(المتن)
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى:
فالأول مثل أصول الإيمان وأعلاها وأفضلها هو التوحيد، وهو شهادة أن لا إله إلا الله كما قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ)[الأنبياء:25].
وقال تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)[النحل:36].
وقال تعالى: (وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ)[الزخرف:45].
وقال تعالى: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى)[الشورى:13].
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (51) وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ)[المؤمنون:51 - 52].
(الشرح)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين. نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد
فقد ذكر المؤلف رحمه الله في المقدمة أن الله سبحانه وتعالى جعل هذه الأمة وسطاً أي: عدلاً خياراً، وجعلهم شهداء على الناس، وهداهم لما بعث به رسله من الدين الذي شرعه لجميع خلقه، ثم خصهم بعد ذلك فيما ميزهم به، وفضلهم من الشرعة والمنهاج.
ثم قال: (فالأول: مثل أصول الإيمان).
(الأول) المراد به الدين الذي شرعه لجميع خلقه، هداية الله لهذه الأمة لما بعث به رسله من الدين الذي شرعه لجميع خلقه مثل أصول الإيمان.
(وأما الثاني) وهو ما ميزهم به وفضلهم من الشريعة والمنهاج، وهذا سيأتي ذكره بعد ذلك بقوله: (وأما الثاني: فكما أنزله في السور المدنية من شرائع دينه).
إذاً هدى الله هذه الأمة لما بعث به رسله من الدين الذي شرعه لجميع خلقه، مثاله أصول الإيمان، والإيمان بجميع الكتب المنزلة، والإيمان باليوم الآخر، وأصول الشرائع، هذا مثال لأي شيء؟ مثال للدين الذي شرعه لجميع خلقه الذي هدى الله له هذه الأمة.
مثال الدين الذي شرعه الله لجميع خلقه وهدى هذه الأمة له، الدين الذي شرعه الله لجميع خلقه وبعث به رسله، مثاله أصول الإيمان، والإيمان بجميع الكتب المنزلة، والإيمان باليوم الآخر، ومثل: أصول الشرائع.
أما الأمر الثاني الذي خصهم به, قال: (ثم خصهم به بعد ذلك بما ميزهم به وفضلهم من الشريعة والمنهاج، والذي جعل لهم).
مثاله: مثال ما خصهم به، وفضلهم من الشريعة والمنهاج، سيأتي في قول المؤلف رحمه الله: (وأما الثاني: فما أنزله الله في السور المدنية لشرائع دينه، وما سنه الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته).
إذًا هذه الأمة هُديت للدين الذي شرعه الله لجميع خلقه وهو الذي بعث به الرسل، وهي أصول: الإيمان، مثل الإيمان بأصول الإيمان: الإيمان بالله، وملائكته وكتبه ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره.
وأعلى أصول الإيمان وأطولها هو: التوحيد، وهو: شهادة أن لا إله إلا الله هذا هو أعلى أصول الإيمان؛ لأنها أصول الدين وأساس الملة, الشهادة لله تعالى بالوحدانية, ولنبيه صلى الله عليه وسلم بالرسالة, الشهادة كلمة التوحيد إذا أطلقت فإنها تدخل فيها الشهادة الثانية.
شهادة أن لا إله إلا الله إذا أطلقت دخلت فيها شهادة أن محمداً رسول الله؛ لأنهما كلمتان لا تختص إحداهما بدون الأخرى، فمن شهد أن لا إله إلا الله ولم يشهد أن محمداً رسول الله لم يقبل منه، ومن شهد أن محمداً رسول الله ولم يشهد أن لا إله إلا الله لم يقبل منه.
وإذا أطلقت إحداهما دخلت الأخرى فيها ولهذا نفى الله الإيمان عن أهل الكتاب الذين لم يؤمنوا برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وإن كانوا يزعمون أنهم آمنوا بالله، قال سبحانه: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } [التوبة: 29].
فقال: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} [التوبة: 29].
نفى عنهم الإيمان مع أنهم يشهدون أن لا إله إلا الله، لكن لما لم يشهدوا أن محمداً رسول الله بطلت شهادتهم لله بالوحدانية ما صح، فنفى الله عنهم الإيمان.
إذًا أصول الإيمان الذي هو الدين الذي شرعه الله لجميع خلقه والذي بعث به رسله، هو الإيمان بالله، والإيمان بالملائكة، والإيمان بالكتب المنزلة، والإيمان بالرسل، والإيمان باليوم الآخر، والإيمان بالقدر خيره وشره.
وهي أركان الإيمان الستة التي دل عليها الكتاب العزيز التي بينها الله تعالى في كتابه بقوله عز وجل في آية البر: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ } [البقرة: 177].
ذكر الله في هذه الآية خمسة أصول، والأصل السادس القدر ذكره الله تعالى في قوله: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49].
{وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الفرقان: 2].
وذكرت أيضاً هذه الأصول في حديث جبرائيل: «حينما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام؟ ثم سأله عن الإيمان؟ فقال: الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره».
فهذه أصول الإيمان، وهذه هي أصول الدين، وهذا هو الدين الذي شرعه الله لجميع خلقه، وبعث به رسله، وهدى الله له هذه الأمة، وهذه الأصول الستة جاءت في القرآن العزيز والسنة المطهرة، بل إن الكتب المنزلة كلها جاءت فيها هذه الأصول، والرسل كلهم جاءوا بهذه الأصول، والرسل كلهم جاؤوا بهذه الأصول, وأجمع المسلمون عليها، ولم يجحدوا أحداً منها إلا من خرج عن دائرة المسلمين وصار من الكافرين.
وأعلى هذه الأصول وأفضلها هو: التوحيد، وهو: الشهادة لله تعالى بالوحدانية، والنبي صلى الله عليه وسلم برسالة؛ لأن الإيمان بالله هو أصل الدين وأساس الملة، فلهذا صار أعلاها وأفضلها، ولأن الأعمال متوقفة صحتها على هذا الأصل العظيم، وهو الإيمان بالله، فلا يصح أي عمل حتى ينبني على الإيمان بالله وتوحيد الله عز وجل.
ثم استدل المؤلف رحمه الله بالآيات، كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25]. ومعنى لا إله: أي لا معبود بحق إلا الله.
{أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ } [الأنبياء: 25]. أي لا معبود بحق إلا أنا فاعبدوني.
وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36].
فهذه الآية مشتملة على ما اشتملت عليها كلمة التوحيد من النفي والإثبات،: {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ} [النحل: 36]. هذا الإيمان بالله.
{وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36] .هذا كفر بالطاغوت.
{أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36]. ففيها نفي وإثبات مثل كلمة التوحيد، لا إله هذا هو اجتناب الطاغوت، إلا الله هذا عبادة الله والإيمان به.
وقال تعالى: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ } [الزخرف: 45].
فيها إثبات توحيد الله عز وجل، وهذا من تمام النفي، وبيان أن الله تعالى لم يجعل من دونه آلهة.
وقال تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ } [الشورى: 13].
هذا هو الدين الذي بعث به رسله، وأنزل به كتبه، وهي أصول الإيمان، من الإيمان بالله، وملائكته وكتبه ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره.
وقال تعالى: { يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (51) وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (52)} [المؤمنون: 51، 52].
الشاهد قوله: وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (52)} [المؤمنون: 52].
" أنا ربكم " هو المعبود وحده سبحانه وتعالى بالحق " فاتقون " والتقوى أصلها توحيد الله، وإخلاص الدين له، ثم الالتزام بشرائع الإسلام.
(المتن)
ومثل الإيمان بجميع كتب الله وجميع رسله كما قال تعالى: (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)[البقرة:136].
ومثل قوله تعالى: (وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ)[الشورى:15].
ومثل قوله تعالى: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)[البقرة:285].
(الشرح)
وهذا فيه بيان الأصل الثالث والرابع من أصول الإيمان.
الأصل الأول هو: الإيمان بالله، وهو أعلاها وأفضلها.
والأصل الثاني: الإيمان بالملائكة كما جاء في حديث جبريل: «وملائكته».
والأصل الثالث: الإيمان بجميع الكتب، والإيمان بجميع الرسل، فالإيمان بجميع كتب الله التي أنزلها على أنبيائه ورسله، والإيمان بجميع الرسل الذين أرسلهم الله إلى خلقه، والإيمان ب الكتب يكون مفصلاً ومجملاً.
مفصلاً في الكتب التي ذكرت في القرآن العزيز أو في السنة المطهرة، نؤمن بها بأعيانها، مثل: التوراة والإنجيل والزبور والقرآن وصحف إبراهيم وصحف موسى، نؤمن بها بأعيانها وأن لله كتاباً أنزله على موسى بن عمران اسمه التوراة، وكتاباً أنزله الله على عيسى اسمه الإنجيل، وكتاباً أنزله على داود اسمه الزبور، وأنزل على موسى صحفاً، وعلى إبراهيم صحفاً.
و الإيمان بالقرآن هو إيمان خاص فيه تفصيل: وهو الإيمان بأن القرآن العظيم خاتم الكتب، والمهيمن عليها، آخرها والإيمان بأنه أفضلها، ولابد مع ذلك من الإيمان به إجمالاً وتفصيلاً بتصديق أخباره، وتنفيذ أحكامه، وامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، والاتعاظ بمواعظة، والانزجار بزواجره، والعمل بمحكمه، والإيمان بمتشابهه، وتحكيمه في كل شيء، هذا إيمان تفصيلي خاص بالقرآن الكريم.
وما لم يذكر من الكتب نؤمن بها إجمالاً، ونؤمن بأن الله تعالى أنزل كتباً على أنبيائه ورسله، لا يعلم أسماءها وعددها إلا هو سبحانه وتعالى.
قوله: (وجميع رسله) أي الإيمان بجميع الرسل، وهذا هو الأصل الخامس، وهو الإيمان بجميع الرسل إجمالاً وتفصيلاً.
تفصيلاً فيما سمى الله في كتابه عن رسوله عليه الصلاة والسلام نؤمن بهم بأعيانهم، وهم خمس وعشرون ذكروا في سورتي النساء والأنعام.
قال الله تعالى في سورة النساء: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا } [النساء: 163].
وقال سبحانه وتعالى في سورة الأنعام: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ } [الأنعام: 83 - 86].
فهؤلاء مع نبينا صلى الله عليه وسلم خمس وعشرون، وكذلك أيضاً ما ورد في السنة نؤمن بهم بأعيانهم، وما لم يذكر في الكتاب ولا في السنة فنؤمن به إيماناً مجملاً، فنؤمن بأن الله تعالى أرسل رسلاً كثيرين إلى خلقه لهدايتهم وإنقاذهم وإخراجهم من الظلمات إلى النور، لا يعلم أسماءهم وعددهم إلا الله سبحانه وتعالى.
والإيمان بالملائكة سبق أنه الأصل الثاني والركن الثاني وأن نؤمن بهن تفصيلاً وإجمالًا أيضًا الملائكة, تفصيلاً فيما سمى الله في كتابه عن لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فنؤمن بجبريل وميكائيل وإسرافيل؛ لأنهم سموا في القرآن والسنة, ونؤمن بملك الموت, لكن لا نعلم أن اسمه: عزرائيل كما يقول بعض العامة, الله تعالى سماه: ملك الموت { قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ } [السجدة: 11].
أما تسمية العامة: عزرائيل, يحتاج هذا إلى دليل, وكذلك منكر ونكير وهما فتانا القبر, ومالك خازن النار, وما لم يسم فإننا نؤمن به إيمانًا مجملاً.
فنؤمن بأن الله تعالى أرسل رسلاً كثيرين إلى خلقه لإخراجهم من الظلمات إلى النور لا يعلم أسماءهم وعددهم إلا الله سبحانه وتعالى.
ونؤمن بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم إيماناً تفصيلياً، وهو الإيمان بأنه رسول الله حقاً، وأن رسالته عامة إلى الثقلين الجن والإنس، في الأصل الرابع وهو الإيمان بالرسل نؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم إيمان خاصًا الإيمان بأنه رسول الله حقًا وأن رسالته عامة لجميع الثقلين الجن والإنس العرب والعجم وأنه آخر الأنبياء وأنه لا نبي بعده، وأن شريعته خاتمة الشرائع عليه الصلاة والسلام.
ذكر المؤلف رحمه الله أدلة كثيرة قال: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 136].
هذا فيه الإيمان بالكتب المنزلة: { قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} [البقرة: 136].
أي: من القرآن والسنة {وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ } [البقرة: 136].
وهذا فيه الإيمان بالكتب المنزلة غير القرآن والسنة, {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 136].
ومثل قول الله تعالى: {وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ} [الشورى: 15]. وهذا عام.
فقوله: " آمنت بما أنزل الله من كتاب " (كتاب)، جنس يشمل جميع الكتب {وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ} [الشورى: 15].
ومثل قوله تعالى {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ } [البقرة: 285].
(المتن)
ومثل الإيمان باليوم الآخر وما فيه من الثواب والعقاب كما أخبر عن إيمان من تقدم من مؤمني الأمم به حيث قال: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)[البقرة:62].
(الشرح)
وهذا هو الأصل الخامس من أصول الإيمان: الإيمان باليوم الآخر، وما يدخل فيه من الثواب في الجنة، والعقاب في النار، كما أخبر عن إيمان من تقدم من مؤمني الأمم به حيث قال: {نَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [المائدة: 69].
هذا هو الشاهد, الشاهد " واليوم الآخر " {مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } [المائدة: 69] .
والإيمان باليوم الآخر يشمل الإيمان بالبعث، وهو أن الله تعالى يبعث الأجساد ويعيد الذرات التي استحالت سبحانه وتعالى؛ لأن الإنسان يبلى ولا يبقى منه إلا عجب الذنب وهو العصص، وهي آخر فقرة في العمود الفقري.
عجب الذنب لا يبلى ولا تأكله الأرض كما في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «كل ابن آدم يبلى إلا عجب الذنب، منه خلق ابن آدم، ومنه يرجع».
وعجب الذنب يبقى ويخلق منه ابن آدم، فيعيد الله الذرات التي استحاتل, جسم الإنسان ذرات استحالت صارت تراباً يعيدها الله, يعيد نفس الذرات؛ لأن الله عليم بكل شيء، ولا يخفى عليه شيء؛ ولأن الله قادر على كل شيء، فهو قادر على أن يعيد الذرات.
ولهذا لما أخبر الله عن الكافرين قولهم على لسان أحدهم: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ } [يس: 78، 79].
هو عليم وقادر، فلا يمكن أن يمتنع عليه شيء سبحانه وتعالى، يعيد الذرات التي استحالت ترابًا, ولكن الصفات هي التي تتبدل، الذوات هي هي ولكن الصفات هي التي تبدل, بمعنى: أن الله تعالى ينشئ الناس يوم القيامة تنشئة قوية ويتبدل الصفات حتى يتحملوا ما لا يتحملونه في الدنيا.
فالصفة هي التي تبدل ينشأ الإنسان تنشئة قوية, ولكن الذرات هي هي، خلافاً للجهم بن صفوان قبحه الله الذي يقول: إن الذي يعاد شيء آخر غير جسم هذا الإنسان، وأن جسم الإنسان يبلى ولا يعود، ولكن الذي يعاد غير ذرات الجسم وهذا من أبطل الباطل؛ لأنه يلزم من هذا أن يكون الله يعذب أحداً لم يعصه.
فإذا كانت الذرات التي تعاد ليست الذرات التي نشأ منها في الدنيا فمعناه أن الله عذب أحداً بغير ذنب, وهذا الذي خلقه وعذبه في النار,, تعالى الله عما يقولون.
ولهذا أنكر العلماء على الجهم قوله ذاك، وهو الذي تنسب إليه الجهمية، وهي فرقة ضالة كافرة، تسلب عن الله جميع الأسماء والصفات، وهذا معناه: يعبد العدم، فالشيء الذي ليس له اسم ولا صفة لا وجود له.
ولما قال الجهم هذه المقالة الخبيثة وهو القول بأن الإنسان يبلى ولا يعاد، وإنما يعاد شيء آخر، دخلت الملاحدة من هذا الباب الذي فتحه لهم، فدخل ابن سيناء وقال: ليس هناك بعث للأجساد إطلاقاً، وإنما الذي تبعث الأرواح، فالمعاد معاد للأرواح لا للأبدان، وهذا كفر وضلال بإجماع المسلمين؛ البعث إنما يكون بالأجساد.
وقد أنكر الله على من أنكر البعث وحكم بكفره سبحانه وتعالى، وأقسم في كتابه في ثلاثة مواضع أن البعث لابد منه فقال تعالى {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} [التغابن: 7].
وقال تعالى {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ} [سبأ: 3].
وقال سبحانه: ({ وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ} [يونس: 53].
فالبعث يكون بالأبدان ومن لم يؤمن بأن البعث للأبدان فهو كافر البدن هو الذي يُبعث, وقول الفلاسفة والملاحدة أن الذي يبعث هو الروح كفر وضلال؛ لأن الروح باقية بعد خروجها من الجسد إما في نعيم أو عذاب.
وروح المؤمن تنقل إلى الجنة تتنعم, وروح الكافر تنقل إلى النار، وأرواح الشهداء تتنعم بواسطة طير خضر؛ لأنهم لما بذلوا أجسادهم لله عوض الله أرواحهم أجساداً تتنعم بواسطتها، كما في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تسبح في الجنة، وترد أنهار الجنة، وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل معلقة في العرش».
وأما المؤمن غير الشهيد فإن روحه تتنعم وحدها وتأخذ شكل الطائر، كما في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه». يعني يأكل.
إذًا الروح باقية إما في نعيم أو في عذاب ما تفنى, وقول الفلاسفة أن البعث بالأرواح هذا من أبطل الباطل, والأصل يكون بالجسد.
ويشمل الإيمان باليوم الآخر الإيمان بالبعث: الإيمان بالوقوف بين يدي الله تعالى للحساب، والإيمان بتطاير الصحف، والإيمان بالميزان الذي توزن فيه أعمال العباد، ويوزن فيه الأشخاص، وهذا الإيمان يرجح على حسب الأعمال.
والإيمان بالحوض وحوض نبينا صلى الله عليه وسلم في موقف القيامة حوض عظيم طوله مسافة شهر، وعرضه مسافة شهر، وأوانيه عدد نجوم السماء، وهو أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، وأبرد من الثلج، وأطيب ريحاً من المسك، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً حتى يدخل الجنة، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من الشاربين من الواردين حوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
ويشمل الإيمان بالصراط أيضاً وهو صراط ينصب على متن جهنم، أحد من السيف، وأحر من الجمر هكذا ينسب, الجنة في أعلى عليين والنار في أسفل سافلين تبرز النار يوم القيامة: {وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى } [النازعات: 36].
وتفجر البحار وتكون جزءاً منها، ثم يمد الصراط على متن جهنم فيصعد الناس منه إلى الجنة، وعلى متن جهنم يمر الناس على حسب الأعمال، وأول زمرة يمرون كالبرق، ثم كالريح، ثم كالطير، ثم كأجاويد الخيل، ثم رجل يعدو عدواً، ثم رجل يزحف زحفاً، وعلى الصراط كلاليب تخطف من أمرت بخطفه وتلقيه في النار نعوذ بالله.
ثم الإيمان بالجنة والنار، فلابد من الإيمان باليوم الآخر, الإيمان بالبعث، وبعد الموت إلى الإيمان بالوقوف بين يدي الله للحساب، الإيمان بإعطاء الكتب بالأيمان وبالشمائل، إلى الإيمان بالحوض، إلى الإيمان بالميزان، إلى الإيمان بالجنة والنار، ويلتحق بذلك الإيمان بما يكون في البرزخ، وهو القبر؛ لأنه برزخ بين الدنيا والآخرة.
- الدور ثلاثة:
- دار الدنيا.
- ودار البرزخ.
- ودار القرار.
فدار الدنيا: هي التي نحن فيها إلى البرزخ، ودار البرزخ من الموت إلى البعث، وسميت برزخ؛ لأنها فاصلة بين الدنيا والآخرة.
ودار القرار: هي البعث بعث الناس إلى ما لا نهاية، لابد من الإيمان بهذه الأمور كلها داخلة في الإيمان باليوم الآخر وما فيه من الثواب والعقاب، كما أخبر عن إيمان من تقدم من مؤمني الأمم حيث قال {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [البقرة: 62].
والشاهد: {مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [البقرة: 62].فقد أخبر أن من آمن من المؤمنين، أو من اليهود، أو من النصارى، أو من الصابئين {فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 62].
(المتن)
ومثل أصول الشرائع كما ذكر في سورة الأنعام والأعراف وسبحان، وغيرهن من السور المكية من أمره بعبادته وحده لا شريك له، وأمره ببر الوالدين وصلة الأرحام، والوفاء بالعهود، والعدل في المقام، وتوفية الميزان والمكيال، وإعطاء السائل والمحروم، وتحريم قتل النفس بغير الحق، وتحريم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وتحريم الإثم والبغي بغير الحق، وتحريم الكلام في الدين بغير علم، مع ما يدخل في التوحيد من إخلاص الدين لله، والتوكل عليه، والتوكل على الله، والرجاء لرحمة الله، والخوف من الله، والصبر لحكم الله، والقيام لأمر الله، وأن يكون الله ورسوله أحب إلى العبد من أهله وماله والناس أجمعين.
(الشرح)
وهذا أيضاً في الإيمان بأصول الشرائع داخل في الإيمان بأصول الإيمان, الإيمان بأصول الشرائع كما ذكر الله في سورة الأنعام والأعراف وسبحان أي الإسراء، وغيرها من السور المكية من الأمر بعبادته وحده لا شريك له، كما في سورة الأنعام: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [الأنعام: 151].
وفي سورة الأعراف أخبر الله عن كل نبي أنه يقول لقومه: {يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 59].
وقال سبحانه {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ} [المؤمنون: 23].
وقال سبحانه {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ} [الأعراف: 65] .
{إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 73].
{وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 85].
وكذلك في سورة سبحان سورة الإسراء قال تعالى: ({وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23].
فهذا فيه الأمر بعبادة الله وحده لا شريك له، في السور المكية كما في سورة الأنعام والأعراف والإسراء, مثل الإيمان ببر الوالدين وصلة الأرحام هذه كلها من أصول الشرائع, أن تؤمن بأن الله أمرك ببر الوالدين، وصلة الأرحام، والوفاء بالعهود والعقود التي بينك وبين الناس، أي عقد وأي عهد تفي به والعدل في المقال العدل في القول في الكلام {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا} [الأنعام: 152].
فيجب على الإنسان أن يعدل في كل شيء، في قوله وفعله وتوفية الميزان والمكيال، أيضاً هذا من أصول الشرائع، ولهذا أنكر نبي الله شعيب على قومه الذين يطففون المكيال والميزان، ويبخسون الناس أشياءهم، نهاهم قال: {وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ } [الأعراف: 85].
{وَيَاقَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [هود: 85].
وإعطاء السائل والمحروم أيضًا هذا من أصول الشرع أن السائل والمحروم يعطى, قال تعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج: 24، 25].
وهذا السائل الذي لا يعلم حاله، أما السائل الذي يعلم حاله، وأنه غير محتاج فيزجر ويمنع، والسائل له أحوال ثلاثة:
الحالة الأولى: أن تعرف أنه محتاج وأنه فقير أو عليه دين، فهذا يعطى.
الحالة الثانية: أن تعرف أنه ليس بمحتاج، وليس عليه دين، فهذا يزجر ويمنع ويرفع به إلى ولاة الأمور لتأديبه.
الحالة الثالثة: أن تجهل حاله، فلا تدري هل هو محتاج أو غير محتاج، فهذا يعطى؛ لأنه قد يكون محتاجاً وأن لا تعلم{وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25)} [المعارج: 24، 25] .
وكذلك أيضًا من أصول الشرع تحريم قتل النفس بغير الحق كما قال سبحانه: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الأنعام: 151].
وتحريم الفواحش ما ظهر منها وما بطن كما قال سبحانه: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33].
(وتحريم الإثم والبغي) كقوله: {وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [الأعراف: 33].
(وتحريم الكلام في الدين بغير علم كذلك).
فهذا من أصول الشرائع، أنه يحرم على الإنسان أن يتكلم في الدين بغير علم, مع يدخل في التوحيد من إخلاص الدين لله, إخلاص الدين لله هذا داخل في التوحيد, ليس هناك توحيد إلا بإخلاص الدين لله.
(والتوكل على الله، والرجاء لرحمته). كل هذه من أعمال القلوب العظيمة.
(والخوف من الله والصبر لحكم الله). تصبر لحكم الله.
- وحكم الله يتنوع إلى ثلاثة أنواع:
- حكم الله القدري.
- وحكم الله الشرعي
- وحكم الله الجزائي.
الأول: حكم الله القدري: هو ما يقدره الله على العبد من صحة ومرض وحياة وموت وفقد أحبة إلى غير ذلك, هذا حكم الله القدري نافذ في كل أحد, لا أحد يمتنع، ينفذ حكم الله لا أحد يمتنع عن حكم الله القدري على الصغير والكبير، فإذا جاء الموت إلى الإنسان قدر الله الموت على الإنسان لابد أن يموت، ولا يمكن أن يمتنع.
والثاني: حكم الله مثل المرض والفقر, وسائر حكم الله الشرعي, وهو ما حكم الله به في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، وما أنزله في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من الشريعة، كقوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [يونس: 87].
فهذا حكم الله الشرعي، قد يفعله بعض الناس، وقد لا يفعله بعض الناس فيتمردون على الشرع، قال تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [يونس: 87].
من الناس من يصلى، ومنهم من لا يصلي، وقال: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء: 32].
فمن الناس من امتثل النهي واجتنب الزنا، ومنهم من ارتكبه, إذًا حكم الله الشرعي لا أحد يمتنع منه.
والحكم الثالث: حكم الله الجزائي يوم القيامة يجازي الله العباد,ويحكم في نفس الكلمة يفصل بينهم سبحانه وتعالى في وقت واحد، لا يلهيه شأن عن شأن، كما أنه يرزقهم ويعافيهم، ويصحهم ويمرضهم في وقت واحد، فكذلك يسمع دعاءهم، ويجيب دعاءهم ويحكم بينهم سبحانه وتعالى في وقت واحد.
وقوله: (الصبر لحكم الله) يعني حكم الله القضائي القدري.
وقوله: (القيام لأمره) القيام بأمر الله، وهو توحيد الله وأداء حقوق التوحيد، وأن يكون الله ورسوله أحب إلى العبد من أهله وماله والناس أجمعين, هذه أصول الشرائع؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يجب تقديم محبته على كل أحد، على الأهل والمال والولد والناس أجمعين.
(المتن)
إلى غير ذلك من أصول الإيمان التي أنزل الله ذكرها في مواضع من القرآن كالسور المكية وبعض المدنيات.
(الشرح)
يقول: إن أصول الإيمان أنزل الله ذكرها في مواضع من القرآن في السور المكية، وبعض المدنية، وما ذكره فيه الكفاية ولم (..)36:6 لأنه معروف.
(المتن)
وأما الثاني: كما أنزل الله من السورة المدنية من شرائع دينه ومن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته، فإن الله سبحانه أنزل عليه الكتاب والحكمة، وامتن على المؤمنين بذلك، وأمر أزواج نبيه بذكر ذلك، فقال: (وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ)[النساء:113].
وقال: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ)[آل عمران:164].
وقال: (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ)[الأحزاب:34]. فقال غير واحد من السلف: الحكمة: هي السنة.
(الشرح)
وهذا الأمر الثاني الذي خص الله به هذه الأمة وميزهم به وفضلهم من الشرعة والمنهاج الذي جعله لهم هو ما أنزله الله في السور المدنية، من شرائع دينه، وما سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته.
ما أنزله الله من شرائع دينه من الأوامر والنواهي، والحدود، والقصاص، وما سنه النبي صلى الله عليه وسلم من الشرائع لأمته، هذا هو الذي ميز الله به هذه الأمة وخصها بالعمل به، فتمتثل الأوامر، وتجتنب النواهي.
فإن الله سبحانه أنزل عليه الكتاب والحكمة, أنزل عليه أي النبي صلى الله عليه وسلم، والكتاب هو القرآن الكريم، والحكمة هي السنة المطهرة، وامتن على المؤمنين بذلك كما قال تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [آل عمران: 164].
(وأمر أزواج نبيه بذكر ذلك، فقال: (وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ)[النساء:113]. وقال: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ)[آل عمران:164]. وقال: (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ)[الأحزاب:34].).
الحكمة هي السنة التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم, هذا مما من الله به على المؤمنين من هذه الأمة.
(المتن)
وقال غير واحد من السلف: الحكمة: هي السنة؛ لأن الذي كان يتلى في بيوت أزواجه رضي الله عنهن سوى القرآن هو سنته صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه» .
وقال حسان بن عطية: كان جبريل عليه الصلاة والسلام ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم بالسنة كما ينزل بالقرآن فيعلمه إياها كما يعلمه القرآن.
(الشرح)
هذا فيه بيان أن السنة هي الحكمة؛ فإذا جاء أن الله أعطى نبيه الحكمة, والحكمة المراد بها السنة المطهرة, {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} [الأحزاب: 34].
لأن الذي يتلى في بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم القرآن والسنة, وسوى القرآن هو السنة, ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «ألا إني أوتيت الكتاب» يعني القرآن «ومثله معه» وهو الوحي الذي أوحاه الله إليه من السنة، الكتاب هو القرآن ومثله معه وهو السنة المطهرة.
وقال حسان بن عطية: كان جبريل عليه الصلاة والسلام ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم بالسنة كما ينزل بالقرآن فيعلمه إياها، كما يعلمه القرآن.
(المتن)
وهذه الشرائع التي هدى الله بها هذا النبي وأمته مثل: الوجهة، والمنسك، والمنهاج، وذلك مثل الصلوات الخمس في أوقاتها بهذا العدد، وهذه القراءة، والركوع والسجود، واستقبال الكعبة.
(الشرح)
هذه الشرائع التي هدى الله بها هذا النبي وأمته مثله المؤلف رحمه الله, مثل الوجهة, كونه يُوجه إلى القبلة{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 144].
والمنسك وهو العبادة، ويدخل في ذلك: الذبائح، كالعقيقة والهدي والأضحية، وقوله: (المنهاج),الطريق الذي سار عليه عليه الصلاة والسلام، ومثل بالصلوات الخمس في أوقاتها بهذا العدد كلها متفاوتة فهذا مما خص الله به هذه الأمة, وهذه القراءة والركوع والسجود واستقبال الكعبة. فهذا ما أخص الله به هذه الأمة وهذه القراءة والركوع والسجود واستقبال الكعبة.
(المتن)
ومثل فرائض الزكاة ونصبها التي فرضها في أموال المسلمين من الماشية، والحبوب، والثمار، والتجارة، والذهب، والفضة، ومن جعلت له حيث يقول: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)[التوبة:60].
(الشرح)
كل هذه أمثلة للشرائع التي هدى الله بها هذا النبي وأمته، مثل فرائض الزكاة ونصبها الزكاة تجب هي ربع العشر تجب ربع العشر في الذهب والفضة وعروض التجارة, وتجب نصف العشر في الحبوب والثمار إذا كانت تسقى بمؤنة وكلفة, وإذا كانت تسقى من غير مؤنة ولا كلفة فيها العشر, هذا كله جاء مما هدى الله به هذه الأمة, فرائض الزكاة ونصبها كم النصاب؟.
نصاب الذهب عشرون مثقالًا, والفضة: مائتا درهم، ونصاب المواشي من الغنم: أربعون، ونصاب البقر: ثلاثون، ونصاب الإبل: خمس، هذه كلها مما خص الله به هذه الأمة, من الماشية والحبوب والثمار والتجارة والذهب والفضة, هذه كلها أمثلة لفرائض الزكاة.
وكذلك من جُعلت له يعني من هو أهلها, أهل الصدقة أهل الزكاة الذين يعطون من هم أهلها؟ ذكرهم الله في كتابه: {نَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 60].
(المتن)
ومثل صيام شهر رمضان، ومثل حج البيت الحرام، ومثل الحدود التي حدها لهم في المناسك، والمواريث، والعقوبات، والمبايعات، ومثل السنن التي سنها لهم: من الأعياد والجمعات والجماعات في المكتوبات، والجماعات في الكسوف والاستسقاء، وصلاة الجنازة والتراويح.
(الشرح)
كل هذا من أمثلة لما خص الله به نبيه وأمته، مثل صيام شهر رمضان، الصيام مكتوب على من قبلنا، كما قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183].
لكن صيام شهر رمضان هذا من خصائص هذه الأمة، ومثل حج بيت الله الحرام، ومثل الحدود التي حدها لهم، فلا يتجاوزونها, (..)43:45 في المناكح والمواريث حيث جعل الله للأولاد للذكر مثل حظ الأنثيين.
كذلك أيضًا فرض الله تعالى للآباء وللأمهات، والإخوة والأخوات فرض لهم نصبا فرض لهم ميراثًا في الأموال في الحدود التي حدها لهم في المناكح، والمواريث، والعقوبات، والمبايعات، كل هذه يجب أن يقف الإنسان عند حده ولا يتجاوزها.
مثل السنن التي سنها لهم كل هذا من خصائص هذه الأمة من الأعياد والجمع والجماعات في المكتوبة, الصلوات المفروضة، والجماعة في الكسوف، والجماعة في الاستسقاء، وصلاة الجنازة، والتراويح، كل هذا مما هدى الله له هذه الأمة.
(المتن)
وما سنه لهم في العادات مثل المطاعم والملابس والولادة والموت، ونحو ذلك من السنن والآداب والأحكام التي هي حكم الله ورسوله بينهم في الدماء والأموال والأبضاع والأعراض والمنافع والأبشار، وغير ذلك من الحدود والحقوق، إلى غير ذلك مما شرعه لهم على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
(الشرح)
كل هذا داخل فيما خص الله به هذه الأمة من الشرائع، (...)45:20 ولذلك ما سنه الله لهم في العادات مثل: (المطاعم والملابس) كيف يطعم؟ وكيف يكسب المال من طرقه الحلال والوجوه المشروعة؟ ثم ينفقها في مصارفها الشرعية.
ومثل: (الملابس) وما يشرع للإنسان عند لبس الثوب، (والولادة) كذلك وما يشرع في تسمية المولود، وحلق رأس الذكر، وإنفاق وزن شعره ذهباً، وتحنيكه، والعقيقة عنه.
(والموت) ماذا يفعل في الميت؟ يغسل ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين، ونحو ذلك من السنن والآداب والأحكام التي هي حكم الله ورسوله فكل ذلك من خصائص هذه الأمة في السنن والآداب.
(وفي الأحكام التي حكم الله ورسوله بينهم)
هذا مثال الأحكام: حكم الله ورسوله بينهم في الدماء, وأن القاتل يقتل قصاصًا إلا إذا سمح أولياء القتيل في الدماء والأموال كذلك.
(وكذلك ما شرعه الله في الأموال) وهو أن يكسبها من الوجوه المشروعة، وينفقها في الوجوه المشروعة، (الأبضاع) الأبضاع الفرج ما أحله سبحانه للناس من الزواج الشرعي.
(والأعراض), أنه ينبغي للإنسان أن يرد عن عرض أخيه ولا يتكلم فيه لا بالغيبة ولا بالنميمة.
(والمنافع) ما ينتفع فيه العباد من المآكل والمشارب وغيرها (والأبشار) يعني ما يصيب بشرة الإنسان، وأن ليس لإنسان أن يعتدي على بشر، وله أن يقتص وغير ذلك من الحدود والحقوق، إلى غير ذلك مما شرعه الله لهم على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
(المتن)
وحبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم، فجعلهم متبعين لرسوله صلى الله عليه وسلم، وعصمهم أن يجتمعوا على ضلالة كما ضلت الأمم قبلهم، إذ كانت كل أمة إذا ضلت أرسل الله تعالى رسولاً إليهم كما قال تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)[النحل:36]. وقال تعالى: (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلا فِيهَا نَذِيرٌ)[فاطر:24].
(الشرح)
كذلك من خصائص هذه الأمة أن الله سبحانه وتعالى: حبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم، فجعلهم متبعين لرسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا من نعمة الله تعالى ومنته على عباده المؤمنين، كما حبب الإيمان إلى أتباع الأنبياء السابقين، كما قال سبحانه: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } [الحجرات: 7، 8].
وعصم هذه الأمة، فمن خصائصها: أن الله تعالى عصم هذه الأمة من أن تجتمع على ضلالة كما ضلت الأمم من قبلها، ولهذا كان إجماع هذه الأمة حجة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تجتمع أمتي على ضلالة».
ولقول الله عز وجل: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115].فالله عصم هذه الأمة أن لا تجتمع على ضلالة
وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: «لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى».
فالله تعالى عصم هذه الأمة من أن تجتمع على ضلالة كما ضلت الأمم قبلها, إذًا كانت كل أمة إذا ضلت أرسل الله تعالى رسولاً إليهم يأمرهم وينهاهم، ويخرجهم من الضلال، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36].
وقال تعالى: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ} [فاطر: 24].
وأما هذه الأمة فإن نبينا صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء فليس بعده نبي، ولهذا عصم الله أمته من اجتماعهم على الضلالة، وكان إجماعهم حجة.
(المتن)
ومحمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء لا نبي بعده، فعصم الله أمته أن تجتمع على ضلالة، وجعل فيها من تقوم به الحجة إلى يوم القيامة، ولهذا كان إجماعهم حجة كما كان الكتاب والسنة حجة، ولهذا امتاز أهل الحق من هذه الأمة والسنة والجماعة عن أهل الباطل الذين يزعمون أنهم يتبعون الكتاب ويعرضون عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعما مضت عليه جماعة المسلمين.
(الشرح)
محمدٌ صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء فلا نبي بعده، وهذا بإجماع المسلمين، فمن قال: إن بعده نبي فهو كافر بالله العظيم.
ولما كان نبينا صلى الله عليه وسلم هو خاتم النبيين عصم الله أمته أن تجتمع على ضلالة، وجعل فيها من تقوم به الحجة إلى يوم القيامة، وهذا من فضل الله وحكمته، كما ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى».
قال عليه الصلاة والسلام: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها»، رواه أبو داود بسند لا بأس به.
فإذًا الله تعالى عصم هذه الأمة من أن تجتمع على ضلالة وقال عليه الصلاة والسلام: «لا تجتمع أمتي على ضلالة».
بل لابد أن يوجد في هذه الأمة من تقوم به الحجة إلى يوم القيامة، ولهذا كان إجماعهم حجة؛ لأنها لا تجتمع على ضلالة، كما كان الكتاب والسنة حجة، فالقرآن حجة، والسنة حجة، والإجماع حجة.
ولهذا امتاز أهل الحق من هذه الأمة وأهل السنة والجماعة من أهل الباطل, يعني تميز أهل الحق وأهل السنة والجماعة عن أهل الباطل الذين يزعمون أنهم يتبعون الكتاب ويعرضون عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعما مضت عليه جماعة المسلمين.
تمتاز أهل الحق من هذه الأمة السنة والجماعة من أهل الباطل تميزوا عنهم ولم يختلطوا بهم, وأهل الباطل هم الذين يزعمون أنهم يتبعون الكتاب, ويعرضون عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم وعما مضت عليه جماعة المسلمين.
هؤلاء المنحرفون أهل الحق امتازوا عنهم, امتاز أهل الحق وهم أهل السنة والجماعة وهم الطائفة المنصورة امتازوا عن الذين يزعمون أنهم يتبعون الكتاب ويعرضون عن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وعما مضت عليه جماعة المسلمين؛ يعني هذه الطائفة التي تزعم أنها تتبع الكتاب العزيز ولكنها تعرض عن السنة طائفة ضالة منحرفة، ويسمون أنفسهم: القرآنيون.
يزعمون أنهم يعملون بالقرآن، ولا يعملون بالسنة، وهذا من أبطل الباطل، فإن كانوا صادقين في عملهم بالقرآن فإن الله أمرهم باتباع السنة، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النساء: 59].
{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 31].
فأهل الحق أهل السنة والجماعة امتازوا عن أهل الباطل الذين يزعمون أنهم يقتصرون على العمل بالكتاب ويعرضون عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم وعما مضت عليه جماعة المسلمين.
(المتن)
فإن الله في كتابه أمر باتباع سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولزوم سبيله وأمر بالجماعة والائتلاف، ونهى عن الفرقة والاختلاف، فقال تعالى: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ)[النساء:80].
وقال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ)[النساء:64].
وقال تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ)[آل عمران:31].
وقال تعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[النساء:65]
(الشرح)
وهذا واضح بأن الله تعالى أمر في كتابه باتباع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ولزوم سبيله وأمر بالجماعة والائتلاف، ونهى عن الفرقة والاختلاف، فقال تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: 80].
هذا أمر بطاعة الرسول وأن من أطاع الرسول فقد أطاع الله, لأن الرسول صلى الله عليه وسلم معصوم فلا يأمر إلا بما فيه طاعةٌ لله, ولهذا قال تعالى{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: 80] .
وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} [النساء: 64].
وقال: { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 31].
وهذه الآية تسمى آية المحنة عند العلماء؛ لأنه ادعى قوم أنهم يحبون الله فامتحنهم بهذه الآية، هناك علامة لمن يحب الله ما هي؟ اتباع الرسل عليه الصلاة والسلام, فمن كان متبعاً للرسول كان علامة على إيمانه، ومن لم يكن متبعاً للرسول كان علامة على زيغه وضلاله.
وكذلك قال تعالى: { فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } [النساء: 65].
وهذه الآية فيها نفي الإيمان عمن لم يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم في النزاع، بل لابد أن يحكم ثم لا يجد في نفسه حرجاً ويسلم تسليماً، أي: يطمئن طمأنينة كاملة.
(المتن)
وقال تعالى{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا } [آل عمران: 103].
(الشرح)
حبل الله هو دينه، وما جاءكم من الشرع،{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا } [آل عمران: 103] .اتفقوا ولا تتفرقوا.
(المتن)
وقال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْء} [الأنعام: 159].
(الشرح)
هذه الآية فيها ذم لأهل الاختلاف، والآية الأولى فيها الأمر بالاعتصام والنهي عن الاختلاف.
(المتن)
وقال تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} [آل عمران: 105].
(الشرح)
هذا في ذم المتفرقين والمختلفين.
(المتن)
وقال تعالى{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ } [البينة: 5].
(الشرح)
وهذه الآية فيها أمر بإخلاص العبادة لله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة.
(المتن)
وقال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: 153].
(الشرح)
وهذا واضح في أن الله تعالى أمر الخلق جميعاً أن يعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء أي مائلين عن الشرك إلى التوحيد، ومخلصين له الدين أي مخلصين له العبادة{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5].
الدين هو العبادة, والدين له معاني يأتي بمعنى العبادة كما في هذه الآية.
ويأتي بمعنى الجزاء والحساب، مثل قوله: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4].
وقوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (17) ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (18)} [الانفطار: 17، 18].
وقال سبحانه: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: 153].
وهو حبل الله ودينه, وما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
(المتن)
وقال تعالى في أم الكتاب: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)} [الفاتحة: 6، 7]، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اليهود مغضوب عليهم، والنصارى ضالون».
(الشرح)
قوله سبحانه وتعالى في أم الكتاب التي هي الفاتحة{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)} [الفاتحة: 6، 7].
هذا دعاء وسؤال لله أن يهديك الصراط المستقيم، وصراط المنعم عليهم، غير طريق المغضوب عليهم، وغير طريق الضالين، وهذا أنفع دعاء وأجمع الدعاء، وحاجة العبد إلى هذا الدعاء أكثر من حاجته إلى الطعام، بل إلى نفسه التي بين جنبيه.
و (المغضوب عليهم) قال المؤلف: فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اليهود مغضوب عليهم، والنصارى ضالون».
وكذلك من فسد من هذه الأمة فإنه يكون شبيهاً لليهود، فمن فسد من علماء هذه الأمة فله شبه باليهود، وإن كان من عبادهم فله شبه بالنصارى.
(المتن)
فأمر سبحانه في أم الكتاب التي لم ينزل في التوراة، ولا في الإنجيل، ولا في الزبور، ولا في الفرقان مثلها، والتي أعطيها نبينا صلى الله عليه وسلم من كنز تحت العرش، والتي لا تجزئ صلاة إلا بها، أن نسأله أن يهدينا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم، غير المغضوب عليهم: كاليهود، ولا الضالين: كالنصارى.
(الشرح)
وهذا أمر الله به في أم الكتاب التي هي الفاتحة التي لم تنزل في التوراة، ولا في الإنجيل، ولا في الزبور، ولا في الفرقان مثلها،كما جاء (...)59:34 أنه لم ينزل في التوراة وهو الكتاب الذي أنزله الله على موسى, والإنجيل الكتاب الذي أنزله الله على عيسى, ولا في الزبور وهو الكتاب الذي أنزله الله على داود، ولا في الفرقان وهو القرآن الذي أنزله على محمد، لم ينزل في التوراة، ولا في الإنجيل، ولا في الزبور، ولا الفرقان مثل الفاتحة، وهي سبع آيات، والتي أعطيها نبينا صلى الله عليه وسلم من كنز تحت العرش، والتي لا تجوز صلاة إلا بها، فقد أمرنا في آخرها أن نسأله أن يهدينا الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم غير المغضوب عليهم اليهود ولا الضالين كالنصارى.
- وهذا فيه تقسيم الناس إلى ثلاثة أقسام:
- منعمٌ عليهم.
- ومغضوبٌ عليهم .
- وضالون.
(المتن)
وهذا الصراط المستقيم هو دين الإسلام المحض وهو ما في كتاب الله تعالى وهو السنة والجماعة, فإن السنة المحضة هي دين الإسلام المحض.
(الشرح)
نعم هذا الصراط المستقيم هو دين الإسلام, وهو ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من الهدى والعلم النافع, وهو القرآن وهو الرسول صلى الله عليه وسلم, الصراط المستقيم هو دين الإسلام وهو ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من الشرعة والمنهاج, وهو ما جاء في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم, قوله: (هذا الصراط المستقيم) هو دين الإسلام المحض الذي لا يشوبه بدعة ولا شك ولا ريب وهما في كتاب الله تعالى.
ما جاء في كتاب الله تعالى من الأوامر والنواهي والحدود هو السنة والجماعة, يعني أهل السنة والجماعة السنة والجماعة ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
فمن استقام على ما في الكتاب والسنة وعمل بما فيهما يكون من أهل السنة والجماعة هم أهل الحق, فالصراط المستقيم هو دين الإسلام وهو ما في كتاب وهو السنة والجماعة.
قوله: (فإن السنة المحض هي دين الإسلام المحض).
السنة المحضة يعني الخالصة ليس فيها شائبة من غيرها, فالسنة المحضة هي دين الإسلام المحض, السنة الخالصة هي دين الإسلام الخالص.
(المتن)
فإن النبي صلى الله عليه وسلم روي عنه من وجوه متعددة رواها أهل السنن والمسانيد: كالإمام أحمد وأبي داود والترمذي وغيرهم أنه قال: «ستفترق هذه الأمة على اثنتين وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة».
وفي رواية: «من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي».
(الشرح)
وهذا ثابت كما ذكر المؤلف رحمه الله, هذا الحديث ثابت من وجوه متعددة رواه أهل السنن: وهي الكتب التي صنفت على الأبواب مثل: سنن الترمذي، وسنن أبي داود، وسنن ابن ماجة، وسنن النسائي، والمسانيد: وهي الكتب التي ألفت على أسماء الصحابة، يذكر الصحابي ثم يذكر بعده ما له من الحديث، كالإمام أحمد، وأبي داود والترمذي وغيرهم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ستفترق هذه الأمة على ثنتين وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة».
ما هي الفرقة الناجية؟ هي الجماعة أو في رواية: «من كان على مثل أنا عليه اليوم وأصحابي».
هذه الفرقة الناجية, من هي الفرقة الناجية؟ هم الجماعة وهم الذين كانوا على مثل ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهم أهل السنة والجماعة، وهم الطائفة المنصورة، وهم أهل الحق.
(المتن)
وهذه الفرقة الناجية.
(الشرح)
وهذه الفرق التي ستختلف عن أهل السنة والجماعة كلها متوعدة بالنار وهم مبتدعة، وأما غلاة القدرية الذين ينفون علم الله، فإنهم كفار يخرجون من الثنتين والسبعين فرقة، وكذلك الجهمية الذين يسلبون الله أسماءه وصفاته كفرهم جمع من أهل العلم.
وذكر ابن القيم أنه كفرهم خمسمائة عالم في شرح الكافية الشافية قال رحمه الله: " ولقد تقلد كفرهم خمسون في عشر من العلماء في البلدان " فخمسون في عشرة كم؟ خمسمائة.
واللالكائي الإمام حكاه عنهم بل قد حكاه قبله الطبراني, فهؤلاء خارجون من الثنتين والسبعون فرقة, الثنتين والسبعون فرقة هؤلاء من فرق المبتدعة، ولا يسلم إلا أهل السنة والجماعة.
(المتن)
وهذه الفرقة الناجية -أهل السنة- وهم وسط في النحل، كما أن ملة الإسلام وسط في الملل، فالمسلمون وسط في أنبياء الله ورسله وعباده الصالحين لم يغلوا فيهم كما غلت النصارى حيث (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ)[التوبة:31].
(الشرح)
نعم هذه الناجية، وهم أهل السنة والجماعة، وهم أهل الحق، وهم الطائفة المنصورة، وهم وسط في النحل أي وسط بين أهل البدع، فهم وسط بين الجبرية والقدرية، فالجبرية غلوا في نفي أفعال العباد حتى قالوا: إن العبد مجبور على أفعاله، وأفعاله هي أفعال الله.
والقدرية: جفوا وفرطوا فقالوا: إن العباد لا يخلقون أفعالهم ولكن الله خلقها، وقالوا: إن العباد هم الخالقون لأفعالهم، ولم يخلقها الله فجفوا وفرطوا, قالوا: إن كل أحدٍ يخلق فعل نفسه.
أما أهل السنة فهم وسط، فلم يقولوا بقول هؤلاء، ولا بقول هؤلاء، فقالوا: إن الله تعالى خلق العبد وخلق قدرته وإرادته، والأفعال هي أفعال العباد تنسب إليهم فهي من الله خلقاً وإيجاداً وتقديراً، ومن العباد فعلاً وتسبباً وكسباً.
(فأهل الحق الفرقة الناجية وسط في النحل).
هذا مثال وسط بين الخوارج والرافضة, فالرافضة غلوا حتى كفروا الصحابة وفسقوهم، وغلوا في أهل البيت حتى عبدوهم. والنواصب -وهم الخوارج- نصبوا العداوة لأهل البيت.
وأهل السنة وسط بين مذهب الرافضة وبين مذهب النواصب، وهكذا فالمسلمون وسط في أنبياء الله ورسله وعباده الصالحين لم يغلوا فيهم كما غلت النصارى{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة: 31] .ولا جفوا كاليهود.
(المتن)
ولا جفوا عنهم كما جفت اليهود فكانوا يقتلون الأنبياء بغير حق، ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس، وكلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم كذبوا فريقاً، وقتلوا فريقاً.
(الشرح)
نعم يعني أهل السنة وسطٌ بين فرق المبتدعة, كما أن هذه الأمة وسطٌ بين الأمم, هي وسط بين النصارى واليهود, النصارى غلوا{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ } [التوبة: 31].
وقالوا: إن عيسى رب هو إله، واليهود جفوا كما ذكر، فالمسلمون وسط في أنبياء الله ورسله، لم يغلوا فيهم كما غلت النصارى، ولم يجفوا كما جفت اليهود، فإن اليهود كانوا يقتلون الأنبياء بغير الحق، ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس، العدل من الناس.
وكلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم كذبوا فريقاً، وقتلوا فريقاً، وهذا من جفوهم, وقالوا: إن عيسى ابن زنا نعوذ بالله.
فاليهود جفوا وقتلوا الأنبياء وقتلوا الذين يأمرون بالعدل وكذبوا فريقًا وقتلوا فريقًا, والنصارى غلوا في المسيح وقالوا: إنه ابن الله، وغلوا في أحبارهم ورهبانهم فاتخذوهم أرباباً من دون الله.
فأهل السنة فأهل الحق وسط هذه الأمة وسطٌ بين النصارى وبين اليهود، فلا يجفون كاليهود، ولا يغلون كالنصارى، وإنما يعظمون الأنبياء ويقولون: هم أنبياء أرسلهم الله لهداية الناس، لكن لا يعبدون.
(المتن)
بل المؤمنون آمنوا برسل الله وعزروهم ونصروهم ووقروهم، وأحبوهم وأطاعوهم، ولم يعبدوهم، ولم يتخذوهم أرباباً كما قال تعالى: (مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ (79) وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:79 - 80].
(الشرح)
هذا هو شأن المؤمنين، المؤمنون آمنوا برسل الله، وعزروهم أي وقروهم ونصروهم, أي عظموهم واحترموهم ونصروهم ووقروهم وأحبوهم وأطاعوهم، ولم يعبدوهم، ولم يتخذوهم أرباباً؛ لأن المسلمين حينما عظموا الأنبياء واحترموهم ووقروهم لا يوصلهم هذا التعظيم إلى عبادتهم من دون الله، فلا يعبدونهم ولا يتخذونهم أرباباً؛ لأن العبودية حق الله عز وجل وحده ثم استشهد بالآية كما قال تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} [آل عمران: 79].
أخبر الله سبحانه وتعالى أنه ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يدعو الناس إلى عبادة نفسه؛ لأن هذا لا يمكن لأن الرسل معصومون عصمهم الله من الشرك وعصمهم الله من الخطأ فيما يبلغون عن الله، وعصمهم الله من الكبائر، أما الصغائر فإنها قد تقع منهم.
ولهذا قال تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79) وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (80)} [آل عمران: 79، 80].
(المتن)
ومن ذلك: أن المؤمنين توسطوا في المسيح فلم يقولوا: هو الله، ولا ابن الله، ولا ثالث ثلاثة كما تقول النصارى، ولا كفروا به وقالوا على مريم بهتاناً عظيماً، حتى جعلوه ولد بغية كما زعمت اليهود، بل قالوا: هذا عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول، وروح منه.
(الشرح)
هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة، وهذه حال الأمة الوسط، وهذه حال مؤمني هذه الأمة، فقد توسطوا بين الأمم السابقة توسطوا في المسيح عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام، ويسمى المسيح؛ لأنه يمسح الأرض، وأما الدجال يسمى مسيحاً؛ لأن عينه اليمنى ممسوحة كأنها عنبة طافية، فأهل الحق من هذه الأمة توسطوا في المسيح فلم يقولوا: هو الله، ولا ابن الله، ولا ثالث ثلاثة كما تقوله النصارى، ولا كفروا وقالوا على مريم بهتاناً عظيماً حتى جعلوه ولد بغي كما زعمت اليهود، فاليهود جفوا حتى قالوا: إن عيسى ولد بغي وولد زنا فالنصارى غلوا حتى جعلوا عيسى ابن الله وقالوا إنه آله مع الله نعوذ بالله بل قالوا أهل الحق إن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته التي ألقاها إلى مريم؛ لأن الله خلقه بكلمة كن إلى مريم العذراء البتول، وروح منه.
(المتن)
وكذلك المؤمنون وسط في شرائع دين الله، فلم يحرموا على الله أن ينسخ ما شاء، ويمحو ما شاء ويثبت كما قالته اليهود، كما حكى الله تعالى ذلك عنهم بقوله: (سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا)[البقرة:142].
وبقوله: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ)[البقرة:91].
(الشرح)
نعم المؤمنين وسط في شرائع دين الله, فلم يحرموا على الله أن ينسخ ما يشاء، ويمحو ما يشاء ويثبت كما قالت اليهود، اليهود حجروا على الله بزعمهم فحرموا على الله أن ينسخ ما يشاء ويمحو ما يشاء, كما حكى الله عنهم ذلك بقولهم حينما حولت القبلة أنزل الله: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} [البقرة: 142].
جاء الرد{قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } [البقرة: 142] .
فالمؤمنون لم يحرموا على الله أن ينسخ ما شاء من الشرع كما تقول اليهود, فإنه لما حلوت القبلة استنكروا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وجه إلى بيت المقدس للصلاة ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً.
ثم وجهه الله إلى الكعبة، كان يقلب وجهه في السماء، ويحب أن يوجه إلى الكعبة فأنزل الله: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 144].
وقال سبحانه: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } [البقرة: 91].
هذه حال اليهود الذين آمنوا بما أنزل الله قالوا: يكفينا ما أنزل إلينا وهي التوراة, ويكفرون بما وراءه مما سواه، وهو الحق مصدقاً لما معهم.
(المتن)
ولا جوزوا لأكابر علمائهم وعبادهم أن يغيروا دين الله فيأمروا بما شاءوا، وينهوا عما شاءوا كما يفعله النصارى، كما ذكر الله ذلك عنهم بقوله: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ)[التوبة:31] قال عدي بن حاتم رضي الله عنه: «قلت: يا رسول الله! ما عبدوهم! قال: ما عبدوهم، ولكن أحلوا لهم الحرام فأطاعوهم، وحرموا عليهم الحلال فأطاعوهم».
(الشرح)
هذه طريقة أهل الحق واعتقادهم لا يجوزون لأكابرهم وعلمائهم وعبادهم أن يغيروا دين الله، فهم أهل الحق فلا يجوزون لأحد يغير دين الله فيأمر بما يشاء، وينهى عما يشاء كما تفعل النصارى, فالنصارى غيروا حرفوا كتاب الله الذي أنزله الله على عيسى.
أنزل الله على عيسى إنجيل واحد، فكثرت الأناجيل حتى بلغت أربعين إنجيلاً، كل هذا من وضع النصارى، فالنصارى جوزوا لأكابرهم وأحبارهم وعلمائهم أن يأمروا بما شاءوا، وينهوا عما شاءوا كما يفعله النصارى ثم ذكر الله عن ذلك بقوله: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَ} [التوبة: 31].
والأحبار هم العلماء، والرهبان هم العباد، المعنى اتخذوهم أربابًا من دون الله, ولما نزلت هذه الآية, وهذه الآية نزلت في اليهود اتخذوا أحبارهم علماؤهم ورهبانهم عبادهم أربابًا من دون الله.
ثم أسلم عدي بن حاتم رضي الله عنه, فلما أسلم سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه الآية: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ } [التوبة: 31].
فقال: يا رسول الله! ما عبدوهم! وفي لفظ: «لسنا نعبدهم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أليسوا يحرمون ما أحل الله وتحرمونه، ويحلون ما حرم الله فتحلونه؟ قال: بلى، قال: فتلك عبادتكم إياهم». فبين أن عبادتهم: طاعتهم في التحليل والتحريم.
(المتن)
والمؤمنون قالوا: لله الخلق والأمر، فكما لا يخلق غيره لا يأمر غيره، (وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا)[البقرة:285]، فأطاعوا كلما أمر الله به، وقالوا: (إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ)[المائدة:1]. وأما المخلوق فليس له أن يبدل أمر الخالق تعالى ولو كان عظيماً.
(الشرح)
فهو سبحانه له الخلق فلا خالق غيره، وله الأمر فلا آمر غيره، فالخلق خلقه والأمر أمره سبحانه وتعالى، والمراد بالأمر: كلامه سبحانه وتعالى الذي أنزله إلى خلقه ما من الكتب من الأوامر والنواهي.
فالمؤمنون قالوا: لله الخلق والأمر، بخلاف أهل الانحراف فإنهم لا يجعلون الأمر لله، بل يشرعون لأنفسهم شرائع من عند أنفسهم.
يقول المؤلف: (فكما لا يخلق غيره لا يأمر غيره).
كما لا يخلق إلا الله فلا يأمر إلا الله،{وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [البقرة: 285]. هكذا المؤمنون يقولون: سمعنا وأطعنا بخلاف أهل الكتاب فإن الله أخبر عنهم أنهم قالوا: سمعنا وعصينا.
{وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [البقرة: 285]. فأطاعوا كلما أمر الله به , كل الأوامر اطاعوها وامتثلوها وقالوا: {إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ} [المائدة: 1].
وأما المخلوق فليس له أن يبدل أمر الخالق تعالى، ولو كان عظيماً؛ إذ المخلوق مأمور مربوب مقهور مدبر ليس له أن يبدل أمر الله ولو كان عظيماً.
(المتن)
وكذلك في صفات الله تعالى، فإن اليهود وصفوا الله تعالى بصفات المخلوق الناقصة، فقالوا: هو فقير ونحن أغنياء، وقالوا: يد الله مغلولة، وقالوا: إنه تعب من الخلق فاستراح يوم السبت، إلى غير ذلك.
(الشرح)
نعم كذلك في صفات الله تعالى أن اليهود قبحهم الله وصفوا الله بصفات المخلوق الناقصة، كما أخبر الله عنهم بأنهم وصفوا الله بأنه فقير.
قال الله تعالى: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} [آل عمران: 181].
قال الله: {سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا} [آل عمران: 181]. هذا تهديد ووعيد شديد.
وكذلك أخبر الله عنهم أنهم قالوا: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} [المائدة: 64].
فرد الله عليهم قال: {غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا} [المائدة: 64].
وقالوا أيضاً: إنه تعب من الخلق فاستراح يوم السبت إلى غير ذلك؛ لأن الله تعالى خلق الخلق في ستة أيام أولها الأحد وآخرها الجمعة، والسبت ليس فيه خلق، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} [ق: 38].
وأولها الأحد وآخرها الجمعة، وأما السبت فليس فيه خلق لحكمة بالغة، فقالت اليهود قبحهم الله: إن الله لما خلق الخلق في ستة أيام تعب واستراح في اليوم السابع، وهو يوم السبت، قبحهم الله فأنزل الله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} [ق: 38]. يعني من تعب وإعياء.
هذه مقالات شنيعة لولا أن الله ذكرها في كتابه عنهم لما صدق المسلم أن أحداً يتجرأ ويقول هذا على الله نعوذ بالله.
كيف يتجرأ هؤلاء الكفرة ويقولون: إن الله فقير، ويقولون: يد الله مغلولة، ويقولون: إن الله تعب واستراح يوم السبت؟! فالسبت ما فيه خلق حكمة بالغة, والله قادر على أن يخلقها في لحظة, ولكن له الحكمة البالغة.
وما جاء في صحيح مسلم من أن الله خلق الخلق في سبعة أيام فذكر يوم السبت فهذا الحديث حصل فيه خطأ وإن كان في صحيح مسلم، فقد حصل خطأ في رفعه، فالحديث في صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو مأخوذ عن كعب الأحبار، وكعب الأحبار من بني إسرائيل، أسلم وكان يحدث عن بني إسرائيل.
فالنصارى وصفوا المخلوق بصفات الخالق المختصة به, فاليهود وصفوا الله بصفات المخلوق الناقصة، والنصارى وصفوا المخلوق بصفات الخالق المختصة به, فهما طائفتنا متناقضتان, اليهود وصفوا الله بصفات المخلوق الناقصة, وصفوا الله بأنه فقير هذا وصف المخلوق الناقص, المخلوق الكامل هو الغني, ووصفوا أنفسهم بالغنى ووصفوا الله بالفقر أعوذ بالله{وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} [المائدة: 64].
يعني لا ينفق قبحهم الله, يده الله سحاء الليل والنهار سبحانه وتعالى, يد الله ملأى سحاء الليل والنهار سبحانه وتعالى, وهؤلاء قبحهم الله قالوا: فقير, ويده مغلولة وقالوا وإنه تعب واستراح يوم السبت.
(المتن)
والنصارى وصفوا المخلوق بصفات الخالق المختصة به فقالوا: إنه يخلق ويرزق، ويغفر ويرحم، ويتوب على الخلق، ويثيب ويعاقب
.
(الشرح)
هكذا النصارى غلوا والعياذ بالله وصفوا المخلوق بصفات الخالق المختصة به فقالوا: إنه يخلق ويرزق ويغفر ويرحم ويتوب على الخلق ويثيب ويعاقب يعني عيسى جعلوه إلهًا مع الله، وقالوا: إنه ابن الله، وقالوا: إنه ثالث ثلاثة: الله وعيسى ومريم، تعالى الله عما يقولون, فقالوا: باسم الأب والابن وروح القدسي إلهٌ واحدًا.
فهؤلاء النصارى وصفوا المخلوق بصفات الخالق, رفعوا عيسى من مقام النبوة إلى مقام الإلوهية والربوبية فقالوا: إن عيسى ابن الله وهو يخلق ويرزق ويغفر ويرحم ويتوب على الخلق، واليهود وصفوا الله بصفات المخلوق الناقصة فقالوا: فقير، ويده مغلولة، وتعب واستراح يوم السبت.
وأما المؤمنون أهل الحق فوسط بين النصارى الذين غلوا، وبين اليهود الذين جفوا.
(المتن)
والمؤمنون آمنوا بالله سبحانه وتعالى، ليس له سمي ولا ند، ولم يكن له كفواً أحد، وليس كمثله شيء؛ فإنه رب العالمين، وخالق كل شيء، وكل ما سواه عباد له فقراء إليه (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا)[مريم:93 - 95].
(الشرح)
هكذا وفق الله المؤمنين وهداهم إلى الحق، فصاروا وسطاً صار مذهبهم حقٌ بين ضلالين: بين ضلال اليهود وضلال النصارى, فاليهود جفوا ووصفوا الله بصفات المخلوق الناقصة، وقالوا: إن الله فقير، ويده مغلولة، واستراح يوم السبت.
والنصارى غلوا ووصفوا المخلوق بصفة الخالق فقالوا: إن عيسى يخلق ويرزق، ويغفر ويرحم، ويتوب على الخلق، ويثيب ويعاقب.
والمؤمنون آمنوا بالله سبحانه وتعالى: ليس له سمي ولا ند، ولم يكن له كفواً أحد، وليس كمثله شيء؛ فإنه رب العالمين، وخالق كل شيء، وكل ما سواه عباد له فقراء إليه، كما قال سبحانه: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94)} [مريم: 93، 94].
فهدى الله المؤمنين فلم يقولوا بقول اليهود الذين جفوا، ولم يقولوا بقول النصارى الذين غلوا، بل كان قولهم وسطاً على حسب ما جاء في الكتاب والسنة.
(المتن)
ومن ذلك أمر الحلال والحرام، فإن اليهود كما قال تعالى: (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ)[النساء:160]، فلا يأكلون ذوات الظفر مثل الإبل والبقر، ولا شحم الثرب والكليتين، ولا الجدي في لبن أمه، إلى غير ذلك مما حرم عليهم من الطعام واللباس وغيرهما، حتى قيل: إن المحرمات عليهم ثلاثمائة وستون نوعاً، والواجب عليهم مائتان وثمانية وأربعون أمراً، وكذلك شدد عليهم في النجاسات حتى لا يؤاكلوا الحائض ولا يجامعوها في البيوت.
وأما النصارى فاستحلوا الخبائث وجميع المحرمات، وباشروا جميع النجاسات، وإنما قال لهم المسيح: (وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ)[آل عمران:50]، ولهذا قال تعالى: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ)[التوبة:29].
وأما المؤمنون فكما نعتهم الله به في قوله: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[الأعراف:156 - 157]، وهذا باب يطول وصفه.
(الشرح)
في أمر الحلال والحرام المؤمنون وسط بين اليهود وبين النصارى، كما أن المؤمنين وسط بين اليهود والنصارى في صفات الله،كم سبق كذلك هم وسط بين اليهود والنصارى في أمر الحلال والحرام.
عرفنا أن المؤمنين وسطٌ بين اليهود والنصارى في الصفات في صفات الله, صفات الله اليهود جفوا ووصفوا الله بصفات المخلوق الناقص, قالوا: فقير, ويده مغلولة, وتعب واستراح يوم السبت.
والنصارى وصفوا المخلوق بصفات الخالق فقالوا: إنه يخلق ويرزق ويرحم ويعفوا, والمؤمنون وسط, أثبتوا صفات الله سبحانه وتعالى صفات الكمال التي أثبتها لنفسه أو أثبتها رسوله عليه الصلاة والسلام, ولم يصفوا المخلوق بصفات الخالق المختصة به.
وكذلك أهل الإيمان وسطٌ في أمر الحلال والحرام, بين اليهود وبين النصارى, فإن اليهود جفوًا فحرم الله عليهم الطيبات كما قال: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا} [النساء: 160].
فلا يأكلون ذوات الظفر مثل الإبل والبقر، ولا شحم الثرب وهو شحم محيط بالكرش والأمعاء رقيق، و الكليتين، ولا الجدي في لبن أمه، كل هذا لا يأكلونه, وغير ذلك مما حرم عليهم من الطعام واللباس وغيرهما.
حتى قيل: إن المحرمات عليهم ثلاثمائة وستون نوعاً، وسبب ذلك الظلم, لما ظلموا عاقبهم الله, قال تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (160) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (161) } [النساء: 160 - 162].
حتى قيل: إن المحرمات عليهم ثلاثمائة وستون نوعاً, والواجب عليهم مائتان وثمانية وأربعون أمراً.
وكذلك شدد عليهم في النجاسات، حتى إنهم كانوا لا يؤاكلون الحائض، ولا يجامعونها في البيوت، أي: لا يساكنونها ولا يجتمعون بها بل يتجنبون المرأة, فإذا حاضت المرأة جعلوها في مكان خاص، غرفة خاصة لا يأكلون معها، ولا يشربون معها، ولا يجالسونها، ولا تتكلم معها, يحاصرونها والعياذ بالله.
وأما النصارى فإنهم تساهلوا اليهود شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم والنصارى تساهلوا فاستحلوا الخبائث واستحلوا جميع المحرمات، وباشروا جميع النجاسات، اليهود شددوا فلا يأكلون الطيبات فحرم الله عليهم ذلك, وكما أنهم شدد عليهم في النجاسات حتى إن الماء لا يطهر النجاسة عندهم, كان لابد من قرضها بالمقراض.
وأما النصارى فبالعكس تساهلوا واستحلوا الخبائث واستحلوا جميع المحرمات وباشروا جميع النجاسات, وإنما قال لهم المسيح: {وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ } [آل عمران: 50].
ولهذا قال الله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29].
وأما المؤمنون فإنهم وسط بين هؤلاء وهؤلاء، كما نعتهم الله بقوله: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)} [الأعراف: 156، 157].
هكذا وصفهم الله بأنهم يتقون، ويؤتون الزكاة، ويؤمنون بآيات الله، ويتبعون الرسول النبي الأمي صلى الله عليه وسلم، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر, ووصف الرسول بأنه يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم أصرهم والأغلال التي كانت عليهم.
يقول المؤلف: (وهذا باب يطول وصفه).
أي هذا الباب يطول وصفه لو استمر الإنسان في هذا الباب وأراد أن يذكر نماذج لوجد النماذج كثيرة لكن هذه أمثلة, يقول المؤلف رحمه الله: هذه أمثلة كثيرة ولكن ل أراد الإنسان أن يستطرد بالأمثلة لوجد أمثلة كثيرة ولكن يقول: نكتفي بهذه الأمثلة ويقاس عليها بقية الأمثلة. 93:5