شعار الموقع
  1. الصفحة الرئيسية
  2. الدروس العلمية
  3. العقيدة
  4. شرح كتاب الإيمان الكبير
  5. شرح كتاب الإيمان الكبير_12 من قوله فصلٌ فَإِنْ قِيلَ مَا ذَكَرَ مِنْ تَنَوُّعِ دَلَالَةِ اللَّفْظِ بِالْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ - الى قوله ثُمَّ يُقَسِّمُونَ الْحَقِيقَةَ إلَى لُغَوِيَّةٍ وَعُرْفِيَّةٍ

شرح كتاب الإيمان الكبير_12 من قوله فصلٌ فَإِنْ قِيلَ مَا ذَكَرَ مِنْ تَنَوُّعِ دَلَالَةِ اللَّفْظِ بِالْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ - الى قوله ثُمَّ يُقَسِّمُونَ الْحَقِيقَةَ إلَى لُغَوِيَّةٍ وَعُرْفِيَّةٍ

00:00
00:00
تحميل
89

(المتن)

توقَّفنا عند قول المؤلِّف رحمه الله: فصلٌ فَإِنْ قِيلَ مَا ذَكَرَ مِنْ تَنَوُّعِ دَلَالَةِ اللَّفْظِ بِالْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ فِي كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَكَلَامِ كُلِّ أَحَدٍ؛ بَيِّنٌ ظَاهِرٌ لَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ؛ لَكِنْ نَقُولُ: دَلَالَةُ لَفْظِ الْإِيمَانِ عَلَى الْأَعْمَالِ مَجَازٌ؛ فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ أَوْ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً؛ أَعْلَاهَا قَوْلُ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ» مَجَازٌ. وَقَوْلُهُ: «الْإِيمَانُ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ» إلَى آخِرِهِ؛ حَقِيقَةٌ.

وَهَذَا عُمْدَةُ الْمُرْجِئَةِ وَالْجَهْمِيَّة والكَرَّامِيَة، وَكُلُّ مَنْ لَمْ يُدْخِلْ الْأَعْمَالَ فِي اسْمِ الْإِيمَانِ.

وَنَحْنُ نُجِيبُ بِجَوَابَيْنِ: أَحَدُهُمَا: كَلَامٌ عَامٌّ فِي لَفْظِ (الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ). وَالثَّانِي: مَا يَخْتَصُّ بِهَذَا الْمَوْضِعِ.

فَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مَجَازًا؛ مَا هُوَ الْحَقِيقَةُ مِنْ ذَلِكَ مِنْ الْمَجَازِ؟ هَلْ الْحَقِيقَةُ هُوَ الْمُطْلَقُ أَوْ الْمُقَيَّدُ أَوْ كِلَاهُمَا حَقِيقَةٌ حَتَّى يُعْرَفَ أَنَّ لَفْظَ الْإِيمَانِ إذَا أُطْلِقَ عَلَى مَاذَا يُحْمَلُ؟

فَيُقَالُ أَوَّلًا: تَقْسِيمُ الْأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ عَلَى مَعَانِيهَا إلَى "حَقِيقَةٍ وَمَجَازٍ"، وَتَقْسِيمُ دَلَالَتِهَا أَوْ الْمَعَانِي الْمَدْلُولِ عَلَيْهَا إنْ اُسْتُعْمِلَ لَفْظُ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فِي الْمَدْلُولِ أَوْ فِي الدَّلَالَةِ؛ فَإِنَّ هَذَا كُلَّهُ قَدْ يَقَعُ فِي كَلَامِ الْمُتَأَخِّرِينَ.

وَلَكِنَّ الْمَشْهُورَ: أَنَّ الْحَقِيقَةَ وَالْمَجَازَ مِنْ عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ، وَبِكُلِّ حَالٍ فَهَذَا التَّقْسِيمُ هُوَ اصْطِلَاحٌ حَادِثٌ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ، لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَا التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ، وَلَا أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْمَشْهُورِينَ فِي الْعِلْمِ كَمَالِكِ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِي وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ، بَلْ وَلَا تَكَلَّمَ بِهِ أَئِمَّةُ اللُّغَةِ وَالنَّحْوِ؛ كَالْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ وَأَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ وَنَحْوِهِمْ.

وَأَوَّلُ مَنْ عُرِفَ أَنَّهُ تَكَلَّمَ بِلَفْظِ الْمَجَازِ؛ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى فِي كِتَابِهِ، وَلَكِنْ لَمْ يَعْنِ بِالْمَجَازِ مَا هُوَ قَسِيمُ الْحَقِيقَةِ؛ وَإِنَّمَا عَنَى بِمَجَازِ الْآيَةِ مَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْآيَةِ.

وَلِهَذَا قَالَ مَنْ قَالَ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ؛ كَأَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ وَأَمْثَالِهِ: إنَّمَا تُعْرَفُ الْحَقِيقَةُ مِنْ الْمَجَازِ بِطُرُقِ، مِنْهَا: نَصُّ أَهْلِ اللُّغَةِ عَلَى ذَلِكَ بِأَنْ يَقُولُوا: هَذَا حَقِيقَةٌ وَهَذَا مَجَازٌ، فَقَدْ تَكَلَّمَ بِلَا عِلْمٍ، فَإِنَّهُ ظَنَّ.

الشيخ: ولهذا.

القارئ: عفوًا يا شيخ.

الشيخ: وَلِهَذَا قَالَ مَنْ قَالَ، عندك هكذا؟

القارئ: نعم.

الشيخ: والأقرب أنَّ كلمة قال زائدة؛ لأنَّ قوله: "فَقَدْ تَكَلَّمَ بِلَا عِلْمٍ"؛ هذا جواب مَن؟ "وَلِهَذَا مَنْ قَالَ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ فَقَدْ تَكَلَّمَ بِلَا عِلْمٍ".

(المتن)

وَلِهَذَا مَنْ قَالَ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ؛ كَأَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ وَأَمْثَالِهِ: إنَّمَا تُعْرَفُ الْحَقِيقَةُ مِنْ الْمَجَازِ بِطُرُقِ مِنْهَا: نَصُّ أَهْلِ اللُّغَةِ عَلَى ذَلِكَ بِأَنْ يَقُولُوا: هَذَا حَقِيقَةٌ وَهَذَا مَجَازٌ، فَقَدْ تَكَلَّمَ بِلَا عِلْمٍ، فَإِنَّهُ ظَنَّ أَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ قَالُوا هَذَا، وَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَلَا مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَعُلَمَائِهَا، وَإِنَّمَا هَذَا اصْطِلَاحٌ حَادِثٌ وَالْغَالِبُ أَنَّهُ كَانَ مِنْ جِهَةِ الْمُعْتَزِلَةِ وَنَحْوِهِمْ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ فَإِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ هَذَا فِي كَلَامِ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْأُصُولِ وَالتَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَنَحْوِهِمْ مِنْ السَّلَفِ.

(الشرح)

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، والصَّلاة والسَّلام على أشرفِ الأنبياء والمرسلين نبيِّنا محمَّد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد:

هذا الفصل ذَكره المؤلِّف رحمه الله اعتراض من المرجئة الذين يَرون أنَّ الأعمال غير داخلة في مسمَّى الإيمان، اعترضوا بهذا الاعتراض، وقالوا: إنَّ شبهتهم -يعني شبهة واعتراض المرجئة- خلاصتها: أنَّ مسمَّى الإيمان لا تدخل فيه الأعمال، وما وَرد من النصوص أو من كلام السلف في إدخال الأعمال في مسمى الإيمان فهو مجاز.

فالمؤلِّف رحمه الله يجيب على هذه الشبهة، ثُمَّ تطرَّق المؤلف رحمه الله للحقيقة والمجاز، وهل المجاز موجود في اللغة، وموجود في القرآن والسُّنَّة، ومَن أول مَن تكلَّم في المجاز، والمؤلِّف رحمه الله يرى أن المجاز غير معروف في اللغة، ولا يوجد في القرآن، ولا في السُّنَّة مجاز، وأن الأصل: الكلام كله حقيقة.

ويرى أنَّ تقسيم الألفاظ إلى حقيقة ومجاز تقسيم حادث بعد القرون الثلاثة المفضلة، وأنَّ القول بالمجاز لم يُعرف في اللغة العربية، ولا عند أهل الجاهلية، ولم يُعرف في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا في زمن الصحابة، ولا في زمن الخلفاء الراشدين، ولا في زمن القرون المفضلة، وأنه ما عُرف إلا بعد ذلك، ولم يتكلَّم به أحدٌ من الأئمة، لا مالك، ولا الشافعي، ولا أبي حنيفة، إلا كلمة وردت عن الإمام أحمد تعلَّق بها مَن أثبت المجاز، وهو قوله: إنَّ هذا مجاز اللغة، ولم يُرد به المجاز الذي يعينون، وإنما أراد به مما يجوز في اللغة.

ولهذا المؤلِّف رحمه الله ذَكر هذه الشبهة وهذا الاعتراض، وأجاب عنه، ثُمَّ توسَّع رحمه الله في الكلام في المجاز والحقيقة، وتقسيم الحقيقة، وتقسيم المجاز وأفاض في هذا رحمه الله.

قال: "فَإِنْ قِيلَ: مَا ذَكَرَ مِنْ تَنَوُّعِ دَلَالَةِ اللَّفْظِ بِالْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ فِي كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَكَلَامِ كُلِّ أَحَدٍ؛ بَيِّنٌ ظَاهِرٌ لَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ"؛ يعني تنوُّع دلالة اللفظ بالإطلاق والتقييد إذا أُطلق فإنه يكون عام، وإذا قُيِّد يكون خاص، فهذا معلوم في كلام الله، وكلام رسوله، وهو ظاهر، لكن نقول: دلالة لفظ الإيمان على الأعمال مجاز، والحقيقة في مسمَّى الإيمان هو: أنه خاصٌّ بالتصديق في القلب، هو التصديق بالله وملائكته وكُتبه ورسله واليوم الأخر والقدر خير وشره.

هذه شبهة المعتزلة، قالوا: مسمى الإيمان خاصٌّ بالتصديق، وما وَرد في إدخال الأعمال في مسمَّى الإيمان فهو مجاز، هذه هي شبهة المرجئة، استدلُّوا على القول: بأن مسمَّى الإيمان في التصديق الحديث المشهور.

حديث مشهور حديث مشهور جبرائيل، لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان قال: «الإيمان: أنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ».

قالوا: هذا هو حقيقة الإيمان، هذا مسمَّى الإيمان حقيقةً، التصديق، الإيمان بالله وملائكته وكُتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره.

وأما الحديث الآخر المشهور، أن النبي صلى الله عليه وسلَّم قال: «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً, أعلاها قَوْلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ, وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ، والحياء شُعبة من الإيمان» هذا مجاز.

فالمجاز، يعني قوله: «بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعبة»، فإدخال هذه الشُّعب في مسمَّى الإيمان قالوا: هذا مجاز، بدليل أنَّ الحديث الآخر وهو حديث جبرائيل لم يذكر الأعمال وإنما اقتصر على الإيمان بالله وملائكته وكُتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، فدلَّ على أنَّ هذا مسمَّى الإيمان حقيقةً.

وأمَّا هذا الحديث الذي فيه إدخال الأعمال في حديث الشُّعب، فهذا مجاز.

يقول المؤلف رحمه الله: "وَهَذَا عُمْدَةُ الْمُرْجِئَةِ وَالْجَهْمِيَّة والكَرَّامِيَة وَكُلُّ مَنْ لَمْ يُدْخِلْ الْأَعْمَالَ فِي اسْمِ الْإِيمَانِ".

هذه شبهتهم، هذه شُبهة كل مَن يدخل الأعمال في مسمَّى الإيمان، جميع طبقات المرجئة، وهم أربع طبقات كما سبق؛ يعني أشدها فسادًا مذهب الجهمية؛ الذين يقولون: مسمَّى الإيمان معرفة الرب بالقلب، والكُفر هو جهل الرب بالقلب، هذا مذهب الجهم، شاركه أبو الحسين الصالحي من القدرية، ثُمَّ يليه في الفساد مذهب الكرَّامية الذين يقولون: الإيمان مجرَّد النطق باللسان، ولو كان مكذِّبًا  بقلبه.

فعلى هذا المنافقون يسمونهم مؤمنين؛ لأنهم نطقوا بألسنتهم، وقلوبهم مكذِّبة فيسميهم المرجئة: مؤمنون كاملو الإيمان، وهم مخلَّدون في النار، فهم مؤمنون كاملو الإيمان؛ لكونهم نطقوا باللسان، ويُخلدون في النار؛ لكونهم كذَّبوا بقلوبهم، فجمعوا بين القولين المتناقضين.

ثمَّ بعد ذلك مذهب الماتريدية والأشاعرة: أنَّ الإيمان تصديق بالقلب، وهو رواية عن الإمام أبو حنيفة.

ثم بعد ذلك الطبقة الرابعة: مرجئة الفقهاء؛ وهو أنَّ الإيمان قولٌ باللسان، وتصديقٌ بالقلب، كلُّ هؤلاء المرجئة من خلال طبقاتهم، كلهم هذه شبهتهم، يرون أنَّ تسمية الأعمال إيمانًا مجاز، وأنَّ مسمَّى الإيمان حقيقة هو: التصديق بالقلب فقط.

حقيقة الإيمان التصديق بالقلب، وما جاء من النصوص في إدخال الأعمال في مسمَّى الإيمان فهو مجاز.

ولهذا قال المؤلِّف رحمه الله: "وَهَذَا عُمْدَةُ الْمُرْجِئَةِ وَالْجَهْمِيَّة والكَرَّامِيَة".

الجهمية هم من المرجئة،عطف الجهميه من عطف العام على الخاص، وكذلك الكرَّامية، وكل مَن يُدخل الأعمال في مسمَّى الإيمان، يشمل مرجئة الفقهاء، ويشمل الماتريدية والأشاعرة.

كل مَن يُدخل الأعمال في مسمَّى الإيمان فهذه هي شبهته؛ أن تسمية أو إدخال الأعمال في مسمَّى الإيمان مجاز، وحقيقة الإيمان إنما هو التصديق في القلب؛ عملًا بالحديث المشهور حديث جبريل: «الإيمان أن تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ»، إسنادًا إلى هذا الحديث.

المؤلِّف رحمه الله قال: "وَنَحْنُ نُجِيبُ بِجَوَابَيْنِ".

نجيب عن هذه الشبهة وهذا الاعتراض بجوابين، جوابٌ عام وجوابٌ خاص:

الجواب العام، فيه لفظة الحقيقة ولفظ المجاز.

والجواب الخاص: ما يتعلق بمسمى الإيمان، بمسمى الإيمان وما ورد من النصوص في ادخال الأعمال في مسمى الإيمان.

ولهذا قال المؤلف رحمه الله: "وَنَحْنُ نُجِيبُ بِجَوَابَيْنِ: أَحَدُهُمَا: كَلَامٌ عَامٌّ فِي لَفْظِ (الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ). وَالثَّانِي: مَا يَخْتَصُّ بِهَذَا الْمَوْضِعِ".

 فبتقدير أن يكون أحدهما مجازًا ما هو الحقيقة من ذلك من المجاز؟ 

يعني يقول: إذا قدَّرنا أن أحدهما مجازًا وأحدهما حقيقة، أيهما الحقيقة، وأيهما المجاز؟ هل الحقيقة هو المطلق، أو الحقيقة المقيَّد، أو كلاهما حقيقة حتى يُعرف أنَّ لفظ الإيمان إذا أُطلق على ماذا يُحمل؟

إذا أُورد على ماذا يُحمل، يُطلق على تصديق القلب، أو يُطلق على الأعمال؟

فقال المؤلف رحمه الله: "فَيُقَالُ أَوَّلًا: تَقْسِيمُ الْأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ عَلَى مَعَانِيهَا إلَى حَقِيقَةٍ وَمَجَازٍ، وَتَقْسِيمُ دَلَالَتِهَا، أَوْ الْمَعَانِي الْمَدْلُولِ عَلَيْهَا إنْ اُسْتُعْمِلَ لَفْظُ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فِي الْمَدْلُولِ أَوْ فِي الدَّلَالَةِ؛ فَإِنَّ هَذَا كُلَّهُ قَدْ يَقَعُ فِي كَلَامِ الْمُتَأَخِّرِينَ".

