شعار الموقع

شرح كتاب القاعدة المراكشية_5

00:00
00:00
تحميل
144

وأما الجهمية المتكلمة فيقولون إن القرينة الصارفة عن ما دل عليه الخطاب هو العقل، فاكتفى بالدلالة العقلية الموافقة لمذهب النفاة[1]، فيقال لهم أولا: فحينئذ إذا كان ما تكلم به إنما يفيدهم الإضلال؛ وإنما يستفيدون الهدى من عقولهم: كان الرسول  قد نصب لهم أسباب الضلال ولم ينصب لهم أسباب الهدى، وأحالهم في الهدى على نفوسهم[2].

________________________________

[1] ذكر المؤلف رحمه الله طريقة الجهمية المتكلمة الذين هم المعتزلة والأشاعرة، فقالوا: إن القرينة الصارفة لما دل عليه الخطاب من إثبات الأسماء والصفات هو العقل، فالعقل يدل على أنا لا نثبت الأسماء والصفات لله؛ لأنا لو وصفنا الله بأنه عليم والمخلوق عليم، وقلنا إن الله قادر والمخلوق قادر، وقلنا إن الله مستو والمخلوق مستو، شبهنا الله بخلقه، والله ليس كمثله شيء؛ فإذاً العقل يقتضي نفي الأسماء والصفات عن الله .

فيقولون إن أهل السنة الذين أثبتوا الأسماء والصفات مشبهون، شبهوا الله بخلقه ومثلوه بخلقه، وجعلوا الله مثل خلقه، فيقولون إن الخالق له علم والمخلوق له علم وأن الخالق له قدرة والمخلوق له قدرة، وهذا مشابهة، والله ليس كمثله شيء، يثبتون الاستواء على العرش والمخلوق يستوي على الدابة، إذاً هذا مشابهة، فاكتفوا بالدلالة العقلية .

المؤلف رحمه الله أجاب عن قولهم إن القرينة الصارفة لما دل عليه الخطاب هو العقل بعدة أدلة.

[2] هذا هو الجواب الأول، أنه لو كان ما تقولون حقاً، من أن العقل يقضي بنفي الأسماء والصفات عن الله عز وجل، وأن العمدة عليه لا على النصوص، للزم من ذلك أن الرسل تكلموا بالضلال، فأتوا بالنصوص التي تفيد إضلال الناس ولا تفيد هداهم، فتكون الكتاب والسنة أفادت الناس ضلالا، والذي يفيدهم الهدى هو عقولهم؛ لأنهم يقولون إن العقل هو الذي دلنا على نفي الأسماء والصفات عن الله.

فيلزم على قولهم أن تركهم في الجاهلية خير لهم من هذه الرسالة التي لم تنفعهم؛ بل ضرتهم[1] . ويقال لهم ثانيا: فالرسول e قد بين الإثبات الذي هو أظهر في العقل من قول النفاة[2] .

________________________________

= فالعقل دل على نفي الأسماء والصفات عن الله، والشرع دل على إثبات الأسماء والصفات، والعمدة على العقل فيكون الشرع قد أفاد الناس ضلالا، والعقل أفاد الناس هدى، وعلى ذلك فيكون الرسول نصب للناس أسباب الضلال؛ وذلك أنه أخبرهم بشيء باطل، فأخبرهم بالقرآن والسنة اللذين فيهما إثبات الأسماء والصفات. فتكون هذه النصوص من الكتاب والسنة قد أفادت الناس الضلال، والهدى إنما استفيد من العقل، قالوا إن عقولنا دلتنا على أن إثبات الأسماء والصفات لله باطل، والحق هو ما دلتنا عليه عقولنا وهو نفي الأسماء والصفات عن الله، فتكون العقول دلت على النفي والنصوص دلت على الإثبات، والهدى إنما استفيد من العقول، فتكون النصوص أفادت الناس الضلال؛ لأنه عكس الهدى، ويكون الرسول e نصب للناس أسباب الضلال، حيث أتى بالكتاب والسنة الذي فيه إثبات الأسماء والصفات لله، ويكون الله قد أحال العباد على العقول، فقال: تعرفون الهدى من عقولكم، فعقولكم هي التي ترشدكم إلى الهدى، أما النصوص من الكتاب والسنة فتفيدكم الضلال.

