شعار الموقع

شرح كتاب الإيمان الأوسط_6

00:00
00:00
تحميل
147

 

 

 

 

 

 

مسائل متعلقة بالمنافقين

 

 

 

قال الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه، ونور ضريحه: [ والمنافقون هم في الظاهر مسلمون، وقد كان المنافقون على عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يلتزمون أحكام الإسلام الظاهرة -لاسيما آخر الأمر- ما لم يلتزمه كثير من المنافقين الذين من بعدهم؛ لعز الإسلام وظهوره إذ ذاك بالحجة والسيف، تحقيقاً لقوله تعالى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ [التوبة:33] ]. يقول المؤلف: (والمنافقون هم في الظاهر مسلمون)، هذا هو المنافق، والمنافق: هو الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر، فهم في الظاهر مسلمون وفي الباطن منافقون، وهم كفرة؛ لأنهم شاركوا الكفار في الكفر، وزادوا عليهم بالخداع، حيث أظهروا الإسلام، ولهذا كانت عقوبتهم أشد، وعذابهم كذلك أشد في الآخرة.

 

 

 

العلة في التزام المنافقين حال قوة المسلمين

 

 

 

وذكر المؤلف رحمه الله أن المنافقين صاروا يلتزمون بأحكام الإسلام الظاهرة، ولا سيما في آخر الأمر لما قوي المسلمون، وظهر الإسلام، وأعز الله رسوله والمؤمنين، فصاروا يلتزمون بأحكام الإسلام الظاهرة ولا يخالفونها؛ خوفاً من سطوة الإسلام والمسلمين عليهم لو أظهروا كفرهم ونفاقهم، فالتزموا بأحكام الإسلام ما لم يلتزمه كثير من المنافقين الذين من بعدهم؛ لأن قوة الإسلام عند النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة أقوى منها فيمن بعدهم. وإذا قوي المسلمون التزم المنافقون بأحكام الإسلام في الظاهر، وإذا ضعف المسلمون ضعف التزام المنافقين بأحكام الإسلام، وصاروا يظهرون حقيقتهم، فالمنافقون يتحينون الفرص؛ ليظهروا ما يخفون من الكفر والنفاق. فإن كان الإسلام قوياً، وكان المسلمون أقوياء يقيمون الحدود، فحينئذ يلتزم المنافقون بأحكام الإسلام؛ خوفاً من أن تقطع رقابهم، وأن تؤخذ أموالهم. ولهذا بين المؤلف رحمه الله بأن المنافقين التزموا بأحكام الإسلام في الظاهر، في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في آخر الأمر، وذلك لعز الإسلام وظهوره إذاك بالحجة والسيف، فالإسلام قوي بالحجة والبرهان والبيان، والمسلمون أقوياء يظهرون الإسلام ويبينون محاسنه، ويبينون وجوب التزامه، فلا يستطيع المنافقون أن يقابلوا الحجة بالحجة، إذ ليس عندهم حجج. وكذلك كان المسلمون لهم الغلبة بالسيف والقوة والسلطان، فمن أظهر النفاق قتل؛ فلهذا صار المنافقون يلتزمون أحكام الإسلام، حتى لا تقام عليهم الحدود. يقول المؤلف: [ وتحقيقاً لقوله تعالى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ [التوبة:33] ]. أي: أن الله تعالى وعد في هذه الآية الكريمة، بأنه مظهر دينه على الدين كله، وعلى جميع الأديان، وقد وقع ذلك.

 

 

 

 

 

 

 

إطلاع الله لنبيه على أسماء المنافقين

 

 

 

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ولهذا قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، وكان من أعلم الصحابة بصفات المنافقين وأعيانهم، كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أسر إليه عام تبوك أسماء جماعة من المنافقين بأعيانهم؛ فلهذا كان يقال هو صاحب السر الذي لا يعلمه غيره ]. حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، أسر إليه النبي صلى الله عليه وسلم ببعض أسماء المنافقين، فكان من أعلم الصحابة بصفات المنافقين وأعيانهم، فكان يقال: هو صاحب السر الذي لا يعلمه غيره، كما روى ذلك البخاري في صحيحه وأحمد في مسنده وابن حبان والنسائي عن أبي الدرداء قال: أليس فيكم صاحب السر، الذي لا يعلمه غيره؟ يعني: حذيفة .

 

 

 

 

 

 

 

قاعدة في الصلاة على موتى المنافقين ونحوهم

 

 

 

قال المؤلف رحمه الله: [ ويروى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لم يكن يصلي على أحد حتى يصلي عليه حذيفة رضي الله عنه؛ لئلا يكون من المنافقين الذين نهى الله تعالى عن الصلاة عليهم ]. وذلك لأن الله تعالى نهى عن الصلاة عليهم بقوله: وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ [التوبة:84] وهذه الآية فيها النهي عن الصلاة على الكفار، وقد ذكر الله تعالى العلة في ذلك قال: إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [التوبة:84] فمن علم كفره فلا يصلى عليه، ومن لم يعلم كفره فإنه يصلى عليه ولو كان فاسقاً، إلا أنه جاء في بعض الأحاديث أن النبي تأخر عن الصلاة على بعض الفساق، كالغال من الغنيمة، والقاتل نفسه، وغيرهم ممن جاء النص بأنه لا يصلى عليه، فإنه لا يصلي عليهم أعيان الناس ووجهاؤهم وعلماؤهم، ولكن يصلي عليهم بقية الناس؛ ليكون في ذلك تحذير للأحياء من أن يفعلوا ذلك فلا يصلى عليهم، ولكن يصلي عليه عامة المسلمين؛ لأنه مسلم. والقاعدة في هذا: أنه من علم كفره فإنه لا يصلى عليه، ومن لم يعلم كفره فإنه يصلى عليه؛ لهذه الآية وهي قوله تعالى: وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ [التوبة:84] ثم ذكر العلة فقال: إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ [التوبة:84]. فكان عمر رضي الله عنه لا يصلي على أحد حتى يصلي عليه حذيفة ، خشية أن يكون من المنافقين الذين نهى الله عن الصلاة عليهم، فإذا صلى حذيفة على شخص صلى عليه عمر ؛ لأن حذيفة صاحب السر، أي: الذي أسر إليه النبي صلى الله عليه وسلم بأسماء المنافقين وأعيانهم.

 

 

 

 

 

 

 

خطورة النفاق

 

 

 

قال المؤلف رحمه الله: [ قال حذيفة رضي الله عنه: النفاق اليوم أكثر منه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي رواية: كانوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يسرونه، واليوم يظهرونه ]. وهذا رواه البخاري في الفتن، ورواه ابن أبي شيبة أيضاً في الفتن، و أبو نعيم في الحلية، و الفريابي في صفة النفاق. وكونهم يسرونه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم؛ فذلك لقوة الإسلام وعزه بالحجة والسيف. وأما بعد ذلك فإن المسلمين حصل لهم بعض الضعف، فصار المنافقون يظهرون النفاق، وكذلك الآن في هذا الزمن تجد بعض المنافقين وبعض العلمانيين يظهرون نشاطهم في الصحف وفي المجلات إذا أمنوا إقامة الحدود، وإن خافوا أن تقام عليهم الحدود تجدهم إما أن يعتذروا وإما أن يؤولوا.

 

 

 

 

 

 

 

خوف السلف من النفاق

 

 

 

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وذكر البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه عن ابن أبي مليكة قال: أدركت ثلاثين من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه ]. هذا الأثر ذكره البخاري أيضاً في صحيحه في كتاب الإيمان تحت هذه الترجمة: باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر. وقال إبراهيم التيمي : (ما عرضت قولي على عملي، إلا خفت أن أكون مكذباً). يعني: إن الإنسان في الغالب تكون الأقوال عنده أكثر من الأعمال وأوسع، فالإنسان يتكلم بكلام طيب، لكن عند التطبيق يضعف، ولهذا قال إبراهيم التيمي : (ما عرضت قولي على عملي إلا خفت أن أكون مكذباً)؛ لأن القول طيب، وأما العمل فهو ضعيف. وقال الحسن البصري : (ما خافه إلا مؤمن، وما أمنه إلا منافق). يعني: ما خاف النفاق إلا مؤمن، وما أمنه إلا منافق، فالمنافق يأمن من النفاق؛ لأنه منافق، والمؤمن يخافه على نفسه وذلك دليل إيمانه. قال ابن أبي مليكة ، كما ذكر المؤلف: [ أدركت ثلاثين من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، كلهم يخاف النفاق على نفسه، ثم قال: ما منهم أحد يقول إنه على إيمان جبريل وميكائيل ]. وهذا فيه رد على المرجئة الذين يقولون: إن إيمان جبريل وميكائيل وإيمان سائر الناس سواء، وإيمان أهل السماء وأهل الأرض سواء، وهذا معناه أن إيمان أفجر الناس وأتقى الناس سواء. ولهذا قال الطحاوي في الطحاوية: ( والإيمان واحد، وأهله في أصله سواء)، أي: أهل الإيمان في أصله سواء، فالناس كلهم مؤمنون، وكلهم أولياء لله. فكان الصحابة كلهم يخاف النفاق على نفسه الأصغر؟ وإن كان ظاهر الترجمة وهي باب خوف المؤمن أن يحبط عمله وهو لا يشعر أنه النفاق الأكبر؛ لأن الذي يحبط العمل النفاق الأكبر، ولكن آخر الأثر: ( ما منهم أحد يقول إنه على إيمان جبريل وميكائيل )، يدل على أن المراد هو النفاق الأصغر، يعني: كل منهم يعتقد أنه ناقص الإيمان، وأنه لا يصل إلى ما وصل إليه جبريل وميكائيل . الصحابة لا يخافون أن يكفروا بالله ورسوله، وإنما يخافون من نفاق يكون في الأعمال. قال الحافظ: قد جزم بأنهم كانوا يخافون النفاق في الأعمال غير واحد ولم ينقل عن غيرهم خلاف في ذلك، وكأنه إجماع؛ وذلك لأن المؤمن قد يعرض له في علمه ما يشوبه مما يخالف الإخلاص.

 

 

 

 

 

 

 

العبادات لا تقبل من المنافقين

 

 

 

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقد أخبر الله تعالى عن المنافقين أنهم يصلون ويزكون، وأنه لا يقبل ذلك منهم، فقال تعالى: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا [النساء:142]. قوله: (فقال تعالى) في نسخة أخرى: وقال تعالى، والأحسن صيغة (وقال تعالى). والآية قد أخبر الله فيها عن المنافقين أنهم يصلون ويزكون، وأنه لا يقبل ذلك منهم، ومثلها قوله تعالى: وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ [التوبة:54]. إن من أوصاف المنافقين أنهم ارتضوا الخداع والكسل عند الصلاة والمراءاة بها، وهذه أوصاف مشينة، وفيه تحذير للمؤمن من هذه الأوصاف، فلا ينبغي للمؤمن أن يخادع، بل يجب أن يكون أمره واضحاً. وكذلك على المؤمن أن يقوم إلى الصلاة برغبة ولا يقوم بكسل وتثاقل، وكذلك يحذر المؤمن من الرياء، ويخلص عمله لله، فإن الرياء من صفات المنافقين، وعدم ذكر الله عز وجل كثيراً من صفاتهم أيضاً، فهذه أربعة أوصاف من أوصاف المنافقين: الخداع، والكسل عند إقامة الصلاة، والرياء، وقلة ذكر الله.

 

 

 

 

 

 

 

سبب عدم قبول عبادات المنافقين

 

 

 

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقال تعالى: قُلْ أَنفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ * وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ [التوبة:53-54] ]. هنا بين الله سبحانه وتعالى أن المنافقين لا تقبل منهم نفقاتهم، ولا تقبل صلاتهم، وبين العلة، وهي كفرهم بالله ورسوله. إن التوحيد هو المصحح للأعمال، فمن كان من أهل التوحيد صحت أعماله وقبلت، ومن كان من أهل النفاق والكفر بطلت أعماله وردت، فأي موحد أخلص عمله قبل منه ولو كان عاصياً، فالعاصي نقول له: صلاتك صحيحة، أو زكاتك صحيحة، ولو كان عنده بعض المعاصي، كعقوق الوالدين أو قطيعة الرحم، أو شرب الخمر أو الدخان، أو حلق اللحية، فهذه المعاصي لا تمنع من قبول عباداته إذا كان موحداً. لكن الكافر لا يقبل منه أي عمل؛ لأنه ليس عنده توحيد، بل أشرك بالله، فلا تقبل عباداته؛ لأن المصحح للأعمال كلها هو التوحيد، والمبطل للأعمال كلها هو الشرك والكفر، ولهذا بين الله سبحانه وتعالى سبب عدم قبول الصلاة والزكاة فقال: وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ [التوبة:54] فهذا هو المانع المبطل لأعمالهم، وفي هذا تحذير للمؤمن من أن يتصف بصفات المنافقين، فإن إتيان الصلاة عن كسل، والإنفاق مع الإكراه وصف نفاق، والمؤمن ينفق مع النشاط والطواعية وانشراح الصدر، لا كارهاً متبرماً، بخلاف المنافق؛ لأنه ليس عنده إيمان.

 

 

 

 

 

 

 

انكشاف أمر عبد الله بن أبي عند الصحابة

 

 

 

قال المؤلف رحمه الله: [ فقد كانوا يشهدون مع النبي صلى الله عليه وسلم مغازيه، كما شهد عبد الله بن أبي بن سلول وغيره من المنافقين الغزوة التي قال فيها ابن أبي : لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ [المنافقون:8] وأخبر بذلك زيد بن أرقم النبي صلى الله عليه وسلم وكذبه قوم حتى أنزل الله القرآن بتصديقه ]. وهذه القصة رواها البخاري ومسلم في صحيحيهما، فقد كان عبد الله بن أبي رأس المنافقين، يشهد مع النبي مغازيه، ويصلي معه، وكان أيضاً يشهد معه الجمعة، وإذا صلى الجمعة قام وخطب في الناس وقال: احمدوا ربكم على هذا النبي الكريم، أطيعوه واتبعوه. ثم بعد غزوة تبوك قام وأراد أن يقول مثل الذي يقوله دائماً، فأخذه بعض الصحابة وقالوا: اجلس عدو الله، قد عرفنا أمرك، فخرج وهو يقول: أردت أن أشد أمره، فمنعني فلان وفلان. وقد حدث في غزوة تبوك، أو غزوة المريسيع على خلاف أن قال عبد الله بن أبي : لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ [المنافقون:8]، يعني: أنه هو الأعز والنبي صلى الله عليه وسلم هو الأذل، حاشاه، فسمع ذلك زيد بن أرقم ، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فكذبه قومه حتى شق عليه ذلك، فأنزل الله تصديقه في قوله تعالى: يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ [المنافقون:8]. وهذا يدل على أن المنافقين يظهرون الإسلام، وهم مكذبون في الباطن، وهم يصلون الصلوات الخمس، لكنهم يتخلفون عن صلاة العشاء وصلاة الفجر؛ لأن صلاة العشاء والفجر في الظلام، ولا يراهم أحد ويخفون على الناس، وفي صلوات النهار يأتون، ويجاهدون مع النبي صلى الله عليه وسلم. وفي هذا الزمن وفي جميع الأزمان نرى المنافقين يعيشون بين المسلمين، ويصلون معهم، وهم على كفرهم ونفاقهم، فمتى حانت لهم الفرصة أظهروا نفاقهم وكفرهم، وهم في الخفاء يخططون لهدم الإسلام، والإضرار بالمسلمين. قال المؤلف رحمه الله: [ والمقصود أن الناس ينقسمون في الحقيقة إلى: مؤمن، ومنافق كافر في الباطن مع كونه مسلماً في الظاهر، وإلى كافر باطناً وكافراً ]. فهذه هي أقسام الناس، وهذه الأقسام لا شك فيها، فقد دل عليها القرآن والسنة والإجماع، وهي معلومة من الدين بالضرورة.

 

 

 

 

 

 

ظهور مصطلح الزنديق والخلاف في حكمه

 

 

 

قال المؤلف رحمه الله: [ ولما كثرت الأعاجم في المسلمين تكلموا بلفظ الزنديق، وشاعت في لسان الفقهاء، وتكلم الناس في الزنديق هل تقبل توبته في الظاهر إذا عرف بالزندقة، ودفع إلى ولي الأمر قبل توبته؟ فمذهب مالك رحمه الله تعالى، وأحمد في أشهر الروايتين عنه، وطائفة من أصحاب الشافعي ، وهو أحد القولين في مذهب أبي حنيفة ، أن توبته لا تقبل. والمشهور من مذهب الشافعي رحمه الله قبولها، كالرواية الأخرى عن أحمد ، وهو القول الآخر في مذهب أبي حنيفة ، ومنهم من فصل ].

 

 

 

ظهور هذا المصطلح وسببه

 

 

 

هذا الخلاف في قبول توبة الزنديق، والزنديق قد يطلق على المنافق الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر، وقد يطلق على الجاحد من أصله، ولفظ الزنديق هذا إنما تكلم الناس به عندما كثر المسلمون من الأعاجم بعد زمن الصحابة والتابعين، ودخل الناس في دين الإسلام، فتكلموا بلفظ زنديق، وهي كلمة فارسية معناها: المنافق، وشاعت في لسان الفقهاء، وتكلموا هل تقبل توبته الزنديق أو لا تقبل؟ والزنديق يطلق على المنافق، ويطلق على الجاحد المعطل الذي عطل الرب سبحانه وتعالى من أوصافه، وعطل المصنوعات من صانعها، فالمنافق الزنديق، إذا ادعى التوبة، هل تقبل توبته؟

 

 

 

 

 

 

 

الخلاف في قبول توبة الزنديق

 

 

 

اختلف العلماء على ثلاثة أقوال: القول الأول: مذهب مالك ، و أحمد في المشهور عنه، وطائفة من أصحاب الشافعي ، وهو قول لـأبي حنيفة : أن توبته لا تقبل، يعني: في الدنيا، فإذا عرف أنه منافق فلابد أن تقطع رقبته، وإن قال: تبت. وألف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى كتاباً في هذا وسماه (الصارم المرسول على شاتم الرسول) قالوا: الزنديق والذي سب الله أو سب الرسول، أو استهزأ بالله أو برسوله أو بكتابه، أو الساحر، هؤلاء لا تقبل توبتهم، بل يقتلون؛ حتى لا يتجرأ الناس على مثل هذا الكفر الغليظ، وكذلك من تكررت ردته، أما ما عداهم من الكفرة إذا ادعى التوبة، فإننا نقبل توبته. فالقول الأول هو أن هذا يقتل زجراً له ولأمثاله؛ حتى لا يتجرأ الناس على مثل هذا الكفر أو غيره، أما ما بينه وبين الله فإن كان صادقاً في التوبة، فالله يقبل توبة الصادقين، وإن كاذباً فلا يقبل الله توبة الكاذبين وهذا في الآخرة، أما في الدنيا فلابد من قطع رقبته. القول الثاني: أن توبته تقبل، وهذا هو المشهور من مذهب الشافعي ، ورواية عن الإمام أحمد ، وقول في مذهب أبي حنيفة ، أي: إذا أخذناه فقال: أنا تائب، فإننا نتركه، ولا نقتله ومن تاب تاب الله عليه. القول الثالث: التفصيل، وهو أنه إن أخذ قبل التوبة ثم ادعى التوبة لا تقبل توبته، بل لابد أن تقطع رقبته، أما إذا تاب وسلم نفسه، فإنها تقبل توبته؛ لأنه ما سلم نفسه إلا لأنه تائب. وهذا القول لعله أعدلها، فإنه إذا سلم نفسه كان مثل المحاربين، وقد قال الله تعالى عن المحاربين وقطاع الطريق: إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [المائدة:33]، ثم قال تعالى: إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة:34] يعني: إذا سلموا أنفسهم قبل القبض عليهم، فهؤلاء تقبل توبتهم. فهنا بين الله تعالى في كتابه أن المحارب وهو قاطع الطريق إن سلم نفسه قبلنا توبته، وإن قبضنا عليه ثم ادعى التوبة فلا تقبل توبته، فكذلك الساحر وكذلك الزنديق وكذلك المنافق له هذا الحكم. وهذا أعدل الأقوال، فإن القول الأول يقتل مطلقاً، والقول الثاني لا يقتل مطلقاً، والقول الثالث يقتل إذا قبضنا عليه قبل أن يسلم نفسه، ولا يقتل إذا سلم نفسه قبل أن نقبض عليه.

 

 

 

 

 

 

 

معنى الزنديق عند الفقهاء وغيرهم

 

 

 

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ والمقصود هنا أن الزنديق في عرف هؤلاء الفقهاء هو المنافق الذي كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أن يظهر الإسلام ويبطن غيره، سواء أبطن ديناً من الأديان كدين اليهود والنصارى أو غيرهم، أو كان معطلاً جاحداً للصانع والمعاد والأعمال الصالحة. ومن الناس من يقول: الزنديق هو الجاحد المعطل، وهذا يسمي الزنديق في اصطلاح كثير من أهل الكلام والعامة، ونقلة مقالات الناس. ولكن الزنديق الذي تكلم الفقهاء في حكمه هو الأول؛ لأن مقصودهم هو التمييز بين الكافر وغير الكافر، والمرتد وغير المرتد، ومن أظهر ذلك أو أسره. وهذا الحكم يشترك فيه جميع أنواع الكفار والمرتدين، وإن تفاوتت درجاتهم في الكفر والردة، فإن الله تعالى أخبر بزيادة الكفر كما أخبر بزيادة الإيمان بقوله تعالى: إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ [التوبة:37]، وتارك الصلاة وغيرها من الأركان، أو مرتكبي الكبائر، كما أخبر بزيادة عذاب بعض الكفار على بعض في الآخرة بقوله تعالى: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ العَذَابِ [النحل:88] ]. والزنديق عند هؤلاء الذين ذكرهم المؤلف يطلق على الجاحد المعطل، يعني: الذي يجحد الرب ويعطل الرب من أفعاله وربوبيته وأسمائه وصفاته، فهذا يسمى زنديقاً، ويسمى المنافق زنديقاً أيضاً، فالزنديق يطلق على أمرين: الأول الجاحد المعطل، والثاني المنافق. ولكن الزنديق الذي تكلم الفقهاء في حكمه هو الأول كما قال المؤلف، وهو المنافق؛ لأن مقصودهم هو التمييز بين الكافر وغير الكافر، والمرتد وغير المرتد، ومن أظهر ذلك أو أسره، وهذا الحكم يشترك فيه جميع أنواع الكفار والمرتدين، وإن تفاوتت درجاتهم في الكفر والردة، فإن الله أخبر بزيادة الكفر كما أخبر بزيادة الإيمان. فالإيمان يزيد وينقص، كما قال: لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ [الفتح:4]، وقال: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ [التوبة:124]. والكفر يزيد قال تعالى: إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ [التوبة:37]، وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ [التوبة:125]، فالكفر يزيد وينقص، والإيمان يزيد وينقص. وكذلك تارك الصلاة وغيرها من الأركان، أو مرتكب الكبائر، كما أخبر بزيادة عذاب بعض الكفار على بعض في الآخرة بقوله تعالى: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ العَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ [النحل:88]، فالكفرة يتفاوتون، بعضهم يزيد على بعض، فالكافر الذي يصد عن سبيل الله، ويؤذي المؤمنين، أشد عذاباً من الكافر الذي لا يصد عن سبيل الله.

 

 

 

 

 

 

التفريق بين الحكم بالظاهر والحكم بالباطن

 

 

 

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ فهذا أصل ينبغي معرفته؛ فإنه مهم في هذا الباب، فإن كثيراً ممن تكلم في مسائل الإيمان والكفر لتكفير أهل الأهواء، لم يلحظوا هذا الباب، ولم يميزوا بين الحكم الظاهر والباطن، مع أن الفرق بين هذا وهذا ثابت بالنصوص المتواترة والإجماع المعلوم، بل هو معلوم بالاضطرار من دين الإسلام ]. يعني: أن هذا الكلام أصل ينبغي معرفته؛ وهو أن المنافق تجرى عليه أحكام الإسلام في الظاهر، وإذا أظهر النفاق قتل، كما تجرى على المسلم ظاهراً وباطناً، فالمؤمن ظاهراً وباطناً تجرى عليه أحكام الإسلام، والمنافق الذي يظهر الإسلام تجرى عليه أحكام الإسلام، فإذا لم نعلم حاله عاملناه كمسلم في الزواج، والنكاح، والصداق، والصلاة عليه إذا مات، والميراث، وإجابة دعوته، وتغسيله، ودفنه في مقابر المسلمين. فكل هذه الأحكام تجرى على المنافق الذي أظهر الإسلام وأبطن الكفر، ما لم يظهر نفاقه، فإذا أظهر نفاقه قتل وعومل بما أظهر من نفاقه على الخلاف المشهور: هل يقتل بدون استتابة، أو بعد الاستتابة؟ أو إذا سلم نفسه فلا يقتل، وإذا لم يسلم نفسه فإنه يقتل. فأحكام الإسلام تجرى على المنافقين، وتجرى أيضاً على المسلمين، وأما الكفار الذين أظهروا الكفر فتجرى عليهم أحكام الكفار. يقول المؤلف: (فإن كثيراً ممن تكلم في مسائل الإيمان والكفر لتكفير أهل الأهواء، لم يلحظوا هذا الباب)، يعني: أن بعض الناس يكفر أهل البدع ولا يلحظ هذا المعنى، مع أن أهل البدع والأهواء، إن كانوا يظهرون الإسلام فتجرى عليهم أحكام الإسلام ولا يكفرون، والبدعة والمعصية لا يكفر صاحبها، فكما أن الزاني لا يكفر، فكذلك المبتدع -كصاحب بدعة المولد- لا يكفر كذلك، ولا يكفر إلا من أظهر الكفر. فالذين كفروا أهل البدع لم يلحظوا هذا الباب، وهو إجراء الأحكام على الظاهر، ولم يميزوا بين الحكم الظاهر والباطن، مع أن الفرق بين الحكم الظاهر والحكم الباطن ثابت شرعاً. والحكم الظاهر هو الحكم على المنافق بالإسلام، والحكم الباطن هو الكفر، وهذا هو حكمه في الآخرة، والفرق بينهما ثابت بالنصوص المتواترة، والإجماع المعلوم، بل هو معلوم بالاضطرار من دين الإسلام. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ومن تدبر هذا علم أن كثيراً من أهل الأهواء والبدع قد يكون مؤمناً مخطئاً جاهلاً ضالاً عن بعض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، وقد يكون منافقاً زنديقاً يظهر خلاف ما يبطن ]. فالمبتدع قد يكون مؤمناً، ولم يكفر، لكن أخطأ بسبب جهله وضلاله، كمثل شخص يقيم الموالد، وهو مؤمن يصلي ويصوم، ويزكي ويحج، فإذا قيل له: لماذا تقيم بدعة المولد؟ قال: أقيمه محبة للرسول، فهو هنا قد أخطأ لجهله وضلاله، فلا يكون كافراً، فليس كل من يأتي ببدعه يقال له كافر، بل لابد من التمييز بين الأحكام كما قال المؤلف. وهذا الذي أقام البدعة كأن يقول: نويت أن أصلي فرض العشاء خلف هذا الإمام أربع ركعات، فهذه بدعة عندما تلفظ بها، ويقولها بعض الناس للجهل والضلال، فلا يكون كافراً، بل هو مبتدع. ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (ومن تدبر هذا علم أن كثيراً من أهل الأهواء والبدع قد يكون مؤمناً، مخطئ جاهل، قد يكون مؤمناً مخطئاً جاهلاً ضالاً عن بعض ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام، وقد يكون منافقاً يظهر خلاف ما يبطن)، يعني: الشخص الذي يظهر البدعة هو على أحد أمرين: إما أن يكون مؤمناً ابتدع هذه البدعة لجهله وضلاله، وإما أن يكون منافقاً زنديقاً؛ لأنه يبطن الكفر ويظهر البدعة. فهو دائر بين هذا وبين هذا.

 

 

الأسئلة

 

 

 

 

 

 

 

حكم الصلاة في المساجد التي فيها مقابر

 

 

 

السؤال: أنا من بلاد الشام، ويوجد عندنا مساجد كثيرة وفيها مقابر، فما حكم الصلاة في تلك المساجد ، سواء صلاة الجمعة أو صلاة الجماعة؟ الجواب: لا تصح الصلاة في المسجد الذي فيه قبر؛ لما ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)، فهم اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ثم قال: (ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك). فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ القبور مساجد، ولعن من اتخذ القبور مساجد، وهذا يدل على أنه لا تصح الصلاة في المسجد الذي فيه قبر؛ لأن النهي يقتضي الفساد، فالمسجد الذي فيه قبر لا تصح الصلاة فيه، إذا كان داخلاً في سور المسجد. والواجب إزالة القبور التي في المساجد، والحكم للأول، فإن كان المسجد هو الأقدم ودفن فيه الميت، فإنه يجب نبش الميت ودفنه في المقابر، ويبقى المسجد سليماً، وأما إذا كان القبر سابقاً، ثم بني المسجد على القبر، فيجب هدم المسجد، ونقله إلى مكان آخر.

 

 

 

 

 

 

 

حكم الدراسة عند المنحرفين

 

 

 

السؤال: إنني أدرس في مدرسة يكثر فيها المدرسون من الصوفية، فهل يجوز لي أن أدرس عندهم عقيدة التوحيد أو غيرها من المواد الشرعية؟ الجواب: لا يجوز لك أن تدرس في مدارس الصوفية عقيدة التوحيد؛ لأن عقيدة الصوفية منحرفة، بل ادرس عقيدة التوحيد عند أهل التوحيد لا عند المخرفين من الصوفية والوثنيين وغيرهم.

 

 

 

 

 

 

 

حكم دراسة اللغة الإنجليزية والتكلم بها بين المسلمين لإتقانها

 

 

 

السؤال: كثرت الأسئلة عن حكم تعلم اللغة الإنجليزية لغرض دراسة الطب أو غيره، وحاجة الدارس للتحدث بها حتى بين إخوانه من المسلمين العرب لغرض إتقانها، فما حكم ذلك؟ الجواب: إذا تعلم اللغة الإنجليزية لحاجته إليها للدعوة إلى الله، أو للعمل في الطب، فأرجو ألا يكون في ذلك حرج إن شاء الله، بل هو مطلوب خصوصاً إذا كان داعية وعنده علم؛ حتى يدعو إلى الله على بصيرة، وهذا أمر حسن، أما إذا تعلمها محبة للكفار أو محبة للغتهم، فلا شك أن هذا أمر خطير.

 

 

 

 

 

 

 

حكم ساب الصحابة

 

 

 

السؤال: هل يكفر من سب الصحابة رضوان الله تعالى عليهم؟ الجواب: إذا سبهم لدينهم يكفر، وهكذا من كفرهم أو فسقهم؛ لأنه مكذب لله ؛ لأن الله زكاهم وعدلهم ووعدهم بالجنة، فمن كفرهم فقد كذب الله، ومن كذب الله كفر. أما إذا سبهم من دون تكفير وتفسيق، فهذا فيه تفصيل كما بين ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية ؛ لأن السب قد يكون للتكفير، وقد يكون للغيظ، فإن سبهم تكفيراً لهم فهذا يكفر، أما إذا سبهم لغيظ في نفسه وهو لا يعتقد كفرهم فهذا فسق. والمقصود أن سب الصحابة ذنب عظيم، وهو دائر بين الكفر وبين الكبيرة العظيمة.

 

 

 

 

 

 

 

معنى قوله تعالى: (باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب)

 

 

 

السؤال: كثرت الأسئلة حول معنى قول الله تبارك وتعالى: بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ [الحديد:13]، فما معنى ذلك؟ الجواب: هذه الآية على ظاهرها، وهي تتحدث عن سور باطنه فيه الرحمة، وباطنه هو الجزء الذي من قبل المؤمنين، وظاهره من قبله العذاب، وهو الجزء الذي من قبل المنافقين، نسأل الله السلامة والعافية. وقال بعضهم: إن هذا السور هو المذكور في قوله تعالى: وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ [الأعراف:46].

 

 

 

 

 

 

 

حكم الدراسة في الجامعات المختلطة

 

 

 

السؤال: إنني أدرس في بلد فيه الجامعات مختلطة بين الشباب والشابات، يدرسون في صف واحد، فهل تجوز لي الدراسة في تلك الجامعة أم لا؟ الجواب: لا تجوز الدراسة في الجامعات المختلطة، ولا في الفصول المختلطة، لا للبنين ولا للبنات، ويحرم على الإنسان أن يدرس في جامعة مختلطة، فلا يجوز للمرأة أن تختلط بالرجال، ولا يجوز أيضاً للرجل أن يختلط بالنساء، بل يجب أن تكون النساء على حدة والرجال على حدة، وإذا لم توجد إلا جامعة مختلطة فاجلس في بيتك، واطلب العلم على أهل العلم في الدروس العلمية والحلقات والأنشطة والبرامج المفيدة، وفي كتب أهل العلم، ويكفي هذا. لأن الاختلاط فيه خطر على دين الإنسان وخلقه، ومن الذي يأمن على نفسه؟ وهذا اجتمعت فيه عدة محرمات: الاختلاط، والنظر، ومن الذي سمح لك أن تنظر إليها؟ ومن الذي سمح لك أن تلامسها بجسدك؟ ثم إن هذه وسيلة قريبة -كما هو الواقع- للذهاب بها، والخلوة بها، وفعل الفاحشة، نسأل الله السلامة والعافية، والوسيلة المؤدية إلى الحرام حرام، والله تعالى قال في كتابه العظيم: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ [النور:30]، فأين الغض عندما تجلس بجوار بنت وهي تجلس بجوارك؟

 

 

 

 

 

 

 

حل إشكال في كلام الإمام ابن تيمية عن المنافقين

 

 

 

السؤال: ما معنى كلام شيخ الإسلام رحمه الله في شرح حديث جبريل عليه الصلاة والسلام حينما قال: (وكان في المنافقين من هو في الأصل من المشركين، وفيهم من هو في الأصل من أهل الكتاب)؟ الجواب: يعني أن المنافق قد يكون أصله وثنياً مشركاً، ثم يدخل في الإسلام نفاقاً، فيظهر الإسلام ويبطن الشرك، وقد يكون في الأصل يهودياً، فيدخل في الإسلام نفاقاً، يظهر الإسلام ويبطن اليهودية، كما أخبر الله تعالى عنهم بقوله: وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ [البقرة:75-76]. فالمقصود أن المنافق قد يكون مسلماً ظاهراً وباطناً ثم ينافق، وقد يكون في الأصل مشركاً، ثم أظهر الإسلام وأبطن الشرك، وقد يكون في الأصل يهودياً أو نصرانياً من أهل الكتاب، ثم أظهر الإسلام وأبطن اليهودية أو النصرانية.

 

 

 

 

 

 

 

وجه ذكر المنافقين في السور المكية

 

 

 

السؤال: إذا كان النفاق لم يظهر إلا في المدينة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فما وجه ذكر المنافقين في سورة العنكبوت وهي مكية؟ الجواب: قد تكون السورة مكية، ولكن فيها آيات مدنية، وقد تكون السورة مدنية وبعض الآيات فيها مكية، ولهذا تجد في المصحف: سورة كذا مكية إلا آية كذا وكذا، وآية كذا وكذا فهي مدنية.

 

 

 

 

 

 

 

عقيدة الدروز وحكم التعامل معهم

 

 

 

السؤال: ما هي عقيدة الدروز، وما حكم التعامل معهم، والسلام عليهم، وأكل ذبائحهم، وشراء بضاعتهم؟ الجواب: عقيدة الدروز من عقائد الباطنية، والباطنية طوائف كثيرة، ولهم عقائد باطنية تخالف الظاهر، وهم طبقات، فإذا كانت عقيدتهم توصل إلى الكفر؛ فلا يجوز أكل ذبائحهم، أما شراء البضائع منهم فلا بأس به، إذا لم يكن فيها ذبح. لكن هناك مسألة وهي: مقاطعة الكفرة، فإنه ينبغي أن يشتري المرء من المسلمين، حتى لا تروج بضاعة الكفار.

 

 

 

 

 

 

 

الطائفة المنصورة والطائفة الناجية

 

 

 

السؤال: هل هناك فرق بين الطائفة المنصورة والفرقة الناجية؟ الجواب: لا فرق بينهما، فإن الطائفة المنصورة هي الفرقة الناجية، وهم أهل السنة والجماعة، وكلهم أنصار الله وكل هذه أوصاف لها، وهي شيء واحد.

 

 

 

 

 

 

 

حكم من يتنصر لأجل الحصول على الطعام والمال

 

 

 

السؤال: ينشط التنصير في بلاد إفريقيا، وبعض المسلمين يتنصر من أجل الحصول على المال والطعام، فهل يكفرون بذلك؟ الجواب: من تنصر كفر، نسأل الله العافية، سواء لأجل الطعام أو لغيره، لكن الواجب على المسلمين أن يحتضنوا المسلمين، وأن يفتحوا لهم المدارس والدورات العلمية، وكذلك ينبغي أن يكون هناك إغاثة لهم حتى لا يتنصروا، وحتى لا تحتضنهم دور التنصير، فالواجب على المسلمين أن تكون لهم عناية بإخوانهم المسلمين، فالمؤمنون بعضهم إخوان لبعض، فكيف يتركون إخوانهم للنصارى ينصرونهم بسبب الفقر؟

 

 

 

 

 

 

 

حكم القرض الربوي

 

 

 

السؤال: يقول السائل: استدنت من رجل مبلغاً قدره ثلاثون ألف ريال، على أن أشتري به سيارة، فقال لي: بشرط أن ترد المبلغ لي أقساطاً خمسة وثلاثين ألف ريال، فهل هذا جائز أم لا؟ الجواب: هذا ربا في القرض، وكأنه يقول: إما أن تقضي حالاً، وإما أن تزيد إذ أخرت، وهذا ربا صريح بإجماع المسلمين، نسأل الله العافية، والله يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً [آل عمران:130]، والواجب على الإنسان إذا أقرض أخاه أن يسترد مثله، لئلا ينقطع المعروف، وفي الحديث: (من أقرض شخصاً مرتين، كان كصدقة مرة). وأما إذا أقرضته وطلبت أن يرد أكثر فهذا ربا، نعوذ بالله من ذلك. وكل قرض جر نفعاً فهو ربا، بل لو أقرضه ثم أخذ منه سيارة ينتفع بها فسيكون ربا، أو أعطاه داراً يسكن بها مقابل قرضه فهو ربا، إلا إذا احتسب أجرة السيارة أو أجرة الدار التي يسكنها من القرض فلا مانع منه.

 

 

 

 

 

 

 

الاهتمام بالمناطق القروية في الدعوة إلى الله

 

 

 

السؤال: تكتض المدن بالدعاة وطلبة العلم وفقهم الله، بينما تشتكي القرى الصغيرة من قلتهم وندرتهم، إضافة إلى أن أهل القرى لا توجد عندهم المنكرات الكثيرة، ويقل الغزو الفضائي عندهم، ويتميزون بقوة الاستيعاب والحفظ، فما نصيحتك لأهل العلم؟ الجواب: نصيحتي لأهل العلم أن يذهبوا إلى تلك القرى ويعلموا أهلها، وأن يقيموا عندهم الدورات والدروس العلمية، وعلى أهل القرى أيضاً أن يأتوا بأنفسهم إلى المدن حتى يستفيدوا من الدروس العلمية، وإن لم يأتوا فعلى طلبة العلم أن يذهبوا إليهم في قراهم وبلدانهم، وأن ينشروا علمهم وأن يعلموهم مما علمهم الله، نسأل الله للجميع العلم النافع والعمل الصالح. ونسأل الله أن يجعلنا وإياكم من المباركين، ومن أهل العلم الذين يعلمون ويعملون، ونسأل الله أن يثبتنا وإياكم على دينه القويم حتى الممات، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

 

 

 

شرح كتاب الإيمان الأوسط لابن تيمية [9]

 

جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية وصف أقوام بالإسلام دون الإيمان، وجاء عكس ذلك، وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية المراد من ذلك ودلالاته.

 

أصل مهم في الفرق بين الوصف بالإسلام دون الإيمان

 

 

 

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وهنا أصل آخر، وهو أنه قد جاء في الكتاب والسنة وصف أقوام بالإسلام دون الإيمان فقال تعالى: قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [الحجرات:14] وقال تعالى في قصة لوط عليه الصلاة والسلام: فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [الذاريات:35-36]. وقد ظن طائفة من الناس أن هذه الآية تقتضي أن مسمى الإيمان والإسلام واحد، وعارضوا بين الآيتين وليس كذلك، بل هذه الآية توافق الآية الأولى؛ لأن الله تعالى أخبر أنه أخرج من كان فيها مؤمناً، وأنه لم يجد إلا أهل بيت من المسلمين. وذلك لأن امرأة لوط كانت في أهل البيت الموجودين، ولم تكن من المخرجين الذين نجوا، بل كانت من الغابرين الباقين في العذاب، وكانت في الظاهر مع زوجها على دينه، وفى الباطن مع قومها على دينهم خائنة لزوجها، تدل قومها على أضيافه، كما قال تعالى فيها: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا [التحريم:10]، وكانت خيانتهما لهما في الدين لا في الفراش، فإنه ما بغت امرأة نبي قط، إذ نكاح الكافرة قد يجوز في بعض الشرائع، ويجوز في شريعتنا نكاح بعض الأنواع، وهن الكتابيات، وأما نكاح البغي فهو دياثة، وقد صان الله النبى عن أن يكون ديوثاً. ولهذا كان الصواب قول من قال من الفقهاء بتحريم نكاح البغي حتى تتوب ]. بعد أن ذكر المؤلف رحمه الله الأصل الأول: وهو أن الأحكام تجرى على الظاهر في الدنيا، أما في الآخرة فإنها تجرى على الظاهر وعلى الباطن جميعاً، فالمؤمن ظاهراً وباطناً عند الله مؤمن، والكافر ظاهراً وباطناً عند الله كافر، والمنافق عند الله كافر، فهذا أصل ينبغي معرفته، وهو التمييز بين الحكم الظاهر والباطن، والفرق بينهما، وهذا ثابت بالنصوص المتواترة والإجماع.

 

 

 

الآيات التي فرقت بين الإسلام والإيمان أو ساوت بينهما

 

 

 

والأصل الثاني: ما ذكره هنا، وهو أنه قد جاء في الكتاب والسنة وصف أقوام بالإسلام دون الإيمان، مثل الأعراب في سورة الحجرات، قال الله تعالى: قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا [الحجرات:14] فإذاً: نفى عنهم الإيمان، وأثبت لهم الإسلام. وكذلك قول الله تعالى في قصة لوط: فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [الذاريات:35-36]، وهؤلاء هم أهل بيت واحد، وصفهم بالإيمان ووصفهم بالإسلام، وفي الآية الأولى فرق الله بين الإسلام والإيمان.

 

 

 

 

 

 

 

القول بأن الإسلام والإيمان شيء واحد

 

 

 

واختلف العلماء في تفسير ذلك: فمن العلماء من قال: إن الإسلام والإيمان شيء واحد، فالإيمان هو الإسلام، والإسلام هو الإيمان، ولا فرق بينهما، واستدلوا بهذه الآية: فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [الذاريات:35-36]، فقالوا: هذا بيت واحد وصف بالإيمان، ووصف بالإسلام، فدل على أن الإيمان والإسلام شيء واحد، وذهب إلى هذا طائفة من أهل السنة، وعلى رأسهم الإمام البخاري ، وقالوا: إن هذه الآية تعارض الآية الأولى، وهي: قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا [الحجرات:14]، فتحمل آية الحجرات على المنافقين الذين نفى الله عنهم الإيمان وأثبت لهم الإسلام، قالوا: والمراد بالإسلام الذي استثناه هو الإسلام في الظاهر، والمعنى: قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا [الحجرات:14]، يعني استسلمنا وانقدنا للإسلام ظاهراً نفاقاً، وقال بهذا القول أيضاً الخوارج والمعتزلة.

 

 

 

 

 

 

 

القول بعدم كون الإسلام والإيمان شيئاً واحداً

 

 

 

القول الثاني: وهو قول جمهور أهل السنة، ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية : أن الإيمان والإسلام ليسا شيئاً واحداً، بل إذا اجتمعا فإن الإسلام يفسر بالأعمال الظاهرة، والإيمان يفسر بالأعمال الباطنة، وإذا أفرد أحدهما بالذكر دخل فيه الآخر. وأجابوا عن هذه الآية: فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [الذاريات:35-36] بأنه بيت واحد تحقق فيه وصف الإيمان، ووصف الإسلام، فلوط وابنتاه اتصفوا بالإسلام والإيمان، وزوجة لوط اتصفت بالإسلام. قالوا: وأما آية الحجرات فإنها تتحدث عن ضعفاء الإيمان، وليست في المنافقين، فقوله تعالى: قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا [الحجرات:14] يعني: ولكن قولوا أسلمنا؛ لأنهم لم يتمكن الإيمان من قلوبهم، وهم أظهروا الإسلام، ولكنهم لا يطلق عليهم الإيمان لضعف إيمانهم، ويدل على ذلك أن هذه السورة ليست في المنافقين، وإنما هي في العصاة، وتسمى سورة الآداب، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ [الحجرات:6]، وقال: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا [الحجرات:9]، وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ [الحجرات:11]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ [الحجرات:12]، يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى [الحجرات:13]، ثم قال: قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا [الحجرات:14] ثم قال: وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ [الحجرات:14] يعني: أنه متوقع دخوله، وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا [الحجرات:14]، فأثبت لهم طاعة، ولو كانت في المنافقين لما أثبت لهم طاعة، ثم قال: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا [الحجرات:17]، فأثبت لهم إسلاماً. فدل على أن هذه الآية في ضعفاء الإيمان، وهذا هو الأرجح، ولهذا فإن المؤلف رحمه الله ذكر القولين، قال: (وقد ظن طائفة من الناس أن هذه الآية، وهي: فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [الذاريات:35-36] تقتضي أن مسمى الإيمان والإسلام واحد، وعارضوا بين الآيتين) وبين المراد بهذه الآية وآية الحجرات، فآية الحجرات أثبتت لهم الإيمان ونفت عنهم الإسلام، وآية الذاريات تصفهم بالإيمان والإسلام معاً.

 

 

 

 

 

 

 

بيان توافق معنى آية الحجرات وآية الذاريات

 

 

 

قال المؤلف: (وليس كذلك بل هذه الآية توافق الآية الأولى) أي: أن آية الذاريات توافق آية الحجرات؛ لأن الله أخبر أنه أخرج من كان فيها مؤمناً، قال: فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الذاريات:35]، وأنه لم يجد إلا أهل بيت من المسلمين، وذلك لأن امرأة لوط كانت في أهل البيت الموجودين، ولم تكن من المخرجين الذين نجوا، فقال تعالى: فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [الذاريات:36]، أي: ومنهم امرأة لوط، ولكن من حصل لهم الإخراج وصفهم الله بالإيمان، وامرأة لوط ليست من المخرجين، وأما الموجودون في البيت فقد وصفهم جميعاً بالإسلام فقال: فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [الذاريات:36]، وامرأة لوط كانت كافرة، هي موجودة معهم في البيت، فلما كانت معهم وصفهم الله بالإسلام؛ لأنها كانت تظهر أنها على دين زوجها، وهي في الحقيقة على دين قومها، ولذلك لم يخرجها الله معهم، وقال: فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الذاريات:35] ومعهم المرأة؛ لأنها من الذين أظهروا الإسلام. ولهذا يقول المؤلف رحمه الله: (وذلك لأن امرأة لوط كانت في أهل البيت الموجودين، ولم تكن من المخرجين الذين نجوا، بل كانت من الغابرين الباقين في العذاب) كما قال تعالى: إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ [الشعراء:171] أي: في الباقين، وكانت في الظاهر مع زوجها على دينه، فتظهر الإسلام، وفي الباطن مع قومها على دينهم، خائنة لزوجها تدل قومها على أضيافه، فإذا جاء إلى لوط أضياف دلت عليهم، كما قال الله تعالى: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا [التحريم:10] وكانت خيانتهما لهما في الدين لا في الفراش؛ لأن زوجة النبي مصونة العرض، وإنه ما بغت امرأة نبي قط، وهذا من صيانة الله لأنبيائه.

 

 

 

 

 

 

 

حكم نكاح البغايا والكافرات

 

 

 

إن كان نكاح الكافرة قد يجوز في بعض الشرائع، كما في شريعة لوط، وفي شريعتنا يجوز للمسلم أن يتزوج الكافرة إذا كانت كتابية يهودية أو نصرانية؛ لقول الله تعالى في سورة المائدة: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ [المائدة:5] أي: إذا كانت من الذين أوتوا الكتاب وهي عفيفة الفراش، فيجوز للمسلم أن يتزوجها، فإن اليهودية والنصرانية أخف كفراً من الوثنية. فلا يجوز للمسلم أن يتزوج وثنية، ولا مجوسية، ولا شيوعية، ولا غيرها من الكافرات إلا اليهودية والنصرانية بشرط أن تكون محصنة، يعني عفيفة طاهرة في عرضها. وفي شرع من قبلنا كشريعة لوط وشريعة نوح كان يجوز الزواج من امرأة كافرة. وأما نكاح البغايا والزانيات فقد صان الله الأنبياء عن أن تكون في بيوتهم بغي، وقد صان الله الأنبياء عن الدياثة. ولهذا كان الصواب قول من قال من الفقهاء بتحريم نكاح البغي حتى تتوب، فالزانية لا يجوز نكاحها حتى تتوب؛ لقوله تعالى: الزَّانِي لا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [النور:3] أي: فالزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك ما دامت على زناها ولم تتب، ولكن إذا صحت توبتها وظهرت فيجوز أن يتزوجها المسلم. ومن هذا أن بعض الناس والعياذ بالله يقول: قد يقع رجل مع امرأة في الفاحشة، فإذا علم أهلها أنه عمل بها الفاحشة قالوا: نريد أن نزوجها إياه حتى نستر عليهما، وهذا لا يجوز؛ لأنها هي عاهرة، ولا يتزوج بها، فإنها زانية، ولابد أن يفرق بينهما، حتى تظهر توبتها وصلاحها، وتظهر توبته وصلاحه، ثم بعد ذلك يتزوج هو أو غيره بها. والولد الذي جاء من السفاح لا يجوز أن ينسب إلى الذي زنى، بل هو لقيط، فيفرق بينهما، وهذا الولد يكون لقيطاً ليس له أب، ولا ينسب إلى أحد. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ والمقصود أن امرأة لوط عليه الصلاة والسلام لم تكن مؤمنة، ولم تكن من الناجين المخرجين، فلم تدخل في قوله تعالى: فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الذاريات:35] وكانت من أهل البيت المسلمين، وممن وجد فيه؛ ولهذا قال تعالى: فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [الذاريات:36] وبهذا تظهر حكمة القرآن، حيث ذكر الإيمان لما أخبر بالإخراج، وذكر الإسلام لما أخبر بالوجود ]. أي: أن امرأة لوط لم تكن مؤمنة، بل كانت كافرة، ولم تكن من الناجين المخرجين، فلم تدخل في قوله تعالى: فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الذاريات:35] وهو بيت واحد وفيه امرأة لوط، لكن لما أخرج الله لوطاً وابنتيه لم تخرج المرأة، بل هلكت وأصابها ما أصاب قومها؛ لكفرها وضلالها، فلم تكن من أهل البيت المخرجين، ولكن كانت من أهل البيت المسلمين، وممن وجد فيه؛ ولهذا قال تعالى: فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [الذاريات:36] أي: وجدنا في هذه القرية بيتاً من المسلمين. وسماهم الله مسلمين وفيهم امرأته؛ لأنها أظهرت الإسلام، وهي في الباطن مع قومها، فتجرى عليها أحكام الإسلام. (وبهذا تظهر حكمة القرآن، حيث ذكر الإيمان لما أخبر بالإخراج، وذكر الإسلام لما أخبر بالوجود) أي: لما ذكر الإخراج وصفهم بالإيمان، قال تعالى: فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الذاريات:35]؛ لأن المرأة الكافرة لم تكن معهم، ولما ذكر الوجود ذكر الإسلام؛ لأنها أظهرت الإسلام، فهي معهم في الإسلام الظاهر، والأحكام تجرى على الظاهر.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد