(المتن)
(السَّادِسَ عَشَرَ): أَنَّ هَؤُلَاءِ وَاقِفَةٌ فِي أَلْفَاظِ الْعُمُومِ لَا يَقُولُونَ بِعُمُومِهَا، وَالسَّلَفُ يَقُولُونَ: الرَّسُولُ وَقَفَنَا عَلَى مَعَانِي الْإِيمَانِ وَبَيَّنَهُ لَنَا.
وَعَلِمْنَا مُرَادَهُ مِنْهُ بِالِاضْطِرَارِ وَعَلِمْنَا مِنْ مُرَادِهِ عِلْمًا ضَرُورِيًّا أَنَّ مَنْ قِيلَ: إنَّهُ صَدَّقَ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ بِلِسَانِهِ بِالْإِيمَانِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى ذَلِكَ وَلَا صَلَّى وَلَا صَامَ وَلَا أَحَبَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا خَافَ اللَّهَ؛ بَلْ كَانَ مُبْغِضًا لِلرَّسُولِ مُعَادِيًا لَهُ يُقَاتِلُهُ؛ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمُؤْمِنِ.
كَمَا قَدْ عَلِمْنَا أَنَّ الْكُفَّارَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ وَفَعَلُوا ذَلِكَ مَعَهُ؛ كَانُوا عِنْدَهُ كُفَّارًا لَا مُؤْمِنِينَ فَهَذَا مَعْلُومٌ عِنْدَنَا بِالِاضْطِرَارِ أَكْثَرُ مِنْ عِلْمِنَا بِأَنَّ الْقُرْآنَ كُلَّهُ لَيْسَ فِيهِ لَفْظٌ غَيْرُ عَرَبِيٍّ. فَلَوْ قُدِّرَ التَّعَارُضُ؛ لَكَانَ تَقْدِيمُ ذَلِكَ الْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ أَوْلَى.
(الشرح)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد:
فهذا هو الوجه السادس عشر من الوجوه التي فصَّل بها المؤلف رحمه الله الردّ الأول من الردود السبعة التي ردَّ بها على القاضي أبي بكر الباقلاني وشيخه أبي الحسن الأشعري في تقريرهم عن الإيمان في اللغة معناه التبسيط، وأن الشارع أباقاه على ما كان.
يقول المؤلف رحمه الله : "السَّادِسَ عَشَرَ: أَنَّ هَؤُلَاءِ وَاقِفَةٌ فِي أَلْفَاظِ الْعُمُومِ لَا يَقُولُونَ بِعُمُومِهَا".
يقول نتوقف ونقول بالتبسيط -- ((@ كلمة غير مفهومة- )) -- الأعمال فهم واقفة في ألفاظ العموم والذي ينبغي أن تعمم ألفاظ العموم، وأن يعمل الإنسان بعمومها، لأن الشارع سم الإيمان وإن كان الإيمان معناه التصديق إلا أن المراد العموم حتى يشمل الأقوال والأعمال.
يقول المؤلف: " أَنَّ هَؤُلَاءِ وَاقِفَةٌ فِي أَلْفَاظِ الْعُمُومِ لَا يَقُولُونَ بِعُمُومِهَا" يعنى: فلا يقولون بعموم التصديق حتى يشمل التصديق بالأعمال.
"وَالسَّلَفُ يَقُولُونَ: الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم وَقَفَنَا عَلَى مَعَانِي الْإِيمَانِ وَبَيَّنَهُ لَنَا" يعني: الرسول عليه الصلاة والسلام وقفنا على معاني الإيمان وبيَّنه لنا؛ يعني أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، مثل قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً, فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ, وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ».
ومثل حديث عبد القيس قال: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «آمُرُكُمْ بِالإِيمَانِ بِاللَّهِ وَحْدَهُ، أَتَدْرُونَ مَا الإِيمَانُ بِاللَّهِ وَحْدَهُ؟ شَهَادَةُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامُ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَأَنْ تُأدوا خمس ماغنمتم».
هذا من توقيف الشارع على معنى الإيمان، وأن الأعمال داخلة في المسمى.
يقول المؤلف: "وَالسَّلَفُ يَقُولُونَ: الرَّسُولُ وَقَفَنَا عَلَى مَعَانِي الْإِيمَانِ وَبَيَّنَهُ لَنَا. وَعَلِمْنَا مُرَادَهُ مِنْهُ بِالِاضْطِرَارِ وَعَلِمْنَا مِنْ مُرَادِهِ عِلْمًا ضَرُورِيًّا أَنَّ مَنْ مَنْ قِيلَ: إنَّهُ صَدَّقَ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ بِلِسَانِهِ بِالْإِيمَانِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى ذَلِكَ وَلَا صَلَّى وَلَا صَامَ وَلَا أَحَبَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا خَافَ اللَّهَ؛ بَلْ كَانَ مُبْغِضًا لِلرَّسُولِ مُعَادِيًا لَهُ يُقَاتِلُهُ؛ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمُؤْمِنِ".
يعني هذا معلوم بالضرورة والعلم الضروري هو: الذي يضطر إليه الإنسان ويدركه، ولا يحتاج إلى تأمُّل واستدلال بخلاف العلم النظري، فإنه الذي يحتاج إلى التأمُّل واستدلال، فالعلم علمان، علم ضروري لا يحتاج إلى تأمل و استدلال، كقولك الشمس طالعة، هذا علم ضروري تدرك أن الشمس طالعة ولا يحتاج إلى تأمل وكقولك الواحد نصف الاثنين هذا يدركه الإنسان بداهة، العلم الضروري يدرك بالبداهة، بخلاف العلم النظري يحتاج إلى تأمل كما قال لو قيل لك أخرج السدس من ستمائة وأربعة وخمسين وثلث، هذا يحتاج إلى تأمل إلى نظر يحتاج إلى إتعاب ذهن، أما العلم الضروري هو الذي لا يحتاج إلى تأمل، يدركه الإنسان بداهة، الواحد والثلثين بداهة، السماء فوق الأرض بداهة، الشمس طالعة، فكذلك كون الرسول عليه الصلاة والسلام أوقفنا على معاني الإيمان وأن العمل داخل في مسمى الإيمان وأن من زعم أنه صدق بقلبه ولكن لم يقر بلسانه ولم يعبر بجوارحه، فلم يصلي ولم يصم ولا أحب الله ورسوله، ولا خاف الله ورسوله، وكان مبغض للرسول ومعادي له ويقاتله، هذا ليس بمؤمن معلوم بالضرورة من دين الإسلام فكيف يقال أن الإيمان هو التصديق اللغوي فقط من دون عمل، مع أن الرسول عليه الصلاة والسلام أوقفنا على معاني الإيمان وعلمنا مراده منه بالاضطرار بحيث نضطر إلى إدراك ذلك، وندركه بداهة ولا نحتاج إلى تأمل واستدلال.
يقول المؤلف: "كَمَا قَدْ عَلِمْنَا أَنَّ الْكُفَّارَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ وَفَعَلُوا ذَلِكَ مَعَهُ؛ كَانُوا عِنْدَهُ كُفَّارًا لَا مُؤْمِنِينَ"
يقول: كما أننا هذا التنظيم، كما أننا نعلم بالاضطرار أن الأعمال داخله في مسمى الإيمان، وأن من لم يأتي بالعمل ليس بمؤمن فكذلك نعلم بالاضطرار أن الكفار من المشركين وأهل الكتاب أنهم كفار وليسوا بمؤمنين ولو كانوا يعلمون بقلوبهم أن محمد رسول الله وأن القرآن حق لكنهم لم يؤمنوا به ولم يتبعوه ولم يعملوا بالقرآن ولم ينقادوا لشرع الله ودينه فليسوا بمؤمنين، ولا يكفي التصديق القلبي والمعرفة القلبية والعلم القلبي، فإن فرعون يعلم أن موسى رسول الله حق، وإبليس يعلم ربه ولكن إبليس أستكبر على عبادة الله فكان كافرًا، مع أن العلم موجود في قلبه، وكذلك فرعون كافر، ورأس الكفر والضلال مع أنه يعلم أن موسى رسول الله حق.
فكذلك نعمل بالاضطرار أن الكفار من المشركين وأهل الكتاب هم كفار وليسوا مؤمنين ولو كانوا يعلمون أن محمد رسول الله، ولو اقروا بذلك بألسنتهم، ما داموا أنهم لم يتابعوه، ولم يعملوا بشرع الله ودينه فهم كفار فهذا معلوم عندنا بالاضطرار أكثر من علمنا بأن القرآن كله ليس فيه لفظ غير عربي، كما أننا نعلم بالاضطرار أن القرآن عربي، بلغة العرب وليس فيه شيء من الكلمات الأعجمية هذا نعلمه بالاضطرار، ولكننا نعلم بالاضطرار أن الرسول صلى الله عليه وسلم أوقفنا على معاني الإيمان وأن الأعمال داخله في مسمى الإيمان وكذلك نعلم أن الكفار من المشركين وأهل الكتاب وإن كانوا يصدقون بألسنتهم أنهم كفار، نعلم بالاضطرار من هذا أكثر من علمنا بأن القرآن ليس فيه كلمات أعجمية وأن كله عربي.
يقول المؤلف: "فَلَوْ قُدِّرَ التَّعَارُضُ؛ لَكَانَ تَقْدِيمُ ذَلِكَ الْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ أَوْلَى".
لو قدر التعارض بين ما يدعيه القاضي ومن سلك سبيله ممن يزعمون أن الإيمان هو مجرد التصديق وقولهم أن القرآن نزل بلغة العرب وأن الإيمان معناه التدقيق في اللغة، لو قدر أن هذا يعارض ما أوقفنا عليه الرسول عليه الصلاة والسلام من معاني الإيمان وما بينه لنا وما علمنا من مراده علمًا ضرورياَ أن الأعمال تدخل في مسمى الإيمان، لو قدر التعارض بينهما لكان تقديم ذلك العلم الضروري أولى من تقديم ما يزعمه هؤلاء من أن الإيمان معناه التصديق وأن القرآن نزل بلسان العرب، وأن الإيمان بقي على معناه اللغوي.
(الشرح) هذا اعتراض يقول المؤلف رحمه الله فإن قالوا، يعني الذين عارضوا وقالوا: أن الأعمال ليس في مسمى الإيمان، واعترضوا على قول سلف إنا قد علمنا بالاضطرار من معاني الإيمان، أن العمل داخل في مسمى الإيمان وأن الرسول أوقفنا على ذلك وعلمنا مراده ضروري، وعلمنا أن الكفار والمشركين وأهل الكتاب هم كفار ولو كانوا يصدقون برسالة النبي صلى الله عليه وسلم بقلوبهم، " فَإِنْ قَالُوا: مَنْ عُلِمَ أَنَّ الرَّسُولَ كَفَّرَهُ عُلِمَ انْتِفَاءُ التَّصْدِيقِ مِنْ قَلْبِهِ، قِيلَ لَهُمْ: هَذِهِ مُكَابَرَةٌ " كيف ينتفي التصديق من قلبه لا يمكن التصديق موجود في قلبه فإن الكفار الذين كفرهم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، التصديق موجود في قلوبهم، لكن التصديق المجرد لا يفيد إذا لم يكن معه إتباع وانقياد فلا يفيد، القول بأن: " مَنْ عُلِمَ أَنَّ الرَّسُولَ كَفَّرَهُ عُلِمَ انْتِفَاءُ التَّصْدِيقِ مِنْ قَلْبِهِ" هذه مكابرة، يعني مكابرة بشيء محسوس واضح؛ لأن كل أحد يرى أن الكفار مصدقون بقلوبهم وهم كفار، ولم يكتفي التصديق بقلوبهم، هذه مكابرة مخالفة للمحسوس وللواقع فهؤلاء الكفار أليسوا مصدقين؟ مصدقين، أليسوا مصدقين الكفار في القديم وفي الحديث مصدقين أن محمد رسول الله، ويعلموان أنه رسول الله، ولكنهم لم يتبعوه ولم ينقادوا له حسدًا وبغيًا كما قال الله سبحانه وتعالى عن اليهود الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [البقرة:146]، وقال سبحانه وتعالى: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة:89]، {وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ [البقرة:101]، فهم يعلمون هذا، أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (87) وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ (88) وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة:87-89].
فهذه النصوص تدل على أن الكفار من أهل الكتاب والمشركين مصدقين بقلوبهم والتصديق وليس منتفيًا من قلوبهم، ومع ذلك كفرهم الرسول صلى الله عليه وسلم، يقول بأن من كفره الرسول صلى الله عليه وسلم ينتفي التصديق من قلبه هذه مكابرة، مخالفة للواقع ولهذا قال المؤلف: "هَذِهِ مُكَابَرَةٌ، إنْ أَرَادُوا أَنَّهُمْ كَانُوا شَاكِّينَ مُرْتَابِينَ. وَأَمَّا إنْ عُنِيَ التَّصْدِيقُ الَّذِي لَمْ يَحْصُلْ مَعَهُ عَمَلٌ؛ فَهُوَ نَاقِصٌ كَالْمَعْدُومِ؛ فَهَذَا صَحِيحٌ." يعني إن أرادوا أنهم شاكين فهذا ليس بصحيح، لم يشكوا في شهادة النبي صلى الله عليه وسلم، بل أخبر الله أنهم متيقنون، قال الله تعالى: الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [البقرة:146]،
وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [البقرة:146]، أثبت لهم العلم والعلم يقين القلب، يقول المؤلف إن أرادوا أنهم شاكين ومرتابين، هذه مكابرة.
"وَأَمَّا إنْ عُنِيَ التَّصْدِيقُ الَّذِي لَمْ يَحْصُلْ مَعَهُ عَمَلٌ؛ فَهُوَ نَاقِصٌ كَالْمَعْدُومِ؛ فَهَذَا صَحِيحٌ."
إن أرادوا أنهم مصدقون لكن تصديق ليس معه عمل، فهو تصديق ناقص فحكمة حكم المعدوم فهذا صحيح وإن أرادوا أنهم شاكين مرتابين فهذه مكابرة، لم يشكوا ولم يرتابوا.
يقول المؤلف: " ثُمَّ إنَّمَا يَثْبُتُ إذَا ثَبَتَ أَنَّ الْإِيمَانَ مُجَرَّدُ تَصْدِيقِ الْقَلْبِ وَعِلْمِهِ"
يعني إذا ثبت أن الإيمان مجرد تصديق القلب وعلمه، وذلك إنما يثبت بعد تسليم هذه المقدمات، التي منها هذا، من المقدمات التي ذكرها، من علم أن الرسول كفره، علم انتفاء الصدق من قلبه، يقول: هذه يعني هذه المقدمة إنما تثبت إذا ثبت أن الأيمان هو مجرد تصديق القلب وعلمه، فلا تثبت الدعوى بالدعوى مع كفر صاحبها، فدعوى أن من كفره الرسول علم انتفاء الصدق من قلبه هذه دعوى، لا تثبت الدعوى بالدعوى مع كفر صاحبها؛ لأن صاحبها كافر.
ثم يقال: "قَدْ عَلِمْنَا بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ الْيَهُودَ وَغَيْرَهُمْ كَانُوا يَعْرِفُونَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ؛ وَكَانَ يَحْكُمُ بِكُفْرِهِمْ. فَقَدْ عَلِمْنَا مِنْ دِينِهِ ضَرُورَةَ أَنَّهُ يَكْفُرُ الشَّخْصُ مَعَ ثُبُوتِ التَّصْدِيقِ بِنُبُوَّتِهِ فِي الْقَلْبِ إذَا لَمْ يَعْمَلْ بِهَذَا التَّصْدِيقِ بِحَيْثُ يُحِبُّهُ وَيُعَظِّمُهُ وَيُسَلِّمُ لِمَا جَاءَ بِهِ."
نعم هذا واضح كما سبق في الآية، الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [البقرة:146]، وقال الله تعالى في أهل الكتاب: قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ [التوبة:29]، فنفى عنهم الإيمان وهم مصدقون بقلوبهم، ولكن التصديق إذا لم يكن مع العمل والانقياد والإتباع لا ينفع، هو كلام فلا شك.
(الشرح) يقول المؤلف رحمه الله:" وَمِمَّا يُعَارِضُونَ بِهِ هؤلاء الذين يدعون أن من كفره الرسول صلى الله عليه وسلم وعلم انتفاء التصديق من قلبه يقول: هَذَا الَّذِي ذَكَرْتُمُوهُ إنْ كَانَ صَحِيحًا؛ فَهُوَ أَدَلُّ عَلَى قَوْلِ الْمُرْجِئَةِ، بَلْ عَلَى قَوْلِ الكَرَّامِيَة، مِنْهُ عَلَى قَوْلِكُمْ،"
لأن المرجئة يقولون الإيمان هو التصديق، وإذا انتفى التصديق من القلب انتفى الإيمان، ومن كفرة الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه ينتفى التصديق من قلبه، هذا قول المرجئة، والكرامية يقولون: أن الإيمان هو مجرد قول اللسان، ويقول: هذا أدل على قول المرجئة إن كان صحيحًا فهو يدل على قول المرجئة، يعني من علم أن الرسول كفره انتفى التصديق من قلبه، هذا -- ((@ كلمة غير مفهومة- 18:26)) --، عمل المرجئة، الذي يقولون الإيمان هو التصديق بالقلب، فإذا انتفى التصديق انتفى الإيمان، وإذا وجد التصديق وجد الإيمان، بل على قول الكرامية، الكرامية يقولون الإيمان قول باللسان، فإذا نطق بلسانه فهو مؤمن، وإن كان مكذب بقلبه فهو منافق في الدرك الأسفل من النار، فجمعوا بين النقيضين فيقولون: من أقر بلسانه فهو مؤمن كامل الإيمان وإن كان مكذبًا بقلبه خلد في النار فلزم على قولهم أن المؤمن كامل الإيمان مخلد في النار وهذا من أفسد ما قيل في تعريف الإيمان بعد تعريف الجهم، الجهم يقول: أن الإيمان معرفه الرب بالقلب، والكفر هو جهل الرب بالقلب، والكرامية يقولون الإيمان هو الإقرار باللسان، فمن أقر بلسانه وقال لا إله إلا الله وإن كان مكذب بقلبه يعتبر مؤمن عند الكرامية ويخلد في النار من أجل التكفير، ويسمونه مؤمن؛ لأنه أقر بلسانه، ويخلدونه في النار؛ لأنه كذب بقلبه، فيجمعون بين الأمرين المتناقضين.
يقول المؤلف: "هذا يتماشى مع قول المرجئة بَلْ عَلَى قَوْلِ الكَرَّامِيَة، مِنْهُ عَلَى قَوْلِكُمْ، القول بأن من كفره الرسول فإنه ينفي التصديق من قلبه، يكفر الرسول ومن كان مصدق بقلبه إذا كان متبع ونقاد للشر، يقول: "وَذَلِكَ أَنَّ الْإِيمَانَ إذَا كَانَ هُوَ التَّصْدِيقَ كَمَا ذَكَرْتُمْ فَالتَّصْدِيقُ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْكَلَامِ، فَاسْتِعْمَالُ لَفْظِ الْكَلَامِ وَالْقَوْلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فِي الْمَعْنَى وَاللَّفْظِ، بَلْ فِي اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى الْمَعْنَى، أَكْثَرُ فِي اللُّغَةِ" من الكلام والقول يستعمل في المعنى واللفظ.
وقال: يقال كذا قال: أحيانًا قال كذا ويراد به الفعل، قال كذا، يعني فعل كذا قلت كذا أحيانًا يعبر عن الفعل بالقول، ولهذا يقول المؤلف استعمال الكلام والقول ونحوها في المعنى واللفظ بل في اللفظ الدال على المعنى أكثر في اللغة من استعماله في المعنى المجرد، اللفظ الدال على المعنى يستعمل في اللغة أكثر من استعماله في المعنى المجرد فقط، يعنى في اللغة يستعمل الأمرين، الكلام والقول، لفظ الكلام والقول في المعنى واللفظ يعني في الأمرين أكثر من استعماله في اللفظ الدال على المعنى، فاستعماله في اللفظ الدال على المعنى أكثر في اللغة من استعماله في المعنى المجرد عن اللفظ.
يقول المؤلف: " بَلْ لَا يُوجَدُ قَطُّ إطْلَاقُ اسْمِ الْكَلَامِ وَلَا أَنْوَاعِهِ: عَلَى مُجَرَّدِ الْمَعْنَى مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ"
يعني اسم الكلام وأنواع الكلام لا يطلق على مجرد المعنى بل لابد أن يكون معه شيء، أنواع الكلام كَالْخَبَرِ و التَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، هذا لا يمكن أن يطلق الخبر على مجرد المعنى من غير شيء بل لابد أن يكون معه شيء يقترن به، عبارة أو إشارة أو دلاله أو غيرها، الخبر، ثم خبر لابد أن يكون معه قرين تصديق تكون معه قرينه تدل على أنه تصديق أما من الإشارة أو الدلالة التي تدل على أنه مصدق؛ لأنه قد يتكلم وقد لا يكون مصدقًا هذا تعلم التصديق من ضميمة ما يضم إلى هذا الكلام الذي تكلم به فتعلم من حاله ومن الذي يظهر على وجهه، من العلامة التي تدل على انه مصدق أو مكذب فالخبر والتصديق والتكذيب والأمر والنهي لابد أن يكون معه يضم إليه شيء من عبارة أو إشارة حتى يدل على ما دل عليه من الخبر والتصديق والتكذيب.
ولهذا قال: "وَإِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ مُقَيَّدًا، . وَإِذَا كَانَ اللَّهُ إنَّمَا أَنْزَلَ الْقُرْآنَ بِلُغَةِ الْعَرَبِ؛ فَهِيَ لَا تَعْرِفُ التَّصْدِيقَ وَالتَّكْذِيبَ وَغَيْرَهُمَا مِنْ الْأَقْوَالِ إلَّا مَا كَانَ مَعْنًى وَلَفْظًا"
يعني هذه لغة العرب تصديق وتكذيب يكون معنى ولفظًا مثلا يتكلم بلسانه وقلبه مصدق، ومثلًا يكذب بلسانه وقلبه يكون مكذب، هناك دلالة أو إشارة أو قرينه تدل على ما اعتقده هذا الشخص الذي تكلم بالصدق أو التصديق أو التكذيب أو الخبر المهم ان يضم له شيء من عبارة أو إشارة أو قرينة، ولهذا قال المؤلف رحمه الله:" بِلُغَةِ الْعَرَبِ؛ فَهِيَ لَا تَعْرِفُ التَّصْدِيقَ وَالتَّكْذِيبَ وَغَيْرَهُمَا مِنْ الْأَقْوَالِ إلَّا مَا كَانَ مَعْنًى وَلَفْظًا أَوْ لَفْظًا يَدُلُّ عَلَى مَعْنًى" أي لابد من الأمرين.
" وَلِهَذَا لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ أَحَدًا مُصَدِّقًا لِلرُّسُلِ بِمُجَرَّدِ الْعِلْمِ وَالتَّصْدِيقِ الَّذِي فِي قُلُوبِهِمْ حَتَّى يُصَدِّقُوهُمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ."
يعني لو أدعى شخص أنه مصدق وأبا من النطق بالشهادتين فلا يعتبر أنه مصدق، إذا كان يستطيع النطق وليس عنده مانع وأبا أن ينطق بالشهادتين وقال: أنه مصدق بقلبه، لا يعتبر مصدق، لابد أن ينطق بلسانه، فإن أبا حكم عليه، قتل، ولوكان يزعم أنه مصدقًا بقلبه فلابد من أمرين تصديق بالقلب ونطق باللسان ولهذا قال المؤلف: " وَلِهَذَا لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ أَحَدًا مُصَدِّقًا للرسول صلى الله عليه وسلم بِمُجَرَّدِ الْعِلْمِ وَالتَّصْدِيقِ الَّذِي فِي قُلُوبِهِمْ حَتَّى يُصَدِّقُوهُمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ. وَلَا يُوجَدُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ أَنْ يُقَالَ: فُلَانٌ صَدَّقَ فُلَانًا أَوْ كَذَّبَهُ إذَا كَانَ يَعْلَمُ بِقَلْبِهِ أَنَّهُ صَادِقٌ أَوْ كَاذِبٌ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ بِذَلِكَ."
يعني حتى في لغة العرب يقال فلان صدق فلان، فلان كذب فلان، ولكن ما تكلم بلسانه، كيف صدقه؟ صدق بقلبه، ما يقال في لغة العرب هذا لابد أن يصدق بلسانه حتى يعلم أنه صدق أو كذب، لا يكتفي بالتصديق القلبي، كما لا يقال أمره أو نهاه إذا قام بقلبه طلب مجرد عما يقترن به من لفظ أو إشارة أو حكمة أو نحوهما، لو قال: فلان، يقال: فلان أمر فلان، أو فلان نهى فلان، كيف عرفت ذلك؟ عرفت هذا في قلبه، نقول: ما يكفي هذا لابد أن يتلفظ بلسانه، بالأمر أو بالنهي، ولما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنَّ صَلَاتَنَا هَذِهِ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ». وَقَالَ: «إنَّ اللَّهَ يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا شَاءَ وَإِنَّ مِمَّا أَحْدَثَ أَنْ لَا تَكَلَّمُوا فِي الصَّلَاةِ» الحديث الأول جزء من الحديث رواه الإمام مسلم، عن معاوية بن الحكم السلمي عندما قال: إنَّ صَلَاتَنَا هَذِهِ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ رواه البخاري في كتاب التوحيد، «إنَّ اللَّهَ يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا شَاءَ وَإِنَّ مِمَّا أَحْدَثَ أَنْ لَا تَكَلَّمُوا فِي الصَّلَاةِ» ما المراد بالكلام الا يتكلم في الصلاة؟ هل المراد الكلام بالقلب، أم الكلام باللسان؟
المراد الكلام باللسان لو تكلم بقلبه خلاص ما بطلت الصلاة، ولهذا يقول: " اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ إذَا تَكَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ عَامِدًا لِغَيْرِ مَصْلَحَتِهَا؛ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. وَاتَّفَقُوا كُلُّهُمْ عَلَى أَنَّ مَا يَقُومُ بِالْقَلْبِ مِنْ تَصْدِيقٍ بِأُمُورِ دُنْيَوِيَّةٍ وَطَلَبٍ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَإِنَّمَا يُبْطِلُهَا التَّكَلُّمُ بِذَلِكَ.
إذًا الحديث إنَّ اللَّهَ يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا شَاءَ وَإِنَّ مِمَّا أَحْدَثَ أَنْ لَا تَكَلَّمُوا فِي الصَّلَاةِ المراد بالكلام باللسان ما يكفي الكلام بالقلب ولذلك قال المؤلف: "فَعُلِمَ اتِّفَاقُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِكَلَامِ."
يعني ما يكون بالقلب من أمور دنيوية أو طلب هذا ليس بكلام ولكن الكلام ما يتكلم به الإنسان بلسانه، ومقصود المؤلف رحمه الله يبين أن دعوى هؤلاء للتصديق بقلبه بالإيمان ليس بصحيح، وأنه لابد أن يضم إلى تصديق القلب النطق باللسان وأعمال الجوارح.
(المتن) أستأذنك في إشارة بسيطة، إن ما ذكرته في الحديث رواه البخاري في كتاب التوحيد هل يفهم من هذا أيضًا عندما ذكر الحديث هنا في كتاب التوحيد أنه لدلاله الرد على هؤلاء وأمثالهم ألا يمكن أن يفهم هذا من إيراد البخاري لهذا الحديث في كتاب التوحيد، «إنَّ اللَّهَ يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا شَاءَ وَإِنَّ مِمَّا أَحْدَثَ أَنْ لَا تَكَلَّمُوا فِي الصَّلَاةِ» أورده في كتاب التوحيد.
(الشرح) المؤلف رحمه الله لا يتكلم، المؤلف رحمه الله يرد على الجهمية؛ لأن كتابه سماه كتاب التوحيد والرد على الجهمية، والجهمية معروف أنهم ينكرون الكلام، وأنه يرون أن الرب سبحانه وتعالى لا يتكلم، هم يعتقدون أن الرب سبحانه وتعالى لا يتكلم ويرد عليهم التراجم التي نوعها.
(المتن) توقفنا عند قول المؤلف رحمه الله: وَأَيْضًا فَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ بِهِ أَوْ تَعْمَلْ بِهِ» " فَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّ اللَّهَ عَفَا عَنْ حَدِيثِ النَّفْسِ إلَّا أَنْ تَتَكَلَّمَ؛ فَفَرَّقَ بَيْنَ حَدِيثِ النَّفْسِ وَبَيْنَ الْكَلَامِ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يُؤَاخَذُ بِهِ حَتَّى يَتَكَلَّمَ بِهِ، وَالْمُرَادُ حَتَّى يَنْطِقَ بِهِ اللِّسَانُ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ. فَعُلِمَ أَنَّ هَذَا هُوَ الْكَلَامُ فِي اللُّغَةِ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ - كَمَا قَرَّرَ - إنَّمَا خَاطَبَنَا بِلُغَةِ الْعَرَبِ.
(الشرح) فقد سبق في الحلقة الماضية أن المؤلف رحمه الله رد على القاضي أبي بكر الباقلاني، والشيخ أبي الحسن الأشعري في تقليدهما أن الإيمان في اللغة مجرد التصديق، ويكفي في الإيمان التصديق بالقلب، من غير إقرار باللسان وعمل بالجوارح وقد رد عليه المؤلف رحمه الله من وجوه متعددة ومن ذلك ما بينه رحمه الله أنه ليس في لغة العرب التي نزل بها القرآن أن يراد بلفظ الخبر والتصديق والتكذيب وان اسم الكلام وأنواعه يطلق على مجرد المعنى، بل لابد من ضميمة شيء آخر يضم إليه من عبارة أو إشارة أو غيرها، وكذلك الكلام، فإن الكلام لا يكفي أن يوجد في القلب، بل لابد من النطق باللسان، وأستدل المؤلف رحمه الله بالأحاديث ومنها ماذكره هنا قال: "وَأَيْضًا فَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ بِهِ أَوْ تَعْمَلْ بِهِ " وهذا الحديث رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه في كتاب الطلاق وكتاب الإيمان وروي عن مسلم في كتاب الإيمان وغيرهما وفيهما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَنَا مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ بِهِ أَوْ تَعْمَلْ بِهِ يعني فقد فرق بين حديث النفس وبين الكلام وأخبر أن حديث النفس معفوًا عنه وأن الكلام ليس معفوًا عنه، فدل على أنه لايكفي ماوجد في القلب بل لابد أن يضم ما وجد في القلب النطق باللسان، ولهذا قال المؤلف رحمه الله تعليقًا على هذا الحديث، "فَقَدْ أَخْبَرَ، يعني النبي صلى الله عليه وسلم، أَنَّ اللَّهَ عَفَا عَنْ حَدِيثِ النَّفْسِ إلَّا أَنْ تَتَكَلَّمَ؛ فَفَرَّقَ بَيْنَ حَدِيثِ النَّفْسِ وَبَيْنَ الْكَلَامِ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يُؤَاخَذُ بِهِ حَتَّى يَتَكَلَّمَ بِهِ، وَالْمُرَادُ حَتَّى يَنْطِقَ بِهِ اللِّسَانُ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ. فَعُلِمَ أَنَّ هَذَا هُوَ الْكَلَامُ فِي اللُّغَةِ؛ لابد أن أنطق به بلسانه، وأما حديث النفس فلا يسمى كلام ولهذا عفي عن حديث النفس، يقول:" لِأَنَّ الشَّارِعَ - كَمَا قَرَّرَ – أبي بكر الباقلاني، إنَّمَا خَاطَبَنَا بِلُغَةِ الْعَرَبِ". وهذه لغة العرب، لغة العرب لايسمى حديث النفس كلامًا وإنما يسمى الكلام إذا نطق به بلسانه وكذلك الحديث بالقلب لا يكتفي به، فلابد من الإقرار باللسان وعمل الجوارح.
(المتن) " وَأَيْضًا فَفِي " السُّنَنِ " {أَنَّ مُعَاذًا قَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ قَالَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ} ". فَبَيَّنَ أَنَّ الْكَلَامَ إنَّمَا هُوَ مَا يَكُونُ بِاللِّسَانِ. وَفِي " الصَّحِيحِ " عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "«أَصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَهَا الشَّاعِرُ كَلِمَةُ لَبِيَدٍ: أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلٌ»".
(الشرح) المؤلف لا يزال يسرد الأدلة ويسوق الأدلة التي تبين أنه لا يكتفي بما يقوم بالقلب، وأنه لابد من أن يضم إليه القول باللسان، ويقصد من ذلك الرد على المرجئة، الذين يقولون أن الإيمان هو مجرد التصديق بالقلب، وأنه لا يشترط الإقرار باللسان وعمل الجوارح فيقول: " من الأدلة وَأَيْضًا فَفِي " السُّنَنِ " «أَنَّ مُعَاذًا قَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ قَالَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ»" وفي لفظ ثكلتك أمك يا معاذ وهو جزء من حديث رواه الترمذي رواه معاذ بن جبل رضي الله عنه في كتاب الإيمان وفي حديث فبين أن الكلام إنما هو ما يكون بلسان، لقوله " حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ" وأن ما يقوم بالقلب من حديث النفس فلا يسمى كلامًا وَفِي " الصَّحِيحِ " عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "«أَصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَهَا الشَّاعِرُ كَلِمَةُ لَبِيَدٍ: أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلٌ»". كلمة لبيد لابد أن يقولها بلسانه ويتكلم بها دل على أن الكلام لابد فيه من النطق باللسان يعني لا يكتفي أن يكون بالقلب، وكذلك التصديق، الذي يزعم أنه مصدق وأنه مؤمن مصدق فلابد أنه يقر بلسانه، فعندما يزعم أنه مصدق بقلبه وامتنع عن الإقرار بلسانه والعمل بجوارحه، فلا يسمى مؤمن.
(المتن) الحديث في صحيح البخاري أحسن الله إليك.
(الشرح) نعم، -- ((@ كلمة غير مفهومة- 32:11)) --، وهنا كذلك هذا هنا
القارئ: لأن التحقيق بين أيدينا لم يذكر أنه في الصحيح، الألباني بين أيدينا ما ذكره بل تركه يبدوا أنه إقرار منه رحمه الله لابن تيمية أنه في الصحيح.
(الشرح) هذا هو الظاهر في قول النبي صلى الله عليه وسلم أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد واه البخاري في كتاب مناقب الأنصار، عن أبي هريرة وفي كتاب الأدب، وابن ماجه أيضًا في كتاب الأدب ومسلم في كتاب الشعر.
(المتن) قال رحمه الله: " وَفِي الصَّحِيحَيْنِ " عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: " «كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ حَبِيبَتَانِ إلَى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ» " وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (4) مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا}[الكهف:4،5] وَفِي " الصَّحِيحِ " عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " «أَفْضَلُ الْكَلَامِ بَعْدَ الْقُرْآنِ أَرْبَعُ كَلِمَاتٍ وَهُنَّ فِي الْقُرْآنِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَقَالَ تَعَالَى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر:10] وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ.
(الشرح) نعم هذه أدلة أيضًا يسوقها المؤلف، يبين فيها أنه لا يكتفي ما يقوم في القلب، بل لابد من النطق باللسان والعمل بالجوارح، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ " عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: " «كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ حَبِيبَتَانِ إلَى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ»، قال كلمتان، يعني لابد أن يتكلم بلسانه، وقد قال الله تعالى: {وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (4) مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا}[الكهف:4،5]، فالشاهد قوله كلمة تخرج من أفواههم، أنه لابد من النطق باللسان لو قالوها بقلوبهم لا يعتبر هذا قول، لا يعتبر قولًا الشيء الذي يقوم في القلب هذا فيه تفصيل قد يكون حديث النفس غير مستقر يكون معفوًا عنه وقد يصل إلى درجة الهمس، فالمقصود أنهم إننا يؤاخذون بما تكلمت به ألسنتهم، هم قالوا هذه الكلمة، ولذلك قال: {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا}[الكهف:5]، نسب القول إليها، وكذلك من الأدلة قوله في الصحيح، أنه قال صلى الله عليه سلم: «أَفْضَلُ الْكَلَامِ بَعْدَ الْقُرْآنِ أَرْبَعُ كَلِمَاتٍ وَهُنَّ فِي الْقُرْآنِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ» أفضل الكلام بعد القرآن والكلام ينطق به بلسانه، ليس المراد أنه يقولها بقلبه، وقال تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر:10]، الشاهد الكلم الطيب فدل على أنه لابد من مع ما يقوم بالقلب من صدق اللسان وعمل الجوارح فما يدعي هؤلاء من أن الإيمان مجرد تصديق في القلب باطل، ترده النصوص من الكتاب و السنة.
(المتن) وَفِي الْجُمْلَةِ: حَيْثُ ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْخَلْقِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ أَوْ أَتْبَاعِهِمْ أَوْ مُكَذِّبِيهِمْ أَنَّهُمْ قَالُوا وَيَقُولُونَ وَذَلِكَ قَوْلُهُمْ وَأَمْثَالُ ذَلِكَ؛ فَإِنَّمَا يَعْنِي بِهِ الْمَعْنَى مَعَ اللَّفْظِ. فَهَذَا اللَّفْظُ وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُ مِنْ فِعْلٍ مَاضٍ وَمُضَارِعٍ وَأَمْرٍ وَمَصْدَرٍ وَاسْمِ فَاعِلٍ مِنْ لَفْظِ الْقَوْلِ وَالْكَلَامِ وَنَحْوِهِمَا؛ إنَّمَا يُعْرَفُ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَسَائِرِ كَلَامِ الْعَرَبِ إذَا كَانَ لَفْظًا وَمَعْنًى وَكَذَلِكَ أَنْوَاعُهُ كَالتَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَهَذَا مِمَّا لَا يُمْكِنُ أَحَدًا جَحْدُهُ فَإِنَّهُ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَى. وَلَمْ يَكُنْ فِي مُسَمَّى " الْكَلَامِ " نِزَاعٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ وَتَابِعِيهِمْ لَا مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَلَا مِنْ أَهْلِ الْبِدْعَةِ. بَلْ أَوَّلُ مَنْ عُرِفَ فِي الْإِسْلَامِ أَنَّهُ جَعَلَ مُسَمَّى الْكَلَامِ الْمَعْنَى فَقَطْ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ كِلَابٍ وَهُوَ مُتَأَخِّرٌ - فِي زَمَنِ مِحْنَةِ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ - وَقَدْ أَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ عُلَمَاءُ السُّنَّةِ وَعُلَمَاءُ الْبِدْعَةِ فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ الَّذِي هُوَ أَظْهَرُ صِفَاتِ بَنِي آدَمَ - كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} . وَلَفْظُهُ لَا تُحْصَى وُجُوهُهُ كَثْرَةً - لَمْ يَعْرِفْهُ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ حَتَّى جَاءَ مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلًا لَمْ يَسْبِقْهُ إلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَلَا غَيْرِهِمْ.
(الشرح) في الجملة يعني في الخلاصة مما سبق يقول المؤلف حيث ذكر الله في كتابه عن أحد من الخلق من الأنبياء وأتباعهم ومكذبيهم أنهم قالوا: ويقولون وذلك قولهم وأمثال ذلك فإنما يعنون به -- ((@ كلمة غير مفهومة- 37:01)) --، المعنى مع اللفظ، يعنى الخلاصة أن كل ما ورد في الكتاب مع أحد من الأنبياء أو من أتباعهم أو من مكذبيهم أنهم قالوا، أو يقولون، وذلك قولهم فإنما يعنى به أمران، الأمر الأول اللفظ المكتمل المعنى، لابد من أمرين مكتملين معنى ولفظ، فهذا اللفظ وما تصرف منه، ما تصرف من فعل ماضي ومضارع وأمر ومصدر وأسم فاعل بالفظ القول والكلام ونحوهما أنما يعرف بالكتاب والسنة ولفظ كلام العرب إذا كان لفظًا ومعنى، لفظ القول والكلام، مثل يأتي منه الفعل الماضي، قال، تكلم، في المضارع، يقول ويتكلم، في الأمر، قل، تكلم، والمصدر القول والكلام، وأسم الفاعل قائل ومتكلم، كل هذا لفظ القول وما تصرف منه، وكذلك أنواعه كالتصديق، صدق وكذب، أمر ونهى، كل هذه لابد فيها من اللفظ عن المعنى لا يكتفي فيها بمعنى فقط لما يقوم بالقلب، بل لابد يتلفظ بلسانه بشيء يكون بقلبه، ويقول المؤلف: " وَهَذَا مِمَّا لَا يُمْكِنُ أَحَدًا جَحْدُهُ فَإِنَّهُ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَى. " يعنى لا يمكن أحد أن يجحد أن الكلام أنه لابد فيه من شيء من المعنى واللفظ؛ لأنه كثير لا يحصى هذا لا يمكن أحد يحدث إنما الذي يجحد هذا شيء قليل أما الشيء الكثير منتشر معروف عند الخاصة والعامة لا يمكن أن يحدث، ولهذا يقول: " وَهَذَا مِمَّا لَا يُمْكِنُ أَحَدًا جَحْدُهُ فَإِنَّهُ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَى. وَلَمْ يَكُنْ فِي مُسَمَّى " الْكَلَامِ " نِزَاعٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ وَتَابِعِيهِمْ لَا مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَلَا مِنْ أَهْلِ الْبِدْعَةِ." يقول إن هذا معروف ومتقرر عند أهل السنة وأهل البدعة أن الكلام لابد فيه من اللفظ والمعنى، حتى جاء بعض المتأخرين من عهد عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ كِلَابٍ وهو أول من عرف في الإسلام إنه جعله مسمى الكلام المعنى فقط، وذهب إلى هذا الأشاعرة وقالوا الكلام هو المعنى فقط وأما اللفظ فهو دليل عليه، كما سيأتي قول الأخطل - ((@ كلمة غير مفهومة- 39:34)) --،
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما * * * جعل اللسان على الفؤاد دليلا
يقول المؤلف: "بَلْ أَوَّلُ مَنْ عُرِفَ فِي الْإِسْلَامِ أَنَّهُ جَعَلَ مُسَمَّى الْكَلَامِ الْمَعْنَى فَقَطْ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ كِلَابٍ وَهُوَ مُتَأَخِّرٌ - فِي زَمَنِ مِحْنَةِ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ - وَقَدْ أَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ عُلَمَاءُ السُّنَّةِ وَعُلَمَاءُ الْبِدْعَةِ"؛ لأنه أتى بشيء مخالف بما تقرر عند أهل السنة وعند أهل البدعة جميعًا.
القارئ: وهو قوله إن الإيمان مجرد القول يا شيخ؟
الشيخ: لأ، هو يقول إن الكلام مجرد المعنى، والمؤلف رحمه الله أراد من ذلك أن يبين بطلان قول أهل المرجئة أن الإيمان هو التصديق مطلقًا من غير إقرارا باللسان دون النطق باللسان والعمل بالجوارح، فكما أن الكلام لابد فيه من الفظ المعنى، فكذلك التصديق لابد فيه من المعنى واللفظ، ولابد من عمل قول اللسان وعمل الجوارح ولهذا يقول المؤلف رحمه الله: فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ الَّذِي هُوَ أَظْهَرُ صِفَاتِ بَنِي آدَمَ – لَمْ يَعْرِفْهُ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ حتى جاء المرجئة وقالوا أن الإيمان هو التصديق فقط؛ لأن الله تعالى قال: {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ} [الذاريات:23]، يعني مثل النطق الذي هو معروف لكل أحد، الذي هو أظهر صفات بني آدم، {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ} [الذاريات:23]، {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ(7) إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ(8) يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ(9) قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ(10)الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ (11) يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (12) يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ(13) ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ(14) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19) وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ (21) وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22) فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ} [الذاريات:7-23] ما وعد به الله المؤمنين من الثواب وما وعد به الكفار من العذاب والبعث وحقائق الآخرة وما أخبر الله به حق مثل ما أنتم تنطقون، يعني كما أن النطق ظاهر لكم من كل أحد، فكذلك ما وعد الله به في الآخرة حق لا مرية فيه، ويقول المؤلف: " وَلَفْظُهُ لَا تُحْصَى وُجُوهُهُ كَثْرَةً" يعني الأدلة التي تدل على أن الكلام لابد فيه من اللفظ والمعنى لاتخفى وجوه الكثره فهو جاء بلفظ الماضي أو بلفظ المضارع أو بالمصدر أو أسم الفاعل، كيف يقال أن هذا لَمْ يَعْرِفْهُ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ حَتَّى جَاءَ مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلًا لَمْ يَسْبِقْهُ إلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَلَا غَيْرِهِمْ." يعنى كما أن الكلام لابد فيه من اللفظ والمعنى، فكذلك التصديق لابد فيه من تصديق القلب، والإقرار باللسان وعمل الجوارح والصحابة والتابعون ومن بعدهم كلهم قرروا أن الإيمان لابد فيه من العمل فكيف يأتي المتأخرون ويأتون بقول لم يعرفه أحد من الصحابة والتابعين حتى جاء من قال في قولهم : " يَسْبِقْهُ إلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَلَا غَيْرِهِمْ"
(المتن) فَإِنْ قَالُوا: فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ} وَقَالَ: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً} وَنَحْوَ ذَلِكَ. قِيلَ: إنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّهُمْ قَالُوهُ بِأَلْسِنَتِهِمْ سِرًّا فَلَا حُجَّةَ فِيهِ. وَهَذَا هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُفَسِّرُونَ. قَالُوا: كَانُوا يَقُولُونَ: سَامٌ عَلَيْك فَإِذَا خَرَجُوا يَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ أَيْ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ: لَوْ كَانَ نَبِيًّا عُذِّبْنَا بِقَوْلِنَا لَهُ مَا نَقُولُ. وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّهُ أُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوهُ فِي قُلُوبِهِمْ فَهَذَا قَوْلٌ مُقَيَّدٌ بِالنَّفْسِ مِثْلَ قَوْلِهِ: " {عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا} " وَلِهَذَا قَالُوا: {لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ} فَأَطْلَقُوا لَفْظَ الْقَوْلِ هُنَا وَالْمُرَادُ بِهِ مَا قَالُوهُ بِأَلْسِنَتِهِمْ؛ لِأَنَّهُ النَّجْوَى وَالتَّحِيَّةُ الَّتِي نُهُوا عَنْهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِي وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ} . مَعَ أَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ وَعَلَيْهِ تَدُلُّ نَظَائِرُهُ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " {يَقُولُ اللَّهُ: مَنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْته فِي نَفْسِي وَمَنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْته فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُ} " لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ بِهِ بِلِسَانِهِ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ ذَكَرَ اللَّهَ بِلِسَانِهِ.
(الشرح) ذكر المؤلف اعتراض قال: فإن اعترضوا على القول بأن الكلام لابد فيه من اللفظ والمعنى اعترضوا بدليلين قال: فَإِنْ قَالُوا: فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ}[المجادلة:8] وَقَالَ: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً}[الأعراف:205]، فذكر أن القول قول النفس فدل على أنه لا يشترك النطق باللسان، أجاب المؤلف رحمه الله بجوابين، الجواب الأول أن المراد سيقولون سرًا بألسنتهم، يقولون بألسنتهم؛ إلا أنه سر، والقول الثاني أنه سلمنا جدلًا أنه قول في النفس، ولكنه قول مقيد؛ لأنه في النفس، وإذا قيد تقيد،إذا قيد القول أنه في النفس تقيد، وإذا لم يتقيد فإنه لا يكون في النفس وإنما يكون لابد من النطق باللسان، فالقول إذا قيد أنه في النفس فالغرض أنه يكون في القلب، وإذا لم يقيد فإنه لابد فيه من قول اللسان، فهما جوابان عن هذه الآية والجواب الأول يقول المؤلف رحمه الله هو الذي عليه أكثر المفسرين، يقولون سرًا بألسنتهم، ولذلك قال المؤلف: إن كان المراد أن قالوا بألسنه سرًا فلا حجة فيه، لكم لأنه لابد فيه من أمرين المعنى الذي يكون في القلب والقول باللسان وإن كان سرًا، وهذا هو الذي ذكره المفسرون في تفسير الآية، ذكر المؤلف: أن اليهود كانوا يقولون يسلمون عليه يقولون: سام عليك فإذا خرجوا سموا الموت، يظهرون أنهم سلمون وهم يحلفون يقلون: سام عليك، فإذا خرجوا من عند النبي صلى الله عليه وسلم، يقولون في أنفسهم يقولون بعضهم لبعض سرًا :" لَوْ كَانَ نَبِيًّا عُذِّبْنَا بِقَوْلِنَا لَهُ مَا نَقُولُ" لو كان نبي نزل عليه وحي وعذبنا فأنزل الله هذه الآية " وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّهُ أُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوهُ فِي قُلُوبِهِمْ فَهَذَا قَوْلٌ مُقَيَّدٌ بِالنَّفْسِ " هذا الجواب الثاني، الجواب الثاني أنه أن يقال أنه إن قدر أنه قول في القلوب يقول هذا قول مقيد بالنفس، ولكن إذا قيد تقيد، ولكن نصوص الأخرى ما فيها قالوا بأنفسهم، قالوا مقيد، هذا قول مقيد بالنفس مثل قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث «عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا»، فقيد بقوله: «عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا»،لكن لو لم يقيد عما حدثت نفس اثار الكلام باللسان، فلما قيده تقيد، عما حدثت به انفسها، " وَلِهَذَا قَالُوا: {لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ} فَأَطْلَقُوا لَفْظَ الْقَوْلِ هُنَا وَالْمُرَادُ بِهِ مَا قَالُوهُ بِأَلْسِنَتِهِمْ" يعني هذا ترجيح القول الأول؛ لأن المراد ويقول مثل ذلك سرًا، " فَأَطْلَقُوا لَفْظَ الْقَوْلِ هُنَا وَالْمُرَادُ بِهِ مَا قَالُوهُ بِأَلْسِنَتِهِمْ؛ لِأَنَّهُ النَّجْوَى وَالتَّحِيَّةُ الَّتِي نُهُوا عَنْهَا" النجوى يقولون في أنفسهم يعني يقول بعضهم لبعض سرًا والتحية التي نهو عنها أنهم يأتون ويقولون : سام عليك، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ}[المجادلة:8] مع أن الأول هو الذي عليه أكثر المفسرين، وعليه تدل نظائرة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذه نظائر، نظائر يعني لهذا الدليل كلها تؤيد أن المراد القول سرًا، الحديث القدسي يقول َ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " «يَقُولُ اللَّهُ: مَنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْته فِي نَفْسِي وَمَنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْته فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُ» الحديث رواه الشيخان وغيرهما، وفي لفظ ذكرته في نفسي، يعني ذكرني سرًا، لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ بِهِ بِلِسَانِهِ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ ذَكَرَ اللَّهَ بِلِسَانِهِ.
(الشرح) المؤلف رحمه الله يجيب على استدلالهم بالآية الأخرى يقول: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ}[الأعراف:205]، يقول: هذا هو الذكر باللسان، يقول: واذكر ربك، والذكر باللسان سرًا أما الذي يقيد بالنفس فهو لفظ الحديث، يقول فرق بين الحديث وبين الكلام فالحديث هو الذي يقيد في النفس والكلام لا يقيد في النفس ولهذا يقولون في أنفسهم يعني سرًا، {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ}[الأعراف:205]، يعني سرًّا؛ لأن العادة المطردة أن النصوص الذي يقيد بالنص هو الحديث.
(الشرح) لأ، سرًا يعني المراد القول في السر، ويقول هو الذكر باللسان، فالذي يقيد بالنفس لفظ الحديث لا لفظ الكلام، ولهذا يقال حديث النفس، ( غير مفهومه50،13) عنهم أنهم قالوا كلام النفس كما قالوا حديث النفس ولهذا يعبر بلفظ الحديث عن الأحلام التي ترى في المنام، كقول يعقوب عليه السلام ويعلمك لأبنه يوسف:{وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ}[يوسف:6]. الأحاديث التي تكون في النفس وهي الأحلام، وَقَوْلِ يُوسُفَ: {وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ}[يوسف:101] وَتِلْكَ فِي النَّفْسِ لَا تَكُونُ بِاللِّسَانِ؛ فَلَفْظُ الْحَدِيثِ قَدْ يُقَيَّدُ بِمَا فِي النَّفْسِ بِخِلَافِ لَفْظِ الْكَلَامِ فَإِنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ مَا فِي النَّفْسِ، وبهذا يبطل دعواهم واعتراضهم على أن الكلام يأتي بأنه مقيد في النفس فدل هذا على بطلان قولهم أنه يكتفي بمجرد التصديق بالإيمان وأنه لابد من القول باللسان والعمل بالجوارح.
(الشرح) كذلك هذه الآية فيها اعتراض عن استدلالهم بقوله {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}[الملك:13]، يقول المؤلف: " فَالْمُرَادُ بِهِ الْقَوْلُ الَّذِي تَارَةً يكون يُسِرُّ وَتَارَةً يكون يَجْهَرُ" {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ}[الملك:13]، فيقول المراد به القول الذي تارة يسر به فلا يسمعه الإنسان يعنى لا يسمعه من كان قريبًا منه، وتارة يجهر به فيسمعونه، "كَمَا يُقَالُ: أَسَرَّ الْقِرَاءَةَ وَجَهَرَ بِهَا وَصَلَاةُ السِّرِّ وَصَلَاةُ الْجَهْرِ"، يقول المؤلف: " وَلِهَذَا لَمْ يَقُلْ: قُولُوهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ أَوْ بِقُلُوبِكُمْ" ما الذي قولوه بألسنتكم أو بقلوبكم، قال اسروا قولكم أو أجهروا به، معروف أن الأسرار يكون باللسان والجهر كذلك، وما في النفس لا يتصور الجهر به ولكن الجهر باللسان، لو كان المراد في النفس لم يقولوا أجهروا به، هذا الذي يجهر به ويسر به هذا الذي في اللسان، أما ما في النفس فهذا الذي لا يقال، لا يفهم بالجهر ولكن حديث النفس في مرتبه واحدة، هو في النفس لا يتكلم به.
(الشرح) فقد سبق أن ساق المؤلف رحمه الله مذهب الأشعرية ومرجئة في الإيمان، ونقل عن القاضي أبي بكر الباقلاني في كتابة التمهيد أنه قال: خبرونا ما الإيمان عندكم قيل الإيمان هو التصديق بالله وهو العلم، والتصديق يوجد في القلب فهذا هو مذهب الأشعرية، والمرجئة أن الإيمان والعلم والتصديق في القلب، بدونه قول اللسان بدون عمل الجوارح، والمؤلف رحمه الله نقل أقوال وأجاب عن هذا القول بأجوبة متعددة، ذكر سبعة أقوال ثم ذكر أن المنازعة الأولى المنازعة التي ينازعهم فيها أهل السنة والجماعة، المنازعة التي تقول إن الإيمان هو التصديق، ذكر هذه المنازعة بستة عشر وجهًا، ومما يرد به على الأشعرية والمرجئة بقولهم: أن الإيمان هو التصديق وهو يوجد في القلب دون قول اللسان ودون عمل الجوارح، أن التصديق هو نوع من أنواع الكلام، يقال لهم التصديق نوع من أنواع الكلام، واستعمال لفظ الكلام والقول في المعنى لفظ الكلام والقول إنما يستعمل في المعنى واللفظ أو باللفظ الدال في المعنى أكثر في اللغة من استعماله في المعنى المجرد، فإذا قلتم أن الإيمان نوع من أنواع التصديق فيقال هو نوع من أنواع الكلام، والكلام إنما يستعمل في اللغة المعنى واللفظ جميعًا أو يستعمل في اللفظ الدال على المعنى في اللغة أكثر من المعنى المجرد فقط، فإنه لا يوجد أسم الكلام، ولا أنواع الكلام كالخبر أو التصديق أو التكذيب أو الأمر أو النهي، لا يطلق في اللغه على مجرد المعنى من غير شيء يقترن به، بل لابد أن تقترن به عبارة أو أشارة أو غيرها، وإذا كان الله سبحانه وتعالى أنزل القرآن بلغة العرب، فلغة العرب لا يعرف فيها التبسيط والتقريب وغيرها من الأقوال إلا ما كان بها معنى ولفظًا، أو لفظًا يدل على المعنى، ولهذا لم يجعل له تعالى معنى مصدق لرسل بمجرد العلم والتبسيط الذي في قلوبهم حتى يصدقوه بألسنتهم ولا يوجد في كلام العرب أن يقال فلان صدق فلان أو كذبه إذا كان يعلم أنه صادق أو كاذب ولو لم يتكلم بذلك، كما يقال أمره أو نهاه، لا يقال إلا إذا تكلم بلسانه، وصدقه أو كذبه فصدقه بلسانه، مع ما في قلبه ويقال أمره أو نهاه، إذا قام في قلبه لا يقال أمره أو نهاه إذا كان في قلبه طلب مقيد بلفظ أو أشارة، لابد من لفظ أو إشارة ثم ذكر المؤلف هنا اعتراض، اعترض به المرجئة والأشعرية الذين يقولون أن الإيمان هو مجرد تبسيط فاستدلوا بقول الله تعالى: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}[الملك:13]، فقول هذا استدلوا بهذه الآية على أن المراد بالقول هنا ما في النفس، بدليل قوله هنا: {إنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}[الملك:13]، المؤلف رحمه الله أجاب على هذا الاعتراض بقوله: فَالْمُرَادُ بِهِ الْقَوْلُ الَّذِي تَارَةً يُسِرُّ بِهِ فَلَا يَسْمَعُهُ الْإِنْسَانُ وَتَارَةً يَجْهَرُ بِهِ فَيَسْمَعُونَهُ " ليس المراد هنا {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ}[الملك:13]، حديث النفس وإنما المراد به القول الذي ينطق به الإنسان بلسانه، لكن تارة يسروا به فلا يسمعه الإنسان وتارة يجهروا به فيسمعوا به، ونظير ذلك أنه قال: فلان أسر بالقراءة وفلان جهر بالقراءة ويقال صلاة السر وصلاة الجهر يقال فلان أسر بالقراءة وفلان جهر بالقراءة يعني تكلم بلسانه، ليس المراد أسر به حديث النفس بل المراد به ما يتكلم بلسانه، يقرأ بلسانه، وصلاة السر وصلاة الجهر، ولهذا فإن الله تعالى قال: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ}[الملك:13]، ولم يقل قولوه بألسنتكم أو بقلوبكم، فلو كان المراد بالقول هنا حديث النفس لقال: قولوه بألسنتكم أو قولوه بقلوبكم، ثم أيضًا ما في النفس لا يتصور الجهر به، الذي في النفس باقي في النفس لا يتصور الجهر به، ما في النفس خفي، ما في النفس لا يتصور بالجهر به وإن ما يجهر ما في اللسان، وأما قوله تعالى أنه عليم بذات الصدور يعلم مافي الصدور فكيف لا يعلم ما في القول، فقول {إنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} لا يدل على قوله:{وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ} حديث النفس وإنما حكم الآية وَقَوْلُهُ: {إنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} من بَابِ التَّنْبِيهِ. يَقُولُ: إنَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي الصُّدُورِ فَكَيْفَ لَا يَعْلَمُ الْقَوْلَ فإذا كان الرب سبحانه يعلم ما في الصدور فكيف لا يعلم القول الذي يسر به الإنسان كما في الآية الأخرى، "كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى}[طه:7] فَنَبَّهَ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}[الملك:13]، فَلَوْ أَرَادَ بِالْقَوْلِ مَا فِي النَّفْسِ لِكَوْنِهِ ذَكَرَ عِلْمَهُ بِذَاتِ الصُّدُورِ لَمْ يَكُنْ قَدْ ذَكَرَ عِلْمَهُ بِالنَّوْعِ الْآخَرِ وَهُوَ الْجَهْرُ."
يعنى لو كان المراد بالقول هنا حديث النفس استدلال بأن الله سبحانه قال: {إنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}[الملك:13]، لو كان هذا لم يكن قد ذكر علمه بقول الجهر، وقال اجهروا به فلما ذكر النوع الأخر وهو الجهر دل على أن المراد الجهر به بلسانه، "وَإِنْ قِيلَ: انع نَبَّهَ، قِيلَ: بَلْ نَبَّهَ عَلَى الْقِسْمَيْنِ. وقَوْله تَعَالَى {آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إلَّا رَمْزًا}[آل عمران:41]" فأستثنى من الكلام الرمز، والرمز والإشارة ودل على من الكلام يقول المؤلف رحمه الله: ويجاب عنه " قَدْ ذَكَرَ هَذَا فِي قَوْلِهِ: {ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا}[مريم:10]، ففي قوله: {ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا}[مريم:10] لا يستثني وفي قوله: {آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إلَّا رَمْزًا}[آل عمران:41] استثنى والقصة واحدة وهذا يدل على أن الإستثنى منقطع والمنقطع يكون معروف يكون مستثنى من غير المستثنى منه، يمثلون النحويون لذلك بالمثال المشهور : قام القوم إلا حمارًا، فالحمار مستثنى وليس مستثني منه، فكذلك هنا هذه الآية {آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إلَّا رَمْزًا}[آل عمران:41]، فالرمز ليس من جنس الكلام، والمعنى {آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ}[آل عمران:41]، لكن ترمز لهم رمزًا، لقولهم: قام القوم إلى حمارًا، بل يقال تقدير، قام القوم لكن الحمار لم يقم؛ لأنه من غير المستثنى منه، فكذلك هذه الآية، {آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إلَّا رَمْزًا}[آل عمران:41] المعنى آيتك ألا تكلم الناس لكن ترمز لهم رمزًا، كنظائره في القرآن، هذا له نظائر في اللغة، وأما قوله تعالى في شأن زكريا: {فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [مريم:11] الوحي هو الرمز ولو قدر فرضًا أن الرمز استثنى متصل لو حرف يفيد الامتناع لامتناع عند أهل اللغة لو هذا شرط تقديري، والشرط التقديري، يعنى من المعلوم فرضًا جدلًا أن الرمز يستثنى من الكلام أجيب عنه انه دخل في الكلام المقيد بالإستثنى والشرط التقديري هذا لا يكون وإنما يبين به عن استشكال ويبين به مقادير الأعمال لقوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر:65]، فهذا خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم والرسول معصوم عن الشرك، ولكن المراد بيان مقادير الأعمال، وأن الشرك محبط للأعمال مهما صدر من أي شخص، فكذلك هنا لو قدر لفظًا إلا رمزًا مستثنى من الكلام لأجيب أن مراد الكلام المقيد بإستثنى، فالرمز داخل في الكلام المقيد بالإستثنى، أما الكلام المطلق فلا يدخل فيه الرمز.
ولهذا قال المؤلف رحمه الله: " وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ الرَّمْزَ اسْتِثْنَاءٌ مُتَّصِلٌ لَكَانَ قَدْ دَخَلَ فِي الْكَلَامِ الْمُقَيَّدِ بِالِاسْتِثْنَاءِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ}[الشورى:51].
والشاهد قوله إلا وحي فأستثنى الوحي من الكلام المقيد به، ؛ لأنه قيده بالاستثناء {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ}[الشورى:51].
(الشرح) يقول المؤلف رحمه الله: " لا يلزم من دخول غير الكلام في الكلام" عند التقييد دخول غيره معه عند الإطلاق فلو قدر أن إلا رمزًا وهو الإشارة دخلة في مسمى الكلام فنقول إن هذا دخل في الكلام المقيد بالاستثناء ولا يهم ذلك ندخل في الكلام المطلق، ولهذا قال المؤلف: " وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَدْخُلَ فِي لَفْظِ الْكَلَامِ الْمُطْلَقِ" يعني إذا دخل في الكلام المقيد فلا يلزم أن يدخل في لفظ الكلام المطلق، فليس في لغة القوم أصلًا ما يدل على ما في النفس يتناوله لفظ الكلام والكلام المطلق، أي ليس في لغة العرب ما يدل على أن مافي النفس يسمى كلامًا ما في النفس يسمى حديث النفس، أنما الكلام هو الذي يتكلم به الإنسان بلسانه، هذا الكلام أما ما في النفس فلا يتناوله لفظ الكلام والقول عند الإطلاق، لكن قد يتناوله عند التقييد، مثل قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ}[المجادلة:8] قيد في النفس، فلما قيد دخل ويقولون في أنفسهم، ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا» فقيد أنه في النفس، لكن عند الإطلاق لا يدخل فلا يدخل حديث النفس عند الإطلاق، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: " وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَدْخُلَ فِي لَفْظِ الْكَلَامِ الْمُطْلَقِ؛ فَلَيْسَ فِي لُغَةِ الْقَوْمِ أَصْلًا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا فِي النَّفْسِ يَتَنَاوَلُهُ لَفْظُ الْكَلَامِ وَالْقَوْلُ الْمُطْلَقُ؛ فَضْلًا عَنْ التَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ" يعني إذا كان حديث النفس لا يدخل في مسمى الكلام فالتصديق والتكذيب الذي في القلب لا يدخل في مسمى الكلام من باب أولى، فعلم النتيجة فقال المؤلف رحمه الله:" مَنْ لَمْ يُصَدِّقْ بِلِسَانِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ لَا يُسَمَّى فِي لُغَةِ الْقَوْمِ مُؤْمِنًا" إذا في لغة العرب من لم يصدق بلسانه مع القدرة وأدعى أنه مصدق بقلبه في نفسه لا يسمى في لغة العرب مصدقًا حتى ينطق بلسانه، ويقول أصدقه، ولا يكتب بما في القلب، هذا ما جاءت به اللغة وهذا ما اتفق عليه سلف الآمة من الصحابة والتابعين لهم بإحسان فبطل بذلك قول الكرامية، والأشعرية، أن مسمى الإيمان هو التصديق الذي في القلب بدون أن يتكلم به بلسانه.
(الشرح) يقول المؤلف رحمه الله، أما استدلالهم استدلال الأشعرية والمرجئة، على أن ما في النفس من التصديق الذي في النفس يسمى إيمانًا وأن مسمى الإيمان هو التصديق الذي في النفس بدون أن يتكلم بلسانه، استدلوا على ذلك بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في حديث السقيفة، لم اجتمع الأنصار وأسرع إليهم أبو بكر الصديق وعمر رضي الله عنه، يتشاورون في مسألة الخلافة، أراد عمر أن يتكلم فأسكته أبو بكر رضي لله عنه، قال عمر: :" زَوَّرْت فِي نَفْسِي مُقَالَةً أَرَدْت أَنْ أَقُولَهَا" وفي أخرها يقول: خشيت أن لا يبلغها أبو بكر، وحديث السقيفة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، في كتاب الحدود ورواه الإمام أحمد في مسنده، يقول عمر رضي الله عنه: " زَوَّرْت فِي نَفْسِي مُقَالَةً أَرَدْت أَنْ أَقُولَهَا" هذا ليس حجة للأشعرية والمرجئة؛ لأن ما في النفس يسمى كلام؛ لأن المؤلف يقول: حجة عليهم لا حجة لهم، لماذا؟ لأن التزوير هو إصلاح الكلام وتهيئته، عمر رضي الله عنه، يقول: هيئت في نفس شيء أردت أن أقوله، فالذي زوره في نفسه ليس هو الكلام، ولكن تهيئ واستعداد وإصلاح ولهذا قال المؤلف رحمه الله: " وَقَوْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ زَوَّرْت فِي نَفْسِي مُقَالَةً أَرَدْت أَنْ أَقُولَهَا حُجَّةً عَلَيْهِمْ" وليست حجة لهم، " قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: التَّزْوِيرُ: إصْلَاحُ الْكَلَامِ وَتَهْيِئَتُهُ" قَالَ: وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ: الْمُزَوَّرُ مِنْ الْكَلَامِ وَالْمُزَوَّقُ وَاحِدٌ وَهُوَ الْمُصْلَحُ الْحَسَنُ، وَقَالَ غَيْرُهُ: زَوَّرْت فِي نَفْسِي مُقَالَةً أَيْ هَيَّأْتهَا لِأَقُولَهَا. فَلَفْظُهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَدَّرَ فِي نَفْسِهِ مَا يُرِيدُ أَنْ يَقُولَهُ وَلَمْ يَقُلْهُ" إذًا قول عمر زورت في نفس مقالة أردت أن أقولها، يعني هيئت في نفسي وقدرت في نفسي شيء كلامًا أردت أن أقوله فعلم أنه لا يكون قولًا إلا إذا قيل باللسان، فهو لا يسمى قول إلا إذا قيل باللسان، فبطل قول الأشعرية والمرجئة في مقالة عمر على أن ما يكون في نفس الإنسان يسمى قولًا، وبطل بذلك استدلال الأشعرية في التصديق أن التصديق هو الذي يكون في النفس من دون أن يتكلم به الإنسان ولهذا قال المؤلف رحمه الله:" فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ قَوْلًا إلَّا إذَا قِيلَ بِاللِّسَانِ وَقَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ قَوْلًا لَكِنْ كَانَ مُقَدَّرًا فِي النَّفْسِ يُرَادُ أَنْ يُقَالَ" وذكر المؤلف له النظائر، قال: نظير ذلك نظير كون الإنسان يقدر به كلام ثم يتكلم به بعد ذلك نظيرة أن يقدر الإنسان في نفسه انه يحج ثم يحج بعد ذلك، يقدر في نفسه أنه يصوم، ثم يصوم، يقدر في نفسه أنه يصلي، ثم يصلي، يقدر في نفسه أنه يسافر، ثم يسافر، هل الحج هو ما في نفسه أو الصلاة أو السفر لأ، وإنما هذه تهيئة والسفر إذا سافر بالفعل، والحج إذا حج بالفعل وباشر واحرم، والصلاة إذا صلى بالفعل، والصيام إذا صام بالفعل وكذلك إذا قدر في نفسه شىء لا يسمى متكلم إلا إذا تكلم بما هيئه في نفسه.
ولهذا قال المؤلف رحمه الله: " كَمَا يُقَدِّرُ الْإِنْسَانُ فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ يَحُجُّ وَأَنَّهُ يُصَلِّي وَأَنَّهُ يُسَافِرُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَيَكُونُ لِمَا يُرِيدُهُ مِنْ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ صُورَةٌ ذِهْنِيَّةٌ مُقَدَّرَةٌ فِي النَّفْسِ وَلَكِنْ لَا يُسَمَّى قَوْلًا وَعَمَلًا إلَّا إذَا وُجِدَ فِي الْخَارِجِ" وهذا واضح ظاهر فالإنسان يقدر في نفسه أنه يحج ولا يسمى حجًا إلا إذا حج بالفعل، يقدر في نفسه أنه يصوم، ولا يسمى صوم إلا إذا صام بالفعل، يقدر في نفسه أنه سافر ولا يسمى سفرًا إلا إذا وجد السفر في الخارج، ويقدر في نفسه أنه يتكلم ولا يسمى كلامًا إلا إذا تكلم بلسانه، كما يقول المؤلف:" كَمَا أَنَّهُ لَا يَكُونُ حَاجًّا وَمُصَلِّيًا إلَّا إذَا وُجِدَتْ هَذِهِ الْأَفْعَالُ فِي الْخَارِجِ وَلِهَذَا كَانَ مَا يَهُمُّ بِهِ الْمَرْءُ مِنْ الْأَقْوَالِ الْمُحَرَّمَةِ وَالْأَفْعَالِ الْمُحَرَّمَةِ لَا تُكْتَبُ عَلَيْهِ حَتَّى يَقُولَهُ وَيَفْعَلَهُ" وهذا أيضًا مما يبطل مذهب الأشعرية والمرجئة في أن مسمى الإيمان هو التصديق، أن الإنسان قد يهم في قول محرم أو في قول حسن هل يكتب عليه أنه قال ما دام حديث النفس، لا يكتب عليه حتى يتكلم، وأما ما هم به من القول الحسن فمن فضل الله سبحانه وتعالى على عباده أنه يكتب له إذا هم بالقول الحسن يكتب له حسنه، وإذا فعل كتب له عشر حسنات ولهذا قال المؤلف رحمه الله: " وَلِهَذَا كَانَ مَا يَهُمُّ بِهِ الْمَرْءُ مِنْ الْأَقْوَالِ الْمُحَرَّمَةِ وَالْأَفْعَالِ الْمُحَرَّمَةِ لَا تُكْتَبُ عَلَيْهِ حَتَّى يَقُولَهُ وَيَفْعَلَهُ وَمَا هَمَّ بِهِ مِنْ الْقَوْلِ الْحَسَنِ وَالْعَمَلِ الْحَسَنِ إنَّمَا يُكْتَبُ لَهُ بِهِ حَسَنَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا صَارَ قَوْلًا وَفِعْلًا كُتِبَ لَهُ بِهِ عَشْرُ حَسَنَاتٍ إلَى سَبْعِمِائَةٍ ضعف كما ثبت في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري رحمه الله في صحيحة، وحديث ابن عباس رواه مسلم، عن حديث أبي هريرة رضي الله عنه، الحديث القدسي، « إِذَا هَمَّ عَبْدِي بِحَسَنَةٍ وَلَمْ يَعْمَلْهَا، كَتَبْتُهَا لَهُ حَسَنَةً، فَإِنْ عَمِلَهَا، كَتَبْتُهَا عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ، وَإِذَا هَمَّ بِسَيِّئَةٍ وَلَمْ يَعْمَلْهَا، لَمْ أَكْتُبْهَا عَلَيْهِ، فَإِنْ عَمِلَهَا، كَتَبْتُهَا سَيِّئَةً وَاحِدَةً »
فدل على أن هناك فرق بين ما يدور في النفس وما يدور في الخارج، فالسيئة التي تكون في النفس يهم بها لا تكتب عليه فإذا كانت في الخارج كتبت عليه، والحسنة التي يهم بها في النفس تكتب حسنة وإذا كانت في الخارج كتبت عشرة حسنات، إلى سبعمائة ضعف، فدل على أن هناك فرق بين ما يقوم في النفس وما يقوم في الخارج، مما يتكلم به الإنسان او يعمل، وكذلك أيضًا السيئة إذا كانت في النفس هم بها ثم اعرض عنها فلا تكتب عليه، ولا يعاقب عليها، ولكن لو عملها عوقب عليها، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: " وَعُوقِبَ عَلَيْهِ - إذَا قَالَ أَوْ فَعَلَ - كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " «إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ بِهِ أَوْ تَعْمَلْ» ".
فتبين بهذا الفرق بين ما يكون في النفس وما يكون على اللسان وعلى الجوانح.
(الشرح) عوقب عليه إذا قال أو فعل -- ((@ كلمة غير مفهومة- 01:16:21)) --،.
(الشرح) لا بأس لكن حتى لو حذفت مفهومة من الكلام السابق، وبين القول الحسن والعمل الحسن زيادة إيضاح,
(المتن) توقفنا عند قول المؤلف رحمه الله : " وَأَمَّا الْبَيْتُ الَّذِي يُحْكَى عَنْ الْأَخْطَلِ أَنَّهُ قَالَ:
إنَّ الْكَلَامَ لَفِي الْفُؤَادِ وَإِنَّمَا ... جُعِلَ اللِّسَانُ عَلَى الْفُؤَادِ دَلِيلًا
فَمِنْ النَّاسِ مَنْ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ شِعْرِهِ. وَقَالُوا: إنَّهُمْ فَتَّشُوا دَوَاوِينَهُ فَلَمْ يَجِدُوهُ، وَهَذَا يُرْوَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْخَشَّابِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَفْظُهُ: إنَّ الْبَيَانَ لَفِي الْفُؤَادِ. وَلَوْ احْتَجَّ مُحْتَجٌّ فِي مَسْأَلَةٍ بِحَدِيثِ أَخْرَجَاهُ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَالُوا: هَذَا خَبَرٌ وَاحِدٌ وَيَكُونُ مِمَّا اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَصْدِيقِهِ وَتَلَقِّيهِ بِالْقَبُولِ وَهَذَا الْبَيْتُ لَمْ يُثْبِتْ نَقْلَهُ عَنْ قَائِلِهِ بِإِسْنَادِ صَحِيحٍ لَا وَاحِدٌ وَلَا أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ وَلَا تَلَقَّاهُ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ بِالْقَبُولِ فَكَيْفَ يَثْبُتُ بِهِ أَدْنَى شَيْءٍ مِنْ اللُّغَةِ فَضْلًا عَنْ مُسَمَّى الْكَلَامِ. ثُمَّ يُقَالُ: مُسَمَّى الْكَلَامِ وَالْقَوْلِ وَنَحْوِهِمَا لَيْسَ هُوَ مِمَّا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى قَوْلِ شَاعِرٍ فَإِنَّ هَذَا مِمَّا تَكَلَّمَ بِهِ الْأَوَّلُونَ والآخرون مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَعَرَفُوا مَعْنَاهُ فِي لُغَتِهِمْ كَمَا عَرَفُوا مُسَمَّى الرَّأْسِ وَالْيَدِ وَالرِّجْلِ. وَأَيْضًا فَالنَّاطِقُونَ بِاللُّغَةِ يُحْتَجُّ بِاسْتِعْمَالِهِمْ لِلْأَلْفَاظِ فِي مَعَانِيهَا لَا بِمَا يَذْكُرُونَهُ مِنْ الْحُدُودِ فَإِنَّ أَهْلِ اللُّغَةِ النَّاطِقِينَ لَا يَقُولُ أَحَدٌ مِنْهُمْ: إنَّ الرَّأْسَ كَذَا وَالْيَدَ كَذَا وَالْكَلَامَ كَذَا وَاللَّوْنَ كَذَا بَلْ يَنْطِقُونَ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ دَالَّةً عَلَى مَعَانِيهَا فَتَعْرِفُ لُغَتَهُمْ مِنْ اسْتِعْمَالِهِمْ. فَعُلِمَ أَنَّ الْأَخْطَلَ لَمْ يُرِدْ بِهَذَا أَنْ يَذْكُرَ مُسَمَّى " الْكَلَامِ " وَلَا أَحَدٌ مِنْ الشُّعَرَاءِ يَقْصِدُ ذَلِكَ الْبَتَّةَ؛ وَإِنَّمَا أَرَادَ: إنْ كَانَ قَالَ ذَلِكَ مَا فَسَّرَهُ بِهِ الْمُفَسِّرُونَ لِلشِّعْرِ أَيْ أَصْلُ الْكَلَامِ مِنْ الْفُؤَادِ وَهُوَ الْمَعْنَى؛ فَإِذَا قَالَ الْإِنْسَانُ بِلِسَانِهِ مَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ فَلَا تَثِقْ بِهِ؛ وَهَذَا كَالْأَقْوَالِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ عَنْ الْمُنَافِقِينَ ذَكَرَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ؛ وَلِهَذَا قَالَ:
لَا يُعْجِبَنَّكَ مِنْ أَثِيرٍ لَفْظُهُ ... حَتَّى يَكُونَ مَعَ الْكَلَامِ أَصِيلَا
إنَّ الْكَلَامَ لَفِي الْفُؤَادِ وَإِنَّمَا ... جُعِلَ اللِّسَانُ عَلَى الْفُؤَادِ دَلِيلَا
نَهَاهُ أَنْ يُعْجَبَ بِقَوْلِهِ الظَّاهِرِ حَتَّى يُعْلَمَ مَا فِي قَلْبِهِ مِنْ الْأَصْلِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: حَتَّى يَكُونَ مَعَ الْكَلَامِ أَصِيلَا. وَقَوْلُهُ: " مَعَ الْكَلَامِ " دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اللَّفْظَ الظَّاهِرَ قَدْ سَمَّاهُ كَلَامًا وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ قِيَامُ مَعْنَاهُ بِقَلْبِ صَاحِبِهِ وَهَذَا حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ؛ فَقَدْ اشْتَمَلَ شِعْرُهُ عَلَى هَذَا وَهَذَا؛ بَلْ قَوْلُهُ: " مَعَ الْكَلَامِ " مُطْلَقٌ. وَقَوْلُهُ: إنَّ الْكَلَامَ لَفِي الْفُؤَادِ. أَرَادَ بِهِ أَصْلَهُ وَمَعْنَاهُ الْمَقْصُودَ بِهِ، وَاللِّسَانُ دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ. و " بِالْجُمْلَةِ " فَمَنْ احْتَاجَ إلَى أَنْ يَعْرِفَ مُسَمَّى " الْكَلَامِ " فِي لُغَةِ الْعَرَبِ وَالْفُرْسِ وَالرُّومِ وَالتُّرْكِ وَسَائِرِ أَجْنَاسِ بَنِي آدَمَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ فَإِنَّهُ مِنْ أَبْعَدِ النَّاسِ عَنْ مَعْرِفَةِ طُرُقِ الْعِلْمِ. ثُمَّ هُوَ مِنْ الْمُوَلَّدِينَ؛ وَلَيْسَ مِنْ الشُّعَرَاءِ الْقُدَمَاءِ وَهُوَ نَصْرَانِيٌّ كَافِرٌ مُثَلِّثٌ وَاسْمُهُ الْأَخْطَلُ وَالْخَطَلُ فَسَادٌ فِي الْكَلَامِ وَهُوَ نَصْرَانِيٌّ وَالنَّصَارَى قَدْ أَخْطَئُوا فِي مُسَمَّى الْكَلَامِ فَجَعَلُوا الْمَسِيحَ الْقَائِمَ بِنَفْسِهِ هُوَ نَفْسَ كَلِمَةِ اللَّهِ. فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ إنْ كَانَ " الْإِيمَانُ " فِي اللُّغَةِ هُوَ التَّصْدِيقَ وَالْقُرْآنُ إنَّمَا أَرَادَ بِهِ مُجَرَّدَ التَّصْدِيقِ الَّذِي هُوَ قَوْلٌ وَلَمْ يُسَمِّ الْعَمَلَ تَصْدِيقًا فَلَيْسَ الصَّوَابُ إلَّا قَوْلُ الْمُرْجِئَةِ: إنَّهُ اللَّفْظُ وَالْمَعْنَى. أَوْ قَوْلُ الكَرَّامِيَة: إنَّهُ قَوْلٌ بِاللِّسَانِ فَقَطْ فَإِنَّ تَسْمِيَةَ قَوْلِ اللِّسَانِ قَوْلًا أَشْهَرُ فِي اللُّغَةِ مِنْ تَسْمِيَةِ مَعْنًى فِي الْقَلْبِ قَوْلًا. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ}[الفتح:11] وَقَوْلُهُ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ}[البقرة:8] وَأَمْثَالُ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا فِي النَّفْسِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يُسَمَّى حَدِيثًا.
(الشرح) المؤلف رحمه الله لا يزال يرد على مرجئة والأشعرية ويناقشهم في زعمهم أن مسمى الإيمان هو مجرد التصديق الذي يكون في القلب من غير التلفظ باللسان ومن غير العمل بالجوارح، ذكر المؤلف رحمه الله شبهًا كثيرة ومن شبههم هذا البيت الذي ينسب إلى الأخطل.
إنَّ الْكَلَامَ لَفِي الْفُؤَادِ وَإِنَّمَا ... جُعِلَ اللِّسَانُ عَلَى الْفُؤَادِ دَلِيلًا
فاحتجوا على أن ما في النفس يسمى كلام بهذا البيت، فإن هذا القائل يقول إن الكلام لفي الفؤاد هذا يدل على أن الكلام ما يكون في النفس فدل على أن الإيمان هو التصديق الذي يكون في النفس من دون أن ينطق به بلسانه ومن دون أن يكون هناك عمل بالجوارح، هذا صريح في أن الكلام مسمى كان يكون في الفؤاد وفي القلب فدل أن التصديق الذي يكون في القلب هو مسمى الكلام.
إنَّ الْكَلَامَ لَفِي الْفُؤَادِ وَإِنَّمَا ... جُعِلَ اللِّسَانُ عَلَى الْفُؤَادِ دَلِيلًا
والمؤلف رحمه الله أجاب على هذا الاستدلال بهذا البيت بأجوبة متعددة، الجواب الأول أن هذا البيت لا يعرف نسبته إلى الأخطل، ولا يوجد في ديوانه، فتش في ديونه فلم يوجد فيه وإنما يروى عن غيره ولذلك قال المؤلف رحمه الله: " فَمِنْ النَّاسِ مَنْ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ شِعْرِهِ" وقالوا أنهم فتشوا ديوانه فلم يجدوه، وهذا يروى عن ابن محمد بن الخشاب، هذا الجواب الأول، الجواب الأول أن هذا البيت نسبته إلى الأخطل غير صحيح؛ لأنه فتش في ديوانه فلم يوجد فيه، والجواب الثاني أن هذا البيت محرف، وأن روايته الصحيحه إن البيان لفي الفؤاد وإنما جعل لسانه على الفؤاد وهذا أقرب إلى الصحة، أقرب هذا أقرب إلى الصحة
إن البيان لفي الفؤاد وإنما ... جعل الفؤاد على البيان دليلًا
يعني أن الإنسان يهيئ في نفسه ما يقوله ثم يتكلم به؛ وذلك لأن الكلام الذي ينطق به الإنسان بلسانه ولا يهيئه في نفسه و لا يقدره بمنزله الكلام الذي يجري على لسان النائم والهاذي، بخلاف الكلام الذي يهيئه الإنسان ويقدره ويزنه بعقله، قبل أن ينطقه بلسانه فإنه كلام موزون، فرواية البيت، إن البيان لفي الفؤاد، أقرب إلى الصواب.
الجواب الثالث لو سلمنا جدلًا أن هذا البيت للأخطل وأنه تكلم به الأخطل سنقول هذا كلام واحد، خبر واحد لم يوافقه أهل اللغة، هات أن أهل اللغة وافقوه، وإذا كان حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، لو أحتج واحد بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لا يصح ولا يقبل حتى يوثق رواته، حتى يكون رواته ثقات عادلون ضابطون وحتى يوثق السند وحتى ينتفي الشذوذ والعلة، فكيف ببيت من الشعر لا ندري من قاله، خبر واحد فلو سلمنا أنه قاله جدلًا فلا يقبل حتى يوافقه أهل اللغة على ذلك، ولو أحتج محتج في مسألة في حديث أخذناه في الصحيحين لردوه وقالوا هذا خبر واحد.
لو أحتج محتج بحديث مروي عن النبي في الصحيحين تجد هؤلاء يردونه ويقولون هذا خبر واحد، فكيف يقبل خبر واحد لا يوافقه أهل اللغة، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: "وَلَوْ احْتَجَّ مُحْتَجٌّ فِي مَسْأَلَةٍ بِحَدِيثِ أَخْرَجَاهُ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَالُوا: هَذَا خَبَرٌ وَاحِدٌ وَيَكُونُ مِمَّا اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَصْدِيقِهِ وَتَلَقِّيهِ بِالْقَبُولِ وَهَذَا الْبَيْتُ لَمْ يُثْبِتْ نَقْلَهُ عَنْ قَائِلِهِ بِإِسْنَادِ صَحِيحٍ" هم الآن يردون الخبر الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، بسند صحيح وهذا البيت لم يثبت نقله عن قائله بسند صحيح لا واحد ولا أكثر من ذلك، ولا تلقاه أهل العربية بالقبول فكيف يثبت به أدنى شيء من اللغة، فضلًا عن (غير مفهوم 1).25.7مسمى كذا،
السبب الرابع يقول المؤلف رحمه الله: مسمى الكلام ومسمى القول هذا معلوم ومشهور عند أهل اللغة تكلم به الأولون والآخرون عند أهل اللغة، وعرفوا معناه فلا يحتاج إلى قول الأخطل أو غيره هذا شيء معروف عند أهل اللغة وعند أهل العربية وعند الصحابة والتابعين والأئمة، تكلم به الأولون معروف عند الخاص والعام، أن مسمى الكلام هو لفظ الدال على المعنى ولهذا قال المؤلف رحمه الله ثم يقال: مسمى الكلام ونحوهما ليس هو ما يحتاج فيه إلى قول الشاعر، فإن هذا ما تكلم به الأولون والآخرون من أهل اللغة وعرفوا معناهم في لغتهم، كما عرفوا مسمى الرأس واليد والرجل.
والجواب رابع أو خامس، أن اللذين يتكلمون باللغة وينطقون أنما يحتج باستعمالهم الألفاظ التي تدل على معانيها، لا بما يذكرونه من الحدود والتعاريف فهنا هذا البيت أراد أن يعرف الكلام، والناطقون باللغة أنما يحتج باستعمالهم بالألفاظ الدالة على المعاني لا بما يذكرونه بالحدود والتعاريف فإن أهل اللغة لايقولون إن الكلام معناه كذا وكذا، أو أن الكلام معناه كذا وإن اللون كذا وكذا وإنما ما يتكلمون باللفظ الدال على المعنى، فتعرف لغتهم من -- ((@ كلمة غير مفهومة- 01:26:47)) --، وهذا البيت إنما أراد أن يعرف الكلام قال: إن الكلام لفي الفؤاد، والناطقون باللغة إنما يحتج باستعمال الألفاظ الدالة على معانيها لا بما ينطقون بهكنثثثظ من التعاريف، ولهذا قال المؤلف رحمه الله، "وَأَيْضًا فَالنَّاطِقُونَ بِاللُّغَةِ يُحْتَجُّ بِاسْتِعْمَالِهِمْ لِلْأَلْفَاظِ فِي مَعَانِيهَا لَا بِمَا يَذْكُرُونَهُ مِنْ الْحُدُودِ فَإِنَّ أَهْلِ اللُّغَةِ النَّاطِقِينَ لَا يَقُولُ أَحَدٌ مِنْهُمْ: إنَّ الرَّأْسَ كَذَا وَالْيَدَ كَذَا وَالْكَلَامَ كَذَا وَاللَّوْنَ كَذَا بَلْ يَنْطِقُونَ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ دَالَّةً عَلَى مَعَانِيهَا فَتَعْرِفُ لُغَتَهُمْ مِنْ اسْتِعْمَالِهِمْ."
فدل هذا على أن الأخطل لو صح أنه تكلم بهذا الكلام لا يريد أن يذكر مسمى الكلام وإنما أراد ما يفسر به المفسرون في الشعر من أن أصل الكلام في الفؤاد وهو المعنى، دل هذا على لو صح أن الأخطل قاله فهو لايريد أن يذكر مسمى الكلام وإنما يريد أن يذكر أن أصل الكلام إنما هو ينطلق من الفؤاد وهو المعنى، لأن الإنسان لو قال: كلام بلسانه وليس بقلبه لا يوثق به، كالأقوال التي ذكرها الله عن المنافقين، أنهم يقولون بألسنتهم وقلوبهم خاليه من ذلك.
ولهذا قال المؤلف: " فَعُلِمَ أَنَّ الْأَخْطَلَ لَمْ يُرِدْ بِهَذَا أَنْ يَذْكُرَ مُسَمَّى " الْكَلَامِ " وَلَا أَحَدٌ مِنْ الشُّعَرَاءِ يَقْصِدُ ذَلِكَ الْبَتَّةَ؛ وَإِنَّمَا أَرَادَ: إنْ كَانَ قَالَ ذَلِكَ"
يعني هذا على فرض أنه قاله، وإنما أراد إن كان قال ذلك ما فسره بالمفسرون للشعر أي وهو أصل الكلام من الفؤاد، أرد أن يقول ان اصل الكلام من الفؤاد وهو المعنى، " فَإِذَا قَالَ الْإِنْسَانُ بِلِسَانِهِ مَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ فَلَا تَثِقْ بِهِ؛ وَهَذَا كَالْأَقْوَالِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ عَنْ الْمُنَافِقِينَ ذَكَرَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ؛ وَلِهَذَا قَالَ :
لَا يُعْجِبَنَّكَ مِنْ أَثِيرٍ لَفْظُهُ ... حَتَّى يَكُونَ مَعَ الْكَلَامِ أَصِيلَا
إنَّ الْكَلَامَ لَفِي الْفُؤَادِ وَإِنَّمَا ... جُعِلَ اللِّسَانُ عَلَى الْفُؤَادِ دَلِيلَا
يعنى لا يعجبك من الأصيل المتكلم أو الخطيب لا يعجبك كلامه، حتى يكون له أصيل من المعنى الذي في القلب، أما إذا تكلم في خطبة بلسانه وليس لها أصل في المعنى فلا قيمة لها لأن الكلام يكون غير موزون، ولهذا قال:
لَا ُعْجِبَنَّكَ مِنْ أَثِيرٍ لَفْظُهُ ... حَتَّى يَكُونَ مَعَ الْكَلَامِ أَصِيلَا
يعني يكون له أصيل من المعنى الذي سواه.
إنَّ الْكَلَامَ لَفِي الْفُؤَادِ وَإِنَّمَا ... جُعِلَ اللِّسَانُ عَلَى الْفُؤَادِ دَلِيلَا
البيت الأول يبين أن مقصوده الذي يكون في الفؤاد إنما هو المعنى الذي يهيئة الإنسان ويزنه بعقله قبل أن ينطق به بلسانه ولهذا يقول المؤلف رحمه الله في هذين البيتين في بيان معنى البيتين :" نَهَاهُ أَنْ يُعْجَبَ بِقَوْلِهِ الظَّاهِرِ حَتَّى يُعْلَمَ مَا فِي قَلْبِهِ مِنْ الْأَصْلِ؛"
لا تعجب من الكلام الظاهر الذي يتكلمه الإنسان حتى تعلم ما في قلبه من الأصل وهو المعنى، ولهذا قال" حَتَّى يَكُونَ مَعَ الْكَلَامِ أَصِيلَا. وَقَوْلُهُ: " مَعَ الْكَلَامِ " دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اللَّفْظَ الظَّاهِرَ قَدْ سَمَّاهُ كَلَامًا" يعني نفس البيت حجة عليه، قال حتى يكون مع الكلام دليلًا، قوله حتى يكون مع الكلام دليل على أن اللفظ الظاهر فسماه كلام، " وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ قِيَامُ مَعْنَاهُ بِقَلْبِ صَاحِبِهِ " يعني يقول هذا الكلام الذي تكلم بلسانه لا تعجب به حتى يكون له أصيل من المعنى، فإن لم يكن له أصيل من المعنى فهو كلام، لكن لا يعجبه ولهذا قال المؤلف رحمه الله: " دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اللَّفْظَ الظَّاهِرَ قَدْ سَمَّاهُ كَلَامًا وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ قِيَامُ مَعْنَاهُ بِقَلْبِ صَاحِبِهِ وَهَذَا حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ"
يعني في كونهم احتجوا بهذا البيت على الكلام بالمعنى القائم بالنفي أشتمل شعره على هذا وهذا، أشتمل على الأمرين، اشتمل شعره على هذا وهذا، أشتمل شعره على أن الكلام في قلبه في قوله، إن الكلام لفي الفؤاد، واشتمل شعره بقوله حتى يكون مع الكلام، ثم قال المؤلف رحمه الله:" بَلْ قَوْلُهُ: " مَعَ الْكَلَامِ " مُطْلَقٌ. وَقَوْلُهُ: إنَّ الْكَلَامَ لَفِي الْفُؤَادِ. أَرَادَ بِهِ أَصْلَهُ وَمَعْنَاهُ الْمَقْصُودَ بِهِ، وَاللِّسَانُ دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ."
وبهذا يتبين إذا ضم البيت الأول للبيت الثاني يتضمن مراد المتكلم، سواء قاله الأخطل أو غيره، فإن قوله مع الكلام حتى يكون مع الكلام مطلق هذا وقوله إن الكلام لفي الفؤاد أراد به أصله، أصل الكلام أن يكون في الفؤاد أصله ومعناه المقصود به، واللسان دليل على ذلك ثم أيضًا من الردود رد خامس أو سادس أن يقول المؤلف رحمه الله : " يَعْرِفَ مُسَمَّى " الْكَلَامِ " فِي لُغَةِ الْعَرَبِ وَالْفُرْسِ وَالرُّومِ وَالتُّرْكِ وَسَائِرِ أَجْنَاسِ بَنِي آدَمَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ فَإِنَّهُ مِنْ أَبْعَدِ النَّاسِ عَنْ مَعْرِفَةِ طُرُقِ الْعِلْمِ." وإنما يؤخذ من أهل اللغة ومن النصوص من كتب أهل اللغة والنصوص القرآنية والنبوية كما قال المؤلف رحمه الله: " و " بِالْجُمْلَةِ " فَمَنْ احْتَاجَ إلَى أَنْ يَعْرِفَ مُسَمَّى " الْكَلَامِ " فِي لُغَةِ الْعَرَبِ وَالْفُرْسِ وَالرُّومِ وَالتُّرْكِ وَسَائِرِ أَجْنَاسِ بَنِي آدَمَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ فَإِنَّهُ مِنْ أَبْعَدِ النَّاسِ عَنْ مَعْرِفَةِ طُرُقِ الْعِلْمِ."
يعنى أنتم تريدون أن تأخذوا مسمى الكلام من قول الشاعر مسمى الكلام هذا لا يؤخذ من قول الشاعر، مسمى الكلام معروف في جميع اللغات في لغة العرب وفي لغة الفرس وفي لغة الروم، وفي لغة الترك وسائر أجناس بني آدم لا يؤخذ مسمى الكلام من قول الشاعر، ومن أخذ مسمى الكلام من قول الشاعر فهو من أبعد الناس عن معرفه طرق العلم .
وجواب سابع أو ثامن، يقول المؤلف: لو سلمنا جدلًا أن هذا البيت للأخطل فالأخطل ليس من العرب الأضحاح الذين يعتدوا بكلامه، هو من المولدين، من المولدين الذين لا يحتجوا بقولهم، ولهذا قال المؤلف: " ثُمَّ هُوَ مِنْ الْمُوَلَّدِينَ" يحتج بقول العرب الأصائل لكن المولدين لا يحتجوا بقولهم.
الجواب الثامن، أو التاسع حسب الترتيب أن لو سلمنا أن هذا القول للأخطل فالأخطل نصراني وهو كافر مثلث، يعني يقول بالتثليث، ولعياذ بالله، يقول أن الآلهة ثلاثة، الله ومريم وعيسى، تعلى الله عما يقولوا علوًا كبيرًا، وقد كفرهم الله سبحانه وتعالى بقوله: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ} [المائدة:73]، فكيف يحتج بقول كافر نصراني مثلث، أين الثقة أين العدالة ثم أيضًا النصارى قد ضلوا في مسمى الكلام، في نفس الكلام، ضلوا في مسمى الكلام فكيف يحتجوا بقولهم، وهم ضلوا في مسمى الكلام، فالنصارى ضلوا في مسمى الكلام فجعلوا أن عيسى نفس كلمة الله، قالوا: أن عيسى هو نفس الكلمة فقالوا أن عيسى هو جزء من الله، نعوذ بالله، وهذا باطل بل عيسى مخلوق بكلمة وليس هو الكلمة، كلمة ألقاها إلى مريم وروح منه، وكلمة ألقاها إلى مريم يعني هو مخلوق بكلمة، كلمة "كن" قال تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [آل عمران:59]، وقال: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ} [النساء:171]، يعني أن الله خلقه بالكلمة وليس هو الكلمة، بل خلقة بالكلمة، وكلمة ألقاها إلى مريم وروح منه، والنصارى قالوا هو نفس الكلمة، فقالوا عيسى هو نفس الكلمة جعلوه جزء من الله وليعوذ بالله، والمسلمون يعتقدون أن عيسى ليس هو الكلمة ولكن هو مخلوق بالكلمة بكلمة كن، فإذا النصارى ضلوا في الكلام فكيف يحتج بقولهم على شيء ضلوا فيه، أيحتج بقول نصراني قد ضل في معنى الكلام على معنى الكلام، أيحتج بقول نصراني قد ضل في معنى الكلام على معنى الكلام ويترك ما يعرف معنى الكلام ويترك ما يعرف معنى الكلام من النصوص إلى الكتاب والسنة واللغة ولهذا قال المؤلف رحمه الله: " وَالنَّصَارَى قَدْ أَخْطَئُوا فِي مُسَمَّى الْكَلَامِ فَجَعَلُوا الْمَسِيحَ الْقَائِمَ بِنَفْسِهِ هُوَ نَفْسَ كَلِمَةِ اللَّهِ. "
وجواب أيضًا الثامن أو التاسع، أن الأخطل اسمه الأخطل والخطل فساد في الكلام، الخطل فساد في الكلام، وإذا كان الخطل فساد في الكلام والأسمى قوالب المعاني وهو الأخطل والخطل فساد في الكلام، فكيف يحتج بشخص فاسد الكلام على مسمى الكلام، الخطل فساد في الكلام، فهذه الأجوبة المتعددة كلها تدل على بطلان استدلال الاشعرية والكرامية على مسمى أن الإيمان هو التصديق بقول الأخطل وتبين بهذا انه لو قدر فرضًا أن الإيمان في اللغة هو التصديق والقرآن إنما أراد مجرد التصديق الذي هو قول ولم يسمى العمل تصديقًا كما يقوله الأشعرية والكرامية، لو قدر أن كلامهم هذا فرضًا أن اللغة المسببة هو التصديق لكان الصواب هو قول مرجئة (غير مفهومه 1.37.30)الفقهاء، الذين يقولون أن الإيمان هو اللفظ والمعنى، والفقهاء يقول أن الإيمان هو التصديق بقول اللسان، أو يكون الصواب قول الكرامية الذين يقولون أن الإيمان هو مجرد القول باللسان لو قدر فرضًا أن الإيمان هو في اللغة التصديق لكان الصواب قول مرجئة الفقهاء الذين يقولون الإيمان مكون من شيئين، وهو التصديق بالقلب والإقرار باللسان أو يكون قول الكرامية الذين يقولون أن الكرامية هو مجرد التصديق باللسان، لماذا يقول المؤلف : " فَإِنَّ تَسْمِيَةَ قَوْلِ اللِّسَانِ قَوْلًا أَشْهَرُ فِي اللُّغَةِ مِنْ تَسْمِيَةِ مَعْنًى فِي الْقَلْبِ قَوْلًا" يعني لو قدر فرضًا أن المسمى الإيمان في اللغة والتصديق لكان قول المرجئة أقرب إلى الصواب، لأنهم ظمو إلى التصديق قول اللسان، أو يكون الصواب قول الكرامية الذين قالوا إن مسمى الإيمان هو قول اللسان، لماذا ؟ لأن تسمية قول اللسان قولًا أسهل في اللغة من تسمية معنى القلب قولًا، بدليل قول الله تعالى : {يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ}[الفتح:11]، {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ}[البقرة:8]، أما ما في النفس فقط، فإنه لا يسمى قولًا وإنما يسمى حديثًا، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: "فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ إذا كَانَ " الْإِيمَانُ " فِي اللُّغَةِ هُوَ التَّصْدِيقَ وَالْقُرْآنُ إنَّمَا أَرَادَ بِهِ مُجَرَّدَ التَّصْدِيقِ الَّذِي هُوَ قَوْلٌ وَلَمْ يُسَمِّ الْعَمَلَ تَصْدِيقًا فَلَيْسَ الصَّوَابُ إلَّا قَوْلُ الْمُرْجِئَةِ: إنَّهُ اللَّفْظُ وَالْمَعْنَى" لأنهم يقولون، مرجئة الفقهاء : يقررون أن الإيمان هو اللفظ والمعنى اللفظ هو الإقرار باللسان والمعنى تصديق القلب أو قول الكرامية " أَوْ قَوْلُ الكَرَّامِيَة: إنَّهُ قَوْلٌ بِاللِّسَانِ فَقَطْ" لو قدر هذا لكان هذين القولين اقرب إلى الصواب مع أن كلًا من القولين باطل، لكن هذين القولين لهما حظ من النظر والاستدلال بدليل أن الله سبحانه سم قول اللسان قولًا أكثر في اللغة من تسمه المعنى في القلب قولًا بدليل قول الله تعالى: {يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ}[الفتح:11] وقوله سبحنها {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ}[البقرة:8]، يقول المؤلف: وأمثال ذلك بخلاف ما في النفس فإنه يسمى حديثًا ولا يسمى قولًا.
(الشرح) معروف عندهم أنهم يجعلون مريم، قولهم في التثليث قول متناقض في نفسه وهم فرق النصارى متناقضون وكثير منهم لا يفهم التثليث وهم عندهم اختلاف كثير وهم أحيانًا يقولون بسم الأب والابن وروح القدس إله واحد، نعم وأحيانًا يفسرون يقول هو واحد بالذات أو ثلاثة -- ((@ كلمة غير مفهومة-1:40:48 )) --، يفسرونه بالأشخاص فالمقصود أنهم متناقضون في هذا، ولا يتفقون على شيء واحد، عندهم التناقض الشديد.
(المتن) مرادهم بروح القدس جبريل، أو يريدون به
(الشرح) في اختلاف بينهم، قد يريدون بها الله، هذا هو الظاهر لكن يوجد عندهم اختلاف وتناقض.