[1] أي أنه يلزم على هذا القول أن يكون ترك الناس في الجاهلية خير لهم من الرسالة التي لم تنفعهم بل صارت ضرراً عليهم؛ وذلك أن الرسالة زادتهم ضلالاً وعمى، وهم قبل ذلك لم يعرفوا هذا الضلال؛ فبقائهم في الجاهلية أحسن وخير لهم، لأنهم يكونوا يعرفوا الضلال، والهدى إنما هو مأخوذ من العقول.

[2]هذا هو الرد الثاني في قولهم إن العقل دلنا على نفي الأسماء والصفات عن الله، وأن العبرة بما دل عليه العقل . وهو أن يقال لهم: الرسول e قد بين الإثبات في ما جاء به من الكتاب والسنة، وهو أظهر في العقل من قول النفاة، مثل ذكره لخلق الله وقدرته ومشيئته=

 

مثل ذكره لخلق الله تعالى وقدرته ومشيئته وعلمه ونحو ذلك - من الأمور التي تعلم بالعقل – أعظم مما يعلم نفي الجهمية[1]، وهو لم يتكلم بما يناقض هذا الإثبات[2] .

___________________________

=كقوله: ﭽﯔ  ﯕ  ﯖ  ﯗ    ﯘ   ﯙ  ﯚ  ﯛ  ﯜ    ﯝ  ﯞ  ﯟﭼ [غافر:57]، وقوله: ﭽﮅ    ﮆ  ﮇ  ﮈ  ﮉ  ﮊ  ﮋ  ﮌ  ﮍ   ﮎ  ﮏ  ﮐ  ﮑ  ﮒﭼ [الأعراف:54]، وقوله: ﭽﮏ ﮐ  ﮑ  ﮒﭼ[الزمر:62]. فذكر الله تعالى خلقه وقدرته وهو على كل شيء قدير . وقال: ﭽﯮ  ﯯ  ﯰ  ﯱ  ﯲ  ﯳ  ﯴ  ﯵﭼ [التكوير:29]، وقوله: ﭽﮔ  ﮕ ﮖ  ﮗﭼ [الأنعام:39]، وذكر علمه: ﭽ ﰉ  ﰊ   ﰋ   ﰌ  ﰍ  ﰎ ﭼ [الحجرات:18]، وقوله:ﭽ ﰕ  ﰖ  ﰗ  ﰘ  ﰙ     ﰚ  ﰛ  ﭼ [الطلاق:12]، وقوله: ﭽ ﯼ     ﯽ  ﯾ  ﯿ  ﭼ [البقرة:29].

 هذه الأمور التي فيها الإثبات مثل ذكر الله لخلقه وقدرته ومشيئته وعلمه أظهر في العقل من قول النفاة، أي أن العقل يقبلها أكثر من قبوله للنفي. وكذلك أيضا ما يماثل هذه الأمور من الأمور التي تعلم بالعقل أعظم مما يعلم نفي الجهمية، فالعقل يقبلها ويقبل هذا الإثبات الذي جاء ...، يقول العقل والفطرة، كل شخص مفطور على إثبات خلق الله وقدرته ومشيئته وعلمه، وأن الله على كل شيء قدير، والحيوانات العجماوات إذا أصابها شيء رفعت رأسها إلى السماء، تعلم أن الله قادر وأنه على كل شيء قدير، وأنه هو الذي ينصفها ممن ظلمها.

[1] أي: أعظم من النفي الذي جاءت به الجهمية، وهو نفي الأسماء والصفات .

[2] أي الرسول eلم يتكلم بما يناقض هذا الإثبات أتى بالإثبات ولم يتكلم بما يناقضه .

 

 

 

فكيف يحيلهم على مجرد العقل في النفي الذي هو أخفى وأدق[1] وكلامه لم يدل عليه[2]؛ بل دل على نقيضه وضده[3]، ومن نسب هذا إلى الرسول e[4] فالله حسيبه على ما يقول[5]. والمراتب ثلاث: إما أن يتكلم بالهدى أو بالضلال أو يسكت عنهما[6]. ومعلوم أن السكوت عنهما خير من التكلم بما يضل، وهنا يعرف بالعقل أن الإثبات لم يسكت عنه[7] .

______________________

[1]يعني الأمور الثبوتية ظاهرة في العقل، وأمور النفي أخفى وأدق،  فكيف يحيلهم الرسول على العقول في النفي الذي هو أخفى وأدق، ولا يحيلهم على الإثبات الذي هو أظهر في العقل؟ فأيهما يقدم الأظهر أم الأخفى؟ الأظهر، فالإثبات أظهر في العقل والفطرة والنفي أخفى وأدق، ولا يمكن أن يحيل النبي e الناس على الأخفى وهو مجرد العقل في النفي دون الأظهر .

[2] كلام الرسول e لم يدل على النفي إطلاقا .

[3] نقيض النفي هو الإثبات .

[4] أي من نسب إليه أنه جاء بالنفي .

[5] حسيبه يعني كافينا منه، وهذا فيه وعيد أن الله سينتقم منه، كقوله تعالى: (ومن يتوكل على الله فهو حسبه) أي: كافيه .

[6] يعني الأحوال التي يتصورها العقل تجاه الرسول e حينما جاء بالكتاب والسنة ثلاثة أحوال: إما أنه تكلم بالهدى، أو تكلم بالضلال، أو سكت عن الهدى والضلال، وليس هناك أمر رابع يتصوره العقل غير هذه الثلاث، فالقسمة إذاً ثلاثية .

[7] معلوم أن السكوت عن الهدى والضلال خير من التكلم عن الضلال، فكونه يتكلم بالهدى هذا هو الدرجة العليا، أو يسكت عنهما هذا أفضل من كونه يتكلم بالضلال، والرسول e لم يسكت عن الإثبات، بل أثبت لله الأسماء والصفات في الكتاب والسنة=

بل بينه، وكان ما جاء به السمع موافقا للعقل[1]، فكان الواجب فيما ينفيه العقل أن يتكلم فيه بالنفي كما فعل فيما يثبته العقل[2] .

__________________

= وبينه وهذا البيان للإثبات الذي جاء في الكتاب والسنة يوافقه العقل، فكان الواجب فيما ينفيه العقل أن يتكلم فيه بالنفي، كما فعل فيما يثبته العقل، وإن لم يفعل ذلك فالسكوت عنه أسلم للأمة .

[1] السمع هو الدليل من الكتاب والسنة، سميا سمعياً لأنه مسموع، فأدلة الكتاب والسنة تسمى أدلة سمعية؛ لأنها تسمع بالأذن: قال الله قال رسوله. والأدلة العقلية هي التي تفهم بالعقل .

[2] الأدلة من الكتاب والسنة توافق العقل، فما دام أن العقل يوافق الشرع كان الواجب فيما ينفيه العقل أن لا يتكلم فيه بالنفي، فإذا كان الشرع يوافق العقل فيما جاء به في الاثبات، فإذا نفى العقل شيئا كان الواجب أن يتكلم الشرع بالنفي موافقة له؛ لأنه عقل سليم، هذا معنى قول المؤلف رحمه الله . المعنى أن العقل يدل على أن الرسول جاء بالإثبات، والشرع جاء موافقاً للعقل، فلو قدر أن العقل ينفي شيئا لوجب على الشرع أن يوافقه؛ لأنه عقل سليم، فالعقل الصريح يوافق النقل الصحيح، وقد ألف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كتاباً سماه موافقة العقل الصريح للنقل الصحيح، أو درء تعارض النقل والعقل، والعقل الصريح هو الخالص الذي ليس فيه شبهة ولا شهوة، ولا يمكن أن يتعارض نقل صحيح وعقل صريح، فإذا تعارضا فلابد أن يكون النقل غير صحيح، أو العقل غير صريح،  فإذا كان العقل يوافق الشرع في إثبات الأسماء والصفات ثم جاء العقل فنفى شيئا فلا بد أن يوافق الشرع فيما ينفيه كما أنه وافقه فيما يثبته.

 

وإذا لم يفعل ذلك كان السكوت عنه أسلم للأمة[1]، أما إذا تكلم فيه[2] بما يدل على الإثبات[3] وأراد منهم أن لا يعتقدوا إلا النفي؛ لكون مجرد عقولهم تعرفهم به فإضافة هذا إلى الرسول e من أعظم أبواب الزندقة والنفاق[4].

_____________________

[1] إذا لم يوافق ذلك الشرع ولم يأت بما يدل على الإثبات، فالسكوت عنه أسلم للأمة يسكت لا يثبت ولا ينفي .

[2] يعني فيما جاء به .

[3] وهو الشرع .

[4] يعني كون الرسول e تكلم بما يدل على الإثبات، ولكنه يريد من الأمة أن يعتقدوا النفي؛ لأن عقولهم تعرفهم بالنفي، إضافة هذا إلى الرسول من أعظم أبوب الزندقة والنفاق، والنفاق هو أن يتكلم الإنسان بخلاف ما يعتقده فيكون له باطن وظاهر، كالمنافقين الذي يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر.

 كان على عهد النبي e الذي يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر يسمون منافقين، ثم صاروا بعد ذلك يسمون زنادقة .

ويطلق الزنديق على الجاحد، ثم صار في زمننا هذا المنافق يسمى علماني، والمنافقون علمانيون، يعني منافق يظهر الإسلام ويبطن الكفر، ومنهم الصحفيين وغيرهم الذين يسبون الإسلام ويسبون المسلمين ويطالبونهم بالشر والفساد على المسلمين ويطالبونهم بهدم المناصب الدينية، مثل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لما في قلوبهم من النفاق والزندقة؛ لأنهم منافقون لا يحبون الله ورسوله، يريدون أن يظهر الفساد وينتشر، وألا يكون هناك أمر ولا نهي؛ لأن قلوبهم مريضة هؤلاء علمانيون زنادقة منافقون.

 فالمنافق هو الزنديق هو العلماني، فتختلف الأسماء بحسب الأزمان، ففي زمن الرسول e يسمى منافق، ثم بعد ذلك صار يسمى زنديقا، وفي زمننا يسمى علمانيا.

  فالعلماني هو الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر، يريد الشر والفساد للمسلمين، فقلوبهم مليئة بالنفاق والزندقة كما كانوا يتكلمون على عهد النبي e كعبد الله ابن أبي وغيره إذا حصلت الفرصة، ويظهرون في أوقات الفتن والأزمات، فيبثون شرهم ومعتقدهم نسأل الله أن يكفي المسلمين شرهم.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ويقال لهم ثالثا: من الذي سلم لكم أن العقل يوافق مذهب النفاة؛ بل العقل الصريح إنما يوافق ما أثبته الرسول[1]، وليس بين المعقول الصريح والمنقول الصحيح تناقض أصلا[2]، وقد بسطنا هذا في مواضع[3] .

___________________________

 [1] الرد الثالث أن يقال: أن العقل يوافق مذهب أهل الإثبات؛ لأن العقل الصريح يوافق النقل الصحيح، وكما بينا سابقا أن العقل الصريح هو الخالص الذي ليس فيه شبهة ولا شهوة، فإذا كان فيه شبهة تمكنت من رأسه فإنه لا يعمل بما دل عليه، أو كانت فيه شهوة من إرادة الفساد والضلال، شهوة أي معصية. فإذا سلم العقل من الشبهة والشهوة يقال له: عقل صريح، وإذا كان فيه شبه أو شهوة يقال له: عقل غير صريح، والنقل لا بد أن يكون نقلاً صحيحا إما من القرآن أو من السنة، بأن يكون السند متصلاً، رواته عدول ضابطون، ليس فيه علة ولا شذوذ؛ هذا النقل الصحيح. فالنقل الصحيح لا بد أن يوافق العقل الصريح .

