى اليمن مبلغًا عنه، ومُفقِّهًا ومُعلِّمًا وحاكمًا.[31]

قوله: "إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب" قال القرطبي: يعني اليهود والنصارى؛ لأنهم كانوا في اليمن أكثر من مشركي العرب أو أغلب، وإنما نبّه على ذلك ليتهيأ لمناظرتهم[32].

[33]وقال الحافظ: هو كالتوطئة للوصية ليجمع همته عليها .

قوله: "فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله" شهادة: رفع على أنه اسم يكن مؤخر، وأول: خبرها مقدّم، ويجوز العكس.[34]

قوله: "وفى رواية إلى أن يوحدوا الله" هذه الرواية ثابتة في كتاب التوحيد من صحيح البخاري، وأشار المصنف بذكر هذه الرواية إلى التنبيه على معنى شهادة أن لا إله إلا الله، فإنّ معناها توحيد الله بالعبادة ونفي عبادة ما سواه.[35]

وفى رواية: "فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله".[36]

وذلك هو الكفر بالطاغوت والإيمان بالله، كما قال تعالى: '2 : 256' (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا) والعروة الوثقى هي [لا إله إلا الله][37].

وفى رواية للبخاري: فقال: "ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله".

قلت: لابد في شهادة أن لا إله إلا الله من سبعة شروط، لا تنفع قائلها إلا باجتماعها:

أحدها: العلم المنافي للجهل[38].

الثاني: اليقين المنافي للشك. الثالث: القبول المنافي للرد. الرابع: الانقياد المنافي للترك. الخامس: الإخلاص المنافي للشرك. السادس: الصدق المنافي للكذب. السابع: المحبة المنافية لضدها.[39]

وفيه دليل على أن التوحيد - الذي هو إخلاص العبادة لله وحده لا شريك له وترك عبادة ما سواه - هو أول واجب؛ ولهذا كان أول ما دعت إليه الرسل عليهم السلام (أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُه) وقال نوح: (أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّه)، وفيه معنى [لا إله إلا الله] مطابقة.[40]

قال العلامة ابن القيم رحمه الله: ولهذا خاطب الرسل أممهم مخاطبة من لاشكّ عنده في الله، وإنما دعوهم إلى عبادة الله وحده لا إلى الإقرار به، فقالت لهم (أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض).[41]

فوجوده سبحانه، وربوبيته، وقدرته، أظهر من كل شيء على الإطلاق، فهو أظهر للبصائر من الشمس للأبصار، وأبيَن للعقول من كل ما تعقله وتقرّ بوجوده، فما ينكره إلا مكابر بلسانه، وقلبه وعقله وفطرته وكلّها تكذِّبه، قال تعالى: (اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ).                                                                                        

قال شيخ الإسلام: وقد عُلم بالاضطرار من دين الرسول صلى الله عليه وسلم واتفقت عليه الأُمّة أن أصل الإسلام وأول ما يؤمر به الخلق: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله.[42]

فبذلك يصير الكافر مسلمًا، والعدو وليًا، والمباح دمه وماله معصوم الدم والمال، ثم إن كان ذلك من قلبه فقد دخل في الإيمان، وإن قاله بلسانه دون قلبه فهو في ظاهر الإسلام دون باطن الإيمان[43].

قال: وأما إذا لم يتكلم بها مع القدرة فهو كافر باتفاق المسلمين باطنًا وظاهرًا، عند سلف الأمة وأئمتها وجماهير العلماء. انتهى.[44]

قال المصنف رحمه الله تعالى: وفيه أن الإنسان قد يكون عالمًا وهو لا يعرف معنى لا إله إلا الله، أو يعرفها ولا يعمل بها[45].

[46]قلت: فما أكثر هؤلاء - لا كثرهم الله تعالى.

قوله: "فإن هم أطاعوك لذلك" أي شهدوا وانقادوا لذلك "فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات" فيه: أن الصلاة أعظم واجب بعد الشهادتين.

قال النووي ما معناه أنه يدل على أن المطالبة بالفرائض في الدنيا لا يكون إلا بعد الإسلام، ولا يلزم من ذلك أن لا يكونوا مخاطبين بها، ويزاد في عذابهم بسببها في الآخرة[47].

[48]والصحيح أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة المأمور به والمنهي عنه.[49]

وهذا قول الأكثرين[50] قوله: "فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم" فيه دليل على أن الزكاة أوجب الأركان بعد الصلوات، وأنها تؤخذ من الأغنياء وتصرف إلى الفقراء، وإنما خص النبي صلى الله عليه وسلم الفقراء؛ لأن حقهم في الزكاة آكد من حق بقية الأصناف الثمانية.

وفيه: أن الإمام هو الذي يتولى قبض الزكاة وصرفها إما بنفسه أو نائبه، فمن امتنع عن أدائها إليه أخذت منه قهرًا.[51]

في الحديث دليل على أنه يكفي إخراج الزكاة في صنف واحد، كما هو مذهب مالك وأحمد.[52]

وفيه: أنه لا يجوز دفعها إلى غني ولا إلى كافر غير المؤلف،[53]

وأن الزكاة واجبة في مال الصبي والمجنون، كما هو قول الجمهور؛ لعموم الحديث.[54]

قلت: والفقير إذا أُفرد في اللفظ تناول المسكين وبالعكس، كنظائره، كما قرره شيخ الإسلام.

[55]قوله: "وإياك وكرائم أموالهم" بنصب كرائم على التحذير، جمع كريمة، قال صاحب المطالع: هي الجامعة للكمال الممكن في حقها من غزارة لبن، وجمال صورة، وكثرة لحم وصوف، ذكره النووي.[56]

قلت وهي خيار المال وأنفسه وأكثره ثمنًا.

وفيه: أنه يحرم على العامل في الزكاة أخذ كرائم المال ، ويحرم على صاحب المال إخراج شرار المال، بل يخرج الوسط، فإن طابت نفسه بالكريمة جاز.

قوله: "واتق دعوة المظلوم" أي اجعل بينك وبينها وقاية بالعدل وترك الظلم، وهذان الأمران يقيان من رزقهما من جميع الشرور دنيا وأخرى.[57]

وفيه: تنبيه على التحذير من جميع أنواع الظلم.

قوله: "فإنه" أي الشأن "ليس بينها وبين الله حجاب" هذه الجملة مُفسّرة لضمير الشأن، أي فإنها لا تحجب عن الله فيقبلها.

وفى الحديث أيضًا: قبول خبر الواحد العدل، ووجوب العمل به، وبعث الإمام العمال لجباية الزكاة.[58]

وأنه يعظِ عماله وولاته، ويأمرهم بتقوى الله تعالى، ويعلمهم، وينهاهم عن الظلم ويُعَرِّفهم سوء عاقبته، والتنبيه على التعليم بالتدريج. قاله المصنف .

قلت: ويبدأ بالأهم فالأهم.

[59]واعلم أنّه لم يذكر في الحديث الصوم والحج، فأشكل ذلك على كثير من العلماء[60].

قال شيخ الإسلام: أجاب بعض الناس أن بعض الرواة اختصر الحديث وليس كذلك، فإن هذا طعن في الرواة؛ لأن ذلك إنما يقع في الحديث الواحد، مثل حديث وفد عبد القيس، حيث ذكر بعضهم الصيام وبعضهم لم يذكره، فأما الحديثان المنفصلان فليس الأمر فيهما كذلك، ولكن عن هذا جوابان:

أحدهما: أن ذلك بحسب نزول الفرائض، وأول ما فرض الله الشهادتين ثم الصلاة، فإنه أمر بالصلاة في أول أوقات الوحي، ولهذا لم يذكر وجوب الحج، كعامة الأحاديث، إنما جاء في الأحاديث المتأخرة.

قلت: وهذا من الأحاديث المتأخرة ولم يذكر فيها[61].

الجواب الثاني: أنه كان يذكر في كل مقام ما يناسبه، فيذكر تارة الفرائض التي يقاتل عليها كالصلاة والزكاة، ويذكر تارة الصلاة والصيام لمن لم يكن عليه زكاة، ويذكر تارة الصلاة والزكاة والصوم، فإما أن يكون قبل فرض الحج، وإما أن يكون المخاطب بذلك لا حج عليه، وأما الصلاة والزكاة فلهما شأن ليس لسائر الفرائض، ولهذا ذكر الله تعالى في كتابه القتال عليهما؛ لأنهما عبادتان ظاهرتان، بخلاف الصوم فإنه أمْرٌ باطن من جنس الوضوء والاغتسال من الجنابة، ونحو ذلك مما يؤتمن عليه العبد.[62]

فإن الإنسان يمكنه أن لا ينوي الصوم وأن يأكل سرًا، كما يمكنه أن يكتم حدثه وجنابته، وهو  صلى الله عليه وسلم  يذاكر في الأعمال الظاهرة التي يقاتل الناس عليها ويصيرون مسلمين بفعلها، فلهذا علّق ذلك بالصلاة والزكاة دون الصوم،[63]

وإن كان واجبًا، كما في آيتي براءة فإن براءة نزلت بعد فرض الصيام باتفاق الناس، وكذلك لما بعث معاذًا إلى اليمن لم يذكر في حديث الصوم؛ لأنه تبعٌ وهو باطن، ولا ذكر الحج لأن وجوبه خاص ليس بعام ولا يجب في العمر إلا مرة. انتهى بمعناه[64].

[65]قوله: أخرجاه: أي البخاري ومسلم، وأخرجه أيضًا أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة.

 

ولهما عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: "لأعطين الراية غدًا رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، يفتح الله على يديه، فبات الناس يدوكون ليلتهم أيُّهم يعطاها، فلمّا أصبحوا غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يعطاها، فقال: "أين علي بن أبى طالب؟" فقيل: هو يشتكي عينيه، فأرسلوا إليه فأتي به فبصق في عينيه، ودعا له، فَبَرَأ كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية فقال: "انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه، فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من حمر النعم". يدوكون أي يخوضون.[66]

[67]غافلون، وأنعامهم تسقى على الماء فقتل مقاتلتهم وسبى ذراريهم؛ لأنهم بُلِّغوا الدعوة ولم يؤمنوا فقوتلوا.

[68]قال شيخ الإسلام: أجاب بعض الناس أن بعض الرواة اختصر الحديث وليس كذلك......[69].

قوله: قال يوم خيبر، أي في غزوة خيبر، وفي الصحيحين عن سلمة بن الأكوع – رضي الله عنه – قال: كان علي – رضي الله عنه – قد تخلَّف عن النبي – صلى الله عليه وسلم – في خيبر، وكان أرمدًا، وقال: أنا أتخلّف عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فخرج عليٌ رضي الله عنه – فلحق بالنبي – صلى الله عليه وسلم – فلما كان مساء الليلة التي فتح الله عز وجل في صباحها قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "لأعطين الراية – أو ليأخذن الراية غدًا رجلاً يحبه الله ورسوله – أو قال يحب الله ورسوله – يفتح الله على يديه، فإذا نحن بعليٍّ وما نرجوه،[70]

فقالوا: هذا علي، فأعطاه رسول الله  صلى الله عليه وسلم  الراية، ففتح الله عليه.[71]

قوله: "لأعطين الراية" قال الحافظ: في رواية بريدة: "إني دافع اللواء إلى رجل يحبه الله ورسوله" وقد صرّح جماعة من أهل اللغة بترادفهما، ولكن روى أحمد والترمذي من حديث ابن عباس: كانت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم سوداء ولواؤه أبيض، ومثله عند الطبراني عن بريدة وعن ابن عدي عن أبى هريرة وزاد: مكتوب فيه: لا إله إلا الله محمد رسول الله.

قوله: "يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله".

[72]فيه: فضيلة عظيمة لعلي رضي الله عنه.[73]

قال شيخ الإسلام: ليس هذا الوصف مختصا بعلي ولا بالأئمة، فإن الله ورسوله يحب كل مؤمن تقي يحب الله ورسوله، لكن هذا الحديث من أحسن ما يحتج به على النواصب الذين لا يتولونه أو يكفرونه أو يفسقونه، كالخوارج.[74]

لكن هذا الاحتجاج لا يتم على قول الرافضة الذين يجعلون النصوص الدالة على فضائل الصحابة كانت قبل رِدّتهم، فإن الخوارج تقول في علي مثل ذلك، ولكن هذا باطل فإن الله تعالى ورسوله لا يُطْلق مثل هذا المدح على من يعلم الله أنه يموت كافرًا.[75]

وفيه إثبات صفة المحبة خلافًا للجهمية ومن أخذ عنهم.

قوله: "يفتح الله على يديه" صريح في البشارة بحصول الفتح[76].

فهو علم من أعلام النبوة.

[77]قوله: فبات الناس يدوكون ليلتهم، بنصب ليلتهم، ويدوكون قال المصنف: يخوضون أي: فيمن يدفعها إليه.

وفيه: حرص الصحابة على الخير واهتمامهم به وعلو مرتبتهم في العلم والإيمان.[78]

قوله: أيهم يُعْطاها، هو برفع أي على البناء لإضافتها وحذف صدر صلتها.[79]

قوله: فلما أصبحوا غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يعطاها.

 

[80]وفي رواية أبي هريرة عند مسلم أن عمر قال: ما أحببت الإمارة إلا يومئذ[81].

قال شيخ الإسلام: إن في ذلك شهادة النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بإيمانه باطنًا وظاهرًا، وإثباتًا لموالاته لله تعالى ورسوله، ووجوب موالاة المؤمنين له، وإذا شهد النبي صلى الله عليه وسلم لمعين بشهادة، أو دعا له أحب كثير من الناس أن يكون له مثل تلك الشهادة[82].

ومثل ذلك الدعاء، وإن كان النبي  صلى الله عليه وسلم  يشهد بذلك لخلقٍ كثير، ويدعو لخلقٍ كثير، وهذا كالشهادة بالجنة لثابت بن قيس، وعبد الله بن سلام، وإن كان قد شهِد بالجنة لآخرين، والشهادة بمحبة الله ورسوله للذي ضُرب في الخمر[83].

قوله: "فقال أين علي بن أبى طالب؟" فيه سؤال الإمام عن رعيته وتفقد أحوالهم.

قوله: فقيل هو يشتكي عينيه، أي من الرمد، كما في صحيح مسلم عن سعد بن أبي وقاص فقال: "ادعوا لي عليًا" فأُتي به أرمد، الحديث.

وفي نسخة صحيحة بخط المصنف: فقيل هو يشتكي عينيه، فأَرسل إليه، مبني للفاعل، وهو ضمير مستتر في الفعل راجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يكون مبينًا لما لم يسمَّ فاعله.

ولمسلم من طريق إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال: فأرسلني إلى علي فجئت به أقوده أرمد.[84]

قوله: فبصق، بفتح الصاد، أي: تفل.

 

قوله: ودعا له فبرأ، هو بفتح الراء والهمزة، أي: عوفي في الحال عافية كاملة كأن لم يكن به وجع من رمد ولا ضعف بصر.

[85]وعند الطبراني من حديث علي: فما رمدت ولا صُدعت منذ دفع النبي صلى الله عليه وسلم إلي الراية.

وفيه دليل على الشهادتين.[86]

قوله: فأعطاه الراية[87]،

قال المصنف: فيه الإيمان بالقدر؛ لحصولها لمن لم يسعَ ومنعها عمن سعى   

وفيه: أن فعل الأسباب المباحة أو الواجبة أو المستحبة لا ينافي التوكل[88].

قوله: وقال: "انفذ على رسلك" بضم الفاء أي امض، ورسلك بكسر الراء وسكون السين أي: على رفقك من غير عجلة، وساحتهم: فناء أرضهم وهو ما حولها.

وفيه: الأدب عند القتال، وترك العجلة والطيش والأصوات التي لا حاجة إليها.

