المتن:
وَالْمَقْصُودُ هُنَا ذِكْرُ " أَصْلٍ جَامِعٍ " تَنْبَنِي عَلَيْهِ مَعْرِفَةُ النُّصُوصِ وَرَدَ مَا تَنَازَعَ فِيهِ النَّاسُ إلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَإِنَّ النَّاسَ كَثُرَ نِزَاعُهُمْ فِي مَوَاضِعَ فِي مُسَمَّى الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامُ لِكَثْرَةِ ذِكْرِهِمَا وَكَثْرَةِ كَلَامِ النَّاسِ فِيهِمَا وَالِاسْمُ كُلَّمَا كَثُرَ التَّكَلُّمُ فِيهِ فَتُكُلِّمَ بِهِ مُطْلَقًا وَمُقَيَّدًا بِقَيْدِ وَمُقَيَّدٌ بِقَيْدِ آخَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ.
كَانَ هَذَا سَبَبًا لِاشْتِبَاهِ بَعْضِ مَعْنَاهُ ثُمَّ كُلَّمَا كَثُرَ سَمَاعُهُ كَثُرَ مَنْ يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ ذَلِكَ.
وَمِنْ أَسْبَابِ ذَلِكَ أَنْ يَسْمَعَ بَعْضُ النَّاسِ بَعْضَ مَوَارِدِهِ وَلَا يُسْمَعُ بَعْضُهُ وَيَكُونُ مَا سَمِعَهُ مُقَيَّدًا بِقَيْدِ أَوْجَبَهُ اخْتِصَاصُهُ بِمَعْنَى فَيَظُنُّ مَعْنَاهُ فِي سَائِرِ مَوَارِدِهِ كَذَلِكَ؛ فَمَنْ اتَّبَعَ عِلْمَهُ حَتَّى عَرَفَ مَوَاقِعَ الِاسْتِعْمَالِ عَامَّةً وَعَلِمَ مَأْخَذَ الشَّبَهِ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ وَعَلِمَ أَنَّ خَيْرَ الْكَلَامِ كَلَامُ اللَّهِ وَأَنَّهُ لَا بَيَانَ أَتَمَّ مِنْ بَيَانِهِ؛ وَأَنَّ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ مِنْ دِينِهِمْ الَّذِي يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ أَضْعَافَ أَضْعَافِ مَا تَنَازَعُوا فِيهِ.
فَالْمُسْلِمُونَ: سُنِّيُّهُمْ وَبِدْعِيُّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى وُجُوبِ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمُتَّفِقُونَ عَلَى وُجُوبِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ وَمُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ مَنْ أَطَاعَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ؛ وَلَا يُعَذَّبُ وَعَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إلَيْهِ فَهُوَ كَافِرٌ وَأَمْثَالُ هَذِهِ الْأُمُورِ الَّتِي هِيَ أُصُولُ الدِّينِ وَقَوَاعِدُ الْإِيمَانِ الَّتِي اتَّفَقَ عَلَيْهَا الْمُنْتَسِبُونَ إلَى الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ، فَتَنَازُعُهُمْ بَعْدَ هَذَا فِي بَعْضِ أَحْكَامِ الْوَعِيدِ أَوْ بَعْضِ مَعَانِي بَعْضِ الْأَسْمَاءِ أَمْرٌ خَفِيفٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ مَعَ أَنَّ الْمُخَالِفِينَ لِلْحَقِّ الْبَيِّنِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ هُمْ عِنْدَ جُمْهُورِ الْأُمَّةِ مَعْرُوفُونَ بِالْبِدْعَةِ؛ مَشْهُودٌ عَلَيْهِمْ بِالضَّلَالَةِ؛ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْأُمَّةِ لِسَانُ صِدْقٍ وَلَا قَبُولٌ عَامٌّ كَالْخَوَارِجِ وَالرَّوَافِضِ وَالْقَدَرِيَّةِ وَنَحْوِهِمْ وَإِنَّمَا تَنَازَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ وَالسُّنَّةِ فِي أُمُورٍ دَقِيقَةٍ تَخْفَى عَلَى أَكْثَرِ النَّاسِ؛ وَلَكِنْ يَجِبُ رَدُّ مَا تَنَازَعُوا فِيهِ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ. وَالرَّدُّ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فِي " مَسْأَلَةِ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ " يُوجِبُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الِاسْمَيْنِ وَإِنْ كَانَ مُسَمَّاهُ وَاجِبًا لَا يَسْتَحِقُّ أَحَدٌ الْجَنَّةَ إلَّا بِأَنْ يَكُونَ مُؤْمِنًا مُسْلِمًا.
الشرح
بسم الله الرحمن الرحيم ،الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد.
فإن المؤلف شيح الإسلام ابن تيمية رحمه الله في هذا الكتاب العظيم كتاب الإيمان الكبير، بين مسمى الإيمان ومسمى الإسلام، ومسمى البر ومسمى التقوى، ومسمى الهدى وبين ما دلت عليه النصوص من كتاب الله تعالى وسنة رسوله ﷺ من مسميات هذه الأشياء وهذه الأمور وما أجمع عليه الصحابة والتابعون، والأئمة، وأهل السنة و الجماعة.
ثم بين في هذا المقطع من كتاب الإيمان أن هناك أصل جامع تنبني عليه معرفة النصوص، وهو رد ما تنازع فيه الناس من الكتاب والسنة، هذا أصل جامع، وأنه يجب رد ما تنازع فيه الناس في جميع أمورهم إلى الكتاب والسنة، عملًا بقول الله تعالى: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء:59]، وقال سبحانه، وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [الشورى:10].
فيجب على الأمة الإسلامية إذا اختلفوا في أمر أن يردوا هذا الخلاف وهذا النزاع إلى الكتاب والسنة، لأن الكتاب والسنة يفصلان بين الناس في أمور النزاع، وبذلك تصلح أحوالهم، ويزول عنهم الاختلاف، ومن كان أسعد بالدليل فهو أحق الصواب، فمن ذلك مسمى الإيمان ومسمى الإسلام، يجب الرجوع للكتاب والسنة وإذا نظرنا إلى الكتاب والسنة وجدنا أن مسمى الإيمان هو تصديق وإقرار بالقلب، وعمل بالقلب والمحبة التي تكون حركة في القلب وأعمال القلوب كلها داخلة في مسمى الإيمان، المحبة والخشية والرغبة والرهبة والإنابة والتوكل، والتصديق وكذلك أقوال اللسان، وكذلك أعمال الجوارح، ومسمى الإسلام كذلك الأعمال الظاهرة، وإذا أجتمع الإسلام والإيمان فإن الإسلام يفسر بالأعمال الظاهرة، والإيمان يفسر في الأعمال الباطنة كما في حديث جبريل، وإذا أطلق أحدهم دخل فيه الآخر، إذا أطلق الإسلام وحده فإنه يطلق في الأعمال الظاهرة والباطنة، وكذلك الإيمان إذا أطلق وحده دخل فيه الأعمال الظاهرة والباطنة، وكذلك أيضًا مسمى الدين يدخل فيه الأعمال الظاهرة والباطنة، مما جاء بمسمى البر ومسمى التقوى ومسمى الهدى، هذه الأمور إذا أطلق واحد منها، دخل فيه أمور الشرع كلها، الأعمال الظاهرة والباطنة، ولابد للمسلم أن يرجع لهذا الأصل، لابد للإنسان أن يعمل بهذا الأصل الذي ذكره المؤلف وهو الرجوع إلى الكتاب والسنة، حتى تفهم، يفهم عن الله وعن رسوله ﷺ ما جاء في النصوص فإن المسميات يختلف مسماها بالاقتران، والتجرد قد يؤلفه الواحد له مسمى عند الإطلاق، وله مسمى آخر عند الاجتماع، عند الاقتران بغيره وله مسمى عند الإطلاق، وترد بعض النصوص مقيده بقيد فلابد من اعتبار هذا القيد، وتجد بعض النصوص مطلقة وتجد بعض النصوص مقترنة بغيره، فلابد من ملاحظة هذه الأمور حتى يفهم المسلم عن الله وعن رسوله ﷺ ما أراده الله وما أراده رسوله ﷺ.
وبين المؤلف رحمه الله هذا الأصل فقال: "وَالْمَقْصُودُ هُنَا ذِكْرُ " أَصْلٍ جَامِعٍ " تَنْبَنِي عَلَيْهِ مَعْرِفَةُ النُّصُوصِ وَرَدَ مَا تَنَازَعَ فِيهِ النَّاسُ إلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَإِنَّ النَّاسَ كَثُرَ نِزَاعُهُمْ فِي مَوَاضِعَ فِي مُسَمَّى الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامُ لِكَثْرَةِ ذِكْرِهِمَا" كثر الناس نزاعهم في هذا ولهذا فإن بعض الناس يقول إن مسمى الإيمان هو مسمى الإسلام، وبعضهم قال: إن مسمى الإيمان هو ما جاء في القلب كما قال المرجئة على اختلاف طوائفهم.
وقالت المرجئة: يضاف التصديق بالقلب الإقرار باللسان، وأما أهل السنة والجماعة من الصحابة والتابعين، والأئمة والعلماء فإنهم أدخلوا الأعمال في مسمى الإيمان، كما دلت النصوص على ذلك، من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ.
ولهذا قال المؤلف رحمه الله: " فَإِنَّ النَّاسَ كَثُرَ نِزَاعُهُمْ فِي مَوَاضِعَ فِي مُسَمَّى الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامُ لِكَثْرَةِ ذِكْرِهِمَا وَكَثْرَةِ كَلَامِ النَّاسِ فِيهِمَا وَالِاسْمُ كُلَّمَا كَثُرَ التَّكَلُّمُ فِيهِ فَتُكُلِّمَ بِهِ مُطْلَقًا وَمُقَيَّدًا بِقَيْدِ وَمُقَيَّدٌ بِقَيْدِ آخَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ. كَانَ هَذَا سَبَبًا لِاشْتِبَاهِ بَعْضِ مَعْنَاهُ" إذا جاء الاسم تارة مطلقًا وتارة مقيدًا، كان هذا من الصعب الاجتماع عند بعض الناس.
ثم قال المؤلف: " ثُمَّ كُلَّمَا كَثُرَ سَمَاعُهُ كَثُرَ مَنْ يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ ذَلِكَ.
" ثم بين رحمه الله " إن وَمِنْ أَسْبَابِ ذَلِكَ أَنْ يَسْمَعَ بَعْضُ النَّاسِ بَعْضَ مَوَارِدِهِ وَلَا يُسْمَعُ بَعْضُهُ" يرد مثلًا اللفظ في بعض الموارد مقيدًا، ويرد في بعض الموارد مطلقًا، فيسمع بعض الناس مطلقًا ولا يسمعه مقيدًا فيظن أن المعنى واحد في الموضعين، فيستمعان للأصل.
ولذلك قال المؤلف رحمه الله: " وَمِنْ أَسْبَابِ ذَلِكَ أَنْ يَسْمَعَ بَعْضُ النَّاسِ بَعْضَ مَوَارِدِهِ وَلَا يُسْمَعُ بَعْضُهُ وَيَكُونُ مَا سَمِعَهُ مُقَيَّدًا بِقَيْدِ أَوْجَبَهُ اخْتِصَاصُهُ بِمَعْنَى فَيَظُنُّ مَعْنَاهُ فِي سَائِرِ مَوَارِدِهِ كَذَلِكَ؛ فَمَنْ اتَّبَعَ عِلْمَهُ حَتَّى عَرَفَ مَوَاقِعَ الِاسْتِعْمَالِ عَامَّةً وَعَلِمَ مَأْخَذَ الشَّبَهِ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ وَعَلِمَ أَنَّ خَيْرَ الْكَلَامِ كَلَامُ اللَّهِ وَأَنَّهُ لَا بَيَانَ أَتَمَّ مِنْ بَيَانِهِ؛ وَأَنَّ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ مِنْ دِينِهِمْ الَّذِي يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ أَضْعَافَ أَضْعَافِ مَا تَنَازَعُوا فِيهِ." إذا أعطى الأمر حقه واتبع العلم حتى عرف مواقع الاستعمال مطلقًا ومقيدًا وعلم ما أخذ الشبة بين اللفظين وبين الإطلاقين، أعطى كل حقًا حقه، وعلم أن خير الكلام كلام الله، وأنه لا بيان أتم من بيانه وأنه أجمع المسلمون من دينهم الذي أجمع عليه أضعاف أضعاف ما تنازعوا فيه.
الأمور التي أجمعوا فيها كثيرة، وموضع النزاع قليلة بالنسبة لما كتب عليه، فالمسلمون مجمعون على وجوب توحيد الله، والإيمان بالله وكتبه ورسله، واليوم الآخر والقدر خيره وشره، يجمعون على يجب العمل على ما جاء في الكتاب والسنة، ويجمعون على وجوب الصلاة ويجمعون على وجوب الزكاة ويجمعون على وجوب الصوم ويجمعون على وجوب الحج، ويجمعون على بر الوالدين ويجمعون على صله الرحم، ويجمعون على تحريم الشرك، وتحريم العدوان على النفس دمائهم وأموالهم وأعراضهم، وعلى تحريم الربا، وعلى تحريم الزنا وعلى تحريم الخمر، وعلى تحريم عقوق الوالدين فالأمور المجمع عليها كثيرة، والأمور التي تنازعوا فيها أقل بكثير مما أجمعوا عليه.
قال المؤلف رحمه الله: "فَالْمُسْلِمُونَ: سُنِّيُّهُمْ وَبِدْعِيُّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى وُجُوبِ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ" هذه من المواضع التي اجمعوا فيها المؤلف سرد أشياء أجمعوا فيها، وقال: "وَمُتَّفِقُونَ عَلَى وُجُوبِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ وَمُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ مَنْ أَطَاعَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ؛ وَلَا يُعَذَّبُ" هذا محل أتفاق، "وَعَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ - ﷺ - إلَيْهِ فَهُوَ كَافِرٌ" هذا محل اهتمام، فمن فعل ناقد من الإسلام وفعل أمرًا معلوم هذه للضرورة فإنه كافر، كما أنكر نبوة النبي ﷺ، أو قال: أن رسالته خاصة بالعرب، أو قال إن بعضهم نبي أو قال إن رسالته ليست عامة، أو قال: أنه لم يبلغ الرسالة، ولم يؤدي الأمانة أو أنكر نبي من الأنبياء، أو كتاب من الكتب، أو ملك من الملائكة، أو ربوبية الله أو شيء من أسماءه، أو صفاته، أنكر الجنة والثواب والعقاب، أو البعث بعد الموت فهذا أجمع المسلمون على أنه كافر.
قال المؤلف رحمه الله: "وَأَمْثَالُ هَذِهِ الْأُمُورِ الَّتِي هِيَ أُصُولُ الدِّينِ وَقَوَاعِدُ الْإِيمَانِ الَّتِي اتَّفَقَ عَلَيْهَا الْمُنْتَسِبُونَ إلَى الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ" يعني هذه الأمور التي أجمعوا عليها كثيرًا ما علم الدين بالضرورة وجوبه أو تحريمه، هذا أمر مجمع عليه، ثم بعد ذلك الأمور التي تنازع فيها بالنسبة إلى الأمور التي اتفقوا عليها شيء قليل.
فقال المؤلف رحمه الله: "فَتَنَازُعُهُمْ بَعْدَ هَذَا فِي بَعْضِ أَحْكَامِ الْوَعِيدِ أَوْ بَعْضِ مَعَانِي بَعْضِ الْأَسْمَاءِ أَمْرٌ خَفِيفٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ" يعني إذا نسبت الأمور المستأذن فيها إلى الأمور المطلقة عليها فإنها قليلة.
وقال المؤلف رحمه الله: "مَعَ أَنَّ الْمُخَالِفِينَ لِلْحَقِّ الْبَيِّنِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ هُمْ عِنْدَ جُمْهُورِ الْأُمَّةِ مَعْرُوفُونَ بِالْبِدْعَةِ؛ مَشْهُودٌ عَلَيْهِمْ بِالضَّلَالَةِ؛ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْأُمَّةِ لِسَانُ صِدْقٍ وَلَا قَبُولٌ عَامٌّ" يعني الذين يخالفون الحق العام من الكتاب والسنة هم من أهل البدع، معروف عند أهل السنة بالبدعة، أما أهل السنة فلا يخالفون الحق البين الواضح، الذي جاء واضح فيه الكتاب والسنة لا يخالف فيه أهل الحق، وإنما يخالف أهل البدعة، الذين عرفوا بالبدعة وليس لهم أثار صدق ولا قبول عهد.
مثل لهم المؤلف قال: "كَالْخَوَارِجِ وَالرَّوَافِضِ وَالْقَدَرِيَّةِ وَنَحْوِهِمْ" هؤلاء هم الذين يغيرون الحق البين، يخالفون الحق الواضح، الخوارج الآن يخالفون النصوص الصريحة بل المتواترة، في أخراج العصاة، العصاة خارجين من النار، وأنه يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان([1])
وأمثله متواترة وصلت لحد التواتر، ومع ذلك أنكرها الخوارج، والمعتزلة، وقالوا: بخروج العصاة وأهل الكبائر في النار، خالفوا الكتاب والسنة وخالفوا الصحابة وأنكر عليهم السنة ودعوهم وضللوهم وصاحوا بهم، إنما أنكروا حديث متواتر.
وكذلك الروافض الآن في إنكار خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وتكفيرهم للصحابة، مع نصوص واضحة في شهادة لهم بالجنة، وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:100]، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ إلى أن قال في أخر الآية وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا [الفتح:29]، لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [الحديد:10]، صريحة بأن الله وعد المؤمنين بالجنة، 14:15 حديث، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ تَعَالَى اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ ، فَقَالَ : اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ ([2]) ... لكم العشرة المبشرين بالجنة، قول النبي ﷺ، ومع ذلك خالفوا النصوص الواضحة، وكفروا بالصحابة واشتدت عداوتهم للخليفتين، أبي بكر وعمر ولعياذ بالله فهؤلاء أهل بدعة، وضلالة.
وكذلك القدرية الأولى الذين أنكروا علم الله وكتابته للأشياء، قالوا: إن الأمر أنف كفرهم الصحابة، واستدلوا بالنصوص التي فيها من لم يؤمن بالقدر خيرة وشره أحرقه الله بالنار([3]).
قال المؤلف رحمه الله مبين أن النزاع الذي يحكم بين أهل السنة إنما في الأمور الدقيقة الخفية، أما الأمور الواضحة فلا يتنازعون فيها.
ولهذا قال المؤلف رحمه الله: "وَإِنَّمَا تَنَازَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ وَالسُّنَّةِ فِي أُمُورٍ دَقِيقَةٍ تَخْفَى عَلَى أَكْثَرِ النَّاسِ؛ وَلَكِنْ يَجِبُ رَدُّ مَا تَنَازَعُوا فِيهِ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ." يعني حتى هذه الأمور الدقيقة الخفية يجب رد النزاع فيها إلى الكتاب والسنة وحينئذ يزول الخلاف.
فإذا أختلف العلماء في قولين فإننا نرجع إلى الكتاب والسنة، فإذا وجدنا أحد الطرفين يؤيد النص وسنة رسوله أخذنا به وتركنا الطرف الآخر.
ولهذا قال المؤلف: رحمه الله: " وَلَكِنْ يَجِبُ رَدُّ مَا تَنَازَعُوا فِيهِ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ. وَالرَّدُّ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فِي " مَسْأَلَةِ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ " يُوجِبُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الِاسْمَيْنِ وَإِنْ كَانَ مُسَمَّاهُ وَاجِبًا لَا يَسْتَحِقُّ أَحَدٌ الْجَنَّةَ إلَّا بِأَنْ يَكُونَ مُؤْمِنًا مُسْلِمًا." يعني إذا رجعنا إلى الكتاب والسنة في مسألة الإسلام والإيمان نجد أن كلًا من الاثنين، وإن كان مسمى واجبًا لا يستحق الجنة إلا بأن يكون مؤمن مسلم، لأن الإيمان والتصديق في الباطن، والأعمال في الأعمال الظاهرة، فلابد من الأعمال الظاهرة من إيمان يتحقق بها، الصلاة والصيام والزكاة والحج، لابد من الإيمان في الباطن، يصححها وإلا صار 16:29 كما أن تصديق الباطن وإدعاء مؤمن ومصدق في الباطن لابد من عمل يتحقق به، وإلا كان كإيمان إبليس وفرعون واليهود فإنهم يصدقون في الباطن، لكنهم استكبروا للإيمان بالله فليس لهم أعمال يتحقق بها، ما عندهم أعمال يتحقق بهم هذا الإيمان فصاروا مستثمرين في الإيمان بالله والمستثمر كما أنه مكذب كافر، فالمستثمر بالإيمان بالله كافر، إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ [البقرة:34]، قال عن اليهود: أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ [البقرة:87].
فكل من الأسمين لابد منه، فالإيمان لابد من عمل يستحقق به، وتصديق الباطن لابد من عمل يتحقق به، والعمل الظاهر لابد من إيمان صحيح، فالنصوص دلت على أن الإسلام والإيمان سم أن الإسلام والإيمان يوجب أن كلا الاسمين، وإن كان مسماه واجبًا لا يستحق أحدًا الجنة إلا أن يكون مؤمن مسلم، يكون مؤمن في الباطن وفي الظاهر، فإيمانه الباطن يتحقق بعمله الظاهر، وعمله الظاهر يصححه الإيمان الباطن، هذا هو المؤمن، أما إذا كان الإنسان مؤمن يدعي أنه مصدق في الباطن ولا يعمل، صار مستكبرًا كاليهود، وكذلك من يعمل في الظاهر وليس مصدقًا في الباطن صار من المنافقين الذين هم في الدرك الأسفل من النار، نسأل الله السلامة والعافية.
المتن:
"فَالْحَقُّ فِي ذَلِكَ مَا بَيَّنَهُ النَّبِيُّ ﷺ فِي حَدِيثِ ما بينه جِبْرِيلَ فَجَعَلَ الدِّينَ وَأَهْلَهُ " ثَلَاثَ طَبَقَاتٍ ": أَوَّلُهَا: الْإِسْلَامُ وَأَوْسَطُهَا الْإِيمَانُ وَأَعْلَاهَا الْإِحْسَانُ وَمَنْ وَصَلَ إلَى الْعُلْيَا فَقَدْ وَصَلَ إلَى الَّتِي تَلِيهَا. فَالْحَسَنُ مُؤْمِنٌ وَالْمُؤْمِنُ مُسْلِمٌ؛ وَأَمَّا الْمُسْلِمُ فَلَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُؤْمِنًا.
وَهَكَذَا جَاءَ الْقُرْآنُ فَجَعَلَ الْأُمَّةَ عَلَى هَذِهِ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ. قَالَ تَعَالَى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ [فاطر:32] فَالْمُسْلِمُ الَّذِي لَمْ يَقُمْ بِوَاجِبِ الْإِيمَانِ هُوَ الظَّالِمُ لِنَفْسِهِ وَالْمُقْتَصِدُ هُوَ الْمُؤْمِنُ الْمُطْلَقُ الَّذِي أَدَّى الْوَاجِبَ وَتَرَكَ الْمُحَرَّمَ؛ وَالسَّابِقُ بِالْخَيْرَاتِ هُوَ الْمُحْسِنُ الَّذِي عَبَدَ اللَّهَ كَأَنَّهُ يَرَاهُ.
وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ تَقْسِيمَ النَّاسِ فِي الْمَعَادِ إلَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فِي سُورَةِ (الْوَاقِعَةِ) وَ (الْمُطَفِّفِينَ) و (هَلْ أَتَى) وَذَكَرَ الْكُفَّارَ أَيْضًا وَأَمَّا هُنَا فَجَعَلَ التَّقْسِيمَ لِلْمُصْطَفَيْنَ مِنْ عِبَادِهِ."
الشرح:
المؤلف رحمه الله يبين الحق في مسمى الإسلام والإيمان، والإحسان، قال: سواء في هذا ما دل عليه حديث جبريل، فإن جبرائيل أتى النبي ﷺ في صورة رجل وسأل الأول عن الإسلام ثم سأل عن الإيمان ثم سأل عن الإحسان فسر الإسلام بالأعمال الظاهرة وفسر الإيمان بالعمال الباطنة، وفسر الإحسان بالعبادة المشاهدة المراقبة، ثم قال بعد ذلك ثم سأل عن الساعة وعن أمارتها ثم قال: فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ، وفي نص أمر دينكم، فجعل الدين ثلاث مرات، الإسلام، ثم الإيمان، ثم الإحسان.
فقال المؤلف رحمه الله: "فَالْحَقُّ فِي ذَلِكَ مَا بَيَّنَهُ النَّبِيُّ ﷺ فِي حَدِيثِ ما بينه جِبْرِيلَ فَجَعَلَ الدِّينَ وَأَهْلَهُ " ثَلَاثَ طَبَقَاتٍ ": أَوَّلُهَا: الْإِسْلَامُ وَأَوْسَطُهَا الْإِيمَانُ وَأَعْلَاهَا الْإِحْسَانُ وَمَنْ وَصَلَ إلَى الْعُلْيَا فَقَدْ وَصَلَ إلَى الَّتِي تَلِيهَا." من وصل إلى الإحسان فهو محسن مؤمن مسلم، ومن وصل إلى العليا فوصل للتي تليها، "فَالْحَسَنُ مُؤْمِنٌ وَالْمُؤْمِنُ مُسْلِمٌ؛" يعني من وصل إلى درجة الإحسان فهو محسن مؤمن، مسلم مؤمن محسن، ومن وصل إلى الإيمان ولم يصل إلى الحسان فيكون مؤمن مسلم.
" وَأَمَّا الْمُسْلِمُ فَلَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُؤْمِنًا." بل يسمى مسلم عند الإطلاق وإن كان الإسلام لابد له من إيمان يصححه لكن فرق بين الإيمان وبين أصل الإيمان، أصل الإيمان لابد منه حتى يصحح الأعمال، وأما الإطلاق فلا يطلق الإيمان إلا على المطيع الذي أطلق الإيمان وترك المحرمات، أما العاصي فيسمى مسلم ولا يسمى مؤمن على الإطلاق.
ولهذا قال المؤلف رحمه الله: " ومن وصل إلى العليا فوصل للتي تليها، "فَالْمحَسَنُ مُؤْمِنٌ وَالْمُؤْمِنُ مُسْلِمٌ؛ وَأَمَّا الْمُسْلِمُ فَلَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُؤْمِنًا."
قال المؤلف رحمه الله: "وَهَكَذَا جَاءَ الْقُرْآنُ فَجَعَلَ الْأُمَّةَ عَلَى هَذِهِ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ. قَالَ تَعَالَى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ [فاطر:32]" فهذه الآية الكريمة فيها بيان طبقات المؤمنين وهم ثلاث طبقات، الطبقة الأولى الظالم لنفسه، وهذا هو المؤمن الموحد الذي لا يوجد في عمله شرك ولكنه قصر في بعض الواجبات أو على بعض المحرمات فكان واجبًا لنفسه ومتعرضًا للوعيد، يخشى عليه من العقوبة، تسمى عذاب القبر هذا إذا مات من غير توبة، يخشى عليه من عذاب القبر كما في حديث بن عباس عندما مر بقبرين قال: إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لاَ يَسْتَتِرُ مِنَ البَوْلِ ([4]) فهذان يعذبان في قبورهم، بسبب المعاصي والكبائر، وقد يصيب الأهوال والشدائد في يوم القيامة وقد يعفى الله عنه وقد يعذب في النار، وإذا عذب في النار فلا يخلد، بل إذا طهر بالنار خرج منها بسبعة وسبعين أجرة.
والطبقة الثانية المقتصدون الذين أدوا الواجبات وتركوا المحرمات، ولكن لم يكن عندهم نشاط بفعل المستحبات والنوافل، اقتصروا على أداء الواجبات، وتركوا المحرمات ولكن لم يكن عندهم نشاط في ترك المكروهات كما تزيد بل قد يفعوا مكروه في بعض وقد يفعلوه في بعض المبيحات، لكنه قدم عليه فهو يدخل الجنة من أول وهلة.
والطبقة الثالثة، السابقون بالخيرات، الذين أدوا الواجبات وفعلوا النوافل والمستحبات وتركوا المحرمات وتركوا مع ذلك المكروهات وتركوا فضول المبيحات هؤلاء أعلى الطبقات.
فالطبقة الأولى ظالمون لأنفسهم، والطبقة الثانية هم مقتصدون، ويقال هم أصحاب اليمين، والطبقة الثالثة هم السابقون المؤخرات وهم المحسنون.
فالأول الظالم لأنفسهم يطلق عليهم مسلمون، والطبقة الثانية مسلمون مؤمنون، والطبقة الثالثة مسلمون مؤمنون محسنون.
ولهذا قال المؤلف رحمه الله: "فَالْمُسْلِمُ الَّذِي لَمْ يَقُمْ بِوَاجِبِ الْإِيمَانِ هُوَ الظَّالِمُ لِنَفْسِهِ" ما قام بالواجبات يعني قصر في بعض الواجبات وفعل بعض المحرمات، هذا ظالم لنفسه، "وَالْمُقْتَصِدُ هُوَ الْمُؤْمِنُ الْمُطْلَقُ الَّذِي أَدَّى الْوَاجِبَ وَتَرَكَ الْمُحَرَّمَ؛" أدى ما أوجب الله عليه وترك ما حرم الله عليه هذا يسمى المؤمن بإطلاق، "وَالسَّابِقُ بِالْخَيْرَاتِ هُوَ الْمُحْسِنُ الَّذِي عَبَدَ اللَّهَ كَأَنَّهُ يَرَاهُ.
وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ تَقْسِيمَ النَّاسِ فِي الْمَعَادِ إلَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فِي سُورَةِ (الْوَاقِعَةِ)" وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ [الواقعة:7-9] فذكر ثلثين من الناس السابقون بالخيرات وأصحاب اليمين و24:17 الكفار، ولم يذكر الطبقة الثالثة المؤمنين الظالمون لأنفسهم.
وفي آخر السورة كذلك، قال تعالى: فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ [الواقعة:88- 94].
وكذلك ذكر في سورة(الْمُطَفِّفِينَ)، قال: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ [المطففين:15]، كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ [المطففين:18]، وذكر المؤمنين.
و (هَلْ أَتَى) وَذَكَرَ الْكُفَّارَ أَيْضًا هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا [الإنسان:1]، إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاسِلا وَأَغْلالًا وَسَعِيرًا إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا [الإنسان:4،5]، وذكر أوصاف الأبرار.
يقول المؤلف رحمه الله : وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ تَقْسِيمَ النَّاسِ فِي الْمَعَادِ إلَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فِي سُورَةِ (الْوَاقِعَةِ) وَ (الْمُطَفِّفِينَ) و (هَلْ أَتَى) وَذَكَرَ الْكُفَّارَ أَيْضًا، يعني هنا، وحتى في سورة فاطر ذكر بعد هذه الطبقات الثلاث ذكر الكفار، فجعلهم أربع طبقات في سورة فاطر، الظالمين لأنفسهم 25:26 ثم بعد ذلك الكفار، وفي سورة الواقعة ذكر ثلاث أشياء من المؤمنين والكفار.
يقول المؤلف رحمه الله: "وَأَمَّا هُنَا فَجَعَلَ التَّقْسِيمَ لِلْمُصْطَفَيْنَ مِنْ عِبَادِهِ." يعني في سورة فاطر جعل التقسيم المصطفين، المصطفين يعنى المؤمنون، المؤمنون اصطفاهم الله، كلهم اصطفاهم الله كلهم أورثهم الكتاب، أوراهم الله الإيمان سليم من الشرك فلم يقعوا في الشرك، وإن كان طبقة من الطبقات وقعوا في بعض المعاصي ولكن في الجملة مما أورثهم الله الكتاب، وافاهم الله وهم من المتقون اتقوا الشرك، فلم يقعوا فيه وسلموا من الخلود في النار، ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا [فاطر:32]،كلهم أورثهم الكتاب وكلهم اصطفاهم الله، جعلهم متقون، منهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد، ومنهم سباق بالخيرات قال: جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا كلهم لهم الجنات، وإن كانوا ظالمي أنفسهم على خطأ .
المتن:
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الخطابي: مِمَّا أَكْثَرُ مَا يَغْلَطُ النَّاسُ فِي "هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ " فَأَمَّا الزُّهْرِيُّ فَقَالَ: الْإِسْلَامُ الْكَلِمَةُ وَالْإِيمَانُ الْعَمَلُ وَاحْتَجَّ بِالْآيَةِ وَذَهَبَ غَيْرُهُ إلَى أَنَّ الْإِسْلَامَ وَالْإِيمَانَ شَيْءٌ وَاحِدٌ. فَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ: فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
قَالَ الخطابي: وَقَدْ تَكَلَّمَ رَجُلَانِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى قَوْلِ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ وَرَدَّ الْآخَرُ مِنْهُمَا عَلَى الْمُتَقَدِّمِ وَصَنَّفَ عَلَيْهِ كِتَابًا يَبْلُغُ عَدَدَ أَوْرَاقِهِ الْمِائَتَيْنِ.
قَالَ الخطابي: وَالصَّحِيحُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُقَيَّدَ الْكَلَامُ فِي هَذَا وَلَا يُطْلَقَ؛ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُسْلِمَ قَدْ يَكُونُ مُؤْمِنًا فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ وَلَا يَكُونُ مُؤْمِنًا فِي بَعْضِهَا وَالْمُؤْمِنُ مُسْلِمٌ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ فَكُلُّ مُؤْمِنٍ مُسْلِمٌ وَلَيْسَ كُلُّ مُسْلِمٍ مُؤْمِنًا وَإِذَا حَمَلْت الْأَمْرَ عَلَى هَذَا اسْتَقَامَ لَك تَأْوِيلُ الْآيَاتِ وَاعْتَدَلَ الْقَوْلُ فِيهَا وَلَمْ يَخْتَلِفْ شَيْءٌ مِنْهَا.
" قُلْت ": الرَّجُلَانِ اللَّذَانِ أَشَارَ إلَيْهِمَا الخطابي أَظُنُّ أَحَدَهُمَا - وَهُوَ السَّابِقُ - مُحَمَّدَ بْنَ نَصْرٍ فَإِنَّهُ الَّذِي عَلَّمْته بَسْطَ الْكَلَامِ فِي أَنَّ الْإِسْلَامَ وَالْإِيمَانَ شَيْءٌ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ وَمَا عَلِمْت لِغَيْرِهِ قَبْلَهُ بَسْطًا فِي هَذَا.
وَالْآخَرُ الَّذِي رَدَّ عَلَيْهِ أَظُنُّهُ. . . لَكِنْ لَمْ أَقِفْ عَلَى رَدِّهِ.
وَاَلَّذِي اخْتَارَهُ الخطابي هُوَ قَوْلُ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا كَأَبِي جَعْفَرٍ وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِ؛ وَلَا عَلِمْت أَحَدًا مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ خَالَفَ هَؤُلَاءِ فَجَعَلَ نَفْسَ الْإِسْلَامِ نَفْسَ الْإِيمَانِ؛ وَلِهَذَا كَانَ عَامَّةُ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى هَذَا الَّذِي قَالَهُ هَؤُلَاءِ كَمَا ذَكَرَهُ الخطابي.
وَكَذَلِكَ ذَكَرَ أَبُو الْقَاسِمِ التيمي الأصبهاني وَابْنُهُ مُحَمَّدٌ شَارِحُ " مُسْلِمٍ " وَغَيْرُهُمَا أَنَّ الْمُخْتَارَ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّهُ لَا يُطْلَقُ عَلَى السَّارِقِ وَالزَّانِي اسْمُ مُؤْمِنٍ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ النَّصُّ.
وَقَدْ ذَكَرَ الخطابي: فِي "شَرْحِ الْبُخَارِيِّ" كَلَامًا يَقْتَضِي تَلَازُمَهُمَا مَعَ افْتِرَاقِ اسْمَيْهِمَا."
الشرح
فإن المؤلف رحمه الله في هذا الكتاب التعظيم وهو الإيمان الكبير بين فيه ما دلت عليه النصوص في كتاب الله وسنه رسوله ﷺ، من المسميات ومن أعظمها مسمى الإيمان، والإسلام والبر والتقوى، ونقل عن العلماء نقولا كثيرة فيما سبق وبين أن بعض الناس يغلطون في هذه المسألة بسبب عدم جمعهم لهذه النصوص وبسبب عدم معرفة موارد الاقتران والتجرد، وتقييد والإطلاق، ونقل من هنا وقل في هذا المقطع عن العلماء في بيان مسمى الإسلام وبيان إيمان.
نقل عن أبي سليمان الخطابي كتاب معالم السنن ومسمى الإسلام ومسمى الإيمان فقال: "وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الخطابي:" العالم المشهور المحدث حمد، في كتابة معالم السنن قال: "مِمَّا أَكْثَرُ مَا يَغْلَطُ النَّاسُ فِي "هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ " فَأَمَّا الزُّهْرِيُّ فَقَالَ: الْإِسْلَامُ الْكَلِمَةُ وَالْإِيمَانُ الْعَمَلُ وَاحْتَجَّ بِالْآيَةِ" والمراد بالآية الآية السابقة وهي آية فاطر، ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ [فاطر:32].
وَذَهَبَ غَيْرُهُ إلَى أَنَّ الْإِسْلَامَ وَالْإِيمَانَ شَيْءٌ وَاحِدٌ. فَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ: فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [الذاريات:35،36].
يعني يقول: أبو سليمان الخطابي رحمه الله أن كثيرًا من الناس خلطوا في مسمى الإيمان ومسمى الإسلام، فمهم من فرق بينهما ومن قال مسماه واحد ففما فرق بينهما الإمام الزهري رحمه الله، ففرق بين الإسلام وبين الإيمان فقال: الإسلام الكلمة والإيمان العمل، فالمقصود بالكلمة كلمة التوحيد، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، فمن نطق بالشهادتين عن صدق وإخلاص فإنه يسمى مسلم، ولو قصر في بعض الواجبات، أو فعل بعض المحرمات وليس مقصود الزهري رحمه الله أن الإسلام يكفي النطق المقصود من نطق بالشهادتين حكم بإسلامه، ولو كان عنده بعض المعاصي، وأما الإيمان فهو العمل لابد من العمل، واحتج بالآية وهي ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ [فاطر:32]، فهنا كلهم عملوهم مؤمنون، كل هؤلاء سموهم مؤمنون لأنهم عملوا.
قال: " وَذَهَبَ غَيْرُهُ "، يعين لغير الزهري " إلَى أَنَّ الْإِسْلَامَ وَالْإِيمَانَ شَيْءٌ وَاحِدٌ" وهذا قول أهل السنة وعلى رأسهم البخاري والإمام محمد بن نصر المروزي كما نقل عنه المؤلف رحمه الله، في هذا الكتاب.
وسينقل عنه أيضًا ذهبوا إلى أن الإيمان والإسلام شيء واحد، وذهب إلى هذا الخوارج والمعتزلة أيضًا، فقالوا الإيمان والإسلام شيء واحد، فالإيمان هو الإسلام والإسلام هو الإيمان، واحتجوا بهذه الآية آية الذاريات، فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [الذاريات:35،36]، هذا بيت واحد وهو بيت لوط، وصفوا بالإسلام ووصفوا بالإيمان، فدل على أن الإيمان والإسلام شيء واحد، دل على أن الإيمان هو الإسلام والإسلام هو الإيمان، فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [الذاريات:35،36] هو بيت واحد وصف بالإيمان ووصف بالإسلام فدل على أنه شيء واحد.
أما جمهور أهل السنة فيقولون هذه الآية ليست دليل على أن الإيمان والإسلام شيء واحد، لأن البيان انطبقت عليه أوصاف المؤمنين وأوصاف المسلمين، وعملوا بالإسلام جميعًا، وكون هذا البيت ينطبق عليه من أوصاف المؤمنين وأوصاف المسلمين لا تدل على أن أوصاف كل شخص تنطبق عليه أوصاف المؤمنين وأوصاف المسلمين، فهؤلاء أهل البيت يتصفوا بالإيمان وبالإسلام، فلهذا وصفوا بهذا وبهذا.
قال الخطابي رحمه الله: " وَقَدْ تَكَلَّمَ رَجُلَانِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى قَوْلِ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ" يعني تكلم أهل العلم وصار كل واحد إلى قوم من هذه، صار واحد من القوم إن الإيمان والإسلام شيء واحد، وصار القول بأن الإسلام والإيمان يختلفان وأن الإيمان والإسلام هو العمل والإسلام هو العمل والإيمان خاص منه، ومن أدى الواجبات وترك المحرمات أطلق عليه الإيمان، ومن قصر في بعض الواجبات أطلق عليه الإسلام ولا يطلق عليه الإيمان.
قال الخطابي: " وَقَدْ تَكَلَّمَ رَجُلَانِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى قَوْلِ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ" ذكر المؤلف رحمه الله أن الذين أشار إليهم الخطابي أحدهم محمد بن نصر المروزي، هو الذي ذهب إلى القول بأن الإسلام والإيمان شيء واحد، قال بسط هذا قال: بسطه في كتاب، وكذا البخاري، رحمه الله في كتابة الجامع الصحيح، ذهب إلى أن إسلام والإيمان شيء واحد.
أما جمهور أهل السنة فذهبوا على أن الذي قرره المؤلف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فإنهم يعتقدون أن الإسلام والإيمان يختلف مسماها بالإطلاق والاقتران، فإذا أطلق الإسلام وحده أطلق فيه الأعمال الظاهرة والأعمال الباطنة، وإذا أطلق الإيمان وحده أدخل فيه الأعمال الظاهرة والباطنة، وإذا اجتمعا الإسلام والإيمان فسر الإسلام بالأعمال الظاهرة، والإيمان بالأعمال الباطنة كما في حديث جبريل، فإنه لما سأل النبي ﷺ عن الإسلام فسر بالأعمال، الصوم والصلاة والزكاة والحج، ولما سأل عن الإيمان فسر بالأعمال الباطنة، قال: الأيمان بالله وكتبه ورسله واليوم الأخر وتؤمن بالقدر خيرة وشره.
وقال الخطابي رحمه الله: وَقَدْ تَكَلَّمَ رَجُلَانِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى قَوْلِ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ وَرَدَّ الْآخَرُ مِنْهُمَا عَلَى الْمُتَقَدِّمِ وَصَنَّفَ عَلَيْهِ كِتَابًا يَبْلُغُ عَدَدَ أَوْرَاقِهِ الْمِائَتَيْنِ.
قَالَ الخطابي: وَالصَّحِيحُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُقَيَّدَ الْكَلَامُ فِي هَذَا وَلَا يُطْلَقَ؛" وهذا كلام ذكره الخطابي في كتابة معالم السنن ولا يطلق على أحد الوجهين، الوصف الصحيح من ذلك أن يقيد بهذا ولا يطلق، يعني لا بد من التقييد، "وَذَلِكَ أَنَّ الْمُسْلِمَ قَدْ يَكُونُ مُؤْمِنًا فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ وَلَا يَكُونُ مُؤْمِنًا فِي بَعْضِهَا" متى يكون مؤمن في بعض الأحوال؟ إذا أدى الواجب وترك المحرمات سمى مؤمن بإطلاق، ولا يكون مؤمن في بعضاه لكان مقصر في بعض الواجبات أو فعل بعض المحرمات، ولكن يسمى مسلم، وإذا أطلق عليه الإيمان فلابد من القيد، في النفي أو في الإثبات، كما سبق، فيقال في الإثبات مؤمن ناقص الإيمان، مؤمن ضعيف الإيمان، مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته.
وكذلك في النفي فلا ينفى عنه الإيمان فلا يقال ليس بمؤمن، فينفى عنها الإيمان ولكن يقال ليس بمؤمن حقًا، لا يصادق الإيمان، لأن لو أطلقت عليه وقلت مؤمن العاصي، وافقت الخوارج، هذا قول المرجئة الذين يقولون الأعمال، ليست داخل الإيمان، وإذا نفيت عنه وقلت ليس بمؤمن، وافقت الخوارج، الذين يكفرون كل عاصي، فلابد الخروج من هذين المذهبين للتقييد، فتقيد في الإثبات وفي النفي.
في الإثبات فتقول مؤمن أي مؤمن ناقص الإيمان، مؤمن ضعيف الإيمان، مؤمن فاسق بكبيرته، وفي النفي لا تقول ليس بمؤمن وتسكت قل ليس بمؤمن حقًا، المؤمن الحق من أدى الواجبات كما قال الله تعالى في سورة الأنفال، إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا [الأنفال:2-4]، وصفهم الله بأنهم هم المؤمنون حقًا.
ولهذا قال المؤلف رحمه الله نقل عن الخطابي: " وَذَلِكَ أَنَّ الْمُسْلِمَ قَدْ يَكُونُ مُؤْمِنًا فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ وَلَا يَكُونُ مُؤْمِنًا فِي بَعْضِهَا وَالْمُؤْمِنُ مُسْلِمٌ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ" يسمى مسلم ولو كان عاصي، "فَكُلُّ مُؤْمِنٍ مُسْلِمٌ" قال: لأن المؤمن هو الذي أدى الواجبات وترك المحرمات، فيقال المؤمن ومسلم، "وَلَيْسَ كُلُّ مُسْلِمٍ مُؤْمِنًا" بل إن كان أدى الواجبات وترك المحرمات سم مؤمن وإن كان قصر في بعض الواجبات، أو فعل بعض المحرمات فلا يسمى مؤمن، لذلك قال: ليس كل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمن، وإذا حملت الأمر على هذا 38:33 الآيات، واعتد القول فيها ولا اختلف شيء منها، يعني إذا عملت بذلك تكون عملت بالنصوص، وجمعت بين النصوص وعملت بالنصوص من الجانبين.
قال المؤلف:" قُلْت ": الرَّجُلَانِ اللَّذَانِ أَشَارَ إلَيْهِمَا الخطابي أَظُنُّ أَحَدَهُمَا - وَهُوَ السَّابِقُ - مُحَمَّدَ بْنَ نَصْرٍ فَإِنَّهُ الَّذِي عَلَّمْته بَسْطَ الْكَلَامِ فِي أَنَّ الْإِسْلَامَ وَالْإِيمَانَ شَيْءٌ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ وَمَا عَلِمْت لِغَيْرِهِ قَبْلَهُ بَسْطًا فِي هَذَا." يعني هو الذي أطال في هذا في كتابة قدر الصلاة وكذلك البخاري، "وَالْآخَرُ الَّذِي رَدَّ عَلَيْهِ أَظُنُّهُ..." أظن سقط هنا "لَكِنْ لَمْ أَقِفْ عَلَى رَدِّهِ؛ وَاَلَّذِي اخْتَارَهُ الخطابي هُوَ قَوْلُ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا" يعني الذي اختاره الخطابي هو الذي فرق بين الإيمان والإسلام، هذا هو الصواب، قول هو من فرق بينهما هو قول جمع من العلماء والأئمة، كَأَبِي جَعْفَرٍ وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِ؛".
ولهذا كان عامة أهل السنة على الذي قاله هؤلاء كما ذكره الخطابي، يعني عامة أهل السنة وجمهور أهل السنة على التفريق بين الإسلام والإيمان، هذا هو الصواب.
" وَكَذَلِكَ ذَكَرَ أَبُو الْقَاسِمِ التيمي الأصبهاني وَابْنُهُ مُحَمَّدٌ شَارِحُ " مُسْلِمٍ " وَغَيْرُهُمَا أَنَّ الْمُخْتَارَ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ" التفريق يعني بين الإسلام والإيمان، " أَنَّ الْمُخْتَارَ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّهُ لَا يُطْلَقُ عَلَى السَّارِقِ وَالزَّانِي اسْمُ مُؤْمِنٍ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ النَّصُّ وَقَدْ ذَكَرَ الخطابي: فِي "شَرْحِ الْبُخَارِيِّ" لا يطلق من القيد كما ذكر، وقد ذكر الخطابي باسم البخاري كَلَامًا يَقْتَضِي تَلَازُمَهُمَا مَعَ افْتِرَاقِ اسْمَيْهِمَا." يعني يتلازمان، الإسلام لابد فيه من الإيمان والإيمان لابد فيه من الإسلام مع افتراق الاثنين كما سبق.
المتن:
وَذَكَرَهُ البغوي فِي " شَرْحِ السُّنَّةِ " فَقَالَ: قَدْ جَعَلَ النَّبِيُّ ﷺ الْإِسْلَامَ اسْمًا لِمَا ظَهَرَ مِنْ الْأَعْمَالِ وَجَعَلَ الْإِيمَانَ اسْمًا لِمَا بَطَنَ مِنْ الِاعْتِقَادِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ لَيْسَتْ مِنْ الْإِيمَانِ والتَّصْدِيقِ بِالْقَلْبِ لَيْسَ مِنْ الْإِسْلَامِ بَلْ ذَلِكَ تَفْصِيلُ الْجُمْلَةِ هِيَ كُلُّهَا شَيْءٌ وَاحِدٍ وَجِمَاعُهَا الدِّينُ وَلِذَلِكَ قَالَ ﷺ هَذَا جِبْرِيلُ جَاءَكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ ([5]) وَالتَّصْدِيقُ وَالْعَمَلُ يَتَنَاوَلُهُمَا اسْمُ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ جَمِيعًا؛ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ [آل عمران:19] وقَوْله تَعَالَى وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا [المائدة:3] وَقَوْلُهُ: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ [آل عمران:85] فَبَيَّنَ أَنَّ الدِّينَ الَّذِي رَضِيَهُ وَيَقْبَلُهُ مِنْ عِبَادِهِ هُوَ الْإِسْلَامُ وَلَا يَكُونُ الدِّينُ فِي مَحَلِّ الرِّضَى وَالْقَبُولِ إلَّا بِانْضِمَامِ التَّصْدِيقِ إلَى الْعَمَلِ.
"قُلْت": تَفْرِيقُ النَّبِيِّ ﷺ فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ وَإِنْ اقْتَضَى أَنَّ الْأَعْلَى هُوَ الْإِحْسَانُ وَالْإِحْسَانُ يَتَضَمَّنُ الْإِيمَانَ وَالْإِيمَانُ يَتَضَمَّنُ الْإِسْلَامَ فَلَا يَدُلُّ عَلَى الْعَكْسِ وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ دَلَّ عَلَى التَّلَازُمِ فَهُوَ صَرِيحٌ بِأَنَّ مُسَمَّى هَذَا لَيْسَ مُسَمَّى هَذَا لَكِنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ الدَّلَالَةَ تَخْتَلِفُ بِالتَّجْرِيدِ وَالِاقْتِرَانِ كَمَا قَدْ بَيَّنَّاهُ وَمَنْ فَهِمَ هَذَا انْحَلَّتْ عَنْهُ إشْكَالَاتٌ كَثِيرَةٌ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ حَادَّ عَنْهَا طَوَائِفُ - " مَسْأَلَةُ الْإِيمَانِ " وَغَيْرِهَا - وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الدِّينَ لَا يَكُونُ فِي مَحَلِّ الرِّضَى وَالْقَبُولِ إلَّا بِانْضِمَامِ التَّصْدِيقِ إلَى الْعَمَلِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مَعَ الْعَمَلِ مِنْ الْإِيمَانِ؛ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْإِيمَانِ مُطْلَقًا لَكِنْ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ الَّذِي هُوَ الدِّينُ لَيْسَ اسْمُهُ إسْلَامًا وَإِذَا كَانَ الْإِيمَانُ شَرْطًا فِي قَبُولِهِ لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ مُلَازِمًا لَهُ؛ وَلَوْ كَانَ مُلَازِمًا لَهُ لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ جُزْءَ مُسَمَّاهُ.
الشرح:
المؤلف رحمه الله نقل عن البغوي في شرح السنة، مسمى الإسلام ومسمى الإيمان والمؤلف في هذا يبين عامة أهل السنة يرون التفريق بين الإسلام والإيمان، وأن الإسلام اسم للأعمال الظاهرة وأن الإيمان اسم للأعمال الباطنة عند الإجماع، وأما عند الافتراق فإن يدخل أحدهما في الأخر.
قال المؤلف رحمه الله: "وَذَكَرَهُ البغوي فِي " شَرْحِ السُّنَّةِ " فَقَالَ: قَدْ جَعَلَ النَّبِيُّ ﷺ الْإِسْلَامَ اسْمًا لِمَا ظَهَرَ مِنْ الْأَعْمَالِ" مثل الصلاة والصيام و الزكاة والحج، " وَجَعَلَ الْإِيمَانَ اسْمًا لِمَا بَطَنَ مِنْ الِاعْتِقَادِ" كالإيمان بالله وكتبه ورسله، "وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ لَيْسَتْ مِنْ الْإِيمَانِ أَوْ التَّصْدِيقِ بِالْقَلْبِ لَيْسَ مِنْ الْإِسْلَامِ بَلْ ذَلِكَ تَفْصِيلُ الْجُمْلَةِ هِيَ كُلُّهَا شَيْءٌ وَاحِدٍ وَجِمَاعُهَا الدِّينُ" يقول النبي ﷺ عندما فسر حديث جبريل فسر الإسلام بالأعمال الظاهرة، وفسر الإيمان بالأعمال الباطنة، فليس معنى ذلك أن الأعمال لا يطلب فيها الإيمان والتصديق، لا يلزم من التصديق والإيمان وكذلك التصديق لا يلزم منه العمل، لأ، بل الأعمال لابد لها من تصديق والتصديق الباطن لابد لهم عمل يتحقق به، ولكن يقول المؤلف رحمه الله: " بَلْ ذَلِكَ تَفْصِيلُ الْجُمْلَةِ هِيَ كُلُّهَا شَيْءٌ وَاحِدٍ وَجِمَاعُهَا الدِّينُ" فصل لأن الدين يأتي على مراتب، الإسلام ثم الإيمان ثم الإحسان ثم قال في آخر الحديث هَذَا جِبْرِيلُ جَاءَكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ ([6]) "وَلِذَلِكَ قَالَ ﷺ هَذَا جِبْرِيلُ جَاءَكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ ([7]) وَالتَّصْدِيقُ وَالْعَمَلُ يَتَنَاوَلُهُمَا اسْمُ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ جَمِيعًا؛" فالتصديق لابد له من عمل والعمل لابد له من تصديق ولهذا فسر الإيمان والإسلام، الإيمان في الحديث الصحيح، قال: الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً([8]) 44:50 فسر الإيمان بالشهادتين، والصلاة والزكاة والصوم، وأداء الخمس.
ولهذا قال المؤلف رحمه الله: " وَالتَّصْدِيقُ وَالْعَمَلُ يَتَنَاوَلُهُمَا اسْمُ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ جَمِيعًا؛ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى:إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ [آل عمران:19]، فالدين هو الإسلام والإسلام هو الأعمال الظاهرة، "وقَوْله تَعَالَى وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا [المائدة:3] والدين هو الأعمال الظاهرة والباطنة، وَقَوْلُهُ: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ [آل عمران:85]، فَبَيَّنَ أَنَّ الدِّينَ الَّذِي رَضِيَهُ وَيَقْبَلُهُ مِنْ عِبَادِهِ هُوَ الْإِسْلَامُ" وهو يشمل الأعمال الظاهرة والباطنة.
قال: "وَلَا يَكُونُ الدِّينُ فِي مَحَلِّ الرِّضَى وَالْقَبُولِ إلَّا بِانْضِمَامِ التَّصْدِيقِ إلَى الْعَمَلِ." فالدين الذي رضيه الله هو الإسلام الذي رضيه الله وأحبه وقبله من عبادة لابد فيه من تصديق وعمل.
ثم علق المؤلف رحمه الله مما قاله البغوي، شيخ الإسلام رحمه الله: قال: " "قُلْت": تَفْرِيقُ النَّبِيِّ ﷺ فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ وَإِنْ اقْتَضَى أَنَّ الْأَعْلَى هُوَ الْإِحْسَانُ وَالْإِحْسَانُ يَتَضَمَّنُ الْإِيمَانَ وَالْإِيمَانُ يَتَضَمَّنُ الْإِسْلَامَ فَلَا يَدُلُّ عَلَى الْعَكْسِ" يعني الأعلى من وصل لدرجة الإحسان، معناه يوصف بالإيمان ويوصف بالإسلام، ومن وصل إلى رتبه الإيمان، يوصف بالإيمان والإسلام، قال: ولا ينعكس" ما ينعكس من كان في مرتبة الإسلام لا يطلق عليه الإيمان، لأنه قد يكون عاصي، وكذلك من يصل إلى رتبه الإيمان لا يطلق عليه أسم الإحسان إلا إذا كان مراقبًا لله في عبادته.
ولهذا قال المؤلف رحمه الله: " فلا يدل على العكس، وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ دَلَّ عَلَى التَّلَازُمِ فَهُوَ صَرِيحٌ بِأَنَّ مُسَمَّى هَذَا لَيْسَ مُسَمَّى هَذَا" لو قدر بأن بينهما تلازم فهو صريح بأن مسمى هذا ليس مسمى هذا، مسمى الإسلام الأعمال، ومسمى الإيمان الأعمال الباطنة، ومسمى الإحسان المراقبة، يعني أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ.
ثم قال المؤلف رحمه الله: "لَكِنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ الدَّلَالَةَ تَخْتَلِفُ بِالتَّجْرِيدِ وَالِاقْتِرَانِ كَمَا قَدْ بَيَّنَّاهُ" يعني التحقيق في مسمى الإسلام ومسمى الإيمان تختلف دلالته بالتجريد والاقتران، إذا تجرد أحدهما، كالأيمان والإسلام، والدين يشمل الأعمال الظاهرة والباطنة، الإسلام، وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا [المائدة:3] يشمل الأعمال الظاهرة الباطنة، الإيمان بضع وسبعون شعبة، يشمل الأعمال الظاهرة والباطنة، أما إذا اقترنا فإن لكن واحد منهما المعنى فالإسلام الأعمال الظاهرة والإيمان الأعمال الباطنة.
وهذا ليس خاصًا بهذين اللفظين، بل كانت ألفاظ كثيرة ومسميات كثيرة تختلف دلالتها كالفقير والمسكين، فإذا أطلق الفقير، دخل فيه المسكين، وإذا دخل فيه المسكين دخل فيه الفقير، وإذا اجتمعا فسر الفقير بأنه أشد حاجة، وهو الذي يجد أقل من نص الكفاية، والمسكين هو الذي ينص الكفاية، ولهذا هو الذي بدأ الله به، في قوله: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ [التوبة:60].
وكذلك الربوبية والإلوهية، إذا أطلقت الربوبية دخل فيها الإلوهية، وإذا أطلقت الإلوهية دخلت فيها الربوبية، وإذا أجتمع فسرت الربوبية بأفعال الرب، والإلوهية بتوحيد الله بأفعال العباد، فهذا ليس خاصًا بمسمى الإسلام والإيمان، بل هناك ألفاظ دلت عليها النصوص أنها تختلف دلالتها بالتجرد والاقتران.
ولهذا قال المؤلف رحمه الله:" لَكِنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ الدَّلَالَةَ تَخْتَلِفُ بِالتَّجْرِيدِ وَالِاقْتِرَانِ كَمَا قَدْ بَيَّنَّاهُ وَمَنْ فَهِمَ هَذَا انْحَلَّتْ عَنْهُ إشْكَالَاتٌ كَثِيرَةٌ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ حَادَّ عَنْهَا طَوَائِفُ - " مَسْأَلَةُ الْإِيمَانِ " وَغَيْرِهَا" من فهم هذا وأن الدلالة تختلف بالتجرد والاقتران، فهم إشكالات غلط فيها كثيرًا من الناس.
قال المؤلف رحمه الله: "وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الدِّينَ لَا يَكُونُ فِي مَحَلِّ الرِّضَى وَالْقَبُولِ إلَّا بِانْضِمَامِ التَّصْدِيقِ إلَى الْعَمَلِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مَعَ الْعَمَلِ مِنْ الْإِيمَانِ؛ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْإِيمَانِ مُطْلَقًا" صحيح ما يدل على أنه تصديق لا بد مع العمل مع الإيمان، العمل لابد له من إيمان يصححه، والإيمان والتصديق الباطن لابد أن يتحقق به، فهذا يدل على وجوب الإيمان مطلقًا، وأنه يجب الإيمان على كل أحد، من لم يؤمن في الباطن فلا يصح إسلامه ولهذا كان المنافقون في الدرك الأسفل من النار.
قال المؤلف: " لَكِنْ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ الَّذِي هُوَ الدِّينُ لَيْسَ اسْمُهُ إسْلَامًا وَإِذَا كَانَ الْإِيمَانُ شَرْطًا فِي قَبُولِهِ لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ مُلَازِمًا لَهُ؛ وَلَوْ كَانَ مُلَازِمًا لَهُ لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ جُزْءَ مُسَمَّاهُ." لأن الأداة تختلف بالتجرد والاقتران.
القارئ: أحسن الله أليكم فضيلة الشيخ، درجة الإحسان فضيلة الشيخ، هي من الدرجات التي عند حديثكم حقيقة تهفوا النفس إليها ونرجو الله أن نكون من المحسنين، ومن السابقين إلى الخيرات، لعلكم تتحدثون كيف يكون المؤمن محسن وكيف يكون سابقًا إلى الخيرات.
الشيخ: المحسن بين النبي ﷺ الإحسان لما سأله جبرائيل عن الإسلام ثم عن الإيمان ثم عن الإحسان بين فسر الإسلام بالأعمال الظاهرة، ثم فسر الإيمان بالأعمال الباطنة، ثم فسر الإحسان بالعبادة على المراقبة، الإحسان له مرتبتان، قال: الإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ، أن تعبد الله على أنك تراه له مرتبتان:
المرتبة الأولى وهي العليا أن تعبد الله كأنك تراه، تعبد اللهعلى المشاهدة، تعبده في صلاتك في صومك في حجك، في برك للوالدين، في صلتك للرحم، في أمرك بالمعروف في نهيك عن المنكر في دعوتك إلى الله، في صدقتك على الفقراء والمساكين، تعبد الله كأنك تراه، كأنك ترى ربك وتشاهد ربك.
فإن ضعفت عن هذه المرتبة، فإنك تعبد الله على المرتبة الثانية فإن لم تكن تراه فإنه يراه، هذه المرتبة الثانية.
المرتبة الأولى تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، تعبد الله العبادة معروفة، العبادة هو اسم جامع إلى كل ما يحبه الله ويرضاه، من الأقوال للأعمال الباطنة والظاهرة، أعمال القلوب وأعمال الجوارح، كما سبق المثال، تعبد الله في صلاتك كأنك ترى الله، فإن ضعفت عن هذه المرتبة فأنت في المرتبة الثانية تعبد الله كأنه يراك، هؤلاء هم المحسنون، هؤلاء هم السابقون في الخيرات، الذين تجاوزوا مرتبة الإيمان والإسلام ثم مرتبة الإيمان.
ثم مرتبة الإحسان، يعني هؤلاء أدوا الواجبات وتركوا المحرمات، وفعلوا المستحبات والنوافل وعبدوا الله على المراقبة، كأن يعبدوا الإنسان ربه كأنه يراه، فإن لم يكن يراه وضعف عن هذه المرتبة، عبد الله كأنه يراه، جعلنا الله وإياكم من المحسنين.
نسأل الله أن يثبتنا وإياكم على دينه القويم، إنه ولي ذلك وقادر عليه وصلى الله وسلم على عبده ورسوله وعلى آله والتابعين .
المتن:
"وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ: قَوْلُهُ ﷺ الْإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ إلَى آخِرِهِ؛ وَالْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ إلَى آخِرِهِ. قَالَ: هَذَا بَيَانٌ لِأَصْلِ الْإِيمَانِ وَهُوَ التَّصْدِيقُ الْبَاطِنُ وَبَيَانٌ لِأَصْلِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ الِاسْتِسْلَامُ وَالِانْقِيَادُ الظَّاهِرُ وَحُكْمُ الْإِسْلَامِ فِي الظَّاهِرِ يَثْبُتُ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَإِنَّمَا أَضَافَ إلَيْهِمَا الْأَرْبَعَ لِكَوْنِهَا أَظْهَرَ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ وَمُعْظَمَهَا وَبِقِيَامِهِ بِهَا يَتِمُّ اسْتِسْلَامُهُ وَتَرْكُهُ لَهَا يُشْعِرُ بِحَلِّ قَيْدِ انْقِيَادِهِ أَوْ انْحِلَالِهِ. ثُمَّ إنَّ اسْمَ الْإِيمَانِ يَتَنَاوَلُ مَا فُسِّرَ بِهِ الْإِسْلَامُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَسَائِرُ الطَّاعَاتِ لِكَوْنِهَا ثَمَرَاتِ التَّصْدِيقِ الْبَاطِنِ الَّذِي هُوَ أَصْلُ الْإِيمَانِ،مُقَوِّمَاتٌ وَمُتَمِّمَاتٌ وَحَافِظَاتٌ لَهُ وَلِهَذَا فَسَّرَ النَّبِيُّ ﷺ الْإِيمَانَ فِي حَدِيثِ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَإِعْطَاءِ الْخُمُسِ مِنْ الْمَغْنَمِ([9]).
وَلِهَذَا لَا يَقَعُ اسْمُ الْمُؤْمِنِ الْمُطْلَقِ عَلَى مَنْ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً أَوْ تَرَكَ فَرِيضَةً لِأَنَّ اسْمَ الشَّيْءِ الْكَامِلِ يَقَعُ عَلَى الْكَامِلِ مِنْهُ وَلَا يُسْتَعْمَلُ فِي النَّاقِصِ ظَاهِرًا إلَّا بِقَيْدِ وَلِذَلِكَ جَازَ إطْلَاقُ نَفْيِهِ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ ﷺ لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ ([10]).
وَاسْمُ " الْإِسْلَامِ " يَتَنَاوَلُ أَيْضًا مَا هُوَ " أَصْلُ الْإِيمَانِ " وَهُوَ التَّصْدِيقُ وَيَتَنَاوَلُ " أَصْلَ الطَّاعَاتِ " فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ اسْتِسْلَامٌ قَالَ: فَخَرَجَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ وَحَقَّقْنَاهُ أَنَّ الْإِسْلَامَ وَالْإِيمَانَ يَجْتَمِعَانِ وَيَفْتَرِقَانِ؛ وَأَنَّ كُلَّ مُؤْمِنٍ مُسْلِمٌ وَلَيْسَ كُلُّ مُسْلِمٍ مُؤْمِنًا.
قَالَ: فَهَذَا تَحْقِيقٌ وَافٍ بِالتَّوْفِيقِ بَيْنَ مُتَفَرِّقَاتِ النُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِي الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ الَّتِي طَالَمَا غَلِطَ فِيهَا الْخَائِضُونَ.
وَمَا حَقَّقْنَاهُ مِنْ ذَلِكَ مُوَافِقٌ لِمَذَاهِبِ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِمْ.
الشرح
فإن المؤلف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بين فيما سبق أصلًا جامعًا تنبين عليه معرفه النصوص، ورد ما تنازع فيه الناس إلى الكتاب والسنة، وذلك أن مسميات تأتي أحيانًا مطلقة، وتأتي أحيانًا مقيدة بقيود، وهذا هو سبب اشتباه المعنى على بعض الناس، وذلك أن مسمى الإيمان ومسمى الإسلام ومسمى الدين ومسمى التقوى ومسمى الهدى، هذه تأتي أحيانًا مطلقة وتأتي مقيدة بقيد أخر، فيكون لها معنى عند الإطلاق ويكون لها معنى عند التقييد.
فمثلًا اسم الإيمان لو أطلق فإنه يشمل الأعمال الباطنة والأعمال الظاهرة، وكذلك أسم الإسلام وكذلك أسم الهدى وكذلك اسم البر وكذلك اسم التقوى وإذا قيد كان له معنى آخر، إذا قرن الإسلام بالإيمان صار الإسلام الأعمال الظاهرة، مسمى الإيمان الأعمال الباطنة، وكذلك اسم الدين واسم الإسلام إذا أطلق شمل الأمرين، وكذلك اسم التقوى، وإذا قورن البر بالتقوى، صار مسمى البر بالأوامر ومسمى التقوى ترك النواهي، ولذلك من عرف هذا الأصل وأجمع بين النصوص فإنه لا يحصل له اشتباه، أما من لم يعرف من لم يجمع بين النصوص ولم يعرف الأصل الجامع التي تنبين عليه النصوص فإنه يستجمع عليه الأمر.
والمؤلف رحمه الله بين هذا في مواضع ونقل عن العلماء ما قالوه في هذه المسميات وتعقبهم عليها، ومن ذلك ما نقل هنا عن بن الصلاح في مسمى الإيمان والإسلام.
فقال: "وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ: قَوْلُهُ ﷺ الْإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ([11]) إلَى آخِرِهِ؛ يعني أخر حديث جبرائيل، الإِسْلامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَتُقِيمَ الصَّلاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ، وَالْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ... إلَى آخِرِهِ. وَالْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْقَدَرِ كُلِّهِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ ([12])، قَالَ: هَذَا بَيَانٌ لِأَصْلِ الْإِيمَانِ وَهُوَ التَّصْدِيقُ الْبَاطِنُ وَبَيَانٌ لِأَصْلِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ الِاسْتِسْلَامُ وَالِانْقِيَادُ الظَّاهِرُ"، يعني أبو عمر بن الصلاح يقول إن حديث جبريل فيه بيان لأصل الإيمان، وفيه بيان لأصل الإسلام، فأصل الإيمان ما ذكر من الأمور الباطنة، وأصل الإسلام ما ذكر من الأعمال الظاهرة، فقال: "وَحُكْمُ الْإِسْلَامِ فِي الظَّاهِرِ يَثْبُتُ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَإِنَّمَا أَضَافَ إلَيْهِمَا الْأَرْبَعَ" الأربع المراد بهما الصلاة والزكاة والصوم والحج، "لِكَوْنِهَا أَظْهَرَ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ وَمُعْظَمَهَا وَبِقِيَامِهِ بِهَا يَتِمُّ اسْتِسْلَامُهُ وَتَرْكُهُ لَهَا يُشْعِرُ بِحَلِّ قَيْدِ انْقِيَادِهِ أَوْ انْحِلَالِهِ." هذا ما قرره أبو عمر بن الصلاح أن اسلامه ثبت بالشهادتين وأضاف إليه الأربع فأظهر شعائر الإسلام.
وسيتعقبه المؤلف رحمه الله قال: " ثُمَّ إنَّ اسْمَ الْإِيمَانِ يَتَنَاوَلُ مَا فُسِّرَ بِهِ الْإِسْلَامُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ" يعني حديث جبريل، "وَسَائِرُ الطَّاعَاتِ لِكَوْنِهَا ثَمَرَاتِ التَّصْدِيقِ الْبَاطِنِ الَّذِي هُوَ أَصْلُ الْإِيمَانِ مُقَوِّمَاتٌ وَمُتَمِّمَاتٌ".
ذكر المحقق أن في شرح النووي ومقويات الذي هو أصل الإيمان مقويات ومتممات وَحَافِظَاتٌ لَهُ وَلِهَذَا فَسَّرَ النَّبِيُّ ﷺ الْإِيمَانَ فِي حَدِيثِ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَإِعْطَاءِ الْخُمُسِ مِنْ الْمَغْنَمِ([13]) .
يقول الشيخ بن الصلاح، أن اسم الإيمان يتناول الأعمال الباطنة والأعمال الظاهرة، ويتناول أيضًا سائر الطاعات لكونها ثمرات للتصديق الباطن الذي هو أصل الإيمان، ومقويات ومتممات.
قال: ولهذا فسر النبي ﷺ الإيمان يعني في حديث عبد القيس فسرها يعني بالأعمال، فسر بالشهادتين والصلاة والزكاة والصوم وإعطاء الخمس من المغنم لما قال النبي ﷺ: آمُرُكُمْ بِالإِيمَانِ بِاللَّهِ وَحْدَهُ، أَتَدْرُونَ مَا الإِيمَانُ بِاللَّهِ وَحْدَهُ ؟ شَهَادَةُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامُ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَأَنْ تُعْطُوا مِنَ الْمَغَانِمِ الْخُمُسَ([14])
قال أبو عمر بن الصلاح([15]): "وَلِهَذَا لَا يَقَعُ اسْمُ الْمُؤْمِنِ الْمُطْلَقِ عَلَى مَنْ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً أَوْ تَرَكَ فَرِيضَةً لِأَنَّ اسْمَ الشَّيْءِ الْكَامِلِ يَقَعُ عَلَى الْكَامِلِ مِنْهُ" يقول الشارح في النووي لأن اسم الشيء المطلق، يقع على الكامل منه، وهذا أولى، " لِأَنَّ اسْمَ الشَّيْءِ الْكَامِلِ يَقَعُ عَلَى الْكَامِلِ مِنْهُ وَلَا يُسْتَعْمَلُ فِي النَّاقِصِ ظَاهِرًا إلَّا بِقَيْدِ وَلِذَلِكَ جَازَ إطْلَاقُ نَفْيِهِ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ ﷺ لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ ([16]).
وَاسْمُ " الْإِسْلَامِ " يَتَنَاوَلُ أَيْضًا مَا هُوَ " أَصْلُ الْإِيمَانِ " وَهُوَ التَّصْدِيقُ وَيَتَنَاوَلُ " أَصْلَ الطَّاعَاتِ " فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ اسْتِسْلَامٌ".
قَالَ أبو عمر بن الصلاح: فَخَرَجَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ وَحَقَّقْنَاهُ أَنَّ الْإِسْلَامَ وَالْإِيمَانَ يَجْتَمِعَانِ وَيَفْتَرِقَانِ؛ وَأَنَّ كُلَّ مُؤْمِنٍ مُسْلِمٌ وَلَيْسَ كُلُّ مُسْلِمٍ مُؤْمِنًا، وهذا التحقيق الذي ذكره أبو عمر بن الصلاح هذا هو الصواب في جملة.
والمؤلف رحمه الله يتعقبه بما يؤيده في كثير مما أقره هنا، قَالَ: فَهَذَا تَحْقِيقٌ وَافٍ بِالتَّوْفِيقِ بَيْنَ مُتَفَرِّقَاتِ النُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِي الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ، يعني قال في التحقيق الذي يكره، الَّتِي طَالَمَا غَلِطَ فِيهَا الْخَائِضُونَ؛ وَمَا حَقَّقْنَاهُ مِنْ ذَلِكَ مُوَافِقٌ لِمَذَاهِبِ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِمْ." وهذا يعني في الجملة ما ذكرها أبو عمر بن الصلاح، هو ما اقره العلماء وما اقره الأئمة.
وسيبين ذلك المؤلف رحمه الله وهو أنه الواجب على المسلم أن يجمع بين النصوص وألا يأتي ببعض النصوص ويترك البعض الأخر، بل لابد من الجمع بين النصوص، فالمطلق له معنى، والمقيد له معنى، فيبين معنى الاسم حين يرد مطلقًا، ويبين معناه حينما يرد مقيدًا، كما سيبين المؤلف رحمه الله.
المتن:
"فَيُقَالُ: هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيهِ مِنْ الْمُوَافَقَةِ لِمَا قَدْ بُيَّنَ مِنْ أَقْوَالِ الْأَئِمَّةِ: وَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ مَا يَظْهَرُ بِهِ أَنَّ الْجُمْهُورَ يَقُولُونَ: كُلُّ مُؤْمِنٍ مُسْلِمٌ وَلَيْسَ كُلُّ مُسْلِمٍ مُؤْمِنًا وَقَوْلُهُ: إنَّ الْحَدِيثَ ذَكَرَ فِيهِ أَصْلُ الْإِيمَانِ وَأَصْلُ الْإِسْلَامِ قَدْ يُورِدُ عَلَيْهِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَجَابَ عَنْ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ بِمَا هُوَ مِنْ جِنْسِ الْجَوَابِ بِالْحَدِّ عَنْ الْمَحْدُودِ؛ فَيَكُونُ مَا ذَكَرَهُ مُطَابِقًا لَهُمَا لَا لِأَصْلِهِمَا فَقَطْ ،فَالْإِيمَانُ هُوَ الْإِيمَانُ بِمَا ذَكَرَهُ بَاطِنًا وَظَاهِرًا؛ لَكِنْ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْإِيمَانِ تَضَمَّنَ الْإِسْلَامَ كَمَا أَنَّ الْإِحْسَانَ تَضَمَّنَ الْإِيمَانَ.
وَقَوْلُ الْقَائِلِ: أَصْلُ الِاسْتِسْلَامِ هُوَ الْإِسْلَامُ الظَّاهِرُ فَالْإِسْلَامُ هُوَ الِاسْتِسْلَامُ لِلَّهِ وَالِانْقِيَادُ لَهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فَهَذَا هُوَ دِينُ الْإِسْلَامِ الَّذِي ارْتَضَاهُ اللَّهُ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ نُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَمَنْ أَسْلَمَ بِظَاهِرِهِ دُونَ بَاطِنِهِ فَهُوَ مُنَافِقٌ يُقْبَلُ ظَاهِرُهُ فَإِنَّهُ لَمْ يُؤْمَرْ أَنْ يُشَقَّ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ.
وَأَيْضًا فَإِذَا كَانَ الْإِسْلَامُ يَتَنَاوَلُ التَّصْدِيقَ الْبَاطِنَ الَّذِي هُوَ أَصْلُ الْإِيمَانِ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ مُسْلِمٍ مُؤْمِنًا وَهُوَ خِلَافُ مَا نُقِلَ عَنْ الْجُمْهُورِ وَلَكِنْ لَا بُدَّ فِي الْإِسْلَامِ مِنْ تَصْدِيقٍ يَحْصُلُ بِهِ أَصْلُ الْإِيمَانِ وَإِلَّا لَمْ يُثَبْ عَلَيْهِ؛ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ مُسْلِمًا مُؤْمِنًا فَلَا بُدَّ أَنْ يَتَبَيَّنَ الْمُسْلِمُ الَّذِي لَيْسَ بِمُؤْمِنِ وَدُخُولُهُ فِي الْإِسْلَامِ وَالنَّبِيُّ ﷺ قَالَ: هَذَا جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ([17])
الشرح:
المؤلف رحمه الله تعقب الشيخ عمر بن الصلاح، وقال: إن الذي ذكره في مسمى الإسلام ومسمى الإيمان وجمع بينهما، هو موافق لما بينه الأئمة، وما قرروه وما نقل من أقوالهم وذلك أن الجمهور يقول: كل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمن.
ولهذا قال المؤلف رحمه الله: "فَيُقَالُ: هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيهِ مِنْ الْمُوَافَقَةِ لِمَا قَدْ بَيَّنَ مِنْ أَقْوَالِ الْأَئِمَّةِ: وَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ مَا يَظْهَرُ بِهِ أَنَّ الْجُمْهُورَ يَقُولُونَ: كُلُّ مُؤْمِنٍ مُسْلِمٌ وَلَيْسَ كُلُّ مُسْلِمٍ مُؤْمِنًا" وهذا هو عليه الأئمة الذي اقره الأئمة أن ليس كل مؤمن مسلم، عند الإطلاق وذلك أن المؤمن يطلق على كل من أدى الواجبات وترك المحرمات، فيكون مسلمًا، وليس كل مسلم مؤمن لأن الإسلام يطلق على العاقل، فمن قصر في بعض الواجبات أو ارتكب بعض المحرمات يسمى مسلما ولكن لا يسمى مؤمنا عند الإطلاق، فلهذا يقال كل مسلم مؤمن، كل مسلم فهو مؤمن، داخل في مسمى يقال كل مؤمن مسلم، لأن المؤمن بإطلاق هو الذي أدى الواجبات وترك المحرمات، وليس كل مسلم مؤمن، لأن المسلم قد يترك بعض الواجبات، وقد يفعل بعض المحرمات، فإذا ترك بعض الواجبات وفعل بعض المحرمات، يسمى مسلم ولا يسمى مؤمن بإطلاق، وإن كان الإسلام لابد له من إيمان يصححه، هذا لابد منه، الإسلام لابد له من إيمان يصححه، لكن الإيمان بإطلاق إنما يطلق على من أدى الواجبات ومن ترك المحرمات، وهم أصحاب اليمين المقتصدون، فأما الظالمون لأنفسهم والذين فعلوا بعض المحرمات، فإنهم يسمون مسلمين ولا يسمون مؤمنين بإطلاق.
ولهذا بين المؤلف أن الجمهور يقول: كل مؤمن مسلم، ولكن ليس كل مسلم مؤمن.
قال المؤلف رحمه الله: "وَقَوْلُهُ: إنَّ الْحَدِيثَ ذَكَرَ فِيهِ أَصْلُ الْإِيمَانِ وَأَصْلُ الْإِسْلَامِ قَدْ يُورِدُ عَلَيْهِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَجَابَ عَنْ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ بِمَا هُوَ مِنْ جِنْسِ الْجَوَابِ بِالْحَدِّ عَنْ الْمَحْدُودِ؛" يعني يرد على أبي عمر بن الصلاح في قوله أن الرسول عليه الصلاة والسلام في حديث جبريل ذكر أصل الإيمان وأصل الإسلام، يرد عليه أن النبي ﷺ في حد الإيمان وحد الإسلام، حد الإيمان هو الأعمال الباطنة، وحد الإسلام هو الأعمال الظاهرة، هذا عند الاجتماع والاقتران، أما إذا انفرد أحدهما، فإنه يدخل في مسمى الآخر.
ولهذا قال المؤلف رحمه الله:" قَدْ يُورِدُ عَلَيْهِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَجَابَ عَنْ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ بِمَا هُوَ مِنْ جِنْسِ الْجَوَابِ بِالْحَدِّ عَنْ الْمَحْدُودِ؛ فَيَكُونُ مَا ذَكَرَهُ مُطَابِقًا لَهُمَا لَا لِأَصْلِهِمَا فَقَطْ" يعني يكون ما ذكره جبرائيل في جوابه للنبي ﷺ عن الإسلام والإيمان مطابقًا للإسلام، مطابق لمسمى الإسلام ومطابقًا لمسمى الإيمان، لا للأصل فقط، كما ذكره أبو عمر بن الصلاح.
قال رحمه الله: " فَالْإِيمَانُ هُوَ الْإِيمَانُ بِمَا ذَكَرَهُ بَاطِنًا وَظَاهِرًا؛" يعني المؤمن هو المؤمن بالله وكتبه ورسله واليوم الأخر والقدر خيره وشره، باطنًا وظاهرًا.
قال: "لَكِنْ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْإِيمَانِ تَضَمَّنَ الْإِسْلَامَ " يعني المؤمن الذي آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والقدر خيره وشره الذي يسمى المؤمن بإطلاق لابد أن يؤدي الأعمال الظاهرة، وهي ما ذكر في حديث جبرائيل، من النطق بالشهادتين والصلاة والزكاة والصوم والحج، وإلا لا يسمى مؤمن بإطلاق.
"كَمَا أَنَّ الْإِحْسَانَ تَضَمَّنَ الْإِيمَانَ." كما أن المحسن الذي يعبد الله بالمراقبة والمشاهدة، لابد أن يكون مؤمن في الباطن، مؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ولابد أن يكون مسلم في الظاهر، بأن يؤدي الشهادتين والصلاة والزكاة والصوم والحج، يعني هذه مراتب الدين الثلاثة، من اتصف بالمرتبة العليا لابد أن يكون أتى بالمرتبة الوسطى والأولى، فالمحسن لابد أن يكون مؤمن مسلم، والمؤمن لابد أن يكون مسلم، والمسلم لا يجب أن يكون مؤمن ولا يجب أن يكون محسن.
ولهذا قال المؤلف رحمه الله: " وَقَوْلُ الْقَائِلِ: أَصْلُ الِاسْتِسْلَامِ هُوَ الْإِسْلَامُ الظَّاهِرُ فَالْإِسْلَامُ هُوَ الِاسْتِسْلَامُ لِلَّهِ وَالِانْقِيَادُ لَهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فَهَذَا هُوَ دِينُ الْإِسْلَامِ الَّذِي ارْتَضَاهُ اللَّهُ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ نُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ" نعم المسلم هو المستسلم بالله، والمنقاد له باطن وظاهر، طبعًا من انقاد لله باطنا وظاهرًا وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، وانقاد ظاهرًا أيضًا بأن أتى بالشهادتين والصلاة والزكاة والصوم والحج، فهذا مسلم باطن وظاهر. "َهذَا هُوَ دِينُ الْإِسْلَامِ الَّذِي ارْتَضَاهُ اللَّهُ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ نُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ".
ثم بين المؤلف رحمه الله من أتى بالإسلام من أعمال في الظاهر، دون الباطن، فقال: "وَمَنْ أَسْلَمَ بِظَاهِرِهِ دُونَ بَاطِنِهِ فَهُوَ مُنَافِقٌ" فمن أتى بالشهادتين والصلاة والزكاة والصوم والحج في الظاهر ولكنه ليس مؤمن في الباطن.
قال فهذا منافق، "يُقْبَلُ ظَاهِرُهُ" يعن تجرى عليه أحكام الإسلام في الظاهر، وأما في الآخرة فهو في الدرك الأسفل من النار والعياذ بالله.
ولهذا قال المؤلف رحمه الله: "فَإِنَّهُ لَمْ يُؤْمَرْ أَنْ يُشَقَّ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ." يشير إلى حديث النبي ﷺ أنه قال: إِنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ وَلاَ أَشُقَّ بُطُونَهُمْ ([18])، المعنى أن الإسلام تجرى على من أجرى أحكام الإسلام، فتجرى أحكام الإسلام على المنافقين، كما كان النبي ﷺ يجريها على عبدالله ابن أبي وغيره، ما دام أنهم لم يظهروا شيء مما اعتقدوه في الباطن، فتجرى عليهم أحكام الإسلام في الظاهر.
ولهذا فإن النبي ﷺ لما توفي عبد الله بن أبي ودلي في حفرته، استخرجه ونفس فيه من ريقه وأعطاه قميصه، كفنه وصلى عليه، قبل أن ينهى عن ذلك، ولما أخذ عمر بثوبه وقال: تصلي عليه، منافق قال: كذا وكذا، قال النبي ﷺ: أَخِّرْ عَنِّي يَا عُمَرُ، إِنِّي خُيِّرْتُ، قَدْ قِيلَ لِي: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ، لَوْ أَعْلَمُ أَنِّي إِنْ زِدْتُ عَلَى السَّبْعِينَ يُغْفَرُ لَهُ لَزِدْتُ عَلَيْهَا هذا رواه البخاري في الصحيح.
وهذا قبل أن ينهى النبي ﷺ ثم بعد ذلك في الآية وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ [التوبة:84]، فلم يصلي على منافق بعد ذلك.
فالمقصود أن الإسلام تجرى على من أظهر الإسلام ولو كان منافقًا في الباطن، ولكن إجراء أحكام الإسلام عليه لا تنفعه يوم القيامة إذا مات على ذلك، والذي مات على ذلك فهو في الدرك الأسفل من النار، فيكون له المنافقون لهم أحكام في الدنيا ولهم أحكام في الآخرة، وتجرى لهم أحكام في الدنيا لأنهم يعيشون بين مسلمين ويظهرون أحكام الإسلام، وأحكامهم في الآخرة في النار مع الكفرة، إذا درجة اليهود والنصارى، نعوذ بالله،
قال المؤلف رحمه الله: " وَأَيْضًا فَإِذَا كَانَ الْإِسْلَامُ يَتَنَاوَلُ التَّصْدِيقَ الْبَاطِنَ الَّذِي هُوَ أَصْلُ الْإِيمَانِ. فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ مُسْلِمٍ مُؤْمِنًا وَهُوَ خِلَافُ مَا نُقِلَ عَنْ الْجُمْهُورِ وَلَكِنْ لَا بُدَّ فِي الْإِسْلَامِ مِنْ تَصْدِيقٍ يَحْصُلُ بِهِ أَصْلُ الْإِيمَانِ وَإِلَّا لَمْ يُثَبْ عَلَيْهِ؛ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ مُسْلِمًا مُؤْمِنًا".
يقول المؤلف رحمه الله أيضًا إذا كان الإسلام يتناول تصديق الباطن الذي هو أصل الإيمان هذا لابد منه، لأن الإسلام لا يصح إلا بإيمان يصحح في الباطن، فإذا كان الإسلام يتناول التصديق الباطن الذي هو في الإيمان فيجب أن يكون كل مسلم مؤمن يعنى الإيمان الذي يصحه الإسلام، ولكنه ليس المراد به الإيمان الذي يطلق عليه ولذلك قال: وهذا خلاف ما أطلق عن الجمهور، فقوله: ليس كل مسلمًا مؤمنًا هذا خلاف قول الجمهور، هذا مما تعقب المؤلف رحمه الله ابن الصلاح.
قال: " وَلَكِنْ لَا بُدَّ فِي الْإِسْلَامِ مِنْ تَصْدِيقٍ يَحْصُلُ بِهِ أَصْلُ الْإِيمَانِ وَإِلَّا لَمْ يُثَبْ عَلَيْهِ؛" يعني الإسلام لابد له من الإيمان من الباطن وإلا صار كإسلام المنافقين، " فَيَكُونُ حِينَئِذٍ مُسْلِمًا مُؤْمِنًا فَلَا بُدَّ أَنْ يَتَبَيَّنَ الْمُسْلِمُ الَّذِي لَيْسَ بِمُؤْمِنِ وَدُخُولُهُ فِي الْإِسْلَامِ" يعني المسلم الذي ليس بمؤمن وهو منافق إنما دخوله في الإسلام أنما هو شبه واحد، قال: "وَالنَّبِيُّ ﷺ قَالَ: هَذَا جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ ([19])" والمعنى أنه سمى المراتب الثلاثة كلها دين الإيمان والإسلام والإحسان فدل على أن الدين ثلاث مراحل الإسلام والإيمان والإحسان، فمن وصل إلى المرتبة الثالثة وهي الإحسان، فلابد أن يكون مؤمن مسلم ومن اتصف بمرتبه الثانية وهي الإيمان لابد أن يكون مسلم، ومن أتصف بالمرتبة الأولى فلا يلزم أن يكون مؤمن بإطلاق ولا يلزم أن يكون محسن.
القارئ: ولكن لابد في الإسلام من تطبيق يحصل به أصل الإيمان، وإلا لم يثب عليه وإيمانه لم يثبت.
الشيخ: يعني لابد في الإسلام من تصحيح يثب عليه وإلا لن يكون إسلامًا يثاب عليه، وإلا لم يثاب عليه فيكون كالمنافقين، والمنافقون لا يثابون على إسلامهم، لم يثب عليه هذا أصله، لم يثب عليه فيكون حينئذ مسلمًا مؤمنًا يعني إيمانًا يصح إسلامه.
المتن:
الشرح:
المؤلف رحمه الله يعلق على قول ابن الصلاح أن الإسلام هو الأركان الخمسة، يقول لا يعني به من أداها بلا إخلاص لله بل مع النفاق، والمراد من فعلها من أمر بها باطنًا وظاهرًا، فقال الإسلام هو الأركان الخمس يعني الشهادتان، و الصلاة والزكاة والصوم والحج، يعني لا بد من الشرط لله لأن العبادة لا تصح إلا إذا توفر فيها الركنان وهما الإخلاص لله والمتابعة لرسول الله ﷺ، فيقول: كل من قال الإسلام هو الأركان الخمسة لا يعني به ما أداه إلى إخلاص لله قال : مع النفاق لأن الذي لا يؤديها لله لا يكون منافق، وليس المراد هذا بل المراد من فعلها كما أمر بها باطنًا وظاهرًا، يعني بإخلاص لله ومتابعة لرسول الله ﷺ.
قال: "وَذَكَرَ الْخَمْسَ أَنَّهَا هِيَ الْإِسْلَامُ" ذكرت أنها الإسلام، ليست المراد أن العبادات الأخرى لا تدخل في الإسلام بل المراد هي خصال الإسلام كثيرة منها أطعام الطعام ومنها إفشاء السلام ومنها بر الوالدين ومنها صله الأرحام ومنها الوفاء بالنذور، لكن هذه الأركان الخمسة خصصت لأنها سميت الإسلام لأنها هي العبادات المحضة يعني الخالصة التي تجب لله تعالى على كل عبد مطيق لها، تجب على كل أحد لأنها وجوبها عام ولأنها عبادة محضة بخلاف غيرها فإنها الوجوب يكون عامًا ولكن الوجوب على كل الناس كأن ينذر نذرًا وبر الوالدين لمن له والدين، ومن له والدين فيجب عليه وكذلك النذر يجب على من نذر ومن لم ينذر فلا، أما هذه الأمور الخمسة فهذه أولًا عبادات محضة لله، على كل عبد مدخلها، أو أنها عبادة محضة، يعني خالصة لله، ليست مقيدة بقيد بل هي واجبة على كل إنسان مطيع.
ثانيًا أن وجوبها عامًا على كل عبد مطيق، قال المؤلف وما سواها إما واجب على الكفاية لمصلحة إذا حصلت سقط الوجوب، مثل تغسيل الميت، تكفينه ودفنه والصلاة عليه.
وأما من حقوق الناس بعضهم ببعض مثل سداد الديون، ونحو ذلك، قال وتلك تابعة لهذه يعني ما عدا هذه الخمس خصال تابعة له، تتبعها، كما قال النبي ﷺ: الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ ([22]) فهذا أيضًا من خصال الإسلام، السلامة من اللسان واليد، أَيُّ الإِسْلاَمِ خَيْرٌ؟ قَالَ: تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ([23]) من خصال الإسلام قال: "وَنَحْوَ ذَلِكَ: فَهَذِهِ الْخَمْسُ هِيَ الْأَرْكَانُ وَالْمَبَانِي كَمَا فِي الْإِيمَانِ." وما عداها فهي من خصال الإسلام التابعة لها.
المتن:
"وَقَوْلُ الْقَائِلِ: الطَّاعَاتُ ثَمَرَاتُ التَّصْدِيقِ الْبَاطِنِ يُرَادُ بِهِ شَيْئَانِ: يُرَادُ بِهِ أَنَّهَا لَوَازِمُ لَهُ فَمَتَى وُجِدَ الْإِيمَانُ الْبَاطِنُ وُجِدَتْ وَهَذَا مَذْهَبُ السَّلَفِ وَأَهْلِ السُّنَّةِ وَيُرَادُ بِهِ أَنَّ الْإِيمَانَ الْبَاطِنَ قَدْ يَكُونُ سَبَبًا وَقَدْ يَكُونُ الْإِيمَانُ الْبَاطِنُ تَامًّا كَامِلًا وَهِيَ لَمْ تُوجَدْ وَهَذَا قَوْلُ الْمُرْجِئَةِ مِنْ الْجَهْمِيَّة وَغَيْرِهِمْ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُمْ غَلِطُوا فِي ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
(أَحَدُهَا) : ظَنُّهُمْ أَنَّ الْإِيمَانَ الَّذِي فِي الْقَلْبِ يَكُونُ تَامًّا بِدُونِ الْعَمَلِ الَّذِي فِي الْقَلْبِ تَصْدِيقٌ بِلَا عَمَلٍ لِلْقَلْبِ. كَمَحَبَّةِ اللَّهِ وَخَشْيَتِهِ وَخَوْفِهِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ وَالشَّوْقِ إلَى لِقَائِهِ.
وَالثَّانِي: ظَنُّهُمْ أَنَّ الْإِيمَانَ الَّذِي فِي الْقَلْبِ يَكُونُ تَامًّا بِدُونِ الْعَمَلِ الظَّاهِرِ وَهَذَا يَقُولُ بِهِ جَمِيعُ الْمُرْجِئَةِ.
وَالثَّالِثُ: قَوْلُهُمْ كُلُّ مَنْ كَفَّرَهُ الشَّارِعُ فَإِنَّمَا كَفَّرَهُ لِانْتِفَاءِ تَصْدِيقِ الْقَلْبِ بِالرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.
وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَ مَذَاهِبِ السَّلَفِ وَأَقْوَالِ الْمُرْجِئَةِ وَالْجَهْمِيَّة؛ لِاخْتِلَاطِ هَذَا بِهَذَا فِي كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْهُمْ مِمَّنْ هُوَ فِي بَاطِنِهِ يَرَى رَأْيَ الْجَهْمِيَّة وَالْمُرْجِئَةِ فِي الْإِيمَانِ وَهُوَ مُعَظِّمٌ لِلسَّلَفِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ فَيَظُنُّ أَنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا أَوْ يَجْمَعُ بَيْنَ كَلَامِ أَمْثَالِهِ وَكَلَامِ السَّلَفِ.
الشرح:
فإن المؤلف رحمه الله بين فيما سبق مسمى الإيمان ومسمى الإسلام عند جماهير السلف وأنهم قرروا ما دلت عليه النصوص، من كتاب الله تعالى وسنة رسوله ﷺ لأن مسمى الإيمان عند الإطلاق يشمل الأعمال الباطنة والأعمال الظاهرة، وكذلك مسمى الإسلام، أما إذا اجتمعا فإن مسمى الإسلام الأعمال الباطنة، فإن مسمى الإيمان الأمور الباطنة، ومسمى الإسلام الأعمال الظاهرة كما دل عليه حديث جبرائيل.
وسبق أن المؤلف رحمه الله نقل عن ابن الصلاح الشيخ عمر بن الصلاح كلام في مسمى الإسلام وفي مسمى الإيمان.
ثم تعقبه على ذلك، وسبق أن الشيخ ابن الصلاح قال: أن اسم الإيمان يتناول ما فسر به الإسلام في حديث جبرائيل والطاعات بكونها ثمرات في تفصيل الباطن.
فالمؤلف رحمه الله يتعقبه في ذلك قوله: "وَقَوْلُ الْقَائِلِ: الطَّاعَاتُ ثَمَرَاتُ التَّصْدِيقِ الْبَاطِنِ يُرَادُ بِهِ شَيْئَانِ: يُرَادُ بِهِ أَنَّهَا لَوَازِمُ" فإذا قال قائل الطاعات ثمرات التصديق الباطن، فإن أراد بها أنها لوازم له، يعني سمت وجد الإيمان الباطن وجدت، قال: هذا مذهب السلف وأهل السنة، إذا قال القائل الطاعات ثمرات تصديق الباطن، وأراد بذلك أنها لوازم له وإنها تصدق عنه " لَهُ فَمَتَى وُجِدَ الْإِيمَانُ الْبَاطِنُ وُجِدَتْ وَهَذَا مَذْهَبُ السَّلَفِ وَأَهْلِ السُّنَّةِ وَيُرَادُ بِهِ أَنَّ الْإِيمَانَ الْبَاطِنَ قَدْ يَكُونُ سَبَبًا وَقَدْ يَكُونُ الْإِيمَانُ الْبَاطِنُ تَامًّا كَامِلًا وَهِيَ لَمْ تُوجَدْ وَهَذَا قَوْلُ الْمُرْجِئَةِ مِنْ الْجَهْمِيَّة" الذين يقولون أن الإيمان وجد تامًا في دون وجود الأعمال الباطنة والأعمال الظاهرة، وقد يكون الإيمان الباطن سببًا لها، يعني يوجد مسبب ولا يوجد السبب، وقد يكون الإيمان تامًا بدونها، هذا باطل، هذا قول المرجئة الجهمية، الذين يرون الإيمان هو مجرد التصديق في الباطن، وهو المعرفة، معرفة الرب بالقلب.
ثم بين المؤلف رحمه الله غلط المرجئة الجهمية وغيرهم ممن لا يدخل أعمال القلوب وأعمال الجوارح في مسمى الإيمان، فقال:"أَنَّهُمْ غَلِطُوا فِي ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
(أَحَدُهَا) : ظَنُّهُمْ أَنَّ الْإِيمَانَ الَّذِي فِي الْقَلْبِ يَكُونُ تَامًّا بِدُونِ الْعَمَلِ الَّذِي فِي الْقَلْبِ" وهذا باطل، لا يمكن الإيمان الذي في القلب وهو التصديق في القلب وهو الإقرار والمعرفة، فالإقرار والمعرفة اللي في القلب، لا يكون إيمان تام حتى تجدي أعمال القلوب " كَمَحَبَّةِ اللَّهِ وَخَشْيَتِهِ وَخَوْفِهِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ ورجائه والإنابة إليه وخشيته، فلابد منها، فإذا لم توجد أعمال القلوب فلا يكون الإيمان تامًا مجرد معرفة، مجرد معرفة في الباطن، والمعرفة هذه توجد عند المؤمن وعند الكافر، ولا يتميز المؤمن من الكافر إلا بأعمال القلوب التي هي " َمَحَبَّةِ اللَّهِ وَخَشْيَتِهِ وَخَوْفِهِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ وَالشَّوْقِ إلَى لِقَائِهِ "، وَالشَّوْقِ إلَى لِقَائِهِ".
ولهذا قال المؤلف رحمه الله: "(أَحَدُهَا) : ظَنُّهُمْ أَنَّ الْإِيمَانَ الَّذِي فِي الْقَلْبِ يَكُونُ تَامًّا بِدُونِ الْعَمَلِ الَّذِي فِي الْقَلْبِ تَصْدِيقٌ بِلَا عَمَلٍ لِلْقَلْبِ. كَمَحَبَّةِ اللَّهِ وَخَشْيَتِهِ وَخَوْفِهِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ وَالشَّوْقِ إلَى لِقَائِهِ." وهذا باطل هذا ظن المرجئة، في الجهمية.
والأمر الثاني الذي غلطوا فيه "ظَنُّهُمْ أَنَّ الْإِيمَانَ الَّذِي فِي الْقَلْبِ يَكُونُ تَامًّا بِدُونِ الْعَمَلِ الظَّاهِرِ وَهَذَا يَقُولُ بِهِ جَمِيعُ الْمُرْجِئَةِ" يعني جميع طوائف المرجئة يقولون بها يقول بهذا المرجئة الجهمية، ويقول بهذا مرجئة الكرامية، ويقول بهذا المترودية، ويقول بهذا مرجئة الفقهاء أيضًا، جميع الطوائف المرجئة يقولون: يكون الإيمان تامًا في القلب بدون أعمال الجوارح، وهذا باطل، هذا هو الذي تميز به جمهور أهل السنة هو الذي انفصلوا به عن جميع الطوائف، وهو أن أعمال الجوارح داخلة في مسمى الإيمان، ولا يقول بهذا إلا جماهير أهل السنة، الأئمة الثلاثة المالكي والشافعي وأحمد، هو قاول الصحابة والتابعين والأئمة والعلماء والتابعين ...الثوري و1:25:53 والبخاري وأحمد بن حنبل وغيرهم من أهل العلم، ماعدا المرجئة بجميع طوائفهم حتى مرجئة الفقهاء ابي حنيفة وأهل الكوفة، يقولون أن أعمال الجوارح ليست داخله في مسمى الإيمان، هذا الأمر الثاني ولا شك أنه غلط، قال: "وَالثَّانِي: ظَنُّهُمْ أَنَّ الْإِيمَانَ الَّذِي فِي الْقَلْبِ يَكُونُ تَامًّا بِدُونِ الْعَمَلِ الظَّاهِرِ وَهَذَا يَقُولُ بِهِ جَمِيعُ الْمُرْجِئَةِ."
وهذا لا يمكن الإيمان الذي في القلب لابد أن يكون حركة، وهذا لا يمكن الإيمان الذي في القلب لا بد ان يكون حركة وهذه الحركة محبة وهذه المحبة لابد أن تستلزم وجود الأعمال الباطنة والظاهرة، لا يمكن أن يكون شخص عنده إيمان ومحبه لله ورسوله ثم لا يعمل بجوارحه، لا يصلي ولا يصوم ولا يزكي ولا يحج ولا يبر والديه، ولا يتكلم بالحق لا يمكن هذا، لا يمكن هذا إذا انتفت هذه الأعمال دلت على أن هذه الأعمال ليس تامًا في القلب.
الأمر الثالث الذي غلط فيه المرجئة هو أن ظنهم أن كل من كفره الشارع فإنما ذلك لكون الإيمان والتصدق أنتهى من قلبه، وهذا ظن باطل، يقولون: " قَوْلُهُمْ كُلُّ مَنْ كَفَّرَهُ الشَّارِعُ فَإِنَّمَا كَفَّرَهُ لِانْتِفَاءِ تَصْدِيقِ الْقَلْبِ" وهذا باطل فإن إبليس سماه الله كافرًا وهو مصدق في الباطن، وفرعون كافر وهو مصدق بالباطن، وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا [النمل:14]، إبليس قابل أمر الله تعالى، لم يقابله بالتكذيب، وإنما قابله بالإيباء والاستكبار، وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ [البقرة:34]، ويرى أمر الله ويعرف أمر الله ولكنه عارض أمر الله وقابله بالإيباء والاستكبار فهذا الأمر الفاسد الذي ظنه المرجئة أن كل من كفره الشارع لأن التصديق في قلبه منتفي هذا من أبطل الباطل.
ولهذا قال المؤلف رحمه الله: "وَالثَّالِثُ: قَوْلُهُمْ كُلُّ مَنْ كَفَّرَهُ الشَّارِعُ فَإِنَّمَا كَفَّرَهُ لِانْتِفَاءِ تَصْدِيقِ الْقَلْبِ بِالرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَ مَذَاهِبِ السَّلَفِ وَأَقْوَالِ الْمُرْجِئَةِ وَالْجَهْمِيَّة؛ لِاخْتِلَاطِ هَذَا بِهَذَا فِي كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْهُمْ" يعني كثير من المتأخرين ثبت عليهم الأمر فلا يميزون بين مذهب أهل السنة والجماعة، وهو أن أعمال القلوب وأعمال الجوارح داخله في مسمى الإيمان، وبين أقوال الجهمية الذين يرون أن أعمال القلوب وأعمال الجوارح خارجة، عن مسمى الإيمان، التبس عليهم الأمر بسبب ضعفهم وضعف تمييزهم، وعدم معرفتهم للنصوص وعدم فهمهم للنصوص والجمع بينها.
ولهذا قال رحمه الله: " لِاخْتِلَاطِ هَذَا بِهَذَا فِي كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْهُمْ مِمَّنْ هُوَ فِي بَاطِنِهِ يَرَى رَأْيَ الْجَهْمِيَّة وَالْمُرْجِئَةِ فِي الْإِيمَانِ.
قال: "وَهُوَ مُعَظِّمٌ لِلسَّلَفِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ" يعني كثير من أهل الحديث اختلط عليه الأمر وهو يعظم السلف، ويعظم أهل الحديث لكنه التبس عليه واختلط عليه كلام السلف وكلام المرجئة والجهمية من كونه ليس عنده بصيرة في معرفه النصوص، لم يعرف النصوص ليس عنده بصيرة، ولم يوفق لمن يبين له الجمع بين النصوص ولم يعرف مسميات التي أطلقها الشارع عند الإطلاق وعند التقييد، فلهذا التبس عليه الأمر واختلط عليه ولم يبين بين مذاهب أهل الحق ومذهب أهل الباطل وإن كان في الجملة يعظم السلف أهل الحديث، قال: " فَيَظُنُّ أَنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا أَوْ يَجْمَعُ بَيْنَ كَلَامِ أَمْثَالِهِ وَكَلَامِ السَّلَفِ" تجده يظن أنه جمع بين قول هؤلاء وقول هؤلاء، وأن السلف لا يخالفون المرجئة وأن المرجئة لا يختلفون مع السلف بسبب جهله، وقله بصيرته ومعرفته للنصوص.
المتن:
"قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِي: وَقَالَتْ " طَائِفَةٌ ثَالِثَةٌ " وَهُمْ الْجُمْهُورُ الْأَعْظَمُ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَأَصْحَابِ الْحَدِيثِ: الْإِيمَانُ الَّذِي دَعَا اللَّهُ الْعِبَادَ إلَيْهِ وَافْتَرَضَهُ عَلَيْهِمْ هُوَ الْإِسْلَامُ الَّذِي جَعَلَهُ دِينًا وَارْتَضَاهُ لِعِبَادِهِ وَدَعَاهُمْ إلَيْهِ وَهُوَ ضِدُّ الْكُفْرِ الَّذِي سَخِطَهُ فَقَالَ: وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَقَالَ: وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا وَقَالَ: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَقَالَ: أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ.
فَمَدَحَ اللَّهُ الْإِسْلَامَ بِمِثْلِ مَا مَدَحَ بِهِ الْإِيمَانَ. وَجَعَلَهُ اسْمَ ثَنَاءٍ وَتَزْكِيَةٍ فَأَخْبَرَ أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ وَهُدًى وَأَخْبَرَ أَنَّهُ دِينُهُ الَّذِي ارْتَضَاهُ وَمَا ارْتَضَاهُ فَقَدْ أَحَبَّهُ وَامْتَدَحَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ وَرُسُلَهُ رَغِبُوا فِيهِ إلَيْهِ وَسَأَلُوهُ إيَّاهُ فَقَالَ إبْرَاهِيمُ وَإِسْمَاعِيلُ: رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَقَالَ يُوسُفُ: تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ وَقَالَ: وَوَصَّى بِهَا إبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ وَقَالَ: وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إلَى إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إلَى قَوْلِهِ فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا فَحُكْمُ اللَّهِ بِأَنَّ مَنْ أَسْلَمَ فَقَدْ اهْتَدَى وَمَنْ آمَنَ فَقَدْ اهْتَدَى فَسَوَّى بَيْنَهُمَا.
قَالَ: وَقَدْ ذَكَرْنَا تَمَامَ الْحُجَّةِ فِي أَنَّ الْإِسْلَامَ هُوَ الْإِيمَانُ وَأَنَّهُمَا لَا يَفْتَرِقَانِ وَلَا يَتَبَايَنَانِ فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ هَذَا فَكَرِهْنَا إعَادَتَهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ كَرَاهَةَ التَّطْوِيلِ وَالتَّكْرِيرِ غَيْرَ أَنَّا سَنَذْكُرُ مِنْ الْحُجَّةِ مَا لَمْ نَذْكُرْهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَنُبَيِّنْ خَطَأَ تَأْوِيلِهِمْ وَالْحُجَجَ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا مِنْ الْكِتَابِ وَالْأَخْبَارِ عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ.
الشرح:
المؤلف رحمه الله هنا نقل عن محمد عبدالله بن نصر المروزي، مسمى الإيمان ومسمى الإسلام بعد أن نقل عن ابن عمرو بن الصلاح نقل عن المروزي، نقل عن محمد بن نصر المروزي وهو إمام من مذهب السنة وهو يرى أن الإسلام والإيمان مسماهما واحد كما يراه البخاري.
فهذا الخلاف بين أهل السنة أنفسهم، فأهل السنة جماهير أهل السنة يرون أن الإسلام والإيمان ليس مسمى واحد، بل إذا اجتماع افترقا، وإذا افترقا اجتمعا، فإذا اجتمعا، صار مسمى الإسلام الأعمال الظاهرة، ومسمى الإيمان الأمور الباطنة، ولما افترقا فجاء الإسلام وحده أو جاء الإيمان وحده فدخل إحداهما في الأخر، فصار الإسلام يشمل الأمور الباطلة والأعمال الظاهرة، هذا هو الذي أقره جماهير السنة وهذا الذي دلت عليه واختلافها لابن تيمية رحمه الله.
وذهب طائفة من أهل السنة وعلى رأسهم الأمام البخاري رحمه الله وذكره في الجامع الصحيح، والأمام أبو عبدالله محمد بن نصر المروزي على أن الإسلام والإيمان شيء واحد مسماهما واحد، فمسمى الإيمان هو مسمى الإسلام، ومسمى الإسلام هو مسمى الإيمان، وذهب إلى هذا من أهل البدع الخوارج والمعتزلة.
فالمؤلف رحمه الله نقل أبو عبدالله محمد بن نصر المروزي، تقريره عن مسمى الإيمان ثم تعقبه، وبين أن ما دلت عليه النصوص هو ما أقره جماهير أهل السنة وأن الإيمان والإسلام يختلف بالاقتران والتجرد.
فقال: " قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِي: وَقَالَتْ " طَائِفَةٌ ثَالِثَةٌ " وَهُمْ الْجُمْهُورُ الْأَعْظَمُ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَأَصْحَابِ الْحَدِيثِ: الْإِيمَانُ الَّذِي دَعَا اللَّهُ الْعِبَادَ إلَيْهِ وَافْتَرَضَهُ عَلَيْهِمْ هُوَ الْإِسْلَامُ الَّذِي جَعَلَهُ دِينًا وَارْتَضَاهُ لِعِبَادِهِ وَدَعَاهُمْ إلَيْهِ وَهُوَ ضِدُّ الْكُفْرِ الَّذِي سَخِطَهُ" يعني سماهم الجمهور أبو عبدالله بن نصر المروزي، قالوا هذا مذهب الجمهور، جمهور أهل السنة هو الحق أن الجمهور يرون التفرقة بينهم في الاجتماع في الاقتران والإفراد، فأبوا عبدالله محمد بن نصر المروزي قال: الإيمان والإسلام شيء واحد، فقال: "الْإِيمَانُ الَّذِي دَعَا اللَّهُ الْعِبَادَ إلَيْهِ وَافْتَرَضَهُ عَلَيْهِمْ هُوَ الْإِسْلَامُ الَّذِي جَعَلَهُ دِينًا وَارْتَضَاهُ لِعِبَادِهِ وَدَعَاهُمْ إلَيْهِ وَهُوَ ضِدُّ الْكُفْرِ الَّذِي سَخِطَهُ".
ثم استدل بالأدلة، فَقَالَ: وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَقَالَ: وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا وَقَالَ: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَقَالَ: أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ.
ثم بين المؤلف رحمه الله وجه الدلالة من هذه الآيات أن الله تعالى "فَمَدَحَ اللَّهُ الْإِسْلَامَ بِمِثْلِ مَا مَدَحَ بِهِ الْإِيمَانَ." يعني فدل على أن مساهما واحد، قال: "فَمَدَحَ اللَّهُ الْإِسْلَامَ بِمِثْلِ مَا مَدَحَ بِهِ الْإِيمَانَ. وَجَعَلَهُ اسْمَ ثَنَاءٍ وَتَزْكِيَةٍ" يعني جعل أسم الإيمان بمثل ما مدح تذكية وجعل اسم الإسلام اسم تذكية، فدل على أن مسامهما واحد.
قال: " فَأَخْبَرَ أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ وَهُدًى وَأَخْبَرَ أَنَّهُ دِينُهُ الَّذِي ارْتَضَاهُ وَمَا ارْتَضَاهُ فَقَدْ أَحَبَّهُ وَامْتَدَحَهُ".
واستدل على ذلك فقال: "أَلَا تَرَى أَنَّ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ وَرُسُلَهُ رَغِبُوا فِيهِ إلَيْهِ وَسَأَلُوهُ إيَّاهُ" يعني رغبوا إليه وسألوه أن يكونوا مسلمين أن يهديه الإسلام ويثبته عليه، فقال: "فَقَالَ إبْرَاهِيمُ وَإِسْمَاعِيلُ: رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ" فرغبوا في الإسلام وسألوا ربهم الإسلام فدل على الإسلام والإيمان شيء واحد.
"وَقَالَ يُوسُفُ: تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ" فرغب في الإسلام وسأل الله ودل على أن مسمى الإسلام هو مسمى الإيمان.
"وَقَالَ: وَوَصَّى بِهَا إبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ" يعني وانتم مؤمنون فدل على أن الإسلام والإيمان شيء واحد، وإلا لو كان مسمى الإيمان أكمل لقال لهم: فلا تموتن إلا وأنتم مؤمنون.
وَقَالَ: وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إلَى إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إلَى قَوْلِهِ فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا.
ثم بين وجه الدلالة فقال: "فَحُكْمُ اللَّهِ بِأَنَّ مَنْ أَسْلَمَ فَقَدْ اهْتَدَى وَمَنْ آمَنَ فَقَدْ اهْتَدَى فَسَوَّى بَيْنَهُمَا." حكم الله بمن أسلم فقد اهتدى وحكم الله بمن أمن فقد اهتدى، يعنى حكم الله أن من أسلم فقد اهتدى في الآية السابقة، وفي قوله: وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا، وحكم بأن من أمن فقد اهتدى في الآية التي بعدها، قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إلَى إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إلى قوله،فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا، "فَحُكْمُ اللَّهِ بِأَنَّ مَنْ أَسْلَمَ فَقَدْ اهْتَدَى وَمَنْ آمَنَ فَقَدْ اهْتَدَى فَسَوَّى بَيْنَهُمَا."
قَالَ: وَقَدْ ذَكَرْنَا تَمَامَ الْحُجَّةِ فِي أَنَّ الْإِسْلَامَ هُوَ الْإِيمَانُ وَأَنَّهُمَا لَا يَفْتَرِقَانِ وَلَا يَتَبَايَنَانِ فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ هَذَا، ذكر في كتاب التعظيم بقدر الصلاة، قال: "فَكَرِهْنَا إعَادَتَهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ" فكرهنا في كتاب المحقق للصلاة، فتركنا، بدل فكرهنا، "فَكَرِهْنَا إعَادَتَهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ كَرَاهَةَ التَّطْوِيلِ وَالتَّكْرِيرِ غَيْرَ أَنَّا سَنَذْكُرُ مِنْ الْحُجَّةِ مَا لَمْ نَذْكُرْهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَنُبَيِّنْ خَطَأَ تَأْوِيلِهِمْ وَالْحُجَجَ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا مِنْ الْكِتَابِ وَالْأَخْبَارِ عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ."
الإمام محمد بن نصر المروزي انتصر بالقول أن الإسلام والإيمان شيء واحد وقال سنذكر زيادة الأدلة في هذا الموضع ونبني خطأ تأويل من فرق بين الإسلام والإيمان والحجج التي احتجوا بها من الإيمان والأخبار من الكتاب والسنة على التفرقة بين الإسلام والإيمان سنبين خطأ تأويلهم وان الإسلام والإيمان شيء واحد، سيتعقبه المؤلف رحمه الله بما يبين أن الإسلام والإيمان مسماهما يختلف بالاقتران والتجرد، والإنفراد، وأن هذا هو مذهب الجمهور إذا دلت عليه النصوص إذا جمع بينهما.
([1]) – سبق
([2]) – أخرجه البخاري رقم (4274)، ومسلم رقم (2494) من حديث علي .
([3]) – منها ما أخرجه ابن وهب في القدر رقم (26) قال: أخبرني عمرو بن محمد، أن سليمان بن مهران حدثه قال: قال عبادة بن الصامت : ادعوا لي ابني - وهو يموت - لعلي أخبره بما سمعت من رسول الله ﷺ يقول: إِنَّ أَوَّلَ شَيْءٍ خَلَقَهُ اللَّهُ مِنْ خَلْقِهِ الْقَلَمُ، فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ، فَقَالَ: يَا رَبِّ، أَكْتُبُ مَاذَا؟ قَالَ: الْقَدْرَ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: فَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ أَحْرَقَهُ اللَّهُ بِالنَّارِ .وإسناده منقطع. سليمان بن مهران هو الأعمش ولم يسمع من عبادة شيئا.
([4]) – أخرجه البخاري رقم (1378)، ومسلم رقم (1378) من حديث بن عباس رضي الله عنهما.
([5]) – سبق
([6]) – سبق
([7]) – سبق
([8]) – سبق
([9]) – سبق
([10]) – سبق
([11]) – سبق
([12]) – سبق
([13]) – سبق
([14]) – سبق
([15]) –
([16]) – سبق
([17]) – سبق
([18]) – أخرجه البخاري رقم (4351)، ومسلم رقم (1064) من حديث علي بن أبي طالب .
([19]) – سبق
([20]) – سبق
([21]) – أخرجه البخاري رقم (12)، ومسلم رقم (39) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
([22]) – سبق
([23]) – أخرجه البخاري رقم (12)، ومسلم رقم (39) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.