وقال علي بن الحسن بن شقيق قلت لعبد الله بن المبارك[1]: بماذا نعرف ربنا؟ قال: بأنه فوق سمواته على عرشه بائن من خلقه . وهذا مشهور عن ابن المبارك ثابت عنه من غير وجه[2]، وهو أيضاً صحيح ثابت عن أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وغير واحد من الأئمة .
___________________________
= لكن ليس لها طول ولا عرض ولا عمق، وليست فوق السماء ولا تحت الأرض، وليس لها ذات وليست من خشب ولا من زجاج ولا أصفها بأي صفة، ماذا تكون؟ تكون عدم. وهكذا الملاحدة يصفون ربهم يقولون: لا فوق ولا تحت ولا يمين ولا شمال وليس له علم ولا قدرة ولا داخل العالم ولا خارجه ولا فوقه ولا تحته ولا مباين له ولا محايث له ولا متصل به ولا منفصل عنه، ولا نصفه بصفة الوجود أيضاً، لو تصف المعدوم بأكثر من هذا ما استطعت، هذا هو العدم. وسيأتي كلام عبدالله ابن المبارك وهو كلام طويل، وأنه كلام شر من قول اليهود والنصارى.
[1] الإمام المشهور .
[2] وهو ثابت عنه وعن جمع من الأئمة؛ وهو إثبات علو الله على خلقه واستوائه على عرشه، ولهذا لما سئل عبدالله ابن المبارك قال: كيف نعرف ربنا؟ قال: (بأنه فوق سماواته على عرشه بائن من خلقه) فأثبت علو الله على الخلق، والاستواء على العرش صفة أخرى، فالعلو عام لجميع المخلوقات والاستواء على العرش خاصة . (بائن من خلقه) بمعنى أنه منفصل عن مخلوقاته ليس مختلطاً بهم، وفي هذا الرد على الجهمية الذين يقولون إنه مختلط بالمخلوقات. المخلوقات سقفها عرش الرحمن آخر المخلوقات وأعلاها هو سقف عرش الرحمن، والله فوق العرش، وبعده تنتهي المخلوقات، وهو ليس بحاجة إلى العرش ولا إلى غيره، وهو حامل العرش بقوته وقدرته .
يقول المؤلف رحمه الله: (وهذا مشهور عن ابن المبارك ثابت عنه من غير وجه) يعني هذه المقالة وهو إثبات علو الله على خلقه واستوائه على عرشه وأنه بائن من خلقه هذا ثابت عن ابن المبارك من غير وجه، وهو أيضا ثابت عن جمع من الأئمة، كالإمام أحمد وإسحاق بن راهويه وغيرهم من الأئمة، هذا قول الأئمة وقول أهل السنة قاطبة؛ أن الله مستو على عرشه، فوق مخلوقاته، بائن منهم، ومعنى: (بائن من خلقه) أي منفصل ليس مختلطاً بالمخلوقات، خلافاً للحلولية الجهمية الذين يقولون إنه مختلط بالمخلوقات، حتى أنهم قالوا: إنه في بطون السباع، وأجواف الطيور؛ تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.
وقال رجل لعبد الله بن المبارك : يا أبا عبد الرحمن قد خفت الله من كثرة ما أدعو على الجهمية . قال: لا تخف فإنهم يزعمون أن إلهك الذي في السماء ليس بشيء[1] . وقال جرير بن عبد الحميد: كلام الجهمية أوله شهد وآخره سم، وإنما يحاولون أن يقولوا ليس في السماء إله[2]. رواه ابن أبي حاتم .
________________________
[1] يعني أن هذا الرجل كان يدعوا على الجهمية وتحرج، فظن أن دعائه عليهم قد يلحقه فيه إثم من كثرة الدعاء، فقال له عبد الله ابن المبارك: (لا تخف) ادعوا عليهم واستمر (فإنهم يزعمون) أي ينكرون (أن إلهك الذي في السماء ليس بشيء) .
مذهب الجهمية إنكار الرب سبحانه وتعالى؛ وذلك لأنهم ينكرون علو الله على خلقه، ويقولون إنه في كل مكان، وبعضهم ينفي النقيضين فيقول: لا داخل العالم ولا خارجه، ولا فوق ولا تحت، ولا مباين له ولا محايث. وهذا القول يؤدي إلى العدم، فعبد الله ابن المبارك يقول لهذا الرجل: لا تخف من الدعاء عليهم، فإنهم ينكرون وجود الله، يزعمون أن إلهك الذي في السماء ليس بشيء، أي ليس هناك إله كما سبق أن نقل عن بعض السلف أن قول الجهمية يدور على أنه ليس فوق العرش إله يعبد.