 [2] لا يمكن أن يتناقضا، وإذا وجد عقل صريح ونقل صحيح متناقضان، فإنه لوجود خلل في أحدهما: إما أن يكون النقل غير صحيح، وذلك لضعف رواته، أو انقطاع في سنده، أو شذوذ في سنده أو متنه، أو لعلة خفية تقدح فيه، وإما أن يكون العقل غير صريح، وذلك لوجود شبهة فيه أو شهوة.

 [3] من أوسع الكتب التي بسط فيها المؤلف هذا المبحث،كتابه العظيم درء تعارض العقل والنقل، أو موافقة المنقول الصحيح بالمعقول الصريح، وبعضهم يختصر الاسم فيسميه كتاب العقل والنقل،  ويمتدح ابن القيم هذا الكتاب في النونية بقوله(1):

        واقرأ كتاب العقل والنقل الذي                ما في الوجود له من نظير ثاني

أي ليس له في الوجود نظير في بابه.

 

وبينا فيها أن ما يذكرون من المعقول المخالف لما جاء به الرسول e، إنما هو جهل وضلال[1]، تقلده متأخروهم عن متقدميهم[2]، وسموا ذلك عقليات؛ وإنما هي جهليات، ومن طلب منه تحقيق ما قاله أئمة الضلال بالمعقول لم يرجع إلا إلى مجرد تقليدهم[3] . فهم يكفرون بالشرع ويخالفون العقل[4] تقليدا لمن توهموا أنه عالم بالعقليات[5] . وهم مع أئمتهم الضلال كقوم فرعون معه[6] حيث قال الله تعالى: ﭽفاستخف قومه فأطاعوهﭼ [7] وقال تعالى عنه: ﭽواستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعونﭼ، ﭽفأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم[8] فانظر كيف كان عاقبة الظالمينﭼ.

____________________

[1] بينا أن ما يدعونه من أن العقل دل عليه وهو مخالف لما جاء به الرسول جهل وضلال.

[2] ينقله المتأخر منهم عن المتقدم، وهو جهل وضلال .

[3] من طلب منه فقيل له: حقق ما يقوله أئمتكم بالمعقول، لم يكن عنده جواب لأنه يقلدهم .

[4] يعني هؤلاء النفاة الملاحدة من الجهمية المتكلمة والجهمية المتفلسفة، يكفرون بالشرع ويخالفون العقل؛ لأن العقل الصريح يوافق النقل الصحيح كما سبق .

[5] يكفرون بالشرع ويخالفون العقل، تقليداً لأئمتهم الذين يدعون أن عندهم علم بالعقليات.

[6] يعني هؤلاء النفاة مع أئمتهم يقلدون أئمتهم يتبعونهم على ضلالهم ،شبههم بقوم فرعون في اتباعهم له على الضلال.

[7] فرعون استخف قومه حين أطاعوه بقوله لهم: أنا ربكم الأعلى.

[8] أي في البحر.

ﭽ ﮬ  ﮭ  ﮮ  ﮯ  ﮰﮱ  ﯓ  ﯔ      ﯕ  ﯖ  ﯗ  ﯘ  ﯙ  ﯚ  ﯛ  ﯜﯝ   ﯞ  ﯟ  ﯠ  ﯡ  ﯢ  ﭼ [القصص:41] [1]. وفرعون هو إمام النفاة[2]. ولهذا صرح محققوا النفاة بأنهم على قوله كما يصرح به الاتحادية من الجهمية النفاة[3].

 ______________________

[1] قوله تعالى: ﭽﮬﮭﭼ أي أئمة ضلال، والأئمة نوعان: أئمة هدى وأئمة ضلال، وهؤلاء أئمة ضلال .

[2] إمام النفاة فرعون، وإمام الإثبات هو محمد و إبراهيم و موسى. فمن نفى الأسماء والصفات عن الله فهو فرعوني نسبة إلى فرعون، ومن أثبت الأسماء والصفات فهو محمدي إبراهيمي موسوي نسبة إلى محمد وإبراهيم وموسى عليهم الصلاة والسلام.