وفيه: أمر الإمام عُمّاله بالرفق من غير ضعف ولا انتقاض عزيمة، كما يشير إليه قوله: "حتى تنزل بساحتهم".

قوله: "ثم ادعهم إلى الإسلام" أي: الذي هو معنى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإن شئت قلت: الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، وما اقتضته الشهادتان من إخلاص العبادة لله وحده، وإخلاص الطاعة له ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ومن هنا طابق الحديث الترجمة، كما قال تعالى لنبيه ورسوله: '3 : 64' (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ).[89]

قال شيخ الإسلام رحمه الله: والإسلام: هو الاستسلام لله، وهو الخضوع له والعبودية له. كذا قال أهل اللغة.

وقال رحمه الله تعالى: ودين الإسلام الذي ارتضاه الله وبعث به رسله: هو الاستسلام له وحده، فأصله في القلب والخضوع له وحده بعبادته وحده دون ما سواه.

خضوعٌ بالقلب وانقياد في الظاهر، استسلام وانقياد.

فمن عبده وعبد معه إلهًا آخر لم يكن مسلمًا، ومن استكبر عن عبادته لم يكن مسلمًا، وفي الأصل: هو من باب العمل، عمل القلب والجوارح، وأما الإيمان فأصله تصديق القلب وإقراره ومعرفته، فهو من باب قول القلب المتضمن عمل القلب. انتهى.[90]

فتبين أن أصل الإسلام هو التوحيد ونفي الشرك في العبادة، وهو دعوة جميع المرسلين، وهو الاستسلام لله تعالى بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة فيما أمرهم به على ألسن رسله، كما قال تعالى عن نوح أول رسول أرسله: '71 : 3' (أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُون).

وفيه: مشروعية الدعوة قبل القتال، لكن إن كانوا قد بلغتهم الدعوة جاز قتالهم ابتداءً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أغار على بني المصطلق وهم غارّون، وإن كانوا لم تبلغهم الدعوة وجبت دعوتهم.[91]

قوله: "وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه" أي: في الإسلام، إذا أجابوك إليه فأخبرهم بما يجب من حقوقه التي لابد لهم من فعلها، كالصلاة والزكاة، كما في حديث أبى هريرة: فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، ولمّا قال عمر لأبي بكر في قتاله مانعي الزكاة: كيف تقاتل النساء وقد قال رسول الله - صلى اله عليه وسلم -: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها" قال أبو بكر: فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقًا كانوا يؤدونها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم على منعها.

وفيه: بعث إلإمام الدعاة إلى الله تعالى، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون يفعلون، كما في المسند عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال في خطبته : ألا إني والله ما أرسل عمالي إليكم ليضربوا أبشاركم، ولا ليأخذوا أموالكم، ولكن أرسلهم إليكم ليعلموكم دينكم وسننكم.

قوله: "فوالله لأن يهدى الله بك رجلاً واحدًا خير لك من حمر النعم" أن مصدرية، واللام قبلها مفتوحة، لأنها لام القسم، وأن والفعل بعدها في تأويل مصدر رُفع على الابتداء، والخبر خير، وحُمْر بضم المهملة وسكون الميم، جمع أحمر، والنعم بفتح النون والعين المهملة، أي خير لك من الإبل الحمر، وهي أنفس أموال العرب.[92]

قال النووي: وتشبيه أمور الآخرة بأمور الدنيا إنما هو للتقريب إلى الأفهام، وإلا فذرّة من الآخرة خير من الأرض بأسرها وأمثالها معها.

وفيه: فضيلة من اهتدى على يديه رجل واحد، وجواز الحلف على الخبر والفتيا ولو لم يستحلف[93].

وفي رواية: كان ناس من الإنس يعبدون ناسًا من الجن، فأسلم الجن وتمسك هؤلاء بدينهم[94].

وقول ابن مسعود: هذا يدل على أن الوسيلة هي الإسلام، وهو كذلك على كلا القولين.

وقال السدي عن أبي صالح عن ابن عباس في الآية قال: عيسى وأمُّه وعزير.

وقال مغيرة عن إبراهيم: كان ابن عباس يقول في هذه الآية: هم عيسى وعزير والشمس والقمر[95].

وقال مجاهد: عيسى وعزير والملائكة.

وقوله: (وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ) لا تتم العبادة إلا بالخوف والرجاء، فكل داعٍ دعاء عبادة أو استغاثة لابد له من ذلك، فإما أن يكون خائفًا، وإما أن يكون راجيًا، وإما أن يجتمع فيه الوصفان.

قال شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى - في هذه الآية الكريمة لما ذكر أقوال المفسرين: وهذه الأقوال كلها حق، فإن الآية تعمّ من كان معبوده عابدًا لله، سواء كان من الملائكة أو من الجن أو من البشر، والسلف في تفسيرهم يذكرون جنس المراد بالآية على نوع التمثيل، كما يقول الترجمان لمن سأله: ما معنى الخبز؟ فيريه رغيفًا فيقول: هذا.

[96]فالإشارة إلى نوعه لا إلى عينه، وليس مرادهم بذلك تخصيص نوع دون نوع مع شمول الآية، فالآية خطاب لكل من دعا من دون الله مدعوًّا، وذلك المدعوّ يبتغي إلى الله الوسيلة ويرجو رحمته ويخاف عذابه، فكل من دعا ميتًا أو غائبًا من الأنبياء والصالحين سواء كان بلفظ الاستغاثة أو غيرها فقد تناولته هذه الآية الكريمة، كما تتناول من دعا الملائكة والجن، فقد نهى الله تعالى عن دعائهم، وبيّن أنهم لا يملكون كشف الضر عن الداعين ولا تحويله، لا يرفعونه بالكلية ولا يحولونه من موضع إلى موضع، كتغيير صفته أو قدره، ولهذا قال: (وَلَا تَحْوِيلًا) فذكر نكرة تعم أنواع التحويل .[97]

[98]فكل من دعا ميتًا أو غائبًا من الأولياء والصالحين، أو دعا الملائكة فقد دعا من لا يغيثه ولا يملك كشف الضر عنه ولا تحويله. انتهى.

وفى هذه الآية ردٌ على من يدعو صالحًا ويقول أنا لا أشرك بالله شيئًا، الشرك عبادة الأصنام.[99]

 

[1] لما ذكر المصنف رحمه الله التوحيد وفضله وما يوجب الخوف من ضدّه نبّه بهذه الترجمة على أنه لا ينبغي لمن عرف ذلك أن يقتصر على نفسه، بل يجب عليه أن يدعو إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة.

يعني إذا عرف التوحيد وعرف فضله، وعرف ما يضاده من الشرك ومَنَّ الله عليه بذلك عليه أن يبلغ هذا الخير الآخرين، ويوصله إليهم، فيدعوهم إلى هذا التوحيد الذي من الله عليهم به.

 

[2] يقصد الحسن البصري هذا الذي دعا إلى الله وعمل صالحًا، هو حبيب الله، هو ولي الله، وهو صفوة خلق الله، صفوة الله هم الذين وحّدوا الله وأخلصوا له العبادة ودعوا الناس إلى هذا الخير، وصبروا على الأذى.

 

[3] هذه آية عظيمة (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِين) هذه طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم  وطريقة  أتباعه عليه الصلاة والسلام  وهي الدعوة إلى توحيد الله، يوحِّد الإنسان ربه، ثم يعمل الواجبات ويؤدي حقوق التوحيد، ثم يدعو إلى التوحيد على بصيرة، هذه الطريقة هي طريقة الرسول  صلى الله عليه وسلم  وطريقة أتباعه، كونه يدعوا إلى الله، إلى توحيد الله، (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي) طريقتي، والدعوة التي أنا عليها من الدعوة إلى التوحيد، بعد العمل بالتوحيد، يعمل الإنسان بالتوحيد، يكون موحد ويعمل بالتوحيد، ثم يدعوا إليه.

(وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِين) وهي طريقة الرسول  صلى الله عليه وسلم  وطريقة أتباعه دلّت الآية على أن الدعوة إلى توحيد الله هي طريقة الرسول  صلى الله عليه وسلم  وطريقة أتباعه، الدعوة على بصيرة وعلى علم وعلى يقين، لا على الجهل.

 

[4] يعني منازل السائرين، وهو مدارج السالكين، سمَّى الكتاب مدراج السالكين شرح منازل السائرين بين إياك نعبد وإياك نستعين، منازل السائرين للهروي وهو إسماعيل الهروي، له كتاب سمَّاه منازل السائرين بين إياك نعبد وإياك نستعين، منازل السائرين إلى الله، شرحه في مدارج السالكين، وهو كتاب للهروي _ منازل السائرين _ ناقش ابن القيم رحمه الله في كثير من المسائل على طريقة الصوفية، وإن كان لهم كلام جيد، لكن على طريقة الصوفية.

 

[5] وهؤلاء هم العلماء الربانيون، الذين يدعون الله على بصيرة هم العلماء الربانيون، الذي يوحِّد الله ويعمل بعلمه، ثم يدعو الناس إلى هذا الخير، يربيهم.

العالم الرباني: هو الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره.

 

[6] الداعون: إذا كانت وصف لأهل، تكون الداعون:هم أهل البصائر الداعون.

وإذا كانت وصف للبصائر تكون الداعين، البصائر مجرورة تكون الداعين

[7] الأقرب أنها الداعون، أهل البصائر الداعون.

[8] وهذا مأخوذ من قوله: (إِلَى اللَّهِ)، تدعو إلى الله، تبني على الإخلاص، تدعو إلى الله لا تدعو إلى نفسك، بعض الناس وإن كان يدعو إلى نفسه، يعني حتى يُعظَّم، فهو يدعو حتى يعظم، ويثنى عليه ويمدح، أو يحصل على شيء من أمور الدنيا، هذا يدعوا إلى نفسه ما دعا إلى الله.

قال(أَدْعُو إِلَى اللَّهِ) فيه التنبيه على الإخلاص وأن الدعوة تكون إلى الله، ولهذا لا تنتصر لنفسك، ما ينتصر الإنسان لنفسه، ويصبر على الأذى والتحمل، ولا يبالي بثناء الناس ولا بمدحهم؛ لأنه يدعوا إلى الله ما يدعوا لنفسه، هذا فيه التنبيه على الإخلاص.

الإنسان يدعو إلى الحق لكن مقصوده الفائدة التي تحصل له، العلو والمكانة بين الناس، حتى يكون له مكانة ومنزلة عند الناس، حتى يحصل على ما يريد، هذا وإن دعا إلى الحق لكن ما دعا إلى الله، دعا لنفسه، والواجب على الإنسان أن يدعوا إلى الله، ولو كان يدعو إلى الحق، قد يكون يدعو إلى الحق لكن ما دعا إلى الله دعا لنفسه، يدعو إلى الحق لكن له مقصد، مصلحة يستفيده هو ،حتى يستفيد علوه ومكانته من الناس، أو حتى يحصل على شيء يريده، الواجب أن تكون الدعوة إلى الله، لا إلى نفسه.

 

[9] (أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ) البصيرة من الفرائض، العلم، يكون الإنسان عالم بما يدعو، عالم بما يعمل، ليس هناك عمل إلا ببصيرة، وليس هناك دعوة إلا ببصيرة، يدعو الإنسان إلى جهل ما يصح، أو يعمل بجهل ما يصح، فريضة على الإنسان أن يتعلّم حتى يعمل به، وأن يتعلم ما يدعوا إليه حتى يدعو على بصيرة، أما أن يعمل بجهل هذا ما ينفع، أو يدعو على جهل كذلك، لا بد من البصيرة، فرض على الإنسان أن يكون على بصيرة، والبصيرة هي العلم.

 

[10] والشرك مسبّة لله، تنقّص لله، مسبة معناه: الذم والعيب، فالمشرك تنقص الله، والموحِّد نزّه الله، إذن من حسن التوحيد أن فيه تنزيه لله عن المسبة وعن التنقيص والعيب، والشرك فيه تنقص لله، المشرك تنقص الله، وذمّه وعابه، حيث صرف محض حقّه إلى مخلوق ناقص، هذا ذم وعيب، هذا تنقّص لله، فمن حسن التوحيد أنه تنزيه لله عن النقص والعيب، ومن مساوئ الشرك أنه ذمٌ لله وعيبٌ لله وتنقّصٌ له.

 

[11] قوله: (وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِين) هذه براءة من الشرك وأهله.

هذه تنبيهات المصنف للإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – تنبيهات عظيمة دقيقة، تدل على عنايته بهذا الأمر، بالتوحيد.

لا يخالطهم، لا في أماكنهم، ولا في ديارهم، ولهذا جاء في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: "أنا بريء من كل مسلم يقيم بين المشركين، لا تراءى نارهم" فالبعد عن المشرك لا يختلط به لا في المكان، ولا في الديار، يبتعد عنهم.

 

[12] إلى الجلاد يعني القتال، وهذه مراتب الناس، الناس المخالفين للحق على هذه الأقسام الثلاثة:

قسم جاهل ما يعرف الحق، لو عرفه لتبعه وقبله، وهذا يدعى بالحكمة.

قسم آخر يعمل بضد الحق، يعمل بالباطل الذي هو ضد الحق، هذا يحتاج إلى موعظة حتى يُبَيّن له الحق، وأن ما هو عليه باطل.

وقسم معاند يكابر، يعرف الحق ولكنه معاند لا يريد الحق، هذا يحتاج إلى الموعظة (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) هذا يحتاج إلى الجدال.

فالجاهل يُدعى بالحكمة، ومن اشتغل بضد الحق يدعى بالموعظة، ومن عاند وكابر يُدعى بالجدال.

 

[13] يعني حب الإمامة في الدعوة إلى الله، هذا غير الذي يحب الرياسة والظهور، حب الرياسة هذا معظم لنفسه، والذي يحب الإمامة في الدين هذا معظم لله، بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين، قال تعالى(وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ) هذه الإمامة في الدين، ومن دعاء عباد الرحمن (وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) فمحبة أن يكون الإنسان إمام في الدين يعني يُقتدى به في الخير، يدعوا إلى الحق، أما محبة الرياسة والزعامة هذه وسائل دنيوية، تتعلق بالدنيا، الإمامة تتعلق بالدين، والرياسة بالدنيا.

 

[14] هذا هو الناصح لله يحب أن يطاع الله فلا يعصى، وأن يكون الدين كله لله، بخلاف حب الرياسة.

 

[15] هذا الناصح لله يحب الخير للناس جميعًا، يحب أن يكون الناس كلهم ملتزمين، يحب أن يكون الناس كلهم عاملون بالكتاب والسنة، هذا الناصح.

 

[16] يعني فأخلص العبادة لله.

 

[17] كما قال تعالى عن عباد الرحمن (وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا).

 

[18] وهؤلاء هم عباد الله الذين اختصهم، أضافهم إليه، قال: (عِبَادُ الرَّحْمَن) هذه عبودية خاصة، وإلا فالعبودية العامة الناس كلهم عبيد الله، بل كل من في السماوات والأرض عبد لله، يعني بمعنى أنهم معبودون مقهورون مذلَّلون، تجري فيهم أقدار الله، وتنْفُـذ فيهم مشيئته، لا يمتنعون، هذا وصف عام لجميع الخلق، قال سبحانه: (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا)، لكن قوله: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا) هذه عبودية خاصة، وهو أنهم عبدوا الله باختيارهم.

فرق بين العبودية الخاصة والعبودية العامة:

العبودية العامة: مسخّرون تسخير، كل من في السماوات مسخر تجري فيه مشيئة الله، شاء أم أبى، الكافر والمؤمن، من ذلك أنه ينفذ الموت في المؤمن والكافر، ما يمتنع، وهكذا جميع الأقدار تنفذ فيهم، هذه العبودية العامة، (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا).

 

[19] أمّا العبودية الخاصة: العبودية التي تكون بالاختيار، يعبد ربه باختياره، وهذه خاصة بالمؤمنين.

 

[20] الإمام و المؤتم يعني الذي يُقتدى به كلهم متعاونون على الطاعة، الإمام في الدين والذي يقتدي به كذلك.

 

[21] بالصبر واليقين تُنال الإمامة في الدين.

 

[22] نعم بلا شك ليس بحولهم وقوتهم، بل هو الذي منّ عليهم سبحانه وتعالى.

 

[23] (أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا) – نسأل الله العظيم من فضله –.

[24] أعلى مرتبة معنوية في الدنيا: الإمامة في الدين، والجزاء من جنس العمل، جزاؤها: الغرف العالية في الجنة، فحصل لهم جزاءان: إمامة في الدين، وغرف عالية في الجنة، جزاء من رب العالمين، وهذا للرسل وأتباعهم، والعلماء الربانيين.

 

[25] قال تعالى: (تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا)، فرعون حصلت له السيادة فعلى في الأرض(إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ).

 

[26] طلب الرياسة في الدنيا.

 

[27] نعم في عمى لأنهم في خمر، الرياسة مثل الخمر، الرياسة والمنصب خمر يغطي العقل، ما يتبين إلا بعد ذلك.

 

[28] كما في الحديث: "أن المتكبرين يحشرون أمثال الذر، يطؤهم الناس".

 

[29] وهذا فيه دليل على معنى الشهادة المراد المعنى وليس اللفظ، "فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله - وفي لفظ - إلى أن يوحدوا الله" ليس المراد قولها باللسان بل المراد المعنى، والعمل، المعنى أن يشهدوا شهادة أن لا إله إلا الله يعني أن يوحدوا الله، والروايات يفسر بعضها بعضًا، وليس المراد باللسان فقط.

 

[30] مات في طاعون عَمَواس، ذهب في آخر سنة تسع وأول سنة عشر، والنبي - صلى الله عليه وسلم - توفي سنة عشر، بقي أميرًا على اليمن حتى قدم في خلافة أبي بكر.

 

[31] مُفقِّهًا: يعني يُفقِّههم، لكن معلِّم تكفي عنهم، ما في نسخة مفتيًا؟ التعليم والتفقيه في ضمنها الإفتاء.

 

[32] فيه: أنه ينبغي للداعية أن يعرف أحوال المدعوين، ولهذا علمه النبي - صلى الله عليه وسلم – " تأتي قومًا أهل كتاب" يعني: عندهم علم، استعد لمناظرتهم ومجادلتهم؛ لأنه ينبغي للداعية أن يعرف حال المدعوين؛ حتى يعطيهم ما يناسبهم، إن كانوا جُهَّال يعطيهم، إن كانوا علماء يحتاجوا إلى جدال، هؤلاء عندهم علم، أهل

[33] كتاب، "إنك تأتي قومًا أهل كتاب" يعني فاستعد لمناظرتهم ومجادلتهم، دلّ على أنّ الداعي ينبغي أن يعرف حال المدعوّين.

 

[34] "فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادةُ" أول: خبر مقدَّم، شهادة: اسمه مؤخّر.

 

[35] ليس المراد قولها باللفظ، المراد المعنى، التوحيد بالفعل، إثبات العبادة لله ونفيها عمَّا سواه.

 

[36] كل هذه الروايات تدل على أن المراد المعنى، والروايات يفسّر بعضها بعضًا، وعبادة الله: يعني توحيده.

 

[37] هي كلمة التوحيد العروة الوثقى.

 

[38] قال تعالى: (إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُون).

 

[39] هذه شروط لا إله إلا الله لابد منها:

أولاً: العلم المنافي للجهل، يعلم أن لا إله إلا الله مشتملة على نفي وعلى إثبات.

الثانية: اليقين المنافي للشك والريب، ما يكون عنده شك، وإلَا صار من المنافقين.

الثالثة: الصدق المنافي للنفاق، منافي للكذب؛ لأن المنافقين يقولونها لكن لا يُصدقون فيها.

الرابع: الإخلاص المنافي للشرك، حتى لا يقع في عمله شرك.

الخامس:القبول المنافي للرد.

السادس: الانقياد المنافي للترك.

السابع: المحبة المنافية لضدها، يعني المنافية للبغض.

زاد بعضهم ثامنًا: وهو البراءة من الشرك وأهله، وهذا الثامن مأخوذ من هذه الشروط.

علمٌ وصدقٌ يقينٌ وإخلاصك مع    محبة وانقيادٌ والقبول لها

وزاد بعضهم: الكفران بما، يعني البراءة من الشرك وأهله.

 

[40] وفيه الرد على أهل الكلام الذين يقولون: أول واجب الشك، أو النظر، أو القصد والنظر، بعض أهل الكلام يقول: أول واجب تشك فيمن حولك، ثم تنتقل من الشك إلى اليقين، تشك في هذه المخلوقات هل خلقها الله أو لا – والعياذ بالله – هذا باطل من أبطل الباطل، أو تنظر ثم تنتقل من النظر إلى اليقين، هذا باطل، من أبطل الباطل، بعضهم يقول: القصد إلى النظر.

 

[41] يعني لا يكفي مجرّد الإقرار بوجود الله، دعوتهم إلى العبادة، التوحيد وعبادة الله لا إلى مجرّد الإقرار.

 

[42] وهنا فيه الرد على أهل الكلام الذين يقولون أول واجب الشك، ثم ينتقل من الشك إلى اليقين، أو النظر أو القصد إلى النظر، هذا باطل، أول واجب هو توحيد الله وإخلاص الدين له، ولهذا الأنبياء والرسل دعوا أممهم إلى التوحيد، أول ما دعوهم إلى التوحيد (لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ)، (وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ)، (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) هكذا جميع الأنبياء والرسل.

 

[43] نعم إذا كان القلب موافق لِلِّسان هذا هو المؤمن باطنًا وظاهرًا، وإذا كان أظهر الشهادتين بلسانه وقلبه مكذب صار في الدرك الأسفل من النار، إذا مات على ذلك، ولكن نطقه بالشهادتين يعصم دمه وماله، التزامه بالإسلام في الظاهر يعصم دمه وماله؛ لأن الإسلام إنما يحكم بالظاهر، وإذا مات على ذلك وقلبه مكذِّب صار من أهل النار، بل في الدرك الأسفل من النار-نعوذ بالله -؛ لأنه ما ينفع الإيمان بالظاهر فقط وباللسان، لابد من موافقة القلب للسان، إذا كان القلب موافق هذا هو المؤمن ظاهرًا وباطنًا، وإذا كان القلب مخالف مسلمًا في الظاهر، كافر في الباطن نعوذ بالله.

 

[44] إذا لم يتكلم بالشهادتين، خلافًا للمرجئة الذين يرون أن الإيمان هو التصديق فقط، ولو لم يعمل، ولو لم ينطق بالشهادتين، هذا باطل، الماتوريدية والمرجئة يقولون: الإيمان هو التصديق فقط، والأعمال ليست من الإيمان، ولو لم ينطق، ويقولون الإقرار باللسان والنطق بالشهادتين هذا ركن زائد، ليس من الإيمان، مطلوب، لكن ليس من الإيمان، هذا باطل.

 

[45] يعني عنده شيء من العلوم، لكن ما يعرف معنى لا إله إلا الله، وهذا كثير، قد يكون عالم في النحو، عالم في اللغة، عالم في التفسير وهو ما عنده تحقيق التوحيد. 

 

[46] قال في الحاشية في التعليق على المسألة العاشرة:

[47] صحيح، المعنى أنه لا يطالب بها في الدنيا، ما يؤمر بالصلاة، والزكاة، والصوم، وهو كافر؛ لأنها لا تصح منه حال كفره، وإن كان مخاطبًا بفروع

[48] الشريعة، بمعنى أنه يوم القيامة يُعذّب على ترك التوحيد، ويعذّب على ترك الصلاة والصوم والزكاة، كلها يعذب عليها، لكن لا يطالب بها في الدنيا قبل الإسلام، قبل التوحيد، ما يطالب بالصلاة، الصيام؛ لأنها ما تنفعه حال كفره، لكن في الآخرة يعذب على هذا، وعلى هذا - نسأل الله العافية - هذا معنى كونه يخاطب بفروع الشريعة.

