المذيع: أحسن الله إليكم، ونفع بعلمكم.
توقَّفنا عند قول المؤلف رحمه الله: "ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ التَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ فِيمَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَمِنْ طَاعَتِهِ فِيمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَأَصْلُ ذَلِكَ: الصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ.
فَمَنْ قَامَ بِهَذِهِ الْخَمْسِ كَمَا أُمِرَ لَزِمَ أَنْ يَأْتِيَ بِسَائِرِ الْوَاجِبَاتِ؛ بَلْ الصَّلَاةُ نَفْسُهَا إذَا فَعَلَهَا كَمَا أُمِرَ فَهِيَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ؛ كَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ: «إنَّ فِي الصَّلَاةِ مُنْتَهًى وَمُزْدجَرًا عَنْ مَعَاصِي اللَّهِ فَمَنْ لَمْ تَنْهَهُ صَلَاتُهُ عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ لَمْ يَزْدَدْ بِصَلَاتِهِ مِنْ اللَّهِ إلَّا بُعْدًا».
وَقَوْلُهُ: «لَمْ يَزْدَدْ إلَّا بُعْدًا» إذَا كَانَ مَا تَرَكَ مِنْ الْوَاجِبِ مِنْهَا أَعْظَمَ مِمَّا فَعَلَهُ، أَبْعَدَهُ تَرْكُ الْوَاجِبِ الْأَكْثَرِ مِنْ اللَّهِ أَكْثَرَ مِمَّا قَرَّبَهُ فِعْلُ الْوَاجِبِ الْأَقَلِّ، وَهَذَا كَمَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِ، تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِ، تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِ، يَرْقُبُ الشَّمْسَ حَتَّى إذَا كَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ قَامَ فَنَقَرَ أَرْبَعًا لَا يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهَا إلَّا قَلِيلًا».
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {إنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إلَّا قَلِيلًا(142)} [النساء:142].
الشيخ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، والصَّلاة والسَّلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين، أمَّا بعد:
قال المؤلِّف رحمه الله تعالى: "ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ التَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ فِيمَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَمِنْ طَاعَتِهِ فِيمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَأَصْلُ ذَلِكَ الصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ".
المؤلِّف رحمه الله لا يزال يتكلَّم عن صفات المؤمنين حقًا، وقد سبق في الحلقة الماضية الكلام على الثلاثة صفات: "وَجَلَ الْقَلْبِ عند ذكر الله"، على صفتين وجل القلب عند ذكر الله، وزيادة الإيمان عند تلاوة القرآن، ثم ذكر الصفة الثالثة، والرابعة، والخامسة، فقال: "ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ التَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ"؛ هذا في قول الله تعالى، وعلى ربهم يتوكلون.
"التَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ فيمَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَمِنْ طَاعَتِهِ فِيمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ" يتوكل على الله؛ يعني: يعتمد عليه، ويفوض أمره إليه ويضرع إليه سبحانه وتعالى، ويرجع إليه في أن ييسر له ما لا يقدر عليه، وأما ما يقدر عليه فإنه يطيع الله فيما يقدر عليه، ويجاهد نفسه في الالتزام، ثم قال المؤلف رحمه الله: "وَأَصْلُ ذَلِكَ " الصَّلَاةُ " وَ " الزَّكَاةُ "؛ وهما الوصفان الرابع، والخامس، ثم قال: "فَمَنْ قَامَ بِهَذِهِ الْخَمْسِ كَمَا أُمِرَ لَزِمَ أَنْ يَأْتِيَ بِسَائِرِ الْوَاجِبَاتِ" هذا كما سبق أن المؤلف رحمه الله بيَّن أن هذه الصفات الخمس(صفات المؤمنين) من حققها قامها واستقام عليها لا بدَّ أن تدفع إلى أن يأتي ببقية الواجبات وهي(وجل القلب عند ذكر الله، وزيادة الإيمان عند تلاوة القرآن، والتوكل على الله، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، فمن قام بهؤلاء الخمس كما أُمر لزم أن يأتي بسائر الواجبات، ثم قال المؤلف رحمه الله: " بَلْ " الصَّلَاةُ نَفْسُهَا " إذَا فَعَلَهَا كَمَا أُمِرَ فَهِيَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ؛ كما قال الله تعالى في كتابه العظيم: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ (45)}[العنكبوت:45]؛ المعنى أن الصلاة فيها أمران: الأمر الأول: ذكر الله، والأمر الثاني: أنها تنهي عن الفحش وذكر الله هو الأكبر{ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ (45)}[العنكبوت:45]
فالصلاة نفسها إذا قامها الإنسان واستقام عليها، وأداها بإخلاص وصدق ورغبة، وحضور قلب، وعبد الله كأنه يراه، فلا بدَّ أن تنهاه عن الفحشاء والمنكر، وإن لم تنهاه عن الفحشاء والمنكر دلَّ على ضعف في إقامة الصلاة؛ كما روي عن المؤلف رحمه الله؛ كَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ: «إنَّ فِي الصَّلَاةِ مُنْتَهًى وَمُزْدَجَرًا عَنْ مَعَاصِي اللَّهِ فَمَنْ لَمْ تَنْهَهُ صَلَاتُهُ عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ لَمْ يَزْدَدْ بِصَلَاتِهِ مِنْ اللَّهِ إلَّا بُعْدًا ». وَقَوْلُهُ: «لَمْ يَزْدَدْ إلَّا بُعْدًا »؛ يعني إذَا كَانَ مَا تَرَكَ مِنْ الْوَاجِبِ مِنْهَا أَعْظَمَ مِمَّا فَعَلَهُ، أَبْعَدَهُ تَرْكُ الْوَاجِبِ الْأَكْثَرِ مِنْ اللَّهِ أَكْثَرَ مِمَّا قَرَّبَهُ فِعْلُ الْوَاجِبِ الْأَقَلِّ"؛ يعني إذا كان الواجب الذي تركه أكثر أبعده من الله، وهذا كما في الصحيح بيَّن المؤلف مثال ذلك، قال: إذا كان الشيء الذي تركه أكثر مما فعله مثاله هو صلاة المنافق؛ كما ثبت في الحديث الذي يقرأه المؤلف رحمه الله: « تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِ، تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِ، تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِ، يَرْقُبُ الشَّمْسَ حَتَّى إذَا كَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ قَامَ فَنَقَرَ أَرْبَعًا لَا يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهَا إلَّا قَلِيلًا»، وهذا الحديث رواه مسلم في صحيحه، والترمذي، وأحمد، والنسائي، قال رحمه الله: كما في الصحيح؛ هو صحيح مسلم، فإن المنافق الآن ترك من الواجبات ماهو أكثر مما فعل، فإن الله وصفه بنقر الصلاة كنقر الغراب تفقد الطمأنينة في صلاته، وإذا وإذا اختلت الطمأنينه بطلت صلاته ووصفه بأنه يؤخَّر الصلاة عن وقتها ولا يصلي إلا عند غروب الشمس، ووصفه بأنه لا يذكر الله فيها إلَّا قليلًا، فهذا المنافق يصدق على صلاته أنه ترك من الواجب أعظم مما فعله، فصلاته لا تنهاه عن الفحشاء والمنكر، ولهذا بقي على نفاقه نسأل الله السلامة والعافية ولم تنفعه صلاته، ولم يزدد بها من الله إلَّا بعدًا، وقد قال تعالى: {إنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إلَّا قَلِيلًا(142)}[النساء: 142]، فالحديث يؤيد الآية، ويوافق الآية في وصف المنافقين؛ إن الله تعالى وصف المنافقين بالخداع، والكسل عند إقام الصلاة، ومراءات الناس، وقلة ذكر الله في الصلاة ولا حول ولا قوة إلَّا بالله، والواجب على المسلم أن يحظر هذه الصفات، ويبتعد عن صفات المنافقين، وأن يحذر أن يؤخر الصلاة عن وقتها، وأن يطمئن في صلاته، وأن يكثر من ذكر الله فيها حتى لا يتشبه بالمنافقين.
القارئ: أحسن الله إليكم، في قوله: «فَمَنْ لَمْ تَنْهَهُ صَلَاتُهُ عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ لَمْ يَزْدَدْ بِصَلَاتِهِ مِنْ اللَّهِ إلَّا بُعْدًا »، أولًا: في النسخة التي بين أيدينا قال: " فَمَنْ لَمْ تَنْهَهُ صَلَاتُهُ عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَمْ يَزْدَدْ بِصَلَاتِهِ مِنْ اللَّهِ إلَّا بُعْدًا " الواو زائدة
الشيخ: لا، لم يزداد.
طالب: قال المحشي رحمه الله عندنا في نسختنا قال: وذكره المصنف رحمه الله موقوفًا فأحسن، وقد اشتهر مرفوعًا ولا يصح، وظاهر معناه باطل، والتأويل الذي ذكره المؤلف بعيد؛ كما بينته في الأحاديث الضعيفة، الشيخ الألباني رحمه الله يقول: إن ظاهر المعنى بعيد جدًا ليس كما ذكره المؤلف مراده أحسن الله إليك، يشير إلى أن شرح ابن تيمية رحمه الله بعيد وليس هو المراد الذي ذكره ابن تيمية.
الشيخ: هذا ليس بظاهر ما ذكره المؤلف رحمه الله صحيح، ما ذكره المؤلف هو الصواب، المؤلف رحمه الله إمام وكلامه معقول، واضح الآن وهو تؤيده النصوص ويؤيده قوله تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ (45)} [العنكبوت:45]
قال رحمه الله: وَفِي السُّنَنِ عَنْ عَمَّارٍ {عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ الْعَبْدَ لَيَنْصَرِفُ مِنْ صَلَاتِهِ وَلَمْ يُكْتَبْ لَهُ مِنْهَا إلَّا نِصْفُهَا، إلَّا ثُلُثُهَا. . حَتَّى قَالَ: إلَّا عُشْرُهَا» وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَيْسَ لَك مِنْ صَلَاتِك إلَّا مَا عَقَلْت مِنْهَا. وَهَذَا وَإِنْ لَمْ يُؤْمَرْ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لَكِنْ يُؤْمَرُ بِأَنْ يَأْتِيَ مِنْ التَّطَوُّعَاتِ بِمَا يَجْبُرُ نَقْصَ فَرْضِهِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ حَافَظَ عَلَى الصَّلَوَاتِ بِخُشُوعِهَا الْبَاطِنِ وَأَعْمَالِهَا الظَّاهِرَةِ وَكَانَ يَخْشَى اللَّهَ الْخَشْيَةَ الَّتِي أَمَرَهُ بِهَا؛ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِالْوَاجِبَاتِ؛ وَلَا يَأْتِي كَبِيرَةً. وَمَنْ أَتَى الْكَبَائِرَ -مِثْلَ الزِّنَا أَوْ السَّرِقَةِ أَوْ شُرْبِ الْخَمْرِ؛ وَغَيْرِ ذَلِكَ -فَلَا بُدَّ أَنْ يَذْهَبَ مَا فِي قَلْبِهِ مِنْ تِلْكَ الْخَشْيَةِ وَالْخُشُوعِ وَالنُّورِ؛ وَإِنْ بَقِيَ أَصْلُ التَّصْدِيقِ فِي قَلْبِهِ. وَهَذَا مِنْ " الْإِيمَانِ " الَّذِي يُنْزَعُ مِنْهُ عِنْدَ فِعْلِ الْكَبِيرَةِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ».
فَإِنَّ " الْمُتَّقِينَ " كَمَا وَصَفَهُمْ اللَّهُ بِقَوْلِهِ: {إنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ(201)}[الأعراف:201] فَإِذَا طَافَ بِقُلُوبِهِمْ طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَيُبْصِرُونَ.
الشيخ: هذا يؤيد ما سبق من(كلام المؤلف رحمه الله): " فَمَنْ لَمْ تَنْهَهُ صَلَاتُهُ عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ لَمْ يَزْدَدْ بِصَلَاتِهِ مِنْ اللَّهِ إلَّا بُعْدًا "، ذكر المؤلف رحمه الله حديث عمار في السنن: "عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ الْعَبْدَ لَيَنْصَرِفُ مِنْ صَلَاتِهِ وَلَمْ يُكْتَبْ لَهُ مِنْهَا إلَّا نِصْفُهَا، إلَّا ثُلُثُهَا. حَتَّى قَالَ: إلَّا عُشْرُهَا» هذا رواه ابو داود في كتاب الصلاة، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ليْسَ لَك مِنْ صَلَاتِك إلَّا مَا عَقَلْت "؛ يعني الثواب ليس له من الثواب إلَّا ما عقل، "وَهَذَا وَإِنْ لَمْ يُؤْمَرْ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لَكِنْ يُؤْمَرُ بِأَنْ يَأْتِيَ مِنْ التَّطَوُّعَاتِ بِمَا يَجْبُرُ نَقْصَ فَرْضِهِ"؛ يعني إذا كثرت الوساوس في الصلاة، واستولت على الإنسان الوساوس فإنه لا يكتب له من صلاته إلا ما عقل، لكن هل يؤمر بإعادة الصلاة إذا كثرت الوساوس؟ ورأى أنه فاته كثير منها لم يحضر قلبه فيه خلاف بين أهل العلم؛ وهو أن يؤمر بإعادة الصلاة إذا كثرت الوساوس والشكوكوالخواطر الرديأة ولم يعقل إلَّا قليل من صلاته فإنه يؤمر بإعادة الصلاة، والقول الثاني، من أهل العلم؛ وهو قول الجمهور: أنه لا يؤمر؛ وهذا هو الصواب أنه لا يؤمر بإعادة الصلاة، فصلاته صحيحة مجزئة، وإن كان لا يكتب له من الثواب إلَّا ما عقل منها، لكن يؤمر بالتطوعات، يكثر من التطوعات؛ النوافل، السنن الرواتب، مثل صلاة الليل، صلاة الضحى يؤمر بأن يأتي من التطوعات بما يجبر عن النقص، ولا يؤمر بإعادة الصلاة الصحيحة، وهذا يؤيد ما سبق من كلام المؤلف: " أنَّ مَنْ لَمْ تَنْهَهُ صَلَاتُهُ عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ لَمْ يَزْدَدْ بِصَلَاتِهِ مِنْ اللَّهِ إلَّا بُعْدًا "، ثم يقول رحمه الله: " وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ حَافَظَ عَلَى الصَّلَوَاتِ بِخُشُوعِهَا الْبَاطِنِ وَأَعْمَالِهَا الظَّاهِرَةِ وَكَانَ يَخْشَى اللَّهَ الْخَشْيَةَ الَّتِي أَمَرَهُ بِهَا؛ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِالْوَاجِبَاتِ؛ وَلَا يَأْتِي كَبِيرَةً." وهذا مما يؤيد ما سبق من كلام المؤلف رحمه الله، وأن الكلام الذي يتكلم به المؤلف صحيح، وأن ما ذكره المحشي ليس بصحيح، فإنَّ مَنْ حَافَظَ عَلَى الصَّلَوَاتِ بِخُشُوعِهَا الْبَاطِنِ وَأَعْمَالِهَا الظَّاهِرَةِ؛ يعني أعمالها الظاهرة: أتى بها في الوقت، وخشوعها، وواجباتها، وبأركانها، وأتى بالخشوع الباطن(حضور القلب) والخشيه، فإنه لا يصر على كبيرة يأتي بالواجبات ولا يصِّر على الكبائر، أما إذا أوفى الخشوع ولم يحافظ على أعماله الظاهرة؛ فإنه يأتي بالكبائر، يواقع الكبائر والمعاصي "وَمَنْ أَتَى الْكَبَائِرَ - مِثْلَ الزِّنَا أَوْ السَّرِقَةِ أَوْ شُرْبِ الْخَمْرِ؛ أوَغَيْرِ ذَلِكَ - فَلَا بُدَّ أَنْ يَذْهَبَ مَا فِي قَلْبِهِ مِنْ تِلْكَ الْخَشْيَةِ وَالْخُشُوعِ وَالنُّورِ"؛ فدلَّ هذا على أن من أتى بالخشوع الواجب (الباطن)، وأتى بالأعمال الظاهرة؛ بأنه يكون عنده خشوع(الخشية)، و يكون عنده خشوع؛ الخشية التي تحجزه عن المعاصي، أما إذا فرط في الخشوع الباطن، وفي الأعمال الظاهرة فإنه يأتي من الكبائر ما يضعف إيمانه، "ويَذْهَبَ مَا فِي قَلْبِهِ مِنْ تِلْكَ الْخَشْيَةِ وَالْخُشُوعِ وَالنُّورِ؛ وَإِنْ بَقِيَ أَصْلُ التَّصْدِيقِ فِي قَلْبِهِ. وَهَذَا مِنْ " الْإِيمَانِ " الَّذِي يُنْزَعُ مِنْهُ عِنْدَ فِعْلِ الْكَبِيرَةِ"؛ إذا فعل الكبيرة ينزع منه الإيمان الكامل، ويبقى أصل الإيمان خالفًت للخوارج، والمعتزلة الذين يقولون: أنه إذا فعل الكبيرة زال أصل الإيمان، الصواب أن أصل الإيمان لا يزول، وإنما يزول كمال الإيمان كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي
هُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ » رواه الشيخان سبق، قال المؤلف رحمه الله: " فَإِنَّ " الْمُتَّقِينَ " كَمَا وَصَفَهُمْ اللَّهُ بِقَوْلِهِ: {إنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ(201)}[الأعراف:201] المعنى فَإِذَا طَافَ بِقُلُوبِهِمْ طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ
تَذَكَّرُوا فَيُبْصِرُونَ"، ثم ذكر المؤلف بعد هذا كلام العلماء في تفسير الآية:
قال رحمه الله: " قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هُوَ الرَّجُلُ يَغْضَبُ الْغَضْبَةَ فَيَذْكُرُ اللَّهَ؛ فَيَكْظِمُ الْغَيْظَ. وَقَالَ لَيْثٌ عَنْ مُجَاهِدٍ: هُوَ الرَّجُلُ يَهُمُّ بِالذَّنْبِ فَيَذْكُرُ اللَّهَ فَيَدَعُهُ. وَالشَّهْوَةُ وَالْغَضَبُ مَبْدَأُ السَّيِّئَاتِ فَإِذَا أَبْصَرَ رَجَعَ ثُمَّ قَالَ: {وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ(202)}[الأعراف:202]. أَيْ: وَإِخْوَانُ الشَّيَاطِينِ تَمُدُّهُمْ الشَّيَاطِينُ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا الْإِنْسُ تُقْصِرُ عَنْ السَّيِّئَاتِ. وَلَا الشَّيَاطِينُ تُمْسِكُ عَنْهُمْ. فَإِذَا لَمْ يُبْصِرْ بَقِيَ قَلْبُهُ فِي غَيٍّ وَالشَّيْطَانُ يَمُدُّهُ فِي غَيِّهِ. وَإِنْ كَانَ التَّصْدِيقُ فِي قَلْبِهِ لَمْ يُكَذِّبْ. فَذَلِكَ النُّورُ وَالْإِبْصَارُ. وَتِلْكَ الْخَشْيَةُ وَالْخَوْفُ يَخْرُجُ مِنْ قَلْبِهِ. وَهَذَا: كَمَا أَنَّ الْإِنْسَانَ يُغْمِضُ عَيْنَيْهِ فَلَا يَرَى شَيْئًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَعْمَى؛ فَكَذَلِكَ الْقَلْبُ بِمَا يَغْشَاهُ مِنْ رَيْنِ الذُّنُوبِ لَا يُبْصِرُ الْحَقَّ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَعْمَى كَعَمَى الْكَافِرِ."
المؤلف رحمه الله ذكر أقوال العلماء في قوله الله تعالى: {إنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ(201)}[الأعراف:201]
المعنى أن المؤمن إذا حصل له بعض الغفلة وران على قلبه بعض الشيء سرعان ما يتذكر ويرجع إلى ربه عزَّ وجلَّ فإذا ذكر، فإنه يبصر الحق، ويتوب ويرجع عما ارتكبه، عما لحقه من الغفلة والرين الذي ران على قلبه ولهذا قال الله تعالى: {إنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ(201)}[الأعراف:201]؛ كأن طائف بقلوبهم طائف من الشيطان تذكروا فيبصرون، " قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هُوَ الرَّجُلُ يَغْضَبُ الْغَضْبَةَ فَيَذْكُرُ اللَّهَ؛ فَيَكْظِمُ الْغَيْظَ. وَقَالَ لَيْثٌ عَنْ مُجَاهِدٍ: هُوَ الرَّجُلُ يَهُمُّ بِالذَّنْبِ فَيَذْكُرُ اللَّهَ فَيَدَعُهُ. وَالشَّهْوَةُ وَالْغَضَبُ مَبْدَأُ السَّيِّئَاتِ فَإِذَا أَبْصَرَ رَجَعَ ثُمَّ قَالَ: {وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ(202)}[الأعراف:202]. أَيْ: إِخْوَانُ الشَّيَاطِينِ تَمُدُّهُمْ الشَّيَاطِينُ فِي الْغَيِّ، ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ. فسر ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا الْإِنْسُ تُقْصِرُ عَنْ السَّيِّئَاتِ. وَلَا الشَّيَاطِينُ تُمْسِكُ عَنْهُمْ. فَإِذَا لَمْ يُبْصِرْ بَقِيَ قَلْبُهُ فِي غَيٍّ وَالشَّيْطَانُ يَمُدُّهُ فِي غَيِّهِ وَإِنْ كَانَ التَّصْدِيقُ فِي قَلْبِهِ"؛ يعني أصل التصديق موجود في قلبه لكن حصل على قلبه بعض الغشاوة وإن كان التصديق موجود، "لكن ذَلِكَ النُّورُ وَالْإِبْصَارُ. وَتِلْكَ الْخَشْيَةُ وَالْخَوْفُ يَخْرُجُ مِنْ قَلْبِهِ" الذي هو كمال الإيمان، وفسر لذلك" وَهَذَا: كَمَا أَنَّ الْإِنْسَانَ يُغْمِضُ عَيْنَيْهِ فَلَا يَرَى شَيْئًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَعْمَى؛ فإذا فتح عينيه أبصر، فَكَذَلِكَ الْقَلْبُ بِمَا يَغْشَاهُ مِنْ رَيْنِ الذُّنُوبِ لَا يُبْصِرُ الْحَقَّ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَعْمَى كَعَمَى الْكَافِرِ" الكافر عمى الكافر، والعاصي عنده بعض العمى عن كمال الإيمان ولهذا تقع منه الكبائر، أما الكافر فإنه أعمى عمًا كامل، نسأل الله العفو، والعافية.
قال رحمه الله: " وَهَكَذَا جَاءَ فِي الْآثَارِ: قَالَ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ فِي كِتَابِ (الْإِيمَانِ) : حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ أَشْعَثَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يُنْزَعُ مِنْهُ الْإِيمَانُ؛ فَإِنْ تَابَ أُعِيدَ إلَيْهِ» . وَقَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عَوْفٍ قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ: " يُجَانِبُهُ الْإِيمَانُ مَا دَامَ كَذَلِكَ فَإِنْ رَاجَعَ رَاجَعَهُ الْإِيمَانُ ". وَقَالَ أَحْمَد: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ الأوزاعي قَالَ: وَقَدْ قُلْت لِلزُّهْرِيِّ حِينَ ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ - «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ» فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا فَمَا هُوَ؟ قَالَ: فَأَنْكَرَ ذَلِكَ. وَكَرِهَ مَسْأَلَتِي عَنْهُ. وَقَالَ أَحْمَد: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ. عَنْ سُفْيَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ
مُهَاجِرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ لِغِلْمَانِهِ: مَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ زَوَّجْنَاهُ لَا يَزْنِي مِنْكُمْ زَانٍ إلَّا نَزَعَ اللَّهُ مِنْهُ نُورَ الْإِيمَانِ فَإِنْ شَاءَ أَنْ يَرُدَّهُ رَدَّهُ وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَمْنَعَهُ مَنَعَهُ. وَقَالَ أَبُو دَاوُد السجستاني: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ نَجْدَةَ حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبِيعَةَ الْحَضْرَمِيِّ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إنَّمَا الْإِيمَانُ كَثَوْبِ أَحَدِكُمْ يَلْبَسُهُ مَرَّةً وَيَقْلَعُهُ أُخْرَى وَكَذَلِكَ رَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عُمَرَ وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا. وَفِي حَدِيثٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعٍ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إذَا زَنَى الزَّانِي خَرَجَ مِنْهُ الْإِيمَانُ فَكَانَ كَالظُّلَّةِ فَإِذَا انْقَطَعَ رَجَعَ إلَيْهِ الْإِيمَانُ». وَهَذَا (إنْ شَاءَ اللَّهُ) يُبْسَطُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ."
الشيخ: هذه الأثار التي ذكرها المؤلف رحمه الله يبين فيها أن المعاصي التي تصدر من المؤمن تنقص الإيمان وتضعفه وإن بقي عنده أصل الإيمان، وأصل التصديق، ولا تقضي على الإيمان خلاف للخوارج والمعتزلة الذين يقولون: إن المؤمن إذا ارتكب كبيرة خرج من الإيمان، والعاصي الذي يفعل الكبائر تنقص خشيته لله عزَّ وجلَّ، ولا يوجل قلبه عند ذكر الله فلا يكون محقًّا لهذه الصفات الخمس التي ذكرها الله تعالى في سورة الأنفال، وهذا هو مقصود المؤلف رحمه الله ، لا زال المؤلف يتكلم عن الصفات الخمس التي حققها المؤمنون، والذين وصفهم الله بأنهم هم المؤمنون حقَّ، ولهذا ذكر المؤلف رحمه الله آثار يبين فيها أن العاصي ينزع منه كمال الإيمان، وإن بقي منه أصل الإيمان، والعاصي مرتكب الكبيرة لا يكون محققًّا لهذه الصفات الخمس، ولهذا لا يطلق عليه الإيمان بل لا بد من التقييد.
نقل المؤلف رحمه الله: " فِي الْآثَارِ: قَالَ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ فِي كِتَابِ (الْإِيمَانِ) : حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ أَشْعَثَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يُنْزَعُ مِنْهُ الْإِيمَانُ؛ فَإِنْ تَابَ أُعِيدَ إلَيْهِ»؛ يعني ينزع أصل الإيمان وهذا ضعيف مثال الحسن مثال ضعيف، لكن المعنى الصحيح العاصي مرتكب الكبيرة ينزع من كمال الإيمان ويبقى معه أصل التصديق، فإن تاب إلى الله عزَّ وجلَّ رجع إليه كمال الإيمان؛ كما في الأثر الثاني عن الحسن : قَالَ الْحَسَنُ: " يُجَانِبُهُ الْإِيمَانُ مَا دَامَ كَذَلِكَ فَإِنْ رَاجَعَ رَاجَعَهُ الْإِيمَانُ ". وَقَالَ أَحْمَد: "حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ الأوزاعي قَالَ: وَقَدْ قُلْت لِلزُّهْرِيِّ حِينَ ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ -« لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ» فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا فَمَا هُوَ؟ قَالَ: فَأَنْكَرَ ذَلِكَ. وَكَرِهَ مَسْأَلَتِي عَنْهُ" أحمد رحمه الله كره المسألة في هذا؛ لألا أن يفضي به إلى، خشي أن يفضي به في مسألة السائل إلى مذهب الخوارج.
طالب: الكراهة، السؤال أحمد أم الزهري؟
الشيخ: " قَالَ: وَقَدْ قُلْت لِلزُّهْرِيِّ حِينَ ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ - «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ» فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا فَمَا هُوَ؟ قَالَ: فَأَنْكَرَ ذَلِكَ. وَكَرِهَ مَسْأَلَتِي عَنْهُ"
طالب: كأن الكاره هو الزهري.
الشيخ: -- ((@ كلمة غير مفهومة-21:09)) --الزهري هو الإمام؛ يعني كره ذلك خشية أن يفضي به إلى مذهب الخوارج، لأنه معروف أن معنى الحديث -« لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ»؛ يعني الإيمان الكامل، وأنه لا يكفر خلاف الخوارج والمعتزلة.
طالب: لأن السائل هو الأوزاعي، والأوزاعي متقدم عن الإمام أحمد.
الشيخ: نعم، فلا شك صار تابعي، ثم ذكر حديث آخر، أثر عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ لِغِلْمَانِهِ: «مَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ زَوَّجْنَاهُ لَا يَزْنِي مِنْكُمْ زَانٍ إلَّا نَزَعَ اللَّهُ مِنْهُ نُورَ الْإِيمَانِ» هذا هو الشاهد؛ لأن نزع منه نور الإيمان الكامل " فَإِنْ شَاءَ أَنْ يَرُدَّهُ رَدَّهُ وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَمْنَعَهُ مَنَعَهُ"؛ المراد أن الزاني ينزع عنه كمال الإيمان، وإن كان أصل الإيمان باقيًا عنده، والنصوص يضم بعضها إلى بعض "وَقَالَ أَبُو دَاوُد السجستاني: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ نَجْدَةَ حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبِيعَةَ الْحَضْرَمِيِّ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إنَّمَا الْإِيمَانُ كَثَوْبِ أَحَدِكُمْ يَلْبَسُهُ مَرَّةً وَيَقْلَعُهُ أُخْرَى؛ كل هذا محمول على كمال الإيمان، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عُمَرَ وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا. وَفِي حَدِيثٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعٍ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إذَا زَنَى الزَّانِي خَرَجَ مِنْهُ الْإِيمَانُ فَكَانَ كَالظُّلَّةِ فَإِذَا انْقَطَعَ رَجَعَ إلَيْهِ الْإِيمَانُ» في المحشى الذي رواه أبو داود عن الذي رواه في كتاب السنة الترمذي في كتاب الإيمان، وهذا إن صح، فهو محمول على كمال الإيمان هذه النصوص كلها محمولة على أن المراد الذي ينزع عن كمال الإيمان، ومقصود المؤلف من هذا أن يبين العاصي ومرتكب الكبيرة ضعيف الإيمان، وتضعف، الخشية في قلبه، ولا يكن ممن يوجل قلبه عند ذكر الله فهو لا يكون محقًّا للصفات الخمس، وهنا لا يكون محقًّا للصفات الخمس، فلا يكون من المؤمنين حقَّ، وإنما يكون من المؤمنين ضعفاء الإيمان الذين لا يطلق عليهم الإيمان، وإنما يطلق عليهم الإيمان بقيد، يقال: مؤمن ضعيف الإيمان، ناقص الإيمان.
طالب: أحسن الله إليكم، وشكر لكم توقفنا عند قول المؤلف رحمه الله: " وَقَدْ جَاءَتْ أَحَادِيثُ تَنَازَعَ النَّاسُ فِي صِحَّتِهَا، مِثْلُ قَوْلِهِ: «لَا صَلَاةَ إلَّا بِوُضُوءِ وَلَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ» فَأَمَّا الْأَوَّلُ: فَهُوَ كَقَوْلِهِ: «لَا صَلَاةَ إلَّا بِطَهُورِ» وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ؛ فَإِنَّ الطَّهُورَ وَاجِبٌ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا نَفَى الصَّلَاةَ لِانْتِفَاءِ وَاجِبٍ فِيهَا وَأَمَّا ذِكْرُ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْوُضُوءِ؛ فَفِي وُجُوبِهِ نِزَاعٌ مَعْرُوفٌ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ لَا يُوجِبُونَهُ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَد اخْتَارَهَا الخَرْقِي وَأَبُو مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُمَا. وَالثَّانِي: يَجِبُ وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَهُوَ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى عَنْ أَحْمَد اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ وَالْقَاضِي أَبُو يَعْلَى وَأَصْحَابُهُ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ» رَوَاهُ الدار قطني. فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُضَعِّفُهُ مَرْفُوعًا وَيَقُولُ: هُوَ مِنْ كَلَامِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يُثْبِتُهُ كَعَبْدِ الْحَقِّ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: « لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ» قَدْ رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ وَقِيلَ: إنَّ رَفْعَهُ لَمْ يَصِحَّ وَإِنَّمَا يَصِحُّ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عُمَرَ أَوْ حَفْصَةَ فَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يُثْبِتَ لَفْظًا عَنْ الرَّسُولِ مَعَ أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ نَفْيُ الْكَمَالِ الْمُسْتَحَبِّ فَإِنْ صَحَّتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ دَلَّتْ قَطْعًا عَلَى وُجُوبِ هَذِهِ الْأُمُورِ؛ فَإِنْ لَمْ تَصِحَّ فَلَا يُنْقَضُ بِهَا أَصْلٌ مُسْتَقِرٌّ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يَحْمِلَ كَلَامَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ عَلَى وَفْقِ مَذْهَبِهِ إنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى مُرَادِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ؛ وَإِلَّا فَأَقْوَالُ الْعُلَمَاءِ تَابِعَةٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ قَوْلُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ تَابِعًا لِأَقْوَالِهِمْ.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: وقد جاءت أحاديث تنازع الناس في صحتها؛ يعني مقصود المؤلف رحمه الله من ذكر هذه الأحاديث أن يبين أن الأحاديث التي جاءت في نفي الإيمان عن المؤمن إذا ترك شيئًا من الواجبات أن هذا الشيء الذي نفي عنه الإيمان واجب، إذا نفي الإيمان عن شخص، إذا نفي الإيمان عن شيء عن فعل دلَّ على أن هذا الفعل واجب استطرد المؤلف رحمه الله، وذكر أشياء نفي فيها الشيء كالصلاة، وفي الصيام، وفي الوضوء وفي غيره، وقال المؤلف رحمه الله: "وَقَدْ جَاءَتْ أَحَادِيثُ تَنَازَعَ النَّاسُ فِي صِحَّتِهَا، مِثْلُ قَوْلِهِ: «لَا صَلَاةَ إلَّا بِوُضُوءِ وَلَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ» فَأَمَّا الْأَوَّلُ وهو «لَا صَلَاةَ إلَّا بِوُضُوءِ»؛ فَهُوَ كَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا صَلَاةَ إلَّا بِطَهُورِ» وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ"؛ يعني نفي الصلاة، نفي الصلاة إلا بطهور، وهذا متفق عليه بين المسلمين، فإن الطهور واجب في الصلاة.
طالب: ليس الحديث متفق عليه بين الناس؟
الشيخ: لا، متفق عليه؛ يعني نفي الصلاة بانتفاء الطهور.
طالب: وهل الحديث صحيح؟
الشيخ: نعم، الحديث في مسلم معنى الحديث-- ((@ كلمة غير مفهومة- 27:07)) --" لا تقبل صلاة بغير طهور ولا صدقة من دهور "، فهذا متفق عليه؛ يعني نفي الصلاة بانتفاء الوضوء؛ لأن الوضوء شرط في صحة الصلاة، وأما نفي الوضوء إذا لم يذكر اسم الله عليه، فإن هذا فيه خلاف، فقال المؤلف رحمه الله: " وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ "؛ يعني انتفاء الصلاة بانتفاء الطهور " فَإِنَّ الطَّهُورَ وَاجِبٌ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا نَفَى الصَّلَاةَ لِانْتِفَاءِ وَاجِبٍ فِيهَا وَأَمَّا ذِكْرُ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْوُضُوءِ؛ فَفِي وُجُوبِهِ نِزَاعٌ مَعْرُوفٌ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ لَا يُوجِبُونَهُ"؛ لأن الحديث ضعيف -- ((@ كلمة غير مفهومة-27:46)) الأحاديث التي فيها نفي الوضوء، عمن لم يذكر اسم الله عليه أحاديث إن كانت كثيرة إلَّا أنها ضعيفة، ولهذا ذهب جمهور العلماء إلى أن التسمية في الوضوء مستحبة وليست واجبة، وذهب الإمام أحمد وجماعة إلى أنها واجبة، وقالوا إن الأحاديث وإن كانت ضعيفة إلَّا أنها لها طرق متعددة يشد بعضها بعض، وذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله ساق هذه الطرق في التفسير في نهاية المائدة، وقال: إن مجموعها يشد بعضها بعضًا، ولهذا ذهب الإمام أحمد رحمه الله إلى أن التسمية واجبة مع التذكر، وأما جمهور العلماء فهم يرون أنها مستحب، ولهذا فرق المؤلف رحمه الله بين -- ((@ كلمة غير مفهومة-28:35)) --«وَلَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ، «لَا صَلَاةَ إلَّا بِوُضُوءِ»" ، أما الأول: «لَا صَلَاةَ إلَّا بِطَهُورِ» هذا واجب، هذا متفق عليه؛ يعني الطهارة؛ لأن الصلاة لا تصح إلا بطهارة، أما التسمية عند الوضوء فهذا مختلف فيه بين العلماء؛ لأن الحديث ضعيف، ولهذا ذهب الجمهور إلى أنه مستحب، وقصد المؤلف من هذا أن يبين أنه إذا جاء نفي الإيمان عن شيء فإنه يدل على أن هذا الشيء واجب «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مِنْ الْخَيْرِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ»، «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ»، «لَا يُؤْمِنُ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ»، وهكذا، فإذا نفي الإيمان عن شيء دلَّ على وجود هذا الشيء، وأن هذا الشيء واجب، وكذلك إذا نفيت الصلاة عن شيء، قال: «لَا صَلَاةَ إلَّا بِطَهُورِ» دلَّ على وجوب الطهور، أمَّا إذا كان الحديث ضعيف فإنه «وَلَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ» فإن التسمية فيها نزاع، وهذا بسبب ضعف الحديث، يقول المؤلف رحمه الله: " وَأَمَّا ذِكْرُ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْوُضُوءِ؛ فَفِي وُجُوبِهِ نِزَاعٌ مَعْرُوفٌ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ لَا يُوجِبُونَهُ يعني الجمهور وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَد اخْتَارَهَا الخَرْقِي وَأَبُو مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُمَا. وَالثَّانِي: يَجِبُ وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَهُوَ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى عَنْ أَحْمَد اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ وَالْقَاضِي أَبُو يَعْلَى وَأَصْحَابُه".
طالب: يقول من العلماء المشهورين أحسن الله عليك يشير إليهم المستمعين الخرقي مثلا، الخرقي من أصحاب الإمام أحمد؟
الشيخ: نعم، الخرقي من أصحاب الإمام أحمد وهو: عمر بن الحسين بن عبد الله الخرقي أبو القاسم؛ فقيه حنبلي من أهل بغداد، توفي في دمشق، وله كتاب مختصر المشهور الذي شرحه ابن قدامة رحمه الله في كتابه المغني من أعظم الكتب، كتابه العظيم: -- ((@ كلمة غير مفهومة-30:40)) --وأبو بكر عبد العزيز غلام، والقاضي أبو يعلى كذلك من أصحاب الإمام أحمد ؛ المقصود أن الرواية هذه مشهورة وأنه من الحنابلة، ولهذا ذكر الشيخ الإمام محمد عبد الوهاب رحمه الله في رسالته في شروط الصلاة ذكر أن الوضوء واجب قال: واجبه التسمية مع الذكر؛ يعني مع التذكر، فإذا تذكر يجب عليه يعيد الوضوء، فإذا نسي سقطت عنه، والجمهور قال: إنها مستحب لو تركها فلا يأثم؛ لأن الحديث في هذا ضعيف، لكن ينبغي للمسلم أن يسمي، والمؤلف رحمه الله ذكر هذا استطراد، استطراد بأن نفي الإيمان عن شيء دلَّ على وجوبه؛ كما أنه إذا نفي الوضوء عن من لم يذكر اسم الله عليه، وفيه كلام لأهل العلم، وإذا نفيت الطهارة عن الصلاة دلَّ على وجوب الطهارة، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ»؛ وهو الصلاة، أما عن جار المسجد إلَّ صلى في المسجد رَوَاهُ الدار قطني. فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُضَعِّفُهُ مَرْفُوعًا وَيَقُولُ: هُوَ مِنْ كَلَامِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ" هذا هو المشهور أن المشهور أنه من كلام علي وليس مرفوع لنبي صلى الله عليه وسلم " وَمِنْهُمْ مَنْ يُثْبِتُهُ كَعَبْدِ الْحَقِّ(الإشبيلي، عبد الله بن-- ((@ كلمة غير مفهومة-32:00)) -- الإشبيلي) . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ»؛ هذا رواه الدارمي بن عمر عن حفصة ورواه الترمذي وأبو داود ومالك «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ»، فنفى الصيام عن من لم يبيت،-- ((@ كلمة غير مفهومة-32:27)) -- صحح الحديث قال: إن التبييت واجب؛ لأنه نفى الصيام عن من لم يبيت الصيام من الليل، وقصد المؤلف من هذا الحوار هو -- ((@ كلمة غير مفهومة-32:40)) --، فكما أن إذا نفي الإيمان عن شيء دلَّ على أنه هذا الشيء واجب، فكذلك في جميع، وفي غير الإيمان؛ في العبادات، في الصيام، في الوضوء، في الصلاة، ذكر الخلاف من صحة الحديث قال: قد رواه أهل السنن؛ يعني حديث: « لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ»، "وَقِيلَ: إنَّ رَفْعَهُ لَمْ يَصِحَّ وَإِنَّمَا يَصِحُّ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عُمَرَ أَوْ حَفْصَةَ فَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يُثْبِتَ لَفْظًا عَنْ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم مَعَ أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ نَفْيُ الْكَمَالِ الْمُسْتَحَبِّ، فَإِنْ صَحَّتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ دَلَّتْ قَطْعًا عَلَى وُجُوبِ هَذِهِ الْأُمُورِ"؛ إن صحت هذه الألفاظ دلَّت قطعًا على وجوب هذه الأمور، إن صحت ...من الليل «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ»؛ دلَّ على وجوب الجماعة، ودلَّ على وجوب تبيت النية، فإذا لم تصح هذه الأحاديث فإنه لا يفهم منها الوجوب، وقصد المؤلف من هذا أنه يبين أنه إذا نفي الشيء عن فعل شيء دلَّ على وجوبه، واستطرد إلى أن البحث في الإيمان «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مِنْ الْخَيْرِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» ، «لَا يُؤْمِنُ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ» -- ((@ كلمة غير مفهومة-33:48)) --قاعد إذا نفي الشيء ترك شيء دلَّ على وجوب هذا الشيء، إذا صحَّ الحديث «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ» إذا صح دلَّ على وجوب الجماعة،" لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ» إذا صح دلَّ على وجوب تبيت النية، « لَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ »لو صح دلَّ على وجوب التسمية، وهكذا، وكذلك إذا نفي الإيمان «لَا إيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ»؛ دلًّ على وجوب الأمانة، «لَا يُؤْمِنُ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ»؛ دلَّ على وجوب هذا الشيء، وأنه يجب على الإنسان يكف شرَّه عن جاره، «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مِنْ الْخَيْرِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ»؛ دلَّ على أنه إذا لم يحب لأخيه ما يحب لنفسه ترك واجبًا، وهكذا.
طالب: ترك واجب الإيمان.
الشيخ: ترك واجب من واجبات الإيمان، نعم، ترك واجبًا ينقص إيمانه، ولهذا قال المؤلف: " هذا إذا صح، ثم قال: "فَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يُثْبِتَ لَفْظًا عَنْ الرَّسُولِ مَعَ أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ نَفْيُ الْكَمَالِ الْمُسْتَحَبِّ فَإِنْ صَحَّتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ دَلَّتْ قَطْعًا عَلَى وُجُوبِ هَذِهِ الْأُمُورِ؛ فَإِنْ لَمْ تَصِحَّ فَلَا يُنْقَضُ بِهَا أَصْلٌ مُسْتَقِرٌّ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يَحْمِلَ كَلَامَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ عَلَى وَفْقِ مَذْهَبِهِ إنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى مُرَادِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ؛ وَإِلَّا فَأَقْوَالُ الْعُلَمَاءِ تَابِعَةٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ قَوْلُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ تَابِعًا لِأَقْوَالِهِمْ"؛ لأن الأصل هو الكتاب والسنة، وأقوال العلماء يستدلوا لها، ولا يستدلوا بها، أقوال أهل العلم تخضع لكلام الله، وكلام رسول الله، لا يخضع كلام الله ورسوله إلى قول أهل العلم، أقوال أهل العلم تابعة لقول لله ورسوله، وليست متبوعة.
طالب: أحسن الله إليكم، في قول: " فَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يُثْبِتَ لَفْظًا عَنْ الرَّسُولِ مَعَ أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ نَفْيُ الْكَمَالِ الْمُسْتَحَبِّ فَإِنْ صَحَّتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ دَلَّتْ قَطْعًا عَلَى وُجُوبِ هَذِهِ الْأُمُورِ" فهناك ألفاظ صحت مثل: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مِنْ الْخَيْرِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ»؛ صحَّ هذا؟
الشيخ: نعم، صحَّ.
طالب: فيدل على نفي الإيمان.
الشيخ: يدل على أنه إذا لم يحب لأخيه ما يحب لنفسه ترك واجبًا ينقص في الإيمان.
طالب: إذًا لا يدل على نفي الكمال؟
الشيخ: يدل على نفي الكمال الواجب، لا المستحب.
طالب: لكن بقاء أصل الإيمان يكون باقي؟
الشيخ: نعم، ما يزال الإيمان إلا بأصل، هذا في المعاصي.
طالب: وكيف ربط شيخ الإسلام: ابن تيمية بين« لَا صَلَاةَ إلَّا بِطَهُورِ»
الشيخ: يبين أن النفي إذا نفي شيء عن شيء دل على أنه نفسه واجب سواء كان في الإيمان، أو في الصلاة، أو في الصيام، أو في غيره، أو في الوضوء.
طالب: هنا دلل على وجوب الطهور؟
الشيخ: نعم، كما دلَّ على وجوب ما يحب لأخيه ما يحب لنفسه.
طالب: فربطه هناك على وجوب أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه ليس على الإيمان ذاته.
الشيخ: علامة الإيمان الوجوب، وأنه ينقص كمال لإيمان، ونقص الإيمان واجب.
قال رحمه الله: " فَإِذَا كَانَ فِي وُجُوبِ شَيْءٍ نِزَاعٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، وَلَفْظُ الشَّارِعِ قَدْ اطَّرَدَ فِي مَعْنًى؛ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُنْقَضَ الْأَصْلُ الْمَعْرُوفُ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ بِقَوْلِ فِيهِ نِزَاعٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ. وَلَكِنْ مِنْ النَّاسِ مَنْ لَا يَعْرِفُ مَذَاهِبَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقَدْ نَشَأَ عَلَى قَوْلٍ لَا يَعْرِفُ غَيْرَهُ فَيَظُنُّهُ إجْمَاعًا كَمَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ إذَا تَرَكَ الْإِنْسَانُ الْجَمَاعَةَ وَصَلَّى وَحْدَهُ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ إجْمَاعًا؛ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ؛ بَلْ لِلْعُلَمَاءِ قَوْلَانِ مَعْرُوفَانِ فِي إجْزَاءِ هَذِهِ الصَّلَاةِ وَفِي مَذْهَبِ أَحْمَد فِيهَا قَوْلَانِ؛ فَطَائِفَةٌ مِنْ قُدَمَاءِ أَصْحَابِهِ - حَكَاهُ عَنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى فِي شَرْحِ الْمَذْهَبِ وَمِنْ مُتَأَخِّرِيهِمْ كَابْنِ عَقِيلٍ وَغَيْرِهِ - يَقُولُونَ: مَنْ صَلَّى الْمَكْتُوبَةَ وَحْدَهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ يُسَوِّغُ لَهُ ذَلِكَ فَهُوَ كَمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يُؤَدِّيَهَا فِي جَمَاعَةٍ بَعْدَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ ذَلِكَ وَإِلَّا بَاءَ بِإِثْمِهِ كَمَا يَبُوءُ تَارِكُ الْجُمُعَةِ بِإِثْمِهِ، وَالتَّوْبَةُ مَعْرُوضَةٌ. وَهَذَا قَوْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَأَكْثَرُ الْآثَارِ الْمَرْوِيَّةِ عَنْ السَّلَفِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ تَدُلُّ عَلَى هَذَا".
المؤلف رحمه الله استطرد هنا" فَإِذَا كَانَ فِي وُجُوبِ شَيْءٍ نِزَاعٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، وَلَفْظُ الشَّارِعِ قَدْ اطَّرَدَ فِي مَعْنًى؛ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُنْقَضَ الْأَصْلُ الْمَعْرُوفُ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ بِقَوْلِ فِيهِ نِزَاعٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ"؛ يعني يقول المؤلف رحمه الله: إن لفظ الشارع إذا اضطرب في شيء؛ يعني تكرر، وأتى في مواضع متعددة، فهذا هو الأصل، هذا أصل فلا ينقض هذا الأصل إلا بنصٍّ آخر، نص ينقض هذا، ويخصص ، أو ينقض هذا الأصل يعني بالنسخ، لا ينقض هذا الأصل إلا بنصٍّ ينسخه، أو بنصٍّ يخصصه، أو يقيده، أو يفسره أما النزاع بين أهل العلم في المسألة التي فيها نزاع بين أهل العلم لا ينقض بها الأصل يعني يريد المؤلف رحمه الله يبين أن الأصل هو كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم تعبدالله بها، فإذا اطَّرد كلام الله بكلام رسوله الذي هو استمر وتكرر هذا أصل، نبقى على هذا الأصل، ولا يترك هذا الأصل إلا إذا وجد أصل مماثل ينقضه بالنسخ، أويخصصه، أو يقيده، أما إذا جاء، وجد كلام مسألة متنازع فيها بين أهل العلم، هذه المسألة المتنازع فيها بين أهل العلم لا تقوم على هذا الأصل، لا توجد هذا الأصل، ثم يقول رحمه الله: " ولكن من الناس من لا يعرف مذاهب أهل العلم ، وقد ينشأ على قول الله لا يعرف غيره فيظن إجماعًا"؛ يعني بعض الناس لقصور علمه يأتي إلى مسألة من مسائل أهل العلم، قال بها بعض أهل العلم فيظنها إجمالًا، ثم يريد أن ينقض كلام الله وكلام الرسول بهذا الإجماع، وهذا يفهم من قصوره، من قصور علمه مثل لذلك، قال المؤلف: إذا ترك الإنسان الجماعة وصلى وحده برئت ذمته إجماعًا هذه فيها خلاف بين أهل العلم؛ إذا صلى الإنسان وحده من غير عذر، هل تصح صلاته أم لا تصح؟ الجمهور قال: إنها تصح، فيأثم، وقال آخرون من أهل العلم: لا تصح؛ لأن الجماعة شرط في صحة الصلاة، ومنهم، شيخ الإسلام رحمه الله: يرى أن الجماعة شرط، وقول ابن عقيل: الجماعة؛ بمعنى أن الجماعة شرط؛ بمعنى أنه إذا صلى وحده من غير عذر لا تصح صلاته، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: " وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ؛ بَلْ لِلْعُلَمَاءِ قَوْلَانِ مَعْرُوفَانِ فِي إجْزَاءِ هَذِهِ الصَّلَاةِ وَفِي مَذْهَبِ أَحْمَد فِيهَا قَوْلَانِ"؛ يعني الصلاة التي صلاها وحده من غير عذر هل تصح، أم لا تصح" فَطَائِفَةٌ مِنْ قُدَمَاءِ أَصْحَابِهِ - حَكَام عَنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى فِي شَرْحِ الْمَذْهَبِ وَمِنْ مُتَأَخِّرِيهِمْ كَابْنِ عَقِيلٍ وَغَيْرِهِ - يَقُولُونَ: مَنْ صَلَّى الْمَكْتُوبَةَ وَحْدَهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ يُسَوِّغُ لَهُ ذَلِكَ فَهُوَ كَمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ"؛ من صلى الظهر يوم الجمعة ماتبرأ ذمته ماصلها جُمُعَةِ فَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يُؤَدِّيَهَا فِي جَمَاعَةٍ بَعْدَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ ذَلِكَ وَإِلَّا بَاءَ بِإِثْمِهِ كَمَا يَبُوءُ تَارِكُ الْجُمُعَةِ بِإِثْمِهِ، وَالتَّوْبَةُ مَعْرُوضَة؛ يعني التوبة من هذا الذنب "وَهَذَا قَوْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَأَكْثَرُ الْآثَارِ الْمَرْوِيَّةِ عَنْ السَّلَفِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ تَدُلُّ عَلَى هَذَا"؛ المؤلف رجح الجماعة شرط في صحة الصلاة، وأن من صلى وحده من غير عذر لا تصح، لكن الصواب في هذه المسألة الذي عليه قال به جمهور العلماء أنها تصح مع الإثم، وأن صلاة الجماعة ليست شرطًا لكنها واجبة.
طالب: أحسن الله عليكم النسخة عندكم التوبة معروضة بعد؟
الشيخ: التوبةٌ معروضةٌ
قال رحمه الله: " وَقَدْ احْتَجُّوا بِمَا ثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ
ثُمَّ لَمْ يُجِبْ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ؛ فَلَا صَلَاةَ لَهُ» وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ التَّفْضِيلِ بِأَنَّهُ فِي الْمَعْذُورِ الَّذِي تُبَاحُ لَهُ الصَّلَاةُ وَحْدَهُ كَمَا ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «صَلَاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ وَصَلَاةُ الْمُضْطَجِعِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَاعِدِ» وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَعْذُورُ كَمَا فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ خَرَجَ وَقَدْ أَصَابَهُمْ وَعْكٌ وَهُمْ يُصَلُّونَ قُعُودًا فَقَالَ ذَلِكَ. وَلَمْ يُجَوِّزْ أَحَدٌ مِنْ السَّلَفِ صَلَاةَ التَّطَوُّعِ مُضْطَجِعًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، وَلَا يُعْرَفُ أَنَّ أَحَدًا مِنْ السَّلَفِ فَعَلَ ذَلِكَ، وَجَوَازُهُ وَجْهٌ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد، وَلَا يُعْرَفُ لِصَاحِبِهِ سَلَفُ صِدْقٍ مَعَ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِمَّا تَعُمُّ بِهَا الْبَلْوَى؛ فَلَوْ كَانَ يَجُوزُ لِكُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يُصَلِّيَ التَّطَوُّعَ عَلَى جَنْبِهِ وَهُوَ صَحِيحٌ لَا مَرَضَ بِهِ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ التَّطَوُّعَ قَاعِدًا وَعَلَى الرَّاحِلَةِ؛ لَكَانَ هَذَا مِمَّا قَدْ بَيَّنَهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمَّتِهِ وَكَانَ الصَّحَابَةُ تَعْلَمُ ذَلِكَ، ثُمَّ مَعَ قُوَّةِ الدَّاعِي إلَى الْخَيْرِ لَا بُدَّ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ، فَلَمَّا لَمْ يَفْعَلْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوعًا عِنْدَهُمْ وَهَذَا مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعِه".
لقد استطرد رحمه الله المسألة في صلاة المنفرد من غير عذر، وأنها لا تصح، ثم قال: " إن الجماعة شرط في صحة الصلاة، وأن من صلى وحده من غير عذر لا تصح، احْتَجُّوا بِمَا ثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: « مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ ثُمَّ لَمْ يُجِبْ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ؛ فَلَا صَلَاةَ لَهُ»؛ قالوا: هذا دليل على أن من صلى من غير عذر فإن صلاته لا تصح، ولا تجزئ، وأما حديث التفضيل، فأجابوا عنه حديث التفضيل: « أن صلاة الجماعة تفضل عن صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة، وفي اللفظ الأخر بخمس وعشرين درجة» ، " وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ التَّفْضِيلِ بِأَنَّهُ فِي الْمَعْذُورِ الَّذِي تُبَاحُ لَهُ الصَّلَاةُ وَحْدَهُ"؛ هذا حجة من قال: إن صلاة الجماعة شرط، وأنها لا تصح صلاة المنفرد إلا من عذر احتجوا بهذا الحديث، ومن أدلتهم: «مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ ثُمَّ لَمْ يُجِبْ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ؛ فَلَا صَلَاةَ لَهُ»، وأما حديث التفضيل فيدل على أن الصلاة -- ((@ كلمة غير مفهومة-44:36)) --ملزومة منه واجبة، قال: حملوا هذا على المعذور الذي يباح له الصلاة وحده كالمريض، وأنه لا يستطيع، قالوا: هذا الذي جاء الحديث في حقه «صلاة الجماعة تفضل عن صلاة الفرض بسبع وعشرين درجة»؛ كَمَا ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «صَلَاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ وَصَلَاةُ الْمُضْطَجِعِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَاعِدِ»، قال المؤلف رحمه الله: "وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَعْذُورُ"؛ «صَلَاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ وَصَلَاةُ الْمُضْطَجِعِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَاعِدِ»؛ حمله المؤلف على المعذور، والمسألة فيها خلاف أشار إليها المؤلف رحمه الله، ومن العلماء من قال: يجوز للإنسان التطوع ، وهو مضطجع، الرجل المتطوع والمنقعد، أما التطوع والمنقعد؛ هذا معروف عند أهل العلم؛ هو أنه يجوز للإنسان أن يصلي التطوع قاعدًا لكن له أجر نصف القائم، وأما صلاة المضطجع فيها خلاف بين أهل العلم، هل يجوز للإنسان أن يصلي مضطجع، أو لا يصلي؟ والجمهور قال: إنه واجب في صلاة أن يصلي مضطجعًا، وليس به علة، المؤلف رحمه الله حمل على هذا وذكر سبب الحديث، قال: كَمَا فِي الْحَدِيثِ« أَنَّهُ خَرَجَ وَقَدْ أَصَابَهُمْ وَعْكٌ وَهُمْ يُصَلُّونَ قُعُودًا فَقَالَ ذَلِكَ»؛ يعني أنه خرج وقد أصابهم وعك(مرض)، فقال لهم: «صَلَاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ وَصَلَاةُ الْمُضْطَجِعِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَاعِدِ»، يقول المؤلف رحمه الله: "وَلَمْ يُجَوِّزْ أَحَدٌ مِنْ السَّلَفِ صَلَاةَ التَّطَوُّعِ مُضْطَجِعًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، وَلَا يُعْرَفُ أَنَّ أَحَدًا مِنْ السَّلَفِ فَعَلَ ذَلِكَ، وَجَوَازُهُ وَجْهٌ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد"؛ يعني المتأخرين من رأى أن جواز التطوع مضطجعًا، يقول المؤلف: " وَلَا يُعْرَفُ لِصَاحِبِهِ سَلَفُ صِدْقٍ مَعَ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِمَّا تَعُمُّ بِهَا الْبَلْوَى"؛ يعني قد يحتاج الإنسان إلى هذا " فَلَوْ كَانَ يَجُوزُ لِكُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يُصَلِّيَ التَّطَوُّعَ عَلَى جَنْبِهِ وَهُوَ صَحِيحٌ لَا مَرَضَ بِهِ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ التَّطَوُّعَ قَاعِدًا وَعَلَى الرَّاحِلَةِ؛ لَكَانَ هَذَا مِمَّا قَدْ بَيَّنَهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمَّتِهِ وَكَانَ الصَّحَابَةُ تَعْلَمُ ذَلِكَ، ثُمَّ مَعَ قُوَّةِ الدَّاعِي إلَى الْخَبرِ لَا بُدَّ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ، فَلَمَّا لَمْ يَفْعَلْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوعًا" المؤلف رحمه الله له قول في هذا، واستدلال، واستنباط يبين أنه لا يجوز للإنسان أن يصلي قاعدًا، ويصلي مضطجعًا إلا بعذر، وأن التطوع الصحيح إنما يجوز للقاعد فقط، أما المضطجع فلا، وهذا هو الذي عليه الجماهير، وكلام المؤلف رحمه الله:في هذا قوي، والمؤلف رحمه الله قصد من هذا، المؤلف استطرد من هذا لما ذكر صلاة الجماعة، وأنها واجبة، وأنها نفيت الصلاة عمن لم يصلي في المسجد «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ»؛ دلَّ على وجوبها، كما أنه إذا نفي الإيمان عمن لم يحب لأخيه ما يحب لنفسه؛ دلَّ على وجوبه، فكذلك إذا نفيت الصلاة عمن لم يصلي مع الجماعة؛ دلَّ على وجوبها، ثم استطرد وقال: إن الجماعة شرط، وأن هذا هو الصواب حقق المسألة في هذا.
طالب: في قوله رحمه الله: " ثُمَّ مَعَ قُوَّةِ الدَّاعِي إلَى الْخَيْرِ لَا بُدَّ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ"؛ مراده أن الصحابة عرف عنهم رضي الله عنهم: السعي لكل احتمال جميع التوقعات، والشرع، ولا يمكن أن يأتوا بما هو.
الشيخ: نعم، مراد هنا المؤلف رحمه الله: أن الصحابة عندهم قوة الداعي إلى الخير، لو كان التطوع مضطجعًا جائزًا فعله البعض، ولما لم ينقل أنهم فعل بعضهم دلَّ على أن المسألة جائزة، أن المسلمين إنما قالوا هذ في حق المريض، فلما-- ((@ كلمة غير مفهومة-48:29)) -- الداعي؛ الصحابة لهم معروف في حبهم للخير وفعلهم للخير بكل أنواعه، فلما لم يفعلوا، ولم ينقل عنهم دلَّ على أن هذا في حق المريض ولم يكن في حق الصحيح، وأنه ليس للصحيح التطوع على جنبه، وإنما يتطوع وهو قاعد.
طالب: هذا في مسألة المضطجع، أما في مسالة القاعد؟
الشيخ: القاعد لا.
طالب: شيخ الإسلام يرى ذلك بناءً على رأي الجمهور؟
الشيخ: نعم صلاة القاعد هي معروفة.
طالب: نعم، جزاكم الله خيرًا، وأحسن الله إليكم، ونفع بعلمكم.
ـ توقفنا عند قول المؤلف رحمه الله: " َالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُقَدِّرَ قَدْرَ كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ"
ـ نعم، ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ﴾[الأنعام:91]
" وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُقَدِّرَ قَدْرَ كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ؛ بَلْ لَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يَحْمِلَ كَلَامَ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ إلَّا عَلَى مَا عُرِفَ أَنَّهُ أَرَادَهُ لَا عَلَى مَا يَحْتَمِلُهُ ذَلِكَ اللَّفْظُ فِي كَلَامِ كُلِّ أَحَدٍ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ يَتَأَوَّلُ النُّصُوصَ الْمُخَالِفَةَ لِقَوْلِهِ؛ يَسْلُكُ مَسْلَكَ مَنْ يَجْعَلُ " التَّأْوِيلَ " كَأَنَّهُ ذَكَرَ مَا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ وَقَصْدُهُ بِهِ دَفْعُ ذَلِكَ الْمُحْتَجِّ عَلَيْهِ بِذَلِكَ النَّصِّ وَهَذَا خَطَأٌ؛ بَلْ جَمِيعُ مَا قَالَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ
يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ. فَلَيْسَ لَنَا أَنْ نُؤْمِنَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَنَكْفُرَ بِبَعْضِ، وَلَيْسَ الِاعْتِنَاءُ بِمُرَادِهِ فِي أَحَدِ النَّصَّيْنِ دُونَ الْآخَرِ بِأَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ، فَإِذَا كَانَ النَّصُّ الَّذِي وَافَقَهُ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ اتَّبَعَ فِيهِ مُرَادَ الرَّسُولِ؛ فَكَذَلِكَ النَّصُّ الْآخَرُ الَّذِي تَأَوَّلَهُ فَيَكُونُ أَصْلُ مَقْصُودِهِ مَعْرِفَةَ مَا أَرَادَهُ الرَّسُولُ بِكَلَامِهِ؛ وَهَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِكُلِّ مَا يَجُوزُ مِنْ تَفْسِيرٍ وَتَأْوِيلٍ عِنْدَ مَنْ يَكُونُ اصْطِلَاحُهُ تَغَايُرَ مَعْنَاهُمَا. وَأَمَّا مَنْ يَجْعَلُهُمَا بِمَعْنَى وَاحِدٍ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ عَلَى اصْطِلَاحِ الْمُفَسِّرِينَ؛ فَالتَّأْوِيلُ عِنْدَهُمْ هُوَ التَّفْسِيرُ. وَأَمَّا " التَّأْوِيلُ " فِي كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ؛ فَلَهُ مَعْنًى ثَالِثٌ غَيْرَ مَعْنَاهُ فِي اصْطِلَاحِ الْمُفَسِّرِينَ. وَغَيْرَ مَعْنَاهُ فِي اصْطِلَاحِ مُتَأَخِّرِي الْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ؛ كَمَا بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ".
ـ يقول المؤلف رحمه الله تعالى: "وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُقَدِّرَ قَدْرَ كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ؛ بَلْ لَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يَحْمِلَ كَلَامَ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ إلَّا عَلَى مَا عُرِفَ أَنَّهُ أَرَادَهُ"؛ مقصود المؤلف رحمه الله أن يبين أنه ينبغي للمسلم أن يعظم كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وألا يتأول تأويلًا باطلًا، وألا يحمل كلام الله ورسوله على الاصطلاحات التي اصطلح عليها المتأخرون، كما يفعله بعض الناس، والواجب على المسلم أن يحمل كلام الله، وكلام رسوله على مراد الله، وعلى مراد رسوله صلى الله عليه وسلم، وألا يتعزف في التأويل على ما يوافقه مذهبه، أو اصطلاح شيخه، أو قبيلته، أو جماعته، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: " بَلْ لَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يَحْمِلَ كَلَامَ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ إلَّا عَلَى مَا عُرِفَ أَنَّهُ أَرَادَهُ لَا عَلَى مَا يَحْتَمِلُهُ ذَلِكَ اللَّفْظُ فِي كَلَامِ كُلِّ أَحَدٍ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ يَتَأَوَّلُ النُّصُوصَ الْمُخَالِفَةَ لِقَوْلِهِ؛ يَسْلُكُ مَسْلَكَ مَنْ يَجْعَلُ " التَّأْوِيلَ " كَأَنَّهُ ذَكَرَ مَا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ وَقَصْدُهُ بِهِ دَفْعُ ذَلِكَ الْمُحْتَجِّ عَلَيْهِ بِذَلِكَ النَّصِّ"؛ يعني أن كثيرًا من الناس يتأولوا نصوص التي تخالف هواه، ويسلك نصَّ التأويل وكأنه يريد أن يدفع حجة خصمه بذلك النص، فهذا خطأ؛ يعني أن بعض الناس يريد أن ينتصر لمذهبه، أو لما يعتقده من التأويل، أو لما يوافق قول شيخه، ويريد أن يدفع به حجة الخصم، فهذا خطأ، هذا تعسف، والواجب أن يحمل كلام الله، وكلام رسوله على مراد الله، ومراد رسوله، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: " يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ. فَلَيْسَ لَنَا أَنْ نُؤْمِنَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَنَكْفُرَ بِبَعْضِ"؛ لأن بعض الناس يقبل تأويل النصوص على مراد الله ومراد رسوله إذا كان موافق لهواه، وإذا كان مخالف لهواه، أو مخالف لمذهبه، أو لقول شيخه تعسف، أو يأوله، هذا كأنه يؤمن ببعض النصوص ويكفر ببعض يأخذ من النصوص ما يوافق هواه، ويوافق قول شيخه، وجماعته، وقبيلته، وما خالفه يتعسف في تأويله؛ هذا يشبه الذين يؤمنون ببعض الكتاب، ويكفرون ببعض، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: " فَلَيْسَ لَنَا أَنْ نُؤْمِنَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَنَكْفُرَ بِبَعْضِ، ثم قال: " وَلَيْسَ الِاعْتِنَاءُ بِمُرَادِهِ فِي أَحَدِ النَّصَّيْنِ دُونَ الْآخَرِ بِأَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ"؛ يعني لماذا يقبل هذا النص ويتأول هذا النص كلها نصوص، النصين كلام الله ورسوله، فليس هذا النص بأولى بالقبول من النص الآخر؛ يعني لماذا تقبل هذا النص، وتأول النص الآخر؟ هذا النص الذي قبلته ليس بأولى منه النص الذي رددته، فليس بأحدهما بأولى من الآخر، فإذا كان النص الذي وافقه يعتقد أنه اتبع في مراد الرسول صلى الله عليه وسلم، فكذلك النص الذي تأوله؛ يعني بعض الناس يقبل النص الذي يوافق هواه، ويبتدع في مراد الرسول صلى الله عليه وسلم يتأولها على مراد الله، ومراد رسوله، والنص الآخر الذي لا يوافق هواه يتأوله على خلاف مراد الله، ومراد رسوله، فالواجب على المسلم أن يكون كما قال المؤلف: " فَيَكُونُ أَصْلُ مَقْصُودِهِ مَعْرِفَةَ مَا أَرَادَهُ الرَّسُولُ بِكَلَامِهِ؛ وَهَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِكُلِّ مَا يَجُوزُ مِنْ تَفْسِيرٍ وَتَأْوِيلٍ عِنْدَ مَنْ يَكُونُ اصْطِلَاحُهُ تَغَايُرَ مَعْنَاهُمَا. وَأَمَّا مَنْ يَجْعَلُهُمَا بِمَعْنَى وَاحِدٍ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ عَلَى اصْطِلَاحِ الْمُفَسِّرِينَ؛ فَالتَّأْوِيلُ عِنْدَهُمْ هُوَ التَّفْسِيرُ. وَأَمَّا " التَّأْوِيلُ " فِي كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ؛ فَلَهُ مَعْنًى ثَالِثٌ غَيْرَ مَعْنَاهُ فِي اصْطِلَاحِ الْمُفَسِّرِينَ. وَغَيْرَ مَعْنَاهُ فِي اصْطِلَاحِ مُتَأَخِّرِي الْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ؛ كَمَا بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ"؛ يشير المؤلف رحمه الله إلى أن التأويل له ثلاث معاني: المعنى الأول: التأويل على الحقيقة التي يؤول إليها الكلام، كقوله سبحانه وتعالى: ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ(7) ﴾ [آل عمران:7]، -- ((@ كلمة غير مفهومة-55:33)) --
والمعنى الثاني التأويل بمعنى التفسير، ( نبئنا بتأويله) إذا نبئ بتفسيره، وكما يقول ابن جرير -حمه الله: شيخ المفسرين " القول في تأويل قول الله تعالى كذلك التفسير، والمعنى الثالث: عند المتأخرين، المتأخرين من المتكلمين وغيرهم: اصطلحوا على أن التأويل هو صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح؛ هو الاحتمال المرجوح بدليل أن يقترنوا به، والمعنيان الأوليان مشهوران عند السلف وهذا هو اصطلاح ثالث، اصطلاح حادث.
طالب: والثالث مرفوض أحسن الله إليكم؛ لا يقبل المعنى الثالث من التأويل؟
الشيخ: هذا فيه تفسير لكن من هذا المعنى دخل أهل الكلام، وأهل البدع وأولوا نصوص الصفات، وقالوا إنه يجب تأويلها الاستواء قالوا: ليس استواءً حقيقيًا، والدليل يقول: العقل الذي يقضي بإن الله ليس باستواء حقيقي، وأن المعنى (37'56)غير واضحة، هذا باطل، وأحيانا يكون المعنى صحيح مثل ما جاء في الحديث الشُفع « الجار أحق بشفعة جاره»، منهم من حمله على الشريك؛ وهو الحديث الآخر ( أن النبي قضى بالشفعة في كل مالم يقسم ...) يكمل الحديث فلا شبه عليه"؛ المقصود من هذا فيه تفسير قد يكون المعنى صحيح إذا دلَّت النصوص إلى صرف النص بنص آخر فلا بأس، أما إذا كان الدليل ما يرتقي ببعضه بعضًا -- ((@ كلمة غير مفهومة-57:25)) --من كلام العقل الذي يأولون بها النصوص
طالب: قول عائشة رضي الله عنها عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: «يتأول القرآن بالتسمية في الركوع والسجود» يدخل المعنى الأول؟
الشيخ: نعم، دخول حقيقي كان يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي يتأول عنه؛ يعني يعمل به؛ لأن التأويل هو: الحقيقة التي يؤول إليها الكلام، والكلام إن كان خبرًا، فالمراد به وقوع المخبر به، وإن كان أمر فالمراد به فعل المأمور به، الرسول أُمر في قوله عزَّ وجلَّ: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ(1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا(2)فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ (3)﴾[النصر:1-3]؛ فهذا أمر، يتأول القرآن؛ يعني يفعل ما يؤمر، فكان بعد ما أنزل هذه السورة يقول: "في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم اغفر لي"، يتأول القرآن؛ يعني يفعل ما أُمر به، فالكلام إما خبر، وإما أمر، إن كان خبرًا فتأويله الخبر وقوع المخبر منه، وإن كان أمرًا فتأويله فعل المأمور به.
قال رحمه الله: " وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ كُلَّ مَا نَفَاهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ مُسَمَّى أَسْمَاءِ الْأُمُورِ الْوَاجِبَةِ كَاسْمِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ وَالدِّينِ وَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالطَّهَارَةِ وَالْحَجِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ فَإِنَّمَا يَكُونُ لِتَرْكِ وَاجِبٍ مِنْ ذَلِكَ الْمُسَمَّى"؛ هذا الخلاصة مما سبق المؤلف استدرك، المؤلف رحمه الله فيما يتكلم في الإيمان، وذكر نصوص فيها نفي الإيمان عمن ترك بعض الواجبات، قال: " إن نفي الإيمان لمن لم يفهم هذه الأشياء يدل على أنها واجبات الإيمان، وأنها، وأن من تركها، وأن من يفعلها نقص إيمانه، وليس هذا خاصًا بالإيمان بل هو أيضًا في الإسلام، والدين، والصلاة، والصيام، والطهارة، والحج، كل شيء، فإذا نفي الإيمان عن شيء دلَّ على وجوب ذلك الشيء، ودلَّ على أن هذا الشيء الذي نفي عنه الشيء دلَّ على نقص فيه ليس خاص بالإيمان بل في الزكاة، في الصلاة كما سبق«لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ»، «لَا صَلَاةَ إلَّا بِوُضُوءِ وَلَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ»، «لَا صَلَاةَ إلَّا بِطَهُورِ» «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ»؛ إن هذا عام ليس خاص بشيء، كل شيء يدل على وجوب ذلك الشيء الذي نفي، وأنه إذا ترك دلَّ على نقص في ذلك الشيء.
وَمِنْ هَذَا قَوْله تَعَالَى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}[النساء:65] فَلَمَّا نَفَى الْإِيمَانَ حَتَّى تُوجَدَ هَذِهِ الْغَايَةُ دَلَّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْغَايَةَ فَرْضٌ عَلَى النَّاسِ؛ فَمَنْ تَرَكَهَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْوَعِيدِ لَمْ يَكُنْ قَدْ أَتَى بِالْإِيمَانِ الْوَاجِبِ الَّذِي وُعِدَ أَهْلُهُ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ بِلَا عَذَابٍ، فَإِنَّ اللَّهَ إنَّمَا وَعَدَ بِذَلِكَ مَنْ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ وَأَمَّا مَنْ فَعَلَ بَعْضَ الْوَاجِبَاتِ وَتَرَكَ بَعْضَهَا؛ فَهُوَ مُعَرَّضٌ لِلْوَعِيدِ.
ولهذا المثال ذكره المؤلف قوله هذا من الأمثلة التي نفى الله ورسوله الإيمان عمن لم يأتي بها قول الله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ(65) }[النساء:65]؛ نفى الإيمان عمن لم يحكم الرسول عليه الصلاة والسلام في ما ورد في النزاع، وأقسم على ذلك{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا(65)}[النساء:65]؛ أقسم الرب سبحانه وتعالى، نفي الإيمان عمن لم يحكم النبي صلى الله عليه وسلم في مواضع النزاع {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ }[النساء:65]؛ نفي الإيمان حتى: تفيد الغاية؛ وهي تحكيم الرسول صلى الله عليه وسلم في موارد النزاع، ثم لم يكتفي بذلك { ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ(65) }[النساء:65]؛ يحكم الرسول ولا يكون في نفسه حرج من حكمه، ثم لا يختم بذلك قال: {وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا(65)}[النساء:65]؛ طمأنينة، ثم لا يختم بذلك حتى أكد بنفسه {تَسْلِيمًا(65)}[النساء:65]؛ طمأنينة كاملة، نفي الإيمان، نفى الإيمان عمن لا يحكم رسول الله فيما شجر بينهم من نزاع، ثانيًا: { ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا (65)}[النساء:65]، وليكون مطمئن، ثم يسلم؛ يسلم حتى يرضى الله ورسوله يرضى، ثم أكد بنفسه تسليمًا كاملا، فلما نفي الإيمان حتى تجد هذه الغاية دلَّ على أن هذا واجب، وأنه لا يحصل الإيمان الكامل إلا بهذا، فمن تركها، ولم يتحاكم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في موارد النزاع كان من أهل الوعيد، ولم يكن قد أفاد الإيمان الواجب الذي وعد أهله بدخول الجنة بلا عذاب وههو مستحق للعذاب، فإن الله إنما وعد بذلك من فعل ما أُمر به، إنما وعد بذلك؛ يعني دخول الجنة بلا عذاب، وعد الله بدخول الجنة بلا عذاب من فعل ما أُمر به، وأما من فعل بعض الواجبات وترك بعضها فهم عرضة للوعيد، وليس من أهل الوعد.
طالب: أحسن الله عليك في نسختنا" وَأَمَّا فَعَلَ بَعْضَ الْوَاجِبَاتِ وَتَرَكَ بَعْضَهَا"
الشيخ: طيب، وهذا النسخة: " وَأَمَّا مَنْ فَعَلَ بَعْضَ الْوَاجِبَاتِ وَتَرَكَ بَعْضَهَا"
وقال: " وَمَعْلُومٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ يَجِبُ " تَحْكِيمُ الرَّسُولِ " فِي كُلِّ مَا شَجَرَ بَيْنَ
النَّاسِ فِي أَمْرِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ فِي أُصُولِ دِينِهِمْ وَفُرُوعِهِ وَعَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ إذَا حَكَمَ بِشَيْءِ أَلَّا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا حَكَمَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا. قَالَ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا(60)وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا(61)}[النساء:60، 61]
يقول المؤلف رحمه الله: " وَمَعْلُومٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ يَجِبُ " تَحْكِيمُ الرَّسُولِ " فِي كُلِّ مَا شَجَرَ بَيْنَ
النَّاسِ" ؛ يجب على الأمة الإسلامية أن تتحاكم إلى نصر الله ودينه، وتتحاكم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم إلى كتاب الله، وسنة رسوله، يتحاكم إلى الله؛ إلى كتاب الله، وإلى رسوله؛ في حياته، وإلى سنته بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، في جميع أمور الدين والدنيا، في أصول الدين والفقه، وعليهم كلهم إذا تحاكم بشيء أن يتحاكم الله ورسوله، إذا حكم بشيء ألا يجدوا في أنفسهم حرج مما حكم، ويسلموا تسليما؛ يعني يجب على الأمة الإسلامية أن تقبل شرع الله، وأن تتحاكم إلى كتاب الله، وسنة رسوله، وإذا تبين حكم الله، وحكم رسوله وجب القبول، ووجب الرضى والتسليم وألا يوجد في النفس حرج بيَّن الله سبحانه وتعالى أن المنافقين ليسوا كذلك، قال: {أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا(60)}[ النساء:60]؛ هذه الآيه في المنافقين، قال: {أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إلَى الطَّاغُوتِ(60)}[ النساء:60]؛ هذا زعموا، يزعمون أنهم مؤمنون وهم ليسوا بمؤمنين، كيف يزعمون أنهم مؤمنون وهم يتحاكمون إلى الطاغوت؟ والطاغوت كل من خالف شرع الله يسمى طاغوت، الطاغوت من الطغيان مجاوزة الحد -- ((@ كلمة غير مفهومة-65:14)) –مبالغه كل ما جاوز شرع الله ودينه، كل ما جاوز حكم الله، وحكم رسوله فهو طاغوت، فهؤلاء يزعمون أنهم مؤمنون ومع ذلك يتحاكمون إلى الطاغوت، أين الإيمان؟! أين الإيمان وهم يتحاكمون إلى الطاغوت؟ وقد أُمروا أن يكفروه، أمرهم الله أن يكفروا بالطاغوت، وهم يتحاكموا إلى الطاغوت، وهم يزعمون الإيمان، لا يمكن، ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالًا بعيدًا بيَّن أن هذا من إرادة الشيطان التحاكم إلى الطاغوت من إرادة الشيطان، وأنه ضلال بعيد عن الصواب؛ أين الإيمان،مع هذا وهذا يدل على وجوب التحاكم إلى شرع الله ودينه، وأنه من لا يتحاكم إلى شرع الله ودينه فهو على خطر عظيم، ثم بيَّن صفات المنافقين{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا(61)}[النساء: 61]؛ يعني يعرضون إعراضًا ، فالواجب على المسلم أن يبتعد عن صفات المنافقين، ويتحاكم إلى شرع الله ودينه، وأن يبتعد عن أن يتحاكم إلى الطاغوت، وأن يرضى بحكم الله ورسوله، ويسلم ويطمئن، ويسلم تسليمًا كاملًا.
" وَقَوْلُهُ: {إلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ(61)}[النساء:61] وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَهِيَ السُّنَّةُ قَالَ تَعَالَى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ(231)}[البقرة: 231] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا(113)}[النساء:113] . وَالدُّعَاءُ إلَى مَا أَنْزَلَ يَسْتَلْزِمُ الدُّعَاءَ إلَى الرَّسُولِ، وَالدُّعَاءُ إلَى الرَّسُولِ يَسْتَلْزِمُ الدُّعَاءَ إلَى مَا أَنْزَلَهُ اللَّهُ، وَهَذَا مِثْلُ طَاعَةِ اللَّهِ وَالرَّسُولِ؛ فَإِنَّهُمَا مُتَلَازِمَانِ فَمَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ أَطَاعَ اللَّهَ فَقَدْ أَطَاعَ الرَّسُولَ"
المؤلف رحمه الله يبين معنى قول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إلَيْكَ(60)}[ النساء:60]؛ يبين أن الذي أُنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم الكتاب والحكمة، أُنزل إلى الرسول الكتاب؛ وهو القرآن العظيم، والحكمة؛ وهي السنة، فالسنة وحي ثاني قال عليه الصلاة والسلام: " أَلَا إنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ}، وقال الله تعالى: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3)إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى(4)﴾[النجم:3، 4]، فالسنة وحي ثاني، فقوله: {بِمَا أُنْزِلَ إلَيْكَ(60)}[النساء:60]؛ فسر الكتاب والسنة، واستدل على ذلك بالآية الأخرى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ(231)}[البقرة: 231]الشيء؛ إنه أخبر أنه أنزل الكتاب، والحكمة؛ والحكمة هي السنة، وهذا فيه دليل على أن من أنكر السنة فإنه ليس بمؤمن، كما يزعم بعض الناس أنه يكفر بالقرآن، وأنه لا حاجة إلى السنة هذا كفر وردة والعياذ بالله؛ لأنه ترك لكلام الله، وكلام رسوله، فإن الله سبحانه وتعالى أمر بطاعته، وبطاعة رسوله ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ (12)﴾[التغابن:12] (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) ، {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ (113)}[النساء:113]؛ السنة، فمن رفض السنة وترك السنة، وأنكر السنة فهو كافر مرتد أعوذ بالله، {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا(113)}[النساء:113]، قال المؤلف هنا: " وَالدُّعَاءُ إلَى مَا أَنْزَلَ يَسْتَلْزِمُ الدُّعَاءَ إلَى الرَّسُولِ"؛ {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ (113)}[النساء:113]؛ الدعاء إلى ما أنزل{أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إلَيْكَ(60)}[ النساء:60]، وقال تعالى: {إلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ(61)}[النساء:61]؛ الدعاء إلى ما أنزل الله يستلزم الدعاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، والدعاء إلى الرسول يستلزم الدعاء إلى ما أنزل الله؛ يعني متلازمان، فالدعاء إلى ما أنزل الله يستلزم الدعاء إلى الرسول، والدعاء إلى الرسول يستلزم الدعاء إلى ما أنزل الله، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام لا ينطق عن الهوى، والله تعالى أوحى إليه بالقرآن، وأوحى إليه بالسنة.
طالب: الدعاء؛ المراد تعالى، والنداء إلى ما أنزل الله، وإلى الرسول؟
الشيخ: نعم، قال المؤلف: " وَهَذَا مِثْلُ طَاعَةِ اللَّهِ وَالرَّسُولِ؛ فَإِنَّهُمَا مُتَلَازِمَانِ فَمَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ أَطَاعَ اللَّهَ فَقَدْ أَطَاعَ الرَّسُولَ"، فكذلك الدعاء إلى ما أنزل الله يستلزم الدعاء إلى الرسول، والدعاء إلى الرسول يستلزم الدعاء على ما أنزل الله، فهما متلازمان لا يفرق أحدهما عن الآخر، ومثله الشهادتين؛ شهادة أن لا إله إلَّا الله تستوجب شهادة أن محمدًا رسول الله، وشهادة أن محمدًا رسول الله تستوجب شهادة أن لا إله إلَّا الله، ولا تقبل أحدهما دون الأخرى، فلو شهد بأن لا إله إلَّا الله ولم يشهد بأن محمد رسول الله لم تقبل منه، وإذا شهد أن محمدًا رسول الله ولم يشهد بأن لا إله إلَّا الله لم تقبل منه، فلابد أن يشهد أن لا إله إلَّا الله، و أن محمدًا رسول الله، كذلك طاعة الله تستلزم طاعة الرسول، وطاعة الرسول تستلزم طاعة الله، فمن زعم أنه يطيع الرسول ولم يطيع الله لا تصح، ومن زعم أنه يطيع الله ولا يطيع الرسول فلا يصح، لا يقبل منه، فكذلك الدعاء إلى ما أنزل الله يستلزم الدعاء إلى ماذا؟ إلى الرسول، والدعاء إلى الرسول يستلزم الدعاء إلى ما أنزل الله.
"وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ (115)}[النساء:115] . فَإِنَّهُمَا مُتَلَازِمَانِ؛ فَكُلُّ مَنْ شَاقَّ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى فَقَدْ اتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ وَكُلُّ مَنْ اتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ فَقَدْ شَاقَّ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى. فَإِنْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ مُتَّبِعٌ سَبِيلَ الْمُؤْمِنِينَ وَهُوَ مُخْطِئٌ؛ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ ظَنَّ أَنَّهُ مُتَّبِعٌ لِلرَّسُولِ وَهُوَ مُخْطِئٌ"
المؤلف رحمه الله ذكر أن هذه الآية نظير، الآية السابقة أن الدعاء على ما أنزل الله يستلزم الدعاء إلى الرسول، قال نظير ذلك " قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ (115)}[النساء:115] . فَإِنَّهُمَا مُتَلَازِمَانِ؛ فَكُلُّ مَنْ شَاقَّ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى فَقَدْ اتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ وَكُلُّ مَنْ اتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ فَقَدْ شَاقَّ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى"، وهما متلازمان لا يمكن أن ينفك أحدهما عن الآخر " فَإِنْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ مُتَّبِعٌ سَبِيلَ الْمُؤْمِنِينَ وَهُوَ مُخْطِئٌ؛ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ ظَنَّ أَنَّهُ مُتَّبِعٌ لِلرَّسُولِ وَهُوَ مُخْطِئٌ"؛ المعنى على أنهما متلازمان.
" وَهَذِهِ " الْآيَةُ " تَدُلُّ عَلَى أَنَّ إجْمَاعَ الْمُؤْمِنِينَ حُجَّةٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ مُخَالَفَتَهُمْ
مُسْتَلْزِمَةٌ لِمُخَالَفَةِ الرَّسُولِ وَأَنَّ كُلَّ مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِيهِ نَصٌّ عَنْ الرَّسُولِ؛ فَكُلُّ مَسْأَلَةٍ يُقْطَعُ فِيهَا بِالْإِجْمَاعِ وَبِانْتِفَاءِ الْمُنَازِعِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ؛ فَإِنَّهَا مِمَّا بَيَّنَ اللَّهُ فِيهِ الْهُدَى، وَمُخَالِفُ مِثْلِ هَذَا الْإِجْمَاعِ يَكْفُرُ كَمَا يَكْفُرُ مُخَالِفُ النَّصِّ الْبَيِّنِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ يُظَنُّ الْإِجْمَاعُ وَلَا يُقْطَعُ بِهِ فَهُنَا قَدْ لَا يُقْطَعُ أَيْضًا بِأَنَّهَا مِمَّا تَبَيَّنَ فِيهِ الْهُدَى مِنْ جِهَةِ الرَّسُولِ، وَمُخَالِفُ مِثْلِ هَذَا الْإِجْمَاعِ قَدْ لَا يَكْفُرُ؛ بَلْ قَدْ يَكُونُ ظَنُّ الْإِجْمَاعِ خَطَأً. وَالصَّوَابُ فِي خِلَافِ هَذَا الْقَوْلِ وَهَذَا هُوَ فَصْلُ الْخِطَابِ فِيمَا يَكْفُرُ بِهِ مِنْ مُخَالَفَةِ الْإِجْمَاعِ وَمَا لَا يَكْفُرُ"
المؤلف يبين أن هذه الآية تدل على أن إجماع المؤمنين حجة، وهذه الآية يستدل بها الأصوليون على أن الإجماع حجة، وهو قول الله تعالى: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا(115)﴾[النساء:115]، والمؤلف يقول: أن هذه الآية تدل على أن إجماع المؤمنين حجة؛ وجه ذلك أن مخالفتهم تستلزم مخالفة الرسول، مخالفة المؤمنين تستلزم مخالفة الرسول، وأن كل ما أجمعوا عليه فلابد أن يكون في النص عن الرسول صلى الله عليه وسلم؛ يعني إذا كان النصُّ فيه إجماع وليس هناك مخالف ولا منازع بين المؤمنين لا بد من الإمام أن يكون مستند إلى نص، وعلى هذا ما يكون مخالف للإمام يكون مخالف للنص، ويكون الإجماع قطعي، وإذا كان الإجماع قطعيًّا فمخالفه كافر، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: "؛ فَكُلُّ مَسْأَلَةٍ يُقْطَعُ فِيهَا بِالْإِجْمَاعِ وَبِانْتِفَاءِ الْمُنَازِعِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ؛ فَإِنَّهَا مِمَّا بَيَّنَ اللَّهُ فِيهِ الْهُدَى"؛ يعني داخلة بقوله: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى (115)﴾[النساء:115]، ومخالف مثل هذا الإجماع يكفر؛ يعني الإجماع الذي يقطع فيه، الإجماع وبانتفاء المنازع، وأنه لم ينازع فيه أحد مخالف هذا يكفر؛ كما يكفر المخالف للنصِّ البين، مخالف النصَّ البين الذي ليس فيه شبه كفر، فكذلك من خالف الإجماع القطعي الذي ليس فيه نزاع كفر، أما إذا كان يولي الإجماع ولا يقطع به ليس هناك قطع قد يحتمل أن يكون فيه نزاع، فهنا لا يقطع؛ لأنه ما تبين الهدى-- ((@ كلمة غير مفهومة-74:00)) -- وحينئذٍ إذا خالف هذا الإجماع لا يكفر؛ لأنه ما تبين له الهدى؛ ولأنه لا يقطع فيه بأنه ليس هناك منازع ؛ "بَلْ قَدْ يَكُونُ ظَنُّ الْإِجْمَاعِ خَطَأً. وَالصَّوَابُ فِي خِلَافِ هَذَا الْقَوْلِ وَهَذَا هُوَ فَصْلُ الْخِطَابِ فِيمَا يَكْفُرُ بِهِ مِنْ مُخَالَفَةِ الْإِجْمَاعِ وَمَا لَا يَكْفُرُ"؛ نصُّ الخطاب أنه إذا خالف الإجماع القطعي الذي ليس فيه الخلاف، ليس فيه نزاع فهذا يكفر، وأما إذا خالف إجماعًا ظنوا أن هناك مخالف من المؤمنين فلا يكفر
قالوا: "وَ " الْإِجْمَاعُ " هَلْ هُوَ قَطْعِيُّ الدَّلَالَةِ أَوْ ظَنِّيُّ الدَّلَالَةِ؟ فَإِنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يُطْلِقُ الْإِثْبَاتَ بِهَذَا أَوْ هَذَا، وَمِنْهُمْ مَنْ يُطْلِقُ النَّفْيَ لِهَذَا وَلِهَذَا. وَالصَّوَابُ التَّفْصِيلُ بَيْنَ مَا يُقْطَعُ بِهِ مِنْ الْإِجْمَاعِ وَيُعْلَمُ يَقِينًا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مُنَازِعٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَصْلًا؛ فَهَذَا يَجِبُ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ حَقٌّ؛ وَهَذَا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مِمَّا بَيَّنَ فِيهِ الرَّسُولُ الْهُدَى؛ كَمَا قَدْ بُسِطَ هَذَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ"؛ يعني المؤلف رحمه الله يقول: " " الْإِجْمَاعُ " هَلْ هُوَ قَطْعِيُّ الدَّلَالَةِ أَوْ ظَنِّيُّ الدَّلَالَةِ؟ يقول: من الناس من يقول: الإجماع قطعي الدلالة، ومنهم من يقول: الإجماع ظني الدلالة، ومنهم من يقول: الإجماع ليس بقطعي والإجماع ليس بظني، وبيَّن المؤلف رحمه الله أن الصواب في المسألة التفصيل بين ما يقطع به من الإجماع إذا كان الإجماع قطعي ويعلم يقينا أنه ليس فيه منازع من المؤمنين؛ "فَهَذَا يَجِبُ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ حَقٌّ؛ وَهَذَا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مِمَّا بَيَّنَ فِيهِ الرَّسُولُ الْهُدَى"، أما إذا كان الإجماع لا يقطع بأنه، لا يُعلم بأنه يقيني، ولا يُعلم أنه ليس فيه منازع من المؤمنين، بل يحتمل أن يكون فيه منازع من المؤمنين؛ فهذا ليس قطعيًّاناً ولا يكون مما بيَّن فيه الرسول صلى الله عليه وسلم الهدى، وحينئذٍ فمن خالفه فإنه لا يكفر؛ هذا هو الصواب في هذه المسألة كما بيَّن المؤلف رحمه الله.
طالب: جزاكم الله خيرًا، وأحسن إليكم، ونفع بعلمكم، توقفنا عند قول المؤلف رحمه الله: "وَمِنْ جِهَةِ أَنَّهُ إذَا وَصَفَ الْوَاجِبَ بِصِفَاتِ مُتَلَازِمَةٍ؛ دَلَّ عَلَى أَنَّ كُلَّ صِفَةٍ مِنْ تِلْكَ الصِّفَاتِ مَتَى ظَهَرَتْ وَجَبَ اتِّبَاعُهَا وَهَذَا مِثْلُ {الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ(6)}[الفاتحة:6] الَّذِي أَمَرَنَا اللَّهُ بِسُؤَالِ هِدَايَتِهِ؛ فَإِنَّهُ قَدْ وُصِفَ بِأَنَّهُ الْإِسْلَامُ وَوُصِفَ بِأَنَّهُ اتِّبَاعُ الْقُرْآنِ وَوُصِفَ بِأَنَّهُ طَاعَةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَوُصِفَ بِأَنَّهُ طَرِيقُ الْعُبُودِيَّةِ؛ وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلَّ اسْمٍ مِنْ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ يَجِبُ اتِّبَاعُ مُسَمَّاهُ، وَمُسَمَّاهَا كُلِّهَا وَاحِدٌ وَإِنْ تَنَوَّعَتْ صِفَاتُهُ؛ فَأَيُّ صِفَةٍ ظَهَرَتْ وَجَبَ اتِّبَاعُ مَدْلُولِهَا فَإِنَّهُ مَدْلُولُ الْأُخْرَى. وَكَذَلِكَ أَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى وَأَسْمَاءُ كِتَابِهِ وَأَسْمَاءُ رَسُولِهِ هِيَ مِثْلُ أَسْمَاءِ دِينِهِ، وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى. {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا(103)}[آل عمران:103] قِيلَ: حَبْلُ اللَّهِ هُوَ دِينُ الْإِسْلَامِ وَقِيلَ: الْقُرْآنُ وَقِيلَ: عَهْدُهُ وَقِيلَ: طَاعَتُهُ وَأَمْرُهُ وَقِيلَ جَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ؛ وَكُلُّ هَذَا حَقٌّ"
المؤلف رحمه الله يبين أن مسمى الإيمان، ومسمى الإسلام، ومسمى الدين ؛ إذا نفي شيء من الواجبات فإنه يدل على نقص شيء من الواجبات؛ واجبان الإيمان، أو واجبات الإسلام، أو واجبات الدين، فإنه يدل على نقص في مسمى الإسلام، ومسمى الإيمان، ومسمى الدين، نقص في إسلامه، نقص في إسلام هذا الذي نفي عنه في دينه، أو في إيمانه، فإذا نفي الإيمان عن شيء، فإذا نفي الإيمان بترك شيء من الأمور التي هي أمور الإيمان، أو أمور الإسلام، أو أمور الدين دلَّ على أن هذا الذي نفي واجب، واجبٌ من واجبات هذاالإيمان، أو واجب من واجبات الدين، أو واجب من واجبات الإسلام؛ ودلَّ هذا على نقص في إيمانه هذا الذي نفي عنه هذا الأمر، أو في دينه، أو في إسلامه، ثم استطرد المؤلف رحمه الله وقال: أنه إذا وصف الواجب بصفات متلازمة؛ دلَّ على أن كل صفة من تلك الصفات متى ظهرت وجب اتباعها؛ يعني أن الواجب الذي نفي قد يكون له صفات، وهذه الصفات إذا وصف بها فإنها متلازمه لا بد من الإتيان بها كلها، فهي داخلة في هذا الأمر الذي نفي الإيمان عن صاحبه، أو نفي الدين عن صاحبه، أو نفي الإسلام عن صاحبه، فالمؤلف يستطرد وإلَّا فهو يتحدث
عن الإيمان، وعن الدين، وعن الإسلام، وأنه إذا نفي أمرٌ من هذه الأمور، أمرٌ مثل الإيمان عن الشخص الذي ترك أمر من الأمور، أو نفي الإسلام عن الشخص في أمر من أمور، أو نفي الدين عن الشخص لترك أمر من الأمور؛ دلَّ على أن هذا الأمر واجب، ويبين المؤلف رحمه الله أن هذا الواجب قد يوصف بصفات متعددة، وهذه الصفات كلها لا بد منها، ولهذا قال المؤلف: " وَمِنْ جِهَةِ أَنَّهُ إذَا وَصَفَ الْوَاجِبَ بِصِفَاتِ مُتَلَازِمَةٍ؛ دَلَّ عَلَى أَنَّ كُلَّ صِفَةٍ مِنْ تِلْكَ الصِّفَاتِ مَتَى ظَهَرَتْ وَجَبَ اتِّبَاعُهَا وَمثل بذلك مِثْلُ {الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ(6)}[الفاتحة:6] الَّذِي أَمَرَنَا اللَّهُ بِسُؤَالِ هِدَايَتِهِ"
بسؤال هدايته في كل ركعة من ركعات الصلاة ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ(6)﴾[الفاتحة:6]، ووصف هذا الصراط وصفه بأنه الإسلام، ووصفه بأنه تلاوة للقرآن، ووصفه بأنه طاعة الله ورسوله، ووصف بأنه طريق العبودية وكل هذه الصفات حق ، كلها لا بد منها، ولهذا قال المؤلف: " وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلَّ اسْمٍ مِنْ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ يَجِبُ اتِّبَاعُ مُسَمَّاهُ"؛ يعني يجب اتباع القرآن بدون مسميات، ويجب اتباع القرآن، ويجب اتباع طاعة الله ورسوله، ويجب فعل العبودية، فيقول المؤلف رحمه الله: " وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلَّ اسْمٍ مِنْ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ يَجِبُ اتِّبَاعُ مُسَمَّاهُ، وَمُسَمَّاهَا كُلِّهَا وَاحِدٌ وَإِنْ تَنَوَّعَتْ صِفَاتُهُ؛ فالصراط المستقيم واحد لكن صفاته تتنوع، يوصف بأنه الإسلام، ويوصف بأنه اتباع القرآن، ويوصف بأنه طاعة الله ورسوله، ويوصف بأنه طريق العبودية، كلها حق؛ فالصراط المستقيم هو الإسلام؛ وهو طاعة الله ورسوله، وهو دين الله، وهو حبل الله، وهو الدين، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: " وَمُسَمَّاهَا كُلِّهَا وَاحِدٌ وَإِنْ تَنَوَّعَتْ صِفَاتُهُ؛ فَأَيُّ صِفَةٍ ظَهَرَتْ وَجَبَ اتِّبَاعُ مَدْلُولِهَا فَإِنَّهُ مَدْلُولُ الْأُخْرَى. وَكَذَلِكَ أَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى وَأَسْمَاءُ كِتَابِهِ وَأَسْمَاءُ رَسُولِهِ هِيَ مِثْلُ أَسْمَاءِ دِينِهِ"؛ كلها مسماها واحد وإن تنوعت الصفات، ومثَّل أيضًا بنضير ذلك: قَوْله تَعَالَى. {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا(103)}[آل عمران:103]؛ وحبل الله يوصف بصفات ومسماها واحد، حبل الله: حبل الله ودين الإسلام، وقيل حبل الله: القرآن، وقيل حبل الله: عهده، وقيل: طاعته، وأمره، وقيل: جماعة المسلمين كلها حق، وكل هذه الصفات مسماها، كلها واحد.
قال رحمه الله: " وَكَذَلِكَ إذَا قُلْنَا: الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ فَمَدْلُولُ الثَّلَاثَةِ وَاحِدٌ فَإِنَّ كُلَّ مَا فِي الْكِتَابِ فَالرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُوَافِقٌ لَهُ وَالْأُمَّةُ مُجْمِعَةٌ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ فَلَيْسَ فِي الْمُؤْمِنِينَ إلَّا مَنْ يُوجِبُ اتِّبَاعَ الْكِتَابِ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا سَنَّهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَالْقُرْآنُ يَأْمُرُ بِاتِّبَاعِهِ فِيهِ وَالْمُؤْمِنُونَ مُجْمِعُونَ عَلَى ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا حَقًّا مُوَافِقًا لِمَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ لَكِنْ الْمُسْلِمُونَ يَتَلَقَّوْنَ دِينَهُمْ كُلَّهُ عَنْ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَنْزِلُ عَلَيْهِ وَحْيُ الْقُرْآنِ وَوَحْيٌ آخَرُ هُوَ الْحِكْمَةُ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا إنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ». وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ عَطِيَّةَ: "كَانَ جِبْرِيلُ يَنْزِلُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسُّنَّةِ فَيُعَلِّمُهُ إيَّاهَا كَمَا يُعَلِّمُهُ الْقُرْآنَ." فَلَيْسَ كُلُّ مَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُفَسَّرًا فِي الْقُرْآنِ؛ بِخِلَافِ مَا يَقُولُهُ أَهْلُ الْإِجْمَاعِ؛ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَدُلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ فَإِنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْوَاسِطَةُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ فِي أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَتَحْلِيلِهِ وَتَحْرِيمِهِ؛ وَالْمَقْصُودُ ذِكْرُ الْإِيمَانِ".
يقول المؤلف رحمه الله هنا أن من الأشياء ًنظير، قال: الإسلام، وحبل الله، والصراط المستقيم، وأن لها صفات متلازمة ومسماها واحد، نظير ذلك الكتاب، والسنة، والإجماع؛ هذه الثلاثة مدلولها واحد؛ فإن كل ما في الكتاب العظيم فالرسول موافق له، كل الأمة مجمعة عليه من حيث الجمله فمدلوله واحد ما جاء في الكتاب العظيم الرسول عليه السلام موافق له، والأمة مجمعة على العمل بما في الكتاب، والسنة المطهرة، وبيان كون الأمة مجمعة عليه أنه ليس في المؤمنين إلَّا من يكون تابعًا للكتاب، وكذلك كل ما سنه الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فالقرآن يأمر بطاعته.
﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ (92)﴾[المائدة:92]، ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ (7)﴾[الحشر:7]، والمؤمنون مجمعون على ذلك؛ يعني كل ما سنَّه الرسول وجب العمل به، وكذلك ما أجمع عليه المسلمون؛ فإنه لايكون إلا حقًا موافقًا للكتاب، والسنة؛ لأن الأمة لا تجتمع على ضلالة، وسبق مراد المؤلف رحمه الله تعالى: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا(115)﴾[النساء:115]؛ فهذه الآية تدل على أن من شاق الرسول من بعد ما تبين له الهدى؛ فإنه متبع لغير سبيل المؤمنين، ومتبع لغير سنن الهدى مشاقٌ للرسول من بعد ماتبين له الهدى فهما متلازمان، فلا يمكن أن تجمع الأمة على ضلالة، لا تجتمع على ضلالة، وما أجمعت عليه الأمة فهو مستند إلى نص من الكتاب، والسنة، ولذلك قال المؤلف رحمه الله: " وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا حَقًّا مُوَافِقًا لِمَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ"، قال المؤلف: "لَكِنْ الْمُسْلِمُونَ يَتَلَقَّوْنَ دِينَهُمْ كُلَّهُ عَنْ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَنْزِلُ عَلَيْهِ وَحْيُ الْقُرْآنِ وَوَحْيٌ آخَرُ هُوَ الْحِكْمَةُ"؛ الرسول ينزل عليه وحيان، وحي القرآن، ووحي السنة، لأن السنة: وحي ثاني ؛ كما قال الله عزَّ وجلَّ في كتابه العظيم: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3)إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى(4)﴾[النجم:3، 4]، وقال عليه الصلاة والسلام: «أَلَا إنِّي أُوتِيتُ الْقرآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ»، في اللفظ الذي ذكره المؤلف: « أَلَا إنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ»، وهو حديث رواه الإمام أحمد، وأبو داود.
"وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ عَطِيَّةَ: "كَانَ جِبْرِيلُ يَنْزِلُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسُّنَّةِ فَيُعَلِّمُهُ إيَّاهَا كَمَا يُعَلِّمُهُ الْقُرْآنَ" وهذا معلوم، والسنة وحي من الله عزَّ وجلَّ، ومعناه من الله ولفظه من الرسول صلى الله عليه وسلم إلَّا الأحاديث القدسية فإن لفظها ومعناها من الله عزَّ وجلَّ، يقول المؤلف: " فَلَيْسَ كُلُّ مَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُفَسَّرًا فِي الْقُرْآنِ؛ بِخِلَافِ مَا يَقُولُهُ أَهْلُ الْإِجْمَاعِ؛ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَدُلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ"؛ فالإجماع لا بد أن يستدل عليه من الكتاب والسنة، أما ما جاءت به السنة، فقد يكون في القرآن، وقد يكون وحي مستقل؛ كما سيبين -المؤلف رحمه الله في تحريم كل ناب من السباع وكل مخلب من الطيرهذه أحكام جاءت في السنة، وليست في القرآن.
يقول المؤلف رحمه الله: " فَإِنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْوَاسِطَةُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ فِي أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَتَحْلِيلِهِ وَتَحْرِيمِهِ؛ وَالْمَقْصُودُ ذِكْرُ الْإِيمَانِ"؛ فقد بيَّن المؤلف أن ما سبق كله استطراد؛ والمقصود: ذكر الإيمان، وأنه إذا نفي الإيمان عن شيء دلَّ على أنه ترك واجبًا من واجبات الإيمان، وهذا الواجب قد يكون له صفات متعددة مسماها واحد ومتلازمة، وقد يكون مدلولها مترابط، ومرتبط بعضها ببعض، كل مدلول يدل على مدلول الآخر.
قال رحمه الله: " وَمِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُبْغِضُ الْأَنْصَارَ رَجُلٌ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ». وَقَوْلُهُ: «آيَةُ الْإِيمَانِ حُبُّ الْأَنْصَارِ وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الْأَنْصَارِ». فَإِنَّ مَنْ عَلِمَ مَا قَامَتْ بِهِ الْأَنْصَارُ مِنْ نَصْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ وَكَانَ مُحِبًّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ؛ أَحَبَّهُمْ قَطْعًا فَيَكُونُ حُبُّهُ لَهُمْ عَلَامَةَ الْإِيمَانِ الَّذِي فِي قَلْبِهِ وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ لَمْ يَكُنْ فِي قَلْبِهِ الْإِيمَانُ الَّذِي أَوْجَبَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ مَنْ لَمْ يَكُنْ فِي قَلْبِهِ بُغْضُ مَا يُبْغِضُهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ الْمُنْكَرِ الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ الْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ وَالْعِصْيَانِ؛ لَمْ يَكُنْ فِي قَلْبِهِ الْإِيمَانُ الَّذِي أَوْجَبَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُبْغِضًا لِشَيْءِ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ أَصْلًا؛ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إيمَانٌ أَصْلًا كَمَا سَنُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَكَذَلِكَ مَنْ لَا يُحِبُّ لِأَخِيهِ الْمُؤْمِنِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ؛ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ الْإِيمَانِ فَحَيْثُ نَفَى اللَّهُ الْإِيمَانَ عَنْ شَخْصٍ؛ فَلَا يَكُونُ إلَّا لِنَقْصِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الْإِيمَانِ وَيَكُونُ مِنْ الْمُعَرَّضِينَ لِلْوَعِيدِ لَيْسَ مِنْ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلْوَعْدِ الْمُطْلَقِ".
المؤلف رحمه الله بيَّن في هذا الجزء: أن الإيمان إذا نفي عن شخص فإنه لترك واجبًا من الواجبات، ومثَّل لذلك قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُبْغِضُ الْأَنْصَارَ رَجُلٌ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ»، رواه الإمام مسلم في صحيحه؛ والمعنى: أن الذي يبغض الأنصار فإنه لا يؤمن الإيمان الكامل الذي تبرأ به ذمته، ويستحق به دخول الجنة والنجاة من النار وهو معرض للوعيد، والمراد بالأنصار: الأوس والخزرج؛ الذين نصروا الله ورسوله والمؤمنين، وكذلك يشمل كل من نصر دين الله في كل زمان، وفي كل مكان، حبهم دلَّيل على الإيمان، وبغضهم دلَّيل على النفاق، ولهذا ذكر المؤلف رحمه الله الحديث الثاني: قال صلى الله عليه وسلم: «آيَةُ الْإِيمَانِ حُبُّ الْأَنْصَارِ وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الْأَنْصَارِ» رواه الإمام مسلم في صحيحه، يقول المؤلف بيان ذلك، بيَّن تعليقًا على هذين الحديثين: ". فَإِنَّ مَنْ عَلِمَ مَا قَامَتْ بِهِ الْأَنْصَارُ مِنْ نَصْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ وَكَانَ مُحِبًّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ؛ أَحَبَّهُمْ قَطْعًا فَيَكُونُ حُبُّهُم لَهُمْ عَلَامَةَ الْإِيمَانِ الَّذِي فِي قَلْبِهِ وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ لَمْ يَكُنْ فِي قَلْبِهِ الْإِيمَانُ الَّذِي أَوْجَبَهُ اللَّهُ ورسوله"؛ بل إما أن يكون فاقد الإيمان بالكلية، أو فاقد لكمال الإيمان، ويكون معرَّضًا للوعيد، إمَّا أن يكون كافر وإما أن يكون عاصي، لم يأتي بالإيمان الواجب الذي تبرأ به ذمته ويستحق به دخول الجنة والنجاة من النار، لو كان في قلبه الإيمان واجب لأحب الأنصار الذين نصروا دين الله، لأن حبهم حب لله ورسوله، تابع لحب الله ورسوله، كيف يبغض: الأنصار الذين نصروا الله، نصروا دين الله، ورسوله وحزبه، والمؤمنين؟ كيف لا يحبهم؟! لو كان في قلبه الإيمان واجب لأحب، فلما لم يحبهم وأبغضهم دلَّ على أنه فاقد للإيمان بالكلية، أو فاقد لكمال الإيمان الواجب الذي تبرأ به ذمته ويستحق به دخول الجنة والنجاة من النار، ولهذا بيَّن المؤلف رحمه الله قال: " وكَذَلِكَ مَنْ لَمْ يَكُنْ فِي قَلْبِهِ بُغْضُ مَا يُبْغِضُهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ الْمُنْكَرِ الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ الْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ وَالْعِصْيَانِ؛ ؛ لَمْ يَكُنْ فِي قَلْبِهِ الْإِيمَانُ الَّذِي أَوْجَبَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ"؛ يعني مَنْ لَمْ يَكُنْ فِي قَلْبِهِ بُغْضُ مَا يُبْغِضُهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ الْمُنْكَرِ؛ يعني من لم يبغض المنكرات الذي أنكرها الله ورسوله من الكفر؛ يعني من أنواع الكفر ، من أنواع الشرك، أنواع الكفر الأكبر، والكفر الأصغر، والشرك الأكبر، والشرك الأصغر، والنفاق الأكبر، والنفاق الأصغر، والفسوق، والعصيان والكبائر، فإنه لم يأتي بالإيمان الواجب‘ فإنه " لَمْ يَكُنْ فِي قَلْبِهِ الْإِيمَانُ الَّذِي أَوْجَبَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ" ، وهو عرضة للوعيد، والعذاب لنقص إيمانه، ثم فسر المؤلف رحمه الله: "لَمْ يَكُنْ فِي قَلْبِهِ الْإِيمَانُ الَّذِي أَوْجَبَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُبْغِضًا لِشَيْءِ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ أَصْلًا؛ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إيمَانٌ أَصْلًا كَمَا سَنُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى"؛ إذا لم يكن في قلبه بغض لشيء من الحرمات أصلا هذا لا يكون معه إيمان، لأن أعلى المحرمات الشرك؛ فإذا لم يكن مبغضًا للشرك والكفر فإنه لا يكون مؤمنًا.
لا بد من بغض الشرك والكفر والنفاق من لم يبغض الشرك والكفر فقد أحب الكفر، فمن لم يبغض الشرك والكفر والنفاق لا بد أن يحب الشرك، والكفر، والنفاق، ومن أحب الكفر، والشرك، والنفاق؛ فإنه لا يكون معه شيء من الإيمان قد يكون كافرًا، لا بد أن يكون مع المؤمن شيء من البغض المؤمن لا بد أن يبغض الكفر والشرك الأكبر والنفاق، فإن لم يبغض الكفر الأكبر، والشرك الأكبر فإنه لا يكون مؤمنًا، وإن أبغض الكفر الأكبر، والشرك الأكبر، والنفاق الأكبر، ولكنه لم يبغض الشرك الأصغر، والكفر الأصغر، والمعاصي، والفسوق والمنكرات؛ فإنه يكون ضعيف الإيمان، وناقصًا للإيمان معرَّضًا للوعيد، ولعقوبة الله عزَّ وجلَّ لنقص إيمانه، وضعف إيمانه، يقول المؤلف: " وَكَذَلِكَ مَنْ لَا يُحِبُّ لِأَخِيهِ الْمُؤْمِنِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ؛ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ الْإِيمَانِ"؛ يشير إلى الحديث سابق «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مِنْ الْخَيْرِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ»؛ هنا نفى الإيمان عمن لم يحب لأخيه ما يحب لنفسه، فدلَّ على أنه ترك واجبًا من واجبات الإيمان، ودلَّ على أن محبه المسلم لأخيه المسلم واجب من واجبات الإيمان، فمن لم يحب لأخيه ما يحب لنفسه من خير، خير الدنيا والآخرة، يحب لنفسه الخير، يحب لنفسه أن يوفقه الله للخير، وللعلم وللدين، يحب لنفسه أن يرزق زوجة صالحة، ومالًا حلالًا، وولدًا صالحًا، وعلمًا نافعًا، وعملًا صالحًا، فإذا لم يحب لأخيه ذلك؛ فإنه ناقص الإيمان وضعيف الإيمان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نفى عنه الإيمان، ولا ينفى الإيمان عن شيء إلَّا لترك واجب من الواجبات، فدلَّ على أنه واجب، من لم يحب لأخيه ما يحب لنفسه؛ نفي عنه كمال الإيمان الواجب، لا كمال الإيمان المستحب، الإيمان المستحب ما ينفع، المستحبات: إذا تركها الإنسان ما ينفى عنه الإيمان، إنما ينفى الإيمان عمن ترك الواجب لا من ترك المستحب، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: " فَحَيْثُ نَفَى اللَّهُ الْإِيمَانَ عَنْ شَخْصٍ؛ فَلَا يَكُونُ إلَّا لِنَقْصِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الْإِيمَانِ وَيَكُونُ مِنْ الْمُعَرَّضِينَ لِلْوَعِيدِ لَيْسَ مِنْ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلْوَعْدِ الْمُطْلَقِ"؛ الوعد المطلق الذي وعد الله به المؤمنين وهو دخول الجنة من أول وهلة، كما قال الله تعالى في وصف المؤمنين في آية الأنفال: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ(2)الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ(3)أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا(4)﴾[الأنفال:2-4]
هذا الوعد المطلق، هذا وعدٌ مطلق، فالذي ينفى عنه الإيمان لا يستحق هذا الوعد المطلق، بل يستحق ضده؛ يستحق الوعيد، يكون معرَّضًا للوعيد.
طالب: هل يستوي في هذا الأمر الذي ذكره المؤلف رحمه الله في اطلاق البغض، أو الحب لذات الصفة ولصاحبها أم تختلف وبالتالي من لم يبلغ الكفر، والفسوق والعصيان هو سواء من لم يبغض الكافر، والفاسق، والعاصي، أم هذا يختلف عن هذا؟
الشيخ: نعم، من لم يبغض الكافر والفاسق؛ يعني لكفره وفسوقه هو هذا.
طالب: المعنى واحد؟
الشيخ: نعم، من لم يبغض الكافر ويكفره، ويعتقد إنه على كفر، فإنه ليس بمؤمن، ولهذا من نواقض الإسلام من لم يكفر المشركين أوشك في كفرهم، أو صحَّ مذهبهم، فهو كافر مثلهم، وتكفيرهم يقتضي بغضهم، وعدم تكفيرهم يقتضي حبهم.
قال رحمه الله: " وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا وَمَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا»كُلُّهُ مِنْ هَذَا الْبَابِ لَا يَقُولُهُ إلَّا لِمَنْ تَرَكَ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَوْ فَعَلَ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ؛ فَيَكُونُ قَدْ تَرَكَ مِنْ الْإِيمَانِ الْمَفْرُوضِ عَلَيْهِ مَا يَنْفِي عَنْهُ الِاسْمَ لِأَجْلِهِ فَلَا يَكُونُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلْوَعْدِ السَّالِمِينَ مِنْ الْوَعِيدِ"
يقول المؤلف رحمه الله: القاعدة؛ قاعدة مضطردة: أن كل من نفي عنه الإيمان في النصوص فإنه يدل على أنه ترك واجبًا من واجبات الإيمان، وأنه مستحق للوعيد، معرضٌ للوعيد والعقوبة؛ كقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا وَمَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا»، رواه الإمام مسلم في صحيحه، كله من هذا الباب يدل على أن ترك الغش، وحمل السلاح نقص في الإيمان، وضعف في الإيمان، وصاحبه قد ترك واجبًا من واجبات الإيمان؛ وهو ترك الغش هذا واجب، المسلم يترك الغش، فإذا لم يترك الغش دلَّ على نقص في إيمانه، وأنه مرتكب لكبيرة معرضٌ للوعيد، وكذلك من حمل السلاح على المسلمين فهو معرضٌ للوعيد، كل يقوله المؤلف كله من هذا الباب، لا يقوله إلّاَ لمن ترك ما أوجب الله عليه، أو فعل ما حرم الله عليه، فالذي غش فعل ما حرم الله عليه فنقص إيمانه، وضعف إيمانه فصار معرضًا للوعيد، وكذلك الذي قد حمل السلاح فيكون قد ترك من الإيمان المفروض عليه ما ينفى عنه الاسم لأجله، يكون الذي حمل السلاح، والذي فعل الغش، وعمل الغش ترك من الإيمان المفروض عليه ما ينفع المسلمين، الإيمان الذي فرضه الله عليه أن يترك الغش، فرض الله على المؤمن أن يترك الغش، وفرض الله على المؤمن أن لا يحمل السلاح على المؤمنين، فإذا غش أو حمل السلاح فإنه ترك واجبًا من واجبات الإيمان، وفرضًا من فروض الإيمان، ينفى عنه اسم الإيمان لأجله؛ لأنه ترك هذا الواجب وبالتالي لا يكون من المؤمنين المستحقين للوعد المطلق وليسوا من أهل الوعيد، بل يكون من المؤمنين الذي نقص إيمانهم، وضعف إيمانهم بسبب فعل الكبائر، أو كبيرة فصار من المستحقين للوعيد الذي يكون المؤمنين تحت مشيئة الله، إن شاء الله عفا عنهم، وغفر لهم، وإن شاء عذبهم إلَّا التوبة.
طالب: التفاوت؟
الشيخ :تتفاوت هذه الواجبات لا شك أنها تتفاوت، الكبائر تتفاوت.
طالب: ولو نفي الإيمان لنص واحد؟
الشيخ: نعم، لا شك أن الأعمال تتفاوت، والواجبات تتفاوت، والكبائر تتفاوت قد يدخل النار لسبب فعله لعدة كبائر، وقد يدخل النار بسبب كبيرة واحدة، ولهذا فإن المؤمنين الذين يدخلون النار يخرجون منه لكن قد يتأخرون بعضهم يتأخر خروجه من النار بسبب كثرة معاصيهم ، وجرائمهم، أو بسبب فحشها، وقد يخرج أحدهم قبل الآخر لقلة جرائمه، أو لعدم فحشه.
طالب: لكن أحسن الله عليكم، هي واحدة؛ أقصد قوله: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا وَمَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا»، وقد ذكر القاعدة لكل من نفي عنه الإيمان في النصوص فهو تارك لواجب مثل الزنا، مثل شرب الخمر.
الشيخ: مثل لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، لا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو المؤمن.
طالب: هنا نفي للإيمان «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا "؛ نفي للإيمان،؟ "وَمَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ»
الشيخ: نعم.
طالب: لكن بينها تفاوت في ذاتها؟
الشيخ: هذه كلها كبائر، والكبائر تتفاوت؛ معلوم أن القتل من أعظم الكبائر أعظم من الزنا، والسرقة، ولهذا، رتب الله هذه الكبائر الثلاث ذكر الشرك، ثم ذكر القتل، ثم ذكر الزنا، فهي تتفاوت لا شك أنها تتفاوت، الكبائر تتفاوت، والمعاصي تتفاوت، والطاعات تتفاوت.
طالب: أحسن الله إليكم، ونفع بعلمكم.