[2] يقول جرير:كلام الجهمية أوله شَهْد، _ وفي الرواية الأخرى: أوله عسل _ وآخره سم، الشهد هو العسل، (أوله شهد) لأنهم في أول الأمر يظهرون لك أنهم إنما يريدون أن ينزهوا الله عن مشابهة المخلوقات، ولكنك إذا تبينت أمرهم؛ وجدت أنهم ينكرون وجود الله، ولهذا قال عن كلامهم إن أوله عسل . (وآخره سم) لأنك إذا تبينت الأمر وجدت أنهم ينكرون وجود الله، ولهذا قال في آخره: (وإنما يحاولون أن يقولوا ليس في السماء إله) هذا هو السم؛ يحاولون بكلامهم الذي يذكرون من أن الله ليس له شبيه، وأنه لا يماثل المخلوقات، وأنه لا يكون فوق؛ لأنه لوكان فوق لكان جسم، ولو كان جسم لكان شبيها للمخلوقات، وليس فوق العالم ولا تحت، ولا أمام ولا خلف، ولا يمين ولا شمال، ولا يوصف بأي صفة، فليس له علم ولا قدرة ولا سمع ولا بصر... إلخ، إذاً ماذا يكون؟ فبكلامهم هذا هم في الحقيقة ينكرون وجود الله؛ لأن هذه الصفات هي صفات العدم.
ورواه هو وغيره بأسانيد ثابتة عن عبد الرحمن بن مهدي قال : إن الجهمية أرادوا أن ينفوا أن يكون الله عز وجل كلم موسى بن عمران وأن يكون على العرش أرى أن يستتابوا فإن تابوا وإلا ضربت أعناقهم[1] . وقال يزيد بن هارون: من زعم أن الله على العرش استوى على خلاف ما يقر في قلوب العامة فهو جهمي[2] . وقال سعيد بن عامر الضبعي - وذكر عنده الجهمية فقال -: هم أشر قولا من اليهود والنصارى، قد أجمع أهل الأديان مع المسلمين على أن الله على العرش وقالوا هم ليس عليه شيء[3] .
___________________________
[1] الجهمية نفوا أن يكون الله عز وجل كلم موسى، وإذا نفوا الكلام معناه أنهم أنكروا جميع الرسالات؛ لأن الرسالات كلها بالكلام، وأنكروا الكتب المنزلة، قال: (وأنكروا العرش) معناه أنهم أنكروا علو الله على خلقه، وقالوا ليس له مكان بل هو مختلط بالمخلوقات، وهذا يؤدي إلى إنكاره وعدم وجوده ، قال: (أرى أن يستتابوا، فإن تابوا وإلا ضربت أعناقهم) وذلك لأنهم كفار يستحقون القتل، إن لم يتوبوا ضربت أعناقهم.
[2] يعني إذا كان يعتقد شيئاً يخالف الفطرة التي فطر الله الناس عليها فهو جهمي؛ وذلك أن الله فطر الخلائق على التوجه إليه في العلو عند النوازل والشدائد، فمن زعم أنه استوى استواء يخالف الفطرة وهو أن الله في العلو وأن الله استوى على عرشه في العلو، فهو جهمي. معناه يقول على العرش استوى يفسره مثلا بملك وقهر، فهذا خلاف ما يقر في قلوب العامة، الذي يقر في قلوب عامة الناس العلو أنه استوى على العرش في العلو، وأن الخلائق عند الشدائد والملمات إذا أصابها ضيم توجهوا إلى العلو، فمن زعم أن الاستواء هو الملك والقهر فإنه يخالف هذه الفطرة، ويخالف ما قر في قلوب العامة؛ فيكون جهمياً.
[3] أشر هذه لغة قليلة، والأكثر شر بدون همزة، وقوله: (هم أشر قولا من اليهود والنصارى) لأن اليهود والنصارى يقرون بتوحيد الربوبية ويثبتون وجود الله واستواءه على عرشه، وكفرهم هو بإنكارهم رسالة النبي e، فلهذا صار قول الجهمية شر من قول اليهود والنصارى في هذه المسألة، وإلا فاليهود والنصارى كفار؛ لأنهم لم يؤمنوا برسالة النبي e، لكنهم يثبتون علو الله على خلقه ويقرون بتوحيد الربوبية، فصاروا بذلك أحسن حالاً من الجهمية من جهة إثبات العلو، ولهذا قال: (وقد أجمع أهل الأديان مع المسلمين على أن الله على العرش)، أهل الأديان هم اليهود والنصارى فإنهم قد وافقوا المسلمين على أن الله على العرش، (وقالوا) أي الجهمية (هم ليس عليه شيء) فهم شر من اليهود والنصارى في هذه المسألة؛ لأن اليهود والنصارى وافقوا المسلمين على أن الله على العرش وقالت الجهمية ليس على العرش شيء، فصار قولهم شر من قول اليهود والنصارى من هذه الجهة، وليس معنى ذلك أن اليهود والنصارى؟! بل كفرهم واضح وبين .
وقال عباد بن العوام الواسطي: كلمت بشرا المريسي وأصحابه فرأيت آخر كلامهم ينتهي إلى أن يقولوا ليس في السماء شيء، أرى والله أن لا يناكحوا ولا يوارثوا .
___________________________
[1] بشر المريسي جهمي تقلد مذهب الجهمية، وهو متأخر في القرن الثالث الهجري، تَزََعَّمَ طائفة تسمى المريسية، وقد رد عليه عثمان بن سعيد الدارمي في كتاب مشهور اسمه: نقض عثمان بن سعيد الدارمي على بشر المريسي العنيد فيما افترى على الله في التوحيد.
يقول عباد وكان معاصرا له: (كلمت بشرا المريسي) يعني كلمه في إثبات علو الله على خلقه، قال: (فرأيت آخر كلامهم ينتهي إلى أن يقولوا ليس في السماء شيء)، يعني رأيت آخر كلامهم أنهم ينكرون وجود الله، كلامهم يدور على إنكار وجود الله، ويقولون ليس فوق العرش، أين هو؟ هل هو فوق العرش؟ قالوا لا. لو كان فوقه لكان جسما ولكان محدوداً، وهذا فيه تشبيه له بالمخلوقات، وهذا تنقص له؛ لو كان في جهة معينة، يلزم منه أن يكون جسما وأن يكون محدودا وأن يكون متحيزا، إذاً أين هو؟ قالوا ذاهب في الجهات كلها. فهو في كل مكان، وكلامهم في النهاية يؤدي إلى إنكار وجود الله، ولهذا قال عباد: (رأيت آخر كلامهم ينتهي إلى أن يقولوا ليس في السماء شيء)، يعني ينكرون وجود الله. ثم حكم عليهم فقال: (أرى والله أن لا يناكحوا ولا يوارثوا)، وهذا حكم عليهم بالكفر؛ لأن الذي لا يورث ولا يزوج ليس من المسلمين، فالكافر لا يورث؛ لأنه مخالف للدين. وذكر العلاّمة ابن القيم رحمه الله أن الجهمية قد كفرهم خمسمائة عالم، فقال في النونية(1):
ولقد تقلد كفرهم خمسون في عشر من العلماء في البلدان
خمسين في عشرة خمسمائة.
واللالكائي الإمام قد حكاه عنهم بل قد حكاه قبله الطبراني
وقال بعض العلماء إن الجهمية خارجون من الثنتين والسبعين فرقة، لكفرهم وضلالهم، يشير إلى قول النبي e: (وستفترق هذه الأمة على ثلاثة وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحده)([1]) هذه الثنتان وسبعون فرقه من أهل البدع عليهم الوعيد كلهم في النار وليسوا كفارا، قال: إن الجهمية خارجون من الثنتين والسبعين بكفرهم وضلالهم.
وهذا كثير في كلامهم . وهكذا ذكر أهل الكلام الذين ينقلون مقالات الناس " مقالة أهل السنة وأهل الحديث " كما ذكره أبو الحسن الأشعري في كتابه الذي صنفه في " اختلاف المصلين ومقالات الإسلاميين " فذكر فيه أقوال الخوارج والروافض والمرجئة والمعتزلة وغيرهم[1] . ثم قال : ذكر مقالة أهل السنة وأصحاب الحديث، وجملة قولهم[2] : الإقرار بالله عز وجل وملائكته وكتبه ورسله وبما جاء من عند الله[3] وبما رواه الثقات عن رسول الله e[4] لا يردون من ذلك شيئا[5]، إلى أن قال - وأن الله على عرشه كما قال: ﭽﮉﮊﮋﮌﭼ [طه:][6]، وأن له يدين بلا كيف كما قال تعالى: ﭽﯢ ﯣ ﯤﭼ[ص:75] [7] .
______________________
[1] ذكر أبو الحسن الأشعري في كتابه الذي سماه اختلاف المصليين ومقالات الإسلاميين، أقوال الخوارج وأقوال الروافض وأقوال المرجئة وأقوال المعتزلة، فبعد أن ذكر مقالاتهم في باب الاعتقاد ذكر أقوال أهل السنة في هذا الباب فقال: (ذكر مقالة أهل السنة وأصحاب الحديث) .
[2] قوله: (وجملة قولهم) أي أهل السنة والحديث .
[3] الإقرار هو الإيمان، أي يؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله، ويضاف إلى هذا: الإيمان باليوم الآخر والإيمان بالقدر خيره وشره؛ فهذه أصول الإيمان الستة .
[4] أي ويؤمنون بما ثبت عن رسول الله e من الأحاديث التي رواها الثقات الأثبات .
[5] هذه عقيدة أهل السنة والجماعة: يؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر والإيمان بالقدر خيره وشره، ويؤمنون بما جاء من عند الله وما رواه الثقات عن رسول الله e ولا يردون من ذلك شيئاً .
[6] هذا فيه إثبات استواء الله على عرشه، وعلو الله على خلقه، وفيه أيضا الرد على الجهمية الذين ينكرون علو واستواء الله على العرش .
[7] وهذا فيه الرد على الجهمية والمعتزلة والأشاعرة، فالأشاعرة لا يثبتون اليدين، بل يفسرونها بالقدرة، وبعضهم يفسرها بالنعمة، وهذا يفسد المعنى، قال نعم الله كثيرة ليست محصورة بإثنتين، لو كان كما يقولون لصار المعنى: لما خلقت بقدرتَيَّ أو بنعمتَيَّ! فتفسير اليد بالقدر والنعمة يفسد المعنى، الله تعالى له نعم كثيرة، فهل يقال إن لله قدرتين ونعمتين فقط! هذا مما يفسد به المعنى.
وأقروا أن لله علما كما قال: ﭽﮖ ﮗﭼ[النساء:166][1]، ﭽﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌﭼ[فاطر:11]، وأثبتوا السمع والبصر[2]؛ ولم ينفوا ذلك عن الله كما نفته المعتزلة[3] وقالوا: إنه لا يكون في الأرض من خير ولا شر إلا ما شاء الله وأن الأشياء تكون بمشيئة الله كما قال: ﭽﯮ ﯯﯰﯱﯲﯳﭼ [فاطر:29][4] إلى أن قال : ويقولون إن القرآن كلام الله غير مخلوق[5]؛ ويصدقون بالأحاديث التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل : (إن الله ينزل إلى سماء الدنيا فيقول : هل من مستغفر فأغفر له ؟) كما جاء في الحديث[6]، ويقرون أن الله يجئ يوم القيامة كما قال: ﭽﯩﯪﯫﯬﯭﭼ [الفجر:22][7]، وأن الله يقرب من خلقه كيف شاء كما قال: ﭽ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭼ [ق:16])[8]، وذكر أشياء كثيرة إلى أن قال: .
_____________________
[1] صفة العلم من الصفات السبع التي يثبتها الأشاعرة.
[2] هذا أيضا من الصفات السبع التي يثبتها الأشاعرة، وهي: الحياة والكلام والبصر والسمع والعلم والقدرة، فهم يوافقون أهل السنة في هذا .
[3] المعتزلة ينكرون الصفات، ويثبتون الأسماء بلا معاني.
[4] يعني: وأثبتوا مشيئة الله وأن مشيئة العبد تابعة لمشيئة الله، العبد له مشيئة لكنها تابعة لمشيئة الله [5] هذا قول أهل السنة والجماعة خلافا للمعتزلة الذين يقولون إن كلام الله مخلوق.
[6] وهذا من الأحاديث المتواترة كما سبق .
[7] يجئ يوم القيامة مجيئاً يليق بجلاله وعظمته، لا يشبه مجيء المخلوقين .
[8] هذا الذي اختاره أبو حسن الأشعري أن القرب هنا قرب الله، يقرب من الخلق كيف شاء (نحن أقرب) يعني علم الله اقرب إلى العبد من حبل الوريد. وقال آخرون: معنى العلم في الآية قرب الملائكة، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، ونحن اقرب إليه بملائكتنا من حبل الوريد، الملائكة أقرب إلى العبد من حبل الوريد بدليل أنه قيدها بالظرف في قوله: ﭽﭡﭢﭣﭼ [ق:17]، والتقدير: ونحن أقرب إليه من حبل الوريد وقت تلقي المتلقيان. ولو كان المراد قرب الله لم يقيد =
فهذه جملة ما يأمرون به ويستعملونه ويرونه) [1]، وبكل ما ذكرنا من قولهم نقول وإليه نذهب[2]، قال الأشعري أيضا في مسألة الاستواء: قال أهل السنة وأصحاب الحديث ليس بجسم [3] .
_________________________________
=بوقت تلقي المتلقيان، لكان قربه في كل وقت ليس مقيدا. قال شيخ الإسلام: (فدل على أن الآية في قرب الملائكة)، وقال آخرون من أهل العلم: ﭽﭚﭛﭜﭼ هذا يعود إلى الله، يعني نحن أقرب إلى العبد يعني اقرب بعلمه، وذاته فوق العرش .
[1] يعني أهل السنة والجماعة وأهل الحديث .
[2] هذا يدل على أن أبا الحسن الأشعري رجع إلى معتقد أهل السنة والجماعة، فقد كان قبل ذلك أشعريا، إثبات الجسم ونفيه هذه من الأشياء التي بقيت على أبي الحسن الأشعري ورجع إلى معتقد أهل السنة والجماعة ولكن بقيت عليه أشياء بسبب طول مكثه على مذهب المعتزلة والأشاعرة
[3] نفي الجسم وإثباته لم يرد في الكتاب ولا في السنة، فقول الأشعري أن أهل السنة لا يثبتون الجسم لله جل وعلا ليس بصحيح، بل الجسم لا يثبت ولا ينفى؛ لأنه لم يرد لا في الكتاب ولا في السنة، لكن من أطلقه نفياً أو إثباتاً فإنه يستفصل عن المعنى الذي أراد، وذلك أنه من الألفاظ المجملة التي يراد بها الحق ويراد بها الباطل؛ فإن أراد معنى حقاً قبل، وإن أراد معنى باطلاً رد، فإذا قال: الله جسم، نقول له: ما مرادك بالجسم؟ فإن قال: أريد بذلك أن الله متصف بالصفات! نقول له: هذا المعنى صحيح، لكن هذا اللفظ لم يرد لا في الكتاب ولا في السنة، فلا يحسن أن تأتي به، فإن قال: ماذا آتي؟ نقول: إيت بالألفاظ التي وردت في النصوص؛ لأن ألفاظ النصوص بريئة من احتمال المعاني الفاسدة . وإذا قال: ليس بجسم قال: اقصد بهذا أن الله ليس بمتصف بالصفات! نقول: هذا معنى باطل واللفظ باطل، كذلك العرض إذا قال: ليس لله عرض، العرض يراد بها الصفات، قال: ما المراد بليس لله عرض؟ قال: من الصفات قلنا هذا باطل، وهكذا وإذا قال إن لله لا...؟!! قال إثبات له الصفات حق ولكن اللفظ ما ورد .وقول: إنه متحيز، أو في جهة، أو له أبعاض، أو له أعراض، كل هذه لم ترد لا في الكتاب ولا في السنة، من أطلقها نفياً أو إثباتاً يستفصل، فإن أراد معنى حق قبل، وإن أراد معنى باطل رد، وان اشتمل كلامه على حق وباطل قبل الحق ورد الباطل ، وأما اللفظ فلا يطلق.
ولا يشبه الأشياء[1]، وأنه على العرش كما قال: ﭽﮉﮊﮋﮌﭼ [طه:] .ولا تقدموا بين يدي الله ورسوله في القول[2]، بل نقول استوى بلا كيف[3]، وأن له يدين بلا كيف كما قال: ﭽﯢﯣﯤﭼ[ص:75]، وأن الله ينزل إلى السماء الدنيا كما جاء في الحديث. قال:[4] وقالت المعتزلة: استوى على العرش بمعنى استولى[5]. وقال الأشعري أيضا في كتابه "الإبانة في أصول الديانة"[6] في (باب الاستواء): إن قال قائل: ما تقولون في الاستواء؟[7] قيل: نقول له: إن الله مستو على عرشه كما قال: ﭽﮉﮊﮋﮌﭼ [طه:] [8]، وقال:ﭽﯦﯧﯨﯩ ﭼ [فاطر:10][9].
________________________________________________
[1] أي أن الله لا يشبه أحداً من خلقه .
[2] وذلك عملاً بقوله تعالى:ﭽﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﭼ [الحجرات:1]، فلا يتقدم الإنسان بين يدي الله ورسوله، ولا يقول قولاً يخالف الكتاب والسنة، لأن ذلك من التقدم بين يدي الله ورسوله .
[3] فلا نكيف، وذلك أن الكيفية لا يعلمها إلا الله .
[4] أي أبو الحسن الأشعري.
[5] تفسير الاستواء بالاستيلاء هذا من التأويل الباطل، بل المعنى الحق: أنه استوى استواء حقيقياً يليق بجلاله وعظمته، لا يشابه استواء المخلوقين.
[6] هذا النقل عن أبي الحسن الأشعري من كتابه الإبانة في أصول الديانة، وهو من آخر مؤلفاته التي ألفها بعد رجوعه إلى مذهب أهل السنة والجماعة .
[7] أي ما تقول يا أبا الحسن أنت وممن معك على هذا المعتقد؟
[8] يعني ليس كاستوائك ، استواء يليق بجلال الله وعظمته .
[9] وهذا فيه إثبات صفة العلو، وذلك أن الصعود يكون من أسفل إلى أعلى.
وقال: ﭽﮖﮗﮘﮙﭼ[النساء:158][1] . وقال حكاية عن فرعون: ﭽﮎﮏﮐﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﭼ [غافر:36-37] كذب موسى في قوله : إن الله فوق السموات[2] .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] وهذا فيه إثبات العلو، وذلك أن الرفع يكون من أسفل إلى أعلى .
[2] لما أخبر موسى فرعون أن الله في السماء في العلو، طلب فرعون من وزيره هامان أن يبني له صرحاً _ أي بناء عالياً _ ليكذب موسى فيما زعمه وادعاه من أن الله فوق .
وأهل البدع من الجهمية وغيرهم عكسوا معنى الآية فغيروا معناها، وفهموها فهماً سقيماً فقالوا: إن فرعون طلب من هامان أن يبني له صرحا؛ وذلك لأنه يثبت العلو، وفرعون صاحب مذهب باطل، فدل هذا على أن مذهب فرعون هو إثبات العلو، ومذهب فرعون باطل فدل على أن العلو باطل وأن الله ليس في العلو؛ لأنه لو كان في العلو لكان جسماً وكان متحيزاً، ولكان محدوداً وهذا كفر، فمن أثبت أن الله في العلو كفر عند الجهمية، وذلك أنك إذا أثبت لله العلو جعلته في مكان محدود محصور، وهذا تحقير وانتقاص له! فبزعمهم الفاسد قالوا إن الله ذاهب في كل الجهات، فلم يجعلوا له العلو، بل جعلوه في كل مكان، فلذلك قالوا إن فرعون أثبت العلو لأنه طلب من وزيره هامان أن يبني له صرحا وهذا من باب الانتكاس، فرعون طلب من وزيره هامان أن يبني له صرحاً ليكذب موسى في ما أخبره به أن الله على العرش، ولهذا قال: ﭽﮜﮝﮞﭼ، فكذب موسى في قوله أن الله في السماوات، فلهذا يقول العلماء من اثبت علو الله على خلقه فهو موسوي محمدي، موسوي نسبة إلى موسى لأنه أثبت العلو محمدي نسبة إلى محمد، ومن أنكر علو الله على خلقه فهو فرعوني جهمي، يعني نسبة إلى فرعون والجهم.
وقال الله تعالى: ﭽﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸﭹﭺﭻﭼ ﭽ ﭾﭼ [الملك:16][1]، فالسموات فوقها العرش، وكل ما علا فهو سماء[2]، وليس إذا قال: ﭽﭴﭵﭶﭷﭼ ،يعني جميع السموات، وإنما أراد العرش الذي هو أعلى السموات[3]، ألا ترى أن الله ذكر السموات فقال: ﭽﭴ ﭵﭶﭷﭼ [نوح:16] ولم يرد أنه يملؤهن جميعا؟ وأنه فيهن جميعا[4]، ورأينا المسلمين جميعا يرفعون أيديهم إذا دعوا نحو السماء[5]؛ لأن الله مستو على العرش الذي هو فوق السموات فلولا أن الله على العرش لم يرفعوا أيديهم نحو العرش[6] .
______________________________________
[1] وقال الله عز وجل: ﭽﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼ ،المراد بالسماء العلو، أي: أأمنتم من في العلو..، فهذه الآية فيها إثبات العلو لله عز وجل .
[2] كل شيء يكون في العلو فهو سماء إلى ما لا نهاية، والله تعالى له أعلى العلو وهو ما فوق العرش.
[3] فإذا قال: ﭽﭴﭵﭶﭷﭼ يعني: أأمنتم من فوق العرش .
[4] أي أن القمر في واحدة من هذه السماوات، وليس في جميعها، ولكن نوره فيهن ولا يلزم من ذلك أن يكون يملئهن، فكذلك قوله: ﭽﭴﭵﭶﭷﭼ المراد من السماء العرش.
[5]أي هذه هي الفطرة التي فطر الله الناس عليها .
[6]لأن هذه هي الفطرة، لكن أهل البدع الذين أنكروا علوا الله على عرشه، قالوا: إن رفع اليدين والرأس إلى السماء ليس لأن الله في العلو، وإنما لأن العادة أن السماء يأتي منها المطر، ويأتي منها كذا وكذا، وإلا لو عُصِبَت عينه، لما رفع يديه إلى السماء، وهذا من تلبيس الجهمية وإلا فهذه فطرة فطر الله الناس على أنه فوق، ولهذا قال المؤلف رحمه الله : (لو لا أن الله على العرش لم يرفعوا أيديهم نحو العرش) .
وقد قال قائلون من المعتزلة والجهمية والحرورية[1]: أن معنى استوى استولى وملك وقهر وأن الله في كل مكان[2]، وجحدوا أن يكون الله على عرشه كما قال أهل الحق، وذهبوا في الاستواء إلى القدرة[3]، فلو كان كما قالوا كان لا فرق بين العرش والأرض السابعة؛ لأن الله قادر على كل شيء، والأرض فالله قادر عليها وعلى الحشوش والأخلية، فلو كان مستويا على العرش بمعنى الاستيلاء لجاز أن يقال : هو مستو على الأشياء كلها، ولما لم يجز عند أحد من المسلمين أن يقال : إن الله مستو على الأشياء كلها وعلى الحشوش والأخلية بطل أن يكون معنى الاستواء على العرش الاستيلاء الذي هو عام في الأشياء كلها [4].
__________________________________
[1] الحرورية هم الخوارج، سموا حرورية نسبة إلى بلدة تسمى حرورا في العراق، تَجَمَّع فيه الخوارج فسموا بالحرورية .
[2] هكذا أنكروا معنى الاستواء، وقد بينت سابقاً أن الاستواء له أربع معان في اللغة: استقر وعلا وصعد وارتفع، وعليه تدور تفاسير الاستواء، فهؤلاء المبتدعة الذين ينكرون معنى الاستواء، يقولون إن معنى استوى: استولى وملك وقهر، وليس بمعناه أنه فوق العرش، حينما أنكروا ذلك قالوا: إنه جل وعلا في كل مكان، وهذا هو القول بالحلول، وهو كفر وضلال والعياذ بالله .
[3] أهل الحق وهم أهل السنة والجماعة قالوا إن الله على عرشه، أما هؤلاء فجحدوا أن الله في العلو، وذهبوا إلى أن معنى استوى: أي قهر وملك .
[4] يقول في الرد عليهم: لو كان معنى استوى: أي استولى وملك وقهر لما كان هذا خاصاً بالعرش، بل لصح أن يقال: استوى على الأرض، أو استوى على البحر، أو استوى على الدابة، أي: ملك الأرض وملك البحر وملك الدابة، استوى على الحشوش يعني محل قضاء الحاجة والأخلية وهذا باطل، بل الاستواء خاص بالعرش وهو علو خاص ، والمعنى: ارتفع وعلا، ولهذا قال: (فلو كان مستو على العرش بمعنى الاستيلاء لجاز القول بأن الله مستو على الأشياء كلها)، فلما كان جميع المسلمين لا يجوز عندهم أن تقول إن الله مستو على كل شيء، بل لا تقول إلا استوى على العرش، فبطل تفسيرهم الاستواء بالاستيلاء .
وقد نقل هذا عن الأشعري غير واحد من أئمة أصحابه كابن فورك والحافظ ابن عساكر في كتابه الذي جمعه في"تبيين كذب المفتري فيما ينسب إلى الشيخ أبي الحسن الأشعري[1] " وذكر اعتقاده الذي ذكره في أول " الإبانة "[2] وقوله فيه [3]: فإن قال قائل: قد أنكرتم قول المعتزلة والقدرية والجهمية والحرورية والرافضة والمرجئة فعرفونا قولكم الذي به تقولون وديانتكم التي بها تدينون[4]، قيل له : قولنا الذي به نقول وديانتنا التي بها ندين: التمسك بكتاب الله تعالى وسنة نبيه e وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث[5] .
___________________________________
[1] يقول المؤلف إن هذا البيان من أبي الحسن الأشعري وهذه العقيدة التي كتبها نقلها عنه عدد من أئمة أصحابه، وأنه يثبت استواء الله على عرشه، ونقلها ابن فورك وهو من أئمة أصحاب الأشعري، ونقلها أيضاً الحافظ ابن عساكر صاحب تاريخ دمشق في كتابه الذي سماه (تبيين كذب المفتري في ما نسب إلى الشيخ أبي الحسن الأشعري)، ألف هذا الكتاب دفاعاً عن أبي الحسن مما نسب إليه مما لم يقله.
[2] أي ذكر ابن عساكر اعتقاد أبي الحسن الذي ذكره في أول كتابه الإبانة في أصول الديانة، وهو من آخر ما كتب .
[3] أي أبي الحسن الأشعري.
[4] يقول: إذا قال قائل: إن كنتم تنكرون قول المعتزلة والقدرية والجهمية والحرورية والرافضة والمرجئة، فإذاً بينوا لنا قولكم ودينكم الذي تدينون به في هذا الباب؟
قيل له انظر إلى هذه العقيدة من أبي الحسن الأشعري سطرها في كتابه الإبانة .
[5] هذا كلام حق منه رحمه الله، يقول إن ديننا وعقيدتنا هي التمسك بكتاب الله والتمسك بسنة نبيه e وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث ونحن بذلك معتصمون .
ونحن بذلك معتصمون وبما كان عليه أحمد بن محمد بن حنبل - نضر الله وجهه – قائلون[1] ولما خالف قوله مجانبون[2]؛ لأنه الإمام الفاضل والرئيس الكامل[3] الذي أبان الله به الحق عند ظهور الضلال[4]، وأوضح المنهاج به، وقمع به بدع المبتدعين، وزيغ الزائغين، وشك الشاكين، فرحمة الله عليه من إمام مقدم، وكبير مفهم[5]، وعلى جميع أئمة المسلمين. وجملة قولنا: إنا نقر بالله وملائكته وكتبه ورسله وما جاء من عند الله وما رواه الثقات عن رسول اللهe وذكر ما تقدم وغيره من جمل كثيرة أوردت في غير هذا الموضع[6] .
__________________________________
[1] أي ونقول بقول الإمام أحمد إمام أهل السنة والجماعة، ثم دعا له فقال: (نضّر الله وجهه) أي: جعل الله وجهه نضراً، كما في قوله تعالى:ﭽﭙ ﭚ ﭛﭼ [القيامة:22] أي بهجة بهية، ﭽﭝ ﭞ ﭟﭼ [القيامة:23] أي تنظر إلى ربها يوم القيامة ، فدعا أبو الحسن الأشعري للإمام أحمد أن يجعل الله وجهه نضراً بهياً حسناً يوم القيامة لعلمه وفضله .
[2] فنقول بقول الإمام أحمد لأنه إمام أهل السنة والجماعة، ومن خالف قوله نتجنبه.
[3] وهذا فيه مبالغة، فالرئيس الكامل من البشر هو نبينا محمد بن عبد الله، فهو أكمل البشر، هنا مبالغة والإمام أحمد هو إمام أهل السنة والجماعة .
[4] وذلك في فتنة القول بخلق القرآن فثبته الله، وأقرانه من الأئمة تأولوا، وهو ثبت على الحبس والضرب، حتى كان يغمى عليه من ألم الضرب والعذاب، فثبت حتى أظهره الله ولم يقل بقول الجهمية من القول بخلق القرآن، ولهذا قال: (الذي أبان الله به الحق عند ظهور الضلال وأوضح به المنهاج وقمع به بدع المبدعين وزيغ الزائغين وشك الشاكين).
[5] معنى قوله: (إمام مقدم) أي يتقدم العلماء لفضله، وقوله: (وكبير مفهم) يعني فهمه الله وفي الإبانة مفخم وعلى جميع أئمة المسلمين يعني رحمة الله عليه وعلى جميع المسلمين.
[6] أنا نقر بالله أي نؤمن، وهذه هي أصول الإيمان، وهذا كله نقله ابن عساكر في كتاب تبيين كذب المفتري .
(1) النونية بشرح ابن عيسى (1/290) .
([1]) حديث صحيح؛ أخرجه أبو داود (4596)، والترمذي (2640) وقال: حديث حسن صحيح، وابن ماجه (3991)، وأحمد في المسند (2/332)، وابن حبان في صحيحه (6247، 6731)، وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع (1083)، والسلسلة الصحيحة (203).