يقول المؤلف رحمه الله إن فرعون هو إمام النفاة، فقد أنكر الرب العظيم الذي قامت بأمره السماوات وقال: أنا ربكم الأعلى، والنفاة الجهمية أنكروا أسماء الله وصفاته وقالوا إن الله ليس له سمع ولا بصر ولا علم ولا قدرة، ولا يوصف بأنه فوق ولا يوصف بأنه استوى ولا بأنه يخلق ويرزق = فلم يثبتوا لا الأسماء ولا الصفات. وهذه الصفات هي صفات المعدوم، فكذلك هؤلاء الملاحدة يقولون عن معبودهم أنه ليس له سمع ولا بصر ولا قدرة  ولا تحت ولا يصعد ولا ينزل ولا يخلق ولا يرزق ولا يحي ولا يميت وليس له سمع ولا بصر ولا يتصف بأي صفة، لو قلت صف لي المعدوم بأكثر من هذا لما استطعت.

 هؤلاء الملاحدة النفات إمامهم هو فرعون؛ لأنه أنكر بالنفي قال ما فيه رب، قال أنا ربكم الأعلى

[3] محققو النفاة من الجهمية وابن عربي محيي الدين كلهم صرحوا بأنهم على مذهب فرعون، قالوا صراحة أنهم على مذهب فرعون، الاتحادية يقولون: ما فيه خالق ومخلوق، ولا فيه رب وعبد، إنما الخالق هو المخلوق والمخلوق هو الخالق، فقالوا: أنت الرب وأنت

العبد وأنت الخالق وأنت المخلوق كما قال ابن عربي(1):

     الرب حق والعبد حـق                  يا ليت شعري مـن المكلف

     إن قلت عبد فذاك ميت                   أو قلت رب أنـى يكلف

ما فيه رب ولا عبد، ما في إلا واحد، الرب هو العبد والعبد هو الرب، الخالق هو المخلوق والمخلوق هو الخالق، وفرعون قال ما فيه إلا هو .

فصار الاتحادية يصرحون بأنهم على مذهب فرعون، في إنكار الرب.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

إذ هو[1] الذي أنكر العلو وكذب موسى فيه وأنكر تكليم الله لموسى[2] قال تعالى: ﭽﮌ  ﮍ      ﮎ  ﮏ  ﮐ  ﮑ  ﮒ  ﮓ  ﮔ  ﮕ  ﮖ   ﮗ  ﮘ  ﮙ  ﮚ  ﮛﮜﮝﮞﭼ[غافر:36-37] . والله تعالى قد أخبر عن فرعون أنه أنكر الصانع بلسانه فقال: ﭽﭯﭰﭱﭼ [الشعراء:23] وطلب أن يصعد[3]  ليطلع إلى إله موسى[4]، فلو لم يكن موسى أخبره أن إلهه فوق لم يقصد ذلك؛ فإنه هو[5]لم يكن مقرا به[6].

 ________________________

[1] أي فرعون .

[2] فرعون أنكر علو الله على خلقه وكذب موسى حينما أخبره موسى بأن الله في السماء ماذا قال حتى يكذب موسى قال لوزيره هامان ﭽﮏﮐﮑﮒﭼ لماذا؟ ﭽﮒﮓ  ﮔ  ﮕ  ﮖ   ﮗ  ﮘ  ﮙ  ﮚ  ﮛ  ﮜﮝﮞﭼ. حتى يكذب موسى بأن الله في العلو، قال لوزيره هامان ابني لي صرحا حتى أبين لكم كذب موسى في دعواه أن الله في العلو، حيث فهم فرعون من موسى أن الله في السماء، ولهذا أراد أن يكذبه فأمر وزيره هامان أن يبني له صرحا، ولو لم يخبره موسى بأن الله في العلو ما تكلف بأن يضع صرح .

[3]  أي أن يصعد إلى السماء .

[4] لأجل أن يكذبه .

[5] أي فرعون .

[6] أي بالرب .

 

 

فإذا لم يخبره موسى به لم يكن إثبات العلو لا منه ولا من موسى؛ فلا يقصد الاطلاع[1] ولا يحصل به ما قصده من التلبيس على قومه بأنه صعد إلى إله موسى في السماء؛ ولكان صعوده إليه كنزوله إلى الآبار والأنهار وكان ذلك أهون عليه؛ فلا يحتاج إلى تكلف الصرح[2]. ونبينا e لما عرج به ليلة الإسراء[3] وجد في السماء الأولى آدم عليه السلام وفي الثانية يحيى وعيسى ثم في الثالثة يوسف ثم في الرابعة إدريس ثم في الخامسة هارون ثم وجد موسى وإبراهيم .

_______________________

[1] لأن بعض الناس يقولون إن موسى ما أثبت علو الله، فيرد عليهم الشيخ فيقول: لو كان موسى ما أثبت العلو صار مثل فرعون، فكلهم ما أثبتوا علو الرب، ما الفائدة من قول فرعون لهامان ﭽﮏ  ﮐ  ﮑ  ﮒ  ﮓ  ﮔﭼ تكلف، ما دام موسى أخبره بأن لا إله فوق، إذاً لا داعي إلى أن يجعل صرح، إنما جعل الصرح حتى يكذب موسى لأن موسى أخبره بأن إلهه فوق وهو يريد أن يكذب موسى، فلو كان موسى لا يثبت العلو ليس هناك حاجة إلى أن يتكلف بالصعود إلى فوق، ويكون صعوده إلى فوق مثل نزوله إلى الآبار، إذ لا فرق بينهما .

[2] يبين المؤلف أن فرعون أفهمه موسى أن الله في العلو، لهذا جعل صرحاً حتى يكذبه ردا على بعض الناس الذين يقولون إن فرعون هو الذي أثبت العلو وموسى ما أثبت العلو.

[3] هذا هو الصواب أن الإسراء والمعراج في ليلة واحدة، والإسراء هو السفر من مكة إلى بيت المقدس بصحبة جبريل على البراق، والبراق دابة فوق الحمار ودون البغل، بيضاء لها بريق ولمعان، خطوها مد البصر أي نهاية بصرك، فقطع المسافة من مكة إلى بيت المقدس مثل سرعة الطائرة تقريبا يمكن في ساعة أو في ساعة ونص أو في ساعتين، فصار البراق سرعته سرعة الطائرة.

 ثم عرج به من بيت المقدس إلى السماء .

والمعراج كهيئة الدرج، أي السلم فيكون الإسراء من مكة إلى بيت المقدس، والمعراج من بيت المقدس إلى السماء هذا هو الصواب أن الإسراء والمعراج في ليلة واحدة.

ومن كذب إسراء النبي e فقد كفر؛ لأنه كذب الله في قوله: ﭽﭑﭒﭓ  ﭔ  ﭕ  ﭖ  ﭗ  ﭘ     ﭙ     ﭚ  ﭛ  ﭜ   ﭝ  ﭞ  ﭼ [الإسراء:1]، عرج به وهناك بعض الملاحدة ينكرون المعراج، يقولون ما يمكن بعقولهم يقولون الجسم الثقيل كيف يصعد طبقات السماء، هذه أجسام جسم ثقيل يعني ما تصلح إلا الأجسام الخفيفة تطير، أما الأجسام الثقيلة كيف تصعد؟! فيقال لهم: الملائكة أرواح كيف هبطت؟!

المقصود أن هؤلاء لا يثبتون إلا ما دلت عليه عقولهم .

فلما عرج به وجد في السماء الأولى آدم، وفي الثانية يحيى وعيسى، وفي الثالثة يوسف، وفي الرابعة إدريس والخامسة هارون في السادسة موسى وفي السابعة إبراهيم على ما هو معروف في الحديث طويل،

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ثم عرج إلى ربه، ففرض عليه خمسين صلاة ثم رجع إلى موسى، فقال له: (ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك فإن أمتك لا تطيق ذلك قال: فرجعت إلى ربي فسألته التخفيف لأمتي)(1) وذكر أنه رجع إلى موسى ثم رجع إلى ربه مرارا [1]، فصدق موسى في أن ربه فوق السموات[2] وفرعون كذب موسى في ذلك[3]  .