 

[49] يعني مخاطبون بالأوامر و بالنواهي، مخاطبون بفعل الأوامر وترك النواهي.

 

[50] . وهناك من يرى أنهم ليسوا مخاطبين بفروع الشريعة، المسألة أصولية، والصواب:أنهم مخاطبون، بمعنى أنهم يعاقبون عليه يوم القيامة، وعلى ترك التوحيد. 

 

[51] وإذا طلبها ولي الأمر فدفعها إليه برئت ذمته، إذا طلب الزكاة ولي الأمر أرسل العمال يقبضون الزكوات من التجار، من أصحاب الحبوب والثمار، من أهل المواشي، ثم دفعها إليه برأت الذّمّة.

 

[52] هناك قول آخر بأنه لابد من تعميمها للأصناف الثمانية، والصواب أنه يكفي إذا وضعها في صنف كفى، وضعها للفقراء أو الغارمين، أوفي المجاهدين للجهاد في سبيل الله كفى.

 

[53] لقوله: "تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم" فالغني لا يُعطى من الزكاة، تؤخذ من الأغنياء فترد على الفقراء، فكيف تُعطى الغني؟!

الكافر لا تُصرف عليه إلا إذا كان من المؤلفة قلوبهم، يعني يرجى أن يُسلِم، إذا كان هناك كافر يرجى أن يسلم أو يخشى شره على المسلمين يُعطى، ما يعطى الكافر إلا في هذه الحالة، إذا كان

كافرًا يُرجى أن يُسلِم يعطى ترغيبًا له في الإسلام، أو إذا كان يخشى شره على المسلمين، فيعطى من الزكاة دفعًا لشره، أما ما عدا ذلك فلا يعطى الكافر من الزكاة مطلقًا.

 

[54] ويخرجها وليهم، يخرج الزكاة وليهم.

 

[55] إذا أُطلق الفقير دخل فيه المسكين، وإذا أُطلق المسكين دخل فيه الفقير، وإذا اجتمعا فُسِّر الفقير بمن هو أشد حاجة من المسكين، الفقير أشد لأن الله بدأ بالفقراء قال: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ) فدل على أنه أشد حاجة، هذا هو الصواب.

 

[56] يعني لا تأخذ من الغنم أو من البقر كثيرة اللبن، كثيرة اللحم، جميلة المنظر، هذه من خيار المال، لا يأخذ من خيار المال ولا من شراره، لا يأخذ من الرديء ولا من الجيد، يأخذ من الوسط إلا إذا طابت نفس الكريم، أعطاها طيبة بها نفسه فلا بأس، أما أن يأخذ الكريمة ومن خيار المال، فهذا ظلم لصاحب المال؛ ولهذا قال: "واتق دعوة المظلوم" لأن الأخذ من كرائم الأموال من الظلم، إلا إذا طابت نفس صاحب المال، دفعها عن طيب نفس لا بأس، وإلا يأخذ من الوسط.

يعني: لا تأخذ من الغنم أو من البقر كثيرة اللبن، كثيرة اللحم، جميلة المنظر، هذه من خيار المال، لا يأخذ من خيار المال ولا من شراره، لا يأخذ من الرديء ولا من الجيد، يأخذ من الوسط إلا إذا طابت نفس الكريم، أعطاها طيبة بها نفسه فلا بأس، أما أن يأخذ الكريمة ومن خيار المال فهذا ظلم لصاحب المال ولهذا قال: "واتق دعوة المظلوم" لأن الأخذ من كرائم الأموال من الظلم، إلا إذا طابت نفس صاحب المال لا بأس و إلا يأخذ من الوسط.

 

[57] هذان الأمران: العدل وترك الظلم، كيف يقال إنهما أمران؟ أليس العدل ترك الظلم، وترك الظلم هو العدل؟ فكيف جعلهما أمران؟ هل ينفصل أحدهما عن الأخر؟

 قد يكون عادل من جهة، لكن هناك ظلم في بعض النواحي، إذا كان عدل وترك الظلم من جميع أنواعه وعدل حصل الخير.

 

[58] من أين أخذنا هذا: قبول خبر العدل؟

من بعث معاذ، وبعث العُمّال، كون العُمّال يبعثون إلى الناس ويأخذون، ويقبل الناس كلامهم أنهم عُمّال من قِبَل ولي الأمر.

 

[59] ولذلك بدأ النبي  صلى الله عليه وسلم  بالتوحيد، ثم الصلاة، ثم الزكاة، يبدأ بالأهم فالأهم.

 

[60] يعني في حديث معاذ لما بعثه إلى اليمن أمره بأن يدعوهم للتوحيد ثم الصلاة ثم الزكاة، ولا ذكر الصوم والحج.

 

[61] يعني هذا ردّ لهذا الجواب، حديث معاذ بعثه النبي  صلى الله عليه وسلم  في السنة التاسعة من الهجرة، متأخر.

 

[62] لأن التوحيد والصلاة والزكاة من استقام عليها استقام على بقية شرائع الإسلام.

 

[63] هذا هو الجواب الثاني لأنه ذكر لهم ما يناسب الحال هو ما يقاتلون عليه من الأشياء الظاهرة.

القول الأول أنه ما ذكر الصوم والحج لأنها ما شُرعت إلا متأخرة، لكن رُدّ هذا بأن بعث معاذ متأخر، والجواب الثاني أنه ذكر ما يناسب الحال، هذا يناسب حالهم، وهذه الثلاثة يقاتلون عليها بخلاف الصوم فإنه أمر باطني، كذلك الحج فإنه يجب على بعض الناس دون بعض.

 

[64] قال الفقي: ولعل الصواب ما أجاب به بعض العلماء من اختصار الراوي للحديث، وليس في ذلك طعن في الرواة؛ لأنهم كانوا يرون الحديث بحسب

[65] الظروف والمناسبات، فقد تكون المناسبة مقتضية لبعض الحديث، ويقتصر على هذا البعض، وذلك كثير جدًا كما تراه في البخاري وغيره والله أعلم.

الشيخ: كلام شيخ الإسلام أحسن من هذا، لا يمكن الاختصار في الحديث الواحد، أما في الأحاديث المتعددة يمكن، لو كان الحديث مثلاً له عدة روايات وبعض الرواة اختصرها وبعض الرواة أكملها يمكن يقال هذا، لكن هذا ما فيه.

 

[66] هذا فيه منقبة لعلي – رضي الله عنه – وأنه شهادة له بأنه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، ولذلك تطلّع الصحابة – رضوان الله عليهم – واستشرفوا للإمارة هنا، لا حبًا في الإمارة ولكن حبًا في المنقبة هذه، "لأعطين الراية غدًا رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله" معلوم أن كل مؤمن يحب الله ورسوله، لكن كونه نصّ عليه بعينه كونه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله هذا الكل يرغب

[67] فيه، ولهذا تطاول الناس لها، تطاول لها عمر وغيره، جاء الناس يتطاولون، يتطلعون أمام النبي – صلى الله عليه وسلم –.

وفيه: إثبات القدر، وأنّ من قُدِّر له شيء لابد أن يناله، علي بعيد ما كان عند النبي – صلى الله عليه وسلم – ويشتكي عينيه، يُقاد به، أرمد، وأُعْطيها، والذين يتطلعون عند النبي – صلى الله عليه وسلم – ما أعطاهم إياها! يتطلعون ويستشرفون لها أمام النبي – صلى الله عليه وسلم – ولم يعطوها، فقال: "أين علي" وهو غير موجود، فقالوا: أرمد يشتكي عينيه، فمن قُدِّر له شيء لابد أن يناله، فنالت علي ولم ينلها هؤلاء الذين بجواره – صلى الله عليه وسلم –.

وفيه: إثبات شهادة أن لا إله إلا الله وأنّ محمدًا رسول الله، كونه يؤتى به يُقاد، أرمد، كأنه أعمى، ثم تفل النبي – صلى الله عليه وسلم – في عينيه فبرأ في الحال! هذا فيه إثبات الشهادتين:

شهادة أن لا إله إلا الله بأن الله على كل شيء قدير، (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ).

وفيه إثبات أن محمدًا عبد ورسوله حيث أن هذه من علامات النبوّة، حيث أنه تفل في الحال ثم برأ، ولا احتاج إلى شيء آخر، لا احتاج علاج ولا غيره، الرمد معلوم أنه مرض يطول، يجلس مُدّة، لكن في الحال برأ، زال في الحال، ولم يشتكِ عينيه بعد ذلك.

وفيه: إثبات تكرار الدعوة، وهذا محل اجتهاد، ولو بلغتهم الدعوة، فمن بلغته الدعوة يجتهد في هذا، هل يبلِّغهم الدعوة مرةً أخرى، أو يغير عليهم؟

جاء في بعض النصوص أن النبي – صلى الله عليه وسلم – أغار على بعض المشركين لأن الدعوة بلغتهم، كما أغار على بني المصطلق وهو غارّون، وأنعامهم تُسْقى على الماء، فقتل مقاتلتهم وسبى ذراريهم، واصطفى لنفسه جويرية بنت الحارث، لأن الدعوة بلغتهم، ما أعاد الدعوة مرة ثانية، أتاهم وهم غارّون

[68] وفي خيبر قال النبي – صلى الله عليه وسلم – "ثم ادعهم إلى الإسلام" من باب التكرار، وهذا استحباب وليس واجب، أما من لم تبلغه الدعوة لابد أن يبلِّغ الدعوة، لا يغار عليه ولا يقاتل حتى يبلَّغ الدعوة، فإن قبل ودخل في الإسلام فالحمد لله، وإن لم يقبل قوتل، أما من بلغته الدعوة فهذا محل اجتهاد.

 

[69] يعني يقول إذا كان في حديث واحد بعض الرواة يختصره وبعض الرواة لا يختصره، حديث وفد عبد القيس بعضهم ذكر الصيام "آمركم بالإيمان بالله وحده - ثم - ما الإيمان بالله وحده؟ شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأن تؤدوا خمس ما غنمتم" في بعض الرواة قال: "وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان" اختصره، إذا كان حديث واحد يختصره بعض الرواة، أما أن كل الرواة يتفقون على شيء واحد ويقال: إن بعض الرواة اختصره، كما قال حامد الفقي هذا ليس بجيد، كلام شيخ الإسلام مقدَّم على كلام الشيخ حامد الفقي في الحاشية.

 

[70] ما نرجوه لشدة الرمد الذي فيه، فيه رمد شديد ما يستطيع يأتي، فأتى وهم لا يرجونه، وفي لفظ آخر: أُتي به يُقاد أرمد.

 

[71] وهذا فيه منقبة لعلي  رضي الله عنه  وشهادة له بعينه أنه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، ومعلوم أن هذا وصف لكل مؤمن، كل مؤمن يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، لكن نصّ على شخصٍ بعينه بأنه يحب الله ورسوله هذا مما يُرغب فيه، ولهذا رغب الصحابة، جعلوا يدوكون ليلتهم أيُّهم يُعْطاها، من أجل هذا الوصف لا من أجل الرغبة في الإمارة، حتى تطلَّع الصحابة إلى هذا، تطلع عمر وغيره، فأعطاه علي.

 

[72] فيه إثبات المحبة لله عز وجل، والرد على الجهمية والمعتزلة والأشاعرة في نفيهم للمحبة، نفى المحبة الجهمية والمعتزلة والأشاعرة، وقالوا أن المحبة لا تصلح لأن المحبة لا تكون إلا لمناسبة بين الالمُحِبِّ والمحبوب، وليس هناك مناسبة بين الخالق والمخلوق توجب المحبة! قُطّاع الصلة بين الخالق والمخلوق – نعوذ بالله – هذا باطل، من أبطل الباطل، النصوص صريحة في إثبات المحبة لله (يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ)، (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِين)، (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِين)، (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِين)، وفي هذا الحديث "يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله".

 

[73] يعني محبة الله ورسوله، هذا عام لكل مؤمن، (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِين).

 

[74] النواصب ضد الشيعة، الرافضة يعبدون علي ويعبدون آل البيت، والنواصب يكفِّرونه وينصبون له العداوة، هذا رد عليهم، من أحسن ما يُردُّ عليهم، يقولون: علي كفر – والعياذ بالله – وقالوا أقرّ بكفرك لأنك حكمت الرجال بكتاب الله في مسألة التحكيم، من أحسن ما يُردّ عليهم هذا الحديث، الرسول – صلى الله عليه وسلم – نصّ على أنه يحب الله ورسوله، هذا ردّ على النواصب، وأهل الحق توسّطوا، ليسوا كالنواصب، لا يعبدون علي ولا يعبدون آل البيت ولا يُعادونه بل يتولَّونه ويحبونه وينزلونهم منازلهم، هذا الذي عليه أهل السنة والجماعة أهل الحق، تولّي أهل البيت ومحبتهم والترضي عنهم وإنزالهم منازلهم، الصحابة كذلك، لا غلو ولا تفريط.

 

[75] يعني الروافض يُكفِّرون الصحابة، فإذا قيل لهم: إنّ الله ترضّى عنهم وإن الله أثبت لهم الأجر والثواب، قالوا: هذا قبل الردّة! لكن ارتدوا ذهبت هذه الفضائل، والخوارج الذين يُكفِّرون علي إذا قيل لهم: إن الرسول  صلى الله عليه وسلم  قال يحب الله ورسوله" قالوا هذا قبل أن يرتد ولكن يُجاب عليهم بما قال شيخ الإسلام لا يمكن أن يطلق الله ورسوله هذا الثناء وهذا الثواب على من يعلم أن يموت كافرًا الله تعالى عدّلهم وزكّاهم، لعلمه أنه يُختم لهم بخير، أنهم يكونون على الإيمان، ويستمرون على الإيمان والتوحيد.

 

[76] هذه بشارة بحصول الفتح، بشرهم النبي صلى الله عليه وسلم بأنه يعطي الراية غدًا رجل يفتح الله على يديه، وأنَّ خيبر ستفتح.

طالب: قال في قرَّة العيون: وفيه: فضيلة أخرى لعلي رضي الله عنه بما خصَّه من إعطاء الراية، ودعوته أهل خيبر للإسلام, وقتالهم إذا لم يقبلوا، وفيه مشروعية الدعوة للإسلام.

الشيخ: نعم فيه مشروعية تكرار الدعوة، لكن ليس بواجب، إذا بلغتهم الدعوة فالإمام مُخيَّر بين أن يغير عليهم اكتفاءً ببلوغ الدعوة، وبين أن يكرر الدعوة مرة أخرى، فأمر عليًا أن يكرر الدعوة لأهل خيبر، وقد بلغتهم، وأغار على بني

[77] المصطلق وهم غارّون وأنعامهم تُسقى على الماء فقتل مقاتلتهم وسبى ذراريهم؛ لأنه بلغتهم الدعوة.

 

[78] رضي الله عنهم، ما اهتموا لأمور الدنيا، لمّا قال النبي  صلى الله عليه وسلم سأعطي الراية غدًا رجلاً "يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه" صاروا يدوكون ليلتهم في الليل، إلى الليل سهروا! يفكِّرون من هو الذي سيحصل على هذه الفضيلة؟ من الذي يُعطى؟ كلٌ يتمنى، يبحثون؛ لحرصهم على الخير، ليس حرصهم على الدنيا! يدوكون ليلتهم كل واحد يتمنى أن يُعْطِهِ النبي صلى الله عليه وسلم  الراية حتى ينطبق عليه هذا الوصف "يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله" فهذا يدل على حرصهم على الخير ورغبتهم فيه، وبذلهم الأسباب في الحصول عليه  رضي الله عنهم وأرضاهم  بخلاف الناس في هذا الزمان وفي غيره فإنهم يسهرون الليالي للحصول على الدنيا! في طلب الدنيا والحصول عليها والازدياد منها.

 

[79] التقدير: أيّهم الذي يُعطاها، حذف صدر الصلة.

 

[80] لما أصبحوا جاؤوا كل واحد يرجو، كل واحد يتمنى ويتوقّع أنه يُعطاها حتى ينطبق عليه هذا الوصف، كلهم يرجو أن يعطاها، كل واحد يتمنى هذا ويتوقع.

[81] حتى عمر تمنّاها، تمنى أن يُعطى الراية، ما أحببت الإمارة إلا يومئذ، يقول أنا لا أحب الإمارة إلا في هذا الوقت، وكونه أحبها لا لذاتها بل حتى ينطبق عليه الوصف، حتى يكون ممن يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، أحب أن يكون أمير على الجيش لفتح خيبر، أحب الإمارة في هذا الوقت، يقول: ما أحببت الإمارة إلا يومئذ، في هذا الوقت بالذات نظرًا لهذه الفضيلة التي رتّبها النبي  صلى الله عليه وسلم  على الأمير الذي يعطاها.

 

[82] صحيح، يعني هذا فيه شهادة ومنقبة له، شهادة لعلي بأنه برئٌ من النفاق باطنًا وظاهرًا، وأنه يحب الله ورسوله، وفيه أنه ينبغي موالاته ومحبته - رضي الله عنه وأرضاه -، كل هذا مأخوذ من هذا.

 

[83] يعني الرجل الذي كان يؤتى به في الخمر ويُجلد، فقال رجل من القوم: أخزاه الله، وفي لفظ: لعنه الله، ما أكثر ما يؤتى به، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم –: "لا تلعنوه فإنه يحب الله ورسوله" وفي لفظ: "لا تعينوا عليه الشيطان" وإن كان عمل المعصية عنده أصل محبة الله ورسوله، ولأن الحد طهارة له، تكفير له، كفارة له، فلا ينبغي أن يُجمع بين الأمرين: بين الحدّ وبين لعنه.

 

[84] من شدة الرمد.

 

[85] يعني الرسول – صلى الله عليه وسلم – لما بصق في عين علي، وهذا من آيات الله وقدرته العظيمة (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) وهو من علامات النبوّة ودلائل النبوّة، ولهذا فيه إثبات الشهادتين.

 

[86] وفيه دليل على شهادة أن لا إله إلا الله حيث أن الله تعالى أبرأه في الحال، ودليل على أن الله هو المعبود بالحق لما له من الصفات العظيمة والقدرة العظيمة.

وفيه إثبات شهادة أن محمدًا رسول الله حيث أن الله أبرأه من تفْلته في الحال، فدل على أن هذه معجزة من معجزاته – عليه الصلاة والسلام –.

 

[87] الذين يدوكون ليلتهم كل الليل يطلبونها ما جاءتهم، وعلي الأرمد وكان في مكان بعيد، طُلِب وأُعطي إياها.

 

[88] من ذلك كون الصحابة يدوكون ويخوضون ويتطلّعون لها، هذا من فعل الأسباب، وكذلك أيضًا كون النبي – صلى الله عليه وسلم – تفل في عيني علي، هذا من الأسباب.

 

[89] الإسلام إذا أُطلق يشمل الأعمال الظاهرة والأعمال الباطنة، ادعهم إلى التوحيد والالتزام به والانقياد للشرع.

 

[90] أصل الإسلام: خضوع القلب وانقياد الجوارح، وأصل الإيمان: التصديق وإقرار القلب المتضمن لعمل القلب، والإسلام خضوع القلب المتضمن لعمل الجوارح.

خضوعٌ في القلب يتضمن انقياد الجوارح، والإيمان تصديق وإقرار بالقلب يتضمن أعمال القلوب.

 

[91] غارون يعني: غافلون، هذا محل اجتهاد، إن شاء دعاهم مرة أخرى، وإن شاء أغار عليهم مادام بلغتهم الدعوة.

 

[92] وهذا مثال، والمراد خير من الدنيا وما فيها، من باب التقريب، وكانت الإبل الحمر أنفس أموال العرب، والمعنى لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من الدنيا وما فيها.

 

[93] لبيان لتأكيد المقال "فوالله".

 

[94] (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ) فإن أولئك الذين يدعونهم الإنس وهم الجن الذين أسلموا يبتغون إلى ربهم الوسيلة.

 

[95] يعني الذين يُعبدون من دون الله.

 

[96] يعني المراد أن هذه أمثلة، منهم من قال أنها نزلت في عيسى، ومن قال نزلت في العزير، ومن قال نزلت في الملائكة، هذا مثال، وليس معناه أنه خاص في عيسى والعزير، بل تعم كل من عُبد من دون الله وهو عبد لله فيشمله، مثل كان يأتي رجل أعجمي يسأل عن الخبز، فيأتي المترجم ويأتي له بخبز ويقول: هذا الخبز، ليس المراد أن الخبز لا يوجد إلا هذا إنما هذا مثال للخبز، هذا نوع من الخبز، هذا من باب المثال، كذلك لمّا يقول بعض السلف أنها نزلت في عيسى أو نزلت في العزير المراد مثال، وإلا الآية تشملهم وتشمل غيرهم، تشمل كل من عبد أحدًا من دون الله وهو يعبد الله، ومن أمثلة ذلك عبادة الملائكة، من يعبد الملائكة، من يعبد المسيح، من يعبد العزير، والآية تشملهم وتشمل غيرهم.

 

[97] يعني ولا أيّ تحويل، تحويل من شخص إلى شخص، تحويل من مكان إلى مكان، تحويله من كونه قويًّا إلى كونه أقل، تحويه من صفة إلى صفة، تحويله من قدر إلى قدر، يعني نكرة في سياق النفي فتعمّ أي تحويل، وإذا كانوا كذلك فكيف يدعون من دون الله؟! لا يملكون كشف الضر، ولا يملكون تحويله من حال إلى حال

[98] فكيف يدعون من دون الله وهم بهذه المثابة؟! عاجز، فالواجب عبادة القادر، الذي بيده الضر والنفع، وهو الله سبحانه وتعالى.

 

[99][99] كما قال شيخ الإسلام في كشف الشبهات: من يعبد صالحًا من الصالحين ويقول أنا لا أعبد غير الله، الذي يعبد الصنم هو الذي يدعو غير الله! هذا غلط، الذي يعبد الصنم مشرك، والذي يعبد الصالح مشرك، لا فرق، النبي – صلى الله عليه وسلم – ظهر على أناس متفرِّقين في العبادة، منهم من يعبد الأصنام، منهم من يعبد الأوثان، منهم من يعبد الأنبياء، منهم من يعبد الملائكة، فكفّرهم كلهم، وبيّن أنهم على الشرك، فدعاهم إلى التوحيد، لا فرق، الذي يعبد الصنم والذي يعبد الصالح كلهم مشركون.

بعض الناس يظن أن الشرك الذي يعبد الصنم، والذي يعبد الصالح ليس مشرك! هذا تشفُّع ومحبة للصالحين! الذين يعبدون البدوي، يذبحون له وينذرون له ويقولون هذا ليس هو الشرك، الشرك الذي يعبد الأصنام، الذي يسجد للصنم هذا المشرك، أما الذي يدعو الصالح ويسأله قضاء الحاجات وتفريج الكربات هذا تشفُّع ومحبة للصالحين! سمّوا الشرك بغير اسمه وهو شرك، هو شرك مهما كان اسمه، مهما سمّيته، لا فرق، ويقال أيضًا أن المشركين في زمن النبي – صلى الله عليه وسلم – منهم من يدعو الصالحين، ومنهم من يدعو الملائكة، ومنهم من يدعو عزير، فهم مشركون، والشرك ليس خاصًا في عبادة الأصنام، يكون بعبادة الأصنام، ويكون بعبادة الملائكة ويكون بعبادة الصالحين، ويكون بعبادة الأشجار والأحجار، ويكون بعبادة الشمس والقمر، كل من عبد غير الله فهو مشرك، أيًا كان، صالحة أو غير صالحة.

 

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد