الوجه الثاني[1] في تبيين وجوب الإقرار بالإثبات وعلو الله على السموات أن يقال: من المعلوم أن الله تعالى أكمل الدين وأتم النعمة[2]؛ وأن الله أنزل الكتاب تبيانا لكل شيء[3]؛ وأن معرفة ما يستحقه الله وما ينزه عنه هو من أجل أمور الدين وأعظم أصوله[4]، وأن بيان هذا وتفصيله أولى من كل شيء[5]، فكيف يجوز أن يكون هذا الباب[6] لم يبينه الرسول e ولم يفصله ولم يعلم أمته ما يقولون في هذا الباب وكيف يكون الدين قد كمل وقد تركوا على الطريقة البيضاء[7].
______________________________
[1] وهو دليل عقلي .
[2] كما قال تعالى: ﭽﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﭼ [المائدة:3] .
[3] كما قال تعالى: ﭽﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭼ [النحل: 89] .
[4] فإذا كان الدين قد أكمله الله لنا، والنعمة قد أتمها علينا، وأنزل القرآن فيه تبيان لكل شيء، فمن المستحيل أن يكون أجل أمور الدين وأعظمها، وهو بيان ما يستحقه الله من الأسماء والصفات وبيان ما ينزه عنه قد أهمل ولم يبين .
[5] بيان هذا الأمر وهو ما يستحقه الله من الأسماء والصفات وما ينزه عنه من النقائص والعيوب من أجل أمور الدين وأعظم أصوله، وبيانه أولى من بيان أي شيء آخر، فكيف يبين النبي e للناس أحكام الاستنجاء والاستجمار، ويترك عنهم بيان أجل أمور الدين وأعظمها، وهو ما يستحقه الله من الأسماء والصفات وما ينزه عنه! فمن المستحيل أن يبين لنا الأمور اليسيرة ويترك تبيين الأمور الجليلة!.
[6]أي باب الأسماء والصفات .
[7] قد ترك الرسول e أمته على البيضاء فقال: «تركتكم على البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك»(1).
وهم لا يدرون بماذا يعرفون ربهم : أبما تقوله النفاة أو بأقوال أهل الإثبات[1].
الوجه الثالث أن يقال: كل من فيه أدنى محبة للعلم أو أدنى محبة للعبادة = لا بد أن يخطر بقلبه هذا الباب، ويقصد فيه الحق ومعرفة الخطأ من الصواب[2]، فلا يتصور أن يكون الصحابة والتابعون كلهم كانوا معرضين عن هذا لا يسألون عنه ولا يشتاقون إلى معرفته ولا تطلب قلوبهم الحق فيه، وهم ليلا ونهارا يتوجهون بقلوبهم إليه سبحانه ويدعونه تضرعا وخيفة ورغبا ورهبا[3]، والقلوب مجبولة مفطورة على طلب العلم بهذا ومعرفة الحق فيه، وهي مشتاقة إليه أكثر من شوقها إلى كثير من الأمور[4]، ومع الإرادة الجازمة والقدرة يجب حصول المراد[5] .
___________________________
[1] من المستحيل أن يكون الدين قد كمل، والرسول e قد بين كل شيء لأمته، وتركها على البيضاء، والناس لا يدرون بماذا يعرفون ربهم، هل هو بقول أهل الإثبات أو بقول النفاة؟ .
[2] وهذا معلوم، فكل من فيه أدنى محبة للعلم أو أدنى محبة للعبادة لا بد أن يخطر بقلبه التطلع إلى معرفة هذا الباب _ أي: باب الأسماء والصفات _ ، ومعرفة الحق من الصواب فيه، فلا بد أن يخطر على قلب كل أحد معرفة ربه: هل ربنا متصف بالصفات؟ وما هي الصفات التي اتصف بها؟ وما هي الأسماء التي تسمى بها؟ وما هي أفعاله؟... إلخ .
[3] إذا كان الصحابة ش في سائر أحوالهم بالليل والنهار يتوجهون بقلوبهم إلى الله ويدعونه تضرعا وخيفة ورغبا ورهبا، لا يتصور أن يعرض جميعهم عن الشوق إلى معرفة هذا الأمر العظيم والسؤال عنه، فلا يسألون الرسول e عن ربهم وعن ما يتصف به من الصفات ونعوت الجلال .
[4] القلوب مجبولة ومفطورة على طلب العلم بمعرفة هذا الباب، فكل واحد يشتاق إلى أن يعرف ما هي صفات الله؟ هل هو متصف بالصفات أو ليس متصف بالصفات .
[5] إذا عزم الإنسان أن يفعل شيئاً وأراد أن يتحقق له مراده، فإنه لا بد أن يتحقق فيه أمران: الأول: أن يكون عنده إرادة، والثاني: أن يكون عنده قدرة؛ فإن تخلف حصول المراد: فإما أن تكون الإرادة ضعيفة، أو تكون عاجز غير قادر إلى الوصول، فكذلك الصحابة ش؛ كان عندهم إرادة جازمة للوصول إلى معرفة ما يتصف به الرب من الأسماء والصفات، وعندهم قدرة على سؤال النبي e عن ذلك، فلا يمكن أن يمضي عصر الصحابة ويتوفى الله نبيه والصحابة ما يدورن ولا يسألون ولا يعلمون أين ربهم، ولا هل هو متصف بصفات، أو هل قول النفاة هو الحق؟ أو قول المثبتين هو الحق =
وهم قادرون على سؤال الرسول e وسؤال بعضهم بعضا، وقد سألوه عما هو دون هذا؛ سألوا: أنرى ربنا يوم القيامة؟ فأجابهم([1])[1]، وسأله أبو رزين: أيضحك ربنا؟ فقال: «نعم» فقال: «لن نعدم من رب يضحك خيرا»([2]). ثم إنهم لما سألوه عن الرؤية قال: «إنكم سترون ربكم كما ترون الشمس والقمر»([3])[2]، فشبه الرؤية بالرؤية؛ لا المرئي بالمرئي[3]. والنفاة لا يقولون يرى كما ترى الشمس والقمر؛ بل قولهم الحقيقي أنه لا يرى بحال[4] .
______________________________
=ما يمكن هذا وهم قادرون سؤال الرسول e مع بعضهم بعضا ويسكتون حتى يتوفى الله نبيه ولا يسألون هل يمكن هذا ؟ ما يمكن ، وهم قد سألوه عن أشياء كثيرة دون هذا، فكيف لا يسألونه عن أهم الأمور وأعظمها؛ ألا وهو معرفة ما يتصف به الرب من الأسماء والصفات .
[1] كما جاء في الصحيحين وغيرهما، أنهم سألوا الرسول e: هل نرى ربنا؟ قال: «نعم كما ترون القمر ليلة البدر»([4]). وقال في حديث جرير: «إنكم ترون ربكم كما ترون القمر ليلية البدر لا تضامون في رؤيته»([5])، فأجابهم عن سؤالهم .
[2] وفي لفظ: «هل تضارون في رؤية الشمس بالظهيرة ليس معها سحاب»([6]).
[3] المعنى أننا نرى ربنا يوم القيامة كما نرى الشمس والقمر من فوقنا، والمراد تشبيه الرؤية بالرؤية، أي أنا نرى ربنا رؤية واضحة، كما نرى القمر والشمس من فوقنا رؤية واضحة، وليس المراد تشبيه المرئي بالمرئي، أي تشبيه الله بالشمس والقمر، فالله عز وجل لا يشبه بأحد من خلقه، وإنما المراد تشبيه الرؤية بالرؤية، أي: أنا نرى الله يوم القيامة من فوقنا رؤية واضحة، كما نرى الشمس والقمر رؤية واضحة .
[4] وهذا قول المعتزلة والجهمية .
ومن قال يرى موافقة لأهل الإثبات ومنافقة لهم: فسر الرؤية بمزيد علم فلا تكون كرؤية الشمس والقمر[1]. والمقصود هنا[2] : أنهم[3] لا بد أن يسألوه عن ربهم الذي يعبدونه، وإذا سألوه فلا بد أن يجيبهم [4] . ومن المعلوم بالاضطرار أن ما يقوله الجهمية النفاة لم ينقل عن أحد من أهل التبليغ عنه، وإنما نقلوا عنه ما يوافق قول أهل الإثبات[5] .
_______________________
[1] المعتزلة فسروا الرؤية بمزيد العلم، قالوا: هي زيادة علم . فقالوا عن معنى قوله e: (إنكم ترون ربكم كما ترون القمر لا تضارون في رؤيته) أي: تعلمون أن لكم رباً لا تشكون في ربوبيته كما تعلمون أن القمر قمراً. والمعنى يفسد بهذا التفسير، والأشاعرة أثبتوا الرؤية ونفوا الجهة، فقالوا: يرى لكن لا في جهة . وأرادوا بذلك أن يضعوا يداً مع المعتزلة فنفوا الجهة، ويداً مع أهل السنة فأثبتوا الرؤية؛ فعسر عليهم ذلك فلجئوا إلى حجج سفسطائية، وهي التي توهم أنها حجة وهي ليست حجة، فقالوا: يرى لا في جهة، كيف يرى لا في جهة ؟ هل يرى من الأمام ؟ قالوا: لا ، من الخلف؟ قالوا: لا، من فوق؟ قالوا: لا، من تحت؟ قالوا: لا، إذاً أين يرى قالوا لا في جهة وهذا قول باطل، فالرؤية لا بد أن تكون بجهة من الرائي، فلا بد أن يكون المرئي مواجها للرائي ومبايناً له .
فالمعتزلة نفوا الرؤية والجهة، و الأشاعرة أثبتوا الرؤية ونفوا الجهة، وأهل السنة أثبتوا الرؤية والجهة .
[2] أي: خلاصة هذا الوجه .
[3] أي الصحابة .
[4] فمن المستحيل أن يمضي عصر الصحابة، ويتوفى الله نبيه e وهم لم يسألوه عن ربهم، وهو قادر على أنهم إذا سألوه أن يجيبهم عن سؤالهم .
[5] الجهمية يقولون إن الله ليس في العلو، وليس فوق العرش، بل هو في كل مكان، تعالى الله عما يقولون، أو يسلبون عنه النقيضين فيقولون: لا دخل العالم، ولا خارجة .
الوجه الرابع أن يقال: إما أن يكون الله يحب منا أن نعتقد قول النفاة أو نعتقد قول أهل الإثبات أو لا نعتقد واحدا منهما [1]. فإن كان مطلوبه منا اعتقاد قول النفاة : وهو أنه لا داخل العالم ولا خارجه ؛ وأنه ليس فوق السموات رب ولا على العرش إله وأن محمدا e لم يعرج به إلى الله وإنما عرج به إلى السموات فقط لا إلى الله وأن الملائكة لا تعرج إلى الله بل إلى ملكوته وأن الله لا ينزل منه شيء ولا يصعد إليه شيء...، وأمثال ذلك. وإن كانوا يعبرون عن ذلك بعبارات مبتدعة فيها إجمال وإبهام، كقولهم: ليس بمتحيز، ولا جسم ولا جوهر، ولا هو في جهة ولا مكان[2]؛ وأمثال هذه العبارات التي يفهم منها العامة تنزيه الرب تعالى عن النقائص، ومقصدهم بها: أنه ليس فوق السموات رب؛ ولا على العرش إله يعبد، ولا عرج بالرسول إلى الله[3] .
__________________________
[1]جعل المؤلف رحمه الله القسمة ثلاثية، فإما أن نعتقد أن الله يحب منا أن نعتقد قول النفاة، وأن الله لا يتصف بالصفات وأنه ليس فوق العرش، أو يحب منا أن نعتقد قول أهل الإثبات، وهو إثبات العلو والأسماء والصفات، أو أن لا نعتقد واحداً منهما، فلا نعتقد لا قول النفاة ولا قول أهل الإثبات .
[2] وهذه الألفاظ ألفاظ مجملة تحتمل الحق وتحتمل الباطل، فمن أطلقها استفصل منه عن المعنى الذي يريد، فإذا قال: ليس بمتحيز قلنا له: ما مرادك بأنه متحيز؟ إن كان مرادك أنه تحوزه المخلوقات وتحيط به؛ فهذا معنى باطل، وإن كان مرادك بالمتحيز أنه منحاز عن المخلوقات ومنفصل عنها؛ فهذا حق .
كذلك إذا قال: إن الله جسم، نقول له: إن كان مرادك أن الله متصف بصفات؛ فهذا حق، وإن كان مرادك مشابهته لمخلوقاته؛ فهذا باطل .
فلا بد أن يستفسر منه عن المعنى الذي أراد من إطلاق هذه العبارة؛ فإن أراد حقاً قبل، وإن أراد باطلاً رد .
وكذلك الجهة، فإن أراد أن الله في جهة مخلوقة؛ فهذا باطل، وإن أردا أنه في جهة عدمية، فهذا حق، لأن المخلوقات سقفها عرش الرحمن، فما فوق العرش جهة عدمية والله فوق العرش .
[3] فمؤدى قول النفاة أنه ليس فوق السماوات رب، ولا على العرش رب يعبد، ولا عرج بالرسول إلى الله، ومعلوم أن النصوص المتكاثرة دلت على أن الله يحب منا أن نعتقد إثبات صفات الله تعالى.
والمقصود أنه إن كان الذي يحبه الله لنا أن نعتقد هذا النفي؛ فالصحابة والتابعون أفضل منا فقد كانوا يعتقدون هذا النفي، والرسول e كان يعتقده، وإذا كان الله ورسوله يرضاه لنا وهو إما واجب علينا أو مستحب لنا[1] ؛ فلا بد أن يأمرنا الرسول e بما هو واجب علينا ويندبنا إلى ما هو مستحب لنا ولا بد أن يظهر عنه وعن المؤمنين ما فيه إثبات لمحبوب الله ومرضيه وما يقرب إليه؛ لا سيما مع قوله عز وجل: ﭽﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﭼ[2] [المائدة:]، لا سيما والجهمية تجعل هذا أصل الدين[3]، وهو عندهم " التوحيد "[4]، الذي لا يخالفه إلا شقي[5] .
_____________________________
[1] إذا كان الله يحب لنا أن نعتقد قول النفاة، والصحابة أفضل منا والتابعون كانوا يعتقدون هذا النفي وأن الله ليس متصف بصفات فيكيف الرسول لا يبين ولا يقول: اعتقدوا أن الله ليس فوق العرش، اعتقدوا أن الله ليس متصفا بصفات، وإذا كان الله ورسوله يرضاه لنا وهو إما واجب أو مستحب، فلا بد أن يأمر الرسول بما هو واجب علينا ويحثنا ويندبنا إلى ما هو مستحب، وهل قال الرسول e: لا تعتقدوا قول النفاة، ولا تثبتوا لله الأسماء ولا الصفات ؟ لم يقل ذلك .
[2] إذا كان محبوب الله ومرضيه هو النفي كما يقوله النفاة فكيف الرسول e يسكت ولا يقول لنا اعتقدوا قول النفاة، ولا يخبرنا عما يرضاه ويحبه لنا والله تعالى أكمل الدين وأتم النعمة .
[3] الجهمية تجعل أصل الدين نفي الصفات عن الله عز وجل .
[4] فالتوحيد عندهم هو نفي الصفات .
[5] المعتزلة من أصولهم التوحيد، وستروا تحته نفي الصفات والقول بخلق القرآن، وأن الله لا يرى في الآخرة؛ هذا هو التوحيد عندهم، من نفى الصفات ونفى العلو ونفى كلام الله هو موحد عندهم، ومن أثبت الصفات فهو مشرك مشبه .
فكيف لا يعلم الرسول e أمته التوحيد؟[11]، وكيف لا يكون التوحيد معروفا عند الصحابة والتابعين؟! والمعتزلة والفلاسفة ومن اتبعهم يسمون مذهب النفاة التوحيد [2]، وقد سمى صاحب المرشدة أصحابه الموحدين؛ إذ عندهم مذهب النفاة هو التوحيد [3]، وإذا كان كذلك[4]: كان من المعلوم أنه لا بد أن يبينه الرسول e [5] .
____________________________
[1] أي: إذا كان التوحيد هو النفي كما يقوله هؤلاء، فكيف لم يعلمه الرسول e لأمته، ولم يكن معروفاً عند أصحابه .
[2] والتوحيد أصل من أصول المعتزلة وستروا تحته نفي الصفات، والعدل ستروا تحته التكذيب بالقدر .
[3] الفلاسفة والمعتزلة يسمون أهل النفاة أهل التوحيد، وصاحب المرشدة محمد بن تومرت(1) سمى أصحابه النفاة بالموحدين؛ لأن عندهم أن مذهبهم هو التوحيد .
[4] أي: إذا كان مذهب النفاة هو الصواب .
[5] فيقول: اعتقدوا قول النفاة .
وقد علم بالاضطرار أن الرسول وأصحابه لم يتكلموا بمذهب النفاة[1]، فعلم أنه ليس بواجب ولا مستحب؛ بل علم أنه ليس من التوحيد الذي شرعه الله تعالى لعباده[2]، وإن كان يحب منا مذهب الإثبات[3]؛ وهو الذي أمرنا به؛ فلا بد أيضا أن يبين ذلك لنا، ومعلوم أن في الكتاب والسنة من إثبات العلو والصفات أعظم مما فيهما من إثبات الوضوء والتيمم والصيام وتحريم ذوات المحارم وخبيث المطاعم ونحو ذلك من الشرائع[4]، فعلى قول أهل الإثبات يكون الدين كاملا والرسول e مبلغا مبينا؛ والتوحيد عند السلف مشهورا معروفا[5] .
____________________________
[1] قوله: (وقد علم بالاضطرار...) العلم نوعان: ضروري ونظري، الضروري: هو الذي يضطر الإنسان إلى إثباته ولا يستطيع إنكاره، والنظري هو الذي يحتاج إلى تأمل ونظر . العلم الضروري مثل العلم الحاصل بأحد الحواس الخمس، كالعلم بأن الشمس طالعة في النهار، وكالعلم بأن الواحد نصف الاثنين، أما العلم النظري فهو الذي يحتاج إلى تأمل، كما لو قلت لك أخرج لي سدس مائة وسبعة وأربعين، هذا يحتاج إلى تأمل ونظر حتى تخرج هذه النتيجة، لكن العلم الاضطراري لا تستطيع أن تنكره، فالمؤلف يقول أنه قد علم بالاضطرار أن الرسول e وأصحابه ما تكلموا بمذهب النفاة أبداً، ولم ينفوا الصفات عن الله عز وجل .
[2] هذا هو قول النفاة، وهو القول الأول من التقسيم الذي ذكره المؤلف بقوله(1) : إما ان يحب منا أن نعتقد قول النفاة أو قول أهل الإثبات...).
[3] هذا هو القول الثاني، وهو قول أهل إثبات الأسماء والصفات لله .
[4] هذا معلوم بالضرورة من دين الإسلام، وقلت لكم إن الأدلة التي تثبت علوا لله على خلقه أفرادها تزيد على ألف دليل، وهذا في إثبات العلو وحده، والمؤلف يقول: معلوم في الكتاب والسنة من النصوص التي تثبت العلو وتثبت الصفات؛ أكثر وأعظم من النصوص التي تثبت الوضوء والتيمم والصيام وتحرم ذوات المحارم وتثبت المحرمات الخبيثة ونحو ذلك من الشرائع .
[5] على قول أهل الإثبات يكون الدين كاملا، والرسول مبلغا، والتوحيد مشهورا، وعلى قول النفاة يكون الدين غير كامل بل هو ناقص؛ لأنه لم يبين هل الرب متصف بالصفات أم لا؟
والكتاب والسنة يصدق بعضه بعضا؛ والسلف خير هذه الأمة وطريقهم أفضل الطرق، والقرآن كله حق ليس فيه إضلال، ولا دل على كفر ومحال؛ بل هو الشفاء والهدى والنور . وهذه كلها لوازم ملتزمة ونتائج مقبولة[1]؛ فقولهم[2] مؤتلف غير مختلف، ومقبول غير مردود[3]، وإن كان الذي يحبه الله تعالى منا أن لا نثبت ولا ننفي[4]؛ بل نبقى في الجهل البسيط[5]، وفي ظلمات بعضها فوق بعض لا نعرف الحق من الباطل ولا الهدى من الضلال ولا الصدق من الكذب؛ بل نقف بين المثبتة والنفاة موقف الشاكين الحيارى ﭽﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﭼ [النساء :143]، لا مصدقين ولا مكذبين، لزم من ذلك أن يكون الله يحب منا عدم العلم بما جاء به الرسول e .
________________________________
[1] وهذه كلها لوازم ونتائج تدل على ثبوت صفات الله عز وجل وعلوه على خلقه، واستواءه على عرشه .
[2] يعني السلف .
[3] أما أهل البدع من الجهمية والمعتزلة فيقولون: إن ظاهر النصوص يدل على الكفر، فلا بد أن ننزه كلام الله وكلام رسوله عن الكفر، وذلك بأن نؤول كلام الله وكلام رسوله، فنقول إن معنى: ﭽﮏﮐﮑﮒﭼ[الأعراف:54] أي استولى، ومعنى: ﭽﰎﰏﰐﭼ [المائدة: 119] : أثابهم. قالوا: لو قلنا إن الله يرضى فقد شبهناه بالمخلوق فهو أيضا يرضى، وهذا كفر؛ ولو قلنا إن الله استوى والمخلوق استوى فهذا تشبيه.
ونقول لهم: من قال لكم إن ذلك مشابهة للمخلوق؟ بل نقول: إن الله استوى استواء يليق بجلاله وعظمته، لا كاستواء المخلوق ويرضى لا كرضا المخلوق.
[4]هذا هو الأمر الثالث من القسمة الثلاثية التي ذكرها المؤلف بقوله: إما أن يحب الله منا أن نعتقد قول النفاة أو نعتقد قول أهل الإثبات أو يحب منا أن لا نعتقد لا قول هؤلاء ولا قول هؤلاء .
[5]الجهل نوعان: جهل بسيط وجهل مركب، الجهل البسيط هو عدم العلم بالشيء، والجهل المركب أن تعلم الشيء على غير وجهه، أي أن تعتقد شيئا مغلوطا .
وعدم العلم بما يستحقه الله ـ من الصفات التامات وعدم العلم بالحق من الباطل ويحب منا الحيرة والشك[1]، ومن المعلوم أن الله لا يحب الجهل ولا الشك ولا الحيرة ولا الضلال؛ وإنما يحب الدين والعلم واليقين، وقد ذم الحيرة" بقوله تعالى: ﭽﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﭼ [الأنعام: ][2]،ﭽﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﭼ [الأنعام:72]، وقد أمرنا الله تعالى أن نقول:ﭽﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭼ [الفاتحة:6-7] [3]، وفي صحيح مسلم وغيره عن عائشة ل: أن النبي e كان إذا قام من الليل يصلي يقول[4]: (اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل؛ فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم)([7]).
______________________________
[1] الأمر الثالث الذين يقولوا إن الله يحب منا أن لا نثبت ولا ننفي، فنبقى حيارى لا ندري هل لله صفات أم ليس له صفات؟ هل هو في العلو أو ليس في العلو؟ إذا نبقى في ظلمات لا نعرف الحق من الباطل ولا نعرف الهدى من الضلال ولا نعرف الصدق من الكذب نقف شاكين حائرين مذبذبين لا مصدقين ولا مكذبين ما الذي يلزم من ذلك ؟ يلزم من هذا أن الله يحب منا عدم العلم بما جاء به الرسول وعدم العلم بما يستحقه سبحانه من الصفات التامات، وعدم العلم بالحق من الباطل، ويحب منا الحيرة والشك، وهذا من أبطل الباطل، لأن القول بأنه لا يحب منا لا هذا ولا من هذا، هذا أبطل الباطل.
[2] هذه الآية من الأدلة التي تذم الحيرة والشك .
[3] هذا دعاء، تدعوا الله أن يهديك إلى الصراط المستقيم، والصراط المستقيم علم وعمل.
[4] أي في دعاء الاستفتاح من الليل .
فهو e [1] يسأل ربه أن يهديه لما اختلف فيه من الحق[2]، فكيف يكون محبوب الله عدم الهدى في مسائل الخلاف ؟ وقد قال الله تعالى له: ﭽ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭼ [طه: 114] .
وما يذكره بعض الناس عنه من أنه قال : (زدني فيك تحيرا) كذب باتفاق أهل العلم بحديثه e [3]، بل هذا سؤال من هو حائر وقد سأل المزيد من الحيرة ولا يجوز لأحد أن يدعو بمزيد الحيرة إذا كان حائرا؛ بل يسأل الهدى والعلم؛ فكيف بمن هو هادي الخلق من الضلالة؟ وإنما ينقل مثل هذا عن بعض الذين لا يقتدى بهم في مثل هذا إن صح النقل عنه.
(1) حديث صحيح؛ أخرجه ابن ماجة (43)، وأحمد في المسند (4/126)، واللفظ له، وابن أبي عاصم في السنة (33، 48، 49)، والطبراني في الكبير (18/619)، والحاكم في المستدرك (1/96)، وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع (4369) كلهم من طريق العرباض بن سارية t.
([1]) حديث صحيح؛ أخرجه البخاري (554)، ومسلم (633)، وأبو داود (4729)، والترمذي (2551)، وابن ماجة (177)، وأحمد في المسند (4/360، 365- 366)، وابن أبي عاصم في السنة (446، 447، 448)، وابن حبان في صحيحه (7442) من حديث جرير بن عبدالله رضي الله عنه.
([2]) حديث صحيح؛ أخرجه ابن ماجة (181)، وأحمد في المسند (4/11، 12)، وفي السنة (452)، وابن أبي عاصم في السنة (554)، وعبدالله بن أحمد في زوائد السنة (453)، وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة وذكر له شواهد يصحح بها الحديث (2810) انظرها.
([3]) حديث صحيح؛ أخرجه البخاري (7437)، ومسلم (182)، وقد سبق تخريجه قبل ذلك من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
([4]) حديث صحيح تقدم فيما قبله.
([5]) حديث صحيح تقدم برقم (1).
([6]) حديث صحيح؛ أخرجه البخاري (4581، 7439)، ومسلم (302)، واللفظ له من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(1) محمد ابن تومرت، رجل كذاب ظالم تكلم عنه المؤلف في الفتاوى وقد ذكر شيئا من أحواله: (11/476-491)، وابن القيم في المنار المنيف: (153) .
(1) ص: .
([7]) حديث صحيح؛ أخرجه مسلم (770) واللفظ له في صلاة المسافرين، وأبو داود (767)، والترمذي (3420)، والنسائي (3/212- 213)، وأحمد في المسند (6/156) كلهم من طريق أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.