_______________________

[1] ثم عرج به جبريل إلى ربه، لما مر على موسى في السماء السادسة سأله: ماذا فرض عليك ربك؟ قال: (خمسين صلاة في اليوم والليلة)، قال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، فإن أمتك لا تطيق خمسين صلاة في اليوم والليلة فرجع إلى ربه فسأله التخفيف ووضع عنه عشرا أو خمسا على بعض الروايات(2)، ثم رجع إلى موسى فسأله فأمره أن يسأل ربه التخفيف، وجعل التردد بين موسى وبين ربه حتى وصلت إلى خمس صلوات .

[2] هذا الشاهد في إثبات العلو، أي صدق محمد موسى، موسى يقول ارجع إلى ربك فسأله التخفيف لأمتك، وين يرجع إلى ربه؟ عرج به جبرائيل تجاوز إلى السبع الطباق

[3] فرعون كذب موسى، ومحمد صدق موسى؛ لأن موسى قال لمحمد ارجع إلى ربك فصعد إلى فوق، فالله في العلو.

 

 

 

 

والجهمية النفاة موافقون لآل فرعون أئمة الضلال، و أهل السنة والإثبات موافقون لآل إبراهيم أئمة الهدى. وقال تعالى:  ﭽﯮ   ﯯ  ﯰ     ﯱ  ﯲﯳ  ﯴ  ﯵ  ﯶﭼ  [الأنبياء:72]. (وجعلناهم أئمة[2] يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين).  وموسى ومحمد من آل إبراهيم[3]؛ بل هم سادات آل إبراهيم صلوات الله عليهم أجمعين .

_____________________

[1] الجهمية الذي ينفون الأسماء والصفات يوافقون فرعون الذي أنكر الرب العظيم، وكذب موسى في أن الله فوق، ففرعون أنكر الرب وأنكر العلو والجهمية يوافقونه، فأنكروا العلو وأنكروا الأسماء والصفات.

[2] أي أئمة هدى، وفرعون وأتباعه أئمة ضلال .

[3] أما محمد e فهو من سلالة إسماعيل، وذلك أن إبراهيم عليه السلام رزقه الله ابنان: الأول إسماعيل وأمه هاجر، وإسماعيل نبي ومن سلالته نبينا محمد e. الثاني: إسحاق وأمه سارة ابنة عمه، وإسحاق نبي رزقه الله يعقوب، ويعقوب هو إسرائيل، وجميع أنبياء بني إسرائيل من سلالة يعقوب، ومنهم موسى، وأول أنبياء بني إسرائيل موسى، ثم تتابع الأنبياء على بني إسرائيل من بعده، كزكريا ويحيى وسليمان وداود حتى ختمهم الله بعيسى. فإذا أنبياء بني إسرائيل كلهم من سلالة إسحاق وهم بنو إسرائيل، وإسماعيل من سلالته النبي عليه الصلاة والسلام .

 وبما أن إسماعيل وإسحاق أخوان، يكون اليهود والنصارى هم أبناء العم مع العرب لأن أبوهم إسحاق وأبو العرب إسماعيل، وإسحاق وإسماعيل أخوان، فأبنائهم يكونون أبناء العم .

 

(1) النونية بشرح ابن عيسى  (2/290) .

(1) الفتوحات المكية (1/2) ط. دار صادر .

(1)     حديث صحيح؛ أخرجه البخاري (349)، ومسلم (263) من حديث أبي ذر t، والنسائي (448)، وابن ماجة (1399)، وفي الباب عن مالك بن صعصعة أخرجه البخاري (3207)، ومسلم (164) الإيمان وغيرهم.

(2)     حديث صحيح تقدم فيما قبله، وقوله خمساً على بعض الروايات صحيحة أخرجها مسلم (162).

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد