شعار الموقع
  1. الصفحة الرئيسية
  2. الدروس العلمية
  3. العقيدة
  4. شرح كتاب الإيمان الكبير
  5. شرح كتاب الإيمان الكبير_8 من قوله وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ... - الى قوله رحمه الله: "أَوْ يَأْتِي بِحَسَنَاتِ تَمْحُوهَا أَوْ يُبْتَلَى بِبَلَاءِ يُكَفِّرُهَا عَنْهُ

شرح كتاب الإيمان الكبير_8 من قوله وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ... - الى قوله رحمه الله: "أَوْ يَأْتِي بِحَسَنَاتِ تَمْحُوهَا أَوْ يُبْتَلَى بِبَلَاءِ يُكَفِّرُهَا عَنْهُ

00:00
00:00
تحميل
120

(المتن)

وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47) وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50) إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51)} [النور: 47 - 51].

فَهَذَا حُكْمُ اسْمِ الْإِيمَانِ إذَا أُطْلِقَ فِي كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ؛ فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ فِعْلَ الْوَاجِبَاتِ وَتَرْكَ الْمُحَرَّمَاتِ، وَمَنْ نَفَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ عَنْهُ الْإِيمَانَ؛ فَلَابُدَّ أَنْ يَكُونَ قَدْ تَرَكَ وَاجِبًا أَوْ فَعَلَ مُحَرَّمًا، فَلَا يَدْخُلُ فِي الِاسْمِ الَّذِي يَسْتَحِقُّ أَهْلُهُ الْوَعْدَ دُونَ الْوَعِيدِ؛ بَلْ يَكُونُ مِنْ أَهْلِ الْوَعِيدِ.

الشرح:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وصلَّى الله وسلَّم وبارك على عبد الله ورسوله نبيِّنا محمَّد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد:

فالمؤلِّف رحمه الله يبيِّن في هذه الآيات التي ذكرها: أنَّ اسم الإيمان إذا أُطلق فإنه يتناول فعلُ الواجبات وترك المحرَّمات، وهذا هو الذي يكون صاحبه له الوعد المطلق، وهو الذي يدخل الجنة من أوَّلِ وهلة، وهو الذي أدى الواجبات وترك المحرَّمات.

أمَّا إذا نُفي الإيمان فإنما يُنفى لترك واجب من واجبات الإيمان، أو لفعل محرَّمٍ حرَّمه الله ورسوله، والإيمان يقتضي تركه، أو يكون نُفي عنه الإيمان أصلًا؛ لأنَّه لم يكن عنده شيءٌ من الإيمان إذا كان من أهل الشرك وأهل النفاق، كما في هذه الآيات التي ذكرها المؤلِّف رحمه الله.

فإن هذه الآيات للمنافقين هذه أوصاف المنافقين، وهذه الآيات من سورة النور، وهي قول الله تعالى: "{وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ}[النور:47]، نفى الله عنهم الإيمان، كيف يقولون أمنا بالله وبالرسول بألسنتهم وأفواههم واطعنا ثم بعد ذلك يتولون ويعرضون، {وَإِذَا دُعُوا إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إلَيْهِ مُذْعِنِينَ} [النور:48،49]، هذه أوصاف المنافقين، إذا دعوا إلى الله ورسوله ليتحاكموا إلى كتاب الله وسنة رسوله، اعرضوا وإذا كان لهم الحق أذعنوا.

وبين الله سبحانه وتعالى الحال لهم على ذلك أنه مرض النفاق والشك ولذلك قال: {أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ}[النور:50]، يعني ما حملهم على ذلك، إلى المرض، مرض النفاق، والريب والشك، هل يخافون أن يحيف الله يظلمهم، يعني الحيفة والظلم، أن يكون عليهم ظلم من الله ورسوله ثم حكم عليهم بظلم قال: {بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [النور:50]، وهذه فيها الحصر.

وهذا يدل على أن هؤلاء منافقون ليس عندهم شيء من الإيمان ثم بين أوصاف المؤمنين حقًا، قال: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [النور:51]، هذا وصفهم المؤمن يقول سمعنا وأطعنا، {وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [النور:51]، حصر الفلاح فيهم، فهذه الآيات فيها وصف المنافقين، وفيها وصف مؤمنين.

يقول المؤلف تعليقًا على هذه الآيات: " فَهَذَا حُكْمُ اسْمِ الْإِيمَانِ إذَا أُطْلِقَ فِي كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ؛ فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ فِعْلَ الْوَاجِبَاتِ وَتَرْكَ الْمُحَرَّمَاتِ" والذي يفعل الواجبات ويترك المحرمات هو المؤمن بإطلاق، وهو يدخل الجنة من أول وهلة وليس من أهل الوعيد.

ويقول المؤلف: " وأما وَمَنْ نَفَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ عَنْهُ الْإِيمَانَ؛ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قَدْ تَرَكَ وَاجِبًا أَوْ فَعَلَ مُحَرَّمًا" أو ليس عنده شيء من الإيمان، إما أنه ليس عنده شيء من الإيمان أصلًا، أو أن عنده أصل الإيمان ولكن إيمانه ضعيف لترك الواجب أو فعل المحرم، ولذلك لا يدخل في الاسم الذي يستحق اهله للوعد، ليس من أهل الوعيد، يكون من أهل الوعيد لأنه فعل كبيرة من الكبائر، ترك واجبًا أو فعل محرمًا، فيكون من أهل الوعيد ولا يكون من أهل الوعد.

(المتن)

قال رحمه الله: وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {حَبَّبَ إلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ}.

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِي: لَمَّا كَانَتْ الْمَعَاصِي بَعْضُهَا كُفْرٌ وَبَعْضُهَا لَيْسَ بِكُفْرِ فَرَّقَ بَيْنَهَا فَجَعَلَهَا ثَلَاثَةَ أَنْوَاعٍ: نَوْعٌ مِنْهَا كُفْرٌ وَنَوْعٌ مِنْهَا فُسُوقٌ وَلَيْسَ بِكُفْرِ وَنَوْعٌ عِصْيَانٌ وَلَيْسَ بِكُفْرِ وَلَا فُسُوقٍ.

وَأَخْبَرَ أَنَّهُ كَرَّهَهَا كُلَّهَا إلَى الْمُؤْمِنِينَ.

وَلَمَّا كَانَتْ الطَّاعَاتُ كُلُّهَا دَاخِلَةٍ فِي الْإِيمَانِ وَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ خَارِجٌ عَنْهُ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهَا فَيَقُولُ: حَبَّبَ إلَيْكُمْ الْإِيمَانَ وَالْفَرَائِضَ وَسَائِرَ الطَّاعَاتِ؛ بَلْ أَجْمَلَ ذَلِكَ فَقَالَ:{حَبَّبَ إلَيْكُمُ الْإِيمَانَ}.

فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ جَمِيعُ الطَّاعَاتِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حَبَّبَ إلَى الْمُؤْمِنِينَ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ وَسَائِرَ الطَّاعَاتِ حُبَّ تَدَيُّنٍ لِأَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ: أَنَّهُ حَبَّبَ ذَلِكَ إلَيْهِمْ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِهِمْ؛ لِقَوْلِهِ:{حَبَّبَ إلَيْكُمُ الْإِيمَانَ} وَيَكْرَهُونَ جَمِيعَ الْمَعَاصِي؛ الْكُفْرَ مِنْهَا وَالْفُسُوقَ وَسَائِرَ الْمَعَاصِي كَرَاهَةَ تَدَيُّنٍ لِأَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ: أَنَّهُ كَرَّهَ ذَلِكَ إلَيْهِمْ. وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ؛ فَهُوَ مُؤْمِنٌ} لِأَنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إلَى الْمُؤْمِنِينَ الْحَسَنَاتِ وَكَرَّهَ إلَيْهِمْ السَّيِّئَاتِ.

(الشرح)

المؤلِّف رحمه الله لا يزال يذكر الأمثلة والأدلة في الكتاب والسنة في بيان هذا الأمر وهو أن مسمى الإيمان يشمل فعل جميع الواجبات وترك المحرمات، وأن من فعل ذلك أطلق عليه اسم الإيمان، وأما من ترك شيء من ذلك فإنه ينفى عنه الإيمان لنقص إيمانه وضعفه، ولذلك قال المؤلف وكذلك قوله تعالى: {حَبَّبَ إلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ}[الحجرات:7].

و نقل عن مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِي، أن المعاصي على ثلاثة أنواع، بعضها كفر وبعضها فسوق وبعضها عصيان، وكلها كرهها الله للمؤمنين بأنواعها، أخبر الله أنه كرهها كلها إلى المؤمنين.

وأمَّا الطاعات فإنها كلها داخلة في الإيمان، لا يخرج شيء منها.

ولهذا فإن الطاعات كلها محببة للمؤمنين، فأجملها الله في قوله: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ} [الحجرات:7]، تحبيب الله الإيمان للمؤمن يدخل فيه جميع الطاعات؛ لأن الطاعات كلها من الإيمان، جميع الفرائض والواجبات والمستحبات كلها من الإيمان ومحببة للمؤمنين، فلا يفرق بينها ولذلك أجملها الله في قوله: {حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ} [الحجرات:7].

 قال المؤلف: "فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ جَمِيعُ الطَّاعَاتِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حَبَّبَ إلَى الْمُؤْمِنِينَ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ وَسَائِرَ الطَّاعَاتِ حُبَّ تَدَيُّنٍ لِأَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ: أَنَّهُ حَبَّبَ ذَلِكَ إلَيْهِمْ".

حب تدين يعني ليس حب طبع وهواء بل حب تدين؛ لأنَّ الله أخبر أنه حبب ذلك إليهم وزينه في قلوبهم، لقوله: {حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ} [الحجرات:7]، ويكرهون جميع المعاصي الكفر منها والفسوق وسائر المعاصي كراهة تدين، المؤمن يكرهها، كراهة تدين.

لا لكنه لا يحبها طبعًا، أو يكرهها طبعًا فالذي يكره مثلًا الخمر؛ لأنه لا يريده، ولكنه لو كان يرغبه لشربه، هذا لا يدلُّ على تركه للتدين، ولكن تركه؛ لأنه لا يوافق هواه، أو لأنه لا يقبله، والمؤمن أنما يتركها تديُّنًا، يترك المعاصي تديُّنًا، ويفعل الطاعات ويحب الطاعات تدينًا؛ لأن الله كره ذلك إليه.

فيقول المؤلف: "يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ؛ فَهُوَ مُؤْمِنٌ»".

وهذا جزء من حديث رواه الترمذي، وأحمد وحاكم وغيرهم.

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ؛ فَهُوَ مُؤْمِنٌ»؛ وذلك لأنَّ الله حبب إلى المؤمنين الحسنات وكره إليهم السيئات.

فعلى هذا المؤمن تسره حسنته، تسره حسنته وحسنت غيره أيضًا، وتسوؤه سيئته، السيئة التي تصدر منه وتصدر من غيره، فهو داخل فيها عموم، {حَبَّبَ إلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} [الحجرات:7].

(المتن)

قُلْت: وَتَكْرِيهُهُ جَمِيعَ الْمَعَاصِي إلَيْهِمْ يَسْتَلْزِمُ حُبَّ جَمِيعِ الطَّاعَاتِ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الطَّاعَاتِ مَعْصِيَةٌ وَلِأَنَّهُ لَا يَتْرُكُ الْمَعَاصِيَ كُلَّهَا إنْ لَمْ يَتَلَبَّسْ بِضِدِّهَا فَيَكُونُ مُحِبًّا لِضِدِّهَا وَهُوَ الطَّاعَةُ؛ إذْ الْقَلْبُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ إرَادَةٍ فَإِذَا كَانَ يَكْرَهُ الشَّرَّ كُلَّهُ؛ فَلَابُدَّ أَنْ يُرِيدَ الْخَيْرَ. وَالْمُبَاحُ بِالنِّيَّةِ الْحَسَنَةِ يَكُونُ خَيْرًا وَبِالنِّيَّةِ السَّيِّئَةِ يَكُونُ شَرًّا. وَلَا يَكُونُ فِعْلٌ اخْتِيَارِيٌّ إلَّا بِإِرَادَةِ؛ وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «أَحَبُّ الْأَسْمَاءِ إلَى اللَّهِ: عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَأَصْدَقُ الْأَسْمَاءِ: حَارِثٌ وَهَمَّامٌ وَأَقْبَحُهَا: حَرْبٌ وَمُرَّةُ».

وَقَوْلُهُ أَصْدَقُ الْأَسْمَاءِ: حَارِثٌ وَهَمَّامٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ إنْسَانٍ هَمَّامٌ حَارِثٌ وَالْحَارِثُ الْكَاسِبُ الْعَامِلُ. وَالْهَمَّامُ الْكَثِيرُ الْهَمِّ -وَهُوَ مَبْدَأُ الْإِرَادَةِ- وَهُوَ حَيَوَانٌ، وَكُلُّ حَيَوَانٍ حَسَّاسٌ مُتَحَرِّكٌ بِالْإِرَادَةِ فَإِذَا فَعَلَ شَيْئًا مِنْ الْمُبَاحَاتِ؛ فَلَابُدَّ لَهُ مِنْ غَايَةٍ يَنْتَهِي إلَيْهَا قَصْدُهُ.

وَكُلُّ مَقْصُودٍ إمَّا أَنْ يُقْصَدَ لِنَفْسِهِ وَإِمَّا أَنْ يُقْصَدَ لِغَيْرِهِ. فَإِنْ كَانَ مُنْتَهَى مَقْصُودِهِ وَمُرَادِهِ عِبَادَةَ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَهُوَ إلَهُهُ الَّذِي يَعْبُدُهُ لَا يَعْبُدُ شَيْئًا سِوَاهُ وَهُوَ أَحَبُّ إلَيْهِ مِنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ؛ فَإِنَّ إرَادَتَهُ تَنْتَهِي إلَى إرَادَتِهِ وَجْهَ اللَّهِ فَيُثَابُ عَلَى مُبَاحَاتِهِ الَّتِي يَقْصِدُ الِاسْتِعَانَةَ بِهَا عَلَى الطَّاعَةِ.

كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «نَفَقَةُ الرَّجُلِ عَلَى أَهْلِهِ يَحْتَسِبُهَا صَدَقَةً».

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ لَمَّا مَرِضَ بِمَكَّةَ وَعَادَهُ: «إنَّك لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إلَّا ازْدَدْت بِهَا دَرَجَةً وَرِفْعَةً حَتَّى اللُّقْمَةُ تَرْفَعُهَا إلَى فِي امْرَأَتِك».

وَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ لِأَبِي مُوسَى: إنِّي أَحْتَسِبُ نَوْمَتِي كَمَا أَحْتَسِبُ قَوْمَتِي. وَفِي الْأَثَرِ: نَوْمُ الْعَالِمِ تَسْبِيحٌ.

(الشرح)

يقول المؤلِّف رحمه الله تعليقًا على الحديث: «مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ؛ فَهُوَ مُؤْمِنٌ».

يقول: "وَتَكْرِيهُهُ جَمِيعَ الْمَعَاصِي"؛ تكريه الله تعالى للمؤمن جميع المعاصي، "يَسْتَلْزِمُ حُبَّ جَمِيعِ الطَّاعَاتِ".

والمعنى أنه كذلك أيضًا حب جميع الطاعات يستلزم تكريه المعاصي فهما متلازمان، فمَن أحبَّ الطاعات -جميع الطاعات- لابُدَّ أن يَكره المعاصي، يلزم هذا كُره المعاصي، ومَن كرِه المعاصي كلها يلزم حب الطاعات، فهما متلازمان.

يقول المؤلِّف في بيان ذلك: "لِأَنَّ تَرْكَ الطَّاعَاتِ مَعْصِيَةٌ"؛ فإذا كان ترْك الطاعة معصية صار لابُدَّ أن يستلزم لكراهة المعاصي.

"وَلِأَنَّهُ لَا يَتْرُكُ الْمَعَاصِيَ كُلَّهَا إلا من يَتَلَبَّسْ بِضِدِّهَا"؛ فالذي يترك المعاصي كلها لابُدَّ أن يتلبَّس بضدها، والذي يفعل الطاعات كلها، لابُدَّ أن يترك المعاصي، وإلا فإنه يكون نقص في حبه لجميع الطاعات.

ولهذا يقول المؤلف: "وَلِأَنَّهُ لَا يَتْرُكُ الْمَعَاصِيَ كُلَّهَا إلامن يَتَلَبَّسْ بِضِدِّهَا فَيَكُونُ مُحِبًّا لِضِدِّهَا وَهُوَ الطَّاعَةُ".

وبيان ذلك أن القلب لابُدَّ له من إرادة فإذا كان يكره الشر كله فلابُدَّ أن يريد الخير؛ لأنَّ القلب لابُدَّ فيه من إرادة الإنسان له إرادة، والإرادة لابد أن تكون إرادة للخير أو إرادة للشر، فإذا كان يكره الشر كله فلابُدَّ أن يكون يريد الخير، وإذا كان يريد الخير كله فلابد أن يكره الشَّر.

وأمَّا المباح، يقول المؤلِّف رحمه الله: "وَالْمُبَاحُ بِالنِّيَّةِ الْحَسَنَةِ يَكُونُ خَيْرًا وَبِالنِّيَّةِ السَّيِّئَةِ تكُونُ شَرًّا".

وهذا معروفٌ واضح، فإذا نام الإنسان مبكِّرًا ونوى بتبكيره في النوم أن يقوم لصلاة الفجر، أو يقوم للصلاة في آخر الليل، صار نومه عبادة، وكذلك إذا نام مبيت النيَّة للقيام في آخر الليل لإيذاء المسلمين أو للسرقة؛ وصار نومه معصية، وإن كان مباحًا.

فيقول المؤلِّف: "وَالْمُبَاحُ بِالنِّيَّةِ الْحَسَنَةِ يَكُونُ خَيْرًا وَبِالنِّيَّةِ السَّيِّئَةِ يَكُونُ شَرًّا وَلَا يَكُونُ فِعْلٌ اخْتِيَارِيٌّ إلَّا بِإِرَادَةِ".

الإنسان الذي له فعل الاختيار لابُدَّ له من إرادة تسبق هذا الفعل، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «أَحَبُّ الْأَسْمَاءِ إلَى اللَّهِ: عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَأَصْدَقُ الْأَسْمَاءِ: حَارِثٌ وَهَمَّامٌ وَأَقْبَحُهَا: حَرْبٌ وَمُرَّةُ». هذا الحديث رواه الإمام أحمد وأبو داود.

أحب الأسماء إلى الله: عبد الله وعبد الرحمن؛ لأنَّ هذا تعبير لله عز وجل، والله تعالى لفظ الله أعرف المعارف، وكل الأسماء تكون سمات الله وكذلك الرحمن ولا يسمى أحد بهذين الاسمين غير الله عز وجل.

"أَصْدَقُ الْأَسْمَاءِ: حَارِثٌ وَهَمَّامٌ"؛ لأنَّ الإنسان طبع على الهم، وكسب والعمل، وأقبحها حرب ومرة؛ لأنَّ الفرق واضح المعاني، لفظ الحرب، لفظ المرارة.

بَيَّنَ المؤلف رحمه الله معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أَصْدَقُ الْأَسْمَاءِ حَارِثٌ وَهَمَّامٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ إنْسَانٍ هَمَّامٌ حَارِثٌ وَالْحَارِثُ الْكَاسِبُ الْعَامِلُ. وَالْهَمَّامُ الْكَثِيرُ الْهَمِّ، والهم وَهُوَ مَبْدَأُ الْإِرَادَةِ، والإنسان حَيَوَانٌ، وَكُلُّ حَيَوَانٍ حَسَّاسٌ مُتَحَرِّكٌ بِالْإِرَادَةِ».

ولهذا كانت الأسماء حارث وهمام أصدق الأسماء؛ لأنه ينطبق على الإنسان، كل إنسان حارث وهمام، فإذا فعل هذا الشيء من المباحات فلابد له من إرادة وغاية، ما المقصود من هذا النوم لابد أن يكون له قصد وإرادة وغاية، فلابد له من غاية ينتهي بها قصده.

"وَكُلُّ مَقْصُودٍ إمَّا أَنْ يُقْصَدَ لِنَفْسِهِ وَإِمَّا أَنْ يُقْصَدَ لِغَيْرِهِ"؛ إما أن يقصد لنفسه وإما أن يقصد لغيره، "فَإِنْ كَانَ مُنْتَهَى مَقْصُودِه" ومراده عِبَادَةَ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَ -الله تعالى- هُوَ إلَهُهُ الَّذِي يَعْبُدُهُ لَا يَعْبُدُ شَيْئًا سِوَاهُ وَهُوَ أَحَبُّ إلَيْهِ مِنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ".

"فَإِنَّ إرَادَتَهُ تَنْتَهِي إلَى إرَادَتِهِ وَجْهَ اللَّهِ"؛ يكون مطيعًا لله، "فَيُثَابُ عَلَى مُبَاحَاتِهِ الَّتِي يَقْصِدُ الِاسْتِعَانَةَ بِهَا عَلَى الطَّاعَةِ"، واستدلَّ على ذلك المؤلِّف رَحِمَهُ اللهُ، بالحديث الصحيح: «نَفَقَةُ الرَّجُلِ عَلَى أَهْلِهِ يَحْتَسِبُهَا صَدَقَةً»؛ فهو يحتسبها؛ يعني ينوي للاحتساب، يعني يقصد وجه الله والدار الآخرة.

كذلك حديث آخر في الصحيحين، قصة سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، لَمَّا مَرِضَ بِمَكَّةَ وَعَادَهُ النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «إنَّك لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إلَّا أجرت عليها»، وفي اللفظ الذي ذكر بها: «إلا ازْدَدْت بِهَا دَرَجَةً وَرِفْعَةً حَتَّى اللُّقْمَةُ تَرْفَعُهَا إلَى فِي امْرَأَتِك».

والشاهد بقوله: «تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ»، هذا القصد والغاية.

وكذلك قول مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ لِأَبِي مُوسَى: "إنِّي أَحْتَسِبُ نَوْمَتِي كَمَا أَحْتَسِبُ قَوْمَتِي".

وعن أبي جبل وأبو موسى الأشعري، بعثه النبي صلى الله صلى الله عليه وسلم على الخلافة كل واحد له خلافة، خلافة الشمال وخلافة الجنوب ويزور أحداهما الآخر.

يقول مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ لِأَبِي مُوسَى: "إنِّي أَحْتَسِبُ نَوْمَتِي كَمَا أَحْتَسِبُ قَوْمَتِي".

الإنسان يحتسب يعني يقول معاذ رضي الله عنه: كما أني أحتسب لو قلت أني سأصلي، أحتسب النوم أيضًا، التطوع على طاعة الله، أحتسب النوم كما أحتسب قولي، كما إذا قمت أصلي في آخر الليل أحتسبه لوجه الله، فكذلك إذا نمت أحتسب بهذا النوم التقوى على طاعة الله، فيكون مأجور على نومه كما كان مأجور على قومته، مأجور على الصلاة إذا قام، ومأجور على النوم إذا نام.

بهذا الحساب يحتسب، والاحتساب لابُدَّ له من نيَّة وإرادة.

"وَفِي الْأَثَرِ: نَوْمُ الْعَالِمِ تَسْبِيحٌ".

هذا الأثر في كلام لأهل العلم، حاشيخ ذكره الغزالي في الأحياء، ولم يكن صحابي، ورُوي بلفظٍ آخر: "نوم الصائم تسبيح".

والشاهد: النائم إذا كان يحتسب بهذا النوم سواء كان صائم أو عالم، له أجر، أجر مسبِّح بسبب الاحتساب، وليحتسب وينوي أن ينام يتقوَّى به على طاعة الله، حتى إذا استيقظ ذكر الله وقرأ القرآن وتلا القرآن وصلى ودعاء إلى الله، وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر وتصدَّق وأحسن، فيكون نومه عبادة.

 قال رحمه الله: "وَإِنْ كَانَ أَصْلُ مَقْصُودِهِ عِبَادَةَ غَيْرِ اللَّهِ؛ لَمْ تَكُنْ الطَّيِّبَاتُ مُبَاحَةً لَهُ فَإِنَّ اللَّهَ أَبَاحَهَا لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ عِبَادِهِ؛ بَلْ الْكُفَّارُ وَأَهْلُ الْجَرَائِمِ وَالذُّنُوبِ وَأَهْلُ الشَّهَوَاتِ يُحَاسَبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى النِّعَمِ الَّتِي تَنَعَّمُوا بِهَا فَلَمْ يَذْكُرُوهُ وَلَمْ يَعْبُدُوهُ بِهَا وَيُقَالُ لَهُمْ: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ}.

وَقَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ}. أَيْ: عَنْ شُكْرِهِ وَالْكَافِرُ لَمْ يَشْكُرْ عَلَى النَّعِيمِ الَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِهِ فَيُعَاقِبُهُ عَلَى ذَلِكَ؛ وَاَللَّهُ إنَّمَا أَبَاحَهَا لِلْمُؤْمِنِينَ وَأَمَرَهُمْ مَعَهَا بِالشُّكْرِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ}.

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنْ الْعَبْدِ يَأْكُلُ الْأَكْلَةَ فَيَحْمَدُهُ عَلَيْهَا وَيَشْرَبُ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدُهُ عَلَيْهَا».

وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَه وَغَيْرِهِ: «الطَّاعِمُ الشَّاكِرُ بِمَنْزِلَةِ الصَّائِمِ الصَّابِرِ». وَكَذَلِكَ قَالَ لِلرُّسُلِ: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا}، وَقَالَ تَعَالَى: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ}، وَقَالَ الْخَلِيلُ: {وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}.

فَالْخَلِيلُ إنَّمَا دَعَا بِالطَّيِّبَاتِ لِلْمُؤْمِنِينَ خَاصَّةً وَاَللَّهُ إنَّمَا أَبَاحَ بَهِيمَةَ الْأَنْعَامِ لِمَنْ حَرَّمَ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ مِنْ الصَّيْدِ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَالْمُؤْمِنُونَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَيَشْكُرُوهُ.

(الشرح)

المؤلف رحمه الله لما ذكر الشق الأول أو القسم الأول من أقسام الناس وهم: الذين قصدوا بأعمالهم وعبادتهم وجه الله، وكذلك المباحات احتسبوا الأجر، احتسبوا في المباحات ونووا بها التقوِّي على طاعة الله؛ ذكر القسم الثاني وهو مَن كان مقصوده عبادة غير الله.

قال: "وَإِنْ كَانَ أَصْلُ مَقْصُودِهِ عِبَادَةَ غَيْرِ اللَّهِ؛ لَمْ تَكُنْ الطَّيِّبَاتُ مُبَاحَةً لَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ أَبَاحَهَا لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ عِبَادِهِ"؛ فالذي يقصد بعمله عبادة غير الله، ويأكل من الطيبات يكون هذا الأكل من الطيبات عدوان؛ لأنَّ الله أباح الأكل الطيب للمؤمنين ليتقوُّوا بها على طاعة الله، وهذا يتقووا بها على معصية الله فتكون الطيبات ليست مباحة له؛ لأن الله إنما أباحها للمؤمنين، قال تعال: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [المائدة:5] هو خطاب المؤمنين.

وقال في وصف نبيِّه صلى الله عليه  وسلم: أحلَّ لهم الطيبات، وحرَّم عليهم الخبائث، هم المؤمنون الذين يستعينون به على طاعة الله.

أمَّا ما كان مقصوده عبادة غير الله، فإن الطيبات ليست مباحة له؛ لأنه لا يستعين بها على طاعة الله، وإنما يستعين بها على معاصي الله، فإن الله أباح الطيِّبات للمؤمنين من عباده.

ولهذا قال المؤلف: "بَلْ الْكُفَّارُ وَأَهْلُ الْجَرَائِمِ وَالذُّنُوبِ وَأَهْلُ الشَّهَوَاتِ يُحَاسَبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى النِّعَمِ الَّتِي تَنَعَّمُوا بِهَا فَلَمْ يَذْكُرُوهُ وَلَمْ يَعْبُدُوهُ بِهَا".

فأهلُ الجرائمِ والكفَّار وأهل المعاصي الذين يستعينون بالطيِّبات على معاصي الله،لم يذكروا الله وذكر الله شامل للعباد كلها، فالعابد ذاكر لله، وغير الله ليس ذاكر لله، فهؤلاء أهل الشهوات وأهل  الجرائم والكفَّار لم يذكروا الله ولم يعبدوه بهذه الطيبات التي تنعَّموا بها، ويقال لهم يوم القيامة توبيخًا وتقريعًا: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ} [الأحقاف:20].

وهذا زيادة في تعليمهم؛ توبيخًا لهم وهم في النار -نسأل الله السلامة والعافية-، وقال تعالى: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر:8]؛ يعني عن شُكره، والكافر لم يشكر الله على النعيم الذي أنعم الله عليه به، فيعاقبه الله على ذلك.

ولهذا قال المؤلِّف على هذا: "وَاَللَّهُ إنَّمَا أَبَاحَهَا لِلْمُؤْمِنِينَ وَأَمَرَهُمْ مَعَهَا بِالشُّكْرِ" على الطيبات.

الطيِّبات الله أباحها للمؤمنين، ولم يبيحها للكُفَّار، وأَمر المؤمنين مع تَمتُّعهم بالمباحات أن يشكروه سبحانه؛ كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ} [البقرة:172]، فأمرهم بالأكل من الطيِّباتِ، وأَمرهم بالشُّكر، أمرهم بالأمرين معًا: الأكل من الطيبات، ثُمَّ الشُّكر لله بعد ذلك، وهم يستعينون بالطيِّبات على عبادة الله التي هي شُكرٌ لله.

"وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنْ الْعَبْدِ يَأْكُلُ الْأَكْلَةَ فَيَحْمَدُهُ عَلَيْهَا وَيَشْرَبُ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدُهُ عَلَيْهَا»".

فالمؤمن يأكل من الطيِّبات، ويتمتع بما أحلَّ الله له، ثُمَّ بعد ذلك يَشكُر الله عليها، هو يفعل  الأمرين: يأكل الأكلة ثُمَّ يحمده عليها، هذه عبادة، ويشرب الشربة هذا التمتع بالطيِّبات، فيحمده عليها.

"وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَه وَغَيْرِهِ: «الطَّاعِمُ الشَّاكِرُ بِمَنْزِلَةِ الصَّائِمِ الصَّابِرِ»".

الطاعم إذا شَكر الله فهو عابدٌ لله، فهو تناول المباحات بأمر الله ثُمَّ شَكر الله، كما أنَّ الصائم تعبَّد لله بالصوم وصَبر، فكذلك الطاعم تناول الطيِّبات بأمر الله وشَكر الله على ذلك.

"وَكَذَلِكَ قَالَ لِلرُّسُلِ: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا} [المؤمنون:51]"؛ يعني أنَّ الله تعالى أَمرَ المؤمنين بما أمر به مرسلين، فالمؤمنين أُمروا بالأكل من الطيِّبات، والشكر لله عز وجل، والرسل أُمروا بالأكل من الطيبات والعمل الصالح، والعمل الصالح هو: الشُّكر لله.

فالله تعالى أمر المؤمنين بما أمر بهم المرُّسُلين، فقال في حقِّ الرُّسُل: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا} [المؤمنون:51]، وقال في خطاب المؤمنين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ} [البقرة:172]، وَقَالَ تَعَالَى: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة:1].

فالله تعالى بيَّن في هذه الآية أنَّه أحلَّ بهيمة الأنعام، واستثنى ما تلاه عليهم سبحانه وتعالى: {غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة:1]، المحرم يحرُم عليه الصيد، والحلال أباح الله له الصيد، وكذلك قال سبحانه وتعالى.. قال على لسان الخليل -وهو إبراهيم عليه الصلاة والسلام: {وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [البقرة:126].

والشاهد هنا أنه قال: ارزقهم من الثمرات، هذه هي الطيبات، سأل الله عز وجل أن يرزقهم من الثمرات خص منهم المؤمنين، فقال: {مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [البقرة:126].

أمَّا الكافر فإنه لا يدخل في ذلك، ولذلك قال الله تعالى في حقِّ الكافر: {وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126)} [البقرة: 126].

فالجزء الأول الآية الأولى: {وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ} [البقرة:126]، مَن آمن بالله و اليوم الآخر هذا من كلام الخليل، كلام الله تعالى على لسان الخليل، وأمَّا الآية التي بعدها هذه من كلام الله، ومن كفر بقول الله: {وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [البقرة:126].

قال المؤلِّف رحمه الله: "فَالْخَلِيلُ إنَّمَا دَعَا بِالطَّيِّبَاتِ لِلْمُؤْمِنِينَ خَاصَّةً"؛ يعني في قوله: {وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [البقرة:126].

"فَالْخَلِيلُ إنَّمَا دَعَا بِالطَّيِّبَاتِ لِلْمُؤْمِنِينَ خَاصَّةً وَاَللَّهُ إنَّمَا أَبَاحَ بَهِيمَةَ الْأَنْعَامِ لِمَنْ حَرَّمَ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ مِنْ الصَّيْدِ وَهُوَ مُحْرِمٌ" في قوله: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة:1].

فالله أباح بهيمة الأنعام لمَن التزم بشرع الله، لمَن حرَّم ما حرَّم الله من الصيد وهو مُحرِم، "فَالْخَلِيلُ إنَّمَا دَعَا بِالطَّيِّبَاتِ لِلْمُؤْمِنِينَ خَاصَّةً" فدلَّ هذا على الطيبات إنما أحلَّها الله للمؤمنين، وأمَّا غير المؤمنين فليست لهم حلال، والمؤمنون أمرهم الله أن يأكلوا من الطيِّبات وأن يشكروه.

(المتن)

وَلِهَذَا مَيَّزَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بَيْنَ خِطَابِ النَّاسِ مُطْلَقًا وَخِطَابِ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168) إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (169) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (170)} [البقرة: 168، 170].

فَإِنَّمَا أَذِنَ لِلنَّاسِ أَنْ يَأْكُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ بِشَرْطَيْنِ: أَنْ يَكُونَ طَيِّبًا وَأَنْ يَكُونَ حَلَالًا.

ثُمَّ قَالَ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172) إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ} [البقرة: 172، 173].

فَأَذِنَ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الْأَكْلِ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْحِلَّ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَمْ يُحَرِّمْ عَلَيْهِمْ إلَّا مَا ذَكَرَهُ؛ فَمَا سِوَاهُ لَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يَكُنْ أَحَلَّهُ بِخِطَابِهِ؛ بَلْ كَانَ عَفْوًا كَمَا فِي الْحَدِيثِ عَنْ سَلْمَانَ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا: «الْحَلَالُ مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ مِمَّا عُفِيَ عَنْهُ».

(الشرح)

هنا المؤلِّف رحمه الله بيَّن فيما سبق أنَّ الله تعالى أحل الطيبات للمؤمنين؛ ليستعينوا بها على طاعته، وأمَّا الكُفَّار فإن الله لم يحلَّها لهم؛ لأنهم يستعينون بها على معصيته.

قال المؤلِّف رحمه الله: "وَلِهَذَا مَيَّزَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بَيْنَ خِطَابِ النَّاسِ مُطْلَقًا وَخِطَابِ الْمُؤْمِنِينَ".

فالله تعالى خاطب الناس مطلقًا، وأمرهم بالأكل مما في الأرض حلالًا طيبًا فقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [البقرة:168].

يقول المؤلِّف رحمه الله: "فَإِنَّمَا أَذِنَ لِلنَّاسِ أَنْ يَأْكُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ بِشَرْطَيْنِ: أَنْ يَكُونَ طَيِّبًا، وَأَنْ يَكُونَ حَلَالًا".

وأمَّا خطاب الله تعالى للمؤمنين فإن الله تعالى أمرهم بالأكل من الطيِّبات والشُّكر له سبحانه وتعالى فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة:172].

يقول المؤلِّف رحمه الله: "فَأَذِنَ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الْأَكْلِ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْحِلَّ"؛ لأنَّ الأصل أنها حلال لهم، لأن الله خَلق ما في الأرض ليستعينوا به على طاعة الله، {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة:29].

وأمَّا الناس جميعًا فإن الله أحلَّ لهم الأكل بهذين الشرطين، أن يكون طيبًا وأن يكون حلالًا، إذا وجَّه الخطاب لعموم الناس، وأمَّا إذا وجَّه الخطاب للمؤمنين فإن الله أذن لهم في الأكل من الطيِّبات ولم يشترط الحلِّ؛ لأن الأصل أنه حلال لهم، الطيبات إنما أُحلِّت لهم ليستعينوا بها على طاعة الله.

"وَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَمْ يُحَرِّمْ عَلَيْهِمْ إلَّا مَا ذَكَرَهُ"؛ في قوله: {إنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ}[البقرة:173]، "فَمَا سِوَاهُ لَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يَكُنْ أَحَلَّهُ بِخِطَابِهِ؛ بَلْ كَانَ عَفْوًا كَمَا فِي الْحَدِيثِ عَنْ سَلْمَانَ الفارسي مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا: «الْحَلَالُ مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ مِمَّا عُفِيَ عَنْهُ»، وهذا يشهد لحديث أَبِي ثَعْلَبَةَ الذي سيذكره المؤلف، نعم.

القارئ: لكن هذا الحديث صحيح مرفوعًا؟

الشيخ: المؤلِّف رحمه الله يقول: هو مرفوعًا، وموقوفًا بين موقوفًا ومرفوعًا، ذكر في الحاشية: أنه رواه ابن ماجه مرفوعًا، ولكنه في المستدرك يحتاج إلى مراجعة.

(المتن)

وَفِي حَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنَّ اللَّهَ فَرَضَ فَرَائِضَ فَلَا تُضَيِّعُوهَا، وَحَدَّ حُدُودًا فَلَا تَعْتَدُوهَا، وَحَرَّمَ حُرُمَاتٍ فَلَا تَنْتَهِكُوهَا، وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ رَحْمَةً لَكُمْ غَيْرَ نَسْيَانٍ فَلَا تَبْحَثُوا عَنْهَا».

وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً} [الأنعام: 145].

نَفَى التَّحْرِيمَ عَنْ غَيْرِ الْمَذْكُورِ فَيَكُونُ الْبَاقِي مَسْكُوتًا عَنْ تَحْرِيمِهِ عَفْوًا، وَالتَّحْلِيلُ إنَّمَا يَكُونُ بِخِطَابِ؛ وَلِهَذَا قَالَ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ الَّتِي أُنْزِلَتْ بَعْدَ هَذَا: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} إلَى قَوْلِهِ: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} [المائدة: 4،5].

فَفِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أُحِلَّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتُ وَقَبْلَ هَذَا لَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا عَلَيْهِمْ إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ.

(الشرح)

المؤلِّف رحمه الله لا يزال يبيِّن أنَّ الله تعالى أحلَّ الطيبات للمؤمنين، وأن الأصل أنها حلٌّ لهم، ثُمَّ بعد ذلك نزلت الآية أنها أول مما سكت عنه، ثُمَّ بيَّن الله تعالى بعد ذلك أنَّه أحلَّ الطيبات في ذلك اليوم في قوله سبحانه وتعالى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [المائدة:5]، وقبل ذلك نفى التحريم عن غير المذكورات في الآية: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ به} [الأنعام:145].

"نَفَى التَّحْرِيمَ عَنْ غَيْرِ الْمَذْكُورِ فَيَكُونُ الْبَاقِي مَسْكُوتًا عَنْ تَحْرِيمِهِ عَفْوًا، وَالتَّحْلِيلُ إنَّمَا يَكُونُ بِخِطَابِ؛ وَلِهَذَا قَالَ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ الَّتِي أُنْزِلَتْ بَعْدَ هَذَا: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} إلَى قَوْلِهِ: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} [المائدة: 4،5].

فَفِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أُحِلَّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتُ وَقَبْلَ هَذَا لَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا عَلَيْهِمْ إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ".

وأمَّا عموم الناس فإن الله تعالى إنما أذن لهم أن يأكلوا بشرطين: أن يكون طيِّبًا وأن يكون حلالًا، كما سبق في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا} [البقرة:168]، وتبيَّن بهذا أنَّ الطيبات إنما أحلَّها الله تعالى للمؤمنين؛ ليستعينوا به على طاعته وأما غيرهم فهم غير المؤمنين وهم الكُفَّار فإن الله لم يحلَّها لهم لأنهم يستعينون بها على معاصيه.

القارئ: في مفهوم الآية فيما يجوز {مَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا }[الأنعام:145]، مفهوم هذا الحصر على إطلاقه هكذا؟

الشيخ: نعم حين نزول الآية.

(المتن)

وَقَدْ «حَرَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَكُلَّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ»، وَلَمْ يَكُنْ هَذَا نَسْخًا لِلْكِتَابِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَ لَمْ يُحِلَّ ذَلِكَ، وَلَكِنْ سَكَتَ عَنْ تَحْرِيمِهِ، فَكَانَ تَحْرِيمُهُ ابْتِدَاءَ شَرْعٍ.

وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ مِنْ طُرُقٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ وَأَبِي ثَعْلَبَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِمْ: «لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَأْتِيهِ الْأَمْرُ مِنْ أَمْرِي مِمَّا أَمَرْت بِهِ أَوْ نَهَيْت عَنْهُ فَيَقُولُ: بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ هَذَا الْقُرْآنُ؛ فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَلَالٍ أَحْلَلْنَاهُ، وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَرَامٍ حَرَّمْنَاهُ، أَلَا وَإِنِّي أُوتِيت الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ».

وَفِي لَفْظٍ: «أَلَا وَإِنَّهُ مِثْلُ الْقُرْآنِ أَوْ أَكْثَرُ. أَلَا وَإِنِّي حَرَّمْت كُلَّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ».

فَبَيَّنَ أَنَّهُ أُنْزِلَ عَلَيْهِ وَحْيٌ آخَرُ وَهُوَ: الْحِكْمَةُ غَيْرَ الْكِتَابِ، وَأَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْوَحْيِ مَا أَخْبَرَ بِتَحْرِيمِهِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ نَسْخًا لِلْكِتَابِ؛ فَإِنَّ الْكِتَابَ لَمْ يُحِلَّ هَذِهِ قَطُّ؛ إنَّمَا أَحَلَّ الطَّيِّبَاتِ وَهَذِهِ لَيْسَتْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ.

وَقَالَ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 172]، فَلَمْ تَدْخُلْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْعُمُومِ؛ لَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ حَرَّمَهَا؛ فَكَانَتْ مَعْفُوًّا عَنْ تَحْرِيمِهَا؛ لَا مَأْذُونًا فِي أَكْلِهَا.

وَأَمَّا الْكُفَّارُ فَلَمْ يَأْذَنْ اللَّهُ لَهُمْ فِي أَكْلِ شَيْءٍ، وَلَا أَحَلَّ لَهُمْ شَيْئًا وَلَا عَفَا لَهُمْ عَنْ شَيْءٍ يَأْكُلُونَهُ؛ بَلْ قَالَ: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا} [البقرة: 168].

فَشَرَطَ فِيمَا يَأْكُلُونَهُ أَنْ يَكُونَ حَلَالًا؛ وَهُوَ الْمَأْذُونُ فِيهِ مِنْ جِهَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَاَللَّهُ لَمْ يَأْذَنْ فِي الْأَكْلِ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ بِهِ؛ فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُمْ فِي أَكْلِ شَيْءٍ إلَّا إذَا آمَنُوا.

وَلِهَذَا لَمْ تَكُنْ أَمْوَالُهُمْ مَمْلُوكَةً لَهُمْ مِلْكًا شَرْعِيًّا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ الشَّرْعِيَّ هُوَ: الْقُدْرَةُ عَلَى التَّصَرُّفِ الَّذِي أَبَاحَهُ الشَّارِعُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالشَّارِعُ لَمْ يُبِحْ لَهُمْ تَصَرُّفًا فِي الْأَمْوَالِ، إلَّا بِشَرْطِ الْإِيمَانِ؛ فَكَانَتْ أَمْوَالُهُمْ عَلَى الْإِبَاحَةِ.

فَإِذَا قَهَرَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ طَائِفَةً قَهْرًا يَسْتَحِلُّونَهُ فِي دِينِهِمْ وَأَخَذُوهَا مِنْهُمْ؛ صَارَ هَؤُلَاءِ فِيهَا كَمَا كَانَ أُولَئِكَ.

وَالْمُسْلِمُونَ إذَا اسْتَوْلَوْا عَلَيْهَا، فَغَنِمُوهَا مَلَكُوهَا شَرْعًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ أَبَاحَ لَهُمْ الْغَنَائِمَ، وَلَمْ يُبِحْهَا لِغَيْرِهِمْ، وَيَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يُعَامِلُوا الْكُفَّارَ فِيمَا أَخَذَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ بِالْقَهْرِ الَّذِي يَسْتَحِلُّونَهُ فِي دِينِهِمْ، وَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ بَعْضِهِمْ مَا سَبَاهُ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ اسْتِيلَائِهِ عَلَى الْمُبَاحَاتِ.

وَلِهَذَا سَمَّى اللَّهُ مَا عَادَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ إلَى الْمُسْلِمِينَ: فَيْئًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ أَفَاءَهُ إلَى مُسْتَحِقِّهِ أَيْ: رَدَّهُ إلَى الْمُؤْمِنِينَ بِهِ الَّذِينَ يَعْبُدُونَهُ وَيَسْتَعِينُونَ بِرِزْقِهِ عَلَى عِبَادَتِهِ؛ فَإِنَّهُ إنَّمَا خَلَقَ الْخَلْقَ لِيَعْبُدُوهُ وَإِنَّمَا خَلَقَ الرِّزْقَ لَهُمْ لِيَسْتَعِينُوا بِهِ عَلَى عِبَادَتِهِ.

وَلَفْظُ (الْفَيْءِ) قَدْ يَتَنَاوَلُ (الْغَنِيمَةَ) كَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَنَائِمِ حنين: «لَيْسَ لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إلَّا الْخُمُسُ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ».

لَكِنَّهُ لَمَّا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} [الحشر: 6]، صَارَ لَفْظُ (الْفَيْءِ) إذَا أُطْلِقَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ؛ فَهُوَ مَا أُخِذَ مِنْ مَالِ الْكُفَّارِ بِغَيْرِ إيجَافِ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، وَالْإِيجَافُ نَوْعٌ مِنْ التَّحْرِيكِ.

(الشرح)

يبيِّن المؤلف رحمه الله في هذا المقطع الذي سمعناه أنَّ الله سبحانه وتعالى لما أنزل آية المائدة: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ} [الأنعام:145] أنه سبحانه وتعالى نفى التحريم لغير هذه المذكورات، فيكون الباقي مسكوت عن تحريمه.

ثُمَّ جاء في السُّنَّة المطهرة أوحى إلى نبيِّه بتحريم:  «كُلَّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَكُلَّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ»، وليس هذا نسخًا للكتاب كما يقوله الأحناف: أن الزيادة على النص نسخ؛ "لِأَنَّ الْكِتَابَ لَمْ يُحِلَّ ذَلِكَ، وَلَكِنْ سَكَتَ عَنْ تَحْرِيمِهِ، فَكَانَ تَحْرِيمُهُ -في السُّنَّة- ابْتِدَاءَ شَرْعٍ" جديد.

كان التحريم بالسُّنَّة؛ أوحى الله إلى نبيِّه بتحريم «كُلَّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَكُلَّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ»، وكان قبل ذلك مسكوت عنه؛ لأن الكتاب لم يحل ذلك ولكن سكت عنه، الكتاب العزيز.

"فَكَانَ تَحْرِيمُهُ ابْتِدَاءَ شَرْعٍ، وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ مِنْ طُرُقٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ وَأَبِي ثَعْلَبَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ"؛

تحذير من ترك السنة والوعيد الشديد على مَن لم يعمل بالسنة، قال: «لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَأْتِيهِ الْأَمْرُ مِنْ أَمْرِي مِمَّا أَمَرْت بِهِ أَوْ نَهَيْت عَنْهُ فَيَقُولُ: بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ هَذَا الْقُرْآنُ؛ فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَلَالٍ أَحْلَلْنَاهُ وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَرَامٍ حَرَّمْنَاهُ أَلَا وَإِنِّي أُوتِيت الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ».

وقد وقع معه، حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم فإنه وجد بعض الناس يقولون: لا نعمل بالسنة ويكفينا القرآن، وسموا أنفسهم القرآنيين، هم لا يعملون إلا بالقرآن.

وترْك العمل بالسنة واعتقاد أنه لايجوز العمل بالسنة فهو رِدَّه -والعياذ بالله-.

ولأنهم لو كانوا يعملون بالقرآن لعملوا بالسُّنَّة  فالله تعالى في القرآن قد أمر بالعمل بالسُّنَّة؛ لقوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:7]، {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [التغابن:12]، قال: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران:31]، فالنبي صلى الله عليه وسلم بيَّن هذا قال: «لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَأْتِيهِ الْأَمْرُ مِنْ أَمْرِي مِمَّا أَمَرْت بِهِ أَوْ نَهَيْت عَنْهُ فَيَقُولُ: بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ هَذَا الْقُرْآنُ؛ فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَلَالٍ أَحْلَلْنَاهُ وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَرَامٍ حَرَّمْنَاهُ أَلَا وَإِنِّي أُوتِيت الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ» وهو: القرآن العزيز، «وَمِثْلَهُ مَعَهُ»، وهو: السُّنَّة المطهرة، فهو وحي آخر، وحيٌ ثاني، كما قال سبحانه: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3،4].

"وَفِي لَفْظٍ: «أَلَا وَإِنَّهُ مِثْلُ الْقُرْآنِ أَوْ أَكْثَرُ. أَلَا وَإِنِّي حَرَّمْت كُلَّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ»".

يقول المؤلف: "فَبَيَّنَ أَنَّهُ أُنْزِلَ عَلَيْهِ وَحْيٌ آخَرُ وَهُوَ: الْحِكْمَةُ"؛ وهي السُّنَّة "غَيْرَ الْكِتَابِ، وَأَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْوَحْيِ مَا أَخْبَرَ بِتَحْرِيمِهِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ نَسْخًا لِلْكِتَابِ؛ فَإِنَّ الْكِتَابَ لَمْ يُحِلَّ هَذِهِ قَطُّ"؛ ليس في الكتاب العزيز حل كل ذي ناب من سباع، وحل كل ذي مخلب من الطير، حتى يقال: جاءت السنن بنسخه؛ لأنه مسكوت عنه.

وبهذا يتبيَّن أن ليس هذا نسخًا وإنما هو ابتداء شرع جديد.

وقال سبحانه: "{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة:57]، فَلَمْ تَدْخُلْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْعُمُومِ؛ لَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ حَرَّمَهَا؛ فَكَانَتْ مَعْفُوًّا عَنْ تَحْرِيمِهَا".

يعني {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة:57]، هذه الآية عامة للأكل من الطيبات، وكل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير مسكوت عنه، فلم يكن سبحانه وتعالى حرَّمها فكان معفوًا عن تحريمها، ولم يكن مأذون في أكلها.

يعني لم يكن مأذون في أكلها ولم يكن الله تعالى حرمها فكان معفوًّا عنها مسكوت عنها، ثم جاءت السنة بتحريمها.

ولذلك قال المؤلف: "فَكَانَتْ مَعْفُوًّا عَنْ تَحْرِيمِهَا؛ لَا مَأْذُونًا فِي أَكْلِهَا، وَأَمَّا الْكُفَّارُ فَلَمْ يَأْذَنْ اللَّهُ لَهُمْ فِي أَكْلِ شَيْءٍ وَلَا أَحَلَّ لَهُمْ شَيْئًا وَلَا عَفَا لَهُمْ عَنْ شَيْءٍ يَأْكُلُونَهُ"؛ لأنهم لا يعبدون الله، ولأنهم يستعينون بها على معاصي الله، وعلى الكفر بالله، فأكلهم من الطيبات عدوان وظلم، لأنهم ما أذن لهم في أكل شيء ولا أحل لهم شيء حتى يؤمنوا، وهم مستمرون على كُفرهم ومعاصيهم ويكون أكلهم عدوان وتجاوز لحد الله وزيادة في إثمهم، وكُفرهم.

ولهذا قال المؤلف: "قال سبحانه: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا} [البقرة: 168]. فَشَرَطَ فِيمَا يَأْكُلُونَهُ أَنْ يَكُونَ حَلَالًا؛ وَهُوَ الْمَأْذُونُ فِيهِ مِنْ جِهَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَاَللَّهُ لَمْ يَأْذَنْ فِي الْأَكْلِ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ بِهِ؛ فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُمْ فِي أَكْلِ شَيْءٍ إلَّا إذَا آمَنُوا".

فإذا أكلوا قبل إيمانهم صار أكلهم عدوان وتعدي لحدود الله، وزيادة في كُفرهم وضلالهم.

 يقول المؤلف: " وَلِهَذَا لَمْ تَكُنْ أَمْوَالُهُمْ مَمْلُوكَةً لَهُمْ مِلْكًا شَرْعِيًّا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ الشَّرْعِيَّ هُوَ: الْقُدْرَةُ عَلَى التَّصَرُّفِ الَّذِي أَبَاحَهُ الشَّارِعُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالشَّارِعُ لَمْ يُبِحْ لَهُمْ تَصَرُّفًا فِي الْأَمْوَالِ، إلَّا بِشَرْطِ الْإِيمَانِ؛ فَكَانَتْ أَمْوَالُهُمْ عَلَى الْإِبَاحَةِ".

ولهذا فإن الله تعالى أباح للمؤمنين الغنائم -أموال الكُفَّار- إذا قاتلوا الكُفَّار، وغنموا أموالهم، كانت أموالهم غنيمة للمسلمين؛ لأنَّ هذه الأموال كانت في أيديهم يتصرَّفون بها على خلاف شرع الله، فكانت أموالهم على الإباحة؛ يعني مباحة للمؤمنين.

"فَإِذَا قَهَرَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ طَائِفَةً قَهْرًا يَسْتَحِلُّونَهُ فِي دِينِهِمْ وَأَخَذُوهَا مِنْهُمْ؛ صَارَ هَؤُلَاءِ فِيهَا كَمَا كَانَ أُولَئِكَ"؛ يعني إذا قهرت طائفة من الكُفَّار طائفة أخرى، وأخذوا ما بأيديهم من الأموال صارت الطائفة الثانية حُكمها حُكم الطائفة الأولى؛ ما بأيديهم من الأموال ليس حلًّا لهم، فإذا قاتلهم المسلمون أخذوا أموالهم التي في أيديهم؛ لأنها حلٌّ للمؤمنين يتصرَّفون فيها وِفْق شرع الله، بخلاف الكُفَّار فإنَّ الله لم يأذن لهم في التصرُّف فيها.

ولذلك قال المؤلف: "وَالْمُسْلِمُونَ إذَا اسْتَوْلَوْا عَلَيْهَا، فَغَنِمُوهَا مَلَكُوهَا شَرْعًا"، لأن الله تعالى أَذِن لهم في مُلكِها، بخلاف الكُفَّار فإن الله لم يأذن لهم، فلم يملكوها إلا بشرط الإيمان، "لِأَنَّ اللَّهَ أَبَاحَ لَهُمْ -للمؤمنين- الْغَنَائِمَ، وَلَمْ يُبِحْهَا لِغَيْرِهِمْ".

يقول المؤلِّف: "وَيَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يُعَامِلُوا الْكُفَّارَ فِيمَا أَخَذَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ بِالْقَهْرِ الَّذِي يَسْتَحِلُّونَهُ فِي دِينِهِمْ، وَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ بَعْضِهِمْ مَا سَبَاهُ مِنْ غَيْرِهِم؛ لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ اسْتِيلَائِهِ عَلَى الْمُبَاحَاتِ؛ وَلِهَذَا سَمَّى اللَّهُ مَا عَادَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ إلَى الْمُسْلِمِينَ: فَيْئًا".

والفيء:من فاء يفيء إذا رجع؛ "لِأَنَّ اللَّهَ أَفَاءَهُ إلَى مُسْتَحِقِّهِ".

فالأموال التي يغنمها المسلمين من الكُفَّار تسمَّى فيء؛ لأنها رجعت إلى أصحابها المستحقِّين لها، وهم المؤمنون، فيجوز للمؤمنين أن يشتروا من بعض ما سباه من غيرهم، فإذا سبا  طائفة من الكُفَّار طائفة أخرى جاز للمؤمنين أن يشتروا منه؛ لأنه بمنزلة الاستيلاء على المباحات، لأنَّ الله أباحها للمؤمنين،  ولم يبحها الكفار، وما عاد من أموال الكفار يسمى فيء؛ لأنه رجع إلى مستحقه، حيث "رَدَّهُ الله إلَى الْمُؤْمِنِينَ بِهِ الَّذِينَ يَعْبُدُونَهُ وَيَسْتَعِينُونَ بِرِزْقِهِ عَلَى عِبَادَتِهِ؛  والله إنَّمَا خَلَقَ الْخَلْقَ لِيَعْبُدُوهُ وَإِنَّمَا خَلَقَ الرِّزْقَ لَهُمْ لِيَسْتَعِينُوا بِهِ عَلَى عِبَادَتِهِ".

كما قال سبحانه وتعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56]، "وَإِنَّمَا خَلَقَ الرِّزْقَ لَهُمْ لِيَسْتَعِينُوا بِهِ عَلَى عِبَادَتِهِ".

ويقول المؤلف: "وَلَفْظُ (الْفَيْءِ) قَدْ يَتَنَاوَلُ (الْغَنِيمَةَ) كَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَنَائِمِ حنين: «لَيْسَ لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إلَّا الْخُمُسُ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ».

ولَمَّا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} [الحشر: 6]، صَارَ لَفْظُ (الْفَيْءِ) إذَا أُطْلِقَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ؛ فَهُوَ مَا أُخِذَ مِنْ مَالِ الْكُفَّارِ بِغَيْرِ إيجَافِ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، وَالْإِيجَافُ نَوْعٌ مِنْ التَّحْرِيكِوَلَفْظُ (الْفَيْءِ) قَدْ يَتَنَاوَلُ (الْغَنِيمَةَ) كَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَنَائِمِ حنين: «لَيْسَ لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إلَّا الْخُمُسُ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ».

لَكِنَّهُ لَمَّا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} [الحشر: 6]، صَارَ لَفْظُ (الْفَيْءِ) إذَا أُطْلِقَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ؛ فَهُوَ مَا أُخِذَ مِنْ مَالِ الْكُفَّارِ بِغَيْرِ إيجَافِ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، وَالْإِيجَافُ نَوْعٌ مِنْ التَّحْرِيم وَلَفْظُ (الْفَيْءِ) قَدْ يَتَنَاوَلُ (الْغَنِيمَةَ) كَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَنَائِمِ حنين: «لَيْسَ لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إلَّا الْخُمُسُ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ».

لَكِنَّهُ لَمَّا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} [الحشر: 6]، صَارَ لَفْظُ (الْفَيْءِ) إذَا أُطْلِقَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ؛ فَهُوَ مَا أُخِذَ مِنْ مَالِ الْكُفَّارِ بِغَيْرِ إيجَافِ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، وَالْإِيجَافُ نَوْعٌ مِنْ التَّحْرِيم وَلَفْظُ (الْفَيْءِ) قَدْ يَتَنَاوَلُ (الْغَنِيمَةَ) كَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَنَائِمِ حنين: «لَيْسَ لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إلَّا الْخُمُسُ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ».

لَكِنَّهُ لَمَّا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} [الحشر: 6]، صَارَ لَفْظُ (الْفَيْءِ) إذَا أُطْلِقَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ؛ فَهُوَ مَا أُخِذَ مِنْ مَالِ الْكُفَّارِ بِغَيْرِ إيجَافِ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، وَالْإِيجَافُ نَوْعٌ مِنْ التَّحْرِيم ولَفْظُ (الْفَيْءِ) قَدْ يَتَنَاوَلُ (الْغَنِيمَةَ) كَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَنَائِمِ حنين: «لَيْسَ لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إلَّا الْخُمُسُ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ».

لَكِنَّهُ لَمَّا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} [الحشر: 6]، صَارَ لَفْظُ (الْفَيْءِ) إذَا أُطْلِقَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ؛ فَهُوَ مَا أُخِذَ مِنْ مَالِ الْكُفَّارِ بِغَيْرِ إيجَافِ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، وَالْإِيجَافُ نَوْعٌ مِنْ التَّحْرِيم لَفْظُ (الْفَيْءِ) قَدْ يَتَنَاوَلُ (الْغَنِيمَةَ) كَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَنَائِمِ حنين: «لَيْسَ لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إلَّا الْخُمُسُ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ».

لَكِنَّهُ لَمَّا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} [الحشر: 6]، صَارَ لَفْظُ (الْفَيْءِ) إذَا أُطْلِقَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ؛ فَهُوَ مَا أُخِذَ مِنْ مَالِ الْكُفَّارِ بِغَيْرِ إيجَافِ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، وَالْإِيجَافُ نَوْعٌ مِنْ التَّحْرِيكِوَلَفْظُ (الْفَيْءِ) قَدْ يَتَنَاوَلُ (الْغَنِيمَةَ) كَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَنَائِمِ حنين: «لَيْسَ لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إلَّا الْخُمُسُ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ».

لَكِنَّهُ لَمَّا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} [الحشر: 6]، صَارَ لَفْظُ (الْفَيْءِ) إذَا أُطْلِقَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ؛ فَهُوَ مَا أُخِذَ مِنْ مَالِ الْكُفَّارِ بِغَيْرِ إيجَافِ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، وَالْإِيجَافُ نَوْعٌ مِنْ التَّحْرِيكِوَلَفْظُ (الْفَيْءِ) قَدْ يَتَنَاوَلُ (الْغَنِيمَةَ) كَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَنَائِمِ حنين: «لَيْسَ لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إلَّا الْخُمُسُ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ».

لَكِنَّهُ لَمَّا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} [الحشر: 6]، صَارَ لَفْظُ (الْفَيْءِ) إذَا أُطْلِقَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ؛ فَهُوَ مَا أُخِذَ مِنْ مَالِ الْكُفَّارِ بِغَيْرِ إيجَافِ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، وَالْإِيجَافُ نَوْعٌ مِنْ التَّحْرِيكِوَلَفْظُ (الْفَيْءِ) قَدْ يَتَنَاوَلُ (الْغَنِيمَةَ) كَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَنَائِمِ حنين: «لَيْسَ لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إلَّا الْخُمُسُ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ».

لَكِنَّهُ لَمَّا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} [الحشر: 6]، صَارَ لَفْظُ (الْفَيْءِ) إذَا أُطْلِقَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ؛ فَهُوَ مَا أُخِذَ مِنْ مَالِ الْكُفَّارِ بِغَيْرِ إيجَافِ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، وَالْإِيجَافُ نَوْعٌ مِنْ التَّحْرِيكِوَلَفْظُ (الْفَيْءِ) قَدْ يَتَنَاوَلُ (الْغَنِيمَةَ) كَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَنَائِمِ حنين: «لَيْسَ لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إلَّا الْخُمُسُ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ».

لَكِنَّهُ لَمَّا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} [الحشر: 6]، صَارَ لَفْظُ (الْفَيْءِ) إذَا أُطْلِقَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ؛ فَهُوَ مَا أُخِذَ مِنْ مَالِ الْكُفَّارِ بِغَيْرِ إيجَافِ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، وَالْإِيجَافُ نَوْعٌ مِنْ التَّحْرِيكِوَلَفْظُ (الْفَيْءِ) قَدْ يَتَنَاوَلُ (الْغَنِيمَةَ) كَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَنَائِمِ حنين: «لَيْسَ لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إلَّا الْخُمُسُ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ».

لَكِنَّهُ لَمَّا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} [الحشر: 6]، صَارَ لَفْظُ (الْفَيْءِ) إذَا أُطْلِقَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ؛ فَهُوَ مَا أُخِذَ مِنْ مَالِ الْكُفَّارِ بِغَيْرِ إيجَافِ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، وَالْإِيجَافُ نَوْعٌ مِنْ التَّحْرِيكِوَلَفْظُ (الْفَيْءِ) قَدْ يَتَنَاوَلُ (الْغَنِيمَةَ) كَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَنَائِمِ حنين: «لَيْسَ لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إلَّا الْخُمُسُ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ».

لَكِنَّهُ لَمَّا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} [الحشر: 6]، صَارَ لَفْظُ (الْفَيْءِ) إذَا أُطْلِقَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ؛ فَهُوَ مَا أُخِذَ مِنْ مَالِ الْكُفَّارِ بِغَيْرِ إيجَافِ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، وَالْإِيجَافُ نَوْعٌ مِنْ التَّحْرِيكِوَلَفْظُ (الْفَيْءِ) قَدْ يَتَنَاوَلُ (الْغَنِيمَةَ) كَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَنَائِمِ حنين: «لَيْسَ لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إلَّا الْخُمُسُ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ».

لَكِنَّهُ لَمَّا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} [الحشر: 6]، صَارَ لَفْظُ (الْفَيْءِ) إذَا أُطْلِقَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ؛ فَهُوَ مَا أُخِذَ مِنْ مَالِ الْكُفَّارِ بِغَيْرِ إيجَافِ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، وَالْإِيجَافُ نَوْعٌ مِنْ التَّحْرِيكِوَلَفْظُ (الْفَيْءِ) قَدْ يَتَنَاوَلُ (الْغَنِيمَةَ) كَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَنَائِمِ حنين: «لَيْسَ لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إلَّا الْخُمُسُ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ».

لَكِنَّهُ لَمَّا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} [الحشر: 6]، صَارَ لَفْظُ (الْفَيْءِ) إذَا أُطْلِقَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ؛ فَهُوَ مَا أُخِذَ مِنْ مَالِ الْكُفَّارِ بِغَيْرِ إيجَافِ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، وَالْإِيجَافُ نَوْعٌ مِنْ التَّحْرِيكِوَلَفْظُ (الْفَيْءِ) قَدْ يَتَنَاوَلُ (الْغَنِيمَةَ) كَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَنَائِمِ حنين: «لَيْسَ لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إلَّا الْخُمُسُ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ».

لَكِنَّهُ لَمَّا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} [الحشر: 6]، صَارَ لَفْظُ (الْفَيْءِ) إذَا أُطْلِقَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ؛ فَهُوَ مَا أُخِذَ مِنْ مَالِ الْكُفَّارِ بِغَيْرِ إيجَافِ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، وَالْإِيجَافُ نَوْعٌ مِنْ التَّحْرِيكِوَلَفْظُ (الْفَيْءِ) قَدْ يَتَنَاوَلُ (الْغَنِيمَةَ) كَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَنَائِمِ حنين: «لَيْسَ لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إلَّا الْخُمُسُ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ».

لَكِنَّهُ لَمَّا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} [الحشر: 6]، صَارَ لَفْظُ (الْفَيْءِ) إذَا أُطْلِقَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ؛ فَهُوَ مَا أُخِذَ مِنْ مَالِ الْكُفَّارِ بِغَيْرِ إيجَافِ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، وَالْإِيجَافُ نَوْعٌ مِنْ التَّحْرِيكِوَلَفْظُ (الْفَيْءِ) قَدْ يَتَنَاوَلُ (الْغَنِيمَةَ) كَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَنَائِمِ حنين: «لَيْسَ لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إلَّا الْخُمُسُ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ».

لَكِنَّهُ لَمَّا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} [الحشر: 6]، صَارَ لَفْظُ (الْفَيْءِ) إذَا أُطْلِقَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ؛ فَهُوَ مَا أُخِذَ مِنْ مَالِ الْكُفَّارِ بِغَيْرِ إيجَافِ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، وَالْإِيجَافُ نَوْعٌ مِنْ التَّحْرِيكِوَلَفْظُ (الْفَيْءِ) قَدْ يَتَنَاوَلُ (الْغَنِيمَةَ) كَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَنَائِمِ حنين: «لَيْسَ لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إلَّا الْخُمُسُ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ».

لَكِنَّهُ لَمَّا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} [الحشر: 6]، صَارَ لَفْظُ (الْفَيْءِ) إذَا أُطْلِقَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ؛ فَهُوَ مَا أُخِذَ مِنْ مَالِ الْكُفَّارِ بِغَيْرِ إيجَافِ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، وَالْإِيجَافُ نَوْعٌ مِنْ التَّحْرِيكِوَلَفْظُ (الْفَيْءِ) قَدْ يَتَنَاوَلُ (الْغَنِيمَةَ) كَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَنَائِمِ حنين: «لَيْسَ لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إلَّا الْخُمُسُ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ».

لَكِنَّهُ لَمَّا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} [الحشر: 6]، صَارَ لَفْظُ (الْفَيْءِ) إذَا أُطْلِقَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ؛ فَهُوَ مَا أُخِذَ مِنْ مَالِ الْكُفَّارِ بِغَيْرِ إيجَافِ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، وَالْإِيجَافُ نَوْعٌ مِنْ التَّحْرِيكِوَلَفْظُ (الْفَيْءِ) قَدْ يَتَنَاوَلُ (الْغَنِيمَةَ) كَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَنَائِمِ حنين: «لَيْسَ لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إلَّا الْخُمُسُ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ».

لَكِنَّهُ لَمَّا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} [الحشر: 6]، صَارَ لَفْظُ (الْفَيْءِ) إذَا أُطْلِقَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ؛ فَهُوَ مَا أُخِذَ مِنْ مَالِ الْكُفَّارِ بِغَيْرِ إيجَافِ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، وَالْإِيجَافُ نَوْعٌ مِنْ التَّحْرِيكِوَلَفْظُ (الْفَيْءِ) قَدْ يَتَنَاوَلُ (الْغَنِيمَةَ) كَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَنَائِمِ حنين: «لَيْسَ لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إلَّا الْخُمُسُ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ».

لَكِنَّهُ لَمَّا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} [الحشر: 6]، صَارَ لَفْظُ (الْفَيْءِ) إذَا أُطْلِقَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ؛ فَهُوَ مَا أُخِذَ مِنْ مَالِ الْكُفَّارِ بِغَيْرِ إيجَافِ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، وَالْإِيجَافُ نَوْعٌ مِنْ التَّحْرِيكِوَلَفْظُ (الْفَيْءِ) قَدْ يَتَنَاوَلُ (الْغَنِيمَةَ) كَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَنَائِمِ حنين: «لَيْسَ لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إلَّا الْخُمُسُ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ».

لَكِنَّهُ لَمَّا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} [الحشر: 6]، صَارَ لَفْظُ (الْفَيْءِ) إذَا أُطْلِقَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ؛ فَهُوَ مَا أُخِذَ مِنْ مَالِ الْكُفَّارِ بِغَيْرِ إيجَافِ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، وَالْإِيجَافُ نَوْعٌ مِنْ التَّحْرِيكِوَلَفْظُ (الْفَيْءِ) قَدْ يَتَنَاوَلُ (الْغَنِيمَةَ) كَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَنَائِمِ حنين: «لَيْسَ لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إلَّا الْخُمُسُ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ».

لَكِنَّهُ لَمَّا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} [الحشر: 6]، صَارَ لَفْظُ (الْفَيْءِ) إذَا أُطْلِقَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ؛ فَهُوَ مَا أُخِذَ مِنْ مَالِ الْكُفَّارِ بِغَيْرِ إيجَافِ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، وَالْإِيجَافُ نَوْعٌ مِنْ التَّحْرِيكِوَلَفْظُ (الْفَيْءِ) قَدْ يَتَنَاوَلُ (الْغَنِيمَةَ) كَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَنَائِمِ حنين: «لَيْسَ لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إلَّا الْخُمُسُ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ».

لَكِنَّهُ لَمَّا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} [الحشر: 6]، صَارَ لَفْظُ (الْفَيْءِ) إذَا أُطْلِقَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ؛ فَهُوَ مَا أُخِذَ مِنْ مَالِ الْكُفَّارِ بِغَيْرِ إيجَافِ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، وَالْإِيجَافُ نَوْعٌ مِنْ التَّحْرِيكِوَلَفْظُ (الْفَيْءِ) قَدْ يَتَنَاوَلُ (الْغَنِيمَةَ) كَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَنَائِمِ حنين: «لَيْسَ لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إلَّا الْخُمُسُ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ».

لَكِنَّهُ لَمَّا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} [الحشر: 6]، صَارَ لَفْظُ (الْفَيْءِ) إذَا أُطْلِقَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ؛ فَهُوَ مَا أُخِذَ مِنْ مَالِ الْكُفَّارِ بِغَيْرِ إيجَافِ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، وَالْإِيجَافُ نَوْعٌ مِنْ التَّحْرِيكِوَلَفْظُ (الْفَيْءِ) قَدْ يَتَنَاوَلُ (الْغَنِيمَةَ) كَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَنَائِمِ حنين: «لَيْسَ لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إلَّا الْخُمُسُ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ».

لَكِنَّهُ لَمَّا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} [الحشر: 6]، صَارَ لَفْظُ (الْفَيْءِ) إذَا أُطْلِقَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ؛ فَهُوَ مَا أُخِذَ مِنْ مَالِ الْكُفَّارِ بِغَيْرِ إيجَافِ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، وَالْإِيجَافُ نَوْعٌ مِنْ التَّحْرِيكِوَلَفْظُ (الْفَيْءِ) قَدْ يَتَنَاوَلُ (الْغَنِيمَةَ) كَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَنَائِمِ حنين: «لَيْسَ لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إلَّا الْخُمُسُ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ».

لَكِنَّهُ لَمَّا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} [الحشر: 6]، صَارَ لَفْظُ (الْفَيْءِ) إذَا أُطْلِقَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ؛ فَهُوَ مَا أُخِذَ مِنْ مَالِ الْكُفَّارِ بِغَيْرِ إيجَافِ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، وَالْإِيجَافُ نَوْعٌ مِنْ التَّحْرِيكِوَلَفْظُ (الْفَيْءِ) قَدْ يَتَنَاوَلُ (الْغَنِيمَةَ) كَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَنَائِمِ حنين: «لَيْسَ لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إلَّا الْخُمُسُ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ».

لَكِنَّهُ لَمَّا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} [الحشر: 6]، صَارَ لَفْظُ (الْفَيْءِ) إذَا أُطْلِقَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ؛ فَهُوَ مَا أُخِذَ مِنْ مَالِ الْكُفَّارِ بِغَيْرِ إيجَافِ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، وَالْإِيجَافُ نَوْعٌ مِنْ التَّحْرِيكِوَلَفْظُ (الْفَيْءِ) قَدْ يَتَنَاوَلُ (الْغَنِيمَةَ) كَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَنَائِمِ حنين: «لَيْسَ لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إلَّا الْخُمُسُ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ».

لَكِنَّهُ لَمَّا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} [الحشر: 6]، صَارَ لَفْظُ (الْفَيْءِ) إذَا أُطْلِقَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ؛ فَهُوَ مَا أُخِذَ مِنْ مَالِ الْكُفَّارِ بِغَيْرِ إيجَافِ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، وَالْإِيجَافُ نَوْعٌ مِنْ التَّحْرِيكِوَلَفْظُ (الْفَيْءِ) قَدْ يَتَنَاوَلُ (الْغَنِيمَةَ) كَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَنَائِمِ حنين: «لَيْسَ لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إلَّا الْخُمُسُ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ».

لَكِنَّهُ لَمَّا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} [الحشر: 6]، صَارَ لَفْظُ (الْفَيْءِ) إذَا أُطْلِقَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ؛ فَهُوَ مَا أُخِذَ مِنْ مَالِ الْكُفَّارِ بِغَيْرِ إيجَافِ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، وَالْإِيجَافُ نَوْعٌ مِنْ التَّحْرِيكِ".

-- ((@ كلمة غير مفهومة- )) --

يعني الفيء هو: ما أُخذ من مال الكُفَّار بدون قتال، والغنيمة هو: ما أُخذ من مال الكُفَّار بعد القتال، هذا في عرف الفقهاء وقد يطلق أحدهما على الأخر لكن الآية الحشر، دلت على هذا دلت على أن الفيء هو ما أخذه المؤمنون من الكفار بغير قتال، ودلت آية الأنفال على أن الغنيمة وهي ما أخذ من مال الكفار بعد القتال (واعلموا أن ما غنمتم من شيء فأن لله خمسه...) الآية.

القارئ: حديث «لَيْسَ لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إلَّا الْخُمُسُ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ» الحديث صحيح عند من ؟ كأني بالمستمع يحرص كثيرًا على مثل هذه الأمور ليقيدها معكم.

الشيخ: ذكر أنه رواه الأمام أحمد في مسند وبن الصامت والنسائي في كتاب الفيء، ومعنى الحديث أن الغنيمة والفيء يأخذ منه الخمس، ثم يقسم الخمس خمسة أخماس، الخمس الأول لله وللرسول والثاني لذي القربة قرابة وللرسول، والثالث لليتامى والرابع للمساكين، والخامس لأبن السبيل، فهو مردود عليهم، فالخمس لله وللرسول وفي مصالح المسلمين وخمس لقرابة الرسول وخمس لليتامى وخمس للمساكين وخمس لأبن السبيل فهو مردود عليهم.

القارئ: غير الأنفال؟

الشيخ: غير، الأنفال ما ينفل فيه، ما ينفله الإمام والقائد لبعض أفراد الجيش الذين لهم تأثير في العدو، هذا تنفيل من رأسه، هذا قبل قسمة الغير ثم بعد ذلك إذا أخذ الغنيمة يأخذ الخمس، ينزع الخمس، ويقسم خمسة أخماس، خمس لله وللرسول، وخمس لقرابة الرسول، وخمس لليتامى وخمس للمساكين، وخمس لأبن السبيل، وهذا -- ((@ كلمة غير مفهومة- 00:00)) --،  52:15

قال رحمه الله: "وَأَمَّا إذَا فَعَلَ الْمُؤْمِنُ مَا أُبِيحَ لَهُ قَاصِدًا لِلْعُدُولِ عَنْ الْحَرَامِ إلَى الْحَلَالِ لِحَاجَتِهِ إلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ يُثَابُ عَلَى ذَلِكَ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ. قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ يَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ: أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي الْحَرَامِ كَانَ عَلَيْهِ وِزْرٌ. فَكَذَلِكَ إذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ} . وَهَذَا كَقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يُؤْخَذَ بِرُخَصِهِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ} رَوَاهُ أَحْمَد وَابْنُ خُزَيْمَة فِي " صَحِيحِهِ " وَغَيْرُهُمَا. فَأَخْبَرَ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إتْيَانَ رُخَصِهِ كَمَا يَكْرَهُ فِعْلَ مَعْصِيَتِهِ. وَبَعْضُ الْفُقَهَاءِ يَرْوِيهِ: {كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ}. وَلَيْسَ هَذَا لَفْظَ الْحَدِيثِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الرُّخَصَ إنَّمَا أَبَاحَهَا اللَّهُ لِحَاجَةِ الْعِبَادِ إلَيْهَا وَالْمُؤْمِنُونَ يَسْتَعِينُونَ بِهَا عَلَى عِبَادَتِهِ؛

فَهُوَ يُحِبُّ الْأَخْذَ بِهَا لِأَنَّ الْكَرِيمَ يُحِبُّ قَبُولَ إحْسَانِهِ وَفَضْلِهِ؛ كَمَا قَالَ فِي حَدِيثِ: {الْقَصْرُ صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ}

الشيخ: في حديث قصر الصلاة.

القارئ: هو أدخلها عندنا في نفس القوس

" كَمَا قَالَ فِي حَدِيثِ: {الْقَصْرُ صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ}. وَلِأَنَّهُ بِهَا تَتِمُّ عِبَادَتُهُ وَطَاعَتُهُ. وَمَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْإِنْسَانُ مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ بَلْ يَفْعَلُهُ عَبَثًا؛ فَهَذَا عَلَيْهِ لَا لَهُ كَمَا فِي الْحَدِيثِ: {كُلُّ كَلَامِ ابْنِ آدَمَ عَلَيْهِ لَا لَهُ إلَّا أَمْرًا بِمَعْرُوفِ أَوْ نَهْيًا عَنْ مُنْكَرٍ أَوْ ذِكْرًا لِلَّهِ}.

يقول المؤلف رحمه الله: إن المؤمن إذا فعل ما أباحه الله له، وقصد بذلك أن يعدل عن الحرام إلى الحلال مع حاجته إليه فإنه يثاب بهذا القصد، وبهذه النية، لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: « إنَّما الأَعمالُ بالنِّيَّات، وإِنَّمَا لِكُلِّ امرئٍ مَا نَوَى» هذا كما سبق أن المباحات إذا فعلها المسلم ونوى بها التقوي على طاعة الله أو نوى بها الاستعانة على طاعة الله أو الوصول إلى الطاعة، فإنه يثاب، فإذا فعل المؤمن المباح الذي أباحه الله، وقصد بذلك العدول على الحرام إلى الحلال مع حاجته إليه فإنه يثاب على ذلك ويكون طاعة، بهذه النية، وإن كان حلال، ومثل بذلك المؤلف بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ» يعني البضعة الفرج بمعنى الجماع، يعني لو جامع الرجل زوجته كان له صدقة،  فقال الصحابة يا رسول الله كيف يأتي أحدنا شهوته ويكون له أجر فبين لهم النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ يَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ: أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي الْحَرَامِ كَانَ عَلَيْهِ وِزْرٌ. فَكَذَلِكَ إذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ»، والحديث رواه الأمام أحمد في مسنده والنسائي

 

القارئ: أصله في مسلم

الشيخ: ما أذكر الآن، ما ذكره أنه في مسلم أحتاج إلى مراجعة، الحديث ثابت الحديث صحيح وفيه أن المؤمن إذا فعل ما أحل الله له قاصدًا للتمتع بما أحل الله، وقصد العدول عن الحرام فإن يكون له أجر ولو كان حلالًا، بين لهم النبي «قَالَ: أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي الْحَرَامِ كَانَ عَلَيْهِ وِزْرٌ. فَكَذَلِكَ إذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ» ومثل أيضًا بمثال أخر قوله صلى الله عليه وسلم في حديث بن عمر «إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يُؤْخَذَ بِرُخَصِهِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ» قال المؤلف رواه الإمام أحمد وأبي خزيمة في صحيحه، وغيرهما وروى الأمام أحمد في مسند عن ابن عمر وابن خزيمة في صحيحه، فأخبر أن الله يحب إتيان الرخص كما يكره فعل معصيته.

ويقول المؤلف رحمه الله: بعض الفقهاء يرويه، «كما يُحِبُّ أَنْ تؤتى عزائمه» ذكر في الحاشيه أن هناك من روي به بهذا اللفظ، لكن المؤلف جزم بأن هذا ليس بصحيح، وأن لفظ الحديث كما يكره أن تؤتى معصيته لا كما يحب أن تؤتى عزائمه، وبين ذلك قال: "لِأَنَّ الرُّخَصَ إنَّمَا أَبَاحَهَا اللَّهُ لِحَاجَةِ الْعِبَادِ إلَيْهَا وَالْمُؤْمِنُونَ يَسْتَعِينُونَ بِهَا عَلَى عِبَادَة الله؛ فَهُوَ يُحِبُّ الْأَخْذَ بِهَا لِأَنَّ الْكَرِيمَ يُحِبُّ قَبُولَ إحْسَانِهِ وَفَضْلِهِ والله أكرم الأكرمي؛ كَمَا قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ قصر الصلاة، لما بين الله تعالى في كتابه قال سبحانه وتعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء:101].

فالله تعالى أشطرت القصر خوفًا فسأل الصحابة، سأل عمر رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم، وقال يا رسول الله، الله تعالى أشطرت الخوف إن خفتم ونحن أمنون كيف نقصر فقال صلى الله عليه وسلم «الْقَصْرُ صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ». تصدق الله عليكم بقصر الصلاة في حال الأمن، ولهذا قال العلماء أن القصر في حال الخوف ثبت في الكتاب العزيز، والقصر في حال الأمن ثبت في السنة، ولهذا لما قال: أقصر ونحن أمنون؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ». ولأنه بها تتم عبادته، وطاعته بالأخذ بالرخص، ومالا يحتاج إليه الإنسان من قول وعمل بل يفعله الإنسان عبثًا، على لا يكون له ولكن يكون عليه، إما أن يكون ذنبًا وإما أن يكون نقصًا فالذي يفعله الإنسان ويفعله عبثًا كالمبيحات التي يفعلها عبثًا وهو لا يريد بها طاعة ولا يقصد بها التقوي على طاعة الله ولا يقصد بها العدول عن الحرام من الحلال فهذا بين أحد أمرين إما أن يكون معصية وإما أن يكون نقصًا، ولهذا قال المؤلف عليه لا له، كما في الحديث: «كُلُّ كَلَامِ ابْنِ آدَمَ عَلَيْهِ لَا لَهُ إلَّا أَمْرًا بِمَعْرُوفِ أَوْ نَهْيًا عَنْ مُنْكَرٍ أَوْ ذِكْرًا لِلَّهِ» تعالى والحديث رواه بن ماجه كتاب الفتن عن أم حبيبه رضي الله عنها.

القارئ: أحسن الله أليكم ونفع بعلمكم.

توقفنا عند قول المؤلف: . وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ} . فَأَمَرَ الْمُؤْمِنَ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: إمَّا قَوْلُ الْخَيْرِ أَوْ الصُّمَاتُ. وَلِهَذَا كَانَ قَوْلُ الْخَيْرِ خَيْرًا مِنْ السُّكُوتِ عَنْهُ وَالسُّكُوتُ عَنْ الشَّرِّ خَيْرًا مِنْ قَوْلِهِ وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} .

وَقَدْ اخْتَلَفَ " أَهْلُ التَّفْسِيرِ " هَلْ يُكْتَبُ جَمِيعُ أَقْوَالِهِ؟ فَقَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ: يَكْتُبَانِ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَنِينَهُ فِي مَرَضِهِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ لَا يَكْتُبَانِ إلَّا مَا يُؤْجَرُ عَلَيْهِ أَوْ يُؤْزَرُ. وَالْقُرْآنُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا يَكْتُبَانِ الْجَمِيعَ؛ فَإِنَّهُ قَالَ: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ} نَكِرَةٌ فِي الشَّرْطِ مُؤَكَّدَةٌ بِحَرْفِ " مِنْ "؛ فَهَذَا يَعُمُّ كُلَّ قَوْلِهِ. وَأَيْضًا فَكَوْنُهُ يُؤْجَرُ عَلَى قَوْلٍ مُعَيَّنٍ أَوْ يُؤْزَرُ؛ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَعْرِفَ الْكَاتِبُ مَا أُمِرَ بِهِ وَمَا نُهِيَ عَنْهُ؛ فَلَا بُدَّ فِي إثْبَاتِ مَعْرِفَةِ الْكَاتِبِ بِهِ إلَى نَقْلٍ. وَأَيْضًا فَهُوَ مَأْمُورٌ إمَّا بِقَوْلِ الْخَيْرِ وَإِمَّا بِالصُّمَاتِ. فَإِذَا عَدَلَ عَمَّا أُمِرَ بِهِ مِنْ الصُّمَاتِ إلَى فُضُولِ الْقَوْلِ الَّذِي لَيْسَ بِخَيْرِ؛ كَانَ هَذَا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مَكْرُوهًا وَالْمَكْرُوهُ يَنْقُصُهُ.

وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مِنْ حُسْنِ إسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ». فَإِذَا خَاضَ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ؛ نَقَصَ مِنْ حُسْنِ إسْلَامِهِ فَكَانَ هَذَا عَلَيْهِ. إذْ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ مَا هُوَ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مُسْتَحِقًّا لِعَذَابِ جَهَنَّمَ وَغَضَبِ اللَّهِ بَلْ نَقْصُ قَدْرِهِ وَدَرَجَتِهِ عَلَيْهِ. وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} . فَمَا يَعْمَلُ أَحَدٌ إلَّا عَلَيْهِ أَوْ لَهُ فَإِنْ كَانَ مِمَّا أُمِرَ بِهِ كَانَ لَهُ. وَإِلَّا كَانَ عَلَيْهِ وَلَوْ أَنَّهُ يُنْقِصُ قَدْرَهُ. وَالنَّفْسُ طَبْعُهَا الْحَرَكَةُ لَا تَسْكُنُ قَطُّ؛ لَكِنْ قَدْ عَفَا اللَّهُ عَمَّا حَدَّثَ بِهِ الْمُؤْمِنُونَ أَنْفُسَهُمْ مَا لَمْ يَتَكَلَّمُوا بِهِ أَوْ يَعْمَلُوا بِهِ؛ فَإِذَا عَمِلُوا بِهِ دَخَلَ فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ. فَإِذَا كَانَ اللَّهُ قَدْ كَرَّهَ إلَى الْمُؤْمِنِينَ جَمِيعَ الْمَعَاصِي وَهُوَ قَدْ حَبَّبَ إلَيْهِمْ الْإِيمَانَ الَّذِي يَقْتَضِي جَمِيعَ الطَّاعَاتِ إذَا لَمْ يُعَارِضْهُ ضِدٌّ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ؛ فَإِنَّ الْمُرْجِئَةَ لَا تُنَازِعُ فِي أَنَّ الْإِيمَانَ الَّذِي فِي الْقَلْبِ يَدْعُو إلَى فِعْلِ الطَّاعَةِ وَيَقْتَضِي ذَلِكَ وَالطَّاعَةُ مِنْ ثَمَرَاتِهِ وَنَتَائِجِهِ لَكِنَّهَا تُنَازِعُ هَلْ يَسْتَلْزِمُ الطَّاعَةَ؟ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ يَدْعُو إلَى الطَّاعَةِ؛ فَلَهُ مُعَارِضٌ مِنْ النَّفْسِ وَالشَّيْطَانِ، فَإِذَا كَانَ قَدْ كَرَّهَ إلَى الْمُؤْمِنِينَ الْمُعَارِضَ كَانَ الْمُقْتَضِي لِلطَّاعَةِ سَالِمًا عَنْ هَذَا الْمُعَارِضِ.

فإن المؤلف رحمه الله يبين فيما سمعنا من هذا المقطع في كتاب الإيمان أن المؤمن يفعل الطاعات، ليتعبد لله عز وجل قبل لقاء الله والدار الآخرة، وكذلك أيضًا يفعل مبيحات، لا يفعلها عبثًا وإنما يفعلها عدولًا عن الحرام إلى الحلال لحاجته إليها وإنه لا يكون في حياة المؤمن فعل العبث، حتى المبيحات التي يتناولها الإنسان ويفعلها لا يفعلها عبثًا، يفعلها أما ليتقوى بها على طاعة الله فيثاب عليها وإما ليتمتع بما أحل الله لحاجته إليها عدولًا عن الحرام إلى الحلال وأما ما فعله الإنسان عبثًا فهذا يكون عليه لا يكون له، ثم استشهد المؤلف رحمه الله بما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم: « مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ»، فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر المؤمن بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: إمَّا قَوْلُ الْخَيْرِ أَوْ الصُّمَاتُ. وأحدهما خيرًا من الأخر فقَوْلُ الْخَيْرِ خَيْرًا مِنْ السُّكُوتِ عَنْهُ وَالسُّكُوتُ عَنْ الشَّرِّ خَيْرًا، من قول الشر ثم أستدل بعموم الآية، بعموم قول الله تعالى:{مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}[ق:18].

فالآية فيها أن كل قول يكتب، أختلف المفسرون هل تكتب جميع الأقوال أو يستثنى شيء من ذلك فقال بعض العلماء يكتب كل شيء حتى أنينه في مرضه، ويروى عن الإمام أحمد عندما كان في مرضه قيل له إن أو قال له بعض أقرانه أو بعض من حضره أن أنين المريض يكتب، فلم يئن أحمد رحمه الله، 

"وَقَالَ عِكْرِمَةُ لَا يَكْتُبَانِ إلَّا مَا يُؤْجَرُ عَلَيْهِ أَوْ يُؤْزَرُ." يعني لا يكتبان إلا ما يكون فيه أجر أو وزر، ولكن الآية عامة الصواب أن الآية عامة للمؤلف رحمه الله قال:" أن َالْقُرْآنُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا يَكْتُبَانِ الْجَمِيعَ" ووجه ذلك أن الآية فيها صيغة عموم، وذلك أن الآية أن كلمة قول نكرة جاءت في سياق الشرط، والقاعدة أصوليه أن النكرة إذا جاءت في سياق النفي أو النهي أو الشرط فإنها تعم.

إذا جاءت في سياق النفي أو النهي أو الشرط فإنها تعم، وهلا قد جاءت في سياق الشرط ووكلت بمن قال: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ} من قول: قول نكره، سبقها الشرط مثل قوله عليه الصلاة والسلام، قول علي ل 1:06:56  قال: ألا تدع ****** صورة هذه نكره في سياق النهي تعم، فكذلك هنا {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ} قول نكره في سياق الشر، وأكدت بحرف من، فدل على انها تعم كل القول يدخل في ذلك خيرًا أو شرًا، عدلًا أو وزرًا عام.

وأيد المؤلف رحمه الله هذا العموم في قوله: إن القول بالتخصيص يحتاج إلى دليل فلو قال قائل أنه يؤجر على قول معين، أو يؤزر على قول معين لأحتاج إلى دليل، ولهذا يحتاج إلى أن يعرف الكاتب ما أمر به وما نهي عنه وليس في الآية ما يدل على هذا.

وأيضًا يقول المؤلف: المؤمن مأمور أما بقول الخير أو يصمت عن الشر.

القارئ: الكاتب قصده الملك هنا

الشيخ: نعم الملك :{مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}[ق:18].

القارئ: يعرف الملك أن هذا خير فيكتبه بالحسنات.

الشيخ: نعم يعرف، الملك يكبت الحسنات والسيئات، يكتب الأقوال والأفعال والنيات، جعل الله له علامة ينبه ما يكون في نفس الإنسان وإذا كان المؤمن مأمور بقول الخير من الصفات ليصمت فَإِذَا عَدَلَ عَمَّا أُمِرَ بِهِ مِنْ الصُّمَاتِ إلَى فُضُولِ الْقَوْلِ الَّذِي لَيْسَ بِخَيْرِ؛ كَانَ هَذَا عَلَيْهِ لا له، فَإِنَّهُ يَكُونُ مَكْرُوهًا وَالْمَكْرُوهُ يَنْقُصُهُ.

ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مِنْ حُسْنِ إسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ» وهذا الحديث روي مرسلًا وروي مرفوعًا والمرسل أصح، لأن رواه مالك و الموطأ عن علي بن حسين، من باب حسن الخلق، حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، وله شواهد فإذا خاض الإنسان فيما لا يعنيه نقص من حسن إسلامه، فيكون هذا عليه، يكون نقص له، وإن لم يكن يعاقب عليه يكون نقص، يقول المؤلف: وليس بشرط النقص أن يكون مستحق للعذاب في جهنم وغضب الله عليه، بل نقص قدره ودرجته عليه كقوله عز وجل كما قال تعالى: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ}[البقرة:286]. فَمَا كَانَ مِمَّا أُمِرَ بِهِ كَانَ لَهُ. وَإِلَّا كَانَ عَلَيْهِ وَلَوْ كان ُنْقِصُ في قَدْرَهِ. والله سبحانه وتعالى طبع الإنسان على الحركة فالنفس طبعت على الحركة لا تسكن فلابد أن تتحرك إما بخير أو بشر، ولكن قد عفا الله عما حدث به المؤمنون أنفسهم قال:"ما لم يتكلموا به أو يعملوا به" وهذا من فضل الله وإحسانه.

فإذا عملوا دخل في الأمر والنهي، فَإِذَا كَانَ اللَّهُ قَدْ كَرَّهَ إلَى الْمُؤْمِنِينَ جَمِيعَ الْمَعَاصِي وَ حَبَّبَ إلَيْهِمْ الْإِيمَانَ الَّذِي يَقْتَضِي جَمِيعَ الطَّاعَاتِ إذَا لَمْ يُعَارِضْهُ ضِدٌّ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ، قال: "فَإِنَّ الْمُرْجِئَةَ لَا تُنَازِعُ فِي أَنَّ الْإِيمَانَ الَّذِي فِي الْقَلْبِ يَدْعُو إلَى فِعْلِ الطَّاعَةِ وَيَقْتَضِي ذَلِكَ وَالطَّاعَةُ مِنْ ثَمَرَاتِهِ وَنَتَائِجِهِ لَكِنَّهَم ينازعون استلزام الطاعة، هل يَسْتَلْزِمُ الإيمان الطاعة أم لا يستلزمها؟ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ يَدْعُو إلَى الطَّاعَةِ؛ لكنه مُعَارِضٌ مِنْ النَّفْسِ وَالشَّيْطَانِ، فَإِذَا كَانَ الله قَدْ كَرَّهَ إلَى الْمُؤْمِنِينَ الْمُعَارِضَ كَانَ الْمُقْتَضِي لِلطَّاعَةِ سَالِمًا عَنْ هَذَا الْمُعَارِضِ، إذا كان الله كره إلى المؤمن معارض الطاعات وهي المعاصي كان مقتضي الطاعة سالم عن المعارض، وهي فعل المعاصي لأن الله كرهه في فعل المعاصي.

قال رحمه الله: "وَأَيْضًا فَإِذَا كَرِهُوا جَمِيعَ السَّيِّئَاتِ لَمْ يَبْقَ إلَّا حَسَنَاتٌ أَوْ مُبَاحَاتٌ، وَالْمُبَاحَاتُ لَمْ تُبَحْ إلَّا لِأَهْلِ الْإِيمَانِ الَّذِينَ يَسْتَعِينُونَ بِهَا عَلَى الطَّاعَاتِ وَإِلَّا فَاَللَّهُ لَمْ يُبِحْ قَطُّ لِأَحَدِ شَيْئًا أَنْ يَسْتَعِينَ بِهِ عَلَى كُفْرٍ وَلَا فُسُوقٍ وَلَا عِصْيَانٍ؛ وَلِهَذَا لَعَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاصِرَ الْخَمْرِ وَمُعْتَصِرَهَا كَمَا لَعَنَ شَارِبَهَا، وَالْعَاصِرُ يَعْصِرُ عِنَبًا يَصِيرُ عَصِيرًا يُمْكِنُ أَنْ يُنْتَفَعَ بِهِ فِي الْمُبَاحِ لَكِنْ لَمَّا عَلِمَ أَنَّ قَصْدَ الْعَاصِرِ أَنْ يَجْعَلَهَا خَمْرًا؛ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُعِينَهُ بِمَا جِنْسُهُ مُبَاحٌ عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ بَلْ لَعَنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يُبِحْ إعَانَةَ الْعَاصِي عَلَى مَعْصِيَتِهِ وَلَا أَبَاحَ لَهُ مَا يَسْتَعِينُ بِهِ فِي الْمَعْصِيَةِ فَلَا تَكُونُ مُبَاحَاتٍ لَهُمْ إلَّا إذَا اسْتَعَانُوا بِهَا عَلَى الطَّاعَاتِ. فَيَلْزَمُ مِنْ انْتِفَاءِ السَّيِّئَاتِ أَنَّهُمْ لَا يَفْعَلُونَ إلَّا الْحَسَنَاتِ؛ وَلِهَذَا كَانَ مَنْ تَرَكَ الْمَعَاصِيَ كُلَّهَا فَلَا بُدَّ أَنْ يَشْتَغِلَ بِطَاعَةِ اللَّهِ. وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: {كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا}. فَالْمُؤْمِنُ لَا بُدَّ أَنْ يُحِبَّ الْحَسَنَاتِ وَلَا بُدَّ أَنْ يُبْغِضَ السَّيِّئَاتِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَسُرَّهُ فِعْلُ الْحَسَنَةِ وَيَسُوءَهُ فِعْلُ السَّيِّئَةِ وَمَتَى قَدَّرَ أَنَّ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ لَيْسَ كَذَلِكَ كَانَ نَاقِصَ الْإِيمَانِ."

الشيخ: هنا المؤلف رحمه الله يبين ويقرر أن المؤمن إنما يفعل الطاعات ويترك المعاصي ويفعل المباحات بقصد لا يفعلها عبثًا، وذلك أن الله سبحانه وتعالى لما حبب إليه الإيمان وكره الكفر والفسوق والعصيان، صار بعد ذلك إلا حسنات ومباحات، ولهذا قال المؤلف: "فَإِذَا كَرِهُوا المؤمنون جَمِيعَ السَّيِّئَاتِ كرهها الله إليهم، لَمْ يَبْقَ إلَّا حَسَنَاتٌ أَوْ مُبَاحَاتٌ"

والمباحات أباحها الله لأهل الإيمان الذين يسعينون بها على طاعة الله ولم يبيحها للكفار يستعين بها على كفر ولا على الفساق، لم يبيحها لليستعان بها على الكفر والفسوق والعصيان، ومن ذلك لعن النبي عاصر الخمر ومعتصرها وشاربها كما لعن شاربها لأن العاصر وإن كان يعصر عنبًا ولكن لما كان قصده بهذا المباح، معصية الله لعنه النبي صلى الله عليه وسلم، واللعن هو الطرد من رحمة الله فلا يعاد فيما جنس مباح  على معصية الله، فالعصر مباح، عصر العنب مباح لكن لما كان مستعين به على معصية الله ما أباح الله له ذلك، ولا أباح له ما يستعين به على المعصية،  فلا تكون مباحات إلا إذا استعانوا بها على طاعة الله، من عصر العنب يستعين به على طاعة الله ليشربه نبيذًا، الله أباح له ذلك، ومن عصره ليجعله خمرًا حرم الله ذلك، لأن الأول استعان به على طاعة الله، والثاني استعان به على معاصي الله.

يقول المؤلف رحمه الله: " فَيَلْزَمُ مِنْ انْتِفَاءِ السَّيِّئَاتِ أَنَّهُمْ لَا يَفْعَلُونَ إلَّا الْحَسَنَاتِ" إذا انتفت السيئات لازم انهم لا يفعلون الحسنات، لأنه عندما يفعل الحسنة أو يفعل المباح الذي يستعين به على الطاعة؛ فمن ترك المعاصي، ولهذا يقول المؤلف: "وَلِهَذَا كَانَ مَنْ تَرَكَ الْمَعَاصِيَ كُلَّهَا فَلَا بُدَّ أَنْ يَشْتَغِلَ بِطَاعَةِ اللَّهِ." لأنهما متقابلان، ومن ترك المعاصي لابد أن يشتغل بالطاعات ومن اشتغل بطاعة الله فلابد يترك المعاصي، ولهذا ثبت في الحديث الصحيح إذ رواه الإمام مسلم رحمه الله: «كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا». يعني كلهم يغدون يذهبون ويروحون ويجيئون ثم ينقسمون على قسمين، فبائع نفسه على الله عز وجل معتقها من النار، أو يوبقها في المعاصي والهلاك ويغمسها في النار، فالناس بين أحد أمرين يغدون ويروحون، فمنهم من يبيع نفسه لله فيعتقها من النار، ومنهم من يوبقها ويهلكها بالمعاصي والسيئات، فالمؤمن لابد أن يحب الحسنات ولابد أن يبغض السيئات ولابد أن يسره فعل الحسنة ويسوؤه فعل السيئات، هذا هو المؤمن فإذا اختل شيء من ذلك دل على نقص الإيمان، المؤمن الأصل فيه انه يحب الحسنات ويبغض السيئات، ويسره فعل الحسنة ويسوؤه فعل السيئة، فإذا قدر أنه حصل خلاف ذلك فلابد أن يكون هذا نقص في إيمان من حصل منه ذلك فمن لم يحب الحسنة ومن لم يبغض السيئة، ومن لم يسره فعل الحسنة، أو يسره السيئة كان هذا لنقص في إيمانه.

قال رحمه الله: "أَوْ يَأْتِي بِحَسَنَاتِ تَمْحُوهَا أَوْ يُبْتَلَى بِبَلَاءِ يُكَفِّرُهَا عَنْهُ وَلَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ كَارِهًا لَهَا؛ فَإِنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ أَنَّهُ حَبَّبَ إلَى الْمُؤْمِنِينَ الْإِيمَانَ وَكَرَّهَ إلَيْهِمْ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ فَمَنْ لَمْ يَكْرَهْ الثَّلَاثَةَ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ. وَلَكِنَّ " مُحَمَّدَ بْنَ نَصْرٍ " يَقُولُ: الْفَاسِقُ يَكْرَهُهَا تَدَيُّنًا. فَيُقَالُ: إنْ أُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّ دِينَهُ حَرَّمَهَا وَهُوَ يُحِبُّ دِينَهُ وَهَذِهِ مِنْ جُمْلَتِهِ؛ فَهُوَ يَكْرَهُهَا. وَإِنْ كَانَ يُحِبُّ دِينَهُ مُجْمَلًا وَلَيْسَ فِي قَلْبِهِ كَرَاهَةٌ لَهَا؛ كَانَ قَدْ عَدِمَ مِنْ الْإِيمَانِ بِقَدْرِ ذَلِكَ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ» .

وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ الَّذِي فِي الصَّحِيحِ أَيْضًا - " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " -: {فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ الْإِيمَانِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ} . فَعُلِمَ أَنَّ الْقَلْبَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ كَرَاهَةُ مَا يَكْرَهُهُ اللَّهُ؛ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مِنْ الْإِيمَانِ الَّذِي يَسْتَحِقُّ بِهِ الثَّوَابَ. وَقَوْلُهُ: {مِنْ الْإِيمَانِ} أَيْ: مِنْ هَذَا الْإِيمَانِ وَهُوَ الْإِيمَانُ الْمُطْلَقُ. أَيْ: لَيْسَ وَرَاءَ هَذِهِ الثَّلَاثِ مَا هُوَ مِنْ الْإِيمَانِ وَلَا قَدْرُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ. وَالْمَعْنَى: هَذَا آخِرُ حُدُودِ الْإِيمَانِ، مَا بَقِيَ بَعْدَ هَذَا مِنْ الْإِيمَانِ شَيْءٌ؛ لَيْسَ مُرَادُهُ أَنَّهُ مَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ لَمْ يَبْقَ مَعَهُ مِنْ الْإِيمَانِ شَيْءٌ؛ بَلْ لَفْظُ الْحَدِيثِ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ.

الشيخ: المؤلف رحمه الله يبين أن المؤمن ليس بمعصوم من المعاصي والسيئات ولكن المؤمن قد يبتلى بالسيئات والمعاصي ولكن ليس من شأنه أن يصر عليها بل من شأن المؤمن أن يبادر بالتوبة، وألا يستسلم لما قدر عليه، بل يدفع القدر بالقدر، فهو يدفع قدر المعصية بقدر الطاعة، ويدفع قدر المعصية بقدر التوبة، لا يستسلم ولهذا قال المؤلف رحمه الله: " وَالْمُؤْمِنُ قَدْ تَصْدُرُ مِنْهُ السَّيِّئَةُ فَيَتُوبُ مِنْهَا أَوْ يَأْتِي بِحَسَنَاتِ تَمْحُوهَا أَوْ يُبْتَلَى بِبَلَاءِ يُكَفِّرُهَا عَنْهُ" هكذا المؤمن لو صدرت السيئة إما يتوب عنها، والتوبة الطهارة وإما أن يأتي حسنات تمحوها، أو أبتلى ببلاء يكفرها الله عنه، كما في الحديث « مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبِ وَلا وَصَبٍ وَلاهَمٍ، وَلا حَزَنٍ وَلا غَمٍّ، وَلا أَذًى، حَتَّى الشَّوْكَةُ يُشَاكُهَا، إِلا كَفَّرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا خَطَايَاهُ» رواه الأمام البخاري في صحيحة، أو يأتي بحسنة تمحوها، وقد قال تعال: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:114].

ولكن مع كونه تصدر منه السيئة لابد أن يكون كاره لها فإن الله أخبر أنه حبب إلى المؤمنين الإيمان، وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان، فمن لم يكره الثلاثة لم يكن مؤمن، من لم يكره الكفر والفسوق والعصيان لم يكن مؤمن، ومن كره الكفر لكنه لم يكره الفسوف والعصيان صار ناقص الإيمان، ضعيف الإيمان.

يقول المؤلف رحمه الله: " مُحَمَّدَ بْنَ نَصْرٍ المروزي " يَقُولُ: الْفَاسِقُ يَكْرَهُهَا تَدَيُّنًا. الفاسق يكره الكفر والفسوق تدينًا والمؤلف رحمه الله يفصل هذا ويقول هذا فيه تفصيل، عن أريد بذلك أنه يعتقد أن دينه حرمها، يعتقد الفاسق العاصي الذي وقع في شيء من ذلك لابد أن يعتقد أن دينه حرمها وهو يحب دينه وهذه من جملتها فهو يكرهها فهذا حق، أما إذا كان يحب دينه مجملًا ولم يكن في قلبه كراهة لها، كان ضعيف الإيمان وناقص الإيمان، فإن إريد أن يكره الكفر والفسوق والعصيان، يعتقد أن دينه حرمها فهذا لابد منه، كذلك ليس بمؤمن، أما إذا كان يحب دينه ولكن وقع في هذه المعاصي، ولم يكرهها قلبه فإن هذا ناقص، يكون ناقص الإيمان وضعيف الإيمان، ولهذا يقول: "كَانَ قَدْ عَدِمَ مِنْ الْإِيمَانِ بِقَدْرِ ذَلِكَ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ» وهو الإمام مسلم رحمه الله.

فهذا الذي لم ينكر بقلبه ناقص الإيمان وضعيف الإيمان إذا كان هذا المنكر دون الكفر فهو أضعف الإيمان المراد الإيمان المطلق الذي يستلزم فعل الواجبات وترك المحرمات هذا إيمانه ضعيف، وكذلك في الحديث الأخر وهو صحيح «فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ الْإِيمَانِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ». رواه الإمام مسلم في صحيحة، المراد بالإيمان هنا الإيمان المطلق، ولهذا قال المؤلف:"فَعُلِمَ أَنَّ الْقَلْبَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ كَرَاهَةُ مَا يَكْرَهُهُ اللَّهُ؛ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مِنْ الْإِيمَانِ الَّذِي يَسْتَحِقُّ بِهِ الثَّوَابَ." وهو الإيمان المطلق لم يكن يطلق عليه الإيمان المطلق، هو الذي يدخل الجنة ويرفع من النار ويستحق به الثواب وإنما معه، مطلق الإيمان فيها يقول المؤلف: {مِنْ الْإِيمَانِ} أَيْ: مِنْ هَذَا الْإِيمَانِ وَهُوَ الْإِيمَانُ الْمُطْلَقُ. أَيْ: لَيْسَ وَرَاءَ هَذِهِ الثَّلَاثِ مَا هُوَ مِنْ الْإِيمَانِ وَلَا قَدْرُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ. وَالْمَعْنَى: أن هَذَا آخِرُ حُدُودِ الْإِيمَانِ، الإيمان المطلق، فالذي ينكر المنكر بقلبه وبلسانه، وبيده هذا معه الإيمان مطلق، إذا كان ينكر المنكرات كلها بيده أو بلسانه وبقلبه، والذي ينكر المنكر بقلبه و بلسانه و بيده، "مَا بَقِيَ بَعْدَ هَذَا مِنْ الْإِيمَانِ شَيْءٌ؛" ينكر المنكرات كلها بيده أو بلسانه أو بقلبه، والذي لا ينكر المنكر لا بقلبه ولا بلسانه ولا بيده، هو ضعيف الإيمان ولا يطلق عليه اسم الإيمان وليس معه من الإيمان المطلق شيء كما بين المؤلف رحمه الله ولهذا قال المؤلف: " وَالْمَعْنَى: هَذَا آخِرُ حُدُودِ الْإِيمَانِ، مَا بَقِيَ بَعْدَ هَذَا مِنْ الْإِيمَانِ شَيْءٌ؛ لَيْسَ مُرَادُهُ أَنَّهُ مَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ لَمْ يَبْقَ مَعَهُ مِنْ الْإِيمَانِ شَيْءٌ" لأ ليس مراده يكون كافرًا ما يكون كافر الذي ما ينكر المنكر مثلًا لا أنكر شرب الخمر لا بيده، ولا بلسانه ولا بقلبه ليس بكافر لكنه ضعيف الإيمان حكمه حكم شارب الخمر، كما أن شارب الخمر يكون عاصي و لا يكون كافراَ يكون عاصيًا مثله، فصار انه يكون مثله، وكذلك الذي لا ينكر الغيبة والنميمة لا بيده ولا بقلبه ولا بلسانه، بل من لم ينكر التعامل بالربا، لا بقلبه ولا بيده ولا بلسانه، ما يكون كافرًا إنما يستحل، إنما يكون عاصيًا ويكون ضعيف الإيمان ولكن نقص الإيمان وحكمة حكم الفاعل، الساكت  عن إنكار المنكر مع القدرة حكمة حكم الفاعل، فمن سكت عن الإنكار، فمن لم ينكر الشرك حكمة حكم المشرك، ومن لم ينكر المعاصي حكمة حكم العصاة، كما قال الله تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ } [النساء:140].

فالمقصود من لم ينكر المنكر حكمة حكم فاعل المنكر، فإذا كان هذا المنكر شرك وهو قد رضي بالشرك ولم ينكره فحكمه حكم المشرك، وإذا كان كبيره فحكمة حكم من فعل  الكبيرة.

القارئ: في فرق بين قول محمد بن نصر وتفسير شيخ الإسلام، هل يظهر فرق بين القولين؟

كون محمد بن نصر قال: الفاسق يكرهها تدينًا، أو مراد شيخ الإسلام التفصيل فقط، حتى يتبين الحق،

شيخ الإسلام فصل ومحمد بن نصر يقول الفاسق يكرهها تدينًا هذا يرجع إلى المعنى الأول الذي ذكره المؤلف يعني يعتقد أن دينه حرمها، كرهًا وهذا صح، أما كونه يفعلها أو لا يكره بعض المعاصي لا يكرها لأنه يفعلها لكن في الجملة هو يتدين بتحريم يعتقد أن المعاصي كلها حرام والله حرمها لأنه لو استحل الكبائر كان كافر، فهو لا يستحلها تدينًا يعتقد أنها حرام وإن كان يفعلها ويتدين بتحريم شرب الخمر وإن كان يشرب الخمر، يعتقد أن التعامل بالربا حرام تدين، ولكن يفعل الربا، لغلبت الهوى والشيطان وحب المال يفعلها ولا يكون كافرًا، ما دام لم يستحل الربا، يفعل الخمر ويعتقد أنه حرام، تدينًا فلا يكون كافرًا ولكن يكون ناقص الإيمان ضعيف الإيمان، وكذلك أكل الرشوة وكذلك الغيبة والنميمة، والمعاصي كلها، والكبائر إذا لم يستحلها يكون عاصي ضعيف الإيمان، لكن يستحل أمرها هذا يكفر.

المذيع، في قول النبي عليه الصلاة والسلام: وذلك أضعف الإيمان، هذا ظاهر من كلام شيخ الإسلام أنه من المراد أنه من يفعل ذلك أنه ليس المراد أن من لم يفعل ذلك يبقى معه من الإيمان شيء إنما المراد المعنى الأولى ولكن في قوله عليه الصلاة والسلام: "وليس وراءه من الإيمان حبه خردل" يعنى معنى أضيف.

الشيخ: الإيمان شيخ الإسلام فسر كلمة الإيمان المراد به الإيمان المطلق، ليس المراد به أصل الإيمان، وإنما المراد بالإيمان المطلق الذي يستحق به دخول الجنة والنجاة من النار من ينكر المنكرات لا بيده ولا بلسانه ولا بقلبه هذا ضعيف الإيمان أما إذا كان ينكر المنكرات  بلسانه وبيده و بقلبه هذا معناه يطلق عليه الإيمان

القارئ: جزاكم الله خيرًا ونفع بعلمكم.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد