توقفنا عند قول المؤلف رحمه الله: " وَقَوْلُهُمْ: اللَّفْظُ إنْ دَلَّ بِلَا قَرِينَةٍ فَهُوَ حَقِيقَةٌ وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ إلَّا مَعَهَا فَهُوَ مَجَازٌ؛ قَدْ تَبَيَّنَ بُطْلَانُهُ وَأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ مَا يَدُلُّ مُجَرَّدًا عَنْ جَمِيعِ الْقَرَائِنِ وَلَا فِيهَا مَا يَحْتَاجُ إلَى جَمِيعِ الْقَرَائِنِ. وَأَشْهَرُ أَمْثِلَةِ الْمَجَازِ لَفْظُ " الْأَسَدِ " وَ " الْحِمَارِ " وَ " الْبَحْرِ " وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَقُولُونَ: إنَّهُ اُسْتُعِيرَ لِلشُّجَاعِ وَالْبَلِيدِ وَالْجَوَادِ. وَهَذِهِ لَا تُسْتَعْمَلُ إلَّا مُؤَلَّفَةً مُرَكَّبَةً مُقَيَّدَةً بِقُيُودِ لَفْظِيَّةٍ كَمَا تُسْتَعْمَلُ الْحَقِيقَةُ، كَقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ عَنْ أَبِي قتادة لَمَّا طَلَبَ غَيْرُهُ سَلَبَ الْقَتِيلِ: لَاهَا اللَّهُ إذًا يَعْمِدُ إلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللَّهِ يُقَاتِلُ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَيُعْطِيك سَلَبَهُ. فَقَوْلُهُ: يَعْمِدُ إلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللَّهِ يُقَاتِلُ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ؛ وَصْفٌ لَهُ بِالْقُوَّةِ لِلْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ وَقَدْ عَيَّنَهُ تَعْيِينًا أَزَالَ اللَّبْسَ. وَكَذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنَّ خَالِدًا سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ سَلَّهُ اللَّهُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ» " وَأَمْثَالُ ذَلِكَ".
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسول الله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد...
فإن المؤلف رحمه الله يرد على أهل البدع القائلين بأن دخول الأعمال في مسمى الإيمان مجاز ، ويبين أن تقسيم اللفظ إلى حقيقة ومجاز تقسيم باطل، وقد استعرض رحمه الله شبههم، وأدلتهم وأبطلها كما سبق في الحلقات الماضية، وذكر رحمه الله أيضًا شيئًا من شبههم هنا فقال: "وقولهم"؛ يعني الذين يقسمون اللفظ إلى حقيقة ومجاز، " وَقَوْلُهُمْ: اللَّفْظُ إنْ دَلَّ بِلَا قَرِينَةٍ فَهُوَ حَقِيقَةٌ وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ إلَّا مَعَهَا فَهُوَ مَجَازٌ؛ قَدْ تَبَيَّنَ بُطْلَانُهُ" قد تبين في ما سبق بطلانه، ووجه ذلك أنه ليس هناك لفظ يأتي بلا قرينة، ليس هناك لفظ مطلق لا يوجد لفظ مطلق إلَّا في الذهن، وأما في الخارج فلابد أن يقيد وبهذا يبطل هذا التقسيم؛ ولهذا قال المؤلف رحمه الله: " قَدْ تَبَيَّنَ بُطْلَانُهُ وَأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ مَا يَدُلُّ مُجَرَّدًا عَنْ جَمِيعِ الْقَرَائِنِ" ما هناك لفظ يدل على معنى مجردًا عن جميع القرائن، فإذا سلبت عن جميع القرائن، وجردت عن جميع القرائن صار في الذهن ، وأما في الخارج لا بد أن يقيد بقيود، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: " لَيْسَ فِي الْأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ مَا يَدُلُّ مُجَرَّدًا عَنْ جَمِيعِ الْقَرَائِنِ وَلَا فِيهَا مَا يَحْتَاجُ إلَى جَمِيعِ الْقَرَائِنِ" يعني ليس هناك شيء يحتاج إلى جميع القرائن، كما أنه ليس في الألفاظ ما يجرد عن القرائن، فليس في الألفاظ ما تجتمع فيه جميع القرائن، بل بعض القرائن، أما جميع القرائن تجتمع في لفظ واحد لا يجوز، كما أن سلب اللفظ عن جميع القرائن لا يكفي، ثم ذكر المؤلف رحمه الله الأمثلة التي اشتهرت عن القائلين بالمجاز، وأشهر أمثلة المجاز؛ يعني عند من يقول بها" لَفْظُ " الْأَسَدِ " وَ " الْحِمَارِ " وَ " الْبَحْرِ " وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ يعني فالذي يقول المجاز يقول: الأسد حقيقة في الحيوان المعروف، ومجازًا في الرجل الشجاع، وكذلك الحمار حقيقة في الحيوان مجازًا في البليد، وكذلك البحر حقيقة في الماء؛ ماء البحار، ومجازٌ في الكريم والجواد، وقال المؤلف رحمه الله: " . وَأَشْهَرُ أَمْثِلَةِ الْمَجَازِ لَفْظُ " الْأَسَدِ " وَ " الْحِمَارِ " وَ " الْبَحْرِ " وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَقُولُونَ: إنَّهُ اُسْتُعِيرَ لِلشُّجَاعِ وَالْبَلِيدِ وَالْجَوَادِ. وَهَذِهِ لَا تُسْتَعْمَلُ إلَّا مُؤَلَّفَةً مُرَكَّبَةً مُقَيَّدَةً بِقُيُودِ لَفْظِيَّةٍ"؛ يعني يقول إن لفظ الأسد، والحمار، والبحر لا بد أن يقيد ما يمكن أن يستعمل مفرد، ما يمكن أن تقول: أسد، أسد ، فقط، غير مفيد، لا بد أن تضم إليه كلمة أخرى فتقول: أسدٌ افترس حيوانًا، فعرفنا أن مراد بهذا القيد هذا المراد بلفظ الحيوان، وتقول: أسدٌ قتل رجلًا من المشركين في المعركة؛ فهذا المراد به الشجاع، فهذه القيود هي التي تحدد المعنى، وكما أن الأول فيه قيد، والثاني فيه قيد فلا يقال؛ كما أنه لا يقال: إن في الثاني المجاز لا يقال في الأول إن هذا حقيقة وهذا مجاز؛ لأن كل منهما قيد بقيود، فلا تستعمل إلَّا مؤلفة، مركبة، مقيدة بقيود لفظية، ثم ذكر المؤلف رحمه الله أمثلة من السنة، قال: " كَمَا تُسْتَعْمَلُ الْحَقِيقَةُ، كَقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ عَنْ أَبِي قتادة رضي الله عنه لَمَّا طَلَبَ غَيْرُهُ سَلَبَ الْقَتِيلِ" وهذا الحديث رواه الإمام البخاري في كتاب المغازي، ورواه الإمام مسلم في الغزوات لما ، ورواه الإمام مسلم في الغزوات لما قتل أبو قتادة رضي الله عنه رجل من المشركين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه»، فقام أبو قتادة وقال: من يشهد لي؟ فسكت لم يشهد له أحد، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم كرر ذلك؟ فقال أبو قتادة: من يشهد لي؟ وفي المرة الثالثة: قال رجل من المسلمين: صدقت يا رسول الله فسلبه عندي فأرضه عني فقال أبو بكر: لاها الله ؛ لا: يعني نفي، وهاء قسم "لاها الله، لَاهَا اللَّهُ إذًا لا يَعْمِدُ إلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللَّهِ يُقَاتِلُ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَيُعْطِيك سَلَبَه"، فالنبي صلى الله عليه وسلم صدق أبو بكر وقال: " أعطيه سلبه"، والشاهد من الحديث: قول المؤلف: " فَقَوْلُهُ: يَعْمِدُ إلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللَّهِ يُقَاتِلُ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فاطلق على أبي قتادة أسد، أسد من أسد الله، وهذا حقيقة وليس مجازًا ولكن قيد بقوله: يقاتل عن الله ورسوله؛ دلَّ على المراد به الرجل الشجاع، وليس المراد به الرجل الحيوان؛ كما أنه إذا أطلق الأسد على لفظ الحيوان وأريد به الحيوان لا بد أن يقيد، فكذلك إذا أريد به الشجاع لا بد أن يقيد؛ وهذه منقبة لأبي قتادة رضي الله عنه؛ حيث النبي صلى الله عليه وسلم قرَّ ووقر إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله وعن رسوله، وهذا يقول المؤلف: " وَصْفٌ لَهُ بِالْقُوَّةِ لِلْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ وَقَدْ عَيَّنَهُ تَعْيِينًا أَزَالَ اللَّبْس" عينه تعينًا بقوله: يقاتل عن الله ورسوله، فلا يلتبس بالأسد الذي هو الحيوان، ثم ذكر مثالًا آخر: " . وَكَذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «إنَّ خَالِدًا سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ سَلَّهُ اللَّهُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ» "، وهذا الحديث رواه الترمذي في كتاب المناقب، فالنبي صلى الله عليه وسلم وصف خالد قال: «إنَّ خَالِدًا سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ سَلَّهُ اللَّهُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ»؛ فالسيف يطلق على السيف المعروف؛ وهي الآلة الحادة، ويطلق على الشجاع، ولكن لا بد من قرينه تبين هذا من هذا، فهذا لا بد له من قرينة؛ إذا قلت: معي سيف خارق؛ هذا يريد به الآلة، وإذا قيل: «إنَّ خَالِدًا سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ سَلَّهُ اللَّهُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ»؛ مراد به الشجاع، فكما أن الأول فيه قيد فالثالث فيه قيد، ولا يقال إن أحدهما مجاز والآخر حقيقة؛ لأنه ليس أحدهما بأولى من الآخر باسم الحقيقة، أو اسم المجاز.
" وَإِنْ قَالَ الْقَائِلُ: الْقَرَائِنُ اللَّفْظِيَّةُ مَوْضُوعَةٌ وَدَلَالَتُهَا عَلَى الْمَعْنَى حَقِيقَةٌ، لَكِنَّ الْقَرَائِنَ الْحَالِيَّةَ مَجَازٌ؛ قِيلَ: اللَّفْظُ لَا يُسْتَعْمَلُ قَطُّ إلَّا مُقَيَّدًا بِقُيُودِ لَفْظِيَّةٍ مَوْضُوعَةٍ؛ وَالْحَالُ حَالُ الْمُتَكَلِّمِ وَالْمُسْتَمِعِ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِهِ فِي جَمِيعِ الْكَلَامِ، فَإِنَّهُ إذَا عُرِفَ الْمُتَكَلِّمُ فُهِمَ مِنْ مَعْنَى كَلَامِهِ مَا لَا يُفْهَمُ إذَا لَمْ يُعْرَفْ لِأَنَّهُ بِذَلِكَ يُعْرَفُ عَادَتُهُ فِي خِطَابِهِ، وَاللَّفْظُ إنَّمَا يَدُلُّ إذَا عُرِفَ لُغَةُ الْمُتَكَلِّمِ الَّتِي بِهَا يَتَكَلَّمُ وَهِيَ عَادَتُهُ وَعُرْفُهُ الَّتِي يَعْتَادُهَا فِي خِطَابِهِ، وَدَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَى الْمَعْنَى دَلَالَةٌ قَصْدِيَّةٌ إرَادِيَّةٌ اخْتِيَارِيَّةٌ، فَالْمُتَكَلِّمُ يُرِيدُ دَلَالَةَ اللَّفْظِ عَلَى الْمَعْنَى؛ فَإِذَا اعْتَادَ أَنْ يُعَبِّرَ بِاللَّفْظِ عَنْ الْمَعْنَى كَانَتْ تِلْكَ لُغَتَهُ وَلِهَذَا كُلُّ مَنْ كَانَ لَهُ عِنَايَةٌ بِأَلْفَاظِ الرَّسُولِ وَمُرَادِهِ بِهَا: عَرَفَ عَادَتَهُ فِي خِطَابِهِ وَتَبَيَّنَ لَهُ مِنْ مُرَادِهِ مَا لَا يَتَبَيَّنُ لِغَيْرِهِ".
المؤلف رحمه الله يذكر شبه للقائلين بتقسيم اللفظ لحقيقة ومجاز من شبه في التفريق بين الحقيقة والمجاز قولهم: القرائن اللفظية موضوعة ودلالتها على المعنى حقيقة، لكن القرائن الحالية مجاز، يقول: الحقيقة: هي ما اقترن به قرينة لفظية، والمجاز: هو ما اقترن به قرينة حالية، المؤلف رحمه الله يرد هذه الشبه ويقول: " إن اللفظ لا يستعمل إلَّا مقيدًا بقود لفظية موضوعة، وأما الحال ويسمونها بالقرائن الحالية؛ فهذه حال المتكلم والمستمع لا بد من اعتبار الحال في جميع الكلام، فلا يقال: أن هذا حقيقة، وهذا مجاز؛ وذلك أن اللفظ لا يمكن أن يستعمل مجردًا عن القيود والقرائن، فلا يستعمل أي لفظ إلَّا مقيدًا بقيود لفظية موضوعة، فإذا جردته عن القيود صار في الذهن، أما اللفظ المعروف لا بد له من قيد، وأما الحال؛ القرائن الحالية، حال المتكلم والمستمع لا بد من اعتبارها في جميع الكلام؛ لأن معرفة حال المتكلم، ومراده، وحال المستمع يترتب عليه فهم المعنى؛ ولهذا قال المؤلف رحمه الله: " والحال؛ حال المتكلم والمستمع لا بد من اعتباره في جميع الكلام؛ لأنه إذا عرف المتكلم فُهم من معنى الكلام ما لا يفهم إذا لم يعرف؛ لأنه بذلك يعرف عادته في خطابه؛ إذا عرف حال المتكلم، وحال السامع يعرف عادته في خطابه، فينزل اللفظ على عادته، يقول المؤلف: "وَاللَّفْظُ إنَّمَا يَدُلُّ إذَا عُرِفَ لُغَةُ الْمُتَكَلِّمِ الَّتِي بِهَا يَتَكَلَّمُ وَهِيَ عَادَتُهُ وَعُرْفُهُ الَّذي يَعْتَادُهَا فِي خِطَابِهِ، وَدَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَى الْمَعْنَى دَلَالَةٌ قَصْدِيَّةٌ إرَادِيَّةٌ اخْتِيَارِيَّةٌ"؛ يعني الفظ الذي يتكلم به الإنسان إنما يريد به المعنى؛ لأن العبرة بالمعاني، والعبرة بالحقائق، فالألفاظ قوالب للمعاني، ودلالة اللفظ على المعنى دلالة مقصودة ليست اتفاقية فهي " دَلَالَةٌ قَصْدِيَّةٌ إرَادِيَّةٌ اخْتِيَارِيَّةٌ"، فالمتكلم الذي يتكلم الكلام يريد أن يفهم المعنى الذي أراده، فالمتكلم يريد دلالة اللفظ على المعنى ؛ "فَإِذَا اعْتَادَ أَنْ يُعَبِّرَ بِاللَّفْظِ عَنْ الْمَعْنَى كَانَتْ تِلْكَ لُغَتَهُ وَلِهَذَا كُلُّ مَنْ كَانَ لَهُ عِنَايَةٌ بِأَلْفَاظِ الرَّسُولِ وَمُرَادِهِ بِهَا: عَرَفَ عَادَتَهُ فِي خِطَابِهِ وَتَبَيَّنَ لَهُ مِنْ مُرَادِهِ مَا لَا يَتَبَيَّنُ لِغَيْرِهِ"؛ يعني إن كلام الله، وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم لا بد أن ينزل على مراد الله، ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم، وتنزيله على مراد الله، ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم لا بد من معرفة ألفاظ الرسول صلى الله عليه وسلم ومراده بها، ولهذا كان الصحابة رضوان الله عليهم هم أعلم الناس بمعاني النصوص من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لأنهم شاهدوا التنزيل، وعاشوا في زمن الوحي، والنبي صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم، يعرفون ألفاظه، وحاله، وما قاله، وعادته، ومراده؛ فهم أعرف الناس بمراد الله، وبمراد رسوله صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا كان تفسير الصحابة لكلام الله، وكلام رسوله، له شأن، وابن عباس رضي الله عنه؛ هو حبر الأمة، وترجمان القرآن، ودعا له الرسول أن يفقه الله في التأويل كان تفسيره له معنى، ومجاهد بن جبر؛ إمام في التفسير اعتمد تفسيره الأئمة: الشافعي، وأحمد، والبخاري، وغيرهم؛ لأن له عناية وملازمة لابن عباس حتى أنه قال: عرضت النسخة على ابن عباس ثلاث مرات من ألفه إلى خاتمته أقفه عند كل آية واسأله عنها؛ فلهذا يعتبر الأئمة التفسير عن مجاهد، وقالوا: إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به لهذه العناية؛ لأنه تتلمذ عن ابن عباس، وابن عباس عاش في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ودعا له النبي بأن يوفقه الله في الدين، ويعلمه التأويل، فكان أقرب إلى معرفة مراد الله، ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم.
قال رحمه الله: " وَلِهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْصِدَ إذَا ذُكِرَ لَفْظٌ مِنْ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ أَنْ يَذْكُرَ نَظَائِرَ ذَلِكَ اللَّفْظِ؛ مَاذَا عَنَى بِهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَيَعْرِفُ بِذَلِكَ لُغَةَ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ وَسُنَّةَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ الَّتِي يُخَاطِبُ بِهَا عِبَادَهُ وَهِيَ الْعَادَةُ الْمَعْرُوفَةُ مِنْ كَلَامِهِ ثُمَّ إذَا كَانَ لِذَلِكَ نَظَائِرُ فِي كَلَامِ غَيْرِهِ وَكَانَتْ النَّظَائِرُ كَثِيرَةً؛ عُرِفَ أَنَّ تِلْكَ الْعَادَةَ وَاللُّغَةَ مُشْتَرَكَةٌ عَامَّةٌ لَا يَخْتَصُّ بِهَا هُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ هِيَ لُغَةُ قَوْمِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُ عَلَى عَادَاتٍ حَدَثَتْ بَعْدَهُ فِي الْخِطَابِ لَمْ تَكُنْ مَعْرُوفَةً فِي خِطَابِهِ وَخِطَابِ أَصْحَابِهِ. كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ وَقَدْ لَا يَعْرِفُونَ انْتِفَاءَ ذَلِكَ فِي زَمَانِهِ. وَلِهَذَا كَانَ اسْتِعْمَالُ الْقِيَاسِ فِي اللُّغَةِ وَإِنْ جَازَ فِي الِاسْتِعْمَالِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الِاسْتِدْلَالِ فَإِنَّهُ قَدْ يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَسْتَعْمِلَ هُوَ اللَّفْظَ فِي نَظِيرِ الْمَعْنَى الَّذِي اسْتَعْمَلُوهُ فِيهِ مَعَ بَيَانِ ذَلِكَ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ النِّزَاعِ؛ لَكِنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَعْمِدَ إلَى أَلْفَاظٍ قَدْ عُرِفَ اسْتِعْمَالُهَا فِي مَعَانٍ فَيَحْمِلُهَا عَلَى غَيْرِ تِلْكَ الْمَعَانِي وَيَقُولُ: إنَّهُمْ أَرَادُوا تِلْكَ بِالْقِيَاسِ عَلَى تِلْكَ؛ بَلْ هَذَا تَبْدِيلٌ وَتَحْرِيفٌ
فَإِذَا قَالَ: «الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ» فَالْجَارُ هُوَ الْجَارُ لَيْسَ هُوَ الشَّرِيكَ؛ فَإِنَّ هَذَا لَا يُعْرَفُ فِي لُغَتِهِمْ؛ لَكِنْ لَيْسَ فِي اللَّفْظِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ؛ لَكِنْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ لَهُ أَوْلَى".
المؤلف رحمه الله لا يزال يكرر أنه لا بد من معرفة القرائن اللفظية، ولا بد من معرفة حال المتكلم حتى يعرف مراده من المعاني التي تدل عليها هذه الألفاظ التي تكلم بها، فقال رحمه الله: " وَلِهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْصِدَ إذَا ذُكِرَ لَفْظٌ مِنْ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ أَنْ يَذْكُرَ نَظَائِرَ ذَلِكَ اللَّفْظِ"؛ لأن النظير له حكم نظيره، فإذا ذكر لفظ من القرآن، والحديث ذكر نظيره؛ ولهذا المؤلف رحمه الله شيخ الإسلام كثيرًا ما يذكر النظائر، ويستدل بالأدلة؛ ولهذا يقول المؤلف رحمه الله: " وَلِهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْصِدَ إذَا ذُكِرَ لَفْظٌ مِنْ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ أَنْ يَذْكُرَ نَظَائِرَ ذَلِكَ اللَّفْظِ؛ مَاذَا عَنَى بِهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَيَعْرِفُ بِذَلِكَ لُغَةَ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ"؛ يعني إذا ورد لفظ في القرآن، أو في السنة تذكر نظائره حتى يعرف مراد الله، ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم، وتعرف بذلك لغة القرآن والحديث، وتعرف بذلك سنة الله ورسوله التي يخاطب بها عباده، وهي العادة المعروفة من كلامه؛ لأن الله تعالى إنما أنزل كتابه ليتدبر، ويفهم، ويعمل به، والطريق إلى فهمه، أو معرفته هو هذا، وأن يذكر نظائره، ونظائر ذلك اللفظ حتى يعرف ماذا عنيَّ بها الله ورسوله؟، وتعرف بذلك لغة القرآن والحديث، وسنة الله ورسوله، يقول المؤلف رحمه الله: "ثُمَّ إذَا كَانَ لِذَلِكَ نَظَائِرُ فِي كَلَامِ غَيْرِهِ وَكَانَتْ النَّظَائِرُ كَثِيرَةً؛ عُرِفَ أَنَّ تِلْكَ الْعَادَةَ وَاللُّغَةَ مُشْتَرَكَةٌ عَامَّةٌ لَا يَخْتَصُّ بِهَا هُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ هِيَ لُغَةُ قَوْمِهِ"؛ يعني يقول المؤلف رحمه الله: قد يكون لكلام النبي صلى الله عليه وسلم نظائر في كلام غيره، وتكون النظائر كثيرة، فيعرف بذلك " أَنَّ تِلْكَ الْعَادَةَ وَاللُّغَةَ مُشْتَرَكَةٌ عَامَّةٌ بين الرسول وغيره لَا يَخْتَصُّ بِهَا هُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ هِيَ لُغَةُ قَوْمِهِ"، والنبي صلى الله عليه وسلم يتكلم بلغة العرب، والعرب يتكلمون باللغة التي ألهمهم الله إياها، يقول المؤلف رحمه الله: " وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُ عَلَى عَادَاتٍ حَدَثَتْ بَعْدَهُ فِي الْخِطَابِ لَمْ تَكُنْ مَعْرُوفَةً فِي خِطَابِهِ وَخِطَابِ أَصْحَابِهِ. كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ" سبق المؤلف رحمه الله بيَّن أنه لا يجوز أن يحمل كلام الله، وكلام رسوله على عادات الناس، وأنه حصل من الفساد الشيء الكثير بسبب حمل كلام الله، وكلام رسوله على العادات مثل ما سبق أن بعض الناس يحمل كلام الله، وكلام رسوله على اللغة الدارجة التي اعتادها، فيحصل بذلك فساد كثير، فلا يحمل كلام الله سبحانه وتعالى على عادة الناس، ولا على تقاليدهم، ولا على لغاتهم الدارجة العامية، وإنما يحمل كلام الله، وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم على ما أراد به؛ يعني تذكر النظائر، نظائر ذلك اللفظ حتى يعرف بذلك لغة القرآن، والحديث، يقول المؤلف رحمه الله: " وَقَدْ لَا يَعْرِفُونَ انْتِفَاءَ ذَلِكَ فِي زَمَانِهِ. وَلِهَذَا كَانَ اسْتِعْمَالُ الْقِيَاسِ فِي اللُّغَةِ وَإِنْ جَازَ فِي الِاسْتِعْمَالِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الِاسْتِدْلَالِ"؛ يعني القياس يجوز في اللغة تقيس لفظ على لفظ، لكن لا يجوز للإنسان أن يستعمل القياس في كلام الله، وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، فلا يقاس على كلام الله غيره، ولا يقاس على كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم غيره، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: "وَلِهَذَا كَانَ اسْتِعْمَالُ الْقِيَاسِ فِي اللُّغَةِ وَإِنْ جَازَ فِي الِاسْتِعْمَالِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الِاسْتِدْلَالِ فَإِنَّهُ قَدْ يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَسْتَعْمِلَ هُوَ اللَّفْظَ فِي نَظِيرِ الْمَعْنَى الَّذِي اسْتَعْمَلُوهُ فِيهِ مَعَ بَيَانِ ذَلِكَ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ النِّزَاعِ؛ لَكِنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَعْمِدَ إلَى أَلْفَاظٍ قَدْ عُرِفَ اسْتِعْمَالُهَا فِي مَعَانٍ فَيَحْمِلُهَا عَلَى غَيْرِ تِلْكَ الْمَعَانِي وَيَقُولُ: إنَّهُمْ أَرَادُوا تِلْكَ بِالْقِيَاسِ عَلَى تِلْكَ"؛ فلا يقيس معاني على معاني أخرى، يقول: إنها أريدت في القياس؛ لأن هذا من باب التبديل والتحريف، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: " بَلْ هَذَا تَبْدِيلٌ وَتَحْرِيفٌ"، ومثل بذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: «الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ»؛ السقبة: القرب؛ يعني أحق بقريبه، والحديث رواه البخاري عن أبي رافع في كتاب الشفعة، وابن ماجة، يقول المؤلف رحمه الله: " فَالْجَارُ هُوَ الْجَارُ لَيْسَ هُوَ الشَّرِيكَ؛ فَإِنَّ هَذَا لَا يُعْرَفُ فِي لُغَتِهِمْ"؛ يشير إلى الرد على الإمام أبي حنيفة الذي حمل الحديث على الجار، وقال: " إن الجار أحق بسقبه، وأن الجار يشفع، قال: فإن
طالب: حمل الحديث على الجار أبي حنيفة؟
الشيخ: نعم، الشفعة هنا، قال: " الجار له حق الشفعة، قال المؤلف: "فَالْجَارُ هُوَ الْجَارُ لَيْسَ هُوَ الشَّرِيكَ؛ فَإِنَّ هَذَا لَا يُعْرَفُ فِي لُغَتِهِمْ؛ لَكِنْ لَيْسَ فِي اللَّفْظِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ؛ لَكِنْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ لَهُ أَوْلَى"؛ فقال: الجار أحق بسقبه ما فيه تصريح بأنه يشفع، ولكن يدل على أن له حق، وأن البيع له أولى من غيره، والمسألة فيها كلام لأهل العلم في الحديث الآخر: « الجار أحق بشفعة جاره انتظره بها وإن كان غائبًا» قال العلماء: المراد بالجار هنا الذي له علاقة بجاره، وبينهما ارتباط كأن يكون طريقهما واحدًا، فإنه في هذه الحالة يشفع دفعًا للضرر، عنه أما الجار المنفصل عن جاره تمامًا وليس بينهما شيء يشتركان فيه، فليس له نصيب من الشفعة لما ثبت في الحديث الصحيح؛ عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فَإِذَا وَقَعَتْ الحُدُودُ، وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلا شُفْعَةَ»؛ يعني -- ((@ كلمة غير مفهومة-20:25)) --جاره، لكن الحديث يحمل هذا على أنه إذا كان بينهما شيئًا مشترك، كأن يكون بينهما طريق يشتركان فيه، والمسألة هذه مسألة فقهية، لكن المؤلف رحمه الله أراد بذلك أن يبين أنه لا يقاس ببعض الألفاظ على بعض، فلا يقال: أن المراد بالجار هنا الشفيع؛ لأن الجار هو الجار، فلا يقال: أن الجار هو الشريك الآن، وأنه يشفع.
قال رحمه الله: " وَأَمَّا " الْخَمْرُ " فَقَدْ ثَبَتَ بِالنُّصُوصِ الْكَثِيرَةِ وَالنُّقُولِ الصَّحِيحَةِ أَنَّهَا كَانَتْ اسْمًا لِكُلِّ مُسْكِرٍ، لَمْ يُسَمَّ النَّبِيذُ خَمْرًا بِالْقِيَاسِ. وَكَذَلِكَ " النَّبَّاشُ " كَانُوا يُسَمُّونَهُ سَارِقًا كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ: سَارِقُ مَوْتَانَا كَسَارِقِ أَحْيَانًا. وَاللَّائِطُ عِنْدَهُمْ كَانَ أَغْلَظَ مِنْ الزَّانِي بِالْمَرْأَةِ. وَلَا بُدَّ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ مِنْ أَنْ يُعْرَفَ مَا يَدُلُّ عَلَى مُرَادِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْ الْأَلْفَاظِ وَكَيْفَ يُفْهَمُ كَلَامُهُ، فَمَعْرِفَةُ الْعَرَبِيَّةِ الَّتِي خُوطِبْنَا بِهَا مِمَّا يُعِينُ عَلَى أَنْ نَفْقَهَ مُرَادَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ بِكَلَامِهِ، وَكَذَلِكَ مَعْرِفَةُ دَلَالَةِ الْأَلْفَاظِ عَلَى الْمَعَانِي؛ فَإِنَّ عَامَّةَ ضَلَالِ أَهْلِ الْبِدَعِ كَانَ بِهَذَا السَّبَبِ؛ فَإِنَّهُمْ صَارُوا يَحْمِلُونَ كَلَامَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ عَلَى مَا يَدَّعُونَ أَنَّهُ دَالٌّ عَلَيْهِ وَلَا يَكُونُ الْأَمْرُ كَذَلِكَ وَيَجْعَلُونَ هَذِهِ الدَّلَالَةَ حَقِيقَةً، وَهَذِهِ مَجَازًا، كَمَا أَخْطَأَ الْمُرْجِئَةُ فِي اسْمِ " الْإِيمَانِ " جَعَلُوا لَفْظَ " الْإِيمَانِ " حَقِيقَةً فِي مُجَرَّدِ التَّصْدِيقِ وَتَنَاوُلِهِ لِلْأَعْمَالِ مَجَازًا. فَيُقَالُ: إنْ لَمْ يَصِحَّ التَّقْسِيمُ إلَى حَقِيقَةٍ وَمَجَازٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى هَذَا وَإِنْ صَحَّ فَهَذَا لَا يَنْفَعُكُمْ. بَلْ هُوَ عَلَيْكُمْ لَا لَكُمْ؛ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ هِيَ اللَّفْظُ الَّذِي يَدُلُّ بِإِطْلَاقِهِ بِلَا قَرِينَةٍ وَالْمَجَازُ إنَّمَا يَدُلُّ بِقَرِينَةٍ. وَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ لَفْظَ الْإِيمَانِ حَيْثُ أُطْلِقَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ دَخَلَتْ فِيهِ الْأَعْمَالُ وَإِنَّمَا يَدَّعِي خُرُوجَهَا مِنْهُ عِنْدَ التَّقْيِيدِ؛ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَقِيقَةَ قَوْلُهُ: «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً»".
المؤلف رحمه الله أيضًا يذكر أمثلة في هذا يقول: " وَأَمَّا " الْخَمْرُ " فَقَدْ ثَبَتَ بِالنُّصُوصِ الْكَثِيرَةِ وَالنُّقُولِ الصَّحِيحَةِ أَنَّهَا كَانَتْ اسْمًا لِكُلِّ مُسْكِرٍ، لَمْ يُسَمَّ النَّبِيذُ خَمْرًا بِالْقِيَاسِ"؛ المؤلف رحمه الله يرد على من قال: أن النبيذ لا تسمى خمرًا إلَّا بالقياس، يقول إن النبيذ داخل في مسمى الخمر؛ لأن مسمى الخمر اسم لكل مسكر؛ كما ورد في الحديث: «كل مسكر خمر، وكل خمر حرام»، فالخمر ثبت بالنصوص الكثيرة، والنقول الصحيحة أنها كانت اسمًا لكل مسكر، فكل مسكر يدخل في هذا اللفظ، ومن ذلك النبيذ، فالقول أنه عصير العنب، فالقول بأن عصير العنب لا يسمى خمرًا إلِّا بالقياس ليس بصحيح؛ لأن داخل في مسمى المسكر؛ لأن المسكر بيِّنه النبي صلى الله عليه وسلم أن كل مسكر، كل ما غطى العقل، كل ما ستر العقل وغطاه فإنه يسمى خمر سواء كان نبيذ عنب، أو نبيذ التمر، أو نبيذ التفاح، أو نبيذ الشعير، أو غيره، " وَكَذَلِكَ " النَّبَّاشُ " كَانُوا يُسَمُّونَهُ سَارِقًا كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ: سَارِقُ مَوْتَانَا كَسَارِقِ أَحْيَانًا"؛ يعني يرد على من قال: إن النباش لا يدخل في وصف السارق، وأنه يقاس، يقاس على السارق يقول: لا، النباش داخل في وصف السارق، السارق هو الذي يسرق المال عن خفية، والنباش الذي ينبش القبور، ويسرق الكفن هو سارق؛ لأنه أخذها خفية، فهو داخل في وصف السارق، فلا يقال أنه يقاس عليه، وكذلك اللائط، اللائط يكون عندهم أغلظ من الزاني في المرأة، اللائط الذي يفعل الفاحشة الإتيان الذكر بالذكر والعياذ بالله يقول المؤلف: " وَلَا بُدَّ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ مِنْ أَنْ يُعْرَفَ مَا يَدُلُّ عَلَى مُرَادِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْ الْأَلْفَاظِ وَكَيْفَ يُفْهَمُ كَلَامُهُ"؛ يعني لا بد للمسلم أن يعرف اللغة العربية التي خاطب الله بها المسلمين؛ فإن ذلك يعينه على أن يفقه كلام الله، وكلام رسوله، ولا بد أن يعرف دلالة الألفاظ على المعاني حتى لا يقع فيما وقع فيه أهل البدع الذين يحملون كلام الله، وكلام رسوله على اصطلاحاتهم الحادثة، ثم يقولون هذا حقيقة وهذا مجاز، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: " وَلَا بُدَّ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ مِنْ أَنْ يُعْرَفَ مَا يَدُلُّ عَلَى مُرَادِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْ الْأَلْفَاظِ وَكَيْفَ يُفْهَمُ كَلَامُهُ، فَمَعْرِفَةُ الْعَرَبِيَّةِ الَّتِي خُوطِبْنَا بِهَا مِمَّا يُعِينُ عَلَى أَنْ نَفْقَهَ مُرَادَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ بِكَلَامِهِ، وَكَذَلِكَ مَعْرِفَةُ دَلَالَةِ الْأَلْفَاظِ عَلَى الْمَعَانِي؛ فَإِنَّ عَامَّةَ ضَلَالِ أَهْلِ الْبِدَعِ كَانَ بِهَذَا السَّبَبِ؛ فَإِنَّهُمْ صَارُوا يَحْمِلُونَ كَلَامَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ عَلَى مَا يَدَّعُونَ أَنَّهُ دَالٌّ عَلَيْهِ وَلَا يَكُونُ الْأَمْرُ كَذَلِكَ وَيَجْعَلُونَ هَذِهِ الدَّلَالَةَ حَقِيقَةً، وَهَذِهِ مَجَازًا"؛ بيَّن المؤلف رحمه الله من أمثلة خطأ أهل البدع كما أخطأ المرجئة في الاسم الإيمان؛ جعلوا لفظ الإيمان حقيقة في مجرد التصديق، وتناوله للأعمال مجازًا؛ هذا من أخطائهم، فإن دخول الأعمال إنما هي داخلة في مسمى الإيمان؛ فاسم الإيمان يشمل التصديق، والقول، والعمل، فليس هناك مجاز؛ لأنه داخل في نفس الاسم، داخل في المسمى، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: " فَيُقَالُ: إنْ لَمْ يَصِحَّ التَّقْسِيمُ إلَى حَقِيقَةٍ وَمَجَازٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى هَذَا"؛ فهو الرد على المرجئة الذين قالوا اسم الإيمان حقيقة في التصديق، مجاز في الأعمال، يقول: نقول لهم، أولًا نقول: إذا لم يصح التقسيم إلى حقيقة ومجاز لا حاجة إلى كلامكم هذا، وإن صح؛ يعني جدلًا، وفرضًا؛ فهذا لا ينفعكم بل هو عليكم لا لكم، لماذا؟ لأن الحقيقة عندهم هي اللفظ الذي يدل بإطلاقه بلا قرينة، والمجاز إنما يدل بقرينة، وقد تبين أن لفظ الإيمان يدخل فيه الأعمال بالإطلاق، فأنتم، فمذهبكم في أن الأعمال غير داخلة في مسمى الإيمان إلَّا مجازًا باطل، على أحد الأمرين: لأنه إن بطل تقسيم الألفاظ إلى حقيقة ومجاز فقد بطل قولكم: إنه مجاز، وإن صح جدلًا، وقلتم: إن الحقيقة: هي اللفظ الذي يدل بإطلاقه بلا قرينة، والمجاز: هو اللفظ الذي يدل بقرينة، فقد أيضًا يبطل مذهبكم؛ لأن دخول الأعمال في مسمى الإيمان داخل في مسمى الإيمان، داخلٌ بالإطلاق ولا يحتاج إلى قرينة؛ ولهذا قال المؤلف رحمه الله: ". وَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ لَفْظَ الْإِيمَانِ حَيْثُ أُطْلِقَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ دَخَلَتْ فِيهِ الْأَعْمَالُ وَإِنَّمَا يَدَّعِي خُرُوجَهَا مِنْهُ عِنْدَ التَّقْيِيدِ"؛ مثلًا إذا عطف العمل على الإيمان ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ (25)﴾[البقرة:25]؛ بعض الأئمة يقول إنها إذا قيد عطف العمل على الإيمان دلَّ على خروج الأعمال من مسمى الإيمان، وإذا أطلق الإيمان دخلت الأعمال في مسماه يقول المؤلف: " وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَقِيقَةَ قَوْلُهُ: «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً» "؛ يعني هذا حقيقة وليس مجاز.
توقفنا عند قوله رحمه الله: "وَأَمَّا حَدِيثُ جِبْرِيلَ فَإِنْ كَانَ أَرَادَ بِالْإِيمَانِ مَا ذَكَرَ مَعَ الْإِسْلَامِ. فَهُوَ كَذَلِكَ. وَهَذَا هُوَ الْمَعْنَى الَّذِي أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطْعًا. كَمَا أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الْإِحْسَانَ أَرَادَ الْإِحْسَانَ مَعَ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ؛ لَمْ يُرِدْ أَنَّ الْإِحْسَانَ مُجَرَّدٌ عَنْ إيمَانٍ وَإِسْلَامٍ. وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ أُرِيدَ بِلَفْظِ " الْإِيمَانِ " مُجَرَّدُ التَّصْدِيقِ؛ فَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ إلَّا مَعَ قَرِينَةٍ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مَجَازًا وَهَذَا مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ لَا يُمْكِنُنَا الْمُنَازَعَةُ فِيهِ بَعْدَ تَدَبُّرِ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ بِخِلَافِ كَوْنِ لَفْظِ " الْإِيمَانِ " فِي اللُّغَةِ مُرَادِفًا لِلتَّصْدِيقِ وَدَعْوَى أَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يُغَيِّرْهُ وَلَمْ يَنْقُلْهُ؛ بَلْ أَرَادَ بِهِ مَا كَانَ يُرِيدُهُ أَهْلُ اللُّغَةِ بِلَا تَخْصِيصٍ وَلَا تَقْيِيدٍ؛ فَإِنَّ هَاتَيْنِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ لَا يُمْكِنُ الْجَزْمُ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، فَلَا يُعَارِضُ الْيَقِينَ، كَيْفَ وَقَدْ عُرِفَ فَسَادُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمُقَدِّمَتَيْنِ وَأَنَّهَا مِنْ أَفْسَدِ الْكَلَامِ".
فقد سبق أن بيَّن المؤلف رحمه الله أن المرجئة، والجهمية، والكرامية قرروا أن الأعمال لا تدخل في مسمى الإيمان، وأن الإيمان باقي على معناه اللغوي، وإن مسمى الإيمان إنما يراد به التصديق فقط، وأما دخول الأعمال في مسمى الإيمان فإنها مجاز، ويقولون إن قول النبي صلى الله عليه وسلم: «الْإِيمَانَ بِضْعٌ وستون أو وَسَبْعُونَ شُعْبَةً أَفْضَلُهَا قَوْلُ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَدْنَاهَا إمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ»: مجاز، وقوله عليه الصلاة والسلام في حديث جبرائيل: «وَالْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ» إلَى آخِرِ الحديث؛ هذا حقيقة؛ فالإيمان حقيقة في التصديق، مجازٌ في الأعمال، هكذا قرر المرجئة، والجهمية، والكرامية وكل من أدخل الأعمال في مسمى الإيمان؛ فهذا عمدتهم، سبق أن المؤلف رحمه الله ناقشهم وبيَّن أن القول بأن تقسيم الكلام إلى حقيقة ومجاز هذا يفصل عن حادث ليس معروفًا عند الصحابة، ولا عند التابعين، بل ولا عند أهل اللغة، وإنما حدث بعد القرون الثلاثة المفضلة، وسبق أن المؤلف بيِّن أن الذين يقسمون الكلام إلى حقيقة ومجاز، يقولون: اللفظ إن دلَّ بلا قرينة؛ فهو حقيقة، وإن لم يدل إلَّا مع القرينة فهو مجاز، وقد بيَّن المؤلف بطلان هذا التقسيم، وأنه ليس في الألفاظ الدالة ما يدل مجردًا عن جميع القرائن، وليس في الألفاظ ما يحتاج إلى جميع القرائن لا هذا، ولا هذا، ليس في الألفاظ الدالة ما يدل مجردًا عن جميع القرائن، بل لا بد من وجود بعض القرائن، وليس في الألفاظ ما يحتاج إلى جميع القرائن، بل يحتاج إلى بعض القرائن، ثم قال المؤلف رحمه الله في هذا، في ردهم على استنادهم بحديث جبريل، وأما حديث جبريل؛ لأنهم استدلوا بحديث جبريل وقالوا: إن حديث جبريل هذا يدل على أن الإيمان حقيقة هنا، هذا الإيمان حقيقة بالتصديق؛ لأن حديث جبرائيل قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه لما سأل عن الإيمان قال: «الْإِيمَانُ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ»، قالوا هذا حقيقة، وأما حديث الأعمال «الْإِيمَانَ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً» قالوا هذا مجاز. يقول المؤلف رحمه الله في الرد عليهم: "وَأَمَّا حَدِيثُ جِبْرِيلَ فَإِنْ كَانَ أَرَادَ بِالْإِيمَانِ مَا ذَكَرَ مَعَ الْإِسْلَامِ. فَهُوَ كَذَلِكَ. وَهَذَا هُوَ الْمَعْنَى الَّذِي أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطْعًا"؛ يعني إن أريد بالإيمان ما ذكر من التصديق بالأركان الستة مع الإسلام؛ يعني مع ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في مسمى الإسلام؛ وهو: الإتيان بالشهادتين، والصلاة، والزكاة، والصوم، والحج؛ فهو كذلك، وهذا هو المعنى المراد الذي أراده النبي صلى الله عليه وسلم قطعه لم يرد النبي صلى الله عليه وسلم من الإيمان هو مجرد التصديق بالقلب، وأن الإنسان لا يعمل، وأنه يكفي أن يصدق بقلبه، ولا يأتي بالأعمال، بل مراد النبي صلى الله عليه وسلم حينما سأله جبرائيل عن الإسلام، وعن الإيمان ، وعن الإحسان، الإيمان: هو الأركان الستة مع الإتيان بأركان الإسلام الخمسة، في الأعمال الخمسة، لا بد من عمل، لا بد من تصديق الباطن وعمل الإنسان الظاهر لا بد من الأمرين، كما أنه لما ذكر الإحسان أراد الإحسان مع الإيمان والإسلام، فإن جبرائيل سأل النبي عن الإسلام، ثم عن الإيمان، ثم عن الإحسان، فلما سأله عن الإيمان المراد بالإيمان مع ما سبقه من الإسلام، وكذلك لما سأله عن الإحسان وبيَّن له أن الإحسان: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك»؛ مراد به مع الإيمان، والإسلام، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: " كَمَا أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الْإِحْسَانَ أَرَادَ الْإِحْسَانَ مَعَ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ؛ لَمْ يُرِدْ أَنَّ الْإِحْسَانَ مُجَرَّدٌ عَنْ إيمَانٍ وَإِسْلَامٍ"، وهذا معروف كيف يكون الإحسان مجردًا؟! لا يمكن أن يكون الإحسان مجردًا أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، قال: أن تعبد الله؛ تعبده بأي شيء؟ تعبده بالإسلام، والإيمان، تعبده بالشهادتين، بالصلاة، بالزكاة، بالصوم، بالحج، بكل شرائع الإسلام، فكما أن الإحسان لا يكون مجردًا عن الإيمان، والإسلام، فكذلك الإيمان لا يكون مجردًا عن الإسلام، ثم قال المؤلف رحمه الله: " وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ أُرِيدَ بِلَفْظِ " الْإِيمَانِ " مُجَرَّدُ التَّصْدِيقِ"؛ يعني كما يقول المرجئة فإنه لم يقع ذلك إلَّا مع قرينة لو قدر؛ هذه مسألة فرضية، لو قدر؛ يعني فرض، هذا لا يكون، التقدير هذا معروف الشرط التقديري منه قوله تعالى: ﴿ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ (65)﴾[الزمر:65]؛ هذا فيه بيان لمقادير الأعمال، ومقادير الشيء، وحقيقة الشيء، وإلَّا فإن الشرط المقدر لا يكون الرسول صلى الله عليه وسلم معصوم عن الشرك، وقال تعالى: ﴿ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ (65)﴾[الزمر:65]؛ لكن المراد بيان عظم الشرك، وأن هذا شأنه، كذلك هنا قول المؤلف: " لو قدر"؛ فرضًا يعني " وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ أُرِيدَ بِلَفْظِ " الْإِيمَانِ " مُجَرَّدُ التَّصْدِيقِ؛ فقط فَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ إلَّا مَعَ قَرِينَةٍ" إذا وجد قرينة أن أريد نص التصديق بدون عمل هذا أريد به التصديق من أجل القرينة، لا من أجل أن لفظ الإيمان لا تدخل فيه الأعمال، فيلزم أن يكون مجازًا ؛ يعني على القول بالتسليم بالمجازًا، يقولون: هذا معلوم بالضرورة لا يمكن من المنازعة فيه بعد تدبر القرآن والإيمان، بعد تدبر القرآن والحديث، هذا معلوم بالضرورة أن الإيمان مسمى الإيمان لم يأتي في النصوص إلَّا وتدخل فيه الأعمال، وهذا لا يمكن المنازعة فيه، ولا يمكن المنازعة فيه لمن تدبر القرآن والحديث بخلاف كون لفظ الإيمان في اللغة مرادفًا للتصديق؛ يعني كما يقوله المرجئة، المرجئة يقولون: لفظ الإيمان في اللغة مرادف للتصديق، ويدعون أن الشارع لم يغيره، ولم ينقله، بل أراد به ما كان يريده أهل اللغة بلا تخصيص، ولا تقييد، المؤلف رحمه الله يقول: " هاتان المقدمتان للمرجئة، ومن لا يدخل الأعمال في مسمى الإيمان، المقدمة الأولى: " دعوى الإيمان في اللغة مرادف للتصديق، دعوى أن الإيمان في اللغة مرادف للتصديق، المقدمة الثانية: دعوى أن الشارع لم يغيره ولم ينقله، بل أراد به ما كان يريده أهل اللغة؛ يعني يريده أهل اللغة من التصديق بلا تخصيص، ولا تقييد، يقول المؤلف: " فَإِنَّ هَاتَيْنِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ لَا يُمْكِنُ الْجَزْمُ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا"؛ لا يستطيع أحدٌ أن يجزم بأن الشارع أراد بلفظ الإيمان مجرد التصديق، وجعل لفظ الإيمان مرادفًا للتصديق، ولا يستطيع أن يجزم أن الشارع لم يغيره ولم ينقله؛ يعني لفظ التصديق لم يغيره ولم ينقله؛ يعني ولبث في مسمى الأعمال، بل أراد به ما كان يريده أهل اللغة بلا تخصيص، ولا تقييد " فَإِنَّ هَاتَيْنِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ لَا يُمْكِنُ الْجَزْمُ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، فَلَا يُعَارِضُ الْيَقِينَ"؛ اليقين التي دلَّت عليه النصوص أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان هذا يقين، فلا يعارض هذا اليقين هاتان المقدمتان، أو واحدة منهما، المقدمة الأولى: كون لفظ الإيمان في اللغة مرادفًا للتصديق، المقدمة الثانية: دعوى أن الشارع لم يغيره ولم ينقله. يقول المؤلف: " كَيْفَ وَقَدْ عُرِفَ فَسَادُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمُقَدِّمَتَيْنِ وَأَنَّهَا مِنْ أَفْسَدِ الْكَلَامِ" ؛ المقدمة الأولى: قال: دعوى أن لفظ الإيمان في اللغة مرادفًا للتصديق؛ هذه يقول المؤلف: هذه مقدمة فاسدة، والمقدمة الثانية: دعوى أن الشارع لم يغيره، ولم ينقله بل أراد به ما كان يريده أهل اللغة بلا تخصيص ولا تقييد؛ أيضًا هذه مقدمة فاسدة؛ وبهذا يتبين أن مسمى الإيمان هو التصديق والأعمال، وأن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان.
قال رحمه الله: " وَ " أَيْضًا " فَلَيْسَ لَفْظُ الْإِيمَانِ فِي دَلَالَتِهِ عَلَى الْأَعْمَالِ الْمَأْمُورِ بِهَا بِدُونِ لَفْظِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ؛ فِي دَلَالَتِهِ عَلَى الصَّلَاةِ الشَّرْعِيَّةِ وَالصِّيَامِ الشَّرْعِيِّ؛ وَالْحَجِّ الشَّرْعِيِّ؛ سَوَاءٌ قِيلَ: إنَّ الشَّارِعَ نَقَلَهُ؛ أَوْ أَرَادَ الْحُكْمَ دُونَ الِاسْمِ؛ أَوْ أَرَادَ الِاسْمَ وَتَصَرَّفَ فِيهِ تَصَرُّفَ أَهْلِ الْعُرْفِ؛ أَوْ خَاطَبَ بِالِاسْمِ مُقَيَّدًا لَا مُطْلَقًا"
يقول المؤلف رحمه الله: " أَيْضًا " لَيسَ لَفْظُ الْإِيمَانِ فِي دَلَالَتِهِ عَلَى الْأَعْمَالِ الْمَأْمُورِ بِهَا بِدُونِ لَفْظِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ؛ فِي دَلَالَتِهِ عَلَى الصَّلَاةِ الشَّرْعِيَّةِ وَالصِّيَامِ الشَّرْعِيِّ؛ وَالْحَجِّ الشَّرْعِيِّ"؛ المعنى أن لفظ الإيمان في دلالته على الأعمال ليس دون لفظ الصلاة، والصيام، والزكاة، والحج في دلالتها على مسمياتها الشرعية، ليس دونها في الدلالة كما أن الصلاة الشرعية؛ يراد بها هذه العبادة، وهذه الهيئة المبتدئة بالتكبير والمختتمة بالتسليم، وإن كان أصل معناها اللغوي الدعاء، وكذلك الزكاة؛ يراد بها المال المخصوص الذي يخرج من شخص مخصوص، وإن كان أصلها في اللغة الطهارة، وكذلك الصيام؛ يراد به الإمساك بنية من شخص مخصوص عن المفطرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس، وكذلك الحج وإن كان أصل الصيام في اللغة الإمساك، مجرد الإمساك، وكذلك الحج؛ يراد به هذه العبادة المخصوصة قصد مكة في وقت مخصوص لأعمال مخصوصة من شخص مخصوص، وإن كان أصل الحج في اللغة القصد، فكما أن هذا مسمى في الشرعية، هذه المسميات تدل على مسمياتها الشرعية، وإن كان أصلها في اللغة أخص من ذلك، فكذلك الإيمان في دلالته على الأعمال المأمور بها ليس دونها في الدلالة، فالإيمان تدخل فيه الأعمال وإن كان أصله التصديق، كذلك الصلاة أصلها في اللغة الدعاء ولكن المراد بها شرعًا هذه العبادة المفتتحة بالتكبير، والمختتمة بالتسليم، وكذلك الزكاة أصلها في اللغة الطهارة؛ والمراد بها شرعًا: هذا المال المدفوع من شخص مخصوص في وقت مخصوص، وكذلك الصيام أصله في اللغة: الإمساك؛ والمراد به: إمساك عن المفطرات في وقت مخصوص من شخص مخصوص ، وكذلك الحج أصله في اللغة: القصد؛ والمراد به هذه العبادة قصد مكة لأداء المناسك متعبدة في الحج في وقت مخصوص من شخص مخصوص، فكما أن هذه مسميات هذه الألفاظ لها دلالة تدل على مسمياتها الشرعية وإن كان معناها في اللغة أخص، فكذلك الإيمان يراد به دلالته الشرعية، وهو دخول الأعمال في مسماه، وإن كان أصله في اللغة أخص من ذلك وهو التصديق؛ هذا معنى قول المؤلف، وَ " أَيْضًا " فَلَيْسَ لَفْظُ الْإِيمَانِ فِي دَلَالَتِهِ عَلَى الْأَعْمَالِ الْمَأْمُورِ بِهَا بِدُونِ لَفْظِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ؛ يعني ليس بدونها في الدلالة، فِي دَلَالَتِهِ عَلَى الصَّلَاةِ الشَّرْعِيَّةِ وَالصِّيَامِ الشَّرْعِيِّ؛ وَالْحَجِّ الشَّرْعِيِّ؛ سَوَاءٌ قِيلَ: إنَّ الشَّارِعَ نَقَلَهُ؛ أَوْ أَرَادَ الْحُكْمَ دُونَ الِاسْمِ؛ أَوْ أَرَادَ الِاسْمَ وَتَصَرَّفَ فِيهِ تَصَرُّفَ أَهْلِ الْعُرْفِ؛ أَوْ خَاطَبَ بِالِاسْمِ مُقَيَّدًا لَا مُطْلَقًا" المهم دخول الأعمال فيه سواء قيل أن الشارع نقله؛ نقله من التصديق إلى مسمى التصديق، والأعمال، أو أن الشارع أراد الحكم دون الاسم، أو أن الشارع أراد الاسم وتصرف فيه تصرف أهل العرف، أو أن الشارع خصَّ بالاسم مقيدًا لا مطلقًا، المهم دخول الأعمال فيه.
قال رحمه الله: " فَإِنْ قِيلَ: الصَّلَاةُ وَالْحَجُّ وَنَحْوُهُمَا لَوْ تُرِكَ بَعْضُهَا بَطَلَتْ بِخِلَافِ الْإِيمَانِ
فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ عِنْدَ الصَّحَابَةِ وَأَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ بِمُجَرَّدِ الذَّنْبِ؛ قِيلَ: إنْ أُرِيدَ بِالْبُطْلَانِ أَنَّهُ لَا تَبْرَأُ الذِّمَّةُ مِنْهَا كُلِّهَا؛ فَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ الْوَاجِبُ إذَا تَرَكَ مِنْهُ شَيْئًا لَمْ تَبْرَأْ الذِّمَّةُ مِنْهُ كُلِّهِ. وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ وُجُوبُ الْإِعَادَةِ فَهَذَا لَيْسَ عَلَى الْإِطْلَاقِ. فَإِنَّ فِي الْحَجِّ وَاجِبَاتٍ إذَا تَرَكَهَا لَمْ يُعِدْ بَلْ تُجْبَرُ بِدَمِ، وَكَذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ إذَا تَرَكَهَا سَهْوًا أَوْ مُطْلَقًا وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ فَإِنَّمَا تَجِبُ إذَا أَمْكَنَتْ الْإِعَادَةُ وَإِلَّا فَمَا تَعَذَّرَتْ إعَادَتُهُ يَبْقَى مُطَالَبًا بِهِ كَالْجُمُعَةِ وَنَحْوِهَا.
وَإِنْ أُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُثَابُ عَلَى مَا فَعَلَهُ فَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ قَدْ بَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ الْمُسِيءِ فِي صِلَاتِهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُتِمَّهَا يُثَابُ عَلَى مَا فَعَلَ وَلَا يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يُصَلِّ. وَفِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ أَنَّ الْفَرَائِضَ تَكْمُلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ النَّوَافِلِ؛ فَإِذَا كَانَتْ الْفَرَائِضُ مَجْبُورَةً بِثَوَابِ النَّوَافِلِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ يُعْتَدُّ لَهُ بِمَا فَعَلَ مِنْهَا؛ فَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ إذَا تَرَكَ مِنْهُ شَيْئًا كَانَ عَلَيْهِ فِعْلُهُ؛ إنْ كَانَ مُحَرَّمًا تَابَ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا فَعَلَهُ؛ فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْهُ لَمْ تَبْرَأْ ذِمَّتُهُ مِنْهُ وَأُثِيبَ عَلَى مَا فَعَلَهُ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ وَقَدْ دَلَّتْ النُّصُوصُ عَلَى أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ الْإِيمَانِ"
هذا اعتراض قد يكون من المرجئة، وخلاصة الاعتراض أنهم يقولون: إن هناك فرق بين الإيمان، وبين الصلاة، والحج، والزكاة، والصوم أنتم قلتم إن دلالة الإيمان على الأعمال كدلالة الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج على مسمياتها الشرعية، يقول المعترض: نحن نعترض نقول: هناك فرق بين الصلاة، والزكاة، وبين الإيمان؛ فإن الصلاة، والحج لو ترك بعضها بطلت بخلاف الإيمان فإنه لو ذهب شيءٌ منه فلا يبطل؛ هذا خلاصة الاعتراض، يقول فإن قيل الصلاة، والحج ونحوهما لو ترك بعضها بطلت بخلاف الإيمان فإنه لا يبطل عند الصحابة، وأهل السنة والجماعة بمجرد الذنب؛ يعني إذا أذنب الإنسان نقص إيمانه ولا يبطل إيمانه، أما الصلاة، والحج فلو ترك بعضها بطلت، أجاد المؤلف رحمه الله قال: " قِيلَ: إنْ أُرِيدَ بِالْبُطْلَانِ أَنَّهُ لَا تَبْرَأُ الذِّمَّةُ مِنْهَا كُلِّهَا؛ فَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ الْوَاجِبُ إذَا تَرَكَ مِنْهُ شَيْئًا لَمْ تَبْرَأْ الذِّمَّةُ مِنْهُ كُلِّهِ. وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ وُجُوبُ الْإِعَادَةِ فَهَذَا لَيْسَ عَلَى الْإِطْلَاق"؛ يعني بل فيه تفصيل الجواب يقول المؤلف رحمه الله: إن أردتم بالبطلان أنها لا تبرأ الذمة منها كلها؛ يعني إذا ترك شيئا من الصلاة، من الزكاة، ومن الصوم، ومن الحج لا تبرأ به ذمته فكذلك الإيمان إذا ترك شيئًا منه لا تبرأ ذمته، فالمعنى واحد إذا اذنب، وفعل بعض المحرمات، أو ترك بعض الواجبات التي هي داخلة في مسمى الإيمان لا تبرأ ذمته، ويطالب به، يكون آثم، فكذلك الصلاة، والزكاة، والحج، والصوم إذا ترك شيئًا منها لا تبرأ ذمته، وإن أريد وجوب الإعادة أن الصلاة، والزكاة، والصوم إذا ترك شيئًا منها يجب عليه الإعادة؛ فهذا فيه تفصيل ليس على الإطلاق، وبيان ذلك أن في الحج يقول المؤلف: هذا ليس على الإطلاق فإن في الحج واجبات إذا تركها لم يعيد بل تجبر بدم، وهذا مثل لو ترك المبيت في منى، أو ترك المبيت في مزدلفة، أو ترك تجاوز الميقات دون إحرام ثم تجاوز بعد ذلك؛ هذه الواجبات تركها يجبر بدم، إذا تجاوز الميقات، وأحرم ترك واجبًا يجبر بدم وحجه صحيح، إذا لم يبت في منى يجبر بدم وحجه صحيح، إذا لم يبت في مزدلفة يجبر بدم وحجه صحيح، إذا ترك الحلق، أو التقصير يجبر بدم وحجه صحيح؛ فإن في الحج واجبات إذا تركها لم يعد بل تجبر بدم، وكذلك في الصلاة عند أكثر العلماء إذا تركها سهوًا، أو مطلقًا هنا وجب الإعادة وعلق كما ذكرت أنها لم تجب الإعادة، فإنما تجب إذا أمكنت الإعادة؛ يعني في الصلاة هناك بعض الواجبات إذا تركها سهوًا لا تجب الإعادة مثل كما لو ترك تسبيحة الركوع، تسبيحة السجود عند الحنابلة وغيرهم، والذين يقولون بوجوب تسبيح في الركوع، وجوب التسبيح في السجود، وجوب قول: ربِّي اغفر لي بين السجدتين واجب، والتكبيرات كتكبيرة الإحرام، وقول سمع الله لمن حمده؛ كل هذه واجبات، واجبات إذا تركها سهوًا فإنه يجبرها بدم، وإذا نسي فليس عليه شيء، إذا نسي السجود فليس عليه شيء
طالب: -- ((@ كلمة غير مفهومة-45:57)) --السجود ولكن الدم.
الشيخ: -- ((@ كلمة غير مفهومة-46:03)) -- هذا في الحج يجبرها بالسجود، وإن كانت هذه في خلاف في وجوبها؛ لأن الجمهور يرون أنها مستحبة وليست واجبة جمهور العلماء يرون تسبيحة الركوع تسبيحة السجود، تكبيرات الإحرام، وقول سمع الله لمن حمده بين السجدتين وقول ربي اغفرلي كل هذاه الجمهور يرون أنها مستحبة، والحنابلة، والجماعة يرون أنها واجبة، لكن عند الحنابلة يرون أنها تجبر بدم؛ هذا معني إذا تركها سهوًا، أو مطلقًا، إذا تركها سهوًا، أو مطلقًا عند الجمهور حتى لو تركها عمدًا عند الجمهور لا تجب الإعادة، وإذا تركها عند من يقول بوجوبها عمدًا تجب الإعادة، وسهوًا يجبرها بسجود السهو، يقول المؤلف رحمه الله: " فَإِنَّمَا تَجِبُ إذَا أَمْكَنَتْ الْإِعَادَةُ وَإِلَّا فَمَا تَعَذَّرَتْ إعَادَتُهُ يَبْقَى مُطَالَبًا بِهِ كَالْجُمُعَةِ وَنَحْوِهَا"؛ يعني الذي يعيده هو ما يمكن إعادته كما لو حصل في الصلاة، لو ترك ركنًا من أركان الصلاة وطال الفاصل فإنه يعيد الصلاة يمكن، فهذا يمكن إعادته، وإلَّا فما تعذر إعادته يبقى مطالب به كالجمعة ونحوها، الجمعة إذا تركها من غير عذر لا يمكن إعادتها؛ لأن الجمعة لا تصح إلَّا بأن يتقدمها خطبتين، ولا بد أن يكون عدد، وإمام، وخطيب وشرح خطيب، وإمام ومأموم، فإذا فاتت فلا تعاد الجمعة، وإنما يعيدها ظهرًا ما فاتته يصليها ظهرًا؛ لأنه لا يمكن إعادتها على أنها جمعة؛ هذا ما يقوله المؤلف: " وَإِلَّا فَمَا تَعَذَّرَتْ إعَادَتُهُ يَبْقَى مُطَالَبًا بِهِ كَالْجُمُعَةِ وَنَحْوِهَا" فالمؤلف رحمه الله بيَّن أن لا فرق بين الإيمان وبين الصلاة، والزكاة، والصوم والحج إذا ترك شيئا منها كل منهما إذا ترك شيئًا منه فإنه يأثم ويطالب به، وما تجب إعادته يعاد وما لا تجب إعادته فلا يعاد، والإيمان إذا ترك شيئًا من الواجبات ووقع في المحرمات نقص إيمانه، وإيمانه باق، والاحتمال الثاني يقول المؤلف: " وَإِنْ أُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُثَابُ عَلَى مَا فَعَلَهُ فَلَيْسَ كَذَلِكَ"؛ فالإنسان يثاب على ما فعله؛ إذا فعل بعض الواجبات وأخل بشيء منها؛ فإنه يثاب على ما فعله، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: "بَلْ قَدْ بَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ الْمُسِيءِ فِي صِلَاتِهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُتِمَّهَا يُثَابُ عَلَى مَا فَعَلَ وَلَا يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يُصَلّ" نعم؛ لأن من أساء في صلاته فإنه إن كان جاهلًا قد يكون معذورًا، وإن كان عالمًا ولم يخلَ بشيء يبطل الصلاة فإنه يثاب على ما فعله، يقول المؤلف رحمه الله: " وَفِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ أَنَّ الْفَرَائِضَ تَكْمُلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ النَّوَافِلِ"؛ فهذا جاء في الأحاديث من ذلك حديث تميم الداري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة فإن أكملها كتبت له تامة، فإن لم يكملها أكملها، فإن لم يكن أكملها قال الله سبحانه لملائكته: انظروا هل تجدون لعبد من تطوع، فأكملوا بها ما ضيع من فريضته، ثم تأخذ الأعمال على حسب ذلك»، هذا رواه الترمذي، وابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه، والنسائي في كتاب الصلاة كما ذكر المحقق وفقه الله، يقول المؤلف رحمه الله: "فَإِذَا كَانَتْ الْفَرَائِضُ مَجْبُورَةً بِثَوَابِ النَّوَافِلِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ يُعْتَدُّ لَهُ بِمَا فَعَلَ مِنْهَا؛ فَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ إذَا تَرَكَ مِنْهُ شَيْئًا كَانَ عَلَيْهِ فِعْلُهُ؛ إنْ كَانَ مُحَرَّمًا تَابَ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا فَعَلَهُ"؛ وبهذا يتبين أنه لا فرق بين الإيمان وبين هذه المسميات الأخرى العبادات؛ الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، فإن الفرائض إذا نقص منها شيء تجبر بالنوافل؛ وهذا يدل على أنه يعتد بما فعل منها، وكذلك الإيمان إذا نقص شيءٌ منه بأن ترك شيئًا من الواجبات، أو فعل شيئًا من المحرمات فإن عليه التوبة، عليه أن يتوب عن فعل المحرم، وعليه أن يؤدي الواجب الذي تركه، فإذا لم يفعله لم تبرأ ذمته،منه وأثيب على ما فعله كسائر العبادات؛ إذا لم يفعل واجب يبقى مطالب به ولا تبرأ ذمته، ولكنه يثاب على ما فعله كسائر العبادات؛ وبهذا يتبين أنه لا فرق بين الإيمان وبين الصلاة، والصوم، والزكاة، والحج؛ وبهذا يبطل هذا الاعتراض، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: " وَقَدْ دَلَّتْ النُّصُوصُ عَلَى أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ الْإِيمَانِ"؛ وهذا قد تواترت به النصوص في إخراج العصاة من النار، ومعلوم أن العصاة إنما دخلوا النار بسبب إخلالهم ببعض الواجبات، أو فعلهم المحرمات؛ ولهذا نقص إيمانهم وضعف حتى لم يبقى منه إلَّا مثقال ذرة من إيمان؛ فدل على أن الإيمان إذا فعل شيئًا منه، إذا كان مؤمنًا فإنه يبقى إيمانه ولو نقص إيمانه بفعل المحرمات، أو بترك الواجبات حتى العصاة الذين يدخلون النار، والذين ارتكبوا الكبائر يبقى إيمانهم يضعف حتى لا يبقى إلَّا مثقال ذرة من إيمان، ومع ذلك فإنه يبقى ويثاب، يثيب على ما بقي من إيمانه؛ ولهذا أخرج من النار بالإيمان، بأن أصل الإيمان باقي، ولا ينتهي الإيمان حتى يأتي الشرك الأكبر، أو الكفر الأكبر، أو النفاق الأكبر، أعوذ بالله، أما المعاصي وإن عظمت، وإن كثرت فإنها تضعف الإيمان وتنقصه لكنها لا تقوي عليه، والأحاديث في هذا متواترة؛ في اخراج العصاة؛ عصاة الموحدين من النار بما معهم من الإيمان، وإن كان الخوارج، والمعتزلة، وغيرهم أنكروا خروج العصاة؛ عصاة الموحدين من النار، وأنكروا هذه النصوص مع أنها متواترة؛ ولهذا أنكر عليهم أهل السنة وصاحوا بهم، وبدعوهم، وضللوهم، وأنكروا عليهم.
قال رحمه الله: "وَقَدْ عَدَلَتْ " الْمُرْجِئَةُ " فِي هَذَا الْأَصْلِ عَنْ بَيَانِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ وَاعْتَمَدُوا عَلَى رَأْيِهِمْ وَعَلَى مَا تَأَوَّلُوهُ بِفَهْمِهِمْ اللُّغَةَ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ أَهْلِ الْبِدَعِ؛ وَلِهَذَا كَانَ الْإِمَامُ أَحْمَد يَقُولُ: أَكْثَرُ مَا يُخْطِئُ النَّاسُ مِنْ جِهَةِ التَّأْوِيلِ وَالْقِيَاسِ".
يقول المؤلف رحمه الله: " وَقَدْ عَدَلَتْ " الْمُرْجِئَةُ " فِي هَذَا الْأَصْلِ عَنْ بَيَانِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ"؛ المرجئة معروف أن المرجئة كما سبق طبقات، ومن أغلبهم في الإرجاء: الجهمية؛ الذين يقولون: إن الإيمان مجرد المعرفة، ثم الماتريدية؛ الذين يقولون: أن الإيمان مجرد التصديق عدلوا في هذا الأصل؛ يعني وهو مسمى الإيمان عن بيان الكتاب، والسنة، وأقوال الصحابة، والتابعين لهم بإحسان، واعتمدوا على رأيهم، فقالوا: إن الإيمان هو مجرد التصديق، وعدلوا عن بيان الكتاب، والسنة، وأقوال الصحابة، فالنصوص من كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأقوال الصحابة، والتابعين كلها تدل على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، وصدق هذا؛ قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ(2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا(4)﴾[الأنفال:1، 4]؛ فأدخل هذه الأعمال؛ أعمال القلوب، وأعمال الجوارح كل هذه أدخلها في مسمى الإيمان، وقال عليه الصلاة والسلام: «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً فأَعْلَاهَا قَوْلُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَدْنَاهَا إمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ»، وغيرها من النصوص كثير سبقت، هؤلاء المرجئة عدلوا في هذا الأصل وهو مسمى الإيمان عن بيان الكتاب، وعن بيان السنة، وعن أقوال الصحابة، وعن أقوال التابعين، واعتمدوا على آرائهم، وقالوا: إن الإيمان هو مجرد التصديق، وعلى ما تأولوه بفهمهم اللغة، قالوا: إن مسمى الإيمان هو التصديق، وقالوا: إن اللغة دلَّت على أن الإيمان في اللغة هو التصديق، فهم اعتمدوا على رأيهم، وعلى ما تأولوه بفهمهم، هكذا، قالوا: نحن نفهم من لفظ مسمى الإيمان أنه هو التصديق في اللغة؛ وهذا هو الذي دلَّت عليه اللغة، فاعتمدوا على رأيهم، وعلى ما تأولوه من فهمهم اللغة، وأعرضوا عن النصوص من كتاب الله، وسنة رسوله، وأقوال الصحابة، والتابعين، والأئمة؛ ولهذا ضلُّوا، قال المؤلف: وهذه طريقة أهل البدع، طريقة أهل البدع أنهم يعرضون عن النصوص، ويعتمدون على آرائهم وأفهامهم الخاصة؛ ولهذا يقول الإمام أحمد رحمه الله: " أكثر ما يخطئ الناس من جهة التأويل، والقياس"؛ فالتأويل يكون في الألفاظ؛ وهي الأدلة السمعية، والقياس يكون في المعاني؛ وهي الأقيسة العقلية، فاكثر ما يخطئ الناس إما من جهة التأويل في الألفاظ الشرعية، وإما من جهة القياس في الأدلة العقلية؛ ومن ذلك مثلًا: تأويل أهل البدع لقوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى(5)﴾[طه:5]؛ قالوا: إن المراد بالاستواء: الاستواء كالاستواء لم يفهموا من أوله على ما فهموه من استواء المخلوق، وقالوا: إن في قوله تعالى في قصة نوح: ﴿فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ (28)﴾[المؤمنون:28]؛ قالوا: لم يفهموا بالاستواء إلَّا كاستواء المخلوق على المخلوق، فلما تأولوا هذا التأول نفوا الاستواء، وقالوا: إن معناه الاستيلاء؛ فهذه طريقة أهل البدع، طريقتهم: أنهم يتأولون، ويخطئون من جهة التأويل ومن جهة القياس، وهذا هو سبب ضلالهم، سبب ضلال كثير من أهل البدع إنما هو الخطأ في التأويل إما في التأويل، وإما في القياس، فالتأويل في الألفاظ الشرعية، والقياس في الأقيسة العقلية.
توقفنا عن قول المؤلف رحمه الله: "وَلِهَذَا تَجِدُ الْمُعْتَزِلَةَ وَالْمُرْجِئَةَ وَالرَّافِضَةَ وَغَيْرَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ يُفَسِّرُونَ الْقُرْآنَ بِرَأْيِهِمْ وَمَعْقُولِهِمْ وَمَا تَأَوَّلُوهُ مِنْ اللُّغَةِ؛ وَلِهَذَا تَجِدُهُمْ لَا يَعْتَمِدُونَ عَلَى أَحَادِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ؛ فَلَا يَعْتَمِدُونَ لَا عَلَى السُّنَّةِ وَلَا عَلَى إجْمَاعِ السَّلَفِ وَآثَارِهِمْ؛ وَإِنَّمَا يَعْتَمِدُونَ عَلَى الْعَقْلِ وَاللُّغَةِ وَتَجِدُهُمْ لَا يَعْتَمِدُونَ عَلَى كُتُبِ التَّفْسِيرِ الْمَأْثُورَةِ وَالْحَدِيثِ؛ وَآثَارِ السَّلَفِ وَإِنَّمَا يَعْتَمِدُونَ عَلَى كُتُبِ الْأَدَبِ وَكُتُبِ الْكَلَامِ الَّتِي وَضَعَتْهَا رُءُوسُهُمْ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْمَلَاحِدَةِ أَيْضًا؛ وإنَّمَا يَأْخُذُونَ مَا فِي كُتُبِ الْفَلْسَفَةِ وَكُتُبِ الْأَدَبِ وَاللُّغَةِ وَأَمَّا كُتُبُ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ وَالْآثَارِ؛ فَلَا يَلْتَفِتُونَ إلَيْهَا. هَؤُلَاءِ يُعْرِضُونَ عَنْ نُصُوصِ الْأَنْبِيَاءِ إذْ هِيَ عِنْدَهُمْ لَا تُفِيدُ الْعِلْمَ وَأُولَئِكَ يَتَأَوَّلُونَ الْقُرْآنَ بِرَأْيِهِمْ وَفَهْمِهِمْ بِلَا آثَارٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وَقَدْ ذَكَرْنَا كَلَامَ أَحْمَد وَغَيْرِهِ فِي إنْكَارِ هَذَا وَجَعْلِهِ طَرِيقَةَ أَهْلِ الْبِدَعِ"
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربَّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء، والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد..
فقد سبق في الحلقة الماضية أن بين المؤلف رحمه الله أن أهل البدع تأولوا لفظ الإيمان على أنه التصديق فقط، واعتمدوا على آراءهم، وعلى ما تأولوه في فهمهم اللغة، وقالوا: إن اللغة دلَّت على أن الإيمان هو مجرد التصديق، وأن الأعمال لا تدخل في مسمى الإيمان، وقد بيَّن المؤلف رحمه الله أنهم عدلوا في هذا الأصل عن بيان الكتاب والسنة، وأقوال الصحابة، والتابعين لهم بإحسان، واعتمدوا على آراءهم، وعلى ما تاولوه، وأن هذه الطريقة هي طريقة أهل البدع الإعراض عن نصوص الكتاب، والسنة، وأقوال الصحابة، والتابعين، والاعتماد على آراءهم، وعلى أفهامهم القاصرة، والفاسدة؛ ولهذا كان الإمام أحمد رحمه الله يقول: " أكثر ما يخطئ الناس من جهة التأويل ومن جهة القياس؛ فالتأويل يكون في الألفاظ، والقياس يكون في المعاني، التأويل يكون في الألفاظ الشرعية، والقياس يكون في المعاني العقلية، يقول المؤلف رحمه الله: " ولهذا"؛ من أجل ذلك، من أجل كون أهل البدع عدلوا في مسمى الإيمان عن نصوص الكتاب، والسنة، واعتمدوا على آراءهم، وعلى ما تأولوه من فهمهم اللغة، تجد المعتزلة، والمرجئة، والرافضة، وغيرهم من أهل البدع يفسرون القرآن برأيهم، ومعقولهم؛ لأن هذه سمة لأهل البدع، سمة أهل البدع الإعراض عن النصوص، والاعتماد على آراءهم، وأفهامهم، فلما كانت هذه سمة لهم تجدهم يفسرون القرآن برأيهم، ومعقولهم، وما تأولوه من اللغة، ويعرضون عن نصوص الكتاب، والسنة، وعن أقوال الصحابة، والتابعين، والواجب على المسلم أن يفسر القرآن؛ كلام الله بكلام الله القر آن بالقرآن، فإن لم يجد يفسر بالسنة، فإن لم يجد يفسر بأقوال الصحابة والتابعين مع الاستعانة باللغة، أما أن يعتمد على الآراء والأفهام وتترك النصوص هذه طريقة أهل البدع، يقول المؤلف رحمه الله: " وَلِهَذَا تَجِدُهُمْ لَا يَعْتَمِدُونَ عَلَى أَحَادِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ"؛ لأنهم لهم منهج، ولهم طريقة؛ منهجهم: الإعراض عن النصوص، والاعتماد على آراءهم، وأفهامهم؛ فلما كان هذا المنهج هو الذي يسلكونه صاروا لا يعتمدون على أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، ولا على أقوال الصحابة والتابعين، وأئمة المسلمين، فلا يعتمدون لا على السنة، ولا على إجماع السلف وآثارهم، وإنما يعتمدون على العقل واللغة هكذا يعتمدون على العقل، ويقولون: إن النصوص، والأدلة من كتاب الله، وسنة رسوله أدلة لفظية لا تفيد اليقين، وأما الأدلة العقلية فإنها قواطع يقينية؛ تفيد اليقين، هكذا زعموا؛ ولهذا هونوا من شأن النصوص، فقالوا: النصوص من كتاب الله وسنة رسوله ظواهر لفظية لا تفيد اليقين، دلالتها ظنية، وظواهر لفظية؛ لا تفيد اليقين بخلاف الأدلة العقلية فإنها يسمونها براهين يقينية، وقواطع عقلية؛ هكذا يفخمونها، فالأدلة العقلية يسمونها براهين يقينية، وقواطع عقلية، والنصوص يقولون: ظواهر لفظية لا تفيد اليقين؛ فلهذا تركوا النصوص وراءهم ظهريًا، وتركوا أقوال الصحابة، والتابعين، واعتمدوا على عقولهم، وعلى مافهموه من اللغة لزعمهم؛ ولهذا يقول المؤلف رحمه الله: " وَتَجِدُهُمْ لَا يَعْتَمِدُونَ عَلَى كُتُبِ التَّفْسِيرِ الْمَأْثُورَةِ وَالْحَدِيثِ؛ وَآثَارِ السَّلَفِ"؛ لأن هذا يخالف منهجهم الذي سلكوه، وإنما يعتمدون على كتب الأدب وكتب الكلام التي وضعتها رءوسهم؛ يعني رؤسائهم يعتمدون على كتب الأدب، وكتب الكلام التي وضعتها المعتزلة، والأشاعرة، والفلاسفة، يقول المؤلف: " وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْمَلَاحِدَةِ أَيْضًا"؛ الملاحدة الذين انحرفوا من الفلاسفة، والمناطقة؛ أهل المنطق هذه هي طريقتهم، إنما يأخذون ما في كتب الفلسفة، وكتب الأدب وكتب اللغة؛ هذا عمدتهم، عمدتهم؛ كتب الفلاسفة، وكتب الأدب، واللغة، وأما كتب القرآن، والحديث، والآثار فلا يلتفتون إليها إطلاقا؛ لأنها مخالفة لمنهجهم، يقول المؤلف هؤلاء يعرضون عن نصوص الأنبياء اذ هي عندهم لا تفيد العلم، وأولئك يتأولون بفهمهم، ورأيهم بلا آثار، هؤلاء؛ المعتزلة، والمرجئة، والرافضة يعرضون عن نصوص الأنبياء إذا هي عندهم لا تفيد العلم، تفيد اليقين، تفيد الظن سبق أنهم يقولون: لا تفيد العلم، إنما الذي يفيد العلم، واليقين هي الأدلة العقلية، وأما الأدلة الشرعية تفيد الظن؛ ظنية، ظواهر لفظية، وظنية لا تفيد،اليقين فهؤلاء يعرضون عن نصوص الأنبياء؛ يعني المعتزلة، والمرجئة، والرافضة إذ هي عندهم لا تفيد العلم، وأولئك يتأولون برأيهم، وأصحاب الفلاسفة، والملاحدة يتأولون برأيهم وفهمهم بلا آثار عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، يقول المؤلف رحمه الله: " وَقَدْ ذَكَرْنَا كَلَامَ أَحْمَد وَغَيْرِهِ فِي إنْكَارِ هَذَا وَجَعْلِهِ طَرِيقَةَ أَهْلِ الْبِدَعِ" يريد ما سبق من قول المؤلف رحمه الله إن قول الإمام أحمد: " أكثر ما يخطئ الناس من جهة التأويل، والقياس؛ فإذا هذه طريقة أهل اللغة إنما يعتمدون على الأقيسة العقلية، وعلى اللغة، وعلى أفهامهم؛ طريقة أهل البدع، وينكرون، ويعرضون عن النصوص، وعن أقوال الصحابة، والتابعين.
طالب: إنما يقول العلماء النص ما يختمل معنًا واحد، والظاهر ما يحتمل معنيين أحدهما راجح خلاف قول هؤلاء إن ظواهر النصوص أهل العلم لا يعنونها هذا جزمًا
الشيخ: النصوص، النص يعني الذي لا يحتمل إلا معنى واحدًا؛ يعني ظاهر في المعنى، والنص الذي يحتمل هذا تقسيم النصوص من حيث هي في دلالتها، أما أولئك أهل البدع، يقولون: النصوص كلها كلها ظنية لا تفيد، ولا تجزم بأنها تدل على كذا، يقول: الرحمن على العرش استوى؛ هذا ظني في دلالته على الاستواء الحقيقي؛ ولهذا يحتمل الاستواء الحقيقي، ويحتمل أنه مثل استواء المخلوق، ويحتمل أنه استيلاء؛ كل هذه احتمالات ظواهر لفظية لا تفيد اليقين، ولا يجزم بدلالته على شيء؛ لأنها لا تفيد اليقين.
قال رحمه الله: ". وَإِذَا تَدَبَّرْتَ حُجَجَهُمْ وَجَدْت دَعَاوَى لَا يَقُومُ عَلَيْهَا دَلِيلٌ. وَالْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَانِي نَصَرَ قَوْلَ جَهْمٍ فِي " مَسْأَلَةِ الْإِيمَانِ " مُتَابَعَةً لِأَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَكَذَلِكَ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ. فَأَمَّا أَبُو الْعَبَّاسِ القلانسي وَأَبُو عَلِيٍّ الثَّقَفِيُّ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مُجَاهِدٍ شَيْخُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ وَصَاحِبُ أَبِي الْحَسَنِ -فَإِنَّهُمْ نَصَرُوا مَذْهَبَ السَّلَفِ. وَابْنُ كِلَابٍ - نَفْسُهُ - وَالْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ البجلي وَنَحْوُهُمَا كَانُوا يَقُولُونَ: هُوَ التَّصْدِيقُ وَالْقَوْلُ جَمِيعًا مُوَافَقَةً لِمَنْ قَالَهُ مِنْ فُقَهَاءِ الْكُوفِيِّينَ كَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَمَنْ اتَّبَعَهُ مِثْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِ.
يقول المؤلف رحمه الله: إذا تدبرت أيها القارئ الكريم، إذا تدبرت أيها المسلم إذا تدبرت حجج أهل البدع؛ المعتزلة، والمرجئة، والرافضة وجدتها دعاوي لا يقوم عليها دليل، كلها دعاوي ما عندهم أدلة؛ لأنهم لا يعتمدوا على أدلة، يعتمدون على الآراء، والأقيسة، والأفهام؛ آراءهم الفاسدة، وأفهامهم الكاسدة، وإذا كانت هذه حججهم فإنه لا تعتبر أدلة، ولهذا يقول المؤلف: "لَا يَقُومُ عَلَيْهَا دَلِيلٌ. وَالْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَانِي نَصَرَ قَوْلَ جَهْمٍ فِي " مَسْأَلَةِ الْإِيمَانِ " مُتَابَعَةً لِأَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ "؛ يعني القاضي أبو بكر الباقلاني من الأشاعرة، وهو من البارزين في الأشاعرة، وهو من أحسنهم؛ من حسن الأشاعرة ومن أقربهم إلى السنة، ومع ذلك نصر قول جهم في مسألة الإيمان متابعةً لأبي حسن الأشعري، وقول جهم في الإيمان؛ يعني إن أبو الحسن الأشعري يرى أن الإيمان هو التصديق، والجهم يرى أن الإيمان هو مجرد المعرفة، والمعرفة، والتصديق لا فرق بينهما؛ ولهذا يقول شيخ الإسلام رحمه الله في تقريره في الرد عليهم، يقول: يعسر التفريق بين التصديق المجرد وبين المعرفة؛ التصديق المجرد عن الأعمال يعسر التفريق بينه وبين المعرفة؛ المعرفة في القلب، والتصديق في القلب واحد؛ ولهذا فإن قول أبي الحسن الأشعري: الإيمان هو التصديق، وقول الجهم الإيمان هو المعرفة واحد لا فرق بين بينهما، " وَالْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَانِي نَصَرَ قَوْلَ جَهْمٍ فِي " مَسْأَلَةِ الْإِيمَانِ " مُتَابَعَةً لِأَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ"؛ يعني كما أن أبا الحسن الأشعري يقول: الإيمان هو التصديق، فكذلك القاضي أبو بكر الباقلاني يقول: الإيمان هو التصديق؛ وبهذا يكونان قد نصر مذهب الجهم، وإن كان كما سيأتي في موضع آخر أبي الحسن الأشعري يرى الاستثناء في الإيمان، والجهم لا يرى الاستثناء في الإيمان؛ لأن أبي الحسن الأشعري وإن رجع إلى معتقد أهل السنة والجماعة إلَّا أنه بقت عليه أشياء كما سيأتي، فالقاضي أبو بكر الباقلاني، وأبو الحسن الأشعري كلاهما نصر قول جهم في مسألة الإيمان؛ وهو أن الإيمان هو التصديق فقط، يقول المؤلف: " وكذلك أكثر أصحابه"؛ يعني أصحاب أبي الحسن الأشعري، ذكر في الحاشية قول الأشعري في اللمع يقول: " إن قال قائل ما الإيمان عندكم بالله تعالى؟ قيل له هو التصديق بالله، وعلى ذلك اجتماع أهل اللغة؛ هذا يبين ان أبا الحسن يرى أن الإيمان هو التصديق فقط، وكذلك القاضي أبو بكر الباقلاني يقول: فلما كان الإيمان في اللغة التي، يقول هذا كلام أبي الحسن" فلما كان الإيمان في اللغة التي أنزل الله تعالى بها القرآن هو التصديق، قال الله تعالى: ﴿ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ(17)﴾[يوسف:17]؛ إي بمصدق لنا، فهذا يبين أن أبا الحسن الأشعري نصر قول جهم، وهو يريد الحق لكن هذه من الأشياء التي بقيت عليه، ولهذا فإنه استثنى في الإيمان، يقول المؤلف: " فَأَمَّا أَبُو الْعَبَّاسِ القلانسي"؛ وهو محمد بن عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن عبد الوهاب أبو علي الثقفي النيسابوري، اشتغل بالفقه على مذهب الشافعية، واشتغل بالجدل والمناظرة، وكذلك أبو علي الثقفي، وأبو العباس القلانسي؛ كذلك أيضًا من رجال القرن الثالث الهجري، وهو من أقطاب الفرقة الكلابية الذين سبقوا أبوا الحسن الأشعري، وكذلك أبو عبد الله بن مجاهد؛ وهو محمد بن أحمد بن يعقوب المجاهد أبو عبد الله الطائي المتسلم البصري، سكن بغداد، ودرس عليه الباقلاني، ولذاك المؤلف شيخ القاضي أبي بكر الباقلاني، وشيخ القاضي أبي بكر الباقلاني؛ فهو عبد الله بن مجاهد شيخ القاضي أبي بكر الباقلاني؛ وهو صاحب أبي الحسن الأشعري؛ فهؤلاء الثلاثة: أَبُو الْعَبَّاسِ القلانسي وَأَبُو عَلِيٍّ الثَّقَفِيُّ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مُجَاهِدٍ نصروا مذاهب السلف هؤلاء الثلاثة، أما أبو بكر الباقلاني، والحسن الأشعري قرروا بعد؛ يعني نصروا مذهب جهم في مسمى الإيمان، وهؤلاء الثلاثة نصروا مذاهب السلف؛ يعني في أن الأعمال تدخل في مسمى الإيمان، وابن كلاب؛ وهو عبد الله ابن سعيد القطان أبو محمد معروف بـ ابن كلاب، هو رأس الكلابية، وهم سبقوا الأشاعرة، وهم الذين يرون أن الأعمال، أن الصفات ينكرون الصفات الاختيارية؛ لأنها، ينكرونها-- ((@ كلمة غير مفهومة-70:02)) -- الصفات الذاتية يقول: لأن لا تحل شبهة الحوادث في الرب مثل: الغضب، والرضا، والمحبة ينكرونها، ابن كلاب نفسه وإخوان الحسين بن الفضل البجلي الكوفي؛ هو الحسين بن الفضل بن عمير البجلي الكوفي أبو علي اشغل بالتفسير، واللغة، والحديث، وكان إمامًا في علوم القرآن، هؤلاء؛ ابن كلاب، والحسين بن الفضل البجلي، ونحوهم كانوا يقولون: هو؛ يعني الإيمان هو التصديق، والقول جميعًا موافقة لمن قاله من فقهاء الكوفيين، وافق من قال من فقهاء الكوفة كحماد بن أبي سليمان هذا هو أبو إسماعيل الكوفي أصله من أصفهان؛ وهو شيخ الإمام أبي حنيفة وروى عن الإمام أنس بن مالك وتفقه على إبراهيم النخعي، ودرس عليه الإمام أبي حنيفة، ورمي بالإرجاء حماد بن سليمان هو شيخ الإمام أبو حنيفة هو أول من قال بالإرجاء، أول من قال من العلماء-- ((@ كلمة غير مفهومة-71:04)) -- هو حماد بن أبي سليمان هو شيخ الإمام أبي حنيفة، يقول المؤلف رحمه الله: " إن هؤلاء الثلاثة قالوا: إن الإيمان هو التصديق والقول جميعًا، هؤلاء ابن كلاب، والحسين بن الفضل، والثلاثة السابقون: أبو العباس، وأبو علي، والثقفي، أو بعدهم مجاهد نصروا مذاهب السلف، والقاضي أبو بكر الباقلاني، وأبو الحسن الأشعري نصروا مذهب جهم في الإيمان.
"فَصْلٌ:
وَأَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ نَصَرَ قَوْلَ جَهْمٍ فِي " الْإِيمَانِ " مَعَ أَنَّهُ نَصَرَ الْمَشْهُورَ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ أَنَّهُ يَسْتَثْنِي فِي الْإِيمَانِ فَيَقُولُ: أَنَا مُؤْمِنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ؛ لِأَنَّهُ نَصَرَ مَذْهَبَ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ وَلَا يُخَلَّدُونَ فِي النَّارِ وَتُقْبَلُ فِيهِمْ الشَّفَاعَةُ وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَهُوَ دَائِمًا يَنْصُرُ - فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي فِيهَا النِّزَاعُ بَيْنَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِمْ - قَوْلَ أَهْلِ الْحَدِيثِ لَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ خَبِيرًا بِمَآخِذِهِمْ فَيَنْصُرُهُ عَلَى مَا يَرَاهُ هُوَ مِنْ الْأُصُولِ الَّتِي تَلَقَّاهَا عَنْ غَيْرِهِمْ؛ فَيَقَعُ فِي ذَلِكَ مِنْ التَّنَاقُضِ مَا يُنْكِرُهُ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ، كَمَا فَعَلَ فِي مَسْأَلَةِ الْإِيمَانِ وَنَصَرَ فِيهَا قَوْل جَهْمٍ مَعَ نَصْرِهِ لِلِاسْتِثْنَاءِ؛ وَلِهَذَا خَالَفَهُ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ كَمَا سَنَذْكُرُ مَأْخَذَهُ فِي ذَلِكَ وَاتَّبَعَهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ عَلَى نَصْرِ قَوْل جَهْمٍ فِي ذَلِكَ. وَمَنْ لَمْ يَقِفْ إلَّا عَلَى كُتُبِ الْكَلَامِ وَلَمْ يَعْرِفْ مَا قَالَهُ السَّلَفُ وَأَئِمَّةُ السُّنَّةِ فِي هَذَا الْبَابِ؛ فَيَظُنُّ أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ هُوَ قَوْلُ أَهْلِ السُّنَّةِ؛ وَهُوَ قَوْلُ لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ بَلْ قَدْ كَفَّرَ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ وَوَكِيعٌ وَغَيْرُهُمَا مَنْ قَالَ بِقَوْلِ جَهْمٍ فِي الْإِيمَانِ الَّذِي نَصَرَهُ أَبُو الْحَسَنِ. وَهُوَ عِنْدَهُمْ شَرٌّ مِنْ قَوْلِ الْمُرْجِئَةِ؛ وَلِهَذَا صَارَ مَنْ يُعَظِّمُ الشَّافِعِيَّ مِنْ الزَّيْدِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَنَحْوِهِمْ يَطْعَنُ فِي كَثِيرٍ مِمَّنْ يَنْتَسِبُ إلَيْهِ، يَقُولُونَ: الشَّافِعِيُّ لَمْ يَكُنْ فَيْلَسُوفًا وَلَا مُرْجِئًا وَهَؤُلَاءِ فَلَاسِفَةٌ أَشْعَرِيَّةٌ مُرْجِئَةٌ وَغَرَضُهُمْ ذَمُّ الْإِرْجَاءِ وَنَحْنُ نَذْكُرُ عُمْدَتَهُمْ لِكَوْنِهِ مَشْهُورًا عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ الْمُنْتَسِبِينَ إلَى السُّنَّةِ"
المؤلف رحمه الله يبين أن أبا الحسن الأشعري رحمه الله وإن كان في الأول معتزليًا، ثم تحول لما اتصل بعبد الله بن سعيد بن كلاب إلى مذهب الوسط إلى أهل السنة، ثم مذهب الأشاعرة فيما بعد، ثم تحول إلى مذهب أهل السنة إلَّا أنه بقيت عليه أشياء، وسببها كما ذكر المؤلف رحمه الله أنه لم يكن خبيرًا بمآخذ أهل السن؛ ولهذا تجده يوافق أهل السنة في أشياء، ويوافق أهل البدع في أشياء؛ ولهذا قال المؤلف رحمه الله: " وَأَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ نَصَرَ قَوْلَ جَهْمٍ فِي " الْإِيمَانِ "؛ حيث أنه قرر أن الإيمان هو التصديق كما سبق، وهذا هو قول جهم الإيمان هو المعرفة "" مَعَ أَنَّهُ نَصَرَ الْمَشْهُورَ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ أَنَّهُ يَسْتَثْنِي فِي الْإِيمَانِ"؛ هو نصر مذهب أهل السنة في الاستثناء في الإيمان، ونصر مذهب جهم في قول: أن الإيمان هو التصديق، وسبب ذلك أنه لما رجع إلى مذهب أهل السنة والجماعة بقيت عليه أشياء تلقاها عن عبد الله بن سعيد بن كلاب، ولم يكن خبيرًا بمذهب أهل السنة فيها فبقيَّ عليها؛ فهذا مما بقيَّ عليه؛ وهو اتخاذه أن الإيمان مجرد التصديق مع أنه نصر مذهب أهل السنة بأنه يستثنى في الإيمان، ويقول: أنا مؤمن إن شاء الله، يقول المؤلف رحمه الله: " لِأَنَّهُ نَصَرَ مَذْهَبَ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ وَلَا يُخَلَّدُونَ فِي النَّارِ وَتُقْبَلُ فِيهِمْ الشَّفَاعَةُ وَنَحْوُ ذَلِكَ"؛ يعني خلافا لي الخوارج والمعتزلة الذين يكفرون المسلم بالمعاصي، بالكبيرة، ويخلدون في النار؛ فإن الخوارج قالوا: من فعل الكبيرة كفر؛ خرج من الإيمان ودخل في الكفر، وخلد في النار، والمعتزلة يقولون: خرج من الإيمان ولم يدخل في الكفر؛ يكون في منزلة بين المنزلتين، لا مؤمن ولا كافر، ويخلد في النار، ولا تقبل فيهم الشفاعة يرون، أنكروا الشفاعة، قالوا من دخل النار فهو يخلد فيها كالكافرين أبدا الآباد؛ جعلوه وسط الملحدين، والكفار، أعوذ بالله، فأبو الحسن الأشعري بريء من هذا المذهب -- ((@ كلمة غير مفهومة-75:36)) --مع أهل السنة في أنه لا يكفر أحد من أهل القبلة بالذنب ولا يخلد في النار أحد من الموحدين العصاة، وتقبل فيهم الشفاعة، يقول المؤلف رحمه الله: " وَهُوَ دَائِمًا يَنْصُرُ - فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي فِيهَا النِّزَاعُ بَيْنَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِمْ - قَوْلَ أَهْلِ الْحَدِيثِ"؛ يعني هو يريد الحق رحمه الله، ينصر دائمًا المسائل التي فيها النزاع بين أهل الحديث، وغيرهم مذهب أهل الحديث إلَّا الشيء الذي يخفى عليه؛ ولهذا قال المؤلف: " لَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ خَبِيرًا بِمَآخِذِهِمْ فَيَنْصُرُهُ عَلَى مَا يَرَاهُ هُوَ مِنْ الْأُصُولِ الَّتِي تَلَقَّاهَا عَنْ غَيْرِهِمْ" مثل ما تلقى عن عبد الله بن سعيد بن كلاب في سمات الأشعرية، وغيرها، ويظهر في كتابه الإبانة -- ((@ كلمة غير مفهومة-76:19)) --رجع إلى معتقد أهل السنة والجماعة لكن بقت عليه أشياء يسيرة مثل كما ذكر المؤلف رحمه الله؛ ولهذا يقول المؤلف رحمه الله: "لَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ خَبِيرًا بِمَآخِذِهِمْ فَيَنْصُرُهُ؛ يعني ينصر قول أهل الحديث عَلَى مَا يَرَاهُ هُوَ مِنْ الْأُصُولِ الَّتِي تَلَقَّاهَا عَنْ غَيْرِهِمْ؛ فَيَقَعُ فِي ذَلِكَ مِنْ التَّنَاقُضِ مَا يُنْكِرُهُ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ" هو ينصر مذهب أهل السنة لكن لا بأصول أهل السنة بل بأصول أهل البدع؛ فإذا نصر مذهب أهل السنة بأصول أهل البدع أنكر أهل السنة عليه استدلاله بأصول أهل البدع، وأنكر عليه أهل البدع نصره لأهل السنة؛ فينكر عليه هؤلاء وهؤلاء فيقع في التناقض؛ لأنه ينصر مذهب أهل السنة لكن بحجج أهل البدع، بمآخذ أهل البدع، فينكر عليه أهل السنة هذه الحجج التي يستدل بها، وينكر عليه أهل البدع نصره لمذهب أهل السنة؛ ينكر عليه هؤلاء وهؤلاء، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: " فَيَقَعُ فِي ذَلِكَ مِنْ التَّنَاقُضِ مَا يُنْكِرُهُ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ"؛ يعني هؤلاء أهل السنة، وهؤلاء أهل البدع كلهم أنكروا عليه كما فعل في مسألة الإيمان، مسألة الإيمان نصر مذهب جهم فأنكر عليه أهل السنة، ونصر مذهب أهل السنة في الاستثناء في الإيمان فأنكر عليه أهل البدع، أنكر عليه هؤلاء وهؤلاء كما فعل في مسألة الإيمان ونصر فيها قول جهم مع نصره بالاستثناء، يقول المؤلف رحمه الله: " وَلِهَذَا خَالَفَهُ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ كَمَا سَنَذْكُرُ مَأْخَذَهُ فِي ذَلِكَ"؛ يعني الاستثناء في الإيمان كثير من أصحابه خالفه فلا يجوز الاستثناء في الإيمان؛ لأن المرجئة وغيرهم من الأشاعرة وغيرهم لا يجوزون الاستثناء في الإيمان، لا يجوز للمسلم أن يقول: أنا مؤمن إن شاء الله نقول أنت تشك في إيمانك الإيمان شيء واحد لا يزيد ولا ينقص، الإيمان تعلم أنك مؤمن كما إنك تعلم أنك قرأت الفاتحة، وأنك تحب الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنك تبغض اليهود، فكيف تشك؟! تقول: أنا مؤمن إن شاء الله، ولهذا سموا الذين يشكون في ايمانهم الشكاكة، وأهل السنة يقولون: المسألة فيها تفصيل إن أراد الإنسان الشك في اصل إيمانه فهذا ممنوع، أما إذا أراد أن واجبات الإيمان، والأعمال التي يطالب بها -- ((@ كلمة غير مفهومة-78:27)) --كثيرة، ولا-- ((@ كلمة غير مفهومة-78:29)) -- الإنسان أنه أدى ما عليه، ولا يزكي نفسه، فيقول: إن شاء الله بأن يعين الأعمال؛ فهذا لا بأس به؛ فلهذا أنكر كثير من أصحاب أبي الحسن الأشعري أنكروا عليه الاستثناء في الإيمان؛ لأنهم يرون أن الأعمال لا تدخل في مسمى الإيمان فلهذا أنكروا عليه، وهو قرَّ مسألة الإيمان موافقة لأهل الحديث، ولهذا يقول المؤلف رحمه الله: " وَلِهَذَا خَالَفَهُ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ كَمَا سَنَذْكُرُ مَأْخَذَهُ فِي ذَلِكَ وَاتَّبَعَهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ عَلَى نَصْرِ قَوْل جَهْمٍ فِي ذَلِكَ" من الأعمال التي تدخل في مسمى الإيمان، يقولون: " وَمَنْ لَمْ يَقِفْ إلَّا عَلَى كُتُبِ الْكَلَامِ وَلَمْ يَعْرِفْ مَا قَالَهُ السَّلَفُ وَأَئِمَّةُ السُّنَّةِ فِي هَذَا الْبَابِ؛ فَيَظُنُّ أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ هُوَ قَوْلُ أَهْلِ السُّنَّةِ؛ وَهُوَ قَوْلُ لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ" إذًا الذي يعتمد قال: كتب الكلام، ولا يعرف مقالات أهل السنة، وما قرروه فإنه يغلط ويأتي بقول يخالف مذهب أهل السنة كما فعل الأشعري فإنه ناصر قول جهم في مسألة الإيمان، وهو قول لم يقُله أحد من السلف لم يقول إن الإيمان هو مجرد التصديق" بَلْ قَدْ كَفَّرَ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ وَوَكِيعٌ وَغَيْرُهُمَا مَنْ قَالَ بِقَوْلِ جَهْمٍ فِي الْإِيمَانِ الَّذِي نَصَرَهُ أَبُو الْحَسَنِ"؛ كفر وقال: أنه مجرد التصديق، وأن لا يجب على الإنسان إلَّا التصديق، ولا يجب العمل، وأن من صدق يكفيه هذا وتبرأ ذمته، كفر هذا الإمام أحمد ووكيع؛ يعني من قال بهذا القول بصرف النظر عن القائل؛ يعني الشخص المعين؛ المراد تكفير من قال بهذا القول على العموم، من قال بهذا القول كفر، لكن الشخص المعين لا يكفر حتى تقوم عليه الحجة؛ يعني حتى تجب الشروط وتنتفي الموانع، فهذا القول الذي نصره هو القول الذي نصره أبو الحسن وهو قول جهم؛ أن الإيمان هو مجرد تصديق كفر الإمام أحمد، وكفر وكيع من قال بهذا القول؛ يعني على العموم، يقولون: ". وَهُوَ عِنْدَهُمْ شَرٌّ مِنْ قَوْلِ الْمُرْجِئَةِ"؛ يعني إن قول الجهم الإيمان هو سبب التصديق، سبب قول المرجئة الذين يقولون: أن الإيمان هو التصديق والقول باللسان، مرجئة الفقهاء يقولون: إن الإيمان هو التصديق، والإقرار باللسان، يقول المؤلف: " وَلِهَذَا صَارَ مَنْ يُعَظِّمُ الشَّافِعِيَّ مِنْ الزَّيْدِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَنَحْوِهِمْ يَطْعَنُ فِي كَثِيرٍ مِمَّنْ يَنْتَسِبُ إلَيْهِ" -- ((@ كلمة غير مفهومة-80:56)) --ونحن نطعن في كثير مما ينتسب إلى أبي الحسن "يَقُولُونَ: الشَّافِعِيُّ لَمْ يَكُنْ فَيْلَسُوفًا وَلَا مُرْجِئًا وَهَؤُلَاءِ فَلَاسِفَةٌ أَشْعَرِيَّةٌ مُرْجِئَةٌ وَغَرَضُهُمْ من ذلك؛ غرضهم من الطَعنِ ذَمُّ الْإِرْجَاءِ "، ثم يقول المؤلف رحمه الله: "وَنَحْنُ نَذْكُرُ عُمْدَتَهُمْ لِكَوْنِهِ مَشْهُورًا عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ الْمُنْتَسِبِينَ إلَى السُّنَّةِ" ؛ يذكر المؤلف رحمه الله عمدة الأشاعرة في إنكارهم في دخول الأعمال في مسمى الإيمان، وإذا كان أبو الحسن الأشعري وغيره من العلماء القاضي أبو بكر الباقلاني أزل في هذه المسألة، فإنه يجب على طالب العلم أن يجتنب الأسباب التي جلُّوا بها؛ وهي إعراضهم عن النصوص؛ الكتاب والسنة، ولهذا يجب على طالب العلم إنه يعظ على مذهب السنة،بالنواجذ وأن يحمد ربه أن وفقه لمعتقد أهل السنة والجماعة، فإن كثيرًا من العلماء الكبار من أهل الحديث ومن أهل الفقه، وغيرهم قد حصل له الانحراف عن معتقد أهل السنة والجماعة بسبب أنهم لم -- ((@ كلمة غير مفهومة-82:12)) --على مذهب أهل السنة والجماعة، ولم يوفقوا-- ((@ كلمة غير مفهومة-82:17)) -- على معتقد أهل السنة والجماعة، وإن كان يقصدون الحق؛ هذا يجب على طالب العلم أن يعظ على أهل السنة، والجماعة بالنواجذ وأن يحمد الله ويسأله الثبات على دينه، ويعتمد على النصوص، ويعرض عن منهج أهل البدع في تركهم للنصوص واعتمادهم على آراءهم وأفهامهم.