هذا الجواب العام في لفظ الحقيقة والمجاز، يقول: هذا تقسيم الألفاظ إلى حقيقة ومجاز، هذا وقع في كلام المتأخرين، ولم يقع في كلام المتقدمين؛ لا الصحابة، ولا التابعين ولا القرون المفضَّلة، وإنما وقع في كلام المتأخرين، وتعلَّقوا بكلمةٍ وردت عن الإمام أحمد، يقول: إنَّ هذا من مجاز اللغة.

يقول المؤلف رحمه الله « وَلَكِنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّ الْحَقِيقَةَ وَالْمَجَازَ مِنْ عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ»، يعني: لا من عوارض المعاني.

ثم قال المؤلِّف: "وَبِكُلِّ حَالٍ فَهَذَا التَّقْسِيمُ هُوَ اصْطِلَاحٌ حَادِثٌ"؛ يعني تقسيم الألفاظ إلى حقيقة ومجاز هو اصطلاحٌ حادث "بَعْدَ انْقِضَاءِ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ".المفضله

يعني مضى القرن الأوَّل، ومضى القرن الثاني، ومضى القرن الثالث ولم يتكلَّموا بالحقيقة ولا بالمجاز، وكذلك أهل اللغة في الجاهلية ما تكلَّموا بالحقيقة والمجاز، لم يتكلم به.

يقول المؤلف رحمه الله: «لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَا التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ وَلَا أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْمَشْهُورِينَ فِي الْعِلْمِ كَمَالِكِ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِي وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ»؛ كلهم ما تكلَّموا به.

"بَلْ وَلَا تَكَلَّمَ بِهِ أَئِمَّةُ اللُّغَةِ؛ اللغويون "وَالنَّحْوِ كَالْخَلِيلِ"؛ الخليل بن أحمد، "وَسِيبَوَيْهِ"؛ إمامٌ في النحو، "وَأَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ وَنَحْوِهِمْ".

كل هؤلاء ما تكلَّموا في المجاز.

ثُمَّ قال المؤلِّف رحمه الله: "وَأَوَّلُ مَنْ عُرِفَ أَنَّهُ تَكَلَّمَ بِلَفْظِ الْمَجَازِ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى"، وأبو عبيدة بن المثنَّى كان رأسًا في علم اللغة والأدب وأيام العرب، وأخبارها، وغالب الحديث، له كتاب مجاز القرآن، ومعاني القرآن، ينقل عن الإمام البخاري رحمه الله في تراجمه، إذا ذكر ترجمة يذكر عنها في تفسير الكلمات.

فكتابه مجاز القرآن هو: أول من تكلَّم فيه بالمجاز، لكن أبا عبيدة معمر بن مثنَّى مع أنه أول مَن تكلَّم بالمجاز، لا يريد به المجاز الذي يعنيه المتأخرون، وإنما يريد بالمجاز.

"لَمْ يَعْنِ بِالْمَجَازِ الذي هُوَ قَسِيمُ الْحَقِيقَةِ، وَإِنَّمَا يعني بِمَجَازِ الْآيَةِ مَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْآيَةِ.

فإذًا أوَّل مَن تكلم بالمجاز: أبو عبيدة بن معمر بن المثنى، ولا يعني به أن المجاز قسيم الحقيقة، الذي قسَّمه المتأخرون، قسَّموا اللفظ إلى حقيقة ومجاز.

يقول المؤلف رحمه الله: "وَلِهَذَا قَالَ مَنْ قَالَ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ؛ كَأَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ"؛ من المعتزلة، "وَأَمْثَالِهِ إنَّمَا تُعْرَفُ الْحَقِيقَةُ مِنْ الْمَجَازِ بِطُرُقٍ مِنْهَا: نَصُّ أَهْلِ اللُّغَةِ عَلَى ذَلِكَ بِأَنْ يَقُولُوا: هَذَا حَقِيقَةٌ وَهَذَا مَجَازٌ، فَقَدْ تَكَلَّمَ بِلَا عِلْمٍ".

يعني بعض الأصوليين من المعتزلة وغيرهم؛ لأن أكثر  مَن تكلم في الأصول الأشاعرة والمعتزلة، يقول: بعض المتأخرين كأبي الحسين البصري والمعتزلي إنما تُعرف الحقيقة من المجاز بطرق، وذكر من هذه الطرق: نَصُّ أَهْلِ اللُّغَةِ عَلَى ذَلِكَ بِأَنْ يَقُولُوا: هَذَا حَقِيقَةٌ وَهَذَا مَجَازٌ"، يقول المؤلِّف: هذا "فَقَدْ تَكَلَّمَ بِلَا عِلْمٍ",

فأهل اللغة ما قسَّموا الألفاظ إلى حقيقة ومجاز حتى يحسمه نص.

فإذا قال أبو الحسين البصري "إنَّمَا تُعْرَفُ الْحَقِيقَةُ مِنْ الْمَجَازِ بِطُرُقِ مِنْهَا: نَصُّ أَهْلِ اللُّغَةِ"، فهذا قولٌ بلا علم، وتكلُّمٌ بلا علم؛ لأنَّ أهل اللغة لم يقسِّموا الألفاظ إلى حقيق ومجاز أصلًا، فكيف يقال: "إنَّمَا تُعْرَفُ الْحَقِيقَةُ مِنْ الْمَجَازِ بِطُرُقِ مِنْهَا: نَصُّ أَهْلِ اللُّغَةِ" وأهل اللغة لم يقسموا الألفاظ إلى حقيقة ومجاز أصلًا!

ولهذا قال المؤلف رحمه الله : "فَإِنَّهُ ظَنَّ أَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ قَالُوا هَذَا وَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَلَا مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَعُلَمَائِهَا وَإِنَّمَا هَذَا اصْطِلَاحٌ حَادِثٌ".

و المؤلف رحمه الله يعني مَن قال من الأصوليين كأبي الحسين البصريججأنه يعرف الحقيقة والمجاز من نص أهل اللغة فهذا وهم، هذا توهم منهم لأن هذا التقسيم اصطلاح حادث، اصطلاح حادث والغالب أنه أحدثة المعتزلة ولهذا قال غالب من جهة المعتزلة ونحوهما من المتكلمين، فإنه لم يوجد هذا في كلام أحد من أهل الفقه و الأصول والتفسير والحديث ونحوهم من السلف، فتبين بهذا أن هذا التقسيم اصطلاح حادث لم يعرف في اللغة ولم يعرف عند السلف ولم يعرف عند الأئمة وأن أول من تكلم به أبو عبيدة عمرو بن المثنى ولم يرد به المجاز الذي هو قسيم الحقيقة وإنما أراد بالمجاز ما يجوز في اللغة.

وأن من قال من الأصوليين من المعتزلة وغيرهم أنه يعرف الحقيقة من المجاز بنص أهل اللغة فهذا توهم بأن هذا اصطلاح حادث، هذا التقسيم اصطلاح حادث غير معروف والغالب أنه صدر من جهة المعتزلة، أنه أول من تكلم به المعتزلة وهم متكلمون ولهذا فإن هذا التقسيم لا يوجد في كلام الفقهاء والأصوليين والمفسرين والمحدثين إلا عند المتأخرين.

نعم ممكن نطرح السؤال.

(17:20)

(الشرح) شو المتفق عليهم؟

الرجل: (17:50)

(الشرح) طيب طرح السؤال هذا اكتفى الوقت بس، اي، ها خلاص، بس لحظة شوي.

الرجل: ابو معمر في اي قرن أبو عبيدة مو في القرن الثاني في أخر الثاني يا شيخ؟

(الشرح) لا هو متأخر يمكن في أول القرن الثالث، يأتي أن المؤلف رحمه الله قال لا أعلم إلا أن كان في أخر القرن:

الرجل: (18:35)

(الشرح) إلا كان في أخر القرن الثاني يذكر المؤلف رحمه الله.

الآن عندك (18:50)

الرجل: فهذا يحتمل أن يكون رأي شيخ الإسلام رحمه الله القرون الثلاثة كل من تكلم بالمجاز في القرون الثلاثة أنه لم يرد ما يريده المتأخر.

(الشرح) حتى بن أحمد.

الرجل: اي نعم فبالتالي حتى ابو عبيدة لأنه من القرون أبن أحمد نص على لا أحمد من القرون يعرف هذا تحدث.

(الشرح) قبل ما ننهي هذا طيب.

الرجل: بعض الناس يذكر أن الأعمال لا تدخل في مسمى الإيمان إلا أركان الإسلام فقط.

(الشرح) هذا القول لا أعلم له أصلًا لأن من قال أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان يرى يرى أن جميع الأعمال داخلة  كما في الحديث « الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً, أعلاها قَوْلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ, وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ, »

ومن قال أن الأعمال لا تدخل في مسمى الإيمان قال لا تدخل   فيه أركان الإسلام ولا غيرها فهذا تحريف في أركان الإسلام لا أعلم له أصل، ولعل هذا من بعض المعاصرين.

(المتن) وَهَذَا الشَّافِعِيُّ هُوَ أَوَّلُ مَنْ جَرَّدَ الْكَلَامَ فِي " أُصُولِ الْفِقْهِ " لَمْ يُقَسِّمْ هَذَا التَّقْسِيمَ " وَلَا تَكَلَّمَ بِلَفْظِ " الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ ". وَكَذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ لَهُ فِي الْمَسَائِلِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى الْعَرَبِيَّةِ كَلَامٌ مَعْرُوفٌ فِي " الْجَامِعِ الْكَبِيرِ " وَغَيْرِهِ؛ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ بِلَفْظِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ. وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأَئِمَّةِ لَمْ يُوجَدْ

لَفْظُ الْمَجَازِ فِي كَلَامِ أَحَدٍ مِنْهُمْ إلَّا فِي كَلَامِ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ؛ فَإِنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِ الرَّدِّ عَلَى الْجَهْمِيَّة فِي قَوْلِهِ: (إنَّا، وَنَحْنُ) وَنَحْوُ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ: هَذَا مِنْ مَجَازِ اللُّغَةِ يَقُولُ الرَّجُلُ: إنَّا سَنُعْطِيك. إنَّا سَنَفْعَلُ؛ فَذَكَرَ أَنَّ هَذَا مَجَازُ اللُّغَةِ. وَبِهَذَا احْتَجَّ عَلَى مَذْهَبِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ مَنْ قَالَ: إنَّ فِي " الْقُرْآنِ " مَجَازًا كَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَابْنِ عَقِيلٍ وَأَبِي الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِمْ. وَآخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِهِ مَنَعُوا أَنْ يَكُونَ فِي الْقُرْآنِ مَجَازٌ كَأَبِي الْحَسَنِ الخرزي. وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَامِدٍ. وَأَبِي الْفَضْلِ التَّمِيمِيِّ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ التَّمِيمِيِّ وَكَذَلِكَ مَنَعَ أَنْ يَكُونَ فِي الْقُرْآنِ مَجَازٌ مُحَمَّدُ بْنُ خويز منداد وَغَيْرُهُ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَمَنَعَ مِنْهُ دَاوُد بْنُ عَلِيٍّ وَابْنُهُ أَبُو بَكْرٍ وَمُنْذِرُ بْنُ سَعِيدٍ البلوطي وَصَنَّفَ فِيهِ مُصَنَّفًا. وَحَكَى بَعْضُ النَّاسِ عَنْ أَحْمَد فِي ذَلِكَ رِوَايَتَيْنِ. وَأَمَّا سَائِرُ الْأَئِمَّةِ فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَلَا مِنْ قُدَمَاءِ أَصْحَابِ أَحْمَد: إنَّ فِي الْقُرْآنِ مَجَازًا لَا مَالِكٌ وَلَا الشَّافِعِيُّ وَلَا أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّ تَقْسِيمَ الْأَلْفَاظِ إلَى حَقِيقَةٍ وَمَجَازٍ. إنَّمَا اُشْتُهِرَ فِي الْمِائَةِ الرَّابِعَةِ وَظَهَرَتْ أَوَائِلُهُ فِي الْمِائَةِ الثَّالِثَةِ وَمَا عَلِمْته مَوْجُودًا فِي الْمِائَةِ الثَّانِيَةِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي أَوَاخِرِهَا وَاَلَّذِينَ أَنْكَرُوا أَنْ يَكُونَ أَحْمَد وَغَيْرُهُ نَطَقُوا بِهَذَا التَّقْسِيمِ. قَالُوا: إنَّ مَعْنَى قَوْلِ أَحْمَد: مِنْ مَجَازِ اللُّغَةِ. أَيْ: مِمَّا يَجُوزُ فِي اللُّغَةِ أَنْ يَقُولَ الْوَاحِدُ الْعَظِيمُ الَّذِي لَهُ أَعْوَانٌ: نَحْنُ فَعَلْنَا كَذَا وَنَفْعَلُ كَذَا وَنَحْوَ ذَلِكَ. قَالُوا: وَلَمْ يُرِدْ أَحْمَد بِذَلِكَ أَنَّ اللَّفْظَ اُسْتُعْمِلَ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ.

(الشرح) فأن المؤلف رحمه الله كما سبق في الحلقات السابقة أنه ذكرَ شبهةَ المرجئة اللذين انكروا الأعمال أن تكون داخلة في مسمى الإيمان، وأنهم قالوا أن النصوص التي فيها أدخال الأعمال في مسمى الإيمان إنما هي مجاز، وأما الحقيقة فإن مسمى الإيمان هو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والقدر خيره وشره التصديق كما جاء هذا في حديث جبرائيل .

وسبق أن المؤلف رحمه الله أجاب عن هذه الشبهة وقال نحن نجيب عن هذه الشبهة بجوابين جوابٌ عام وجوابٌ خاص.

فالجواب العام، الكلام في لفظ الحقيقة والمجاز وبين رحمه الله أن تقسيم الكلام إلى حقيقة  ومجاز هذا حادث اصطلاح حادث لم يعرفه أهل اللغة ولم يعرفه الصحابة ولا التابعين ولا أهل القرن الأول ولا أهل القرن الثاني ولا أهل القرن الثالث وإنما حدثَ واشتهر في القرن الرابع، ولا يزال رحمه الله يرد على هؤلاء المرجئة  الذين يدعون أن العمل لا يدخل في مسمى الأيمان، في الوجه الأول في إبطال تقسيم الألفاظ إلى حقيقة ومجاز.

يقول رحمه الله وهذا : الشافعي هو من أول جرد الكلام في أصول اللغة في أصول الفقه لم يقسم هذا التقسيم ولا تكلم بلفظ الحقيقة والمجاز.

فالمعنى أن الشافعي هو أول من كتب في الأصول، كتاب رثاء المسمى بالرسالة، هذه الرسالة فيها هي أول ما كُتب في أصول الفقه، وهي النواة ومع ذلك فأن الشافعي رحمه الله لم يقسم الألفاظ إلى حقيقة ومجاز، ولم يعرف المجاز فإنه فدل على أنه اصطلاح حادث.

(سائل: مع أنه من المعروفين في اللغة.

(الشرح) نعم نعم الشافعي إمام في الحديث وفي اللغة، ولغوي وإمام من أهل اللغة وهو إمام في الفقه وإمام في الحديث رحمه الله.

وكتابه في الأصول المسمى بالرسالة أول ما كتب في أصول الفقه، ولم يقسم الكلام إلى حقيقة ومجاز فدل على أنه اصطلاح حادث؛ وكذلك محمد بن الحسن، هو محمد بن الحسن الشيباني الصاحب الثاني للإمام أبو حنيفة رحمه الله؛ له في المسائل المبنية على العربية كلامٌ معروفٌ .

فِي " الْجَامِعِ الْكَبِيرِ " وَغَيْرِهِ؛ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ بِلَفْظِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ » ، فدل  على أنه اصطلاح حادث.

وكذلك سائر الأئمة لم يتكلموا بالحقيقة والمجاز.

يقول المؤلف رحمه الله «وكذلك سائر الأئمة لم يوجد لفظٌ، المجاز في كلام أحد منهم إلا في كلام أحمد بن حنبل» ، يعني كلام أحمد بن حنبل رحمه الله فأنه قال  " قَالَ فِي كِتَابِ الرَّدِّ عَلَى الْجَهْمِيَّة فِي قَوْلِهِ: (إنَّا، وَنَحْنُ»  وَنَحْوُ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ" هذا من مجاز اللغة

يعني الذين قسموا الألفاظ إلى حقيقة ومجاز تعلقوا بهذه اللفظة التي جاءت عن الإمام أحمد وهو قوله أن هذا من مجاز اللغة والإمام أحمد لا يريد بها ما يعنون من تقسيم اللفظ إلى حق ومجاز، وإنما يريد بها أن هذا مما يجوز في اللغة، كما أن أبو عبيدة معمر ابن مثنى لما تكلم فيه كتابه "مجاز القران" تكلم بهذه الكلمة وأراد بها، مجاز الآية يعني ما يعبر به عن الآية، ولم يعني  بالمجاز ماهو قسيم  الحقيقة.

وكذلك الإمام أحمد رحمه الله إنما قال «هذا من مجاز اللغة»  يعني مما يجوز في اللغة وليس مقصوده المجاز الذي هو قسيم الحقيقة، ولهذا قال أوضح كلامه رحمه الله فقال يقول الرجل أنا سنعطيك.إنا سنفعل

يقول المؤلف رحمه الله فذكر أن هذا من مجاز اللغة بهذا أحتج على مذهبه من أصحابه من قال إن في القرآن مجازًا ولما صدرت هذه الكلمة عن الإمام أحمد قال هذا من مجاز اللغة اختلف أصحاب الإمام أحمد.

فمنهم من قال إن في القرآن مجاز ومنهم من قال ليس في القرآن مجاز،  واللذين قالوا أن في القرآن مجاز احتجوا تعلقوا بهذه الكلمة التي جاءت عن الإمام أحمد كالقاضي أبي يعلا وابن عقيل وابن خطاب وغيرهم، وأخرون من أصحاب الإمام أحمد منعوا أن يكون في القرآن المجاز كأبي الحسن الجزري ، وأبي عبد الله بن حامد وابي الفضل التميمي ابن أبي الحسن التميمي لأنهم تأملوا كلمة الإمام أحمد وعرفوا مقصوده، وان معنى  قوله المجاز في اللغة مما يجوز في اللغة ولهذا قالوا أنه ليس في القرآن مجاز وأن الإمام أحمد  رحمه الله لا يقول أن في القرآن مجاز.

يقول المؤلف "وكذلك منع أن يكون في القرآن مجاز مُحَمَّدُ بْنُ خويز منداد وَغَيْرُهُ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَمَنَعَ أن يكون في القرآن مجاز دَاوُد بْنُ عَلِيٍّ وَابْنُهُ أَبُو بَكْرٍ وَمُنْذِرُ بْنُ سَعِيدٍ البلوطي وَصَنَّفَ فِي ذلكِ مُصَنَّفًا يبين أن ليس في القرآن مجاز».

يقول المؤلف رحمه الله " وَحَكَى بَعْضُ النَّاسِ عَنْ أَحْمَد فِي ذَلِكَ رِوَايَتَيْنِ»

الرجل: هؤلاء إذا نفوا في القرآن المجاز ينفونه أيضًا في اللغة ام أن لهم ربما أن لهم في اللغة.

(الشرح) نعم قد يقولون في اللغة فيذكر المؤلف رحمه الله أيضًا من قال أنه ليس في اللغة مجاز، منهم من قال ليس في القرآن مجاز ولكن في اللغة مجاز ومنهم من نفى أن يكون في القرآن مجاز وكذلك نفى أن يكون في اللغة مجاز كما سيأتي.

الرجل: وهل ظاهر كلام شيخ الإسلام ينفي أن يكون في اللغة وفي القرآن؟

(الشرح) نعم سيأتي كلامه إن شاء الله وسيتبين وهذا هو الظاهر، نعم.

يقول المؤلف «وَحَكَى بَعْضُ النَّاسِ عَنْ أَحْمَد فِي ذَلِكَ رِوَايَتَيْنِ" بعض الناس حكوا روايتين رواية أن في القرآن مجاز وروايه أنه ليس في القرآن مجاز».

يقول المؤلف رحمه الله  «والسبب في ذلك انه تعلقوا بهذه الكلمة التي قالها الإمام أحمد من مجاز اللغة

يقول المؤلف رحمه الله «  وَأَمَّا سَائِرُ الْأَئِمَّة" يعني الثلاثة وغيرهم مالك وأبو حنيفة والشافعي وغيرهم  "فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَلَا مِنْ قُدَمَاءِ أَصْحَابِ أَحْمَد إنَّ فِي الْقُرْآنِ مَجَازًا لَا مَالِكٌ وَلَا الشَّافِعِيُّ وَلَا أَبُو حَنِيفَةَ»

يعني بين المؤلف رحمه الله أن الأئمة الثلاثة لم يقولوا بأن في القرآن مجاز وكذلك متقدمون من أصحاب الإمام أحمد، وإنما الخلاف عند المتأخرين.

يقول المؤلف رحمه الله « فَإِنَّ تَقْسِيمَ الْأَلْفَاظِ إلَى حَقِيقَةٍ وَمَجَازٍ. إنَّمَا اُشْتُهِرَ فِي الْمِائَةِ الرَّابِعَةِ وَظَهَرَتْ أَوَائِلُهُ فِي الْمِائَةِ الثَّالِثَةِ وَمَا عَلِمْته مَوْجُودًا فِي الْمِائَةِ الثَّانِيَةِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي أَوَاخِرِهَا»

وبهذا يتبين ان تقسيم الالفاظ إلى حقيقة ومجاز غير معروفة عند القرون الثلاثة المفضلة وظهرت أوائله في المائة الثالثة.

يقول المؤلف وماعلمته مَوْجُودًا فِي الْمِائَةِ الثَّانِيَةِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي أَوَاخِرِهَا، ثم بين المؤلف رحمه الله أن الذين انكروا أن يكون أحمد قال في القرآن مجاز انهم تأملوا مع كلمة الإمام أحمد وسياقها وسباقها وتبين لهم أنه لا يريد به المجاز الذي يعنيه أهل المجاز.

ولهذا قال المؤلف « وَاَلَّذِينَ أَنْكَرُوا أَنْ يَكُونَ أَحْمَد وَغَيْرُهُ نَطَقُوا بِهَذَا التَّقْسِيمِ. قَالُوا: إنَّ مَعْنَى قَوْلِ أَحْمَد: مِنْ مَجَازِ اللُّغَةِ. أَيْ: مِمَّا يَجُوزُ فِي اللُّغَةِ أَنْ يَقُولَ الْوَاحِدُ الْعَظِيمُ الَّذِي لَهُ أَعْوَانٌ: نَحْنُ فَعَلْنَا كَذَا وَنَفْعَلُ كَذَا وَنَحْوَ ذَلِكَ» ، وهذا معروف في اللغة العربية فيأتي الملك فيقول نحن هزمناهم نحن قتلناهم، نحن كذا، هذا مما يجوز في اللغة، والذي هزمهم وقتلهم جيوشه ويقول الملك والسلطان نحن نبينا كذا ، نحن نبينا البيت وهو ولم يباشر البناء، وإنما باشره من أمرهم بذلك وهذا مما يجوز في اللغة.

يقول المؤلف رحمه الله يعني هؤلاء الذين أنكروا أحمد وغيرهم قالوا أن في اللغة مجاز في القرآن مجاز، قالوا ولا نريد أحمد بذلك أن اللفظ استعمل في غير ما وضع له لأن الذين قالوا أن في اللغة مجاز وفي القرآن مجاز قالوا اللفظ استعمل في غير ما وضع له، الحقيقة استعمال اللفظ فيما وضع له ، والمجاز استعمال اللفظ في غير ما وضع الله وسيبين المؤلف رحمه الله وسيفصل في هذا، نعم.

(المتن) وَقَدْ أَنْكَرَ طَائِفَةٌ أَنْ يَكُونَ فِي اللُّغَةِ مَجَازٌ لَا فِي الْقُرْآنِ وَلَا غَيْرِهِ كَأَبِي

إسْحَاقَ الإسفراييني. وَقَالَ الْمُنَازِعُونَ لَهُ: النِّزَاعُ مَعَهُ لَفْظِيٌّ فَإِنَّهُ إذَا سَلَّمَ أَنَّ فِي اللُّغَةِ لَفْظًا مُسْتَعْمَلًا فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ لَا يَدُلُّ عَلَى مَعْنَاهُ إلَّا بِقَرِينَةٍ؛ فَهَذَا هُوَ الْمَجَازُ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ مَجَازًا. فَيَقُولُ مَنْ يَنْصُرُهُ: إنَّ الَّذِينَ قَسَّمُوا اللَّفْظَ: حَقِيقَةً وَمَجَازًا قَالُوا: " الْحَقِيقَةُ " هُوَ اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِيمَا وُضِعَ لَهُ. " وَالْمَجَازُ " هُوَ اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ كَلَفْظِ الْأَسَدِ وَالْحِمَارِ إذَا أُرِيدَ بِهِمَا الْبَهِيمَةُ أَوْ أُرِيدَ بِهِمَا الشُّجَاعُ وَالْبَلِيدُ. وَهَذَا التَّقْسِيمُ وَالتَّحْدِيدُ يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ قَدْ وُضِعَ أَوَّلًا لِمَعْنَى ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ قَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي مَوْضُوعِهِ وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ مَوْضُوعِهِ؛ وَلِهَذَا كَانَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ أَهْلِ التَّقْسِيمِ أَنَّ كُلَّ مَجَازٍ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ حَقِيقَةٍ وَلَيْسَ لِكُلِّ حَقِيقَةٍ مَجَازٌ؟ فَاعْتَرَضَ عَلَيْهِمْ بَعْضُ مُتَأَخِّرِيهِمْ وَقَالَ: اللَّفْظُ الْمَوْضُوعُ قَبْلَ الِاسْتِعْمَالِ لَا حَقِيقَةٌ وَلَا مَجَازٌ فَإِذَا اُسْتُعْمِلَ فِي غَيْرِ مَوْضُوعِهِ فَهُوَ مَجَازٌ لَا حَقِيقَةَ لَهُ

(الشرح) نعم المؤلف رحمه الله يبين أن هناك طائفة من العلماء انكروا أن يكون في اللغة مجاز، ولم يقتصروا على لفظ المجاز في القرآن وفي السنة، بل قالوا ليس في القرآن مجاز، ولا في السنة مجاز، ولا في اللغة مجاز ومن هؤلاء، أبو إسْحَاقَ الإسفراييني وهو إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الاسفراييني اشتغل بالفقه والأصول وهو ممن يقول بمذهب الأشاعرة كان معاصر للباقلاني وابن( 33،23) وله مصنفات في الأصول والفقه، يرى أن المجاز لايوجد لا في القرآن ولا في السنة ولا في اللغة، والذين نازعوه وقالوا أنه يوجد في اللغة مجاز، قالوا النزاع لفظي، النِّزَاعُ مَعَهُ لَفْظِيٌّ فَإِنَّ الذي ينكر أن يكون في اللغة مجاز إذا سلم ان في اللغة لفظ مستعمل في غير ما وضع له لا يدل على معنى إلا بالقرينة هذا هو المجاز، وإن لم يسميه مجاز.

فيكون الخلاف لفظي، لكن  الذين انكروا ان يكون في اللغة مجاز يقولون غير هذا يقولون إن الذين قسموا اللفظ حقيقة ومجاز، قالوا " الْحَقِيقَةُ " هُوَ اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِيمَا وُضِعَ لَهُ. " وَالْمَجَازُ " هُوَ اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ ومثلوا بذلك بلفظ الأسد، الأسد موضوع للحيوان المفترس، فإذا استعمل في الشجاع فهو مجاز، والحمار موضوع للدابة التي يحمل عليها ، فإذا استعملت للرجل البليد فهو مجاز، فالأسد يطلق على الرجل الشجاع قالوا هذا حقيقة، ويطق على الحيوان المفترس فهو حقيقة لأنه وضع لذلك، ويطلق على الشجاع وهذا مجاز، والحمار يطلق على الدابة المعروفة وهذا حقيقة ويطلق على البليد وهذا مجاز.

وهذا التقسيم والتحديد يلزم منه أن يكون اللفظ وضع أول لمعنى ثم بعد ذلك استعمل في موضوعه واستعمل في غير موضوعه، فإن استعمل في موضوعه كان حقيقة، وإذا استعمل في غير موضوعه كان مجازًا.

ولهذا كان المشهور يقول المؤلف « وَلِهَذَا كَانَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ أَهْلِ التَّقْسِيمِ أَنَّ كُلَّ مَجَازٍ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ حَقِيقَةٍ وَلَيْسَ لِكُلِّ حَقِيقَةٍ مَجَازٌ) يعني اللفظ قد يوضع للشيء فإذا استعمل في غير موضوعه صار مجاز وقد يوضع في شيء ولا يستعمل في غير موضوعه، فاعترض عليهم بعض المتأخرين وَقَالَوا: اللَّفْظُ الْمَوْضُوعُ قَبْلَ الِاسْتِعْمَالِ لَا يسمى حَقِيقَةٌ وَلَا مَجَازٌ فَإِذَا اُسْتُعْمِلَ فِي غَيْرِ مَوْضُوعِهِ فَهُوَ مَجَازٌ لَا حَقِيقَةَ لَهُ. نعم.

(المتن) . وَهَذَا كُلُّهُ إنَّمَا يَصِحُّ لَوْ عُلِمَ أَنَّ الْأَلْفَاظَ الْعَرَبِيَّةَ وُضِعَتْ أَوَّلًا لِمَعَانٍ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ اُسْتُعْمِلَتْ فِيهَا؛ فَيَكُونُ لَهَا وَضْعٌ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ. وَهَذَا إنَّمَا صَحَّ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَجْعَلُ اللُّغَاتِ اصْطِلَاحِيَّةً فَيَدَّعِي أَنَّ قَوْمًا مِنْ الْعُقَلَاءِ اجْتَمَعُوا وَاصْطَلَحُوا عَلَى أَنْ يُسَمُّوا هَذَا بِكَذَا وَهَذَا بِكَذَا وَيَجْعَلَ هَذَا عَامًّا فِي جَمِيعِ اللُّغَاتِ. وَهَذَا الْقَوْلُ لَا نَعْرِفُ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَالَهُ قَبْلَ أَبِي هَاشِمِ بْنِ الجبائي؛ فَإِنَّهُ وَأَبَا الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيَّ كِلَاهُمَا قَرَأَ عَلَى أَبِي عَلِيٍّ الجبائي لَكِنَّ الْأَشْعَرِيَّ رَجَعَ عَنْ مَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ وَخَالَفَهُمْ فِي الْقَدَرِ وَالْوَعِيدِ وَفِي الْأَسْمَاءِ وَالْأَحْكَامِ وَفِي

صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَبَيَّنَ مِنْ تَنَاقُضِهِمْ وَفَسَادِ قَوْلِهِمْ مَا هُوَ مَعْرُوفٌ عَنْهُ. فَتَنَازَعَ الْأَشْعَرِيُّ وَأَبُو هَاشِمٍ فِي مَبْدَأِ اللُّغَاتِ؛ فَقَالَ أَبُو هَاشِمٍ: هِيَ اصْطِلَاحِيَّةٌ وَقَالَ الْأَشْعَرِيُّ: هِيَ تَوْقِيفِيَّةٌ. ثُمَّ خَاضَ النَّاسُ بَعْدَهُمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ فَقَالَ آخَرُونَ: بَعْضُهَا تَوْقِيفِيٌّ وَبَعْضُهَا اصْطِلَاحِيٌّ وَقَالَ فَرِيقٌ رَابِعٌ بِالْوَقْفِ.

(الشرح) نعم، المؤلف رحمه الله يبين ان  الذين قسموا الألفاظ إلى حقيقة ومجاز  لابد أن يقولوا أن الالفاظ وُضِعَتْ أَوَّلًا لِمَعَانٍ ثُمَّ تستعمل في معانيها وتستعمل فيما غير معانيها فيكون لها وضع متقدم على الاستعمال وهذا لا يصح إلا على من يجعل اللغة اصطلاحية، فيقول أن هناك قَوْمًا مِنْ الْعُقَلَاءِ اجْتَمَعُوا وَاصْطَلَحُوا عَلَى مسميات أن هَذَا يسمى ِكَذَا وَهَذَا بِكَذَا، وهذا لابد له من دليل ولا يوجد له دليل على هذا.

ولهذا قال المؤلف رحمه الله: « وَهَذَا كُلُّهُ إنَّمَا يَصِحُّ لَوْ عُلِمَ أَنَّ الْأَلْفَاظَ الْعَرَبِيَّةَ وُضِعَتْ أَوَّلًا لِمَعَانٍ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ اُسْتُعْمِلَتْ فِيهَا؛ فَيَكُونُ لَهَا وَضْعٌ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ»  وهذا إنما صح على قول من يجعل اللغات اصطلاحية، فَيَدَّعِي أَنَّ قَوْمًا مِنْ الْعُقَلَاءِ اجْتَمَعُوا وَاصْطَلَحُوا عَلَى أَنْ يُسَمُّوا هَذَا بِكَذَا وَهَذَا بِكَذَا وَيَجْعَلَ هَذَا عَامًّا فِي جَمِيعِ اللُّغَاتِ. ويقول المؤلف « وَهَذَا الْقَوْلُ لَا نَعْرِفُ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَالَهُ قَبْلَ أَبِي هَاشِمِ الجبائي»  فيتبنين بهذا أن أول من قال أن تقسيم الألفاظ إلى حقيقة ومجاز إنما هو معتزلة، هو الذين قالوا بهذا ولأن القول بتقسيم الألفاظ إلى حقيقة ومجاز هو ادعاء أن اللغات اصطلاحية، وأنه اصطلح على معانيها ثم استعملت في موضوعها وفي غير موضوعها وهذا يقول المؤلف رحمه الله شيخ الإسلام ابن تيمية لا نعرفها حتى من المسلمين قاله قبلها أبو هاشم الجبائي، ابو هاشم الجبائي من المعتزلة معروف يقول فَإِنَّهُ وَأَبَا الْحَسَنِ كِلَاهُمَا قَرَأَ عَلَى أَبِي عَلِيٍّ الجبائي، أبو هاشم الجبائي معتزلي وأبو الحسن الأشعري كان معتزلي ثم انتقل بعد ذلك إلى  مذهب وسط ثم مذهب الأشاعرة وكل منها تتلمذ على ابي علي الجبائي، كل من أبو هاشم الجبائي وأبو الحسن الأشعري تتلمذ على أبي علي الجبائي، وأبو علي الجبائي معتزلي، ثم بعد ذلك أبو الحسن رجع عن مذهب المعتزلة وخالفهم وبقي أبو هاشم الجبائي على مذهب المعتزلة ولهذا قال المؤلف رحمه لله « فَإِنَّهُ وَأَبَا الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيَّ كِلَاهُمَا قَرَأَ عَلَى أَبِي عَلِيٍّ الجبائي لَكِنَّ الْأَشْعَرِيَّ رَجَعَ عَنْ مَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ وَخَالَفَهُمْ) يعني خالف المعتزلة في القدر والوعيد وفي الأسماء والأحكام وفي صفات الله، يعني خالف المعتزلة في هذا، المعتزلة يقولون في القدر أن العباد خالقون لأفعالهم وأبو الحسن الاشعري لا يقولون بهذا وكذلك في الوعيد.

 فالمعتزلة يقولون أن مرتكب الكبيرة يخرج من الإيمان ولا يدخل في الكفر ويخلد في النار، ولا يقول بهذا الأشاعرة، وكذلك في الأسماء، تسمية مرتكب الكبيرة يسموه المعتزلة فاسق لا مؤمن ولا كافر يقولون خرج من الإيمان، ولا يقول بذلك الأشاعرة وكذلك في الأحكام فإن المعتزلة يحكمون على مرتكب الكبيرة  بالخلود في النار ولا يقول بذلك الأشاعرة وكذلك في صفات الله تعالى فأن المعتزلة ينكرون الصفات ولا (40،25) الأشاعرة لا يقولن بهذا بل  يثبتون سبع صفات ومنهم ما يثبت  أكثر والمشهور عنهم سبع صفات الحياة والكلام والبصر والسمع والإرادة والعلم والقدرة.

وبين ابو الحسن الأشعري تناقضهم وفياد قولهم ثم بعد ذلك تنازع أبو حسن الأشعري وأبو هاشم في مبدأ اللغات فَقَالَ أَبُو هَاشِمٍ: هِيَ اصْطِلَاحِيَّةٌ  ومعنى اصطلاحية اصطلح قومٌ فوضعوا ألفاظ لمعاني وَقَالَ أبو حسن الْأَشْعَرِيُّ: هِيَ تَوْقِيفِيَّةٌ،  أَبُو هَاشِمٍ يقول هِيَ اصْطِلَاحِيَّةٌ وَ أبو الحسن الْأَشْعَرِيُّ يقول  هِيَ تَوْقِيفِيَّةٌ، ثم بعض الناس بعد هذين الرجلين أبو هاشم والأشعري هوى الناس في هذه المسألة الذين جاءوا بعدهما فمنهم من قال أنها، فقال بعضهم بَعْضُ اللغة تَوْقِيفِيٌّ وَبَعْضُهَا اصْطِلَاحِيٌّ وقال بعضهم هي اصطلاحية وقال بعضهم توقيفية وَقَالَ فَرِيقٌ رَابِعٌ بِالْتوَقْفِ.

فصارت المسألة أربعة أقول: القول الأول أنها اصطلاحية، الثاني أنها توقيفية، الثالث أن بعضها توقيفي وبعضها اصطلاحي، الرابع أقام بالتوقف، نعم.

(سؤال) وكونها اصطلاحي يعني مما أحدثه الناس.

(الشرح) جماعة من العقلاء جاءوا واصطلحوا على تسمية هذه المعاني بكذا لوضع ألفاظ

(سائل) وتوقيفي؟

(الشرح) وتوقيفي، كما علمه الله وكما سيأتي الله ألهم أدم وعلم أدم الأسماء كلها، وألهمهم ذلك ألهامًا.

(القارى) لعلنا في قولنا نشير إلى الأخوة حتى لا تفهم خطًا في قولكم ان أبا الحسن الأشعري توسط وأخذ المذهب الوسط؛ المراد بها انه كان معتزليًا ثم جاء إلى مذهب الاشاعرة.

(الشرح) توسط بين أهل السنة والمعتزلة.

(القارئ) وليس المقصود الوسط أنه هو الحق.

(الشرح) لا يعني أنه انتقل من مذهب الأشاعرة إلى مذهب المعتزلة تحول.

(القارئ) نعم تحول، بعضهم ينسب إلى.

(الشرح) ثم بعد ذلك انتقل إلى مذهب السنة والجماعة لكن بقيت بعض الأشياء في كتاب الديانة انتقل ورجع ما يقول في الأشاعرة خطب الناس في الجامع، وخلع ثوبه وقال أني رجعت عن أرائي كما أخلع هذا الثوب، لكن بقت عليه أشياء يسيرة.

(سائل) في قول المؤلف الحديث حول هذه المسائل كون اللغة توقيفية أو اصطلاحية يريد من هذا كله أن يصل إلى قضيه وهي أن  ينفي أن كون الكلام حقيقة وجاز.

(الشرح) تقسيم، تقسيم، تقسيم الألفاظ إلى حقيقة ومجاز ويبين أنه حادث، هذا التقسيم حادث ليس له أصل، وليس هناك إلا حقيقة، اللغة وضعت وضعها العرب وألهمها الله العرب وتكلموا بها، وأصل ذلك إلهام الله لأدم كما قال {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا}[البقرة:33]

وسيأتي تفصي هذا سيتوسع المؤلف رحمه الله في هذا توسع في هذا يأتي تفصيل يوضح معنى.

(القارئ) لكن مراد الرد على من قال أن الإيمان مجاز يطلق فقط على.

(الشرح) نعم هذا هو الأصل  الرد على المردئة الذين يقولون  أن الاعمال أن الفرصة التي دلت على أن الأعمال داخله في مسمى المجاز، يبين أن كلمة المجاز أصل حادث لا أصل له في اللغة، وليس في اللغة مجاز وإنما كل اللغة حقيقة.

(المتن) سأعود قليلًا احسن الله لكم من فقرة قراناها ي حلقة ماضية في قوله شيخ الإسلام لأنه لم يتكلم به أحد من الصحابة ولا التابعين لهم بإحسان ولا أحد من الأئمة المشهورين، ثم قال وهذا اصطلاح حادث بعد انقضاء القرون الثلاثة، ثم ذكر أن ابا  عبيدة معمر بن المثنى وقد توفي سنة مائتي وتسعة للهجرة تكلم في مجاز القرآن بلفظ المجاز، هل مراد شيخ الإسلام أنه لم يأتي التقسيم بكونه حقيقة ومجاز بهذا الاصطلاح فقط.

(الشرح) مراده أن الاصطلاح أشتهر  في المائة الرابعة هذا الاصطلاح، وأما ما سبق قبل ذلك فهي كلمات محتملة.

(القارئ) نعم.

(الشرح) مثل كلمة أبا عبيدة معمر بن مثنى وكلمة الإمام أحمد اشتبهت على بعض الناس وهما لا يريدان بها المجاز الذي هو قسيم الحقيقة وإنما يريدان بها ما يجوز من اللغة ما يجوز في اللغة، فتعلق بها بعض الناس وقالوا إن الإمام أحمد يقول بالمجاز من المتأخرين من أصحابه  والقدماء من أصحابه لم يقولوا بذلك لأنهم عرفوا مراده  رحمه الله.

(القارئ) وكتاب ابا عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن كله يريد به أن مجاز الآيه مايعبر به عن الآيه.

(الشرح) لا لا يجوز.

(المتن) جزاكم الله خير.

(الشرح) ولهذا الإمام البخاري أعتمد عليه  في تفسير  الكلمات في صحيحة حينما يترجم ثم يأتي بكلمات ويعتمد على تفسير ابا عبيدة معمر المثنى  مجاز القرآن.

 

المجاز يقول مرادف لا يجوز أي .

الرجل: (45:45)

(الشرح) وهو مدخل الآن لأهل البدع في تأويل الصفات وأول من قال ذلك المعتزلة قسموا ذلك في تأويل الصفات يقول { ثم أستوى على العرش} مجاز معناه الإسيلاء يدخل من هذا الباب، نعم.

(المتن) وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَحَدًا أَنْ يَنْقُلَ عَنْ الْعَرَبِ بَلْ وَلَا عَنْ أُمَّةٍ مِنْ الْأُمَمِ أَنَّهُ اجْتَمَعَ جَمَاعَةٌ فَوَضَعُوا جَمِيعَ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ الْمَوْجُودَةِ فِي اللُّغَةِ ثُمَّ اسْتَعْمَلُوهَا بَعْدَ الْوَضْعِ وَإِنَّمَا الْمَعْرُوفُ الْمَنْقُولُ بِالتَّوَاتُرِ اسْتِعْمَالُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ فِيمَا عَنَوْهُ بِهَا مِنْ الْمَعَانِي فَإِنْ ادَّعَى مُدَّعٍ أَنَّهُ يَعْلَمُ وَضْعًا يَتَقَدَّمُ ذَلِكَ فَهُوَ مُبْطِلٌ فَإِنَّ هَذَا لَمْ يَنْقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ. وَلَا يُقَالُ: نَحْنُ نَعْلَمُ ذَلِكَ بِالدَّلِيلِ؛ فَإِنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ اصْطِلَاحٌ مُتَقَدِّمٌ لَمْ يُمْكِنْ الِاسْتِعْمَالُ. قِيلَ: لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ؛ بَلْ نَحْنُ نَجِدُ أَنَّ اللَّهَ يُلْهِمُ الْحَيَوَانَ مِنْ الْأَصْوَاتِ مَا بِهِ يَعْرِفُ بَعْضُهَا مُرَادَ بَعْضٍ وَقَدْ سُمِّيَ ذَلِكَ مَنْطِقًا وَقَوْلًا فِي قَوْلِ سُلَيْمَانَ: {عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ} . وَفِي قَوْلِهِ: {قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ} وَفِي قَوْلِهِ: {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ} . وَكَذَلِكَ الْآدَمِيُّونَ؛ فَالْمَوْلُودُ إذَا ظَهَرَ مِنْهُ التَّمْيِيزُ سَمِعَ أَبَوَيْهِ أَوْ مَنْ يُرَبِّيهِ يَنْطِقُ بِاللَّفْظِ وَيُشِيرُ إلَى الْمَعْنَى فَصَارَ يَفْهَمُ أَنَّ ذَلِكَ اللَّفْظَ يُسْتَعْمَلُ فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى أَيْ: أَرَادَ الْمُتَكَلِّمُ بِهِ ذَلِكَ الْمَعْنَى ثُمَّ هَذَا يَسْمَعُ لَفْظًا بَعْدَ لَفْظٍ حَتَّى يَعْرِفَ لُغَةَ الْقَوْمِ الَّذِينَ نَشَأَ بَيْنَهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونُوا قَدْ اصْطَلَحُوا مَعَهُ عَلَى وَضْعٍ مُتَقَدِّمٍ؛ بَلْ وَلَا أَوْقَفُوهُ عَلَى مَعَانِي الْأَسْمَاءِ

وَإِنْ كَانَ أَحْيَانًا قَدْ يَسْأَلُ عَنْ مُسَمَّى بَعْضِ الْأَشْيَاءِ فَيُوقَفُ عَلَيْهَا كَمَا يُتَرْجَمُ لِلرَّجُلِ اللُّغَةُ الَّتِي لَا يَعْرِفُهَا فَيُوقَفُ عَلَى مَعَانِي أَلْفَاظِهَا وَإِنْ بَاشَرَ أَهْلُهَا مُدَّةَ عِلْمِ ذَلِكَ بِدُونِ تَوْقِيفٍ مِنْ أَحَدِهِمْ.

(الشرح) فأن المؤلف رحمه الله لا يزال يرد على المرجئة الذين يقولون أن النصوص التي دلت على إدخال الأعمال في مسمى الإيمان مجاز، وإنما مسمى حقيقة الإيمان إنما هو التصديق بالقلب تمسكًا بالحديث على جبرائيل المشهور حينما سائل النبي صلى الله عليه وسلم على  الإيمان قال « أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الأخر وتؤمن بالقدر خيره وشره».

ويبين المؤلف رحمه الله أن تقسيم الألفاظ إلى حقيقة ومجاز تقسيم حادث لا يوجد في اللغة، ولا في القرآن ولا في السنة ولا في اللغة، وأن القول بأن اللفظ ينقسم إلى حقيقة ومجاز، يقتضي أن تكون اللغة اصطلاحية وأن تكون  اجتمع جماعة فوضعوا الألفاظ، لمعاني ثم استعملوها فيما وضعوها له واستعملوها في غير ما وضعت له،  فإذا استعملوها فيما وضعوها له سموها حقيقة، وإذا استعملوها في غير ما وضعت له سموها مجازًا. يقول المؤلف رحمه الله أن هذا ليس بصحيح  لَا يُمْكِنُ أَحَدًا أَنْ يَنْقُلَ عَنْ الْعَرَبِ أنهم فعلوا ذلك وأنهم اصطلحوا على وضع ألفاظ للمعاني ثم استعملوها فيما وضعت له وفيما لم توضع له، وإنما العرب تكلموا بما تكلموا به ابتداء الهمهم الله ذلك، فتكلموا بذلك.

ولهذا قال المؤلف رحمه الله « وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَحَدًا أَنْ يَنْقُلَ عَنْ الْعَرَبِ بَلْ وَلَا عَنْ أُمَّةٍ مِنْ الْأُمَمِ أَنَّهُ اجْتَمَعَ جَمَاعَةٌ فَوَضَعُوا جَمِيعَ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ الْمَوْجُودَةِ فِي اللُّغَةِ ثُمَّ اسْتَعْمَلُوهَا بَعْدَ الْوَضْعِ) »  وهذا لا يستطيع أحد ان ينقل هذا عن اللغة بل ولا حتى عن أمة من الأمم، أنه اجْتَمَعَ جَمَاعَةٌ فَوَضَعُوا هَذِهِ الْأَسْمَاءِ الْمَوْجُودَةِ فِي اللُّغَةِ وضعوها لمعانن معينه ثُمَّ اسْتَعْمَلُوهَا بَعْدَ الْوَضْعِ وإنما المعروف المنقول بالتواتر استعمال هذه الألفاظ فيما عرف بها من المعاني، من اين يعني من غير أن يكون هناك وضع سابق من جماعة ابتدعوا اللغة وصارت اصطلاحية لأنه يلزم من ذلك لقولهم أن يكون جماعة اجتمعوا واصطلحوا على تسمية المعاني بهذه الألفاظ.

يقول المؤلف رحمه الله « فَإِنْ ادَّعَى مُدَّعٍ أَنَّهُ يَعْلَمُ وَضْعًا يَتَقَدَّمُ ذَلِكَ فَهُوَ مُبْطِلٌ»  لو أدعى أحد أن هناك وضع متقدم بهذه الألفاظ يعني اجتمع جماعة واصطلحوا على وضع هذه المعاني، فأن هذا مبطل لأنه ليس عنده دليل ولهذا قال فأن هذا لم يقله واحد من الناس، وإذا كانت الدعوة ليس عليها دليل فأنها باطلة، فدعوى بعض الناس أن هناك وضع سابق نقول هذا باطل بأنه لم يقله أحدٌ من الناس ، ثم قال المؤلف رحمه الله«  ولا يقال نَحْنُ نَعْلَمُ ذَلِكَ بِالدَّلِيلِ يُقَالُ: نَحْنُ نَعْلَمُ ذَلِكَ بِالدَّلِيلِ؛ فَإِنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ اصْطِلَاحٌ مُتَقَدِّمٌ لَمْ يُمْكِنْ الِاسْتِعْمَالُ. »

لو قال شخص أنَ نعلم ذلك بالدليل لا يصح كلامه لأنه إذا لم يكن اصطلاح متقدم فلا يمكن استعماله، لو قال قائل، نحن نعلم ذلك بالدليل، لأنه أن لم يكن اصطلاح متقدم لم يمكن الاستعمال، لو قال اعترض هذا اعتراض، اعترض معترض وقال نحن نعلم بالدليل أن اللغة تنقسم إلى حقيقة ومجاز والالفاظ تنقسم إلى حقيقة ومجاز، لأنه أن لم يكن اصطلاح متقدم فلا يمكن الاستعمال، يعني لابد أن يكون هناك اصطلاح متقدم وإلا فلا يمكن الاستعمال، أجاب المؤلف رحمه الله عن هذا الشبه وهذا الاعتراض بقوله ليس الأمر كذلك بَلْ نَحْنُ نَجِدُ أَنَّ اللَّهَ يُلْهِمُ الْحَيَوَانَ مِنْ الْأَصْوَاتِ مَا بِهِ يَعْرِفُ بَعْضُهَا مُرَادَ بَعْضٍ وَقَدْ سُمِّيَ ذَلِكَ مَنْطِقًا وَقَوْلًا فِي قَوْلِ سُلَيْمَانَ: {عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ}.

وهذه الحيوانات لهذا اصطلاح متقدم وإنما أصواتها ألهمها الله هذه الأصوات فصار بعضها يعرف مراد بعض، كذلك أهل اللغة ألهمهم الله فصاروا يعرفون هذه المعاني لهذه الألفاظ من غير أن يكون هناك اصطلاح متقدم، وكما في قوله تعالى وَفِي قَوْلِهِ: {قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ}  قد فهم سليمان كلامها، وفي قَوْلِهِ: {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ} . وَكَذَلِكَ الْآدَمِيُّونَ؛ فَالْمَوْلُودُ إذَا ظَهَرَ مِنْهُ التَّمْيِيزُ سَمِعَ أَبَوَيْهِ أَوْ مَنْ يُرَبِّيهِ يَنْطِقُ بِاللَّفْظِ وَيُشِيرُ إلَى الْمَعْنَى ؛ فمثلًا يسمع أبويه ينطق الماء، ويشير إليه، فالصبي يعرف ان هذا كلمة الماء موضوعه لهذا الماء السائل الذي يرويه، فالمولود إذا ظهر منه التميز سَمِعَ أَبَوَيْهِ أَوْ مَنْ يُرَبِّيهِ يَنْطِقُ بِاللَّفْظِ وَيُشِيرُ إلَى الْمَعْنَى فَصَارَ يَفْهَمُ أَنَّ ذَلِكَ اللَّفْظَ يُسْتَعْمَلُ فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى أي أَرَادَ الْمُتَكَلِّمُ ذَلِكَ الْمَعْنَى ثُمَّ هَذَا يَسْمَعُ لَفْظًا بَعْدَ لَفْظٍ حَتَّى يَعْرِفَ لُغَةَ الْقَوْمِ الَّذِينَ نَشَأَ بَيْنَهُمْ كل واحد يسمع اللفظ ويعرف أنه أريد به ذلك المعني، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونُوا قَدْ اصْطَلَحُوا مَعَهُ عَلَى وَضْعٍ مُتَقَدِّمٍ  ولهذا قال مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونُوا قَدْ اصْطَلَحُوا مَعَهُ عَلَى وَضْعٍ مُتَقَدِّمٍ؛ بَلْ وَلَا أَوْقَفُوهُ عَلَى مَعَانِي الْأَسْمَاءِ.

وإِنْ كَانَ أَحْيَانًا قَدْ يَسْأَلُ عَنْ مُسَمَّى بَعْضِ الْأَشْيَاءِ فَيُوقَفُ عَلَيْهَا كَمَا يُتَرْجَمُ لِلرَّجُلِ اللُّغَةُ الَّتِي لَا يَعْرِفُهَا فَيُوقَفُ عَلَى مَعَانِي أَلْفَاظِهَا؛ يعني مثل الأعجمي فإذا سأل عن الأكل مثلا أو عن الخبز فإنه يؤتى بالرغيف ويشار إيه ويقال له هذا الخبز ويترجم له معناه فيوقف على معاني ألفاظها، وَقد يبَاشَر أَهْلُهَا مُدَّةَ فيعِلْمِ بذَلِكَ بِدُونِ تَوْقِيفٍ ؛ قد يباشر الأعجمي أهلها مدة فمن طول الاحتكاك والمباشرة يعلم معنى ذلك  ذلك بدون توقيف من أحدهم، نعم.

(المتن) قال رحمه الله نَعَمْ قَدْ يَضَعُ النَّاسُ الِاسْمَ لِمَا يَحْدُثُ مِمَّا لَمْ يَكُنْ مِنْ قَبْلِهِمْ يَعْرِفُهُ فَيُسَمِّيهِ كَمَا يُولَدُ لِأَحَدِهِمْ وَلَدٌ فَيُسَمِّيهِ اسْمًا إمَّا مَنْقُولًا وَإِمَّا مُرْتَجَلًا وَقَدْ يَكُونُ الْمُسَمَّى وَاحِدًا لَمْ يَصْطَلِحْ مَعَ غَيْرِهِ وَقَدْ يَسْتَوُونَ فِيمَا يُسَمُّونَهُ. وَكَذَلِكَ قَدْ يَحْدُثُ لِلرَّجُلِ آلَةٌ مِنْ صِنَاعَةٍ أَوْ يُصَنِّفُ كِتَابًا أَوْ يَبْنِي مَدِينَةً وَنَحْوَ ذَلِكَ فَيُسَمِّي ذَلِكَ بِاسْمِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْأَجْنَاسِ الْمَعْرُوفَةِ حَتَّى يَكُونَ لَهُ اسْمٌ فِي اللُّغَةِ الْعَامَّةِ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ: {الرَّحْمَنِ} {عَلَّمَ الْقُرْآنَ} {خَلَقَ الْإِنْسَانَ} {عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} . و {قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ}.

(الشرح) وقال، يعني وقال تعالى.

(المتن) في نسختنا بدون وقال وَقَالَ: {الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى} {وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى} . فَهُوَ سُبْحَانَهُ يُلْهِمُ الْإِنْسَانَ الْمَنْطِقَ كَمَا يُلْهِمُ غَيْرَهُ. وَهُوَ سُبْحَانَهُ إذَا كَانَ قَدْ عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا وَعَرَضَ الْمُسَمَّيَاتِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ كَمَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ فِي كِتَابِهِ فَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يُعَلِّمْ آدَمَ جَمِيعَ اللُّغَاتِ الَّتِي يَتَكَلَّمُ بِهَا جَمِيعُ النَّاسِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَأَنَّ تِلْكَ اللُّغَاتِ اتَّصَلَتْ إلَى أَوْلَادِهِ فَلَا يَتَكَلَّمُونَ إلَّا بِهَا فَإِنَّ دَعْوَى هَذَا كَذِبٌ ظَاهِرٌ فَإِنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إنَّمَا يُنْقَلُ عَنْهُ بَنُوهُ وَقَدْ أَغْرَقَ اللَّهُ عَامَ الطُّوفَانِ جَمِيعَ ذُرِّيَّتِهِ إلَّا مَنْ فِي السَّفِينَةِ وَأَهْلُ السَّفِينَةِ انْقَطَعَتْ ذُرِّيَّتُهُمْ إلَّا أَوْلَادَ نُوحٍ وَلَمْ يَكُونُوا يَتَكَلَّمُونَ بِجَمِيعِ مَا تَكَلَّمَتْ بِهِ الْأُمَمُ بَعْدَهُمْ. فَإِنَّ " اللُّغَةَ الْوَاحِدَةَ " كَالْفَارِسِيَّةِ وَالْعَرَبِيَّةِ وَالرُّومِيَّةِ وَالتُّرْكِيَّةِ فِيهَا مِنْ الِاخْتِلَافِ وَالْأَنْوَاعِ مَا لَا يُحْصِيهِ إلَّا اللَّهُ، وَالْعَرَبُ أَنْفُسُهُمْ

لِكُلِّ قَوْمٍ لُغَاتٌ لَا يَفْهَمُهَا غَيْرُهُمْ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يُنْقَلَ هَذَا جَمِيعُهُ عَنْ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَانُوا فِي السَّفِينَةِ وَأُولَئِكَ جَمِيعُهُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ نَسْلٌ وَإِنَّمَا النَّسْلُ لِنُوحِ وَجَمِيعُ النَّاسِ مِنْ أَوْلَادِهِ وَهُمْ ثَلَاثَةٌ: سَامُ وحام ويافث كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ}فَلَمْ يَجْعَلْ بَاقِيًا إلَّا ذُرِّيَّتَهُ وَكَمَا رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَنَّ أَوْلَادَهُ ثَلَاثَةٌ ". رَوَاهُ أَحْمَد وَغَيْرُهُ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الثَّلَاثَةَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَنْطِقُوا بِهَذَا كُلِّهِ وَيَمْتَنِعُ نَقْلُ ذَلِكَ عَنْهُمْ؛ فَإِنَّ الَّذِينَ يَعْرِفُونَ هَذِهِ اللُّغَةَ لَا يَعْرِفُونَ هَذِهِ، وَإِذَا كَانَ النَّاقِلُ ثَلَاثَةً؛ فَهُمْ قَدْ عَلِمُوا أَوْلَادَهُمْ، وَأَوْلَادُهُمْ عَلِمُوا أَوْلَادَهُمْ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَاتَّصَلَتْ. وَنَحْنُ نَجِدُ بَنِي الْأَبِ الْوَاحِدِ يَتَكَلَّمُ كُلُّ قَبِيلَةٍ مِنْهُمْ بِلُغَةِ لَا تَعْرِفُهَا الْأُخْرَى وَالْأَبُ وَاحِدٌ، لَا يُقَالُ: إنَّهُ عَلَّمَ أَحَدَ ابْنَيْهِ لُغَةً وَابْنَهُ الْآخَرَ لُغَةً؛ فَإِنَّ الْأَبَ قَدْ لَا يَكُونُ لَهُ إلَّا ابْنَانِ وَاللُّغَاتُ فِي أَوْلَادِهِ أَضْعَافُ ذَلِكَ.

(الشرح) المؤلف رحمه الله لايزال يذكر من الادلة والبيان والإيضاح ما يدعم به ما قرره من أن القرآن ليس فيه مجاز والسنة ليس فيها مجاز واللغة ليس فيها مجاز يقول رحمه الله « نَعَمْ قَدْ يَضَعُ النَّاسُ الِاسْمَ لِمَا يَحْدُثُ مِمَّا لَمْ يَكُنْ مِنْ قَبْلِهِمْ يَعْرِفُهُ فَيُسَمِّيهِ كَمَا يُولَدُ لِأَحَدِهِمْ وَلَدٌ فَيُسَمِّيهِ اسْمًا إمَّا مَنْقُولًا وَإِمَّا مُرْتَجَلًا) يعني أنه قد يضع بعض الناس الاسم بشيء يحدث كالولد حينما يوضع اسم الولد وهذا أما منقول نقله عن غيره وإما مرتجل ابتدأه، ارتجل كان يسميه مثلا ابنه مثلا يسميه صالح أو محمد أو إبراهيم أو يرتجل ارتجال، كأن يرتجل كلمة ويسميه، كلمه هكذا كان يسميه مثلا شاب قرناها) أو يسميه جملة أو يسميه مثلا يرتجل ارتجال لم ينقله عن غيره، أما أن يكون هذا الاسم منقول أو مرتجل يرتجله ابتدأً وقد يقول المؤلف« وَقَدْ يَكُونُ الْمُسَمَّى وَاحِدًا لَمْ يَصْطَلِحْ مَعَ غَيْرِهِ »  يعني هذا المسمى يكون واحدًا يوصلها عن غيره وهذا فيه الرد على من قال أن اللغات اصطلاحية وأن اللفظ لابد أن يصطلح عليه جماعة، قد يكون المسمى واحد لم يصطلح مع غيره، وَقَدْ يَسْتَوُونَ فِيمَا يُسَمُّونَهُ. وَكَذَلِكَ قَدْ يَحْدُثُ لِلرَّجُلِ آلَةٌ مِنْ صِنَاعَةٍ أَوْ يُصَنِّفُ كِتَابًا أَوْ يَبْنِي مَدِينَةً وَنَحْوَ ذَلِكَ فَيُسَمِّيه بِاسْمِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْأَجْنَاسِ الْمَعْرُوفَةِ حَتَّى يَكُونَ لَهُ اسْمٌ فِي اللُّغَةِ الْعَامَّةِ)، وهذ كله يقرر أن المؤلف رحمه الله ان اللغة ليست اصطلاحية وليست حادثة اصطلح عليها قومٌ فوضعوا، مبادأها وإنما هو إلحاق من الله تعالى وتعليم منه سبحانه واستدل المؤلف وَقَدْ قَالَ اللَّهُ: {الرَّحْمَنِ} {عَلَّمَ الْقُرْآنَ} {خَلَقَ الْإِنْسَانَ} {عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} .تعليم من الله، وقال سبحانه  {قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} . وَقَالَ: {الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى} {وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى} فهذه اللغة تعليم من الله وهداية انطقهم الله والهام ولهذا قال المؤلف رحمه الله فَهُوَ سُبْحَانَهُ يُلْهِمُ الْإِنْسَانَ الْمَنْطِقَ كَمَا يُلْهِمُ غَيْرَهُ، كما الله تعالى ألهم الإنسان المنطق كما ألهمه النفس وكما ألهمه أن يأكل ويشرب وأن الأكل يدفع الجوع وأن الشرب يدفع الظمأ وكما ألهمه أن يستدفي في البرد وكما ألهمه أن يأخذ السلاح  يدفع به عدوه من السباع والحيات والعقارب وغيرها، كل هذا إلهام من الله.

كذلك ألهمه سبحانه وتعالى اللغة، يقول المؤلف«  وَهُوَ سُبْحَانَهُ إذَا كَانَ قَدْ عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا وَعَرَضَ الْمُسَمَّيَاتِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ كَمَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ فِي كِتَابِهِ ) كقوله تعالى{وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ }[البقرة:31]

يقول المؤلف فَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّهُ « لَمْ يُعَلِّمْ آدَمَ جَمِيعَ اللُّغَاتِ الَّتِي يَتَكَلَّمُ بِهَا جَمِيعُ النَّاسِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَأَنَّ تِلْكَ اللُّغَاتِ اتَّصَلَتْ إلَى أَوْلَادِهِ فَلَا يَتَكَلَّمُونَ إلَّا بِهَا فَإِنَّ دَعْوَى هَذَا كَذِبٌ»ظاهر

لا يقال أن آدم علمه الله جميع اللغات التي تكلم بها أولاده إلى يوم القيامة يقول هذه الدعوة كذب الظاهر وبيان ذلك أن آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إنَّمَا يُنْقَلُ عَنْهُ بَنُوهُ الذي ينقل عن أدم بنوه، وَقَدْ أَغْرَقَ اللَّهُ عَامَ الطُّوفَانِ جَمِيعَ ذُرِّيَّتِهِ إلَّا مَنْ فِي السَّفِينَةِ كما قال الله تعالى{وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ}[الصافات:77]

وَأَهْلُ السَّفِينَةِ انْقَطَعَتْ ذُرِّيَّتُهُمْ إلَّا أَوْلَادَ نُوحٍ يعني الذين أغرق الله أهل الأرض ولم يسلم منهم إلا أهل السفينة ، ثم لم نزلوا من السفينة أنقرض، انقرضوا، إلا أولاد نوح وغير ذلك كلهم انقرضوا لم يبقى لهم نسب وبقي أولاد نوح وهم ثلاثة، فلا يمكن أن نقول الثلاثة علمهم أباءهم جميع اللغات إلى يوم القيامة، ولهذا قال المؤلف رحمه الله « وَقَدْ أَغْرَقَ اللَّهُ عَامَ الطُّوفَانِ جَمِيعَ ذُرِّيَّتِهِ إلَّا مَنْ فِي السَّفِينَةِ وَأَهْلُ السَّفِينَةِ انْقَطَعَتْ ذُرِّيَّتُهُمْ إلَّا أَوْلَادَ نُوحٍ وَلَمْ يَكُونُوا يَتَكَلَّمُونَ بِجَمِيعِ مَا تَكَلَّمَتْ بِهِ الْأُمَمُ بعدهم بيان ذلك ، قال المؤلف « فَإِنَّ " اللُّغَةَ الْوَاحِدَةَ " كَالْفَارِسِيَّةِ وَالْعَرَبِيَّةِ وَالرُّومِيَّةِ وَالتُّرْكِيَّةِ فِيهَا مِنْ الِاخْتِلَافِ وَالْأَنْوَاعِ مَا لَا يُحْصِيهِ إلَّا اللَّهُ»  فكيف يقال أن أولاد نوح علمهم ابائهم هذا الاختلاف الواسع.

يقول المؤلف « وَالْعَرَبُ أَنْفُسُهُمْ ِكُلِّ قَوْمٍ لُغَاتٌ لَا يَفْهَمُهَا غَيْرُهُمْ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يُنْقَلَ هَذَا جَمِيعُهُ عَنْ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَانُوا فِي السَّفِينَةِ وَأُولَئِكَ جَمِيعُهُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ نَسْلٌ وَإِنَّمَا النَّسْلُ لِنُوحِ وَجَمِيعُ النَّاسِ مِنْ أَوْلَادِهِ وَهُمْ ثَلَاثَةٌ: سَامُ وحام ويافث كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ} . فَلَمْ يَجْعَلْ بَاقِيًا إلَّا ذُرِّيَّتَهُ وَكَمَا رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَنَّ أَوْلَادَهُ ثَلَاثَةٌ ". رَوَاهُ أَحْمَد وَغَيْرُهُ»

رواه أيضًا الحاكم في مستدركه، عن سمرة بن جندب وقال فيه صحيح الاسناد ولم يخرجاه ووافق على صحة التوفيق ورواه أحمد في المسند هكذا ذكر المحقق والمعنى أنه لا يمكن ان يكون أولاد نوح الثلاثة علمهم آبائهم جميع اللغات مع الاختلاف الشديد والتوسع، ولهذا قال رحمه الله « وَمَعْلُومٌ أَنَّ الثَّلَاثَةَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَنْطِقُوا بِهَذَا كُلِّهِ وَيَمْتَنِعُ نَقْلُ ذَلِكَ عَنْهُمْ؛ فَإِنَّ الَّذِينَ يَعْرِفُونَ هَذِهِ اللُّغَةَ لَا يَعْرِفُونَ هَذِهِ اللغة، وَإِذَا كَانَ النَّاقِلُ ثَلَاثَةً؛ فَهُمْ قَدْ عَلِمُوا أَوْلَادَهُمْ، وَأَوْلَادُهُمْ عَلِمُوا أَوْلَادَهُمْ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَاتَّصَلَتْ وَنَحْنُ نَجِدُ بَنِي الْأَبِ الْوَاحِدِ يَتَكَلَّمُ كُلُّ قَبِيلَةٍ مِنْهُمْ بِلُغَةِ لَا تَعْرِفُهَا الْأُخْرَى وَالْأَبُ وَاحِدٌ»

إذا كان بنو الأب الواحد لا يعرف بعضهم اللغة الأكيف يقال أن، أن اللغة كلها وضعت وأن وضعت لها ألفاظ اصطلاحية.

يقول المؤلف « لَا يُقَالُ: إنَّهُ عَلَّمَ أَحَدَ ابْنَيْهِ لُغَةً وَابْنَهُ الْآخَرَ لُغَةً؛ فَإِنَّ الْأَبَ قَدْ لَا يَكُونُ لَهُ إلَّا ابْنَانِ وَاللُّغَاتُ فِي أَوْلَادِهِ أَضْعَافُ ذَلِكَ»

فتبين بذلك أن القول بأن اللغة اصطلاحية حادثة أن قوم اصطلحوا على وضع هذه الألفاظ لمعاني ثم جاء الناس واستعملوها في موضوعها فصار حقيقة، واستعملوها في غير موضعها فصار مجازًا قولًا لا صحة له.

نعم:

(المتن) وَاَلَّذِي أَجْرَى اللَّهُ عَلَيْهِ عَادَةَ بَنِي آدَمَ أَنَّهُمْ إنَّمَا يُعَلِّمُونَ أَوْلَادَهُمْ لُغَتَهُمْ الَّتِي يُخَاطِبُونَهُمْ بِهَا أَوْ يُخَاطِبُهُمْ بِهَا غَيْرُهُمْ فَأَمَّا لُغَاتٌ لَمْ يَخْلُقْ اللَّهُ مَنْ يَتَكَلَّمُ بِهَا فَلَا يُعَلِّمُونَهَا أَوْلَادَهُمْ. وَأَيْضًا فَإِنَّهُ يُوجَدُ بَنُو آدَمَ يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْفَاظِ مَا سَمِعُوهَا قَطُّ مِنْ غَيْرِهِمْ. وَالْعُلَمَاءُ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ وَغَيْرِهِمْ لَهُمْ فِي الْأَسْمَاءِ الَّتِي عَلَّمَهَا اللَّهُ آدَمَ قَوْلَانِ مَعْرُوفَانِ عَنْ السَّلَفِ.

(الشرح) نعم المؤلف رحمه الله يؤيد هذا بأمرين.

الأمر الأول أن اللغات التي لم يخلق الله (1،05،13 بها فلا يمكن أن نعلمها أولادهم.

والأمر الثاني: أن بنو ادم يتكلموا بألفاظ ما سمعوها قبل ذلك، فكيف يقال ان اللغة اصطلاحية وأنها محدثه ولهذا قال المؤلف رحمه الله « وَاَلَّذِي أَجْرَى اللَّهُ عَلَيْهِ عَادَةَ بَنِي آدَمَ أَنَّهُمْ إنَّمَا يُعَلِّمُونَ أَوْلَادَهُمْ لُغَتَهُمْ الَّتِي يُخَاطِبُونَهُمْ بِهَا»  أما اللغة الأخرى فلا حاجة إلى تعليمهم إياها ولهذا قال « فَأَمَّا لُغَاتٌ لَمْ يَخْلُقْ اللَّهُ مَنْ يَتَكَلَّمُ بِهَا فَلَا يُعَلِّمُونَهَا أَوْلَادَهُمْ»

 والأمر الثاني أنه يوجد بَنُو آدَمَ يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْفَاظِ مَا سَمِعُوهَا قَطُّ مِنْ غَيْرِهِمْ فكيف يقال أن اللغات اصطلاحية؟ نعم.

(المتن) وَالْعُلَمَاءُ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ وَغَيْرِهِمْ لَهُمْ فِي الْأَسْمَاءِ الَّتِي عَلَّمَهَا اللَّهُ آدَمَ قَوْلَانِ مَعْرُوفَانِ عَنْ السَّلَفِ. (أَحَدُهُمَا) : أَنَّهُ إنَّمَا عَلَّمَهُ أَسْمَاءَ مَنْ يَعْقِلُ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ: {ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ} . قَالُوا: وَهَذَا الضَّمِيرُ لَا يَكُونُ إلَّا لِمَنْ يَعْقِلُ، وَمَا لَا يَعْقِلُ يُقَالُ

فِيهَا: عَرَضَهَا. وَلِهَذَا قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: عَلَّمَهُ أَسْمَاءَ الْمَلَائِكَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ مَنْ يَعْقِلُ إلَّا الْمَلَائِكَةَ؛ وَلَا كَانَ إبْلِيسُ قَدْ انْفَصَلَ عَنْ الْمَلَائِكَةِ وَلَا كَانَ لَهُ ذُرِّيَّةٌ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: عَلَّمَهُ أَسْمَاءَ ذُرِّيَّتِهِ وَهَذَا يُنَاسِبُ الْحَدِيثَ الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  « إنَّ آدَمَ سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يُرِيَهُ صُوَرَ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ؛ فَرَآهُمْ فَرَأَى فِيهِمْ مَنْ يَبِصُ. فَقَالَ يَا رَبِّ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: ابْنُك دَاوُد»  . فَيَكُونُ قَدْ أَرَاهُ صُوَرَ ذُرِّيَّتِهِ أَوْ بَعْضِهِمْ وَأَسْمَاءَهُمْ وَهَذِهِ أَسْمَاءُ أَعْلَامٍ لَا أَجْنَاسٍ. (وَالثَّانِي) : أَنَّ اللَّهَ عَلَّمَهُ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ وَهَذَا هُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ كَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَصْحَابِهِ؛ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: عَلَّمَهُ حَتَّى الفسوة والفسية وَالْقَصْعَةِ والقصيعة، أَرَادَ أَسْمَاءَ الْأَعْرَاضِ وَالْأَعْيَانِ مُكَبَّرَهَا وَمُصَغَّرَهَا. وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ « إنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ: يَا آدَمَ أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ خَلَقَك اللَّهُ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيك مِنْ رُوحِهِ وَعَلَّمَك أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ»  ". وَأَيْضًا قَوْلُهُ: " الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا " لَفْظٌ عَامٌّ مُؤَكَّدٌ؛ فَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ بِالدَّعْوَى. وَقَوْلُهُ: {ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ} لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ مَنْ يَعْقِلُ وَمَنْ لَا يَعْقِلُ فَغَلَبَ مَنْ يَعْقِلُ. كَمَا قَالَ: {فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ} . قَالَ عِكْرِمَةُ: عَلَّمَهُ أَسْمَاءَ الْأَجْنَاسِ دُونَ أَنْوَاعِهَا كَقَوْلِك: إنْسَانٌ وَجِنٌّ وَمَلَكٌ وَطَائِرٌ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ وَابْنُ السَّائِبِ وَابْنُ قُتَيْبَةَ: عَلَّمَهُ أَسْمَاءَ مَا خَلَقَ فِي الْأَرْضِ مِنْ الدَّوَابِّ وَالْهَوَامِّ وَالطَّيْرِ.

(الشرح) فهذا خلاف الذي ذكره المؤلف، خلاف في قول الله عز وجل {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ }[البقرة:31]

هذا خلاف للمفسرين وللعلماء، في الأسماء التي علمها ادم ما هي؟

ذكر أن المؤلف رحمه الله أن في ذلك قولين معروفين بالسلف ، القول الأول: أَنَّهُ عَلَّمَهُ أَسْمَاءَ مَنْ يَعْقِلُ فقط، والقول الثاني: أنه علمه أسماء من يعقل ومن لا يعقل جميع الأسماء والذين قالوا بالقول الأول قالوا {ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ} .

قالوا هذا الضمير لا يكون إلا لمن يعقل، والذين قالوا أنه جميع أسماء من يعقل ومن لا يعقل استدلوا بهموم هموم الآية {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا }[البقرة:31]

فقال، فقال المؤلف رحمه الله « وَالْعُلَمَاءُ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ وَغَيْرِهِمْ لَهُمْ فِي الْأَسْمَاءِ الَّتِي عَلَّمَهَا اللَّهُ آدَمَ قَوْلَانِ مَعْرُوفَانِ عَنْ السَّلَفِ. (أَحَدُهُمَا) : أَنَّهُ إنَّمَا عَلَّمَهُ أَسْمَاءَ مَنْ يَعْقِلُ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ: {ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ} . قَالُوا: وَهَذَا الضَّمِيرُ لَا يَكُونُ إلَّا لِمَنْ يَعْقِلُ، وَمَا لَا يَعْقِلُ يُقَالُ فِيهَا: عَرَضَها»

هو قال عرضهم ولوكان لمن لا يعقل لقال عرضها ومنهم من قال علمه أسماء ذريته  فقط قالوا واستدلوا بالحديث أن « إنَّ آدَمَ سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يُرِيَهُ صُوَرَ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ؛ فَرَآهُمْ فَرَأَى فِيهِمْ من به (1،90،25)مَنْ به وبيص يعني نور ولمعان فسأل من هذا فأخبره الله أنه داود»

في الحديث أنه سأله،  « سأله عن عمره فقال ستين فأعطاه فقال يا رب أعطيه من عمري اربعين حتى يكمل له مائة فلما انتهت سنين ادم وبقي الأربعين جاءه ملك الموت ليقبض روحه فقال ألم يبقى من عمري أربعين، قال ألم تعطيها لأبنك داود قال فجحد آدم فجحد ذريته ونسي ادم فنسي ذريته» 

والقول الثاني: أن الله علمه اسماء كل شيء وهو قول الأكثرية واستدلوا بعموم الآية {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا }[البقرة:31]

وكذلك الحديث الصحيح حديث الشفاعة حينما يأتي الناس إلى يوم القيامة وهم (1،10،17) فيقول  « يا أدم أنت أبو البشر خلقك الله بيده ونفخك فيه من روحه وعلمك أسماء كل شيء أسماء كل شيء) وأجاب عن استدلال الأولين الذين قالوا {ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ} قالوا إنما عبر بمن يعقل لأن استمع من يعقل ومن لا يعقل وإذا اجتمع من يعقل ومن لا يعقل يغلب من يعقل، وهذا له نظير كقول الله تعالى{ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ }[النور:45]

ومنهم من يمشي على أربع، فلما اجتمع من يعقل ومن لا يعقل عبر بكلمة منّ، من للعاقل ولهذا قال عكرمه علمه أسماء الأجناس دون أنواعها يعني الجنس دون النوع، فيقول هذا إنسان جنس هذا جن هذا  ملك هذا طائر ولكن لا يعين النوع وقال البعض عَلَّمَهُ أَسْمَاءَ مَا خَلَقَ فِي الْأَرْضِ مِنْ الدَّوَابِّ وَالْهَوَامِّ وَالطَّيْرِ.

فالمقصود أن القول الأول؛ أنه علمه أسماء من يعقل، والقول الثاني أنه علماه أسماء كل شيء والقول الثاني هو قول الجمهور وقول الأكثرين وهو الذي تدل له النصوص، نعم.

(المتن) توقفنا عند قول المؤلف رحمه اللهو َمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ اللُّغَاتِ لَيْسَتْ مُتَلَقَّاةً عَنْ آدَمَ؛ أَنَّ أَكْثَرَ اللُّغَاتِ نَاقِصَةٌ عَنْ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ لَيْسَ عِنْدَهُمْ أَسْمَاءٌ خَاصَّةٌ لِلْأَوْلَادِ وَالْبُيُوتِ وَالْأَصْوَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُضَافُ إلَى الْحَيَوَانِ؛ بَلْ إنَّمَا يَسْتَعْمِلُونَ فِي ذَلِكَ الْإِضَافَةَ. فَلَوْ كَانَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَّمَهَا الْجَمِيعَ لَعَلَّمَهَا مُتَنَاسِبَةً، وَأَيْضًا فَكُلُّ أُمَّةٍ لَيْسَ لَهَا كِتَابٌ لَيْسَ فِي لُغَتِهَا أَيَّامُ الْأُسْبُوعِ، وَإِنَّمَا يُوجَدُ فِي لُغَتِهَا اسْمُ الْيَوْمِ وَالشَّهْرِ وَالسَّنَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عُرِفَ بِالْحِسِّ وَالْعَقْلِ؛ فَوَضَعَتْ لَهُ الْأُمَمُ الْأَسْمَاءَ؛ لِأَنَّ التَّعْبِيرَ يَتْبَعُ التَّصَوُّرَ، وَأَمَّا الْأُسْبُوعُ فَلَمْ يُعْرَفْ إلَّا بِالسَّمْعِ، لَمْ يُعْرَفْ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ إلَّا بِأَخْبَارِ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ شُرِعَ لَهُمْ أَنْ يَجْتَمِعُوا فِي الْأُسْبُوعِ يَوْمًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ فِيهِ وَيَحْفَظُونَ بِهِ الْأُسْبُوعَ الْأَوَّلَ الَّذِي بَدَأَ اللَّهُ فِيهِ خَلْقَ هَذَا الْعَالَمِ؛ فَفِي لُغَةِ الْعَرَبِ والعِبْرانِيِّينَ، وَمَنْ تَلَقَّى عَنْهُمْ، أَيَّامُ الْأُسْبُوعِ؛ بِخِلَافِ التُّرْكِ وَنَحْوِهِمْ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي لُغَتِهِمْ أَيَّامُ الْأُسْبُوعِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا ذَلِكَ فَلَمْ يُعَبِّرُوا عَنْهُ. فَعُلِمَ أَنَّ اللَّهَ أَلْهَمَ النَّوْعَ الْإِنْسَانِيَّ أَنْ يُعَبِّرَ عَمَّا يُرِيدُهُ وَيَتَصَوَّرُهُ بِلَفْظِهِ وَأَنَّ أَوَّلَ مَنْ عَلِمَ ذَلِكَ أَبُوهُمْ آدَمَ وَهُمْ عَلِمُوا كَمَا عَلِمَ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ اللُّغَاتُ. وَقَدْ أَوْحَى اللَّهُ إلَى مُوسَى بالعبرانية وَإِلَى مُحَمَّدٍ بِالْعَرَبِيَّةِ؛ وَالْجَمِيعُ كَلَامُ اللَّهِ، وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ بِذَلِكَ مَا أَرَادَ مِنْ خَلْقِهِ وَأَمْرِهِ، وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ اللُّغَةُ لَيْسَتْ الْأُخْرَى، مَعَ أَنَّ الْعِبْرَانِيَّةَ مِنْ أَقْرَبِ اللُّغَاتِ إلَى الْعَرَبِيَّةِ حَتَّى إنَّهَا أَقْرَبُ إلَيْهَا مِنْ لُغَةِ بَعْضِ الْعَجَمِ إلَى بَعْضٍ.

(الشرح) فأن المؤلف رحمه الله لما بين تنوع دلالة اللفظ بالإطلاق والتقيد في كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم بل وكلام كل أحد وأن هذا بينٌ ظاهر، لا يمكن دفعه، فمثلًا الإيمان، إذا أطلق فإنه يشمل الأعمال والأقوال، كما يشمل تصديق القلب، وإذا قرن بالأعمال وعطف عليه الأعمال، خرجت الأعمال من مسماه على أحد القولين وكذلك اسم الدين واسم الإسلام إذا أطلق فإنه يشمل الأعمال والأقوال.

وإذا قرن الإسلام مع الإيمان صار مسمى الإسلام غير مسمى الإيمان، وكذلك لفظ الكفر إذا أطلق فأنه يشمل كفر النفاق والكفر الظاهر، وإذا قرن مع النفاق صار يقصد بالكفر الكفر الظاهر والنفاق، الكفر الباطن، فاعترض بعض أهل البدع وقالوا لكن نقول إن دلالة لفظ الإيمان على الأعمال مجاز فقوله صلى الله عليه وسلم «  الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً, أعلاها قَوْلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ, وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ»  مجاز.

وقوله صلى الله عليه وسلم  « الإيمان  أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَتُؤْمِنَ»   الخ حقيقة.

وهذا هو عمدة المرجئة والجهمية والكرامية وكل من لم يدخل الأعمال في اسم الإيمان.

أجاب المؤلف رحمه الله عن هذا الاعتراض بجوابين جوابٌ عام، وجوابٌ خاص، فالجواب العام الكلام في لفظ الحقيقة والمجاز والجواب الخاص ما يختص بهذا الموضوع

وبين رحمه الله في الجواب العام أن تقسيم الألفاظ الدالة على معاني إلى حقيقة وجاز ان هذا اصطلاح حادث بعد انقضاء القرون الثلاثة المفضلة، ولم يتكلم به أحد من الصحابة ولا التابعين ولا الأئمة، بل ولا تكلم به أئمة اللغة والنحو كالخليل بن أحمد وسيبويه وأبو عمر بن علا ونحوهم وأن أول من تكلم بلفظ المجاز أبو عبيدة معمر بن المثنى ولكنه لم يعني بالمجاز ما هو قسيم الحقيقة وإنما عنى بالمجاز ما يعرف، ما يعبر به عن الآية وكذلك الأئمة لم يتكلم أحد في المجاز إلا الإمام أحمد رحمه الله، فإنه قال في كتاب الرد على الجهمية في قوله «إنا و نحن ونحو ذلك   (1،16،17)فقال هذا من مجاز اللغة»  ولهذا أختلف أصحابه أتباع الإمام أحمد منهم من قال أن في القرآن مجاز ومنهم من قال ليس في القرآن مجاز.

والإمام أحمد رحمه الله أراد به ما أراد به أبو عبيدة لم يرد به المجاز الحادث ولم يزال المتأخرون يختلفون في ذلك، وأنكر طائفة من العلماء أن يكون في اللغة مجاز، وقال إنه ليس في اللغة مجاز لا في القرآن ولا في غيره كأبي إسحاق الاسرافيني ، والذين قالوا الذين قسموا اللفظ إلى حقيقة ومجاز يقولون إن الحقيقة هي اللفظ المستعمل فيما وضع له، والمجاز هو اللفظ المستعمل في غير ما وضع الله.

والمؤلف رحمه الله يقول لا يعلم أن الألفاظ العربية وضعت أولا لمعاني ثم بعد ذلك استعملت فيها، حتى يكون لها وضع متقدم على استعمال يصح القول بتقسيم اللفظ إلى حقيقة ومجاز» ، ثم الوضع هذا الوضع الآن هل كلهم من وضع عدم  من وضع من بعده ولا يمكن أن يقال أن أدم، عليه الصلاة والسلام هو الذي علم بنيه جميع اللغات، وإنما بنوه ألهمهم الله سبحانه وتعالى اللغات فهم يعبرون عما أرادوا ويتلقاه بعضهم عن بعض كما أن الله سبحانه وتعالى ألهم الطير والحيوانات الأصوات التي تتكلم بها.

ثم قال المؤلف رحمه الله «وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ اللُّغَاتِ لَيْسَتْ مُتَلَقَّاةً عَنْ آدَمَ»  يعني إنما هي ألهام يلهمه الله تعالى بني أدم ما يحتاجون إليه من اللغات قال: ومما يدل على أن هذه اللغة ليست متلقاه عن ادم أن اكثر اللغات ناقصة عن اللغة العربية، ليس عندهم ألفاظ خاصة للأولاد والبيوت والأفراد وغير ذلك مما يضاف إلى الحيوان، بل إنما يستعلمون ذلك في ذلك الإضافة، فلو كان أدم عليه الصلاة والسلام علمه الله جميع اللغات لعلمها متناسبة، وهذا مما استدل به المؤلف رحمه الله على أن اللغات ليست كلها متلقاه عن أدم قال لو كان كلها متلقاه عن ادم وأن الله علمه الجميع لعلمه متناسبة، ومما يدل على ذلك أيضًا أن كل أمة.

(القارى) متناسبة يعني متشابهة؟

(الشرح) نعم متناسبة يناسب بعضها بعض وأيضًا كل أمه ليس لها كتاب، لَيْسَ فِي لُغَتِهَا أَيَّامُ الْأُسْبُوعِ وهذا دليل أخر استدل به المؤلف على أن اللغة ليست متلقاه عن ادم أن كل أمة لَهَا كِتَابٌ لَيْسَ فِي لُغَتِهَا أَيَّامُ الْأُسْبُوعِ، وَإِنَّمَا الذي يُوجَدُ فِي لُغَتِهَا اسْمُ الْيَوْمِ وَالشَّهْرِ وَالسَّنَةِ، لأن اليوم والشهر والسنة إنما عرف ذلك بالحس والعقل فوضعة له الأمم الأسماء، لأن التعبير يتبع التصور وهم يتصورون اليوم والشهر والسنة فيضعون له التعبير المناسب ، أما الأسبوع فأنه لم يعرف إلا بالأدلة السمعية في الكتاب والسنة.

فلم تعرف العرب أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ إلَّا بِأَخْبَارِ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ شُرِعَ الله لَهُمْ أَنْ يَجْتَمِعُوا فِي الْأُسْبُوعِ يَوْمًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ فِيهِ وَيَحْفَظُونَ بِهِ الْأُسْبُوعَ الْأَوَّلَ، هذا ماعرف إلا بالشرع.

يقول المؤلف رحمه الله «ففي لغة الْعَرَبِ والعِبْرانِيِّينَ، وَمَنْ تَلَقَّى عَنْهُمْ، أَيَّامُ الْأُسْبُوعِ»  لأنهم أهل كتاب اللبراليين أهل كتاب وكذلك العرب بعد بعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، بِخِلَافِ التُّرْكِ وَنَحْوِهِمْ؛ فَلَيْسَ فِي لُغَتِهِمْ أَيَّامُ الْأُسْبُوعِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا ذَلِكَ فَلَمْ يُعَبِّرُوا عَنْهُ فهذا ممايؤيد أن اللغات ليست كلها متلقاه عن ادم، وإنما كل قومٌ يتصورون شيئا يعبرون عنه.

يقول المؤلف رحمه الله « فَعُلِمَ أَنَّ اللَّهَ أَلْهَمَ النَّوْعَ الْإِنْسَانِيَّ أَنْ يُعَبِّرَ عَمَّا يُرِيدُهُ وَيَتَصَوَّرُهُ بِلَفْظِهِ»  فتكون لغة إلهام، الله علم ادم الأسماء كلها في زمانه ثم بعد ذلك ذريته ألهمهم الله ما يحتاجون إليه.

يقول المؤلف «رحمه الله وَقَدْ أَوْحَى اللَّهُ إلَى مُوسَى بالعبرانية وَإِلَى مُحَمَّدٍ بِالْعَرَبِيَّةِ؛ عليهم الصلاة والسلام وَالْجَمِيعُ كَلَامُ اللَّهِ»  وهذا الوحي الذي أوحاه الله إلى موسى عليه الصلاة والسلام، بين الله ما أراد من خلقه وأمره، الخلق القدر، والأمر الدين والشر.

يقول «وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ اللُّغَةُ لَيْسَتْ الْأُخْرَى»  يعني وإن كانت اللغتين إلا أن الله سبحانه وتعالى بين هما ما أراده الله من خلقه و أمره في زمن موسى وفي زمن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .

يقول المؤلف «الْعِبْرَانِيَّةَ مِنْ أَقْرَبِ اللُّغَاتِ إلَى الْعَرَبِيَّةِ»  كما ان التوراة أقرب الكتب المنزلة إلى القرآن.

حتى أن العبرانية أقرب إلى العربيه مِنْ لُغَةِ بَعْضِ الْعَجَمِ إلَى بَعْضٍ، نعم.

(المتن) قال رحمه الله فَبِالْجُمْلَةِ نَحْنُ لَيْسَ غَرَضُنَا إقَامَةَ الدَّلِيلِ عَلَى عَدَمِ ذَلِكَ؛ بَلْ يَكْفِينَا أَنْ يُقَالَ:

هَذَا غَيْرُ مَعْلُومٍ وُجُودُهُ بَلْ الْإِلْهَامُ كَافٍ فِي النُّطْقِ بِاللُّغَاتِ مِنْ غَيْرِ مُوَاضَعَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ؛ وَإِذَا سُمِّيَ هَذَا تَوْقِيفًا؛ فَلْيُسَمَّ تَوْقِيفًا وَحِينَئِذٍ فَمَنْ ادَّعَى وَضْعًا مُتَقَدِّمًا عَلَى اسْتِعْمَالِ جَمِيعِ الْأَجْنَاسِ؛ فَقَدْ قَالَ مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ. وَإِنَّمَا الْمَعْلُومُ بِلَا رَيْبٍ هُوَ الِاسْتِعْمَالُ.

ثُمَّ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: تَتَمَيَّزُ الْحَقِيقَةُ مِنْ الْمَجَازِ بِالِاكْتِفَاءِ بِاللَّفْظِ فَإِذَا دَلَّ اللَّفْظُ بِمُجَرَّدِهِ فَهُوَ حَقِيقَةٌ، وَإِذَا لَمْ يَدُلَّ إلَّا مَعَ الْقَرِينَةِ؛ فَهُوَ مَجَازٌ وَهَذَا أَمْرٌ مُتَعَلِّقٌ بِاسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي الْمَعْنَى لَا بِوَضْعِ مُتَقَدِّمٍ. ثُمَّ يُقَالُ (ثَانِيًا) : هَذَا التَّقْسِيمُ لَا حَقِيقَةَ لَهُ؛ وَلَيْسَ لِمَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا حَدٌّ صَحِيحٌ يُمَيِّزُ بِهِ بَيْنَ هَذَا وَهَذَا فَعُلِمَ أَنَّ هَذَا التَّقْسِيمَ بَاطِلٌ وَهُوَ تَقْسِيمُ مَنْ لَمْ يَتَصَوَّرْ مَا يَقُولُ بَلْ يَتَكَلَّمُ بِلَا عِلْمٍ؛ فَهُمْ مُبْتَدِعَةٌ فِي الشَّرْعِ مُخَالِفُونَ لِلْعَقْلِ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا: " الْحَقِيقَةُ ": اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِيمَا وُضِعَ لَهُ. وَ " الْمَجَازُ ": هُوَ الْمُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ؛ فَاحْتَاجُوا إلَى إثْبَاتِ الْوَضْعِ السَّابِقِ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ وَهَذَا يَتَعَذَّرُ.

(الشرح) لا يزال المؤلف رحمه الله يستدل  على أن اللغات ليست متلقاه عن ادم عليه الصلاة والسلام وإنما يلهم الله ذريته ما يتصورونه وأنه يلهمهم الله التعبير عنه يقول (فَبِالْجُمْلَةِ نَحْنُ لَيْسَ غَرَضُنَا إقَامَةَ الدَّلِيلِ عَلَى عَدَمِ ذَلِكَ؛ بَلْ يَكْفِينَا أَنْ يُقَالَ هَذَا غَيْرُ مَعْلُومٍ وُجُودُهُ بَلْ الْإِلْهَامُ كَافٍ فِي النُّطْقِ بِاللُّغَاتِ مِنْ غَيْرِ مُوَاضَعَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ»

يعني ألهام الله سبحانه وتعالى لبني أدم كاف في النطق في اللغات التي يحتاجونها من غير مواضعة متقدمة، من غير مواضعة متقدمة، يعني من غير وضع متقدم لها، فالمؤلف رحمه الله قصده من ذلك  أن يرد على من يقول أن اللغة وضعت اولًا ثم استعملها العرب فيما وضعت له ثم استعملة ثانيًا في غير موضع لها، فإذا استعملت فيما وضعت له كانت حقيقة وإن استعملت في غير ما  وضعت له كانت مجازًا.

يقول ليس هناك مواضع متقدم، ليس هناك وضع سابق، بل ألإهام كاف في النطق باللغات يلهمهم الله إذا  تصوروا شيئًا فأن الله يلهمهم النطق بما يتصورن من غير مواضعة متقدمة.

ثم يقول المؤلف رحمه الله «وَإِذَا سُمِّيَ هَذَا تَوْقِيفًا؛ فَلْيُسَمَّ تَوْقِيفًا»  لأن ليس العبرة بالتسمية العبرة بالمعنى والحقيقة، العبرة بالمعنى والحقيقة.

المهم أنه ليس هناك وضع متقدم وأنما هو ألهام الله تعالى ألهم بني أدم أن يتكلموا باللغات تكلموا بالألفاظ، فيما يتصورنها يعني الأشياء التي يتصورنها يلهمهم الله الألفاظ التي يتكلمون بها من غير وضع متقدم.

وسواء سمي هذا توقيفا او لم يسمى توقيفا فالعبرة بالمعنى وهو ان ليس هناك وضع متقدم.

ثم يقول المؤلف رحمه الله «وَحِينَئِذٍ فَمَنْ ادَّعَى وَضْعًا مُتَقَدِّمًا عَلَى اسْتِعْمَالِ جَمِيعِ الْأَجْنَاسِ؛ فَقَدْ قَالَ مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ»  يعني من قال ان هناك وضع في اللغة العربية وضع متقدم ثم جعل استعمال بعد ذلك فكان استعمال فيما وضع له ثم صارت بعض الألفاظ تستعمل فيما وضع له وبعضها تستعمل في غير ما وضع له والذي يستعلم فيما وضع له يسمى حقيقة والذي يستعمل في غير ما وضع له يسمى مجاز.

يقول المؤلف « من أدعى هذا فقد قال ما لا علم له به»  ليس عنده دليل وإنما المعلوم بلا ريب هو الاستعمال، العرب استعملت الكلام والألفاظ التي تتكلم بها، فالاستعمال هذا معلوم، ولكن هل هناك وضع متقد لهذا الاستعمال هذا ما يقول من يقسم الألفاظ إلى حقيقة ومجاز.

والمؤلف يقول «هذا لا دليل عليه ولا يستطيع أن يثبت بالدليل على أنه هناك وضع متقدم في اللغات، ثم الذين قالوا إن هناك وضع متقدم وقسموا الألفاظ إلى حقيقة ومجاز اختلفوا في تميز الحقية من المجاز فقال بعضهم تَتَمَيَّزُ الْحَقِيقَةُ عن الْمَجَازِ بِالِاكْتِفَاءِ بِاللَّفْظِ فَإِذَا دَلَّ اللَّفْظُ بِمُجَرَّدِهِ فَهُوَ حَقِيقَةٌ، و إن لَمْ يَدُلَّ إلَّا مَعَ الْقَرِينَةِ؛ فَهُوَ مَجَازٌ هذا قول المؤلف رحمه الله ثم هؤلاء يقولون تتميز الحقيقة من المجاز بالإكتفاء باللفظ».

(القارى هذا قول المؤلف ولا يحكي لفظهم يا شيخ؟

(الشرح) لا يحكي قولهم.

(القارى نعم.

(الشرح) يقول ثم «تَتَمَيَّزُ الْحَقِيقَةُ مِنْ الْمَجَازِ بِالِاكْتِفَاءِ بِاللَّفْظِ فَإِذَا دَلَّ اللَّفْظُ بِمُجَرَّدِهِ فَهُوَ حَقِيقَةٌ، وَإِذَا لَمْ يَدُلَّ إلَّا مَعَ الْقَرِينَةِ؛ فَهُوَ مَجَازٌ»  وهذا أمر متعلق باستعمال اللفظ في المعنى لا بوضع متقدم، والمؤلف رحمه الله هذا أمر متعلق باستعمال اللفظ ليس متعلق ببعض متقدم  الرد عليهم أن يقال أن هذا أمر متعلق باستعمال اللفظ في المعنى لا بالوضع المتقدم.

ثم قال ثانيا، يقال أولا يعني في الرد عليهم هذا أمرٌ يتعلق بالاستعمال، باستعمال اللفظ في المعنى لا بوضع  متقدم ثم يقال ثانيًا، هذا الرد الثاني هَذَا التَّقْسِيمُ لَا حَقِيقَةَ لَهُ يعني التقسيم اللفظ إلى حقيقة ومجاز والقول بأن الحقيقة تتميز بالإكتفاء باللفظ والمجاز يتميز بأن يكون معه قرينه، فإذا اكتفي باللفظ والحقيقة وإن كان معه قرينة فهو مجاز، يقول هذا الرد على اولًا أن هذا امر يتعلق بالاستعمال استعمال اللفظ بالمعنى لا بالوضع، وثانيًا هَذَا التَّقْسِيمُ لَا حَقِيقَةَ لَهُ؛ وَلَيْسَ لِمَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا حَدٌّ صَحِيحٌ يُمَيِّزُ بِهِ بَيْنَ هَذَا وَهَذَا يعني بين الحقيقة والمجاز فعلم أن هذا التقسيم باطل تقسيم اللفظ إلى حقيقة ومجاز وَهُوَ تَقْسِيمُ مَنْ لَمْ يَتَصَوَّرْ مَا يَقُولُ بَلْ يَتَكَلَّمُ بِلَا عِلْمٍ.

فالمؤلف رحمه الله ينفي بشدة أن يكون اللفظ ينقسم إلى حقيقة ومجاز ويقول أن هذا لا دليل عليه وهذا التقسم باطل وهو تقسيم من لم يتصور مايقول بل تقسيم من يتكلم بلا علم فَهُمْ مُبْتَدِعَةٌ فِي الشَّرْعِ مُخَالِفُونَ لِلْعَقْلِ لأن هذا  عمدة الكثير من أهل البدع الجهمية والمرجئة ، الجهمية والمرجئة والكرامية الذين أولوا نصوص وقالوا أنها مجاز حتى أنهم أول نصوص الصفات فقال«فَهُمْ مُبْتَدِعَةٌ فِي الشَّرْعِ مُخَالِفُونَ لِلْعَقْلِ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا: " الْحَقِيقَةُ ": اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِيمَا وُضِعَ لَهُ. وَ " الْمَجَازُ ": هُوَ الْمُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ؛ فَاحْتَاجُوا إلَى إثْبَاتِ الْوَضْعِ السَّابِقِ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ وَهَذَا يَتَعَذَّرُ»

إذا هؤلاء الذين قسموا اللفظ إلى حقيقة ومجاز يقول المؤلف رحمه الله (فَهُمْ مُبْتَدِعَةٌ فِي الشَّرْعِ مُخَالِفُونَ لِلْعَقْلِ»  مبتدعة في الشرع لأن الشرع وضع اسم الإيمان بالتصديق والعقل، ووضع اسم الصلاة للهيئة المعروفةووضع اسم الزكاة لها فكيف يقال إن هذا مجاز، فهم مبتدعة في الشرع مخالفون للعقل، وذلك أنهم قالوا( " الْحَقِيقَةُ ": اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِيمَا وُضِعَ لَهُ. وَ " الْمَجَازُ ": هُوَ مُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ؛ فَاحْتَاجُوا إلَى إثْبَاتِ الْوَضْعِ السَّابِقِ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ وَهَذَا يَتَعَذَّرُ».

المؤلف رحمه الله يتحداهم ويقول اثبتوا أن هناك وضع سابق على الاستعمال وهذا يتعذر عليكم وإذا لم تثبتوا وضعًا سابقًا على الاستعمال فإنه لا يصح لكم تقسيم اللفظ إلى حقيقة ومجاز، فهذا تحدي من المؤلف رحمه الله، ولا يستطيعون أن يثبتوا هذا لأن هناك وضع سابق، قول المؤلف ليس هناك إلا الاستعمال ليس هناك وضع سابق وإلم يكن هناك وضع سابق انتهى تقسيم اللفظ إلى حقيقة ومجاز.

نعم:

(المتن) ثُمَّ يُقَسِّمُونَ الْحَقِيقَةَ إلَى لُغَوِيَّةٍ وَعُرْفِيَّةٍ وَأَكْثَرُهُمْ يُقَسِّمُهَا إلَى ثَلَاثٍ: لُغَوِيَّةٍ وَشَرْعِيَّةٍ وَعُرْفِيَّةٍ. " فَالْحَقِيقَةُ الْعُرْفِيَّةُ ": هِيَ مَا صَارَ اللَّفْظُ دَالًّا فِيهَا عَلَى الْمَعْنَى بِالْعُرْفِ لَا بِاللُّغَةِ وَذَلِكَ الْمَعْنَى يَكُونُ تَارَةً أَعَمَّ مِنْ اللُّغَوِيِّ وَتَارَةً أَخَصَّ وَتَارَةً يَكُونُ مُبَايِنًا لَهُ، لَكِنْ بَيْنَهُمَا عَلَاقَةٌ اُسْتُعْمِلَ لِأَجْلِهَا. فَالْأَوَّلُ: مِثْلُ لَفْظِ " الرَّقَبَةِ " وَ " الرَّأْسِ " وَنَحْوِهِمَا كَانَ يُسْتَعْمَلُ فِي الْعُضْوِ الْمَخْصُوصِ ثُمَّ صَارَ يُسْتَعْمَلُ فِي جَمِيعِ الْبَدَنِ. وَالثَّانِي مِثْلُ لَفْظِ " الدَّابَّةِ " وَنَحْوِهَا كَانَ يُسْتَعْمَلُ فِي كُلِّ مَا دَبَّ ثُمَّ صَارَ

يُسْتَعْمَلُ فِي عُرْفِ بَعْضِ النَّاسِ فِي ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ وَفِي عُرْفِ بَعْضِ النَّاسِ فِي الْفَرَسِ وَفِي عُرْفِ بَعْضِهِمْ فِي الْحِمَارِ. وَالثَّالِثُ مِثْلُ لَفْظِ " الْغَائِطِ " وَ " الظَّعِينَةِ " وَ " الرَّاوِيَةِ " وَ " الْمَزَادَةِ " فَإِنَّ الْغَائِطَ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْمَكَانُ الْمُنْخَفِضُ مِنْ الْأَرْضِ، فَلَمَّا كَانُوا يَنْتَابُونَهُ لِقَضَاءِ حَوَائِجِهِمْ سَمَّوْا مَا يَخْرُجُ مِنْ الْإِنْسَانِ بِاسْمِ مَحَلِّهِ، وَالظَّعِينَةُ اسْمُ الدَّابَّةِ ثُمَّ سَمَّوْا الْمَرْأَةَ الَّتِي تَرْكَبُهَا بِاسْمِهَا وَنَظَائِرَ ذَلِكَ. وَ " الْمَقْصُودُ " أَنَّ هَذِهِ الْحَقِيقَةَ الْعُرْفِيَّةَ لَمْ تَصِرْ حَقِيقَةً لِجَمَاعَةِ تَوَاطَئُوا عَلَى نَقْلِهَا وَلَكِنْ تَكَلَّمَ بِهَا بَعْضُ النَّاسِ وَأَرَادَ بِهَا ذَلِكَ الْمَعْنَى الْعُرْفِيَّ ثُمَّ شَاعَ الِاسْتِعْمَالُ فَصَارَتْ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً بِهَذَا الِاسْتِعْمَالِ، وَلِهَذَا زَادَ مَنْ زَادَ مِنْهُمْ فِي حَدِّ الْحَقِيقَةِ فِي اللُّغَةِ الَّتِي بِهَا التَّخَاطُبُ ثُمَّ هُمْ.

(الشرح) يقول المؤلف رحمه الله ثم هؤلاء الذين يقسمون اللفظ إلى حقيقة ومجاز يقول يقسمون الحقيقة إلى حقيقة لغوية ومجاز يقولوا يقسمون الحقيقة إلى لغوية وعرفية إلى حقيقة لغوية وحقيقة عرفية وأكثرهم يقسمونها إلى ثلاث حقيقة لُغَوِيَّةٍ وَحقيقة شَرْعِيَّةٍ وَحقيقة عُرْفِيَّةٍ.

فالحقيقة اللغوية: هي ما دل عليه اللفظ باللغة.

والحقيقة الشرعية: ما دل عليه اللفظ بالشرع.

والحقيقة العرفية: ما صار اللفظ دالًا عليه دالا على المعنى بالعرف، هذه الحقائق الثلاثة فَالْحَقِيقَةُ الْلغوية ": هِيَ مَا صَارَ اللَّفْظُ دَالًّا فِيهَا عَلَى الْمَعْنَى باللغة.

والشرعية ما صار اللفظ دالاً فيه على المعنى في الشرع.

والعرفية ما صار اللفظ دالًا فيه على في العرف.

المثل الأول للحقيقة اللغوية مثل الإيمان الإيمان حقيقة لغوية في التصديق، والحقيقة العرفية الإيمان الحقيقة الشرعية مثل الإيمان أدخل فيه شرع جميع الأعمال تكون حقيقة شرعية، والحقيقة العرفية مثل الدابة في الأصل كل ما يدب في الأرض ثم خص في العرف بذوات الأربع.

ولهذا بين المؤلف رحمه الله تقسيمه هذا التقسيم وقال« ان هذا التقسيم ليس بصحيح فقال فَالْحَقِيقَةُ الْعُرْفِيَّةُ  عندهم هِيَ مَا صَارَ اللَّفْظُ دَالًّا فِيهَا عَلَى الْمَعْنَى بِالْعُرْفِ لَا بِاللُّغَةِ وَذَلِكَ الْمَعْنَى يَكُونُ تَارَةً أَعَمَّ مِنْ اللُّغَوِيِّ وَتَارَةً أَخَصَّ وَتَارَةً يَكُونُ مُبَايِنًا لَهُ، لَكِنْ بَيْنَهُمَا عَلَاقَةٌ اُسْتُعْمِلَ لِأَجْلِهَا. فالأول المثال الأول  أن يكون المعنى أعم من اللغوي مثل لفظ " الرَّقَبَةِ " وَ " الرَّأْسِ " وَنَحْوِهِمَا كَانَ يُسْتَعْمَلُ فِي الْعُضْوِ الْمَخْصُوصِ ثُمَّ صَارَ يُسْتَعْمَلُ فِي جَمِيعِ الْبَدَنِ» 

يعني لفظ الرقبة ولفظ الإنسان في اللغة يطلق لغظ رقبة في الأصل رقبة الإنسان وهي عرف الرقبة والرأس كذلك رأس الإنسان.

ثم صار في العرف يشمل جميع بدن الإنسان يسمى رقبة والرأس كذلك، الرأس من الغنم يشمل ليس المراد العضو الخاص المراد جميعًا جميع الحيوانتسمى رأس وكذلك الرقبة، العبد، قال أعتق رقبة يعني أعتق عبد ليس المراد أعتق عضو فصار العرف هنا أعم، أعم من اللغة، واللغة أخص فال اسم الرقبه على العضو فالعرف صار أعم، صار العرف دل عل  استعمال الرقبة في جميع بدن الإنسان.يسمى رقبه

والثاني وهو ان يكون أخص أن يكون العرف استعمال العرف أخص من اللغة لفظ الدابة ونحوها مِثْلُ لَفْظِ " الدَّابَّةِ " وَنَحْوِهَا كَانَ يُسْتَعْمَلُ فِي كُلِّ مَا دَبَّ ثُمَّ صَارَ

تُسْتَعْمَلُ فِي عُرْفِ بَعْضِ النَّاسِ فِي ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ وَفِي عُرْفِ بَعْضِ النَّاسِ فِي الْفَرَسِ وَفِي عُرْفِ بَعْضِهِمْ فِي الْحِمَارِ.

لفظ الدابة في اللغة؛ عام، وفي العرف خاص، في اللغة اسم لكل ما يدب على الأرض، فجاء العرف فخصصها بذوات الأربع أو خصصها بالفرس أو خصصها بالحمار.

فصار هنا الاستعمال العرفي أخص.

وأما الثالث وهو أن يكون مباين له يكون الاستعمال العرفي مباين لاستعمال اللغوي، للغة مثال ذلك.

مثله المؤلف رحمه الله لَفْظِ " الْغَائِطِ " وَ " الظَّعِينَةِ " وَ " الرَّاوِيَةِ " وَ " الْمَزَادَةِ " فَإِنَّ الْغَائِطَ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْمَكَانُ الْمُنْخَفِضُ مِنْ الْأَرْضِ، فَلَمَّا كَانُوا يَنْتَابُونَهُ لِقَضَاءِ حَوَائِجِهِمْ سَمَّوْا مَا يَخْرُجُ مِنْ الْإِنْسَانِ بِاسْمِ مَحَلِّهِ.

فالغائط في الأصل المنخفض في الأرض هذا في اللغة، وفي العرف استعمل للخارج من الإنسان، ما يخرج من الإنسان الغائط مثلًا.

فصار الاستعمال العرفي مباين لاستعمال اللغوي، الغائط: المنخفض من الأرض، وفي العرف الغائط الذي يخرج من الإنسان لكن بينهما علاقة ما هي العلاقة؟

العلاقة أن الإنسان يقضي حاجته في المكان المنخفض فلذلك فهذا يكون مباين فبين المؤلف رحمه الله أن الحقيقة العرفية تارة تكون أعم من اللغة وتارة أخص، وتارة تكون مباينًا له إلا أن بينهما علاقة.

وكذلك  الظَّعِينَةُ اسْمُ للدَّابَّةِ ثُمَّ سَمَّوْا الْمَرْأَةَ الَّتِي تَرْكَبُهَا بِاسْمِهَا، هنا فيه مباينة الظعينة اسم للدابة والعرف استعملها في المرآة التي تركب الدابة فهذا مباين للعرف.

العرف اللفظ العرفي مباين لاستعمال اللغوي لكن بينهما علاقة وهي أن المرأة تركب الدابة.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد