شعار الموقع
  1. الصفحة الرئيسية
  2. الدروس العلمية
  3. العقيدة
  4. شرح كتاب الإيمان الكبير
  5. شرح كتاب الإيمان الكبير_44 من قوله وَهَذِهِ الشُّبْهَةُ الَّتِي أَوْقَعَتْهُمْ مَعَ عِلْمِ كَثِيرٍ مِنْهُمْ ... - إلى قُلْت هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَد مِنْ أَحْسَنِ مَا احْتَجَّ بِهِ النَّاسُ عَلَيْهِمْ

شرح كتاب الإيمان الكبير_44 من قوله وَهَذِهِ الشُّبْهَةُ الَّتِي أَوْقَعَتْهُمْ مَعَ عِلْمِ كَثِيرٍ مِنْهُمْ ... - إلى قُلْت هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَد مِنْ أَحْسَنِ مَا احْتَجَّ بِهِ النَّاسُ عَلَيْهِمْ

00:00
00:00
تحميل
78

المتن:

" وَهَذِهِ الشُّبْهَةُ الَّتِي أَوْقَعَتْهُمْ مَعَ عِلْمِ كَثِيرٍ مِنْهُمْ وَعِبَادَتِهِ وَحُسْنِ إسْلَامِهِ وَإِيمَانِهِ وَلِهَذَا دَخَلَ فِي " إرْجَاءِ الْفُقَهَاءِ " جَمَاعَةٌ هُمْ عِنْدَ الْأُمَّةِ أَهْلُ عِلْمٍ وَدِينٍ.

وَلِهَذَا لَمْ يُكَفِّرْ أَحَدٌ مِنْ السَّلَفِ أَحَدًا مِنْ " مُرْجِئَةِ الْفُقَهَاءِ " بَلْ جَعَلُوا هَذَا مِنْ بِدَعِ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ؛ لَا مِنْ بِدَعِ الْعَقَائِدِ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النِّزَاعِ فِيهَا لَفْظِيٌّ لَكِنَّ اللَّفْظَ الْمُطَابِقَ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ هُوَ الصَّوَابُ فَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يَقُولَ بِخِلَافِ قَوْلِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ لَا سِيَّمَا وَقَدْ صَارَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً إلَى بِدَعِ أَهْلِ الْكَلَامِ مِنْ أَهْلِ الْإِرْجَاءِ وَغَيْرِهِمْ وَإِلَى ظُهُورِ الْفِسْقِ فَصَارَ ذَلِكَ الْخَطَأُ الْيَسِيرُ فِي اللَّفْظِ سَبَبًا لِخَطَأِ عَظِيمٍ فِي الْعَقَائِدِ وَالْأَعْمَالِ فَلِهَذَا عَظُمَ الْقَوْلُ فِي ذَمِّ " الْإِرْجَاءِ " حَتَّى قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِي: لَفِتْنَتُهِمْ - يَعْنِي الْمُرْجِئَةَ - أَخْوَفُ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْ فِتْنَةِ الأزارقة.

وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: مَا اُبْتُدِعَتْ فِي الْإِسْلَامِ بِدْعَةٌ أَضَرُّ عَلَى أَهْلِهِ مِنْ الْإِرْجَاءِ([1]).

وَقَالَ الأوزاعي: كَانَ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ وقتادة يَقُولَانِ: لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الْأَهْوَاءِ أَخْوَفُ عِنْدَهُمْ عَلَى الْأُمَّةِ مِنْ الْإِرْجَاءِ.

وَقَالَ شَرِيكٌ الْقَاضِي - وَذَكَرَ الْمُرْجِئَةَ فَقَالَ -: هُمْ أَخْبَثُ قَوْمٍ حَسْبُك بِالرَّافِضَةِ خُبْثًا وَلَكِنَّ الْمُرْجِئَةَ يَكْذِبُونَ عَلَى اللَّهِ.

وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: تَرَكَتْ الْمُرْجِئَةُ الْإِسْلَامَ أَرَقَّ مِنْ ثَوْبِ سابري.

وَقَالَ قتادة: إنَّمَا حَدَثَ الْإِرْجَاءُ بَعْدَ فِتْنَةِ فِرْقَةِ ابْنِ الْأَشْعَثِ.

وَسُئِلَ مَيْمُونُ بْنُ مهران عَنْ كَلَامِ " الْمُرْجِئَةِ " فَقَالَ: أَنَا أَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ لِذَرِّ الهمداني: أَلَا تَسْتَحِي مِنْ رَأْيٍ أَنْتَ أَكْبَرُ مِنْهُ.

وَقَالَ أَيُّوبُ السختياني: أَنَا أَكْبَرُ مِنْ دِينِ الْمُرْجِئَةِ إنَّ أَوَّلَ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الْإِرْجَاءِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ يُقَالُ لَهُ: الْحَسَنُ.

وَقَالَ زاذان: أَتَيْنَا الْحَسَنَ بْنَ مُحَمَّدٍ فَقُلْنَا: مَا هَذَا الْكِتَابُ الَّذِي وَضَعْت؟ وَكَانَ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ كِتَابَ الْمُرْجِئَةِ فَقَالَ لِي: يَا أَبَا عُمَر لَوَدِدْت أَنِّي كُنْت مُتّ قَبْلَ أَنْ أُخْرِجَ هَذَا الْكِتَابَ أَوْ أَضَعَ هَذَا الْكِتَابَ فَإِنَّ الْخَطَأَ فِي اسْمِ الْإِيمَانِ لَيْسَ كَالْخَطَأِ فِي اسْمِ مُحَدِّثٍ؛ وَلَا كَالْخَطَأِ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَسْمَاءِ إذْ كانت أَحْكَامُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مُتَعَلِّقَةً بِاسْمِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ وَالْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ".

الشرح:

فإن المؤلف: شيخ الإسلام: ابن تيمية رحمه الله، نقل فيما سبق من حلقات شبهة المرجئة الذين أخرجوا الأعمال عن مسمى الإيمان، وقالوا: إن الإيمان شيء واحد لا يتبعض، ولا يتعدد؛ فهذه الشبهة هي التي جعلتهم يقولون، يخرجون الأعمال من مسمى الإيمان؛ فهم يرون أن الإيمان شيء واحد على اختلافهم في ذلك.

فالجهمية يرون أن الإيمان شيء واحد وهو معرفة القلب، والكرامية يرون الإيمان شيء واحد، وهو قول اللسان، والماتريدية، والأشاعرة يرون: أن الإيمان شيء واحد؛ وهو التصديق في القلب، ومرجئة الفقهاء يرون الإيمان شيئان؛ تصديق القلب، وإقرار باللسان لكنهم يوافقون فرق المرجئة في أن الإيمان لا يتعدد، ولا يتبعض، ولا يذهب بعضه، ولا يبقى بعضة.

والمؤلف رحمه الله قال: إن هذه الشبهة التي جعلت مرجئة الفقهاء؛ وهم طائفة من أهل السنة؛ وهم أبو حنيفة وأصحابه وقعوا في هذا الغلط في القول بأن العمل غير داخل في مسمى الإيمان بسبب الشبهة التي شاركوا فيها غيرهم من طوائف المرجئة، فإن شبهتهم واحدة؛ وهي أن الإيمان شيء واحد لا يزيد ولا ينقص، ولا يتعدد، ولا يتبعض؛ لأنه حقيقة مركبة، والحقيقة المركبة تزول بزوال بعض أجزاءها.

 يقول المؤلف: "وَهَذِهِ الشُّبْهَةُ الَّتِي أَوْقَعَتْهُمْ مَعَ عِلْمِ كَثِيرٍ مِنْهُمْ وَعِبَادَتِهِ وَحُسْنِ إسْلَامِهِ وَإِيمَانِهِ وَلِهَذَا دَخَلَ فِي " إرْجَاءِ الْفُقَهَاءِ " جَمَاعَةٌ هُمْ عِنْدَ الْأُمَّةِ أَهْلُ عِلْمٍ وَدِينٍ"؛ يقصد بذلك مرجئة الفقهاء الذين هم طائفة من أهل السنة.

وأول من قال بالإرجاء: حماد بن أبي سليمان شيخ الإمام أبي حنيفة، ، أبو حنيفة وأصحابه، وأهل الكوفة؛ هم مرجئة الفقهاء، وهم يوافقون جمهور أهل السنة في المعنى ويخالفونهم في اللفظ، فخلافهم خلاف لفظي؛ لأن مرجئة الفقهاء يرون أن الإيمان شيئان؛ تصديق القلب، وإقرار باللسان، وأما العمل فليس داخلًا في مسمى الإيمان لكنه مطلوب، فالواجبات واجبات، والمحرمات محرمات، ومن فعل الواجب أثابه الله، ومن تركه فهو آثم معاقب، وكذلك المحرم محرم من فعله فهو آثم، ومن تركه فهو مثاب، يوافقون؛ جمهور أهل السنة في المعنى لكنهم يخالفونهم في تسمية الإيمان.

فجمهور أهل السنة يسمونه إيمان: فعل الواجبات، وترك المحرمات، وهم لا يسمونه إيمان يسمونه: واجب آخر، يقولون: الإنسان عليه واجبان؛ واجب الإيمان، وواجب العمل، وأهل السنة يقولون: الإنسان عليه واجبان؛ الإيمان والعمل، والعمل داخل في مسمى الإيمان؛ تصديق القلب، وقول اللسان، وعمل القلب، وعمل الجوارح كلها داخلة في مسمى الإيمان.

فمرجئة الفقهاء هم طائفة من  أهل السنة يوافقون أهل السنة في المعنى، ويخالفونهم في اللفظ؛ فهم وافقوا الكتاب والسنة من جهة المعنى، ولكن خالفوا من جهة اللفظ، النصوص من كتاب الله، وسنة رسوله ﷺ دلَّت على دخول الأعمال في مسمى الإيمان كقوله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ۝ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ۝ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [الأنفال:3-4]

وقوله عليه الصلاة والسلام: الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً أَعْلَاهَا قَوْلُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَدْنَاهَا إمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ([2])  إلى غير ذلك من النصوص التي سبق الكلام عليها؛ التي تدل على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان.

فجمهور الفقهاء؛ جمهور أهل السنة وافقوا الكتاب والسنة في اللفظ والمعنى، ومرجئة الفقهاء وافقوا الكتاب، والسنة في المعنى وخالفوهما في اللفظ، ولا يجب الإنسان أن يخالف الكتاب والسنة لا في اللفظ ولا في المعنى، بل يجب أن يتأدب مع النصوص.

والمؤلف رحمه الله بيَّن أن هذه البدعة؛ وهي بدعة مرجئة الفقهاء الذين هم طائفة من أهل السنة بدعة في اللفظ، ولكنها وإن كانت بدعة يسيرة إلَّا أنها صارت سببا لشر كثير؛ فهي جرأت المرجئة المحضة؛ فتحت باب الإرجاء، فدخلوا معه، فلما قال مرجئة الفقهاء أن الأعمال غير داخلة في مسمى الإيمان وإن كانت مطلوبة دخل من هذا الباب المرجئة  المحضة، وقالوا: الأعمال ليست مطلوبة؛ ليست مطلوبة، الواجبات ليست مطلوبة، والمحرمات لا يضر فعلها يكفي في الإيمان التصديق في القلب، أو المعرفة في القلب، ولو فعل الإنسان جميع المحرمات وترك جميع الواجبات فلا يضره، من الذي فتح لهم هذا الباب؟ مرجئة الفقهاء؛ لما قالوا: إن الأعمال غير داخلة في مسمى الإيمان، دخلوا معه وقالوا: ليست مطلوبة، وكذلك فتحوا باب لأهل الفسق، فلما قالوا: إن الإيمان شيء واحد، وأن الناس يتساوون في الإيمان جميع الناس يتساوون في الإيمان، قالوا: إيمان أهل السماء وإيمان أهل الأرض واحد، والتفاضل بينهم في الأعمال، لما فتحوا هذا الباب وقالوا: إن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، وأنه شيء واحد، وأن الإيمان هو تصديق القلب دخل من ذلك الفساق؛ أهل الفسق، فيأتي السكير العربيد فيقول: أنا مؤمن كامل الإيمان؛ إيماني كإيمان أبي بكر وعمر، وكإيمان جبريل وميكائيل، فإذا قيل له: أبو بكر، وعمر لهم أعمال عظيمة، قال: ما لنا دعوة في الأعمال الإيمان شيء واحد إيماني كإيمان أبي بكر، وعمر، والأعمال شيء آخر.

والمؤلف رحمه الله بيَّن هذا؛ بيَّن أن هذه الشبه أوقعت مرجئة الفقهاء مع أنهم أهل علم ودين، وأهل عبادة، وبدعتهم هذه وإن كانت في اللفظ إلَّا أنها فتحت باب؛ فتحت باب المرجئة، وفتحت باب الفساق؛ ولهذا قال المؤلف رحمه الله: " وهذه الشبهة التي أوقعتهم؛ وهي أن الإيمان شيء واحد لا يزيد ولا ينقص، ولا يتعدد ولا يتبعض، ولا يبقى بعضه، ولا يذهب بعضه، فلو أُدخل الأعمال في مسمى الإيمان للزم من ذلك أن يتعدد، ويذهب بعضه، ويبقى بعضه؛ فهذه الشبهة جعلتهم يخرجون الأعمال عن مسمى الإيمان، وهذه الشبهة التي أوقعتهم مع علم كثير منهم، وعبادته، وحسن إسلامه، وإيمانه.

قال: ولهذا دخل في إرجاء الفقهاء جماعة هم عند أهل الأمة أهل علم ودين؛ ولهذا لم يكفر أحد من السلف أحدا من مرجئة الفقهاء؛ لأن بدعتهم في اللفظ؛ لأنهم وافقوا الكتاب، والسنة في المعنى، وإن خالفوهما في اللفظ، ما كفرهم أحد؛ لأن بدعتهم في اللفظ؛ ولهذا لم يكفر أحدٌ من السلف أحدًا من مرجئة الفقهاء، بل جعلوا هذا من بدع الأقوال، والأفعال لا من بدع العقائد فإن كثيرًا من النزاع فيها لفظي كما تبين أنهم خالفوا الكتاب والسنة في اللفظ، ووافقهما في المعنى.

قال المؤلف رحمه الله: " لَكِنَّ اللَّفْظَ الْمُطَابِقَ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ هُوَ الصَّوَابُ"؛ كما عليه جمهور أهل السنة.

قال المؤلف: " فَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يَقُولَ بِخِلَافِ قَوْلِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ لَا سِيَّمَا وَقَدْ صَارَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً إلَى بِدَعِ أَهْلِ الْكَلَامِ مِنْ أَهْلِ الْإِرْجَاءِ وَغَيْرِهِمْ"؛ كما سبق أنه فتح باب المرجئة المحضة، وَإِلَى ظُهُورِ الْفِسْقِ"؛ كما سبق أن الفاسق يقول: إيماني كإيمان  جبريل وميكائيل.

قال المؤلف رحمه الله: " فَصَارَ ذَلِكَ الْخَطَأُ الْيَسِيرُ فِي اللَّفْظِ سَبَبًا لِخَطَأِ عَظِيمٍ فِي الْعَقَائِدِ وَالْأَعْمَالِ"؛ كما سبق بيانه.

قال المؤلف رحمه الله: " فَلِهَذَا عَظُمَ الْقَوْلُ فِي ذَمِّ الْإِرْجَاءِ " من أجل أن المرجئة وإن كان خطأهم يسير إلَّا أنه سبب في شرٍّ كثير، ولخطأ عظيم في العقائد والأعمال؛ لهذا ذمهم العلماء، والأئمة ذموا المرجئة، وكثر ذمهم لهم، "بل حَتَّى قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِي: لَفِتْنَتُهِمْ - يَعْنِي الْمُرْجِئَةَ - أَخْوَفُ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْ فِتْنَةِ الأزارقة؛ والأزارقة: هم فرقة من الخوارج ينسبون إلى نافع بن الأزرق الحنفي، ومعروف أن الخوارج بدعتهم عظيمة، وأنهم يكفرون المسلمين بالمعاصي، ويستحلون دماءهم، وأموالهم، فإبراهيم النخعي يقول: فتنة المرجئة وإن كانت يسيرة فهي أشد، أشد من فتنة الخوارج؛ فرقة الأزارقة، لماذا؟ لأنها صارت سببًا لخطأ عظيم في العقائد والأعمال.

" وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: مَا اُبْتُدِعَتْ فِي الْإِسْلَامِ بِدْعَةٌ أَضَرُّ عَلَى أَهْلِهِ مِنْ الْإِرْجَاءِ.

وَقَالَ الأوزاعي: كَانَ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ وقتادة يَقُولَانِ: لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الْأَهْوَاءِ أَخْوَفُ عِنْدَهُمْ عَلَى الْأُمَّةِ مِنْ الْإِرْجَاءِ"؛ المراد بالأهواء: البدع؛ يعني ليس شيءٌ من البدع أخوف على الأمة من الإرجاء لما سبق أنه سببٌ لخطأ عظيم في العقائد، والأعمال.

" وَقَالَ شَرِيكٌ الْقَاضِي - وَذَكَرَ الْمُرْجِئَةَ فَقَالَ -: هُمْ أَخْبَثُ قَوْمٍ حَسْبُك بِالرَّافِضَةِ خُبْثًا وَلَكِنَّ الْمُرْجِئَةَ يَكْذِبُونَ عَلَى اللَّهِ"؛ يعني الرافضة الذين يعبدون آل البيت، ويكفرون الصحابة، ويعتقدون أن القرآن غير محفوظ ولم يبقى منه إلَّا الثلث، مذهبهم كفري، ومذهبهم خبيث. قال: مع ذلك المرجئة أخبث قوم؛ لأنهم يكذبون على الله، فيقولون: أن الأعمال غير داخلة في مسمى الإيمان، والله أدخلها في مسمى الإيمان.

" وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: تَرَكَتْ الْمُرْجِئَةُ الْإِسْلَامَ أَرَقَّ مِنْ ثَوْبِ سابري"؛ يعني الثوب السابري: الرقيق؛ يعني جعلته رقيقًا؛ جعلوا الإسلام رقيقًا، " وَقَالَ قتادة: إنَّمَا حَدَثَ الْإِرْجَاءُ بَعْدَ فِتْنَةِ فِرْقَةِ ابْنِ الْأَشْعَثِ"؛ فرقة ابن الأشعث في حربه للحجاج ظهر الإرجاء في ذلك وانتشر.

"وَسُئِلَ مَيْمُونُ بْنُ مهران عَنْ كَلَامِ " الْمُرْجِئَةِ " فَقَالَ: أَنَا أَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ لِذَرِّ الهمداني: أَلَا تَسْتَحِي مِنْ رَأْيٍ أَنْتَ أَكْبَرُ مِنْهُ"؛ يعني أكبر من أقول به، أو أتكلم به لفساده، وخبثه.

"وَقَالَ أَيُّوبُ السختياني: أَنَا أَكْبَرُ مِنْ دِينِ الْمُرْجِئَةِ إنَّ أَوَّلَ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الْإِرْجَاءِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ يُقَالُ لَهُ: الْحَسَنُ"؛ هو الحسن بن محمد بن الحنفية أبو محمد، وهو أخ لهاشم د13: عبد الله بن محمد، وقال زاذان؛ وزاذان هذا هو أبو عمرو الكندي ... من التابعين" أَتَيْنَا الْحَسَنَ بْنَ مُحَمَّد يعني: ابن الحنفية "ٍ فَقُلْنَا: مَا هَذَا الْكِتَابُ الَّذِي وَضَعْت؟"؛ يعني في المرجئة " وَكَانَ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ كِتَابَ الْمُرْجِئَةِ فَقَالَ لِي: يَا أَبَا عُمَر؛ كنية زاذان، لَوَدِدْت أَنِّي كُنْت مُتّ قَبْلَ أَنْ أُخْرِجَ هَذَا الْكِتَابَ أَوْ أَضَعَ هَذَا الْكِتَابَ"؛ بيَّن السبب في ذلك.

قال: " فَإِنَّ الْخَطَأَ فِي اسْمِ الْإِيمَانِ لَيْسَ كَالْخَطَأِ فِي اسْمِ مُحَدِّثٍ؛ وَلَا كَالْخَطَأِ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَسْمَاءِ" لماذا؟ قال: لأن الخطأ في اسم الإيمان يترتب عليه أحكام؛ فالإيمان يترتب عليه أحكام الدنيا، والآخرة متعلقة باسم الإيمان، والإسلام، والكفر، والنفاق، فالخطأ فيه خطأٌ عظيم؛ ولهذا ندم الحسن بن محمد بن الحنفية على كتابه هذا؛ وهذه الأقوال كلها تدل على أن مذهب المرجئة مذهب باطل وفاسد، وإن كان حتى مرجئة الفقهاء، وإن كانوا وافقوا أهل السنة في المعنى إلَّا أنه كان سببًا لخطأ عظيم في العقائد، والأعمال، أما مرجئة  المحضة وهم الجهمية، والمرجئة فهذا فسادهم ظاهر، فساد أهل المذهب ظاهر البطلان لكل أحد.

المتن:

"وَأَحْمَد فَرَّقَ بَيْنَ الْمَعْرِفَةِ الَّتِي فِي الْقَلْبِ وَبَيْنَ التَّصْدِيقِ الَّذِي فِي الْقَلْبِ فَإِنَّ تَصْدِيقَ اللِّسَانِ هُوَ الْإِقْرَارُ؛ وَقَدْ ذَكَرَ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ وَهَذَا يَحْتَمِلُ " شَيْئَيْنِ " يَحْتَمِلُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ تَصْدِيقِ الْقَلْبِ وَمَعْرِفَتِهِ وَهَذَا قَوْلُ ابْن كُلَّابٍ والقلانسي، وَالْأَشْعَرِيُّ وَأَصْحَابُهُ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ مَعْرِفَةِ الْقَلْبِ وَبَيْنَ تَصْدِيقِ الْقَلْبِ فَإِنَّ تَصْدِيقَ الْقَلْبِ قَوْلُهُ. وَقَوْلُ الْقَلْبِ عِنْدَهُمْ لَيْسَ هُوَ الْعِلْمُ بَلْ نَوْعًا آخَرُ؛ وَلِهَذَا قَالَ أَحْمَد: هَلْ يَحْتَاجُ إلَى الْمَعْرِفَةِ مَعَ الْإِقْرَارِ؟ وَهَلْ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَكُونَ مُصَدِّقًا بِمَا عَرَفَ؟ فَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْمَعْرِفَةِ مَعَ الْإِقْرَارِ فَقَدْ زَعَمَ أَنَّهُ مِنْ شَيْئَيْنِ وَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ يَحْتَاجُ أَنْ يَكُونَ مُقِرًّا وَمُصَدِّقًا بِمَا عَرَفَ فَهُوَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ فَإِنْ جَحَدَ وَقَالَ: لَا يَحْتَاجُ إلَى الْمَعْرِفَةِ وَالتَّصْدِيقِ. فَقَدْ أَتَى عَظِيمًا وَلَا أَحْسَبُ امْرَأً يَدْفَعُ الْمَعْرِفَةَ وَالتَّصْدِيقَ.

وَاَلَّذِينَ قَالُوا: الْإِيمَانُ هُوَ الْإِقْرَارُ. فَالْإِقْرَارُ بِاللِّسَانِ يَتَضَمَّنُ التَّصْدِيقَ بِاللِّسَانِ.

وَالْمُرْجِئَةُ لَمْ تَخْتَلِفْ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِاللِّسَانِ فِيهِ التَّصْدِيقُ؛ فَعُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ تَصْدِيقَ الْقَلْبِ وَمَعْرِفَتَهُ مَعَ الْإِقْرَارِ بِاللِّسَانِ؛ إلَّا أَنْ يُقَالَ: أَرَادَ تَصْدِيقَ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ جَمِيعًا مَعَ الْمَعْرِفَةِ وَالْإِقْرَارِ؛ وَمُرَادُهُ بِالْإِقْرَارِ الِالْتِزَامُ لَا التَّصْدِيقُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ [آل عمران:81]؛ فَالْمِيثَاقُ الْمَأْخُوذُ عَلَى أَنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَنْصُرُونَهُ وَقَدْ أُمِرُوا بِهَذَا وَلَيْسَ هَذَا الْإِقْرَارُ تَصْدِيقًا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُخْبِرْهُمْ بِخَبَرِ؛ بَلْ أَوْجَبَ عَلَيْهِمْ إذَا جَاءَهُمْ ذَلِكَ الرَّسُولُ أَنْ يُؤْمِنُوا بِهِ وَيَنْصُرُوهُ. فَصَدَّقُوا بِهَذَا الْإِقْرَارِ وَالْتَزَمُوهُ فَهَذَا هُوَ إقْرَارُهُمْ. وَالْإِنْسَانُ قَدْ يُقِرُّ لِلرَّسُولِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَلْتَزِمُ مَا يَأْمُرُ بِهِ مَعَ غَيْرِ مَعْرِفَةٍ وَمِنْ غَيْرِ تَصْدِيقٍ لَهُ بِأَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ لَكِنْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْمُرْجِئَةِ: إنَّ هَذَا الْإِقْرَارَ يَكُونُ إيمَانًا.

بَلْ لَا بُدَّ عِنْدَهُمْ مِنْ الْإِقْرَارِ الْخَبَرِيِّ وَهُوَ أَنَّهُ يُقِرُّ لَهُ بِأَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ كَمَا يُقِرُّ الْمُقِرُّ بِمَا يُقِرُّ بِهِ مِنْ الْحُقُوقِ وَلَفْظُ الْإِقْرَارِ يَتَنَاوَلُ الِالْتِزَامَ وَالتَّصْدِيقَ وَلَا بُدَّ مِنْهُمَا وَقَدْ يُرَادُ بِالْإِقْرَارِ مُجَرَّدُ التَّصْدِيقِ بِدُونِ الْتِزَامِ الطَّاعَةِ؛ وَالْمُرْجِئَةُ تَارَةً يَجْعَلُونَ هَذَا هُوَ الْإِيمَانَ وَتَارَةً يَجْعَلُونَ الْإِيمَانَ التَّصْدِيقَ وَالِالْتِزَامَ مَعًا هَذَا هُوَ الْإِقْرَارُ الَّذِي يَقُولُهُ فُقَهَاءُ الْمُرْجِئَةِ: إنَّهُ إيمَانٌ وَإِلَّا لَوْ قَالَ: أَنَا أُطِيعُهُ وَلَا أُصَدِّقُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ أَوْ أُصَدِّقُهُ وَلَا أَلْتَزِمُ طَاعَتَهُ لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا وَلَا مُؤْمِنًا عِنْدَهُمْ".

الشرح:

المؤلف رحمه الله نقل عن الإمام أحمد رحمه الله مناقشته للمرجئة في قولهم: إن الإيمان: هو المعرفة، أو الإيمان: التصديق، أو الإيمان: الإقرار، وأن الإمام أحمد رحمه الله فرق بين المعرفة التي في القلب وبين التصديق الذي في القلب، فقال: " وَأَحْمَد فَرَّقَ بَيْنَ الْمَعْرِفَةِ الَّتِي فِي الْقَلْبِ وَبَيْنَ التَّصْدِيقِ الَّذِي فِي الْقَلْبِ".

قال: "فَإِنَّ تَصْدِيقَ اللِّسَانِ هُوَ الْإِقْرَارُ"؛ يعني هو النطق باللسان، وكذلك تصديق القلب: هو إقرار القلب، وأما المعرفة، المعرفة: فهي علم القلب.

ولهذا قال المؤلف رحمه الله: " وَقَدْ ذَكَرَ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ وَهَذَا يَحْتَمِلُ " شَيْئَيْنِ " يَحْتَمِلُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ تَصْدِيقِ الْقَلْبِ وَمَعْرِفَتِهِ وَهَذَا قَوْلُ ابْن كُلَّابٍ"؛ يعني عبد الوهاب بن سعيد بن كلاب، والقلانسي، وكذلك الْأَشْعَرِيُّ؛ أبو الحسن الأشعري، وَأَصْحَابُه قال: قول ابن كلاب، والقلانسي يفرقون بين تصديق القلب ومعرفته، وأما أبو الحسن الأشعري وأصحابه فيفرقون بين معرفة القلب، وتصديق القلب.

قال: فإن تصديق القلب قوله؛ يعني قول القلب، وقول القلب عندهم ليس هو العلم، بل هو نوع آخر.

ولهذا قال أحمد رحمه الله: هل يحتاج إلى المعرفة مع الإقرار؟؛ يعني هل يحتاج في الإيمان إلى المعرفة مع الإقرار؟ وهل يحتاج أن يكون مصدقًا لما عرف؟ فإن زعم أنه يحتاج إلى المعرفة مع الإقرار، فقد زعم أنه من شيئين؛ يعني أن الإيمان مكون من شيئين؛ المعرفة مع الإقرار، وإن زعم أنه يحتاج إلى أن يكون مقرًّا ومصدقًا بما عرف هو من ثلاثة أشياء، هذا ينقض أصلهم لأن المرجئة يقولون: الإيمان شيء واحد، فإذا قالوا: أنه مكون من شيئين: المعرفة، والإقرار، أو قالوا: أنه مكون من ثلاثة أشياء: المعرفة، والإقرار، والتصديق؛ فإن هذا ينقض أصلهم؛ إذا ذهبت المعرفة، أو ذهب الإقرار، أو ذهب التصديق ذهب البعض وبقيَّ البعض؛ وهذا يناقض أصلهم وشبهتهم أن الإيمان شيء واحد لا يزيد، ولا ينقص.

قال: " فَإِنْ جَحَدَ وَقَالَ: لَا يَحْتَاجُ إلَى الْمَعْرِفَةِ وَالتَّصْدِيقِ"؛ يعني لا يحتاج في الإيمان إلى المعرفة والتصديق "فَقَدْ أَتَى عَظِيمًا وَلَا أَحْسَبُ امْرَأً يَدْفَعُ الْمَعْرِفَةَ وَالتَّصْدِيقَ" هذا لا يمكن؛ يعني المرجئة يناقشون في هذه الأمور، إذا قالوا: إن الإيمان مكون من المعرفة والتصديق، أو من المعرفة، والإقرار، والتصديق فقد زعموا أنه متعدد ومتبعض...، وإن جحدوا وقالوا: لا يحتاج إلى المعرفة والتصديق؛ فهذا قول عظيم لا يمكن أن يقول مسلم: إن المعرفة والتصديق لا يحتاج إليها المؤمن.

قال المؤلف رحمه الله: " وَاَلَّذِينَ قَالُوا: الْإِيمَانُ هُوَ الْإِقْرَارُ. فَالْإِقْرَارُ بِاللِّسَانِ يَتَضَمَّنُ التَّصْدِيقَ بِاللِّسَانِ.

وَالْمُرْجِئَةُ لَمْ تَخْتَلِفْ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِاللِّسَانِ فِيهِ التَّصْدِيقُ؛ فَعُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ تَصْدِيقَ الْقَلْبِ وَمَعْرِفَتَهُ مَعَ الْإِقْرَارِ بِاللِّسَانِ؛ إلَّا أَنْ يُقَالَ: أَرَادَ تَصْدِيقَ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ جَمِيعًا مَعَ الْمَعْرِفَةِ وَالْإِقْرَارِ؛ وَمُرَادُهُ بِالْإِقْرَارِ الِالْتِزَامُ لَا التَّصْدِيقُ"؛ يعني الذين قالوا: الإيمان هو الإقرار فإذا كان القائل هو من مرجئة الفقهاء يريد الإقرار، الإقرار باللسان؛ وهو يتضمن التصديق باللسان، والمرجئة قالوا: الإقرار باللسان فيه تصديق، هذا لا يختلفون أن الإقرار فيه التصديق، لكن اختلفوا في تصديق القلب.

قال: " فَعُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ تَصْدِيقَ الْقَلْبِ وَمَعْرِفَتَهُ مَعَ الْإِقْرَارِ بِاللِّسَانِ؛ إلَّا أَنْ يُقَالَ: أَرَادَ تَصْدِيقَ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ جَمِيعًا مَعَ الْمَعْرِفَةِ وَالْإِقْرَارِ؛ وَمُرَادُهُ بِالْإِقْرَارِ الِالْتِزَامُ لَا التَّصْدِيقُ"؛ لأن الإقرار يأتي بمعنى الالتزام  كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ [آل عمران:81]؛ الآية فيها أن قوله: قال: المراد بالإقرار: الالتزام.

ولهذا قال المؤلف: " فَالْمِيثَاقُ الْمَأْخُوذُ عَلَى أَنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَنْصُرُونَهُ وَقَدْ أُمِرُوا بِهَذَا وَلَيْسَ هَذَا الْإِقْرَارُ تَصْدِيقًا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُخْبِرْهُمْ بِخَبَرِ؛ بَلْ أَوْجَبَ عَلَيْهِمْ" أوجب عليهم الالتزام بهذا الميثاق، " إذَا جَاءَهُمْ ذَلِكَ الرَّسُولُ أَنْ يُؤْمِنُوا بِهِ وَيَنْصُرُوهُ. فَصَدَّقُوا بِهَذَا الْإِقْرَارِ وَالْتَزَمُوهُ"؛ فجعل الالتزام إقرارًا قال: فهذا هو إقرارهم، إقرارهم يعني: التصديق والالتزام.

قال المؤلف رحمه الله: "وَالْإِنْسَانُ قَدْ يُقِرُّ لِلرَّسُولِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَلْتَزِمُ مَا يَأْمُرُ بِهِ مَعَ غَيْرِ مَعْرِفَةٍ وَمِنْ غَيْرِ تَصْدِيقٍ لَهُ بِأَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ لَكِنْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْمُرْجِئَةِ: إنَّ هَذَا الْإِقْرَارَ يَكُونُ إيمَانًا"؛ يعني إذا كذب 22:36 وهو لم يصدق ما يكون إيمان؛ لأن المنافقين يلتزمون، يعملون؛ يصلون، ويصومون لكن ليس لهم إيمان باطن يصدق على العمل فلا يكونوا مؤمنين.

ولهذا قال المؤلف رحمه الله:" لَكِنْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْمُرْجِئَةِ: إنَّ هَذَا الْإِقْرَارَ يَكُونُ إيمَانًا، بَلْ لَا بُدَّ عِنْدَهُمْ مِنْ الْإِقْرَارِ الْخَبَرِيِّ وَهُوَ أَنَّهُ يُقِرُّ لَهُ بِأَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ كَمَا يُقِرُّ الْمُقِرُّ بِمَا يُقِرُّ بِهِ مِنْ الْحُقُوقِ".

قال المؤلف رحمه الله: " وَلَفْظُ الْإِقْرَارِ يَتَنَاوَلُ الِالْتِزَامَ وَالتَّصْدِيقَ"؛ يعني يتناول الأمرين: الإقرار معناه: تصديق، والتزام؛ إذا أقرَّ شخص لشخص بأن عليه دينًا، وإنه يطلبه ألفًا؛ فهذا معنى صدق بالدين والتزم به؛ فلفظ الإقرار يتناول الالتزام، والتصديق.

قال المؤلف: " وَلَا بُدَّ مِنْهُمَا وَقَدْ يُرَادُ بِالْإِقْرَارِ مُجَرَّدُ التَّصْدِيقِ بِدُونِ الْتِزَامِ الطَّاعَةِ"؛ يعني الإقرار يراد به الالتزام والتصديق، وقد يراد به التصديق دون التزام.

قال المؤلف رحمه الله: " وَالْمُرْجِئَةُ تَارَةً يَجْعَلُونَ هَذَا هُوَ الْإِيمَانَ"؛ يعني مجرد التصديق دون الالتزام، والطاعة، " وَتَارَةً يَجْعَلُونَ الْإِيمَانَ التَّصْدِيقَ وَالِالْتِزَامَ مَعًا"؛ فالمرجئة أحيانًا يجعلون الإيمان تصديق مجرد، وأحيانًا يجعلون التصديق مع الالتزام.

قال: " هَذَا هُوَ الْإِقْرَارُ الَّذِي يَقُولُهُ فُقَهَاءُ الْمُرْجِئَةِ: إنَّهُ إيمَانٌ وَإِلَّا لَوْ قَالَ: أَنَا أُطِيعُهُ وَلَا أُصَدِّقُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ أَوْ أُصَدِّقُهُ وَلَا أَلْتَزِمُ طَاعَتَهُ لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا وَلَا مُؤْمِنًا عِنْدَهُمْ." هذا لا شك فإذا قال شخص: أنا أطيع الرسول عليه السلام ولا أصدق أنه رسول الله؛ هذا لا شك أنه كافر، وكذلك إذا قال: أنا أصدقه، ولا التزم طاعته؛ فإنه لا يكون مسلمًا، ولا مؤمنًا.

المتن:

"وَأَحْمَد قَالَ: لَا بُدَّ مَعَ هَذَا الْإِقْرَارِ أَنْ يَكُونَ مُصَدِّقًا وَأَنْ يَكُونَ عَارِفًا وَأَنْ يَكُونَ مُصَدِّقًا بِمَا عَرَفَ.

وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: مُصَدِّقًا بِمَا أَقَرَّ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَصْدِيقٍ بَاطِنٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لَفْظُ التَّصْدِيقِ عِنْدَهُ يَتَضَمَّنُ الْقَوْلَ وَالْعَمَلَ جَمِيعًا كَمَا قَدْ ذَكَرْنَا شَوَاهِدَهُ أَنَّهُ يُقَالُ: صَدَقَ بِالْقَوْلِ وَالْعَمَلِ فَيَكُونُ تَصْدِيقُ الْقَلْبِ عِنْدَهُ يَتَضَمَّنُ أَنَّهُ مَعَ مَعْرِفَةِ قَلْبِهِ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ قَدْ خَضَعَ لَهُ وَانْقَادَ؛ فَصَدَّقَهُ بِقَوْلِ قَلْبِهِ وَعَمَلِ قَلْبِهِ مَحَبَّةً وَتَعْظِيمًا وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ مَعْرِفَةِ قَلْبِهِ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ مَعَ الْإِعْرَاضِ عَنْ الِانْقِيَادِ لَهُ وَلِمَا جَاءَ بِهِ إمَّا حَسَدًا وَإِمَّا كِبْرًا وَإِمَّا لِمَحَبَّةِ دِينِهِ الَّذِي يُخَالِفُهُ وَإِمَّا لِغَيْرِ ذَلِكَ فَلَا يَكُونُ إيمَانًا.

وَلَا بُدَّ فِي الْإِيمَانِ مِنْ عِلْمِ الْقَلْبِ وَعَمَلِهِ فَأَرَادَ أَحْمَد بِالتَّصْدِيقِ أَنَّهُ مَعَ الْمَعْرِفَةِ بِهِ صَارَ الْقَلْبُ مُصَدِّقًا لَهُ تَابِعًا لَهُ مُحِبًّا لَهُ مُعَظِّمًا لَهُ فَإِنَّ هَذَا لَا بُدَّ مِنْهُ وَمَنْ دَفَعَ هَذَا عَنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْإِيمَانِ فَهُوَ مِنْ جِنْسِ مَنْ دَفَعَ الْمَعْرِفَةَ مِنْ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْإِيمَانِ وَهَذَا أَشْبَهُ بِأَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ كَلَامُ أَحْمَد؛ لِأَنَّ وُجُوبَ انْقِيَادِ الْقَلْبِ مَعَ مَعْرِفَتِهِ ظَاهِرٌ ثَابِتٌ بِدَلَائِلِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ بَلْ ذَلِكَ مَعْلُومٌ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ وَمَنْ نَازَعَ مِنْ الْجَهْمِيَّة فِي أَنَّ انْقِيَادَ الْقَلْبِ مِنْ الْإِيمَانِ فَهُوَ كَمَنْ نَازَعَ مِنْ الكَرَّامِيَة فِي أَنَّ مَعْرِفَةَ الْقَلْبِ مِنْ الْإِيمَانِ فَكَانَ حَمْلُ كَلَامِ أَحْمَد عَلَى هَذَا هُوَ الْمُنَاسِبُ لِكَلَامِهِ فِي هَذَا الْمَقَامِ.

 وَأَيْضًا فَإِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ مَعْرِفَةِ الْقَلْبِ وَبَيْن مُجَرَّدِ تَصْدِيقِ الْقَلْبِ الْخَالِي عَنْ الِانْقِيَادِ الَّذِي يَجْعَلُ قَوْلَ الْقَلْبِ؛ أَمْرٌ دَقِيقٌ وَأَكْثَرُ الْعُقَلَاءِ يُنْكِرُونَهُ وَبِتَقْدِيرِ صِحَّتِهِ لَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ يُوجِبَ شَيْئَيْنِ لَا يُتَصَوَّرُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَأَكْثَرُ النَّاسِ لَا يَتَصَوَّرُونَ الْفَرْقَ بَيْنَ مَعْرِفَةِ الْقَلْبِ وَتَصْدِيقِهِ وَيَقُولُونَ: إنَّ مَا قَالَهُ ابْنُ كُلَّابٍ وَالْأَشْعَرِيُّ مِنْ الْفَرْقِ كَلَامٌ بَاطِلٌ لَا حَقِيقَةَ لَهُ وَكَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ اعْتَرَفَ بِعَدَمِ الْفَرْقِ وَعُمْدَتُهُمْ مِنْ الْحُجَّةِ إنَّمَا هُوَ خَبَرُ الْكَاذِبِ قَالُوا: فَفِي قَلْبِهِ خَبَرٌ بِخِلَافِ عِلْمِهِ فَدَلَّ عَلَى الْفَرْقِ. فَقَالَ لَهُمْ النَّاسُ: ذَاكَ بِتَقْدِيرِ خَبَرٍ وَعِلْمٍ لَيْسَ هُوَ عِلْمًا حَقِيقِيًّا وَلَا خَبَرًا حَقِيقِيًّا وَلِمَا أَثْبَتُوهُ مِنْ قَوْلِ الْقَلْبِ الْمُخَالِفِ لِلْعِلْمِ وَالْإِرَادَةِ إنَّمَا يَعُودُ إلَى تَقْدِيرِ عُلُومٍ وَإِرَادَاتٍ لَا إلَى جِنْسٍ آخَرَ يُخَالِفُهَا".

الشرح:

فإن المؤلف شيخ الإسلام: ابن تيمية رحمه الله ناقش المرجئة في قولهم: إن الإيمان واحد لا يتعدد، ولا يتبعض، ولا يزيد، ولا ينقص، ولا يذهب بعضه ويبقى بعضه، ناقشهم في أن الإيمان لابد فيه من المعرفة، ولابد فيه من التصديق فإن قالوا: إن الإيمان هو المعرفة والتصديق فقد زعموا أنه من شيئين؛ وهذا خلاف قولهم، وكذلك إذا قالوا إن الإيمان هو الإقرار، والمعرفة، والتصديق؛ فإنهم جعلوه مكون من ثلاثة أشياء؛ وهذا ينقض أصلهم؛ أن الإيمان شيء واحد لا يتعدد، ولا يتبعض.

ثم بيَّن رحمه الله، نقل عن الإمام أحمد رحمه الله: أن الإقرار لا بد فيه من التصديق، ولا بد فيه من المعرفة، لا بد أن يكون مقرا، مصدقًا، وعارفًا، ولفظ التصديق يتضمن القول والعمل جميعًا، وأن هذا لا بد منه، وأن قول المرجئة: أن الإقرار يكفي، أو المعرفة تكفي، أو التصديق وحده يكفي هذا باطل لا بد من هذه الأمور، لا بد من الإقرار، والمعرفة، والتصديق، والالتزام، والعمل.

فقال المؤلف رحمه الله: "وأحمد"؛ يعني الإمام أحمد رحمه الله قال: ": لَا بُدَّ مَعَ هَذَا الْإِقْرَارِ أَنْ يَكُونَ مُصَدِّقًا وَأَنْ يَكُونَ عَارِفًا وَأَنْ يَكُونَ مُصَدِّقًا بِمَا عَرَفَ" إذ لا بد من هذه الأمور؛ الثلاثة أشياء؛ لا بدمن الإقرار في الباطن لا بد أن يكون معه تصديق، والتصديق لا بد أن يكون معه حركة، حركة في القلب، وهذه الحركة هي المحبة، وهذه الحركة تدفع الإنسان إلى العمل، إذًا لا بد من الإقرار في الباطن أن يكون مصدقًا، وأن يكون عارفًا، وأن يكون مصدقًا بما عرف.

قال المؤلف رحمه الله: " وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى"؛ يعني عن الإمام أحمد: مُصَدِّقًا بِمَا أَقَرَّ؛ يعني لا بد أن يكون مصدقًا بما أقر، قال: وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَصْدِيقٍ بَاطِنٍ، قال: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لَفْظُ التَّصْدِيقِ عِنْدَهُ يَتَضَمَّنُ الْقَوْلَ وَالْعَمَلَ جَمِيعًا كَمَا قَدْ ذَكَرْنَا شَوَاهِدَهُ أَنَّهُ يُقَالُ: صَدَقَ بِالْقَوْلِ وَالْعَمَلِ فَيَكُونُ تَصْدِيقُ الْقَلْبِ عِنْدَهُ يَتَضَمَّنُ أَنَّهُ مَعَ مَعْرِفَةِ قَلْبِهِ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ قَدْ خَضَعَ لَهُ وَانْقَادَ؛ فَصَدَّقَهُ بِقَوْلِ قَلْبِهِ وَعَمَلِ قَلْبِهِ مَحَبَّةً وَتَعْظِيمًا" وهذا لا بد منه في الإيمان، لا بد من تصديق القلب، ولا بد من معرفة القلب، ولا بد من الانقياد والخضوع لأمر الله ورسوله، لابد أن يكون الإنسان منقاد، فالانقياد شرط في صحة كلمة التوحيد؛ لا إله إلَّا الله؛ لأن من شروطها؛ هذه الكلمة دلَّت النصوص على أن لها شروط، وقيود تقيد بها كلمة التوحيد؛ وهي شهادة أن لا إله إلَّا الله لابد فيها من العلم المنافي للجهل، ولابد فيها من اليقين المنافي للشك والريب، ولا بد فيها من الصدق المانع من النفاق، ولا بد فيها من الإخلاص المنافي للشرك، ولابد فيها من الانقياد لحقوق هذه الكلمة؛ وهي الأعمال الواجبة.

فالذي ليس عنده انقياد ليس بمؤمن، الذي ليس عنده انقياد يكون إيمانه كإيمان إبليس وفرعون؛ لأن إبليس وفرعون كل منهما يعلم عنده علم، ومعرفة في القلب، وإبليس لم يعارض أمر الله، لم يقابل أمر الله بالتكذيب، وإنما قابل أمر الله بالاستكبار والإباء لما قال الله: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا [الإسراء:61]، قال إبليس: قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ [الأعراف:12]

فهو عارض أمر الله بالإباء، والاستكبار، فلابد من الانقياد، إذا لم يكن هناك انقياد من القلب فليس هناك إيمان.

ولهذا قال المؤلف رحمه الله: "فَيَكُونُ تَصْدِيقُ الْقَلْبِ عِنْدَهُ يَتَضَمَّنُ أَنَّهُ مَعَ مَعْرِفَةِ قَلْبِهِ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ قَدْ خَضَعَ لَهُ وَانْقَادَ؛ فَصَدَّقَهُ بِقَوْلِ قَلْبِهِ وَعَمَلِ قَلْبِهِ مَحَبَّةً وَتَعْظِيمًا وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ مَعْرِفَةِ قَلْبِهِ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ مَعَ الْإِعْرَاضِ عَنْ الِانْقِيَادِ لَهُ وَلِمَا جَاءَ بِهِ لا يكون إيمانًا" يعني كونه عنده معرفة في القلب، وتصديق في القلب لكنه يعرض عن الانقياد فلا ينقاد للرسول عليه الصلاة والسلام، ولا يتبع أمره، ولا يمتثل أمره، ولا يجتنب نهيه؛ فإنه لا يكون مؤمنًا.

ثم بيَّن المؤلف رحمه الله الحامل له على عدم الانقياد: إما الحسد، وإما الكبر كما صدر من إبليس، إبليس لم ينقد لأمر الله حسدًا، وكبرًا  إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ [البقرة:34]

قال: "وَإِمَّا لِمَحَبَّةِ دِينِهِ الَّذِي يُخَالِفُهُ"؛ محبة الدين المخالف.

قال: "وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ مَعْرِفَةِ قَلْبِهِ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ مَعَ الْإِعْرَاضِ عَنْ الِانْقِيَادِ لَهُ وَلِمَا جَاءَ بِهِ إمَّا حَسَدًا وَإِمَّا كِبْرًا وَإِمَّا لِمَحَبَّةِ دِينِهِ الَّذِي يُخَالِفُهُ وَإِمَّا لِغَيْرِ ذَلِكَ فَلَا يَكُونُ إيمَانًا"؛ يعني لا يكون إيمانًا بدون الانقياد أيا كان سبب عدم الانقياد قد يكون سببه الحسد عدم الانقياد، وقد يكون سببه الكبر، وقد يكون سببه محبة الدين المخالف، وقد يكون غير ذلك.

قال المؤلف رحمه الله: " وَلَا بُدَّ فِي الْإِيمَانِ مِنْ عِلْمِ الْقَلْبِ وَعَمَلِهِ"؛ الفرق بين العلم والعمل؛ علم القلب: التصديق والمعرفة، وعمل القلب: المحبة والرغبة والصدق، والإخلاص، والخوف، والرجاء إلى آخره، لا بد من الأمرين: علم القلب، وعمل القلب.

قال: " وَلَا بُدَّ فِي الْإِيمَانِ مِنْ عِلْمِ الْقَلْبِ وَعَمَلِهِ فَأَرَادَ أَحْمَد؛ الإمام أحمد رحمه الله بِالتَّصْدِيقِ أَنَّهُ مَعَ الْمَعْرِفَةِ بِهِ صَارَ الْقَلْبُ مُصَدِّقًا لَهُ تَابِعًا لَهُ مُحِبًّا لَهُ مُعَظِّمًا لَهُ فَإِنَّ هَذَا لَا بُدَّ مِنْهُ"؛ أي لا بد في الإيمان من التصديق، والمحبة، والتعظيم وإلَّا فلا يكون إيمانًا.

قال المؤلف رحمه الله: "وَمَنْ دَفَعَ هَذَا عَنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْإِيمَانِ فَهُوَ مِنْ جِنْسِ مَنْ دَفَعَ الْمَعْرِفَةَ مِنْ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْإِيمَانِ"؛ فقال: أنه لا يلزم المحبة، والتعظيم، والانقياد؛ فهو من جنس من يقول: المعرفة لا تكون من الإيمان، وكيف يكون الإنسان مؤمن بدون معرفة؟! لا يمكن.

قال المؤلف رحمه الله: " وَهَذَا أَشْبَهُ بِأَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ كَلَامُ أَحْمَد رحمه الله؛ لِأَنَّ وُجُوبَ انْقِيَادِ الْقَلْبِ مَعَ مَعْرِفَتِهِ ظَاهِرٌ ثَابِتٌ بِدَلَائِلِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ" يقول: ينبغي أن يحمل كلام الإمام أحمد رحمه الله على أحسن المحامل، وعلى ما دلَّت عليه النصوص، فوجوب انقياد القلب أدلته ظاهرة في الكتاب، والسنة اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ [الأعراف:3] فوجوب الانقياد مع معرفة القلب أدلته ظاهرة من الكتاب، والسنة، والإجماع.

قال: " بَلْ ذَلِكَ مَعْلُومٌ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ"؛ أنه لا بد في الإيمان من انقياد القلب مع المعرفة.

قال المؤلف رحمه الله: " وَمَنْ نَازَعَ مِنْ الْجَهْمِيَّة فِي أَنَّ انْقِيَادَ الْقَلْبِ مِنْ الْإِيمَانِ فَهُوَ كَمَنْ نَازَعَ مِنْ الكَرَّامِيَة فِي أَنَّ مَعْرِفَةَ الْقَلْبِ مِنْ الْإِيمَانِ" إذًا الجهمية يقولون: لا يجب انقياد القلب؛ معنى ذلك أنه ليس هناك عمل يتحقق بالإيمان، قال: مثلهم مثل الكرامية الذين يقولون: معرفة القلب من الإيمان، وإنما يكفي الإقرار باللسان حتى لا يتعدد الإيمان في زعمهم.

قال: " فَكَانَ حَمْلُ كَلَامِ أَحْمَد عَلَى هَذَا هُوَ الْمُنَاسِبُ لِكَلَامِهِ فِي هَذَا الْمَقَامِ.

قال: وَأَيْضًا فَإِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ مَعْرِفَةِ الْقَلْبِ وَبَيْن مُجَرَّدِ تَصْدِيقِ الْقَلْبِ الْخَالِي عَنْ الِانْقِيَادِ الَّذِي يَجْعَلُ قَوْلَ الْقَلْبِ؛ أَمْرٌ دَقِيقٌ وَأَكْثَرُ الْعُقَلَاءِ يُنْكِرُونَهُ" يقول: الفرق بين معرفة القلب، وتصديق القلب المجرد الخالي عن الانقياد يعسر التفريق بينهما، ما الفرق بين معرفة القلب، وتصديق القلب؟ إذا قيل: إن التصديق خالي عن الانقياد تصديق مجرد ومعرفة القلب ما الفرق بينهما؟! لا فرق؛ فالتصديق هو المعرفة، والمعرفة هي التصديق؛ عرف بقلبه أنه رسول الله، أو صدق بقلبه أنه رسول الله، إذا خلى التصديق عن الانقياد لا فرق.

ولهذا قال المؤلف رحمه الله: الفرق بينهما أمر دقيق، أكثر العقلاء ينكرون الفرق بينهما؛ بين هذين الأمرين، تصديق مجرد مع معرفة؛ التصديق المجرد هو المعرفة، والمعرفة هي التصديق.

طالب: الترادف.

الشيخ:

نعم؛ ولهذا قال: "وَأَيْضًا فَإِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ مَعْرِفَةِ الْقَلْبِ وَبَيْن مُجَرَّدِ تَصْدِيقِ الْقَلْبِ الْخَالِي عَنْ الِانْقِيَادِ الَّذِي يَجْعَلُ قَوْلَ الْقَلْبِ"؛ يعني التصديق يجعل قول القلب، قول القلب: هو التصديق المجرد الذي يجعل قول القلب، قول القلب: هو الانقياد، قول القلب: هو التصديق المجرد، فإذا قيل: إن قول القلب الذي هو التصديق المجرد هو المعرفة هذا قول يعني له وجهه؛ التصديق المجرد: هو المعرفة، والمعرفة هي التصديق المجرد.

قال: " وَأَكْثَرُ الْعُقَلَاءِ يُنْكِرُونَهُ؛ ينكرون الفرق بينهما، وَبِتَقْدِيرِ صِحَّتِهِ لَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ يُوجِبَ شَيْئَيْنِ لَا يُتَصَوَّرُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَأَكْثَرُ النَّاسِ لَا يَتَصَوَّرُونَ الْفَرْقَ بَيْنَ مَعْرِفَةِ الْقَلْبِ وَتَصْدِيقِهِ"؛ بتقدير صحة أن هناك فرق بين التصديق المجرد وبين المعرفة لا يجب على كل أحد أن يوجب شيئين أكثر الناس لا يستطيع الفرق بينهما، كيف يوجب شيئين لا يعرف الفرق بينهما.

ولهذا قال: "وَأَكْثَرُ النَّاسِ لَا يَتَصَوَّرُونَ الْفَرْقَ بَيْنَ مَعْرِفَةِ الْقَلْبِ وَتَصْدِيقِهِ وَيَقُولُونَ: إنَّ مَا قَالَهُ ابْنُ كُلَّاب؛ عبد الله بن سعيد بن كلاب،ٍ وَالْأَشْعَرِيُّ؛ أبوالحسن الأشعري، مِنْ الْفَرْقِ كَلَامٌ بَاطِلٌ لَا حَقِيقَةَ لَهُ"؛ يعني ابن كلاب؛ عبد الله بن سعيد بن كلاب، وأبوالحسن الأشعري يقولون: هناك فرق بين معرفة القلب وتصديق القلب، يقول: هذا كلام باطل لا حقيقة له.

قال: " وَكَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ اعْتَرَفَ بِعَدَمِ الْفَرْقِ" كثير من أصحاب الأشعري اعترف بعدم الفرق، كثير من أصحاب أبي الحسن الأشعري قالوا: لا فرق خالفوه، وقالوا: لا فرق بين التصديق المجرد والمعرفة.

قال: وعمدتهم؛ عمدة ابن كلاب؛ عبد الله بن سعيد بن كلاب، وأبو الحسن الأشعري في التفريق بين المعرفة؛ معرفة القلب، والتصديق المجرد عمدتهم خبر الكاذب، قالوا: الكاذب في قلبه خبر يخالف علمه، ويعلم شيء وفي قلبه خبر يخالف علمه؛ هذه حجتهم؛ عمدتهم.

قال المؤلف: " وَعُمْدَتُهُمْ مِنْ الْحُجَّةِ إنَّمَا هُوَ خَبَرُ الْكَاذِبِ قَالُوا: فَفِي قَلْبِهِ خَبَرٌ بِخِلَافِ عِلْمِهِ فَدَلَّ عَلَى الْفَرْقِ. فَقَالَ لَهُمْ النَّاسُ؛ يعني ردًّا عليهم: ذَاكَ بِتَقْدِيرِ خَبَرٍ وَعِلْمٍ"؛ هذا تقدير، أمرٌ تقديري؛ فرضي وإلَّا ما يمكن أن يوجد في القلب خبر كاذب ويعلم بذلك، الخبر الذي في القلب مطابق لعلم القلب، فكونكم تقدرون خبر الكاذب هذا تقدير فرضي، فلا يقال: أنه فرق؛ يعني تفرقون بينهما بالتقدير، الواقع أنه لا يكون في القلب خبر كاذب، بل ما في القلب يوافق علم القلب، فإذا قدرتم أن هناك خبرٌ كاذب في القلب يخالف العلم هذا لا يكون فرق؛ لأن هذا تقديري، والتقديري فرضي لا يعول عليه.

قال المؤلف رحمه الله: " فَقَالَ لَهُمْ النَّاسُ: ذَاكَ بِتَقْدِيرِ خَبَرٍ وَعِلْمٍ لَيْسَ هُوَ عِلْمًا حَقِيقِيًّا وَلَا خَبَرًا حَقِيقِيًّا"، وإنما خبر تقديري.

قال: " وَلِمَا أَثْبَتُوهُ مِنْ قَوْلِ الْقَلْبِ الْمُخَالِفِ لِلْعِلْمِ وَالْإِرَادَةِ إنَّمَا يَعُودُ إلَى تَقْدِيرِ عُلُومٍ وَإِرَادَاتٍ لَا إلَى جِنْسٍ آخَرَ يُخَالِفُهَا"؛ يعني إنهم لما أثبتوا أن قول القلب يخالف العلم والإرادة، لما قالوا هذا، إنما قالوا هذا؛ لأن هذا يعود إلى أمور تقديرية تقدير علوم وإرادات لا إلى أمر واقع.

قال:" وَلِهَذَا قَالُوا: إنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُومَ بِقَلْبِهِ خَبَرٌ بِخِلَافِ عِلْمِهِ؛ لا يمكن، وَإِنَّمَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ بِلِسَانِهِ" نعم، فاللسان قد يتكلم بشيء يخالف ما في القلب لكن الذي في القلب كيف يكون فيه خبر يخالف علم القلب؟! لا يمكن، إنما هذا يمكن في اللسان، اللسان يخالف ما في القلب، أما ما في القلب شيء واحد لا يمكن فيه علم يمكن أن يفيد التصديق وخبره يفيد الكذب؛ لا يمكن.

المتن:

"وَلِهَذَا قَالُوا: إنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُومَ بِقَلْبِهِ خَبَرٌ بِخِلَافِ عِلْمِهِ؛ وَإِنَّمَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ بِلِسَانِهِ وَأَمَّا أَنَّهُ يَقُومُ بِقَلْبِهِ خَبَرٌ بِخِلَافِ مَا يَعْلَمُهُ فَهَذَا غَيْرُ مُمْكِنٍ.

وَهَذَا مِمَّا اسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى أَنَّ الرَّبَّ تَعَالَى لَا يُتَصَوَّرُ قِيَامُ الْكَذِبِ بِذَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ وَيَمْتَنِعُ قِيَامُ مَعْنًى يُضَادُّ الْعِلْمَ بِذَاتِ الْعَالِمِ وَالْخَبَرُ النَّفْسَانِيُّ الْكَاذِبُ يُضَادُّ الْعِلْمَ.

فَيُقَالُ لَهُمْ: الْخَبَرُ النَّفْسَانِيُّ لَوْ كَانَ خِلَافًا لِلْعِلْمِ لَجَازَ وُجُودُ الْعِلْمِ مَعَ ضِدِّهِ كَمَا يَقُولُونَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ وَهِيَ مِنْ أَقْوَى الْحُجَجِ الَّتِي يَحْتَجُّ بِهَا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَمُوَافِقُوهُ فِي مَسْأَلَةِ الْعَقْلِ وَغَيْرِهَا كَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَأَبِي مُحَمَّدِ ابْنِ اللَّبَّانِ وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ شاذان وَأَبِي الطَّيِّبِ وَأَبِي الْوَلِيدِ الباجي وَأَبِي الْخَطَّابِ وَابْنِ عَقِيلٍ وَغَيْرِهِمْ؛ فَيَقُولُونَ: الْعَقْلُ نَوْعٌ مِنْ الْعِلْمِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِضِدِّ لَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَوْعًا مِنْهُ كَانَ خِلَافًا لَهُ وَلَوْ كَانَ خِلَافًا لَجَازَ وُجُودُهُ مَعَ ضِدِّ الْعَقْلِ وَهَذِهِ الْحُجَّةُ وَإِنْ كَانَتْ ضَعِيفَةً - كَمَا ضَعَّفَهَا الْجُمْهُورُ وَأَبُو الْمَعَالِي الجُوَيْنِي مِمَّنْ ضَعَّفَهَا - فَإِنَّ مَا كَانَ مُسْتَلْزِمًا لِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ ضِدًّا لَهُ إذْ قَدْ اجْتَمَعَا وَلَيْسَ هُوَ مِنْ نَوْعِهِ؛ بَلْ هُوَ خِلَافٌ لَهُ عَلَى هَذَا الِاصْطِلَاحِ الَّذِي يُقَسِّمُونَ فِيهِ كُلَّ اثْنَيْنِ إلَى أَنْ يَكُونَا مِثْلَيْنِ أَوْ خِلَافَيْنِ أَوْ ضِدَّيْنِ فَالْمَلْزُومُ كَالْإِرَادَةِ مَعَ الْعِلْمِ أَوْ كَالْعِلْمِ مَعَ الْحَيَاةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ليس ضِدًّا وَلَا مَثَلًا؛ بَلْ هُوَ خِلَافٌ وَمَعَ هَذَا فَلَا يَجُوزُ وُجُودُهُ مَعَ ضِدِّ اللَّازِمِ فَإِنَّ ضِدَّ اللَّازِمِ يُنَافِيه وَوُجُودُ الْمَلْزُومِ بِدُونِ اللَّازِمِ مُحَالٌ كَوُجُودِ الْإِرَادَةِ بِدُونِ الْعِلْمِ وَالْعِلْمِ بِدُونِ الْحَيَاةِ فَهَذَانِ خِلَافَانِ عِنْدَهُمْ وَلَا يَجُوزُ وُجُودُ أَحَدِهِمَا مَعَ ضِدِّ الْآخَرِ.

كَذَلِكَ الْعِلْمُ هُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِلْعَقْلِ فَكُلُّ عَالِمٍ عَاقِلٌ وَالْعَقْلُ شَرْطٌ فِي الْعِلْمِ فَلَيْسَ مِثْلًا لَهُ وَلَا ضِدًّا وَلَا نَوْعًا مِنْهُ وَمَعَ هَذَا لَا يَجُوزُ وُجُودُهُ مَعَ ضِدِّ الْعَقْلِ، لَكِنَّ هَذِهِ الْحُجَّةَ تُقَالُ لَهُمْ فِي الْعِلْمِ مَعَ كَلَامِ النَّفْسِ الَّذِي هُوَ الْخَبَرُ فَإِنَّهُ لَيْسَ ضِدًّا وَلَا مِثْلًا بَلْ خِلَافًا؛ فَيَجُوزُ وُجُودُ الْعِلْمِ مَعَ ضِدِّ الْخَبَرِ الصَّادِقِ وَهُوَ الْكَاذِبُ فَبَطَلَتْ تِلْكَ الْحُجَّةُ عَلَى امْتِنَاعِ الْكَذِبِ النَّفْسَانِيِّ في الْعَالِمِ وَبَسْطُ هَذَا لَهُ مَوْضِعٌ آخَرُ.

وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا رَجَعَ إلَى نَفْسِهِ عُسِّرَ عَلَيْهِ التَّفْرِيقُ بَيْنَ عِلْمِهِ بِأَنَّ الرَّسُولَ صَادِقٌ وَبَيْنَ تَصْدِيقِ قَلْبِهِ تَصْدِيقًا مُجَرَّدًا عَنْ انْقِيَادٍ وَغَيْرِهِ مِنْ أَعْمَالِ الْقَلْبِ بِأَنَّهُ صَادِقٌ".

الشرح:

المؤلف رحمه الله لا يزال يبيَّن أن العلم والتصديق لا يمكن الفرق بينهما؛ معرفة القلب والتصديق المجرد عن الانقياد لا يمكن التفريق بينهما، ولا يقال: إن في القلب خبرٌ يخالف معرفة القلب؛ فهذا لا يمكن، فقولهم إن الخبر النفساني؛ يعني الخبر الذي في النفس يخالف ما في القلب هذا غير صحيح وغير ومتصور.

قال المؤلف رحمه الله: " وَلِهَذَا قَالُوا: إنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُومَ بِقَلْبِهِ خَبَرٌ بِخِلَافِ عِلْمِهِ"؛ هذا لا يمكن؛ لأن الذي في القلب شيء ......44:3؛ الخبر الذي في القلب هو العلم الذي في القلب، إن كان القلب يعلم كذبًا فالخبر كذب، وإن كان القلب يعلم صدقًا فالخبر صدق، أما أن يكون القلب يعلم شيئًا، ويعرف شيئًا والتصديق مخالف له؛ فهذا لا يمكن، وإنما يمكن هذا أن يخالف أحدهما الآخر  اللسان، اللسان يمكن أن يخالف ما في القلب، أما ما في القلب من التصديق والمعرفة فلا يختلفان بل هو شيءٌ واحد.

قال المؤلف رحمه الله: " وَلِهَذَا قَالُوا: إنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُومَ بِقَلْبِهِ خَبَرٌ بِخِلَافِ عِلْمِهِ؛ وَإِنَّمَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ بِلِسَانِهِ وَأَمَّا أَنَّهُ يَقُومُ بِقَلْبِهِ خَبَرٌ بِخِلَافِ مَا يَعْلَمُهُ فَهَذَا غَيْرُ مُمْكِنٍ".

قال المؤلف رحمه الله: " وَهَذَا مِمَّا اسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى أَنَّ الرَّبَّ تَعَالَى لَا يُتَصَوَّرُ قِيَامُ الْكَذِبِ بِذَاتِه"؛ هذا استدل بها أهل العلم على أن الرب لا يمكن أن يتصور قيام الكذب بذاته؛ لأنه بكل شيء عليم فيمتنع قيام معنى يضاد العلم، بذات العالم؛ يمتنع أن يقوم معنى يخالف العلم بذات العالم، يمتنع أن يقوم بذات العالم معنى يضاد العلم، فإذا كان الإنسان يعلم مسألة من المسائل فيمتنع أن يقوم بذاته شيءٌ يخالف هذا العلم يمتنع هذا.

قال: " وَالْخَبَرُ النَّفْسَانِيُّ الْكَاذِبُ يُضَادُّ الْعِلْمَ"؛ فالقول بأن الخبر، أنه يقوم بقلبه كذب، أنه يمكن أن يقوم بقلبه كذب يخالف ما يعلمه؛ فهذا باطل.

ولهذا قال المؤلف رحمه الله: "وَيَمْتَنِعُ قِيَامُ مَعْنًى يُضَادُّ الْعِلْمَ بِذَاتِ الْعَالِمِ وَالْخَبَرُ النَّفْسَانِيُّ الْكَاذِبُ يُضَادُّ الْعِلْمَ.

فَيُقَالُ لَهُمْ؛ يقال لهم في الرد عليهم: الْخَبَرُ النَّفْسَانِيُّ لَوْ كَانَ خِلَافًا لِلْعِلْمِ لَجَازَ وُجُودُ الْعِلْمِ مَعَ ضِدِّه" فيجتمع أمران؛ يجتمع في القلب علم وكذب، تصديق وتكذيب في آن واحد، في شيء واحد، وجهة واحدة، وهذا مستحيل، مستحيل أن يتوارد أمران على شيءٍ واحد؛ فلا يمكن أن يكون القلب مصدق مكذب في آن واحد، في شيء، في مسألة واحدة ما يمكن في وقت واحد.

ولهذا لما قال الله تعالى، لما وصف المنافقين، فقال: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ [البقرة:8]؛ أثبت لهم الإيمان ونفى عنهم الإيمان؛ لأن الجهة منفكه، أثبت لهم الإيمان باللسان، ونفى عنهم الإيمان بالقلب؛ فالجهة منفكه وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ [البقرة:8]، يعنى: بألسنتهم وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ [البقرة:8]؛ بقلوبهم، وكما قال سبحانه: إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ [المنافقون]؛ يعني بألسنتهم، ثم قال: وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ [المنافقون:1]؛ يعني بقلوبهم؛ فالجهة منفكة، فلا يمكن أن يتوارد ضدان على شيء واحد، في وقت واحد،  في شيء واحد، لا يمكن.

ولهذا قال المؤلف رحمه الله: " فَيُقَالُ لَهُمْ: الْخَبَرُ النَّفْسَانِيُّ لَوْ كَانَ خِلَافًا لِلْعِلْمِ لَجَازَ وُجُودُ الْعِلْمِ مَعَ ضِدِّهِ كَمَا يَقُولُونَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ وَهِيَ مِنْ أَقْوَى الْحُجَجِ الَّتِي يَحْتَجُّ بِهَا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ"؛ هذا القاضي أبو بكر الباقلاني من الأشاعرة الذين برزوا بعد أبي الحسن الأشعري، وقد أضاف إضافات إلى مذهب الأشعري. 

قال: " وَهِيَ مِنْ أَقْوَى الْحُجَجِ الَّتِي يَحْتَجُّ بِهَا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَمُوَافِقُوهُ فِي مَسْأَلَةِ الْعَقْلِ وَغَيْرِهَا كَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى"؛ القاضي أبو يعلى له مؤلفات في هذا في إبطال التأويلات وغيرها، " كَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَأَبِي مُحَمَّدِ ابْنِ اللَّبَّانِ"؛ هو محمد بن عبد الرحمن بن أحمد التميمي الأصبهاني، ومعروف له اشتغال بالفقه، والأصول، وأبي علي بن شاذان؛ أيضًا كذلك هو الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن شاذان، كان حنفي في المذهب، وكان أشعري في العقيدة، وأبي الطيب؛ وهو طاهر بن عبد الله بن طاهر البغدادي، كان من أئمة الشافعية وله تصانيف، وأبي الوليد الباجي، وأبي الخطاب؛ وهو محفوظ بن أحمد بن الحسن الكلوذاني وهو أحد أئمة الحنابلة من تصانيفه: الهداية في الفقه، والخلاف الكبير، وابن عقيل؛ وهو أبوالوفاء علي بن عقيل معروف، مشهور من علماء الحنابلة، فيقولون؛ كل هؤلاء يقولون: العقل نوع من العلم، والنوع لا يخالفه، الشيء لا يخالف نفسه.

فيقول: " الْعَقْلُ نَوْعٌ مِنْ الْعِلْمِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِضِدِّ لَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَوْعًا مِنْهُ كَانَ خِلَافًا لَهُ وَلَوْ كَانَ خِلَافًا لَجَازَ وُجُودُهُ مَعَ ضِدِّ الْعَقْلِ"؛ أي: يوجد العلم بدون عقل، وهذا لا يمكن، قال: " وَهَذِهِ الْحُجَّةُ وَإِنْ كَانَتْ ضَعِيفَةً - كَمَا ضَعَّفَهَا الْجُمْهُورُ وَأَبُو الْمَعَالِي الجُوَيْنِي"؛ معروف من الأشاعرة له كتاب الإرشاد.

قال: " وَأَبُو الْمَعَالِي الجُوَيْنِي مِمَّنْ ضَعَّفَهَا - فَإِنَّ مَا كَانَ مُسْتَلْزِمًا لِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ ضِدًّا لَهُ"؛ فالعلم يستلزم العقل، فلا يكون العقل ضدًا للعلم؛ إذ قد اجتمعا، وليس هو من نوعه بل هو خلاف له على هذا الاصطلاح الذي يقسمون فيه كل اثنين إلى أن يكونا مثلين، أو ضدين، أو خلافين؛ يعني يقول: الشيئان قد يكونا مثلين، مثل: زيد وعمرو؛ مثلان كلاهما من بني آدم، أو خلافين، مثل: الإنسان والحيوان؛ هذا الإنسان شيء، والحيوان شيء آخر، أو ضدَّين، مثل: السواد والبياض أحدهما ضدٌّ الآخر، وهم يقسمون يقولون: الشيئان إما أَنْ يَكُونَا مِثْلَيْنِ أَوْ خِلَافَيْنِ أَوْ ضِدَّيْنِ.

قال: فَالْمَلْزُومُ كَالْإِرَادَةِ مَعَ الْعِلْمِ أَوْ كَالْعِلْمِ مَعَ الْحَيَاةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ليس ضِدًّا وَلَا مَثَلًا؛ بَلْ هُوَ خِلَافٌ"؛ الإرادة يلزم من الإرادة العلم، وكذلك يلزم من العلم الحياة، فلا يكون الإرادة والعلم، والعلم والحياة لا يكونا ضدَّين، ولا مثلين بل خلاف هذا.

قال: " وَمَعَ هَذَا فَلَا يَجُوزُ وُجُودُهُ مَعَ ضِدِّ اللَّازِمِ"؛ ما يمكن وجود إرادة مع ضد العلم، ولا يمكن وجود العلم مع ضد الحياة؛ وهي الموت.

قال: " فَإِنَّ ضِدَّ اللَّازِمِ يُنَافِيه وَوُجُودُ الْمَلْزُومِ بِدُونِ اللَّازِمِ مُحَالٌ" الملزوم، يلزم من الوالد الولد؛ فلا يمكن أن يوجد ولد بدون والد، ولا والد بدون ولد؛ فوجود الملزوم بدون لازم محال.

قال: "كوجود الإرادة بدون علم"؛ ما يمكن وجود إرادة بدون علم؛ لأن أحدهما لازم والآخر ملزوم، والعلم بدون الحياة؛ لا يمكن علم بدون حياة، ولا يمكن إرادة بدون علم.

قال: " فَهَذَانِ خِلَافَانِ عِنْدَهُمْ وَلَا يَجُوزُ وُجُودُ أَحَدِهِمَا مَعَ ضِدِّ الْآخَرِ. كَذَلِكَ الْعِلْمُ هُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِلْعَقْلِ"؛ فلا يمكن أن يكون علم بدون عقل، "فَكُلُّ عَالِمٍ عَاقِلٌ وَالْعَقْلُ شَرْطٌ فِي الْعِلْمِ فَلَيْسَ مِثْلًا لَهُ وَلَا ضِدًّا وَلَا نَوْعًا مِنْهُ" العَقل ليس مقابل له ليس ضدًّا ولا نوعا، " وَمَعَ هَذَا لَا يَجُوزُ وُجُودُهُ مَعَ ضِدِّ الْعَقْلِ" لا يجوز وجود العلم مع ضد العقل؛ وهو الجنون.

" لَكِنَّ هَذِهِ الْحُجَّةَ تُقَالُ لَهُمْ فِي الْعِلْمِ مَعَ كَلَامِ النَّفْسِ"؛ الكلام النفسي الذي هو الخبر فإنه ليس ضدًّا ولا مثلًا بل خلاف العلم مع ضد كلام النفس " فَيَجُوزُ وُجُودُ الْعِلْمِ مَعَ ضِدِّ الْخَبَرِ الصَّادِقِ وَهُوَ الْكَاذِبُ فَبَطَلَتْ تِلْكَ الْحُجَّةُ عَلَى امْتِنَاعِ الْكَذِبِ النَّفْسَانِيِّ في الْعَالِمِ".

ثم بيَّن المؤلف  الخلاصة، قال الخلاصة: " أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا رَجَعَ إلَى نَفْسِهِ عُسِّرَ عَلَيْهِ التَّفْرِيقُ بين العلم وبين التصديق "بَيْنَ عِلْمِهِ بِأَنَّ الرَّسُولَ صَادِقٌ ﷺ، وَبَيْنَ تَصْدِيقِ قَلْبِهِ تَصْدِيقًا مُجَرَّدًا عَنْ انْقِيَادٍ وَغَيْرِهِ مِنْ أَعْمَالِ الْقَلْبِ بِأَنَّهُ صَادِقٌ"؛ بأن يعسر التفريق بين علم، أو معرفة، وبين تصديق مجرد، فالعلم والمعرفة هما التصديق المجرد إلَّا إذا قرن التصديق بالانقياد فهناك فرق بينهما، أما إذا كان تصديق مجرد خالي عن الانقياد فإنه يعسر التفريق بينه وبين العلم والمعرفة.

المتن:

ثُمَّ احْتَجَّ الْإِمَامُ أَحْمَد عَلَى أَنَّ الْأَعْمَالَ مِنْ الْإِيمَانِ بِحُجَجِ كَثِيرَةٍ فَقَالَ وَقَدْ سَأَلَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ الْإِيمَانِ فَقَالَ: شَهَادَةُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامُ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ وَصَوْمُ رَمَضَانَ وَأَنْ تُعْطُوا خُمُسًا مِنْ الْمَغْنَمِ فَجَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ الْإِيمَانِ.

قَالَ: وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: الْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ ([3])، وَقَالَ: أكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا ([4])، وَقَالَ: إنَّ الْبَذَاذَةَ مِنْ الْإِيمَانِ([5])، وَقَالَ: الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسبعونَ شُعْبَةً فَأَدْنَاهَا إمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ وَأَرْفَعُهَا قَوْلُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ([6]) مَعَ أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ مِنْهَا: أَخْرِجُوا مِنْ النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إيمَانٍ([7]).

وَمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ فِي صِفَةِ الْمُنَافِقِ: ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ فَهُوَ مُنَافِقٌ([8]) مَعَ حُجَجٍ كَثِيرَةٍ.

وَمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ فِي تَارِكِ الصَّلَاةِ([9]) وَعَنْ أَصْحَابِهِ مِنْ بَعْدِهِ.

ثُمَّ مَا وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ مِنْ زِيَادَةِ الْإِيمَانِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِثْلَ قَوْلِهِ: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إيمَانًا مَعَ إيمَانِهِمْ [الفتح:4]  وَقَالَ: لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إيمَانًا [المدثر:31]وَقَالَ: وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إيمَانًا [الأنفال:2]، وَقَالَ تَعَالَى فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ [التوبة:124] وَقَالَ: إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ  [الحجرات:15]، وَقَالَ تَعَالَى: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ [التوبة:5] وَقَالَ تَعَالَى: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ [التوبة:11]، وَقَالَ: وَمَا أُمِرُوا إلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [البينة:5]

الشرح:

فإن المؤلف شيخ الإسلام: ابن تيمية رحمه الله تعالى بيَّن فيما سبق مذهب المرجئة، وأنهم يعتقدون ويرون: أن الإيمان هو مجرد تصديق القلب، ورد عليهم -رحمه الله- بالأدلة من الكتاب، والسنة، ومن أقوال أهل العلم، ثم نقل هنا في هذا المقطع عن الإمام أحمد -رحمه الله- : أنه احتج على المرجئة الذين لا يدخلون الأعمال في مسمى الإيمان ويرون أن الإيمان هو تصديق القلب، احتج عليهم الإمام نقل المؤلف رحمه الله عن الإمام أحمد أدلة من الكتاب والسنة على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان ففيها رد على المرجئة، وإبطال لمذهبهم في أن الأعمال ليست داخلة في مسمى الإيمان، بيَّن رحمه الله أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، الإمام أحمد إمام أهل السنة والجماعة احتج على المرجئة على أن الأعمال جزء من الإيمان، وأن الإيمان لا بد فيه من تصديق القلب، وعمل الجوارح، وقول اللسان، وعمل القلب.

فقال المؤلف رحمه الله: " ثُمَّ احْتَجَّ الْإِمَامُ أَحْمَد رحمه الله عَلَى أَنَّ الْأَعْمَالَ مِنْ الْإِيمَانِ بِحُجَجِ كَثِيرَةٍ فَقَالَ: وَقَدْ سَأَلَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ الْإِيمَانِ فَقَالَ: شَهَادَةُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامُ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ وَصَوْمُ رَمَضَانَ وَأَنْ تُعْطُوا خُمُسًا مِنْ الْمَغْنَمِ([10]).

فحديث وفد عبد القيس احتج به الإمام أحمد على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، وذلك أن النبي ﷺ أمرهم بالإيمان، فقال: آمُرُكُمْ بِالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَحْدَهُ، ثم فسر الإيمان بالأعمال قال: أتَدْرُونَ مَا الْإِيمَانُ بِاَللَّهِ وَحْدَهُ؟، فقال: شَهَادَةُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّه؛ فسرها بالشهادتين؛ الشهادة لله تعالى بالوحدانية، ولنبيه ﷺ بالرسالة، وَإِقَامُ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ وَصَوْمُ رَمَضَانَ وَأَنْ تُعْطُوا خُمُسًا مِنْ الْمَغْنَمِ؛ هذه خمسة أشياء كلها أدخلها النبي ﷺ في مسمى الإيمان.

ولهذا قال المؤلف رحمه الله تعليقًا على ذلك مبينًا وجه الاستدلال بحديث وفد بن عبد القيس على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان بقوله: "فَجَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ الْإِيمَان"؛ يعني جعل الشهادتين، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وإعطاء الخمس.

قال؛ يعني الإمام أحمد، وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: الْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ([11])؛ يعني جعل الحياء من الإيمان، والحياء خلق داخلي يبعث الإنسان على فعل ما يزينه، ويمنعه من فعل ما يشينه، يبعثه على فعل ما يستحسن، وترك ما يستقبح، فالحياء شعبة من الإيمان؛ وهي شعبة قلبية، وقوله: الْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِدلَّ على أن الإيمان شعب، فالحياء شعبة قلبية ومع ذلك من الإيمان، وأعمال الجوارح من شعب الإيمان أيضًا، وأقوال اللسان من شعب الإيمان؛ وهذا فيه دليل على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان.

َوقَالَ: أكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا([12])؛ أيضًا هذا دليل على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان؛ أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا، والخلق يجمع خصالا من أعمال القلوب، وأعمال الجوارح؛ فالخلق هو أن تبذل المعروف، تبذل معروفك للناس وتكف الأذى وتبسط وجهك، الخلق: بذل المعروف، وكف الأذى، وبسط الوجه؛ هذا كله من الإيمان؛ فدلَّ على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، كل هذه الأحاديث ثابتة سبق تخريجها.

وقال النبي ﷺ: إنَّ الْبَذَاذَةَ مِنْ الْإِيمَانِ([13])؛ البذاذة: التواضع في الملبس، وترك اللباس الفاخر في بعض الأحيان من باب كسر النفس وإلَّا فإنه ينبغي للإنسان أن تظهر عليه أثر نعمة الله عليه كما في الحديث: إن الله إذا أنعم على عبد، يحب أن يرى أثر نعمته عليه ([14])؛ فينبغي للإنسان أن الذي أنعم الله عليه أن ترى أثر النعمة عليه، ولا ينبغي للإنسان أن يظهر بمظهره الفقير، وتكون على ثيابه رثة، وما أشبه ذلك؛ فإن هذا شكاية في المعنى، شكاية لربه، وينبغي أن تظهر أثر النعمة عليه، لكن إذا ترك، إذا تواضع في بعض الأحيان وترك اللباس المرتفع في بعض الأحيان من باب التواضع، وكسر النفس؛ فهذا من الإيمان.

فالبذاذة: التواضع في الملبس، وترك اللباس الظاهر أحيانًا من باب كسر النفس؛ فهذا من الإيمان؛ إن البذاذة من الإيمان.

وقال؛ يعني وقال النبي ﷺ: الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبعُونَ شُعْبَةً فَأَدْنَاهَا إمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ وَأَرْفَعُهَا قَوْلُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ؛ وهذا الحديث رواه الشيخان؛ البخاري ومسلم رحمهما الله([15]).  والمؤلف رواه بالمعنى، رواه الإمام مسلم الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً أَعْلَاهَا قَوْلُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَدْنَاهَا إمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ([16])، ورواه البخاري بلفظ: الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً([17])، فالحديث رواه الشيخان؛ وهو دليل على دخول الأعمال في مسمى الإيمان؛ لأنه سماها شعب ومثل للشعبة القولية بشعبة الشهادة، والشعبة الفعلية بشعبة الإماطة، والشعبة القلبية بشعبة الحياء؛ فدلَّ على دخول الأعمال في مسمى الإيمان.

 قال: " مَعَ أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ مِنْهَا: أَخْرِجُوا مِنْ النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إيمَانٍ([18])؛ أيضًا هذا دليل على دخول الأعمال في مسمى الإيمان؛ لأن الإيمان يضعف بسبب المعاصي فلا يبقى إلَّا مثقال ذرة، ولو كان الإيمان شيء واحد كما يقوله المرجئة؛ وهو التصديق لما ذهب بعضه وبقيَّ بعضه؛ هذا دليل على أنه يذهب بعضه، ويبقى بعضه، فإذا قصَّر في الواجبات وفعل المحرمات ضعف الإيمان حتى لا يبقى إلَّا مثقال ذرة فيخرج بها من النار؛ يعني مع التوحيد؛ لا بد أن يكون موحد.

 قال: "وَمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ فِي صِفَةِ الْمُنَافِقِ: ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ فَهُوَ مُنَافِقٌ([19]) مَعَ حُجَجٍ كَثِيرَةٍ"؛ هذا أيضًا من أدلة دخول الأعمال في مسمى الإيمان؛ لأن النفاق العملي من المعاصي، في الحديث الآخر: ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ فَهُوَ مُنَافِقٌ؛ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ ([20])، الحديث الآخر: آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ ([21])، والحديث الآخر: أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ.

فهذه خصال المنافقين، النفاق العملي معاصي، وهذه المعاصي تضعف الإيمان، وهي تدل على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، وأنه يقوى بالطاعات ويضعف بالمعاصي، وشعب الشرك، وشعب النفاق، وشعب الكفر، قال المؤلف: مع حجج كثيرة؛ يعني الأدلة كثيرة في هذا ، لكن هذه أمثلة.

قال: " وَمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ فِي تَارِكِ الصَّلَاةِ وَعَنْ أَصْحَابِهِ مِنْ بَعْدِهِ"؛ يعني أن تارك الصلاة كما في حديث: الَّذِي تَفُوتُهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ، فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ([22])؛ هذا يدل على أنه ضعف إيمانه، وأنه فاته شيء كثير، وكذلك ما روي عن الصحابة في المتخلف عن الصلاة، ومن تفوته صلاة الجماعة، وأنه يفوته شيء من الأجر لقوله ﷺ:  صَلاَةُ الجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلاَةَ الفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً([23])، من سمع النداء ثم لم يجب فلا صلاة له إلا من عذر([24])؛ يعني فلا صلاة له كاملة؛ وهذا يدل على أنه يضعف إيمانه إذا ترك الصلاة، فاتته الجماعة، تخلف عن الجماعة من غير عذر؛ فهذا يدل على أن الإيمان يضعف، وهو دليل على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، ولو كان الإيمان شيئا واحدًا لبقي كما يقول المرجئة: لا يضعف، ولا يقوى، لا يزيد ولا ينقص.

 قال: "ثُمَّ مَا وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ مِنْ زِيَادَةِ الْإِيمَانِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ"؛ يعني مما يدل على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، الأدلة من الكتاب العزيز التي تدل على أن الإيمان يزيد، وإذا كان يزيد فهو ينقص، والذي يزيد وينقص يدل على أنه ليس شيئًا واحدًا؛ لأنه لو كان شيئًا واحدًا كما تقوله المرجئة؛ وهو التصديق لم يزد، ولم ينقص.

قال: "مِثْلَ قَوْلِهِ تعالى: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إيمَانًا مَعَ إيمَانِهِمْ [الفتح:4]؛ إذًا الإيمان يزداد، والذي يزداد ينقص؛ وهذا يدل على أنه ليس شيئًا واحدًا، بل هو متعدد، فالأعمال داخلة في مسمى الإيمان.

وَقَالَ: لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إيمَانًا [المدثر:31]؛ الشاهد قول: وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إيمَانًا [المدثر:31]؛ دل على أن الإيمان يزيد، وإذا كان يزيد فليس شيئًا واحدًا بل الأعمال داخلة في مسماه.

وَقَالَ: وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إيمَانًا [الأنفال:2]؛ الشاهد: زَادَتْهُمْ إيمَانًا [الأنفال:2]، وَقَالَ تَعَالَى فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ [التوبة:124]؛ الشاهد قوله: فَزَادَتْهُمْ إيمَانًا [التوبة:124].

وَقَالَ: إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [الحجرات:15]؛ هذه الآية دليل على دخول الأعمال في مسمى الإيمان، قال: إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ [الحجرات:15]؛ المؤمنون كامل الإيمان الذين أدُّوا الإيمان الواجب الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [الحجرات:15]؛ فأدخل في مسمى الإيمان: الإيمان بالله ورسوله، وعدم الريب والشك؛ وهذا من عمل القلوب، والجهاد بالمال والنفس في سبيل الله؛ وهذه أعمال القلوب، وأعمال الجوارح.

قال: أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [الحجرات:15]؛ يعني هؤلاء الذين اتصفوا بهذه الصفات هم الصادقون في إيمانهم، وأما الذي لا يأتي بهذه الأعمال، بل يقصر في بعض الواجبات، ويفعل بعض المحرمات فإنه ليس صادقًا في إيمانه، بل هو ناقص الإيمان.

وَقَالَ تَعَالَى: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ [التوبة:5]؛ الشاهد في قوله: فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ [التوبة:5]، فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ [التوبة:5] فيخلى سبيلهم؛ لأنهم آمنوا ووحدوا، وحققوا إيمانهم بالعمل؛ تابوا وأقاموا الصلاة، والمفهوم أنهم إذا لم يتوبوا، ولم يقيموا الصلاة، ولم يؤتوا الزكاة فلا يخلى سبيلهم، بل يقاتلون؛ لأنهم أخلوا بالإيمان، وضعف إيمانهم إذا تركوا الصلاة، والزكاة.

وَقَالَ تَعَالَى: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ [التوبة:11]؛ فأثبت لهم الأخوة بالتوبة من الشرك، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة؛ فدلَّ على دخول الأعمال في مسمى الإيمان، وَقَالَ: وَمَا أُمِرُوا إلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [البينة:5]؛ بيَّن أن الدين يشمل التوحيد، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة ومسمى الدين هو مسمى الإيمان؛ فدل على دخول الأعمال في مسمى الدين، وفي مسمى الإيمان.

المتن:

" قَالَ أَحْمَد: وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَقُولَ: هُوَ مُؤْمِنٌ بِإِقْرَارِهِ وَإِنْ أَقَرَّ بِالزَّكَاةِ فِي الْجُمْلَةِ وَلَمْ يَجِدْ فِي كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةً أَنَّهُ مُؤْمِنٌ"

الشرح:

يعني لم يجد عنها ولم يخرج؛ يعني ولم يخرج في كل مائتي درهم؛ يعني ما أخرج الزكاة؛ أقرَّ بالزكاة ولم يخرجها.

المتن:

"قَالَ أَحْمَد: وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَقُولَ: هُوَ مُؤْمِنٌ بِإِقْرَارِهِ وَإِنْ أَقَرَّ بِالزَّكَاةِ فِي الْجُمْلَةِ وَلَمْ يَجِدْ فِي كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةً أَنَّهُ مُؤْمِنٌ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَقُولَ: إذَا أَقَرَّ ثُمَّ شَدَّ الزُّنَّارَ فِي وَسَطِهِ وَصَلَّى لِلصَّلِيبِ وَأَتَى الْكَنَائِسَ وَالْبِيَعَ وَعَمِلَ الْكَبَائِرَ كُلَّهَا إلَّا أَنَّهُ فِي ذَلِكَ مُقِرٌّ بِاَللَّهِ؛ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ مُؤْمِنًا وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ مِنْ أَشْنَعِ مَا يَلْزَمُهُمْ.

" قُلْت ": هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَد مِنْ أَحْسَنِ مَا احْتَجَّ النَّاسُ بِهِ عَلَيْهِمْ"

الشيخ:

الأحسن ما احتج لعل ما احتج به؛ يعني من أحسن  الذي احتج الناس به عليه.

المتن:

 " قُلْت ": هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَد مِنْ أَحْسَنِ مَا احْتَجَّ بِهِ النَّاسُ عَلَيْهِمْ جَمَعَ فِي ذَلِكَ يَقُولُ جُمَلًا يَقُولُ غَيْرُهُ بَعْضَهَا وَهَذَا الْإِلْزَامُ لَا مَحِيدَ لَهُمْ عَنْهُ وَلِهَذَا لَمَّا عَرَفَ مُتَكَلِّمُهُمْ مِثْلُ جَهْمٍ وَمَنْ وَافَقَهُ أَنَّهُ لَازِمٌ الْتَزَمُوهُ، وَقَالُوا: لَوْ فَعَلَ مَا فَعَلَ مِنْ الْأَفْعَالِ الظَّاهِرَةِ لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ كَافِرًا فِي الْبَاطِنِ؛ لَكِنْ يَكُونُ دَلِيلًا عَلَى الْكُفْرِ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا فَإِذَا احْتُجَّ عَلَيْهِمْ بِنُصُوصِ تَقْتَضِي أَنَّهُ يَكُونُ كَافِرًا فِي الْآخِرَةِ.

قَالُوا: فَهَذِهِ النُّصُوصُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ فِي الْبَاطِنِ لَيْسَ مَعَهُ مِنْ مَعْرِفَةِ اللَّهِ شَيْءٌ فَإِنَّهَا عِنْدَهُمْ شَيْءٌ وَاحِدٌ فَخَالَفُوا صَرِيحَ الْمَعْقُولِ وَصَرِيحَ الشَّرْعِ.

وَهَذَا الْقَوْلُ مَعَ فَسَادِهِ عَقْلًا وَشَرْعًا وَمَعَ كَوْنِهِ عِنْدَ التَّحْقِيقِ لَا يُثْبِتُ إيمَانًا؛ فَإِنَّهُمْ جَعَلُوا الْإِيمَانَ شَيْئًا وَاحِدًا لَا حَقِيقَةَ لَهُ كَمَا قَالَتْ الْجَهْمِيَّة وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِثْلَ ذَلِكَ فِي وَحْدَةِ الرَّبِّ أَنَّهُ ذَاتٌ بِلَا صِفَاتٍ.

وَقَالُوا بِأَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَرَى فِي الْآخِرَةِ وَمَا يَقُولُهُ ابْنُ كُلَّابٍ مِنْ وَحْدَةِ الْكَلَامِ وَغَيْرِهِ مِنْ الصِّفَاتِ".

الشرح:

المؤلف رحمه الله نقل عن الإمام أحمد رحمه الله: أنه يلزم المرجئة الذين يقولون: إن الإيمان هو مجرد الإقرار، الإقرار في القلب أنه يلزمهم أمورٌ شنيعة يشنع عليهم فيها، فيلزمهم أن الإنسان إذا أقر ثم عمل الكبائر، بل ونواقض الإسلام أنه لا يزال مؤمنًا، وهذا أمرٌ شنيع.

فقال: قال أحمد رحمه الله: فيلزمه؛ يعني يلزم المرجئة؛ من قال بقول المرجئة، الذين يقولون: إن الإيمان هو مجرد الإقرار، يلزمه؛ الواحد من المرجئة أن يقول: هو مؤمن بإقراره؛ يعني بإقراره بالقلب، إذا أقرَّ بقلبه، وعرف ربه بقلبه يقول: هو مؤمن، " وَإِنْ أَقَرَّ بِالزَّكَاةِ فِي الْجُمْلَةِ وَلَمْ يخرج فِي كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةً أَنَّهُ مُؤْمِنٌ"؛ يعني يلزمه أنه؛ يعني إذا قرَّ بالزكاة لكن لم يؤدِ الزكاة، أقرَّ بقلبه بوجوبها، لكن لم يدفع، لم يؤدِها." فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَقُولَ أيضا: إذَا أَقَرَّ ثُمَّ شَدَّ الزُّنَّارَ فِي وَسَطِهِ وَصَلَّى لِلصَّلِيبِ وَأَتَى الْكَنَائِسَ وَالْبِيَعَ وَعَمِلَ الْكَبَائِرَ كُلَّهَا إلَّا أَنَّهُ فِي ذَلِكَ مُقِرٌّ بِاَللَّهِ؛ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ مُؤْمِنًا"؛ يعني يلزم من قال: إن الإيمان هو مجرد الإقرار بالقلب، والتصديق في القلب يلزمه أن من أقرَّ بقلبه، ثم فعل الكبائر، وفعل نواقض الإسلام أنه لا يزال باقيًا على إيمانه، وهذا شنيع، فيلزم من قال: إن الإيمان: هو الإقرار في القلب؛ مجرد الإقرار يلزمه أن يقول: إذا أقرَّ؛ يعني بقلبه أنه مؤمن، ثم شدَّ الزنار في وسطه؛ وهو ما يفعله النصارى، النصارى يشدُّون الزنارعلى وسطهم، علامة لهم، وشعارًا لهم، فمن رآهم عرف أنه نصراني، فيقول: يلزم من قال: أنه مؤمن، ثم شدَّ الزنار مثل النصارى أنه يكون مؤمن مع أنه الآن شدَّ الزنار على وسطه وتشبه بالنصارى، واعتقد دينهم، ظاهره أنه اعتقد دينهم، وأنه انتسب إليهم، يلزمه أن يكون مؤمن، وكذلك يلزمه إذا صلى بالصليب يلزمه أن يكون مؤمن صلى بالصليب إذا أقرَّ بقلبه أنه مؤمن، ثم صلى بالصليب يلزم المرجئة أن يقولوا: هذا مؤمن، وكذا  إذا أَتَى الْكَنَائِسَ وَالْبِيَعَ وَعَمِلَ الْكَبَائِرَ كُلَّهَا إلَّا أَنَّهُ فِي ذَلِكَ مُقِرٌّ بِاَللَّهِ؛ فَيَلْزَمُهُ؛ الواحد من المرجئة أَنْ يَكُونَ هذا عِنْدَهُ مُؤْمِنًا.

قال المؤلف: " وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ مِنْ أَشْنَعِ مَا يَلْزَمُهُمْ"؛ شنيعة؛ لأن هذه كيف يعمل نواقض الإسلام، ويفعل الأفعال الكفرية، ويبقى على إيمانه؟! هذا لا يقوله أهل الحق، وأهل البصيرة، وأهل العقيدة السليمة، بل يقولون: إن من فعل ناقضا من نواقض الإسلام، فإنه يزول إيمانه إذا فعل ناقضا من نواقض الإسلام ؛ فعل الكفر الأكبر، أو الشرك الأكبر، أو النفاق الأكبر فإنه ليس بمؤمن.

قال المؤلف: " قُلْت "؛ تعليق على ما نقله الإمام أحمد، قلت: هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَد مِنْ أَحْسَنِ مَا احْتَجَّ ِبهِ النَّاسُ عَلَيْهِمْ"؛ من أحسن ما يحتج به على المرجئة: ما نقله الإمام أحمد أنه يلزمهم على قولهم أن من فعل نواقض الإسلام، والكبائر، أنه يبقى مؤمنًا، وهذا أمرٌ شنيع.

قال المؤلف: " جَمَعَ فِي ذَلِكَ جُمَلًا "؛ يعني جمع الإمام أحمد في الرد عليهم جملًا "يَقُولُ غَيْرُهُ بَعْضَهَا"؛ يعني غير  الإمام أحمد رد عليهم ببعضها  يَقُولُ غَيْرُهُ بَعْضَهَا.

قال: وَهَذَا الْإِلْزَامُ لَا مَحِيدَ لَهُمْ عَنْهُ"؛ يعني لا يمكن أن يتخلصوا من هذا الإلزام؛ وهو أنه يلزم المرجئة الذين يقولون: إن الإيمان هو مجرد الإقرار بالقلب، والتصديق، وأنه لا يزال باقيًا ما دام مقرًّا يلزمه على ذلك أن من فعل الكفر، ونواقض الإسلام أنه لا يزال باقيًا على إيمانه ولا يمكن له المحيد عن هذا.

قال المؤلف رحمه الله: "وَلِهَذَا لَمَّا عَرَفَ مُتَكَلِّمُهُمْ مِثْلُ جَهْمٍ وَمَنْ وَافَقَهُ أَنَّهُ لَازِمٌ الْتَزَمُوهُ، وَقَالُوا: لَوْ فَعَلَ مَا فَعَلَ مِنْ الْأَفْعَالِ الظَّاهِرَةِ لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ كَافِرًا فِي الْبَاطِنِ؛ لَكِنْ يَكُونُ دَلِيلًا عَلَى الْكُفْرِ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا"؛ يعني الجهم بن صفوان التزم بهذا.

وقال: إنه إذا عرف ربَّه بقلبه، وأقر بقلبه يكون مؤمنًا، ولا يزول عنه الإيمان حتى لو فعل جميع الكبائر، وجميع نواقض الإسلام لا يؤثر على إيمانه، ولا يكون كافر إلَّا إذا جهل ربه بقلبه؛ إذا زالت المعرفة، والإقرار الذي في القلب زال الإيمان، إذا حل محله الجهل، إذا جهل ربه بقلبه فإنه يكون كافرًا؛ فيكون الإيمان عند الجهم معرفة الرب بالقلب، والكفر: جهل الرب بالقلب، فإذا عرف ربه بقلبه فإنه يكون مؤمنًا عند الجهم حتى ولو فعل جميع الكبائر، يمثل بها يقول: لو قتل جميع الأنبياء، وهدم المساجد، وقتل المؤمنين، وسبَّ الله، وسبَّ الرسول عليه الصلاة والسلام، لا يكون كافرًا عند الجهم إلَّا إذا جهل ربه بقلبه التزم بهذا الجهم.

ولهذا قال: "وَلِهَذَا لَمَّا عَرَفَ مُتَكَلِّمُهُمْ مِثْلُ جَهْمٍ وَمَنْ وَافَقَهُ أَنَّهُ لَازِمٌ الْتَزَمُوهُ، وَقَالُوا: لَوْ فَعَلَ مَا فَعَلَ مِنْ الْأَفْعَالِ الظَّاهِرَةِ"؛ يعني من الكفريات "لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ كَافِرًا فِي الْبَاطِنِ؛ لَكِنْ يَكُونُ دَلِيلًا عَلَى الْكُفْرِ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا"؛ في أحكام الدنيا يكون سبُّه لله ورسوله دليل على الكفر في أحكام الدنيا، أما في الباطن فلا يكون كافرًا.

  "فَإِذَا احْتَجَّ عَلَيْهِمْ بِنُصُوصِ تَقْتَضِي أَنَّهُ يَكُونُ كَافِرًا فِي الْآخِرَةِ" كما أنه كافر في الدنيا قَالُوا: هَذِهِ النُّصُوصُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ فِي الْبَاطِنِ لَيْسَ مَعَهُ مِنْ مَعْرِفَةِ اللَّهِ شَيْءٌ "؛ إذا احتج عليهم قيل لهم: إن من سبَّ الله، وسبَّ الرسول، أو استهزئ بالله، أو بكتابه والرسول هذا كافر في الباطن والظاهر في الدنيا والآخرة دلَّت النصوص على أنه كافر قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ۝ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:65، 66]؛ قالوا: هذا دليل على أن المعرفة زالت من القلب، هذا دليل على أن المعرفة زالت من القلب وإلَّا لو كانت المعرفة باقية في القلب لم يكن كافرًا، فالذين دلَّت النصوص على أنهم كفار؛ هذا دليل على أن المعرفة التي في قلوبهم زالت، وأنه ليس معهم من معرفة الله شيء.

ولهذا قال المؤلف: ""فَإِذَا احْتَجَّ عَلَيْهِمْ بِنُصُوصِ تَقْتَضِي أَنَّهُ يَكُونُ كَافِرًا فِي الْآخِرَةِ، قَالُوا: فَهَذِهِ النُّصُوصُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ فِي الْبَاطِنِ لَيْسَ مَعَهُ مِنْ مَعْرِفَةِ اللَّهِ شَيْءٌ "، قال: "فَإِنَّهَا عِنْدَهُمْ شَيْءٌ وَاحِدٌ"؛ المعرفة شيء واحد لا يتعدد.

قال المؤلف رحمه الله ردًا عليهم: " فَخَالَفُوا صَرِيحَ الْمَعْقُولِ وَصَرِيحَ الشَّرْع"؛ خالفوا صريح الشرع؛ لأن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان بنصوص كثيرة لا حصر لها من الكتاب ومن والسنة، وخالفوا صريح المعقول أيضًا؛ العقل السليم يقتضي بأن من فعل نواقض الإسلام زال الإيمان، يزول إيمانه، ولا يبقى الإيمان، العقل الصريح السالم من الشبهة والشهوة يدرك أن من فعل نواقض الإسلام أنه ليس في قلبه إيمان، وأنه زال الإيمان.

قال المؤلف رحمه الله: " وَهَذَا الْقَوْلُ مَعَ فَسَادِهِ عَقْلًا وَشَرْعًا وَمَعَ كَوْنِهِ عِنْدَ التَّحْقِيقِ لَا يُثْبِتُ إيمَانًا؛ فَإِنَّهُمْ جَعَلُوا الْإِيمَانَ شَيْئًا وَاحِدًا لَا حَقِيقَةَ لَهُ كَمَا قَالَتْ الْجَهْمِيَّة"؛ يعني هذا القول؛ وهو قول الجهمية الذين قالوا: إن الإيمان هو مجرد المعرفة في القلب، والإقرار في القلب، فاسد، مع كونه فاسدٌ عقلًا، وفاسدٌ شرعًا، ومع كونه أيضًا لا يثبت إيمانا في القلب عند التحقيق إلَّا أنه هو مذهبهم؛ حيث أنهم جعلوا الإيمان شيئًا واحدًا لا حقيقة له هذا القول.

ولهذا قال المؤلف: " وَهَذَا الْقَوْلُ مَعَ فَسَادِهِ عَقْلًا وَشَرْعًا"؛ يعني وفساده شرعًا، أما كونه فاسدٌ شرعًا؛ فلأنه صادم النصوص؛ دلت النصوص على أن من فعل نواقض الإسلام زال الإيمان من قلبه، وكذلك عقلا؛ لأن العقل يقضي بأن من فعل نواقض الإسلام لا يبقى في قلبه شيء.

وقال المؤلف: " وَمَعَ كَوْنِهِ عِنْدَ التَّحْقِيقِ لَا يُثْبِتُ إيمَانًا" إلَّا أنه هو أصلهم؛ فإنهم جعلوا الإيمان شيئا واحدا لا حقيقة له، وهو المعرفة في القلب " كَمَا قَالَتْ الْجَهْمِيَّة وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِثْلَ ذَلِكَ فِي وَحْدَةِ الرَّبِّ أَنَّهُ ذَاتٌ بِلَا صِفَات"؛ يعني الجهمية لهم شنائع والعياذ بالله، أمور شنيعة:

 منها: أنهم قالوا الإيمان شيءٌ واحد؛ وهو معرفة الرب بالقلب، ومنها قالوا أيضًا في وحدة الرب، قالوا: الرب ذات بلا صفات، لماذا؟ قالوا: حتى لا يكون تعدد، قالو: لو قلنا أن الله له ذات، وله أسماء، وله صفات لصارت أرباب متعددة، ففرارًا من ذلك أنكروا الأسماء والصفات حتى يقولوا بوحدة ذات الرب، فقالوا: بوحدة الإيمان، وقالوا: بوحدة ذات الرب، وقالوا: بأن القرآن مخلوق حتى لا يثبتوا الكلام لله، وقالوا: بأن الله لا يُرى في الآخرة، وقالوا أيضًا: بوحدة الكلام بغيره من الصفات؛ يعني الصفات قالوا: فيها شيء واحد العلم، والقدرة، والسمع، والبصر، والكلام شيء واحد؛ العلم هو السمع، هو البصر، هو الرضا، هو الغضب، هو النزول، هو الاستواء قالوا: واحد؛ صفة الرضا هي صفة الغضب، هي صفة الاستواء، هي صفة العلم، هي صفة القدرة، لماذا قالوا هذا؟ حتى يقولوا بوحدة الصفات، وأيضًا قالوا: إن الصفة هي عين الموصوف؛ هي عين ذات الرب، ذات الرب هو عين صفاته حتى يقولوا بالوحدة، فالجهمية عندهم هو الأقوال بالوحدة، قالوا: الوحدة في الإيمان شيء واحد، والوحدة في الرب لا تفضي إلى صفات، والوحدة في الصفات؛ الصفات شيءٌ واحد هي ترجع إلى صفة واحدة، والصفة أيضًا هي ذات الموصوف؛ فهذه أقوال شنيعة، كلها لجهم بن صفوان.


([1]) –

([2]) – سبق

([3]) – سبق

([4]) – سبق

([5]) – سبق

([6]) – سبق

([7]) – سبق

([8]) – سبق

([9]) –  كحديث : إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلَاةِ أخرجه مسلم رقم (82) من حديث جابر بن عبد الله

وحديث إِنَّ الْعَهْدَ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمِ الصَّلَاةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ أخرجه أحمد رقم (22937) والترمذي رقم (2621) ، والنسائي رقم (463) وابن ماجه رقم (1079) قال الحافظ الترمذي : «هذا حديث حسن صحيح غريب» وغيرها من الأحاديث.

([10]) – سبق

([11]) – سبق

([12]) – سبق

([13]) – سبق

([14]) – أخرجه أحمد رقم (19934) من حديث عمران بن حصين ، والترمذي رقم (2819)  واللفظ له من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما . وقال الحافظ الترمذي: وفي الباب عن أبي الأحوص، عن أبيه، وعمران بن حصين، وابن مسعود: «هذا حديث حسن».

([15]) – سبق

([16]) – سبق

([17]) – سبق

([18]) – سبق

([19]) – سبق

([20]) – سبق

([21]) – سبق

([22]) – أخرجه البخاري رقم (552)، ومسلم رقم (626) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

([23]) –  أخرجه البخاري رقم (645) ومسلم رقم  (650) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

([24]) –  أخرجه ابن ماجه رقم (793)،و الدارقطني رقم (1555)  وأعله بالوقف ، وابن حبان "الاحسان" رقم (2064) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما  اختلف في رفعه ووقفه وللحديث شواهد تؤيد رفعه قال الامام  ابن الملقن تحفة المحتاج إلى أدلة المنهاج (1/ 444) رواه ابن ماجه وصححه ابن حبان والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين وقال الحافظ ابن حجرٍ في  التلخيص الحبير (2/ 918) وإسناده صحيح

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد