شعار الموقع

شرح كتاب الإيمان الأوسط_7

00:00
00:00
تحميل
159

 

 

 

 

 

 

مسمى الإيمان والإسلام: مدلولهما، والفرق بينهما

 

 

عموم الإسلام

 

 

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وأيضاً فقد قال تعالى : إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [الأحزاب:35] وفرق بين هذا وهذا، فهذه ثلاثة مواضع في القرآن ] . فرق الله تعالى في كتابه العظيم بين الإيمان والإسلام في ثلاثة مواضع: فالموضع الأول: في سورة الحجرات، قال تعالى: قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا [الحجرات:14]، أثبت لهم الإسلام ونفع عنهم الإيمان. الموضع الثاني: في سورة الذاريات، يقول تعالى: فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [الذاريات:35-36]. الموضع الثالث: في سورة الأحزاب: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [الأحزاب:35]. وكذلك جاء في السنة حديث سعد بن أبي وقاص الذي رواه الشيخان وغيرهما أنه لما وصف سعد رجلاً بالإيمان قال: (أو مسلم) ففرق بين الإيمان والإسلام. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وأيضاً فقد ثبت في الصحيحين عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ، (أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجالاً ولم يعط رجلاً، فقلت: يا رسول الله أعطيت فلاناً وتركت فلاناً وهو مؤمن قال: أو مسلم، قال: ثم غلبني ما أجد فقلت: يا رسول الله ! أعطيت فلاناً وفلاناً وتركت فلاناً وهو مؤمن، فقال أو مسلم؟ مرتين أو ثلاثاً)، وذكر في تمام الحديث: (أنه يعطي رجالاً ويدع من هو أحب إليه منهم؛ خشية أن يكبهم الله في النار على مناخرهم) . قال الزهري رحمه الله: فكانوا يرون أن الإسلام الكلمة والإيمان العمل ]. هذا الحديث وهو حديث سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى رجالاً ولم يعط رجالاً، أي: أعطاهم من الغنائم يتألفهم على الإسلام، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يعطي على الهوى، ولكن يعطي ضعفاء الإيمان حتى يتقوى إيمانهم وحتى لا يرتدوا، وأقوياء الإيمان لا يعطيهم، وإنما يكلهم إلى إيمانهم، فعطاؤه عليه الصلاة والسلام هو لله وليس عن الهوى. فلما أعطى النبي صلى الله عليه وسلم رجالاً وترك رجلاً، قال: سعد: فترك رجلاً هو أعجبهم إلي أرى أنه مؤمن، فكيف يتركه الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يعطيه؟ ولا يدري ما الحكمة في ذلك، يظن أنه من كان قوي الإيمان يعطيه ومن كان ضعيف الإيمان لا يعطيه، فقال: (يا رسول الله! مالك عن فلان، فوالله إني لأراه مؤمناً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أو مسلم؟ -يعني: ما بلغ درجة الإيمان- فسكت سعد رضي الله عنه، قال: ثم غلبني ما أجد فقلت: يا رسول الله! أعطيت فلاناً وتركت فلاناً وهو مؤمن، فقال: أو مسلم، للمرة الثانية، فسكت سعد ، ثم غلبه ما يجد، فقال في المرة الثالثة، يا رسول الله! مالك عن فلان، فوالله إني لأراه مؤمناً، فقال: أو مسلم، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: إني أعطي رجالاً وغيرهم أحب إلي خشية أن يكبهم الله في النار)، أي: أحس أنه سيرتد، فهو ضعيف الإيمان، كما قال الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ [الحج:11]. وفي حديث آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إني لأعطي رجالاً لما في قلوبهم من الهلع والجزع، وأترك أقواماً لما في قلوبهم من الخير، منهم فلان وفلان) فقال من استثناه: ما أحب أن لي بكلمة رسول الله الدنيا وما فيها. فالنبي صلى الله عليه وسلم يعطي ليتألف على الإسلام. والشاهد من الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أثبت له الإسلام ورفع منزلته. أما قول الزهري: (فكانوا يرون الإسلام الكلمة والإيمان العمل)، فقد سبق في مسمى الإسلام، وقد قلنا إن فيه ثلاثة أقوال: القول الأول للزهري وجماعة: أن الإسلام هو كلمة النطق بالشهادتين، والإيمان هو العمل، لكن الزهري إمام وليس مقصوده رحمه الله أن الأعمال لا تدخل في مسمى الإيمان بل المقصود أن الكافر إذا نطق بالشهادتين تميز عن اليهودي والنصراني وحكم له بالإسلام، وإلا فالعمل داخل في مسمى الإسلام. القول الثاني: أن الإسلام والإيمان مترادفان، فالإسلام هو الإيمان والإيمان هو الإسلام. والثالث: أن الإسلام هو الأعمال الظاهرة، والإيمان الأعمال الباطنة. والقول الرابع وهو الصحيح الراجح: أنها تختلف دلالة الإسلام والإيمان بالتفرد والاقتراب، فإذا قرن الإسلام بالإيمان صار لكل واحد معنى، وصار الإسلام هو الأعمال الظاهرة، والإيمان هو الأعمال الباطنة كما في حديث جبريل، وإذا أفرد الإسلام دخل فيه الإعمال الظاهرة والباطنة، وإذا أفرد الإيمان دخل فيه الأعمال الظاهرة والباطنة. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ فأجاب سعداً بجوابين: أحدهما أن هذا الذي شهدت له بالإيمان قد يكون مسلماً لا مؤمناً ]. هذا هو الجواب الأول الذي أجاب به النبي صلى الله عليه وسلم سعداً وهو: أن هذا الذي شهدت له بالإيمان قد يكون مسلماً لم يصل إلى درجة الإيمان، ولهذا لما قال سعد رضي الله عنه: والله إني لأراه مؤمناً، قال: أو مسلم، أي: ما وصل إلى درجة الإيمان؛ لأن المسلم هو الذي عنده تقصير في بعض الواجبات، فهو مسلم موحد لكن عنده تقصير في بعض الواجبات، أو يفعل بعض المحرمات، فإذا أدى الواجب وترك المحرمات يسمى مؤمناً بإطلاق، وإن كان مسلماً لابد له من إيمان يصحح إسلامه، لكن لا يطلق عليه اسم الإيمان إذا كان عاصياً، بل يسمى مسلماً ولا يسمى مؤمناً، فإذا أدى الواجبات وترك المحرمات يسمى مؤمناً بإطلاق. فهذا هو الجواب الأول ومعناه: أن هذا الذي تشهد له بالإيمان قد يكون مسلماً، وما وصل إلى درجة الإيمان، وذلك لتقصيره في بعض الواجبات، أو لفعله بعض المحرمات. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ الثاني: إن كان مؤمناً وهو أفضل من أولئك، فأنا قد أعطي من هو أضعف إيماناً؛ لئلا يحمله الحرمان على الردة فيكبه الله في النار على وجهه، وهذا من إعطاء المؤلفة قلوبهم ]. هذا هو الجواب الثاني، وهو أنه لو سلمنا أنه مؤمن كما تقول يا سعد فأنا أعطي المال لمن كان أضعف إيماناً حتى يتقوى إيمانه، أما هذا فقوي الإيمان فلا أعطيه بل أتركه لإيمانه، وضعيف الإيمان أعطيه لئلا يحمله الحرمان على الردة.

 

 

 

 

 

 

الأسئلة

 

 

 

 

 

 

 

الحكمة في ترك النبي صلى الله عليه وسلم قتل المنافقين

 

 

 

السؤال: الرسول عليه الصلاة والسلام عرف أن عبد الله بن أبي منافق، فلماذا لم يقتله، ولماذا لم يظهر أصحابه على أسماء المنافقين؟ الجواب: بين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وقال: لئلا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه، لأن من لم يعرفهم من اليهود والنصارى وغيرهم يرى أن عبد الله بن أبي من الصحابة، فإذا قتله النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: محمد يقتل أصحابه، وهذا تنفير عن الدين، ولا يعلمون أن هناك منافقين؛ لأن عبد الله بن أبي وغيره يظهرون أنفسهم أنهم من المسلمين ويعتبرون أنفسهم من الصحابة فإذا قتلوا تحدث الناس بأن محمداً يقتل أصحابه، فكان في هذا تنفير عن الإسلام. وأما كونه لم يعلم بأسمائهم فهناك أسماء أسرهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى حذيفة، وهناك منافقون لا يعلمهم، فليس كل المنافقين يعلمهم، ولهذا قال الله تعالى للصحابة: وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ [التوبة:101] . إذاً هناك بعض المنافقين لا يعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم، وبعضهم أعلمه الله بهم، كما قال تعالى: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ * وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ [محمد:29-30]، وفي الآية الأخرى قال تعالى: لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ [التوبة:101]، فبعضهم يعلمهم وبعضهم لا يعلمهم.

 

 

 

 

 

 

 

الخلاف في التفريق بين عوام الشيعة والخوارج وأئمتهم

 

 

 

السؤال: هل يفرق بين عوام الصوفية والخوارج والشيعة ، وبين أئمتهم ؟ الجواب: بعض العلماء فرق بينهم وآخرون من أهل العلم جعلوا حكم العامة حكم غيرهم؛ لأنهم تبع لهم؛ ولأن الله تعالى جعل حكم عوام الكفار والتابعين كحكم المتبوعين، قال تعالى: وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا [الأحزاب:67]، قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ [الأعراف:38] أي: للتابعين والمتبوعين . وقال تعالى: إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ [البقرة:166] ، ثم قال بعد ذلك: كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ [البقرة:167]، فالتابعون والمتبوعون والعوام والسادة حكمهم واحد.

 

 

 

 

 

 

 

واجب الأبناء تجاه الوالدين بعد موتهما

 

 

 

السؤال: لقد بلغت من العقوق لوالدي أيام حياته شيئاً كثيراً، حتى أنني لعنته في الصغر وقد مات والدي رحمه الله، وأنا الآن نادم على ذلك فما المخرج من ذلك، مع العلم بأني تعيس في حياتي وتزداد تعاستي كلما تذكرت ذلك؟ الجواب: هذه عقوبة معجلة لقطيعة الرحم؛ لكن عليك التوبة ومن تاب تاب الله عليه، وعليك مع ذلك أن تدعو لوالديك وتستغفر لهما في ظهر الغيب، وتكثر من الدعاء لهما ليل نهار، وتتصدق عنهما، وتحج عنهما، وتعتمر عنهما وكل هذا ينفعهم. (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما بعد موتهما قال: نعم الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما)، وهذه كلها من الحقوق، الدعاء وإنفاذ الوصية والعهد، وإكرام صديقهما، والصدقة، والحج والعمرة وكل هذا ينفعهم.

 

 

 

 

 

 

 

الخلاف في رؤية الكفار لربهم بعد الموت

 

 

 

السؤال: ما المقصود من قوله جل وعلا كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ [المطففين:15] هل هم الكفار فقط أم يشمل المنافقين، ومتى يحجبون عن الله تبارك وتعالى؟ الجواب: هذا يشمل جميع الكفار، فكل الكفار محجوبون عن الله، والمؤمنون يرون ربهم يوم القيامة، يرونه في موقف القيامة ويرونه بعد دخولهم الجنة. وأما الكفار فقد اختلف العلماء في رؤيتهم لربهم في الموقف، فمن العلماء من قال: بأنه يراه أهل الموقف جميعاً، ومنهم الكافرون، ثم يحتجب عن الكفرة . وقيل: لا يراه إلا المؤمنون فقط. وقيل: لا يراه إلا المؤمنون والمنافقون؛ لأن المنافقين مع المؤمنين في الدنيا. فهذه أقوال ثلاثة لأهل العلم، ومن قال إن المؤمنين والكفار يرون ربهم قال: إن الكفار يرون الله في موقف القيامة ولكن لا تفيدهم هذه الرؤية بل تكون عذاباً لهم، كالسارق الذي يؤتى به أمام الأمير وأمام الملك يوبخه، ثم بعد ذلك يعاقب، وتكون هذه زيادة عقوبة له. ومن العلماء من استدل بهذه الآية على أن جميع الكفرة محجوبون عن الله، وقال: لا يراه إلا المؤمنون: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ [المطففين:15]، فالضمير للكفرة بجميع أصنافهم و يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ [المطففين:15] أي: يوم القيامة.

 

 

 

 

 

 

 

الجمع بين حديث: (لا يدخل الجنة قاطع رحم)، وأن أهل الكبائر تحت المشيئة

 

 

 

السؤال: كيف نجمع بين قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا يدخل الجنة قاطع رحم)، وبين ما استقر من نصوص الشريعة عند أهل السنة من أن أهل الكبائر تحت المشيئة إن شاء الله غفر لهم وإن شاء أدخلهم النار؟ الجواب: لا يوجد منافاة، فهذا من باب الوعيد عند أهل السنة، وقد ينفذ الوعيد وقد لا ينفذ، والوعيد قد ينفذ في بعضهم، فقاطع الرحم تحت مشيئة الله إن شاء الله غفر له وأدخله الجنة، وإن شاء عذبه فلا يدخل الجنة مع الأولين، بل يعذب ثم يدخل الجنة بعد ذلك، إذا لم يكن عنده كفر أكبر أو نفاق أكبر أو شرك أكبر، فلا توجد منافاة.

 

 

 

 

 

 

 

حكم بقاء المرأة في عصمة زوج يتعمد تأخير الصلاة

 

 

 

السؤال: أنا امرأة متزوجة ولدي أولاد، وزوجي -هداه الله- ينام طيلة اليوم ولا يصلي أحياناً أكثر الصلوات إلا جمعاً، فيصلي الظهر مع العصر والفجر مع الظهر أو مع العصر وهكذا، هذا ديدنه، علماً بأنه يتكاسل حتى عن أغراض كثيرة نحتاجها للبيت في فترة نومه وبعد استيقاظه، فما حكم ذلك ؟ الجواب: أغراض البيت سهلة، لكن المصيبة الصلاة، فكيف يجمع الفجر مع الظهر، والفجر لا تجمع مع الظهر لا للمسافر ولا للمريض ولا غيره، وهو يجمع الظهر والعصر والمغرب والعشاء، فهذا نخشى عليه من الردة والكفر. وبعض العلماء يرى أنه إذا تعمد تأخير الصلاة عن وقتها تكون ردة وكفراً والعياذ بالله، فالواجب على هذه المرأة أن تنصح هذا الرجل فإن لم يقبل تذهب إلى أهلها وتتركه، ولا يجوز لها البقاء عنده على هذه الحال. بعض العلماء يرى كفره وضلاله، وقال آخرون: إنها جريمة عظيمة أعظم من جريمة الزاني والسارق وشارب الخمر والعاق لوالديه وقاطع الرحم. والمقصود أن على هذه المرأة أن تذهب إلى أهلها وتترك هذا الرجل حتى يتوب إلى الله، ولا تبقى عنده.

 

 

 

 

 

 

 

حكم زواج الرجل بامرأة زنى بها

 

 

 

السؤال: إذا زنا رجل بامرأة وأرادوا منه التزوج بها قبل توبتهما، فهل نقول بجواز ذلك؛ لأن الله تعالى يقول: الزَّانِي لا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً [النور:3]، فهما لم يتوبا، فهل يصح زواجهما، وما حكم ذلك؟ الجواب: لا يجوز أن تزوج وهي زانية، وإن كان بينهما ولد فهو سفاح، ويفرق بينهما، ويقام الحد على الرجل وعلى المرأة، فالرجل يجلد مائة جلدة ويغرب عاماً، والمرأة تجلد مائة جلدة وتغرب، وإن كانت متزوجة ترجم بالحجارة حتى تموت، وإذا صحت التوبة بعد ذلك وظهرت توبتها وإصلاحها تزوج، وهو إذا صحت توبته يزوج منها أو من غيرها، أما أن تزوج وهي على زناها والعياذ بالله، فهذا منكر.

 

 

 

 

 

 

 

حكم وصف الله بالصانع

 

 

 

السؤال: هل يجوز أن يطلق على الله جل وعلا وصف الصانع؟ الجواب: لا، وهذا من باب الخبر، وباب الخبر أوسع من باب الوصف عند أهل العلم، فيذكر عن الله بأنه صانع، بأنه شيء، وبأنه ذات، كقوله تعالى: قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ [الأنعام:19]، يخبر عن الله بأنه موجود، ولكن لا يقال: إن من أسماء الله الموجود أو الصانع أو الذات. فالقاعدة عند أهل العلم أن الخبر أوسع من باب الصفة؛ لأن الصفة توقيفية وكذلك الأسماء، فلا يسمى الله إلا بما سمى به نفسه، وأطلقه على نفسه كالعليم، السميع، البصير. أما الإخبار عن الله بأنه صانع، أو بأنه ذات، أو بأنه شيء، فهذا من باب الخبر لا من باب الوصف فيجوز.

 

 

 

 

 

 

 

شرط نكاح الكتابية

 

 

 

السؤال: هل من شروط للزواج من الكتابية؟ الجواب: نعم، يشترط أن تكون الكتابية محصنة لجواز الزواج بها، فتكون محصنة عفيفة تعمل بدينها، وتعرف بأنها من أهل الكتاب، أما إذا تحللت من دينها فقد صارت جاحدة أو معطلة تخرج عن أهل الكتاب.

 

 

 

 

 

 

 

حكم ولد الزنا

 

 

 

السؤال: ما الحكم في الابن الذي أتى من الزنا؟ الجواب: يكون لقيطاً من اللقطاء، فإذا كان هناك دار خاصة له يتربى فيها فهو أفضل، وإن لم يكن أخذه أحد المسلمين ورباه حتى يكبر وله الأجر.

 

 

 

 

 

 

 

حكم مخالفة أهل السنة في مسائل الإيمان

 

 

 

السؤال: ما حكم من خالف أهل السنة والجماعة في مسائل الإيمان؟ الجواب: هذا السؤال مجمل، فما المراد بمسائل الإيمان؟ هل في شعب الإيمان؟ أو خالف أهل السنة والجماعة في أنه ما عمل بشرائع الإيمان، فيكون عاصياً، أو هل خالف المعتقد؟ فينظر مراد السائل.

 

 

 

 

 

 

 

حكم تزويج اللقيط

 

 

 

السؤال: ما هو حكم تزويج اللقيط؟ الجواب: إذا كان يرضى دينه، وكان مستقيماً فلا بأس بذلك، والله تعالى يقول: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164]، وهو ليس عليه شيء، بل يكون فرداً من أفراد المسلمين، يزوج كغيره، والإثم على الزاني وليس عليه.

 

 

 

 

 

 

 

حكم إمامة ولد الزنا

 

 

 

السؤال: هل يكون ولد الزنا إماماً في الصلاة؟ الجواب: نعم، يكون إماماً، كما ذكر الفقهاء وقالوا: تصح إمامة ولد الزنا، إذا سلم دينه وصح؛ لأنه ليس عليه الإثم، إنما الإثم من الزاني.

 

 

 

 

 

 

 

كلام مسيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم

 

 

 

السؤال: يقول أحدهم: وكذلك ذله -يعني: النبي صلى الله عليه وسلم- وانكساره بين يدي الله عندما يطالع المقامات العظيمة، والمنن الوفيرة التي أعطيها؛ ما ذلك إلا لأنه أوتي شيئاً هو أحقر من أن يعطاه ببشريته وإنسانيته وآدميته ودينه، فما رأيكم في مثل هذا الكلام؟ الجواب: هذا الكلام ليس بطيب، بل هو كلام سيء، فإننا لا نشك أن الرسول كان متواضعاً، فهو يتواضع لربه عليه الصلاة والسلام، عندما دخل مكة دخلها وقد خفض رأسه، تواضعاً لربه عز وجل. وقوله: (أحقر من أن يعطى ببشريته) فإنه عليه الصلاة والسلام أهل لذلك، فلولا أنه أهل لذلك لما أعطاه الله ذلك، والله تعالى كمله وجعله في أعلى مقام العبودية والرسالة، فكيف يكون أحقر في ذلك؟

 

 

 

شرح كتاب الإيمان الأوسط لابن تيمية [10]

 

وردت بعض النصوص بإثبات الإسلام لقوم مع نفي الإيمان عنهم، وقد اختلف الناس في ذلك، وقد بين شيخ الإسلام بالأدلة أن المنفي كمال الإيمان والمثبت أصله.

 

القول فيمن أثبت الإسلام دون الإيمان

 

 

 

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وحينئذ فهؤلاء الذين أثبت لهم القرآن والسنة الإسلام دون الإيمان، هل هم المنافقون الكفار في الباطن؟ أم يدخل فيهم قوم فيهم بعض الإيمان؟ هذا مما تنازع فيه أهل العلم على اختلاف أصنافهم، فقالت طائفة من أهل الحديث والكلام وغيرهم: بل هم المنافقون الذين استسلموا وانقادوا في الظاهر، ولم يدخل إلى قلوبهم شيء من الإيمان ] . هذا القول الأول، وهو قول الإمام البخاري وبعض أهل الكلام من الخوارج والمعتزلة، قالوا: هؤلاء الذين نفي عنهم الإيمان وأثبت لهم الإسلام في قوله تعالى: قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا [الحجرات:14] ، هم منافقون، وهذا إسلام المنافقين . قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وأصحاب هذا القول قد يقولون: الإسلام المقبول هو الإيمان؛ ولكن هؤلاء أسلموا ظاهراً لا باطناً فلم يكونوا مسلمين في الباطن، ولم يكونوا مؤمنين، وقالوا: إن الله سبحانه يقول: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ [آل عمران:85] ]. هذا دليلهم، وهو قوله تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ [آل عمران:85]، قالوا: المراد بالإسلام الإيمان، والإيمان هو الإسلام فهما مترادفان عند هذه الطائفة ولا فرق بينهما، فمن ابتغى غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه، والإسلام هو الإيمان، ومادام نفي عنهم الإيمان، فلا يقبل منهم، ودل على أنهم منافقون. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ بيانه: كل مسلم مؤمن فما ليس من الإسلام فليس مقبولاً، يوجب أن يكون الإيمان منه، وهؤلاء يقولون: كل مؤمن مسلم وكل مسلم مؤمن إذا كان مسلماً في الباطن، وأما الكافر المنافق في الباطن، فإنه خارج عن المؤمنين المستحقين للثواب باتفاق المسلمين ] . عندهم أن كل مسلم مؤمن وكل مؤمن مسلم، أما الكافر منافق الباطن فلا شك أنه ليس من المؤمنين. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ولا يسمون بمؤمنين عند أحد من سلف الأمة وأئمتها، ولا عند أحد من طوائف المسلمين، إلا عند طائفة من المرجئة وهم الكرامية الذين قالوا: إن الإيمان هو مجرد التصديق في الظاهر، فإذا فعل ذلك كان مؤمناً، وإن كان مكذباً في الباطن، وسلموا أنه معذب مخلد في الآخرة، فنازعوا في اسمه لا في حكمه ]. الكرامية جمعوا بين المتناقضين في مسمى الإيمان، وفي اسم المؤمن وحكمه، قالوا: إذا نطق الإنسان بالشهادتين نسميه مؤمناً كامل الإيمان، وإن كان مكذباً في الباطن فهو مخلد في النار، فجمعوا بين المتناقضين، ولهذا كان من أفسد تعاريف الإيمان قول الكرامية، يليه في الفساد قول الجهمية الذين يقولون: الإيمان معرفة الرب بالقلب، والكرامية يقولون: الإيمان النطق اللسان ولو كان مكذباً في الباطن، فإذا نطق باللسان فهو مؤمن كامل الإيمان، ثم بعد ذلك ننظر إلى قلبه، إن كان مصدقاً فإنه يدخل الجنة، وإن كان مكذباً فهو مخلد في النار، وهذا من أفسد ما قيل. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ومن الناس من يحكي عنهم أنهم جعلوهم من أهل الجنة، وهو غلط عليهم ] . هذا ليس بصحيح، فالذين يجعلونهم من أهل الجنة هم المرجئة. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ومع هذا فتسميتهم له مؤمناً بدعة ابتدعوها مخالفة للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة، وهذه البدعة الشنعاء هي التي انفرد بها الكرامية دون سائر مقالاتهم أي: تسمية المكذب بالباطن مؤمناً بدعة ابتدعوها مخالفة للكتاب والسنة، حيث سموا من نطق بالشهادتين مؤمناً ولو كان مكذباً في الباطن.

 

 

 

قول الجمهور فيمن أثبت الإسلام دون الإيمان

 

 

 

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وقال الجمهور من السلف والخلف: بل هؤلاء الذين وصفوا بالإسلام دون الإيمان، قد لا يكونون كفاراً في الباطن، بل معهم بعض الإسلام المقبول ] . هذا هو القول الثاني: أن المسلم غير المؤمن، فالمسلم هو الذي دخل في الإسلام ولكنه مقصر في بعض الواجبات، أو فاعل لبعض المحرمات، والمؤمن هو الذي أدى الواجبات وترك المحرمات، فالآيات التي أثبتت الإسلام ونفت الإيمان محمولة على ضعيف الإيمان، وهذا قول شيخ الإسلام ابن تيمية وجمهور من السلف والخلف. مثل قوله تعالى: قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا [الحجرات:14]، والأعراب ليسوا كلهم منافقين، ولكنهم ضعيفو الإيمان، دخلوا في الإسلام وعندهم ضعف. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وهؤلاء يقولون: الإسلام أوسع من الإيمان فكل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمناً]. الإسلام أوسع دائرة من الإيمان؛ لأن الإسلام يطلق على العاصي وعلى المطيع، أما الإيمان فلا يطلق إلا على المطيع، فالعاصي لا يسمى مؤمناً بإطلاق، وكل المسلمين يدخلون في الإسلام، العصاة والمطيعين؛ لكن الإيمان لا يدخل فيه إلا المطيع، ودائرته أضيق. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ويقولون في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن) إنه يخرج من الإيمان إلى الإسلام ] . هذا الحديث صحيح رواه البخاري و مسلم و الترمذي و النسائي و ابن ماجه و أحمد و الدارمي و ابن حبان و البغوي و ابن أبي شيبة وغيرهم. وفي هذا الحديث نفى النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان عن الزاني والسارق والشارب، وفي لفظ: عن الناهب قال: (ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن). وهذه فسرها الجمهور فقالوا: إن الزاني والسارق خرجوا من الإيمان عند الإطلاق إلى الإسلام، فيسمى الزاني مسلماً ولا يسمى مؤمناً؛ لأنه فعل كبيرة، وإلا فمعه أصل الإيمان، وليس بكافر، فالإسلام لابد له من إيمان، فيؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر لكن لما فعل الكبيرة لم يسم مؤمناً حتى يتوب فيسمى مسلماً. وكذلك السارق وشارب الخمر عند جمهور أهل السنة، فلا نقول عن الزاني إنه مؤمن ولا نقول ليس بمؤمن، بل نقول: إنه مؤمن ضعيف الإيمان، مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، وفي النفي لا نقول: إن الزاني ليس بمؤمن لأن هذا معناه أنه كافر، ولكن نقول: ليس بصادق الإيمان، وليس بمؤمن حقاً، وهذا مذهب جماهير أهل السنة وعلى رأسهم، شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ودوروا للإسلام دارة، ودوروا للإيمان دارة أصغر منها في جوفها، وقالوا: إذا زنى خرج من الإيمان إلى الإسلام ولا يخرجه من الإسلام إلى الكفر. ] . جعلوا دائرتين دائرة كبيرة وفي وسطها دائرة صغيرة وقالوا: إذا أدى المؤمن الواجبات وترك المحرمات فهو في الدائرة الصغيرة، فإذا زنا خرج من الدائرة الصغيرة إلى الدائرة التي هي أكبر منها، فإذا خرج من الدائرة التي أكبر منها خرج إلى الكفر، فيكون للإسلام دائرة، في وسطها دائرة صغيرة، ومن وراء الإسلام دائرة كبرى، فالمؤمن إذا أدى الواجبات وترك المحرمات صار في الدائرة الصغيرة، وإذا زنى أو فسق أو سرق خرج من الدائرة الصغيرة إلى دائرة الإسلام، وإذا فعل مكفراً خرج من دائرة الإسلام إلى دائرة الكفر، نسأل الله السلامة والعافية. ودائرة الإحسان تكون دائرة أصغر من دائرة الإسلام، فدائرة الإحسان صغيرة ثم أكبر منها دائرة الإيمان، ثم دائرة الإسلام، ثم بعد ذلك دائرة الكفر. والإحسان: أن يعبد الله على المشاهدة، ويراقب ربه، والمؤمن هو الذي فعل الطاعات وترك المحرمات، لكن ما وصل إلي درجة المراقبة والمشاهدة التي هي درجة الإحسان.

 

 

 

 

 

 

 

أدلة الجمهور على إثبات الإسلام لضعيف الإيمان

 

 

 

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ودليل ذلك أن الله تبارك وتعالى قال: قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [الحجرات:14-17] ] . هذه الآيات استدل بها أهل القول الثاني من جمهور السلف والخلف على أن ضعيف الإيمان يثبت له الإسلام وينفى عنه الإيمان، والدلالة أنه نفى عنه الإيمان وأثبت له الإسلام قوله تعالى: قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا [الحجرات:14]، وهؤلاء الأعراب دخلوا في الإسلام من جديد وعندهم ضعف ونقص. والبخاري وجماعة يقولون: هؤلاء منافقون، والإسلام الذي أثبت لهم هو إسلام المنافقين؛ لأن الإيمان والإسلام شيء واحد. وهناك مرجحات للقول بأنهم ضعفاء الإيمان وليسوا منافقين، منها قوله تعالى: وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ [الحجرات:14] أي: لما يدخل الإيمان الكامل فيكم ويتوقع دخوله. منها أنه أثبت لهم طاعة حيث قال تعالى: وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ [الحجرات:14]، ولو كانوا منافقين فليس لهم طاعة. ومنها أنه أثبت لهم ثواباً. ومنها أنه بين المؤمنين الخلص الكاملين بقوله: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [الحجرات:15]، ثم قال: قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ [الحجرات:16]، فأثبت لهم الدين، ثم قال: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا [الحجرات:17]، فأثبت لهم الإسلام، ولو كانوا منافقين ما أثبت لهم الإسلام.

 

 

 

 

 

 

الأدلة التي رجح بها الجمهور كون ضعيف الإيمان يسمى مسلماً

 

 

 

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ فقد قال تعالى قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ [الحجرات:14] ، وهذا الحرف - أي: لما - ينفى به ما قرب وجوده وانتظر وجوده ولم يوجد بعد، فيقال لمن ينتظر غائباً: أي: لما، ويقال: قد جاء لما يجئ بعد، فلما قالوا آمنوا قيل: لم تؤمنوا بعد، بل الإيمان مرجو منتظر منهم ] . هذا هو المرجح الأول أنهم ضعفاء الإيمان، وهو أنه أتى بلما، فقال تعالى: وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ [الحجرات:14]، وهذا ينفى به ما قرب وجوده وانتظر وجوده ولم يوجد بعد، فتقول: أثمرت البساتين ولما يثمر بستاننا، أي: قرب، والمعنى: أن بستاننا ما أثمر وسوف يثمر قريباً، فقوله: وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ [الحجرات:14]، أي: لم تؤمنوا ولكن قرب دخول الإيمان في قلوبكم، فهذا دليل على أنهم دخلوا في الإسلام إلا أنهم لم يدخلوا الإيمان الكامل، ولهذا قال: وهذا الحرف -أي:لما- ينفى به ما قرب وجوده وانتظر وجوده، فهنا المعنى: قرب وجود الإيمان المنتظر وجوده ولكنه لم يوجد بعد، فمن ينتظر غائباً وسأل هل أتى فلان؟ تقول له: لما يأت، وسوف يأتي قريباً، وهل قدم فلان من السفر؟ لما يقدم، أي: هو سيقدم قريباً، فأنت نفيت عنه القدوم ولكنك أثبت قرب قدومه، وكذلك لما يدخل الإيمان في قلوبكم أي: هو سوف يدخل قريباً، وهذا هو المرجح الأول.

 

 

 

دليل إثبات الطاعة للمسلم

 

 

 

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ثم قال تعالى: وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ [الحجرات:14]، أي : لا ينقصكم من أعمالكم المثبتة شيئاً، أي: في هذه الحال؛ فإنه لو أراد طاعة الله ورسوله بعد دخول الإيمان في قلوبهم لم يكن في ذلك فائدة لهم ولا لغيرهم؛ إذ كان من المعلوم أن المؤمنين يثابون على طاعة الله ورسوله، وهم كانوا مقرين به فإذا قيل لهم: المطيع يثاب والمراد به المؤمن الذي يعرف أنه مؤمن لم يكن فيه فائدة جديدة ]. هذا هو المرجح الثاني، ووجه الدلالة أنه أثبت لهم طاعة، ولو كانوا منافقين لم يثبت لهم طاعة، فلما أثبت لهم طاعة دل على أنهم مسلمون، قال تعالى: وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا [الحجرات:14] ، إن تطيعوا الله ورسوله وأنتم في هذه الحال، لا ينقصكم من ثواب أعمالكم شيئاً؛ لأنكم مسلمون، ولا يقول القائل: إن المراد وإن تطيعوا الله بعد دخول الإيمان في قلوبكم؛ لأنه لو أراد طاعة الله ورسوله بعد دخول الإيمان في قلوبهم لم يكن في ذلك فائدة لهم أو لغيرهم، إذ كان من المعلوم أن المؤمنين يثابون على طاعة الله ورسوله، وهم كانوا مقرين به. لكن المراد: إن تطيعوا الله ورسوله وأنتم في هذه الحال مع ضعف إيمانكم يثبكم الله على أعمالكم. فكونه أثبت لهم طاعة الله ورسوله وهم في هذه الحال، دل على أنهم ليسوا منافقين وإنما هم ضعيفو الإيمان، وضعيف الإيمان يثاب على أعماله. فأثبت لهم طاعة مع نفي الإيمان الكامل عنهم، فدل على أنهم مسلمون وليسوا منافقين كما يقوله الإمام البخاري والجماعة. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وأيضاً: فالخطاب لهؤلاء المخاطبين قد أخبر عنهم: لما يدخل في قلوبهم، وقيل لهم: وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا [الحجرات:14]، فلو لم يكونوا في هذه الحال مثابين على طاعة الله ورسوله لكان خلاف مدلول الخطاب ] . هذا هو المرجح الثالث، فمدلول الخطاب لهؤلاء الأعراب، قال تعالى: قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا [الحجرات:14]، ثم خاطبهم فقال: وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا [الحجرات:14]. فأهل القول الأول يقولون: هذه الطاعة تكون بداية دخول الإيمان في قلوبهم، ونحن نقول: ولو كان كذلك لكان خلاف مدلول الخطاب، والخطاب موجه لهم وهم في هذه الحال، أي: قل لم تؤمنوا أيها الأعراب ولكن قولوا أسلمنا، وإن تطيعوا الله يثبكم على أعمالكم. فإن قيل: إن الطاعة تكون بعدما يدخل الإيمان في قلوبهم، قلنا: لو كان كذلك لصار الخطاب غير موجه إليهم، وإنما وجه إليهم بعد دخول الإيمان، وهذا خلاف مجيء الخطاب، وهذا هو المرجح الثالث.

 

 

 

 

 

 

 

دلالة وصف كاملي الإيمان بعد ذكر الضعفاء فيه

 

 

 

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ فبين ذلك أنه وصف المؤمنين الذين أخرج هؤلاء منهم فقال: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [الحجرات:15] ، وهذا نعت محقق للإيمان؛ لا نعت من معه مثقال ذرة من إيمان ]. هذا هو المرجح الرابع: أنه بعد أن أخبرهم بأنهم ضعفاء الإيمان، بين لهم أوصاف المؤمنين الكمل الذين حققوا الإيمان فقال: انظروا أوصاف المؤمنين الذين حققوا الإيمان: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [الحجرات:15]، فهؤلاء هم الصادقون في إيمانهم، الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يشكوا وجاهدوا بالمال وجاهدوا بالنفس فأولئك هم الصادقون، وأنتم لستم صادقين. وضعيف الإيمان ليس بصادق الإيمان، وهؤلاء هم الصادقون، كما قالت الآية الأخرى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا [الأنفال:2-4]، فهؤلاء المؤمنون الذين حققوا لإيمان. وفي الآية الأخرى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ [النور:62]، فالمرجح الرابع: أن الله بين وصف المؤمنين الكمل الذين حققوا الإيمان، والأعراب خرجوا من هذا الوصف، فهذا وصف المؤمنين الذين حققوا الإيمان ولستم أيها الأعراب منهم؛ لأنكم لم تصلوا إلى هذه الدرجة، فأنتم ضعيفو الإيمان، وهؤلاء حققوا الإيمان وكملوه. وهؤلاء الأعراب وغيرهم معهم أصل الإيمان، لكن ليس معهم كمال الإيمان. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ كما في قوله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا [الأنفال:2-4] ] . هذا هو الشاهد: أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا [الأنفال:4] ، كما أن الشاهد في الآية السابقة، أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [الحجرات:15]، والمقصود هؤلاء الذين حققوا الإيمان وصدقوا في إيمانهم، وأنتم أيها الأعراب لم تصلوا إلى هذه الدرجة، ولم تصلوا إلى كمال الإيمان. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وقوله تعالى إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [النور:62] ] . هؤلاء هم المؤمنون الكمل.

 

 

 

 

 

 

 

تقرير مذهب الجمهور

 

 

 

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)، وأمثال ذلك ] . هؤلاء نفي عنهم الإيمان لضعفهم مثل الأعراب. والمؤلف رحمه الله يقرر بهذا مذهب الجمهور، وأن هؤلاء الذين نفي عنهم الإيمان وأثبت لهم الإسلام ليسوا منافقين ولكن إيمانهم ضعيف، فلهذا نفى عنهم الإيمان الكامل وإن كان معهم أصل الإيمان الذي يصح به الإسلام، والإسلام لابد له من إيمان يصححه، فالمسلم لابد أن يكون مؤمناً بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والإيمان الذي يصحح الإسلام لابد منه، لكن الإيمان المكمل هو الذي نفي عنهم، والمثبت لهم أصل الإيمان. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ فدل البيان على أن الإيمان المنفي عن هؤلاء الأعراب: هو هذا الإيمان الذي نفي عن فساق أهل القبلة الذين لا يخلدون في النار ]. الإيمان الذي نفي عن الأعراب في قوله تعالى: قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا [الحجرات:14] ، هو الإيمان الذي نفي عن الفساق في الحديث: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن)، والفاسق عندما ينفى عنه الإيمان ليس بكافر، وإنما ينفى عنه الكمال؛ لأن عنده أصل الإيمان الذي يصح به الإسلام، فهو مؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، فكذلك الأعراب أثبت لهم أصل الإيمان ونفي عنهم كمال الإيمان وتحقيقه. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ بل قد يكون مع أحدهم مثقال ذرة من إيمان، ونفي هذا الإيمان لا يقتضي ثبوت الكفر الذي يخلد صاحبه في النار ] . يعني: أن نفي الإيمان هنا معناه: نفي كمال الإيمان، لا أنه يكون كافراً، كما في الحديث: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)، فالذي نفي عنه هو كمال الإيمان ولا يقتضي الكفر، بل يقتضي حدوث أصل الإيمان، إنما الذي يقتضي الكفر هو نفي أصل الإيمان. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وبتحقق هذا المقام يزول الاشتباه في هذا الموضع، ويعلم أن في المسلمين قسماً ليس هو منافقاً محضاً في الدرك الأسفل من النار، وليس هو من المؤمنين الذين قيل فيهم: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [الحجرات:15] . ولا من الذين قيل فيهم: أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا [الأنفال:74] . فلا هم منافقون ولا هم من هؤلاء الصادقين المؤمنين حقاً، ولا من الذين يدخلون الجنة بلا عقاب، بل له طاعات ومعاص وحسنات وسيئات، ومعه من الإيمان ما لا يخلد معه في النار. وله من الكبائر ما يستوجب دخول النار، وهذا القسم قد يسميه بعض الناس: الفاسق الملي، وهذا مما تنازع الناس في اسمه وحكمه ]. بتحقيق هذا المقام يزول الاشتباه في هذا الموضع؛ لأن هذا الموضع موضع اشتباه، ووجه ذلك أن الخوارج لما سمعوا: قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا [الحجرات:14]، وقوله: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)، كفروه، وقالوا: نفي عنه الإيمان لكفره، فاشتبه عليهم الأمر، واشتبهت عليهم النصوص، ولم يجمعوا بينها. وأما المرجئة فقالوا: هو مؤمن كامل الإيمان. وهدى الله أهل السنة والجماعة فجمعوا بين النصوص. وبتحقيق هذا المقام في هذا الموضع، الذي فيه نصوص أثبتت الإسلام لقوم ونفت عنهم الإيمان علم أن في المسلمين قسماً ليس هو منافقاً محضاً في الدرك الأسفل من النار وليس هو من المؤمنين الكمل، الذين حققوا الإيمان. فهو مؤمن ضعيف الإيمان، وليس من المؤمنين الذين قيل فيهم:إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [الحجرات:15]، ولا من الذين قيل فيهم: أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا [الأنفال:4] ، كما في سورة الأنفال، فلا هم منافقون، ولا هم من هؤلاء الصادقين المؤمنين حقاً، ولا هم من الذين يدخلون الجنة بلا عقاب، بل لهم طاعات ومعاصي، فالناس أربعة أصناف، وكلها داخلة في مسمى الإسلام، وهم الذين أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر، وهؤلاء يثبت لهم الإسلام وينفى عنهم الإيمان، القسم الثاني الصادقون المؤمنون حقاً، وهم الذين أدوا الواجبات وتركوا المحرمات، قال الله عنهم: أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [الحجرات:15] ، أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا [الأنفال:4]. القسم الثالث: الذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب، وهم الذين أحكموا التوحيد وخلصوه ونقوه من شوائب الشرك والبدع ونحو ذلك. القسم الرابع: المؤمنون ضعيفو الإيمان، الذين لهم طاعات وحسنات ومعاص وسيئات، ومعهم من الإيمان ما يمنع الخلود في النار، ومعهم من الكبائر ما يقتضي دخول النار، وهذا هو الذي وصف به الأعراب والزاني والسارق الذين نفي عنهم الإيمان في قوله تعالى: قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا [الحجرات:14] والحديث: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن). فهذه أربعة أصناف كلها داخلة في مسمى الإسلام غير الكفار، والكافر هو القسم الخامس. فالكافر ظاهراً وباطناً ليس بمؤمن، ويشمل اليهود والنصارى والوثنيين والمجوس والشيوعيين والملاحدة جميعاً، فكلهم أظهروا كفرهم، وهم صنف واحد. والصنف الرابع الذين لهم طاعات وحسنات ولهم معاص وسيئات، فليس معهم كمال الإيمان، بل معهم من الإيمان ما لا يخلد في النار ولهم كبائر يستوجبون بها دخول النار- فهم تحت مشيئة الله، قد يعفو الله عنهم ويدخلهم الجنة من أول وهلة، وقد يعذبهم ولكن لا يخلدون، وقد يكون مخلداً في النار على حسب الجرائم؛ لأنه تواترت الأخبار أنه يدخل النار جملة من أهل الكبائر مؤمنون مصدقون لكنهم دخلوا النار بالمعاصي، كمن مات على سرقة أو زنا أو عقوق، وبعضهم يكون مكثراً حتى أنه يخلد كالقاتل، والمراد بالخلود: طول المكث، أي: يمكث مدة طويلة ولكن لا يخلد، فالخلود خلودان: خلود مؤبد لا نهاية له، وهذا خلود الكفرة، والثاني: خلود مؤقت، له أمد ونهاية، وهو خلود بعض العصاة الذين اشتدت جرائمهم وكثرت وفحشت كالقاتل: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا [النساء:93] ، لكنه ليس بكافر إلا إذا استحل، فإذا رأى أن القتل حلال كفر . كذلك المرابي إذا تعامل بالربا فهو ضعيف الإيمان، إلا إذا اعتقد أن الربا حلال كفر. فهذا القسم هم الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)، وهم الذين قال الله فيهم: قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا [الحجرات:14]، فمعهم أصل الإيمان الذي يمنعهم من الخلود في النار كالكفرة، ومعهم كبائر يستوجبون بها دخول النار كالعصاة، وهذا القسم يسميه بعض الناس الفاسق الملي. والفاسق هو الذي دخل في ملة الإسلام مثل الزاني والسارق وشارب الخمر والمرابي والقاتل، وهذا مما تنازع الناس في اسمه وحكمه، فأهل السنة يسمونه مؤمناً ناقص الإيمان، والخوارج يسمونه كافراً، والمعتزلة يقولون: خرج من الإيمان ولم يدخل في الكفر، والمرجئة يسمونه مؤمناً كامل الإيمان. هذا في الاسم، وأما في الحكم فأهل السنة يقولون: هو تحت مشيئة الله، والخوارج يقولون: مخلد في النار، والمعتزلة: مخلد في النار، والمرجئة: يدخل الجنة من أول وهلة.

 

 

 

 

 

 

 

بيان مبدأ ظهور الخلاف في الدين

 

 

 

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ والخلاف فيه أول خلاف ظهر في الإسلام في مسائل أصول الدين ] . وذلك في عصر الصحابة، فبعد قتل أمير المؤمنين عثمان ، خرجت الخوارج وكفروا علياً و عثمان ، وقالوا: أنتم حكمتم الرجال في كتاب الله، وأصل الخوارج رجل خرج في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الرجل الذي اعترض على النبي صلى الله عليه وسلم وقال: اعدل يا محمد. ولما استأذنه خالد رضي الله عنه في قتله، قال: (اتركه فإنه سيخرج من ضئضئ هذا قوم، تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم)، فرأي الخوارج قديم أصله على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وبعد قتل أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه خرجت الخوارج، ثم بعده جاءت المرجئة والمعتزلة. وكذلك الشيعة خرجوا في زمن علي رضي الله عنه وظهرت السبئية الذين غلوا فيه، وقالوا أنت الإله، فخد لهم أخدوداً وأجج لها ناراً وألقاهم فيها وهم أحياء من شدة غضبه عليهم، وقال: لما رأيت الأمر منكراً أججت ناري ودعوت قنبراً. وإن كان هذا شاذاً من أمير المؤمنين علي، والصواب: أنه يقتل، لأنه لا يعذب بالنار إلا رب النار كما في الحديث، ولكن من شدة حنقه اجتهد وأحرقهم بالنار، فلما ألقوا في النار زادوا في الشرك وسجدوا له وقالوا: هذا هو الإله، نعوذ بالله . قال ابن عباس رضي الله عنه : لو كنت مكان أمير المؤمنين لقتلتهم بالسيف، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يعذب بالنار إلا رب النار)، لكن اجتهد. والصديق رضي الله عنه حرق بعض المرتدين من أهل الردة، وكذلك خالد بن الوليد حرقهم بالنار اجتهاداً، فيحتمل أن النص ما بلغهم. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ فنقول: لما قتل أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه، وصار علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى العراق، وحصل بين الأمة من الفتنة والفرقة يوم الجمل، ثم يوم صفين ما هو مشهور؛ خرجت الخوارج المارقون على الطائفتين جميعاً، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر بهم، وذكر حكمهم ] . بعد موقعة الجمل وصفين خرجت الخوارج، والخوارج مذهبهم مذهب فاسد باطل، وهو: تكفير المسلمين بالمعاصي، فمن فعل معصية كبيرة كفر عند الخوارج، وخرج من الإيمان، هذا في الدنيا يعاملونه معاملة الكافر، فإذا زنا قالوا: كفر، وإذا سرق كفر، وإذا عمل بالربا كفر، إذا عق والديه كفر، وإذا أكل الرشوة كفر، وإذا اغتاب كفر، وإذا نم كفر، وحكمه عندهم أنهم يقتلونه، ويحلون دمه وماله، وهو في الآخرة مخلد في النار كالكفار، وهذا المذهب خبيث. إذاً في الدنيا يكفرونه ويستحلون دمه وماله، وفي الآخرة يخلد في النار. ثم خرجت المعتزلة بعدهم ووافقوهم في أنه يخلد في النار، وخالفوهم في الدنيا وقالوا: لا نسميه كافراً؛ لأن النصوص دلت على أنه خرج من الإيمان، ولم يدخل في الكفر؛ فقالوا: هو في منزلة بين منزلتين. والمرجئة قالوا: هو مؤمن كامل الإيمان، فلو فعل جميع الكبائر والمنكرات فلا يضره ما دام أنه مصدق، بل هو مؤمن كامل الإيمان يدخل الجنة من أول وهلة. وأهل السنة وهم الطائفة الرابعة قالوا: هو مؤمن ضعيف الإيمان، ولا يقتل كالكافر، لكن يقام عليه الحد، فإذا زنى يقام عليه الحد، وإذا سرق يقام عليه الحد وتقطع يده، وهو في الآخرة تحت مشيئة الله، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ [النساء:48] ، قد يعفو الله عنه، وقد يعذبه على قدر ذنوبه، وإذا عذب دخل النار ولم يخلد، وبعض العصاة يطول مكثه لكن له نهاية فيخرج، ولا يخلد إلا الكفرة. فهذه مباحث دقيقة ومسائل دقيقة جداً وخطيرة في نفس الوقت؛ لأن بعض الناس يسلك مسلك الخوارج وهو لا يشعر، وبعض الناس يسلك مسلك الجهمية وهو لا يشعر، وبعض الناس يسلك مسلك المعتزلة، فلابد أن يكون المسلم عنده التحقيق في هذا المقال، ويجمع بين النصوص من كتاب الله وسنة رسوله، ويعمل بها من الجانبين . والخوارج لا يعملون إلا ببعض النصوص، فيعملون بنصوص الوعيد، وأغمضوا أعينهم عن نصوص الوعد، فكفروا العصاة وخلدوهم في النار . والمرجئة يعملون ببعض النصوص، كنصوص الوعد، وأهملوا نصوص الوعيد، فصاروا يقولون: إن العاصي كامل الإيمان، ويدخل الجنة من أول وهلة. وأهل السنة وفقهم الله فأخذوا نصوص الوعيد وصفعوا بها وجوه المرجئة وأبطلوا مذهبهم، وأخذوا نصوص الوعد وصفعوا بها وجوه الخوارج وأبطلوا مذهبهم، وأخذوا نصوص الوعيد فاحتجوا بها على أن المؤمن يضعف إيمانه، ونصوص الوعد فاحتجوا بها على أنه لا يخرج من الإسلام، فخرج مذهب أهل السنة من بين فرث ودم لبناً خالصاً سائغاً للشاربين، من بين فرث الخوارج ودم المرجئة.

 

 

 

 

 

 

الأسئلة

 

 

 

 

 

 

 

الكلام حول كتاب (المعلوم في علاقة الحاكم والمحكوم)

 

 

 

السؤال: ما رأيكم في كتاب المعلوم في علاقة الحاكم بالمحكوم، وهل تنصحون بقراءته وتوزيعه؟ الجواب: هذه الرسالة: العلاقة بين الحاكم والمحكوم أسئلة أجاب عليها سماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز يرحمه الله، إعداد أبي عبد الله بن إبراهيم آل بليطح الوائلي ، وقد قرأتها، وهي أسئلة موجهة لسماحة الشيخ رحمه الله، وأجاب عنها في مسائل تتعلق بالحكم فيما أنزل الله، ومسائل أخرى كثيرة. ثم أضاف عليها بعد نهاية الأسئلة أقوالاً لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، بعضها مأخوذ من كتاب الإيمان، وأقوالاً للعلامة ابن القيم رحمه الله في كتاب أعلام الموقعين. ثم أورد بعد ذلك كلام ابن رجب الحنبلي رحمه الله على حديث تميم الداري : (النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) ، ثم نقل عن أبي بكر الآجري في الشريعة مسائل في حكم الأئمة وولاة الأمور، ثم نقل عن الشوكاني في كتابه السيل الجرار في الأئمة. وقد قرأته كله ولم يأت الكاتب بشيء من عند نفسه، وإنما هو نقول، والعلماء كانت توصي بقراءته وتوزيعه.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد