بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(المتن)
توسط السلف في أسماء الله تعالى وصفاته بين الفرق, وهكذا أهل السنة والجماعة في الفرق.
(الشرح)
هذا العنوان ليس للمؤلف للمحقق.
قال المصنف رحمه الله تعالى:
(المتن)
وَهَكَذَا أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فِي الْفَرْقِ فَهُمْ فِي بَابِ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَآيَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَسَطٌ بَيْنَ أَهْلِ التَّعْطِيلِ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ وَآيَاتِهِ وَيُعَطِّلُونَ حَقَائِقَ مَا نَعَتَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ؛ حَتَّى يُشَبِّهُونهُ بِالْعَدَمِ وَالْمَوَاتِ وَبَيْنَ أَهْلِ التَّمْثِيلِ الَّذِينَ يَضْرِبُونَ لَهُ الْأَمْثَالَ وَيُشَبِّهُونَهُ بِالْمَخْلُوقَاتِ. فَيُؤْمِنُ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ بِمَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ وَمَا وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَلَا تَعْطِيلٍ وَمِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ وَتَمْثِيلٍ.
(الشرح)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين؛ أما بعد:
قال المؤلف رحمه الله تعالى: (وَهَكَذَا أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فِي الفرقِ فَهُمْ فِي بَابِ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَآيَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَسَطٌ بَيْنَ أَهْلِ التَّعْطِيلِ وَبَيْنَ أَهْلِ التَّمْثِيلِ).
المعنى أن هذه الأمة كما أنها وسطٌ بين أهل الملل فإن أهل السنة والجماعة وسطٌ بين الفرق, هذه الأمة المحمدية وسطٌ بين أهل الملل, كما قال سبحانه وتعالى: )وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا([البقرة/143].
فهي وسطٌ بين أهل الملل فإن النصارى غلو في المسيح عيسى ابن مريم وجعلوه إلهًا وجعلوه ابن الله, واليهود جفوا في عيسى وقالوا: إنه ولد البغي ولد الزنا والعياذ بالله, وأهل الحق هذه الأمة أهل الحق وسط فاعتقدوا أنه عبد الله ورسوله.
ليس إلهًا ولا ابن الإله كما تقول النصارى وليس ولد بغي كما تقول اليهود وإنما هو عبد الله ورسوله, خلقه الله من أنثى بلا أب لتتم القسمة الرباعية.
- فإن الله تبارك وتعالى جعل الناس بني آدم أربعة أقسام:
- قسم خلق بلا ذكر ولا أنثى وهو آدم خلقه الله من طين.
- وقسم خلق من ذكر بلا أنثى وهو حواء خلقت من ضلع آدم.
- وقسم خلق من أنثى بلا ذكر وهو عيسى.
- وقسم خلق من أنثى وذكر وهو سائر الناس.
فتمت القسمة الرباعية في خلق عيسى من أنثى بلا أب ولله الحكمة البالغة, ولكن اليهود والنصارى ضلال, فالنصارى غلوا قالوا: ابن الله, واليهود جفوا وقالوا: هو ولد بغي, وهذه الأمة توسطت فهداها الله إلى الحق فقالوا: إنه عبد الله ورسوله.
فكذلك أهل السنة والجماعة من هذه الأمة لأن هذه الأمة فرق, فرق متعددة كما قال النبي r في الحديث الصحيح: «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة وستفترق هذه الأمة على ثلاثٍ وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة قيل ما هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي».
فهذه الفرق كلها مبتدعة متوعدة بالنار اثنتان وسبعون فرقة إلا فرقة واحدة وهم أهل السنة والجماعة, وهم الطائفة المنصورة وهم أهل الحق, فهذه الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة وسطٌ بين فرق المبتدعة, فمثلاً في باب أسماء الله وآياته وصفاته أهل السنة وسطٌ بين أهل التعطيل وبين أهل التمثيل.
من هم أهل التعطيل؟.
أهل التعطيل هم الجهمية والمعتزلة والأشاعرة فالجهمية نفوا الأسماء والصفات عن الله U, قالوا: ليس بسميع ولا بصير ولا عليم ولا قدير ولا يوصف بالعلم ولا بالقدرة ولا بالسمع ولا بالبصر.
سلبوا جميع الأسماء والصفات وهذا منتج العدم معنى هذا أنه عدم, الشيء الذي ليس له اسم ولا صفه لا وجود له, لا وجود للشيء إلا بأسمائه وصفاته, ولهذا كفرهم الأئمة وكثيرٌ من أهل الحديث وأهل السنة والجماعة قالوا: إن الجهمية كفار خارجون عن الاثنتين وسبعين فرقة, وكفرهم خمسمائة عالم كما ذكر ذلك ابن القيم:
(ولقد تقلد كفرهم خمسون في عشر من العلماء في البلدان).
والمعتزلة أثبتوا الأسماء ونفوا الصفات, قالوا: عليم بلا علم سميع بلا سمع وبصير بلا بصر وقدير بلا قدرة, معناه أعلام محضة مترادفة.
والمعتزلة من العلماء من كفرهم ومن العلماء من بدعهم, والأشاعرة أثبتوا السبع الصفات ونفوا بقية الصفات وأثبتوا الأسماء, أثبتوا الأسماء وأثبتوا سبع صفات وهي الحياة والكلام والبصر والسمع والإرادة والعلم والقدرة, فهؤلاء يسمون أهل التعطيل؛ يسمون أهل التعطيل لأنهم عطلوا الله من أسمائه وصفاته وهذا إلحاد في أسماء الله وآياته.
ولهذا قال المؤلف رحمه الله,, وصف أهل التعطيل بأنهم الذين يلحدون في أسماء الله وآياته ويعطلون حقائق ما نعت الله به نفسه, ما نعت الله به نفسه من الأسماء والصفات يعطلونها, ليس بسميع ولا بصير ولا عليم ولا يوصف بالسمع ولا بالبصر حتى يشبهوه بالعدم والموات, كما سبق عند الجهمية الذين ينكرون الأسماء والصفات معناه يسألون عدم لا وجود له كالموات الذي لا وجود له, لأن كل شيء موجود لابد أن يوصف باسم أو صفة, لابد له صفة له طول وله عرض وله عمق.
فإذا قلت: هناك كرسي ليس له طول ولا عرض ولا عمق ولا لون ولا ثقل ولا خفة وليس في السماء ولا في الأرض ولا فوق ولا تحت ولا يمين ولا شمال ولا أمام ولا خلف ماذا يكون؟ هذا العدم. هكذا قال الجهمية والعياذ بالله.
وغلاة الجهمية هكذا وصفوا ربهم, ولهذا على هذا التعطيل يعبدون عدمًا, هذا التعطيل يقولون: ليس بسميع ولا بصير ولا علم ولا قدرة وليس له اسم ولا صفة ولا فوق ولا تحت ولا يمين ولا شمال ولا أمام ولا خلف ولا يوصف بأي صفة ولا بأي اسم هذا ينتج العدم.
ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (حتى يشبهوه بالعدم والموات).
(وَبَيْنَ أَهْلِ التَّمْثِيلِ الَّذِينَ يَضْرِبُونَ لَهُ الْأَمْثَالَ وَيُشَبِّهُونَهُ بِالْمَخْلُوقَاتِ).
أهل التمثيل وهم أهل التشبيه وغلاتهم من الشيعة, يثبتون الأسماء والصفات لله لكن يشبهونها بصفات المخلوقين, يقول أحدهم: لله سمعٌ كسمعي, وبصرٌ كبصري ويدٌ كيدي ورجلٌ كرجلي واستواء كاستوائي, شبهوا الله بالمخلوقات.
قالوا: لا نعلم من يتصف بهذه الصفات إلا المخلوق فالله مثل المخلوقات عندهم, وهؤلاء الحقيقة ما عبدوا الله إنما عبدوا صنم, عبدوا صنم وثن تخيلوه.
ولهذا قال العلامة ابن القيم:
من شبه الله العظيم بخلقه فهو النسيب لمشرك نصراني
يعني إن من شبه الله بخلقه فهو مشابه للنصارى حينما عبدوا عيسى وجعلوه إلهًا, فالمشبه إنما شابه النصارى في عبادتهم لعيسى من دون الله.
وقال ابن القيم رحمه الله:
لسنا نشبه وصفه بصفاتنا إن المشبه عابد الأوثان
فالمشبه يعبد وثن ما عبد الله وإنما عبد وثنًا صوره له خياله ونحته له فكره, فهو من عباد الأوثان لا من عباد الرحمن وهو مشابه للنصارى في عبادتهم لعيسى.
ولهذا قال العلامة ابن القيم:
لسنا نشبه وصفه بصفاتنا إن المشبه عابد الأوثان.
وهذا معنى قول السلف: المشبه يعبد صنمًا, والمعطل يعبد عدمًا, والموحد يعبد إلهًا واحدًا فردًا صمدًا.
وغالب المشبهة من الشيعة من غلاة الشيعة كالبيانية الذين ينسبون إلى بيان بن سمعان التميمي والسالمية الذين ينسبون إلى هشام بن سالم الجواليقي, ومن المشبهة هشام بن الحكم الرافضي.
وقال بعضهم: إن الله على صفة الإنسان, فإذًا أهل التشبيه غلوا في الإثبات وأهل التعطيل غلوا في التنزيه, وأهل السنة والجماعة وسط بين أهل التعطيل وبين أهل التشبيه.
أهل التعطيل معهم حق ومعهم باطل وأهل التشبيه معهم حق ومعهم باطل, فأهل السنة أخذوا الحق الذي مع أهل التعطيل وأخذوا الحق الذي مع أهل التمثيل ونفوا الباطل الذي مع هؤلاء ونفوا الباطل الذي مع هؤلاء.
أهل التعطيل عندهم حق وهو التنزيه تنزيه الله عن مشابهة الخلق, ولكن عندهم باطل وهو الزيادة في هذا التشبيه حتى وصلوا إلى نفي الصفات, وأهل التمثيل عندهم حق وهو إثبات الصفات, وعندهم باطل وهو الغلو في هذا الإثبات حتى شبهوا الله بالمخلوقات.
فأخذوا الحق الذي مع المشبهة هو الإثبات وأخذوا الحق مع المعطلة وهو التنزيه فخرج الحق وهو مذهب أهل السنة والجماعة لبنًا خالصًا سائغًا للشاربين بين فرث التعطيل ودم التشبيه.
فإذًا أهل السنة وسط بين المشبهة الممثلة وبين المعطلة, ولهذا قال المؤلف رحمه الله مبين مذهب أهل السنة:
(فَيُؤْمِنُ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ بِمَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ وَمَا وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَلَا تَعْطِيلٍ وَمِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ وَتَمْثِيلٍ).
من غير تحريف فلا يحرفون الكلم عن مواضعه ولا يقولون: إن صفات الله معناها كذا, أو تشبه كذا, أو لا يتصف بها ولا تعطيل فلا يعطلون الصفة, ومن غير تكييف فلا يقولون: إن صفة الله لها كيفية كيفيتها كذا, ولا تمثيل فلا يمثلونها بصفات المخلوق, بل يثبتون الأسماء والصفات وينفون التعطيل والتمثيل.
(المتن)
وَهُمْ فِي بَابِ خَلْقِهِ وَأَمْرِهِ وَسَطٌ بَيْنَ الْمُكَذِّبِينَ بِقُدْرَةِ اللَّهِ؛ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِقُدْرَتِهِ الْكَامِلَةِ وَمَشِيئَتِهِ الشَّامِلَةِ وَخَلْقِهِ لِكُلِّ شَيْءٍ؛ وَبَيْنَ الْمُفْسِدِينَ لِدِينِ اللَّهِ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ الْعَبْدَ لَيْسَ لَهُ مَشِيئَةٌ وَلَا قُدْرَةٌ وَلَا عَمَلٌ. فَيُعَطِّلُونَ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ وَالثَّوَابَ وَالْعِقَابَ فَيَصِيرُونَ بِمَنْزِلَةِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ قَالُوا: (لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ)[الأنعام/148].
فَيُؤْمِنُ أَهْلُ السُّنَّةِ بِأَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. فَيَقْدِرُ أَنْ يَهْدِيَ الْعِبَادَ وَيُقَلِّبَ قُلُوبَهُمْ وَأَنَّهُ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، فَلَا يَكُونُ فِي مُلْكِهِ مَا لَا يُرِيدُ وَلَا يَعْجِزُ عَنْ إنفاذ مُرَادِهِ وَأَنَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ الْأَعْيَانِ وَالصِّفَاتِ وَالْحَرَكَاتِ.
(الشرح)
كما أن أهل السنة وسط في باب أسماء الله وصفاته بين المعطلة وبين الممثلة فهم أيضاً وسط في باب خلق الله وأمره, وسطٌ بين المكذبين بقدرة الله الذين لا يؤمنون بقدرته الكاملة ومشيئته الشاملة وخلقه لكل شيء.
فهؤلاء هم القدرية فالقدرية يكذبون بقدرة الله الكاملة ومشيئته الشاملة، وخلقه لكل شيء، فيقولون: إن الله لا يقدر على كل شيء, وإنما هناك شيء لا يقدر عليه الله وهي أفعال العباد.
ولا يقولون بمشيئة الله الشاملة، فيقولون: إن الله شاء كل شيء إلا أفعال العباد لم يشأها، وكذلك لا يقولون بعموم الخلق لله فيقولون: إن الله خالق كل شيء إلا أفعال العباد فلم يخلقها.
فهم يكذبون بقدرة الله فهم لا يؤمنون بقدرته الكاملة ومشيئته الشاملة وخلقه لكل شيء، فلا يقولون: إن الله على كل شيء قدير، وإنما يقولون: إنه على ما يشاء قدير.
ولا يقولون: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، بل يقولون: هناك شيء ما شاءه الله, هناك شيء يكون ولم يشأه الله وهي أفعال العباد.
ولا يقولون الله خالق كل شيء بل يقولون: هناك شيء لم يخلقه الله وهي أفعال العباد, فإذًا ليس عندهم الله على كل شيء قدير, لا يقولون: الله على كل شيء قدير, يخالفون المسلمين, المسلمون يقولون: الله على كل شيء قدير.
والقدرية يقولون: لا، الله على ما يشاء قدير، والمسلمون يقولون: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
والقدرية لا يقولون: ما شاء الله كان، بل يقولون: هناك شيء يكون ولا يشاؤه الله ولا يكون؛ لأنهم يقولون: إن أفعال العباد من خير وشر وطاعة ومعصية لا تعلق لها بمشيئة الله وقدرته.
ما هي صفاتهم في ذلك؟.
يقولون: لو قلنا: إن الله خلق المعصية وخلق الكفر وعذب عليها لصار ظالماً، والله عادل لا يجور, قالوا: لو قلنا إن الله خلق المعصية خلق الكفر وعذب عليها لصار ظالمًا لذلك قالوا: ما خلقها الله ولا شاءها الكفر والمعاصي ما شاءها الله وإنما العباد هم الذين شاءوها وخلقوها وأوجدوها مستقلين.
وكذلك الطاعات والإيمان ما خلقها الله عندهم، بل الإنسان هو الذي خلقها وشاءها وبنوا على هذا أنه يجب على الله أن يثيب المطيع، ويجب على الله أن يعاقب العاصي، وليس له أن يعفو عنه.
يوجبون على الله هكذا؛ لأن العبد هو الذي كسب الطاعة فيجب على الله أن يثيبه، وهو يستحق على الله الثواب والأجر كما يستحق الأجير أجرته.
وأما العاصي فيجب على الله أن يعذبه وليس له أن يعفو عنه، ولا أن يغفر له؛ لأن الله توعده، والله لا يخلف الميعاد.
أهل السنة أجابوا ردوا عليهم وقالوا: أنتم فررتم من شيء فوقعتم في شر منه, أنتم فررتم من القول بأنه خلق المعاصي وعذب عليها، لكن وقعتم في شر منه وهو أنه يقع عندكم في ملك الله ما لا يريده.
الله لا يريد المعاصي وتقع بزعمكم, وهل يقع في ملك الله ما لا يريد؟!.
وكذلك أيضًا يلزم على مذهبكم أن مشيئة العبد تغلب مشيئة الله؛ لأن الله يشاء الطاعة من العبد والعبد يشاء المعصية فتقع مشيئة العبد ولا تقع مشيئة الله، فتغلب مشيئة العبد مشيئة الله وهذا من أعظم الفساد.
كذلك أيضًا يكون في الوجود شيء ما خلقه الله, وهي أفعال العباد, هذه كلها محاذير لا تستطيعوا أن تنفكوا عنها.
أما القول بأن الله خلق المعاصي فهذا ليس فيه إشكال؛ لأن الله سبحانه وتعالى إنما خلق المعاصي والكفر لحكمة بالغة، فهو أراد وجود الكفر والمعاصي أرادها لما يترتب عليها من الحكم من الحكم الكثيرة, فهي مبنية على الحكمة, والذي ينسب إلى الله إنما هو الخلق والإيجاد، وهو مبني على الحكمة.
فلا تكون شراً بالنسبة إلى الله؛ لأن الذي ينسب إلى الله الخلق والخلق مبني على الحكمة وإنما تكون شراً بالنسبة إلى العبد الذي باشر المعصية والكفر، فهي ضرته وساءته وعوقب عليها, لكن الله لا ينسب إليه الشر, ولا تُنسب إليه المعاصي لأنه إنما خلقها لحكمة, فتكون خلقها خيرًا بالنسبة إلى الله لأنها مبنية على الحكمة وهذا هو معنى قول النبي r في الحديث: «والشر ليس إليك» أي الشر المحض الذي لا حكمة في إيجاده وتقديره هذا لا يوجد.
ومن الحكم في أن الله تعالى خلق المعاصي والكفر, ومن الحكم في ذلك ظهور قدرة الله على الخلق المتضادات, فخلق الكفر يخالف خلق الإيمان, وخلق الطاعة يخالف خلق المعصية, فهذا فيه ظهور قدرة الله على الخلق المتضادات.
ومن الحكم أنه يترتب على خلق المعاصي والكفر عبوديات متنوعة، فلولا خلق المعاصي ما وجدت, من هذه العبوديات عبودية الجهاد في سبيل الله, فلو لم يخلق الله الكفر والمعاصي أين عبودية الجهاد في سبيل الله؟ نجاهد من؟!.
عبودية الدعوة إلى الله، وعبودية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعبودية الولاء والبراء، وعبودية الحب في الله والبغض في الله، وعبودية التوبة التي تكون حال المرء أحسن يتوب من من إن لم تكن هناك معاصي, أين عبودية التوبة؟ أين عبودية الجهاد في سبيل الله؟ أين عبودية الولاء والبراء؟ أين عبودية الحب في الله والبغض في الله؟.
فالله تعالى أراد خلقها لما يترتب عليها من الحكم فصارت بالنسبة إلى الله خيراً وأحسن، وهذا هو معنى قول النبي r: «والشر ليس إليك» يعني الشر المحض الذي لا حكمه في إيجاده وتقديره لا يوجد, ما يوجد في الوجود شر محض أبدًا, جميع الشرور الموجودة نسبية, فهي شرور بالنسبة للمخلوق الذي ساءته, أما بالنسبة إلى الله فهي خير ورحمة؛ لأنها مبنية على الحكمة.
فالقدرية من أجهل الناس ولهذا قالوا: إن الله تعالى ما خلق أفعال العباد ولا أرادها ولا شاءها, يقابلهم الجبرية, عندك (وَبَيْنَ الْمُفْسِدِينَ لِدِينِ اللَّهِ) هكذا عندكم في النسخ؟.
فالأصل أن يقال: وسطٌ بين الجبرية وبين القدرية, يعني المفسدين لدين الله هم الجبرية, فهم وسطٌ بين القدرية وبين الجبرية, القدرة الذين هم نفاة القدرة, والجبرية الغلاة, وهم في الحقيقة مفسدون لدين الله.
الجبرية الذين يقولون: إن العبد مجبور على أفعاله وليس له مشيئة ولا قدرة ولا عمل، والأفعال أفعال الله, الجبرية يقولون: العبد ليس له مشيئة ولا قدرة ولا إرادة, بل أفعاله كلها اضطرارية بمنزلة حركة المرتعش وحركة النائم, وبمنزلة هبوب الرياح للأشجار.
فيقولون: إن الأفعال هي أفعال الله فالله هو المصلي والصائم, والعباد وعاء للأفعال تمر عليهم مروراً، كالكوب الذي يصب فيه الماء, فيقولون: إن العباد كالكوب والله كصباب الماء فيه، فصب فيهم صبًا الأفعال وهي أفعال الله.
والعباد مجبورون على أفعالهم هكذا يقول الجبرية على طرفي نقيض هم والقدرية, القدرية يقولون: العباد هم الذين خلقوا أفعالهم من طاعات ومعاصي والله لا يقدر على خلقها.
وهؤلاء قالوا: الأفعال أفعال الله كلها وليس له اختيار ولا اضطرار, وليس له اختيار بل كل الأفعال اضطرارية, ليس هناك فرقٌ بين حركة المرتعش وحركة المختار وهذا من أبطل الباطل, هذا تناقض حسي الإنسان يستطيع القيام والقعود والحركة والمجيء غير حركة المرتعش حركة النائم.
فكان نتيجة لهذا المذهب الفاسد أنهم أفسدوا دين الله، فعطلوا الأمر والنهي، والثواب والعقاب، على مذهب الجبرية مع قوله تعالى: )وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ([البقرة/43] لا فائدة فيه.
)وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا( [الإسراء/32] لا فائدة فيه العبد مجبور, فيعذرون فيقولون: من ترك الصلاة فهو معذور؛ لأنه مجبور لأن الأفعال أفعال الله والزاني معذور.
وعلى ذلك تبطل الشرائع وتبطل الأوامر والنواهي، فيلزم من مذهب الجبرية إبطال الشرائع وإبطال الأوامر والنواهي, تكون الشرائع عبث والأوامر والنواهي عبث والرسل عبث والكتب عبث تعالى الله عما يقولون.
فمذهب الجبرية أفسد من مذهب القدرية وأقبح، فالقدرية وإن كانوا يقولون: إن الإنسان يخلق فعله إلا أنهم يعظمون الشرائع والأوامر والنواهي، وأما هؤلاء فهم يبطلون الشرائع، ويقول أحدهم: أنا إن عصيت أمره الديني الشرعي فقد وافقت أمره الكوني القدري.
ويقول أحدهم معترضاً على الله ساباً له واعتراضًا عليه لأنه يكلف العبد وهو مجبور على أفعاله:
ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء.
يقولون: مثل الله حينما يأمر العبد بالأوامر والنواهي وهو يقدر عليه غير ذلك مثل شخص يأتي بإنسان موثق مربوط ويلقيه في البحر ويقول له: لا يصبك البلل, هل له اختيار؟ يلقى وهو مكتوف مربط ويلقى في البحر ويقال: لا يصيبك البلل.
فكذلك الرب حينما يكلف العباد وهم مجبورون على أفعالهم بمنزلة من يلقى في اليم في البحر وهو مكتوف وهو مكتف موثق, تعالى الله عما يقولون.
(فَيُعَطِّلُونَ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ وَالثَّوَابَ وَالْعِقَابَ).
فيقولون: إن الثواب والعقاب ليس على الأعمال، ويقولون: إن الرب سبحانه وتعالى إنما ينعم أهل الجنة بمجرد المشيئة والقدرة من دون سبب ولا عمل، الأعمال ليست سببًا في دخول الجنة, العمل الصالح ليست سبباً في دخول الجنة.
والشرك والمعاصي ليست سبباً في دخول النار, بل الرب يدخل هؤلاء الجنة بمحض المشيئة بمجرد المشيئة من دون عمل ولا سبب ويدخل هؤلاء النار بمحض المشيئة من دون عمل ولا سب.
ويقولون: إن المشيئة الإلهية تخبط خبط عشواء, فتجمع بين المتفرقات وتفرق بين المتماثلات, تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.
ورئيسهم الجهم بن صفوان، الجهم بن صفوان يتزعم الجبرية ويتزعم نفاة الصفات, فاشتهر الجهم بن صفوان بأربع عقائد:
العقيدة الأولى: عقيدة نفي الصفات، أنكر الأسماء والصفات, ويتزعم الجبرية فيقول: العبد مجبور على أفعاله.
والعقيدة الثانية: عقيدة الإرجاء فيقول: إن الأعمال ليست داخلة في مسمى الإيمان, وأن الإنسان إذا عرف ربه بقلبه فهو مؤمن ولا يضره لو فعل جميع الكبائر والمنكرات ونواقض الإسلام لا تضره حتى يجهل ربه بقلبه.
والعقيدة الرابعة: قوله: إن الجنة والنار تفنيان يوم القيامة.
هذه عقائد أربع خبيثة اشتهر بها الجهم.
(فَيُعَطِّلُونَ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ وَالثَّوَابَ وَالْعِقَابَ فَيَصِيرُونَ بِمَنْزِلَةِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ قَالُوا: (لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ)[الأنعام/148].).
(...) وأما أهل السنة والجماعة فهداهم الله للحق فكانوا وسطاً بين القدرية وبين الجبرية، فلم يقولوا بقول الجبرية: إن العبد مجبور على أفعاله، وإنه ليس له قدرة ولا اختيار، قالوا: لا العبد له قدرة وله اختيار، ولكن الله سبحانه وتعالى خلق العبد وخلق قدرته وإرادته فجعله مريداً مختاراً يفعل بقدرته وإرادته واختياره .
ولا يقولون: إن العباد هم خالقون لأفعالهم، بل يقولون: إن الله خلق العبد وخلق قدرته وإرادته واختياره، وهو الذي باشر الأعمال بكسبه واختياره وإرادته والله خلق العباد وخلق قدرتهم وإرادتهم.
وهم مختارون يستطيع الإنسان أن يفعل ويترك, فالأفعال هي من الله تقديراً وخلقاً وإيجاداً، الطاعات والمعاصي والأفعال من الله خلقًا وإيجادًا وتقديرًا ومن العباد فعلاً وتسببًا وكسبًا ومباشرة, هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة.
(فَيُؤْمِنُ أَهْلُ السُّنَّةِ بِأَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
خلافاً للقدرية الذين لا يقولون: إن الله على كل شيء قدير، بل يقولون: على ما يشاء قدير، وأما الذي لا يشاؤه من أفعال العباد فلا يقدر عليه, وأهل السنة يقولون: إن الله على كل شيء قدير.
(فَيَقْدِرُ أَنْ يَهْدِيَ الْعِبَادَ وَيُقَلِّبَ قُلُوبَهُمْ) ولله تعالى نعمة الهُدى على المؤمن خصه بها, فهو يهدي من يشاء ويضل من يشاء كما قال تعالى: )وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ([الأنعام/110] .
وقال سبحانه: )فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ([الصف/5] .
(وَأَنَّهُ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ) هذا قول أهل السنة والجماعة قول الحق, الجبرية يعني القدرية ما يقولون ما شاء الله كان بل القدرية يقولون: يشاء الله شيئًا ولا يكون وهي أفعال العباد, ويكون شيئًا لا يشاءه الله وهي أفعال العباد.
(فَلَا يَكُونُ فِي مُلْكِهِ مَا لَا يُرِيدُ) كما يقولوه القدرية يقولون: يكون في ملكه ما لا يريد وهي أفعال العباد.
(وَلَا يَعْجِزُ عَنْ إنفاذ مُرَادِهِ وَأَنَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) خالق العباد وأفعالهم وذواتهم وصفاتهم.
(مِنْ الْأَعْيَانِ وَالصِّفَاتِ وَالْحَرَكَاتِ) فالله خالق كل شيء من الأعيان من الذوات يعني, والصفات صفات الإنسان وغيرها, والحركات كلها خلقها الله.
(المتن)
وَيُؤْمِنُونَ أَنَّ الْعَبْدَ لَهُ قُدْرَةٌ وَمَشِيئَةٌ وَعَمَلٌ وَأَنَّهُ مُخْتَارٌ وَلَا يُسَمُّونَهُ مَجْبُورًا؛ إذْ الْمَجْبُورُ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى خِلَافِ اخْتِيَارِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَ الْعَبْدَ مُخْتَارًا لِمَا يَفْعَلُهُ فَهُوَ مُخْتَارٌ مُرِيدٌ وَاَللَّهُ خَالِقُهُ وَخَالِقُ اخْتِيَارِهِ وَهَذَا لَيْسَ لَهُ نَظِيرٌ. فَإِنَّ اللَّهَ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ لَا فِي ذَاتِهِ وَلَا فِي صِفَاتِهِ وَلَا فِي أَفْعَالِهِ.
(الشرح)
نعم يؤمن أهل السنة بأن العبد له قدرة ومشيئة وعمل, له قدرة خلقها الله, خلق الله العبد خلقه له قدرة وإرادة ومشيئة وعمل, ولكن الله خالقه وخالق قدرته ومشيئته, أعطاه الله القدرة والإرادة فهو يفعل باختياره.
ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (وَيُؤْمِنُونَ أَنَّ الْعَبْدَ لَهُ قُدْرَةٌ وَمَشِيئَةٌ وَعَمَلٌ وَأَنَّهُ مُخْتَارٌ) والإنسان يحس بهذا من نفسه أنت أحيانًا تكون في البيت تستطيع أن تأتي إلى الدرس وتستطيع أن تجلس ما أحد يمنعك مختار فكيف يقال إن العبد مجبور.
(وَلَا يُسَمُّونَهُ مَجْبُورًا؛ إذْ الْمَجْبُورُ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى خِلَافِ اخْتِيَارِهِ) والعبد ليس مكره على خلاف اختياره.
(وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وتعالى جَعَلَ الْعَبْدَ مُخْتَارًا لِمَا يَفْعَلُهُ فَهُوَ) يعني العبد (فَهُوَ مُخْتَارٌ مُرِيدٌ وَاَللَّهُ خَالِقُهُ وَخَالِقُ اخْتِيَارِهِ).
والعبد له مشيئة ومشيئته تابعة لمشيئة الله كما قال الله تعالى: )وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (29)([التكوير/29] .
)وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (30)( [الإنسان/30] .
(وَهَذَا لَيْسَ لَهُ نَظِيرٌ) كيف يقال هذا ليس له نظير؟ لا, العبارة فيها والأقرب والله ليس له نظير.
(فالله ليس له نظير فَإِنَّ اللَّهَ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ لَا فِي ذَاتِهِ وَلَا فِي صِفَاتِهِ وَلَا فِي أَفْعَالِهِ) المراد الله والله ليس له نظير, فإن الله ليس كمثله شيء يعني كما يقول القدرية,, فمذهب أهل السنة وسط بين القدرية وبين الجبرية, والله ليس له نظير فإن الله ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله, كل النسخ هكذا عندكم؟ الجملة الأولى مجملة وما بعدها تفصيل لها.
السائل: والله خالقه وخالق اختياره؟.
الشيخ: لا العكس.
السائل: هذا ليس له نظير (..) .
الشيخ: ماذا يكون معناها؟ تعود إلى الجملة ما يظهر المعنى.
السائل: الله خالقه وخالق اختياره وهذا ليس له نظير.
الشيخ: ليس له نظير أي خلقه وخلق اختياره إيش يكون المعنى؟ هي الجملة الأولى إيش تفهم أنت؟.
الطالب: (..).
الشيخ: إذًا رجعت إلى والله ليس نظير, لعل الأصل والله ليس له نظير ثم جاء تفصليها, فقال: فإن الله, هذا بيان لقوله ليس لها نظير, فإن الله ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله, يعني قصده الرد على من؟ الرد على القدرية الذين يجعلون له نظيرًا وهو العكس فهو يطبقه على نفسه يعني شبهوا الله بالخلق.
الله خالقه وخالق اختياره وهذا ليس له نظير, يصير المعنى والعبد ليس له نظير وهذا ما يستقيم, مختار ومريد تعود إلى العبد.
السائل: (..)؟.
الشيخ: لا, له اختيار, الثقلين وغير الثقلين, والحيوانات لها اختيار والطيور لها اختيار وإرادة ما هو (..).
المعنى أن الله ليس له نظير ثم فصل هذه الجملة فقال: فإن الله ليس كمثله شيء, هذا بعد قوله: ليس له نظير, فإن الله ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله, فالله لا يشارك المخلوق في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله.
(المتن)
وَهُمْ فِي بَابِ الْأَسْمَاءِ وَالْأَحْكَامِ وَالْوَعْدِ والْوَعِيدِ وَسَطٌ بَيْنَ الوعيدية؛ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ أَهْلَ الْكَبَائِرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مُخَلَّدِينَ فِي النَّارِ وَيُخْرِجُونَهُمْ مِنْ الْإِيمَانِ بِالْكُلِّيَّةِ وَيُكَذِّبُونَ بِشَفَاعَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَبَيْنَ الْمُرْجِئَةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إيمَانُ الْفُسَّاقِ مِثْلُ إيمَانِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ لَيْسَتْ مِنْ الدِّينِ وَالْإِيمَانِ. وَيُكَذِّبُونَ بِالْوَعِيدِ وَالْعِقَابِ بِالْكُلِّيَّةِ.
فَيُؤْمِنُ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ بِأَنَّ فُسَّاقَ الْمُسْلِمِينَ مَعَهُمْ بَعْضُ الْإِيمَانِ وَأَصْلُهُ وَلَيْسَ مَعَهُمْ جَمِيعُ الْإِيمَانِ الْوَاجِبِ الَّذِي يَسْتَوْجِبُونَ بِهِ الْجَنَّةَ وَأَنَّهُمْ لَا يُخَلَّدُونَ فِي النَّارِ. بَلْ يَخْرُجُ مِنْهَا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ إيمَانٍ أَوْ مِثْقَالُ خَرْدَلَةٍ مِنْ إيمَانٍ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ادَّخَرَ شَفَاعَتَهُ لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِهِ.
(الشرح)
نعم وأهل السنة وسط في باب الأسماء والأحكام والوعد والوعيد, بين الوعيدية وبين المرجئة, فأهل السنة والجماعة وسط في باب الصفات بين أهل التعطيل وبين أهل التمثيل.
وفي باب خلق الله وأمره وسط بين القدرية وبين الجبرية، وفي باب الأسماء والأحكام والوعد والوعيد وسط بين الوعيدية وبين المرجئة.
والأسماء يعني تسمية الإنسان هذا يسمى فاسد, هذا يسمى كافراً أو مؤمناً أو يسمى فاسقاً, هذه الأسماء.
والأحكام ماذا يحكم على العاصي؟ يحكم على مرتكب الكبيرة؟ هل يحكم عليه بأنه في النار أو في الجنة؟ أو متوعد بالنار؟ هذا يسمى الأسماء والأحكام والوعيد.
في باب الأسماء والأحكام والوعد والوعيد وسطٌ بين الوعيدية وبين المرجئة, الوعيدية هم الخوارج والمعتزلة، وسموا وعيدية لأنهم يقولون بوجوب إنفاذ الوعيد على الله، فالخوارج والمعتزلة يرون أن مرتكب الكبيرة يخرج من الإيمان ولا يبقى معه شيء من الإيمان.
فإذا زنى الواحد كفر عند الخوارج خرج من الإيمان ودخل في الكفر، والعاق لوالديه يكفر عند الخوارج، ومن أكل الرشوة كفر فكل من ارتكب كبيرة يكفر, ومن تعامل بالربا كفر عندهم, وفي الآخرة مخلد في النار, هذا مذهب الخوارج يكفرون المسلمين بالمعاصي.
فالزاني كافر ومخلد في النار والمرابي كافر ومخلد في النار, والعالق لوالديه كافر ومخلد في النار, وهكذا جميع العصاة من أكل الرشوة كافر مخلد في النار.
والمعتزلة قالوا: خرج من الإيمان ولا يدخل في الكفر, الزاني عند المعتزلة خرج من الإيمان ولا يدخل في الكفر.
ماذا يكون؟.
قالوا: يكون في منزلة بين المنزلتين: بين الإيمان وبين الكفر، فهو لا مؤمن ولا كافر, نسميه فاسد خرج من الإيمان ولم يدخل في الكفر, وفي الآخرة مخلد في النار كالخوارج, بس الخلاف بينهم في الدنيا.
الخوارج يقولون: الزاني خرج من الإيمان ودخل في الكفر.
والمعتزلة يقولون: خرج من الإيمان ولم يدخل في الكفر، بل يكون في منزلة بين المنزلتين.
الخوارج يقولون: نسميه كافراً، والمعتزلة يقولون: نسميه فاسقاً لا مؤمن ولا كافر، وفي النار في الآخرة يتفقون على تخليده في النار هذا مذهب الوعيدية يسمونه الوعيدية.
وأبطلوا النصوص التي فيها الشفاعة للعصاة وأنهم يخرجون من النار مع أنها متواترة كلها أنكروها.
صاح عليهم أهل السنة وبدعوهم وضللوهم, تواترت الأخبار عن النبي r بأنه يشفع لأهل الكبائر وأنهم يخرجون من النار، قالوا: لا, ما في شفاعة، العاصي كالكافر سواء بسواء مخلد في النار.
وأبطلوا النصوص التي فيها أن العصاة يخرجون من النار.
قابلهم المرجئة, المرجئة قالوا: إذا فعل المعصية والكبائر لا يتأثر إيمانه مؤمن كامل الإيمان, إيمان أفسق الناس وأطوع الناس سواء, إيمان جبريل وميكائيل وإيمان الفاسق السكير العربيد سواء, إيمان أبي بكر وعمر كإيمان الفاسق هكذا يقولون ولا يتأثر إيمانه.
- والمرجئة طائفتان:
الطائفة الأولى: الغلاة يقولون: إن الإيمان لا يتأثر بالمعاصي، وهو مؤمن كامل الإيمان ولا تضره أي معصية حتى لو ارتكب جميع نواقض الإسلام، إذا عرف ربه والإيمان هو معرفة الرب بالقلب, إذا عرف ربه بقلبه فهو مؤمن ولو فعل جميع نواقض الإسلام.
ولو سب الله أو سب الرسول وقتل الأنبياء وهدم المساجد وفعل جميع المنكرات فلا يكفر، ولا يكفر حتى يجهل ربه بقلبه، وهو مؤمن كامل الإيمان وفي الآخرة من أهل الجنة. هذا هو مذهب المرجئة الغلاة ورئيسهم الجهم بن صفوان.
الطائفة الثانية: يسمون مرجئة الفقهاء، وهم طائفة من أهل السنة، وهم أبو حنيفة وأصحابه وأهل الكوفة، يقولون: إن الإيمان هو التصديق بالقلب، والناس يتساوون في الإيمان، والتفاضل بينهم إنما هو في الأعمال.
يقول: صحيح الناس تتساوى في الإيمان ولكن الأعمال مطلوبة, لا يقولون كالمرجئة المحضة أن الأعمال ليست مطلوبة, يقولون: الأعمال مطلوبة والعاصي عاصي يستحق الوعيد ويقام عليه الحد، وهو متوعد في الآخرة بالنار ويدخل النار (..) من الكبائر, لكن يقولون: الإيمان هو التصديق والأعمال ليست من الإيمان, والتفاضل بين الناس في الأعمال لا في الإيمان هؤلاء يسمون مرجئة الفقهاء.
وأهل السنة وسط بين هؤلاء وبين هؤلاء بين المرجئة وبين الخوارج، فلا يقولون بقول الخوارج: إن العاصي يكفر ويخلد في النار، ولا يقولون كالمرجئة: إن العاصي لا تضره المعاصي ولا تؤثر في الإيمان.
بل يقولون: لا, العاصي ضعيف الإيمان وناقص الإيمان, لكن لا يخرج من الملة لا يكفر بالمعصية, لا يكفر إلا إذا فعل الكفر, ولو عظمت المعاصي, الزاني فاسق ضعيف الإيمان, المرابي فاسق ضعيف الإيمان, لكن لا يكفر, ويقولون: إذا دخل النار فإنه لا يخلد, ما دام معه شيء من الإيمان لا يخلد, لا يخلد إلا الكفرة, هذا مذهب أهل السنة والجماعة.
ويقولون: إن العاصي كالزاني والسارق وشارب الخمر والعاق لوالديه وقاطع الرحم هذا ضعيف الإيمان، لا يعطونه الإيمان المطلق ولا يسلبون عنه وصف الإيمان, فلا يقولون هو مؤمن بإطلاق ولا يقولون ليس بمؤمن بإطلاق, لابد من القيد في النفي وفي الإثبات.
يقولون: إذا قلت عند أهل السنة الزاني والسارق مؤمن يكون أخطأت وإذا قلت ليس بمؤمن أخطأت, إذًا ماذا أقول؟ قيد في النفي والإثبات.
في الإثبات أقول: هو مؤمن ناقص الإيمان، مؤمن ضعيف الإيمان, مؤمن بإيمانه فساق بكبيرته, هذا في الإثبات.
في النفي لا تقول: ليس بمؤمن إذا قلت ليس بمؤمن وافقت الخوارج, تقول: ليس بصادق الإيمان، وليس بمؤمن حقاً، وفي الآخرة على خطر قد يعفى عنه وقد يعذب, قد تصيبه أهوال وشدائد يوم القيامة قد يعذب في قبره قد يشفع فيه ولا يدخل النار, قد يدخل النار وقد يدخل النار أهل الكبائر ولكن يعذبون على حسب جرائمهم يطهرون ويخرجون بشفاعة الشافعين نبينا صلى الله عليه وسلم يشفع أربع شفاعات وسائر الأنبياء يشفعون، والأفراد يشفعون, والملائكة يشفعون، والصاحون يشفعون وتبقى بقية لا تنالهم الشفاعة فيخرجهم رب العالمين برحمته، فإذا خرجوا تكامل خروج عصاة الموحدين أطبقت النار على الكفرة بجميع أصنافهم، فلا يخرجون منها أبد الآباد نعوذ بالله.
هذا هو معنى قول المؤلف رحمه الله: (وَهُمْ) أي: أهل السنة والجماعة (فِي بَابِ الْأَسْمَاءِ وَالْأَحْكَامِ وَالْوَعْدِ الْوَعِيدِ وَسَطٌ بَيْنَ الوعيدية) أي: الخوارج والمعتزلة.
(الَّذِينَ يَجْعَلُونَ أَهْلَ الْكَبَائِرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مُخَلَّدِينَ فِي النَّارِ وَيُخْرِجُونَهُمْ مِنْ الْإِيمَانِ بِالْكُلِّيَّةِ).
يقولون: خرج من الإيمان لكن الخوارج يقولون: دخل في الكفر, والمعتزلة قالوا: في منزلة بين المنزلتين.
(وَيُكَذِّبُونَ بِشَفَاعَةِ النَّبِيِّ r) يقولون: ما في شفاعة يبطلون الشفاعة.
(وَبَيْنَ الْمُرْجِئَةِ) يعني وسط بين الوعيدية وبين المرجئة الذين يقولون: إيمان الفساق مثل إيمان الأنبياء، هذا قول المرجئة, يقولون: وإيمان أهل السماء وأهل الأرض واحد ما في تفاضل بينهم، التفاضل في الأعمال إيمان الفساق مثل إيمان الأنبياء, والأعمال الصالحة ليست من الدين والإيمان, لكنها واجبٌ آخر عند مرجئة الفقهاء, أبو حنيفة وأصحابه يقولون: الصلاة والصوم والزكاة مطلوبة, لكن ما نسيمها إيمان نسميها عمل, الإنسان عليه واجب الإيمان وواجب الأعمال, واجبان واجب الإيمان وواجب العمل.
وأهل السنة يقولون: هي كلا الأعمال مطلوبة وهي من الإيمان والمرجئة يقولون: مطلوبة وليست من الإيمان.
شيء آخر: لا محالة ويكذبون بالوعيد والعقاب بالكلية هذا المرجئة اللي يكذبون بالوعيد والعقاب بالكلية هذه المرجئة المحضة الجهمية يكذبون بالوعيد والعقاب بالكلية ما في وعيد ولا عقاب.
(فَيُؤْمِنُ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ بِأَنَّ فُسَّاقَ الْمُسْلِمِينَ مَعَهُمْ بَعْضُ الْإِيمَانِ وَأَصْلُهُ) هذا معتقد أهل السنة والجماعة فاسق من المسلمين معه بعض الإيمان وأصله أصل الإيمان موجود لا يكفر.
(وَلَيْسَ مَعَهُمْ جَمِيعُ الْإِيمَانِ الْوَاجِبِ الَّذِي يَسْتَوْجِبُونَ بِهِ الْجَنَّةَ) الفاسق ليس معه الإيمان الكامل الواجب يعني الإيمان الكامل الذي يستوجب به دخول الجنة ما يستوجب دخول الجنة بل يستوجب دخول النار فمات على الزنا أو على السرقة أو على الخمر ولم يحقق التوبة يستوجب دخول النار لكن قد يعفو الله عنه وقد يُعذب ثم يُخرج إلى الجنة بخلاف المؤمن المطيع فإن إيمانه يستوجب دخول الجنة فيدخل الجنة من أول وهلة فضلًا من الله سبحانه وتعالى أما العاصي ومرتكب الكبيرة لا يستوجب دخول الجنة بل يستوجب دخول النار لكنه قد يُدخل النار ثم يخرج منها إلى الجنة.
(وَأَنَّهُمْ لَا يُخَلَّدُونَ فِي النَّارِ) إذا دخلوا النار لا يخلدون فيها خلافًا للخوارج والمعتزلة.
(بَلْ يَخْرُجُ مِنْهَا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ إيمَانٍ أَوْ مِثْقَالُ خَرْدَلَةٍ مِنْ إيمَانٍ) وهي الحبة الصغيرة والمعاصي لا تقضي على الإيمان ولو كثرت ولو عظمت لابد يبقى شيء من الإيمان حتى ولو كان في رأسه متى ينتهي الإيمان؟ إذا وُجد الكفر الأكبر أو النفاق الأكبر أو الشرك الأكبر انتهى الإيمان وأما إذا سلم الإنسان من الكفر الأكبر والشرك الأكبر والنفاق الأكبر فلابد أن يبقى معه شيءٌ من الإيمان ولو زادت المعاصي ولو كثرت حتى إن العصاة قد تكثر المعاصي حتى لا يبقى من الإيمان إلا مثقال حبة خردل من إيمان فيخرج بها من النار بهذا الإيمان يخرج من النار ويبقى مثقال حبة خردلة صغيرة لكن ما ينتهي الإيمان بالمعاصي متى ينتهي؟ ينتهي بالكفر الكفر الأكبر أو النفاق الأكبر أو الشرك الأكبر.
(بَلْ يَخْرُجُ مِنْهَا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ إيمَانٍ أَوْ مِثْقَالُ خَرْدَلَةٍ مِنْ إيمَانٍ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ادَّخَرَ شَفَاعَتَهُ لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِهِ).
- أهل الكبائر يُشفع لهم أربع مرات:
- يشفع لهم بقية الأنبياء.
- يشفع لهم الملائكة.
- يشفع لهم المؤمنون والأفراد.
- وتبقى بقية لا تنالهم الشفاعة فيتداركهم رب العالمين برحمته.
(المتن)
(وَهُمْ أَيْضًا فِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَضِيَ عَنْهُمْ وَسَطٌ بَيْنَ الْغَالِيَةِ الَّذِينَ يُغَالُونَ فِي عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَيُفَضِّلُونَهُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ الْإِمَامُ الْمَعْصُومُ دُونَهُمَا وَأَنَّ الصَّحَابَةَ ظَلَمُوا وَفَسَقُوا، وَكَفَّرُوا الْأُمَّةَ بَعْدَهُمْ كَذَلِكَ وَرُبَّمَا جَعَلُوهُ نَبِيًّا أَوْ إلَهًا وَبَيْنَ الْجَافِيَةِ الَّذِينَ يَعْتَقِدُونَ كُفْرَهُ وَكُفْرَ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَيَسْتَحِلُّونَ دِمَاءَهُمَا وَدِمَاءَ مَنْ تَوَلَّاهُمَا. وَيَسْتَحِلونَ سَبَّ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ وَنَحْوِهِمَا وَيَقْدَحُونَ فِي خِلَافَةِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِمَامَتِهِ) .
(الشرح)
يعني أهل السنة وسطٌ في الصحابة بين الغلاة وبين الجفاة فالغلاة من الشيعة والرافضة والجفاة النواصب وهم الخوارج فأهل السنة وسط بينهما وسطٌ بين الغالية الذين يغالون في علي كالرافضة فيفضلونه على أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فيقولون: علي أفضل من أبي بكر وعمر بل إنه الإمام المعصوم.
ويقولون: (أَنَّ الصَّحَابَةَ ظَلَمُوا وَفَسَقُوا، وَكَفَّرُوا الْأُمَّةَ بَعْدَهُمْ كَذَلِكَ) الرافضة يقولون: أن الصحابة بعد وفاة النبي r كفروا وظلموا وفسقوا وارتدوا وأخفوا النصوص التي فيها النص على أن الخليفة بعده علي فولوا أبا بكر الخلافة زورًا وظلمًا وبهتانًا ثم ولوا عمر الخلافة زورًا وبهتانًا وظلمًا ثم ولوا عثمان الخلافة زورًا وبهتانًا وظلمًا ثم وصلت النوبة إلى الخليفة الأول وهو الإمام المعصوم علي ويقولون: إن النبي r نص على اثني عشر إمامًا ولهذا يسمونها الأئمة الاثني عشرية نص على اثني عشر إمامًا يكونون أئمة بعده.
قالوا: نص على أن الخليفة الأول الذي بعده علي t ثم الخليفة الثاني الحسن بن علي ثم الخليفة الثالث الحسين بن علي ثم البقية التسعة كلهم من نسل الحسين الرابع علي بن الحسين زين العابدين ثم محمد بن علي الباقر ثم جعفر بن محمد الصادق ثم موسى بن جعفر الكاظم ثم علي بن موسى الرضا ثم محمد بن علي الجواد ثم علي بن محمد الهادي ثم محمد بن الحسن العسكري ثم الحسن بن علي العسكري ثم محمد بن الحسن المهدي المنتظر الذي دخل سامراء في العراق سنة ستين ومائتين ولم يخرج إلى الآن يقول شيخ الإسلام مضى عليه مائتين سنة ونحن نقول الآن: مضى عليه ألف ومائتين سنة وهو شخص موهوم لا حقيقة له؛ لأن أباه مات عقيمًا ولم يولد له أبو الحسن مات عقيم ولم يولد له.
فاختلقوا له ولد وأدخلوه السرداب وعمره سنتين أو ثلاثة أو خمسة سنين وهم في كل سنة يأتون إلى باب السرداب ويأتون بدابة بغل أو أشباهها ويشهرون السلاح وينادون بأعلى صوتهم: يا مولانا اخرج يا مولانا اخرج ويُقال: إنه موجود إلى الآن قال بعض الإخوان العراقيين أنه موجود إلى الآن يأتون إلى باب السرداب وينادون بهذا.
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في زمانه في القرن السابع الهجري: إنه يوجد منهم الرافضة أقوامٌ في مناطق بعيدة وأمكنة بعيدة عن المشهد المشهد بالعراق ويوجد أماكن في المدينة وفي غيرها يقفون في أوقات في السنة عينوها ولا يصلون إذا قيل لهم لمَ لا تصلون؟ قالوا: نخشى أن يخرج المهدي ونحن في الصلاة فننشغل عن خدمته فهم موجودون في أماكن بعيدة.
والعجيب أن هؤلاء الأئمة ما حصل لهم شيء في الخلافة إلا علي t الخليفة الراشد الرابع والحسن بن علي بُويع بالخلافة ستة أشهر فتنازل لمعاوية حقنًا لدماء المسلمين والحسين بن علي غدر به به أهل العراق فقتلوه والباقي ما حصل لهم شيء ويقول: انتهت إمامة هؤلاء الآن ما بقي إلا الذي دخل السرداب هو الإمام العصري وهو الإمام المنتظر ويقولون: من لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية هذا عندهم وإمام الزمان هو المهدي المنتظر الذي دخل السرداب متى يعرفهم هم ما عرفوا إمامهم أنتم ما عرفتم إمامكم فيلزمكم الكفر وأنتم حكمتم على أنفسكم بالكفر نسأل الله السلامة والعافية.
فيقولون هؤلاء الغلاة يغالون في علي فيفضلونه على أبو بكر وعمر ويعتقدون أنه الإمام المعصوم وأن الصحابة ظلموا وفسقوا وكفروا يعني بعد وفاة النبي r.
(وَرُبَّمَا جَعَلُوهُ نَبِيًّا) بعضهم يجعل علي هو النبي فهؤلاء المخطئة طائفة من غلاة الشيعة يقولون: إن النبي هو علي فالله تعالى جعل علي نبيًا وأرسل جبريل بالرسالة إلى علي ولكن جبريل خان فأوصلها إلى محمد خان الأمين وصدها عن حيدر الأمين جبريل خان أرسله الله إلى علي فخالف أمر الله وأعطى الرسالة لمحمد خان الأمين وصدها عن حيدر وهذا كفر من اعتقد هذا الاعتقاد فهو كافر كذلك من يعتقد أن الصحابة كفروا وظلموا بعد وفاة النبي فهذا كفر وردة؛ لأن الله زكاهم وعدلهم ووعدهم بالجنة وهذا تكذيب لله ومن كذب الله كفر أو قال: إن القرآن غير محفوظ وأنه كذا تكذيبٌ لله في قوله: )إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)([الحجر/9].
وكذلك من جاء لأهل البيت ويتوسل بهم هذا كفر وشرك فربما جعلوه نبيًا وبعضهم يقول: علي هو الإله وأن الله حل في علي هم طوائف الشيعة النصيرية الذين يقولون إن الله حل في علي وأن علي سيرجع في السحاب والمخطئة الذين يقولون: إن علي هو النبي وخان الأمين والرافضة: الغلاة الذين يعبدون آل البيت ويكفرون الصحابة ويقولون: القرآن غير محفوظ فأهل السنة وسط بين الرافضة الشيعة وبين الجافية وهو النواصب الخوارج الذين نصبوا العداوة لأهل البيت وكفروا علي قالوا: علي كافر وعثمان كافر ويستحلون دمائهم ويقولون: دم علي حلال ودم عثمان حلال لأنهما كفرا يقولون: عثمان كفر لأنه خان وقرب أقربائه وعلي كفر لأنه حكم الرجال في كتاب الله فيستحلون دماء علي وعثمان ويكفرونهما.
(وَيَسْتَحِلونَ سَبَّ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ وَنَحْوِهِمَا) الصواب يستحلون يعني يرون أن سب علي وعثمان حلال هؤلاء النواصب والخوارج.
(وَيَقْدَحُونَ فِي خِلَافَةِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِمَامَتِهِ) فأهل السنة وسط لا يقولون بقول الرافضة الذين يسبون الصحابة ويكفرونهم ويؤلهون علي أو يجعلونه نبي ولا يقولون بقول النواصب الذين يكفرون علي وعثمان ومن شايعهما ويستحلون سبهما بل أهل السنة والجماعة وسط يترضون عن الصحابة كلهم ويترحمون عليهم ويعتقدون فضلهم وسابقتهم وأنهم خير الناس وأفضل الناس بعد الأنبياء.
وأنه لا كان ولا يكون مثلهم ويعتقدون أن أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي وأن ترتيبهم في الفضيلة كترتيبهم في الخلافة أفضلهم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ثم بقية العشرة المبشرين بالجنة ثم أهل بدر وأهل بيعة الرضوان فلا يسبون الصحابة ولا يكفرونهم كما تفعل الروافض والشيعة ولا يكفرون علي وعثمان ويستحلون سبهما كما تفعل النواصب بل يترضون عن الصحابة جميعًا ويُنزلونهم منازلهم التي أنزلهم الله بالعدل والإنصاف لا بالهوى والتعصب ويترضون عن الجميع ويعتقدونهم أفضل الناس وخير الناس فلا كان ولا يكون مثلهم هذا لا يعني أن الواحد منهم معصومًا لكن نعتقد أنهم أفضل الناس وخير الناس.
(المتن)
(وَكَذَلِكَ فِي سَائِرِ أَبْوَابِ السُّنَّةِ هُمْ وَسَطٌ؛ لِأَنَّهُمْ مُتَمَسِّكُونَ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَاَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانِ) .
(الشرح)
كذلك هم في سائر أبواب السنة وسط متوسطون لأن مذهبهم الحق هم أهل الحق والحق وسط بين ضلالين.
(المتن)
(فَصْلٌ: وَأَنْتُمْ أَصْلَحَكُمْ اللَّهُ قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ بِالِانْتِسَابِ إلَى الْإِسْلَامِ الَّذِي هُوَ دِينُ اللَّهِ وَعَافَاكُمْ اللَّهُ مِمَّا ابْتَلَى بِهِ مَنْ خَرَجَ عَنْ الْإِسْلَامِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ وَالْإِسْلَامُ أَعْظَمُ النِّعَمِ وَأَجَلُّهَا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ دِينًا سِوَاهُ (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[آل عمران/85].
وَعَافَاكُمْ اللَّهُ بِانْتِسَابِكُمْ إلَى السُّنَّةِ مِنْ أَكْثَرِ الْبِدَعِ الْمُضِلَّةِ مِثْلَ كَثِيرٍ مِنْ بِدَعِ الرَّوَافِضِ وَالْجَهْمِيَّة وَالْخَوَارِجِ وَالْقَدَرِيَّةِ بِحَيْثُ جَعَلَ عِنْدَكُمْ مِنْ الْبُغْضِ لِمَنْ يُكَذِّبُ بِأَسْمَاءِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ وَقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ أَوْ يَسُبُّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا هُوَ مِنْ طَرِيقَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَهَذَا مِنْ أَكْبَرِ نِعَمِ اللَّهِ عَلَى مَنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ فَإِنَّ هَذَا مِنْ تَمَامِ الْإِيمَانِ وَكَمَالِ الدِّينِ وَلِهَذَا كَثُرَ فِيكُمْ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ وَالدِّينِ وَأَهْلِ الْقِتَالِ الْمُجَاهِدِينَ مَا لَا يُوجَدُ مِثْلُهُ فِي طَوَائِفِ الْمُبْتَدِعِينَ وَمَا زَالَ فِي عَسَاكِرِ الْمُسْلِمِينَ الْمَنْصُورَةِ وَجُنُودِ اللَّهِ الْمُؤَيَّدَةِ مِنْكُمْ مَنْ يُؤَيِّدُ اللَّهُ بِهِ الدِّينَ وَيُعِزُّ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ) .
(الشرح)
المؤلف رحمه الله يخاطب أبو البركات عدي بن مسافر الأموي وأتباعه يخاطبهم ويبين أنهم على خير وأن فيهم خير عظيم وأنهم بريئون من كثيرٍ من البدع فالمؤلف رحمه الله يشجعهم ويحثهم على الالتزام بالسنة والاعتصام بها والبعد عن أهل البدع ويُثني عليهم بما فيهم من الخير والصلاح.
فيقول: (وَأَنْتُمْ) المؤلف رحمه الله في أول الرسالة قال: (مِنْ أَحْمَدَ ابْنِ تَيْمِيَّة إلَى مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ هَذَا الْكِتَابُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْمُنْتَسِبِينَ إلَى السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ؛ الْمُنْتَمِينَ إلَى جَمَاعَةِ الشَّيْخِ الْعَارِفِ الْقُدْوَةِ. أَبِي الْبَرَكَاتِ عَدِيِّ بْنِ مُسَافِرٍ الْأُمَوِيِّ َرحِمَهُ اللَّهُ وَمَنْ نَحَا نَحْوَهُمْ) .
فيقول: (وَأَنْتُمْ) يعني عدي بن مسافر وأتباعه (أَصْلَحَكُمْ اللَّهُ) دعاء لهم هذا من نصحه رحمه الله (قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ بِالِانْتِسَابِ إلَى الْإِسْلَامِ الَّذِي هُوَ دِينُ اللَّهِ) يعني عدي بن مسافر ومن معه مَن الله عليهم بالإسلام والإسلام هو دين الله والاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والبراءة من الشرك وأهله.
قال: (وَعَافَاكُمْ اللَّهُ مِمَّا ابْتَلَى بِهِ مَنْ خَرَجَ عَنْ الْإِسْلَامِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ) يعني إن الله عافاكم من الكفر الذي عليه المشركون واليهود والنصارى فأهل الكتاب هم اليهود والنصارى (وَالْإِسْلَامُ أَعْظَمُ النِّعَمِ وَأَجَلُّهَا) يقول: إن الله من عليكم بالإسلام وسلمكم من الكفر وهذا أعظم النعم فقال: (وَالْإِسْلَامُ أَعْظَمُ النِّعَمِ وَأَجَلُّهَا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ دِينًا سِوَاهُ (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[آل عمران/85]) .
وسبق أن دين الأنبياء هو الإسلام وأن الإسلام هو دين الله في الأرض وفي السماء ولا يقبل الله من أحدٍ دينًا سواه وأن الإسلام هو توحيد الله وإخلاص العبادة له واتباع كل نبيٍ في الشريعة التي جاء بها فالإسلام في زمن آدم هو توحيد الله واتباع آدم فيما جاء به من الشريعة والإسلام في دين نوح هو توحيد الله والعمل بالشريعة التي جاء بها نوح والإسلام في زمن هود توحيد الله والعمل بالشريعة التي جاء بها هود وهكذا في زمان إبراهيم وموسى وعيسى حتى ختمهم الله بنبينا محمد r فالإسلام هو توحيد الله وما جاء به محمد r من الشريعة الكاملة إذًا الإسلام هو دين الله في كل زمان وفي كل مكان ولا يقبل الله من أحدٍ غير الإسلام فهو أصله توحيد الله وإخلاص العبادة له وتعظيم الأوامر والنواهي وطاعة الأنبياء في كل زمان.
(وَعَافَاكُمْ) هذا خطاب لعدي بن مسافر ومن معه (وَعَافَاكُمْ اللَّهُ بِانْتِسَابِكُمْ إلَى السُّنَّةِ مِنْ أَكْثَرِ الْبِدَعِ الْمُضِلَّةِ) يقول: أنتم ويخاطب عدي بن مسافر ومن معه أنتم من الله عليكم بالإسلام وسلمكم من الكفر ومن الله عليكم بلزوم السنة وعافاكم من كثيرٍ من البدع المضلة.
(مِثْلَ كَثِيرٍ مِنْ بِدَعِ الرَّوَافِضِ وَالْجَهْمِيَّة وَالْخَوَارِجِ وَالْقَدَرِيَّةِ) .
الروافض: وهو تكفير الصحابة وعبادة آل البيت والقول بأن القرآن غير محفوظ والجهمية: يُنكرون الأسماء والصفات والخوارج: يكفرون المسلمين بالمعاصي والقدرية: يُنكرون القدر ويقولون: إن العبد يخلق فعل نفسه فيقول: أنتم سلمكم الله من هذه البدع.
(بِحَيْثُ جَعَلَ عِنْدَكُمْ مِنْ الْبُغْضِ لِمَنْ يُكَذِّبُ بِأَسْمَاءِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ وَقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ أَوْ يَسُبُّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا هُوَ مِنْ طَرِيقَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَهَذَا مِنْ أَكْبَرِ نِعَمِ اللَّهِ عَلَى مَنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ) .
يقول: هذه نعمة عظيمة من الله بها عليكم حيث أنكم تُبغضون من كذب بأسماء الله وصفاته وقضاءه وقدره تُبغضون من سب الصحابة.
(فَإِنَّ هَذَا مِنْ تَمَامِ الْإِيمَانِ وَكَمَالِ الدِّينِ) يعني أن يُبغض الإنسان أهل المعاصي وأهل البدع هذا من كمال الإيمان ومن تمام الدين.
(وَلِهَذَا كَثُرَ فِيكُمْ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ وَالدِّينِ وَأَهْلِ الْقِتَالِ الْمُجَاهِدِينَ مَا لَا يُوجَدُ مِثْلُهُ فِي طَوَائِفِ الْمُبْتَدِعِينَ) .
يقول: أنتم لما من الله عليكم بلزوم السنة كثر فيكم من أهل الصلاح والدين وأهل القتال المجاهدين في سبيل الله ما لا يوجد مثلهم في الطوائف الأخرى فطائفة عدي بن مسافر طائفة فيها خير كثير وكأن عليهم بعض المنثورات إلا أن حالهم مستقيمة وأكثر أحوالهم على خير فهم يكرهون أهل البدع ويلتزمون السنة في كثيرٍ من أمورهم.
(وَمَا زَالَ فِي عَسَاكِرِ الْمُسْلِمِينَ الْمَنْصُورَةِ وَجُنُودِ اللَّهِ الْمُؤَيَّدَةِ مِنْكُمْ مَنْ يُؤَيِّدُ اللَّهُ بِهِ الدِّينَ وَيُعِزُّ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ) .
(المتن)
وَفِي أَهْلِ الزَّهَادَةِ وَالْعِبَادَةِ مِنْكُمْ مَنْ لَهُ الْأَحْوَالُ الزَّكِيَّةُ وَالطَّرِيقَةُ الْمَرْضِيَّةُ وَلَهُ الْمُكَاشَفَاتُ وَالتَّصَرُّفَاتُ.
(الشرح)
كأن عدي بن مسافر بعض أصحابه فيهم زهد لكن الزهادة ليست من عادة الصوفية فقال: (وَفِي أَهْلِ الزَّهَادَةِ وَالْعِبَادَةِ مِنْكُمْ مَنْ لَهُ الْأَحْوَالُ الزَّكِيَّةُ) يعني زكاها الله وطهرها فهي زكية بلزوم الكتاب والسنة (وَالطَّرِيقَةُ الْمَرْضِيَّةُ) التي رضيها الله ورسوله (وَلَهُ الْمُكَاشَفَاتُ وَالتَّصَرُّفَاتُ) فكشف الله عليهم من العلم والبصيرة والتصرفات الموافقة للشرع.
(المتن)
وَفِيكُمْ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ مَنْ لَهُ لِسَانُ صِدْقٍ فِي الْعَالَمِينَ فَإِنَّ قُدَمَاءَ الْمَشَايِخِ الَّذِينَ كَانُوا فِيكُمْ مِثْلَ الْمُلَقَّبِ بِشَيْخِ الْإِسْلَامِ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَد بْنِ يُوسُفَ الْقُرَشِيِّ الهكاري وَبَعْدَهُ الشَّيْخُ الْعَارِفُ الْقُدْوَةُ عَدِيُّ بْنُ مُسَافِرٍ الْأُمَوِيُّ وَمَنْ سَلَكَ سَبِيلَهُمَا فِيهِمْ مِنْ الْفَضْلِ وَالدِّينِ وَالصَّلَاحِ وَالِاتِّبَاعِ لِلسُّنَّةِ مَا عَظَّمَ اللَّهُ بِهِ أَقْدَارَهُمْ وَرَفَعَ بِهِ منارهم .
(الشرح)
يقول: إن عدي بن مسافر وجماعته فيهم أولياء لله ومتقين يتقون الله ويخشونه فهم مؤمنون متقون يؤدون الواجبات ويحرمون المحرمات فيهم (مَنْ لَهُ لِسَانُ صِدْقٍ فِي الْعَالَمِينَ) يعني أثنى عليهم عباد الله لصلاحهم وتقواهم.
قال: (فَإِنَّ قُدَمَاءَ الْمَشَايِخِ الَّذِينَ كَانُوا فِيكُمْ) مشايخ هذه الطائفة عدي بن مسافر ومن معه (مِثْلَ الْمُلَقَّبِ بِشَيْخِ الْإِسْلَامِ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَد بْنِ يُوسُفَ الْقُرَشِيِّ الهكاري وَبَعْدَهُ الشَّيْخُ الْعَارِفُ الْقُدْوَةُ عَدِيُّ بْنُ مُسَافِرٍ الْأُمَوِيُّ وَمَنْ سَلَكَ سَبِيلَهُمَا فِيهِمْ مِنْ الْفَضْلِ وَالدِّينِ وَالصَّلَاحِ والإتباع لِلسُّنَّةِ مَا عَظَّمَ اللَّهُ بِهِ أَقْدَارَهُمْ وَرَفَعَ بِهِ مَنَازلهُمْ) وهذا يدل على أنهم فيهم خير كثير فهم يعظمون السنة ولذلك عظم الله أقدارهم ورفع منازلهم.
(المتن)
وَالشَّيْخُ عَدِيٌّ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ كَانَ مِنْ أَفَاضِلِ عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ وَأَكَابِرِ الْمَشَايِخِ الْمُتَّبَعِينَ وَلَهُ مِنْ الْأَحْوَالِ الزَّكِيَّةِ وَالْمَنَاقِبِ الْعَلِيَّةِ مَا يَعْرِفُهُ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِذَلِكَ وَلَهُ فِي الْأُمَّةِ صيت مَشْهُورٌ، وَلِسَانُ صِدْقٍ مَذْكُورٌ وَعَقِيدَتُهُ الْمَحْفُوظَةُ عَنْهُ لَمْ يَخْرُجْ فِيهَا عَنْ عَقِيدَةِ مَنْ تَقَدَّمَهُ مِنْ الْمَشَايِخِ الَّذِينَ سَلَكَ سَبِيلَهُمْ كَالشَّيْخِ الْإِمَامِ الصَّالِحِ أَبِي الْفَرَجِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْأَنْصَارِيِّ الشِّيرَازِيِّ ثُمَّ الدِّمَشْقِيِّ وَكَشَيْخِ الْإِسْلَامِ الهكاري وَنَحْوِهِمَا.
(الشرح)
هذا ثناء من المؤلف على عدي بن مسافر وأنه من أهل الصلاح والتقوى وأنه له أحوال زكية ومناقب علية وأن له ذكر وصيتٌ مشهور رفع الله قدره وعقيدته عقيدة سليمة لم يخرج فيها عن عقيدة أهل السنة والجماعة.
(وَالشَّيْخُ عَدِيٌّ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ كَانَ مِنْ أَفَاضِلِ عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ وَأَكَابِرِ الْمَشَايِخِ الْمُتَّبَعِينَ وَلَهُ مِنْ الْأَحْوَالِ الزَّكِيَّةِ وَالْمَنَاقِبِ الْعَلِيَّةِ مَا يَعْرِفُهُ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِذَلِكَ وَلَهُ فِي الْأُمَّةِ صيت مَشْهُورٌ، وَلِسَانُ صِدْقٍ مَذْكُورٌ وَعَقِيدَتُهُ الْمَحْفُوظَةُ عَنْهُ لَمْ يَخْرُجْ فِيهَا عَنْ عَقِيدَةِ مَنْ تَقَدَّمَهُ مِنْ الْمَشَايِخِ الَّذِينَ سَلَكَ سَبِيلَهُمْ كَالشَّيْخِ الْإِمَامِ الصَّالِحِ أَبِي الْفَرَجِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْأَنْصَارِيِّ الشِّيرَازِيِّثُمَّ الدِّمَشْقِيِّ وَكَشَيْخِ الْإِسْلَامِ الهكاري وَنَحْوِهِمَا) .
(المتن)
وَهَؤُلَاءِ الْمَشَايِخُ لَمْ يَخْرُجُوا فِي الْأُصُولِ الْكِبَارِ عَنْ أُصُولِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ بَلْ كَانَ لَهُمْ مِنْ التَّرْغِيبِ فِي أُصُولِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالدُّعَاءِ إلَيْهَا وَالْحِرْصِ عَلَى نَشْرِهَا وَمُنَابَذَةِ مَنْ خَالَفَهَا مَعَ الدِّينِ وَالْفَضْلِ وَالصَّلَاحِ مَا رَفَعَ اللَّهُ بِهِ أَقْدَارَهُمْ وَأَعْلَى مَنَارَهُمْ، وَغَالِبُ مَا يَقُولُونَهُ فِي أُصُولِهَا الْكِبَارِ جَيِّدٌ مَعَ أَنَّهُ لَا بُدَّ وَأَنْ يُوجَدَ فِي كَلَامِهِمْ وَكَلَامِ نُظَرَائِهِمْ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمَرْجُوحَةِ وَالدَّلَائِلِ الضَّعِيفَةِ؛ كَأَحَادِيثَ لَا تَثْبُتُ وَمَقَايِيسُ لَا تَطَّرِدُ مَعَ مَا يَعْرِفُهُ أَهْلُ الْبَصِيرَةِ.
(الشرح)
هذا في بيان المؤلف رحمه الله بأن هؤلاء المشايخ مثل عدي بن مسافر وأبي الفرج وعبد الواحد وغيرهم والشيخ الهكاري يقول: إنهم في أصول الدين الكبار لم يخرجوا عن أصول أهل السنة والجماعة (بَلْ كَانَ لَهُمْ مِنْ التَّرْغِيبِ فِي أُصُولِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالدُّعَاءِ إلَيْهَا وَالْحِرْصِ عَلَى نَشْرِهَا وَمُنَابَذَةِ أهل البدع مَعَ الدِّينِ وَالْفَضْلِ وَالصَّلَاحِ والعبادة مَا رَفَعَ اللَّهُ بِهِ أَقْدَارَهُمْ وَأَعْلَى مَنَازلهُمْ، وَغَالِبُ مَا يَقُولُونَهُ فِي أُصُولِهَا الْكِبَارِ جَيِّدٌ) .
يعني موافقون لأهل السنة والجماعة لكن قد يوجد في كلامهم بعض المسائل المرجوحة قد يختارون بعض الأقوال المرجوحة وقد يستدلون ببعض الأحاديث الضعيفة (كَأَحَادِيثَ لَا تَثْبُتُ وَمَقَايِيسُ لَا تَطَّرِد) وهذه ملحوظات يسيرة يمكن معالجتها لكن في الجملة هم من أهل السنة والجماعة ويعظمون السنة أما كونهم يوجد اختيار بعض الأقوال الضعيفة أو إسناد بعض الأحاديث التي لا تثبت هذا غلط إذا رُدوا عليه تنبهوا.
(المتن)
وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُتْرَكُ إلَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَاسِيَّمَا الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ الْأُمَّةِ الَّذِينَ لَمْ يُحَكِّمُوا مَعْرِفَةَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْفِقْهِ فِيهِمَا وَيُمَيِّزُوا بَيْنَ صَحِيحِ الْأَحَادِيثِ وَسَقِيمِهَا وَنَاتِجِ الْمَقَايِيسِ وَعَقِيمِهَا مَعَ مَا يَنْضَمُّ إلَى ذَلِكَ مِنْ غَلَبَةِ الْأَهْوَاءِ وَكَثْرَةِ الْآرَاءِ وتغلظ الِاخْتِلَافِ وَالِافْتِرَاقِ وَحُصُولِ الْعَدَاوَةِ وَالشِّقَاقِ.
(الشرح)
وهذا من إنصاف المصنف رحمه الله أثنى عليهم وبين ما هم عليه من الدين والفضل والصلاح ونقدهما في بيان أخطائهم ويقول: هذا لا يضر كون الإنسان عليه بعض الأخطاء وملحوظة يسيرة إذا كان من أهل السنة والجماعة ويوافق أهل السنة في الأصول الكبار كونه يكون عليه بعض الملاحظات لا يضر لأنه ليس بمعصوم لا يسقط الرجل لكن الأخطاء تُبين وتوضح فكل أحد يغلط وما في أحد ما يغلط إلا النبي r فهو معصوم فلذلك قال: (وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُتْرَكُ إلَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) .
هذه المقالة معناه للإمام مالك رحمه الله قال: كل أحد يؤخذ من قوله ويُرد إلا رسول الله r (لَاسِيَّمَا الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ الْأُمَّةِ الَّذِينَ لَمْ يُحَكِّمُوا مَعْرِفَةَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْفِقْهِ فِيهِمَا وَيُمَيِّزُوا بَيْنَ صَحِيحِ الْأَحَادِيثِ وَسَقِيمِهَا وَنَاتِجِ الْمَقَايِيسِ وَعَقِيمِهَا مَعَ مَا يَنْضَمُّ إلَى ذَلِكَ مِنْ غَلَبَةِ الْأَهْوَاءِ وَكَثْرَةِ الْآرَاءِ وتغلظ الِاخْتِلَافِ وَالِافْتِرَاقِ وَحُصُولِ الْعَدَاوَةِ وَالشِّقَاقِ) .
يقول: إن الأخطاء تحصل من كل أحد ولاسيما المتأخرون بسبب بعدهم عن آثار النبوة والرسالة وبسبب كونهم لم يحكموا معرفة الكتاب والسنة ولا يميزوا بين الصحيح والسقيم من الأحاديث وينضم إلى ذلك: (غَلَبَةِ الْأَهْوَاءِ وَكَثْرَةِ الْآرَاءِ وتغلظ والِاخْتِلَافِ وَالِافْتِرَاقِ وَحُصُولِ الْعَدَاوَةِ وَالشِّقَاقِ) فلذلك يحصل من بعضهم الأخطاء تُبين لأصحابها.
(المتن)
فَإِنَّ هَذِهِ الْأَسْبَابَ وَنَحْوَهَا مِمَّا يُوجِبُ قُوَّةَ الْجَهْلِ وَالظُّلْمِ اللَّذَيْنِ نَعَتَ اللَّهُ بِهِمَا الْإِنْسَانَ فِي قَوْلِهِ: (وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا)[الأحزاب/72].
(الشرح)
يعني هذه الأسباب وحصول الاختلاف والافتراق والأحاديث الضعيفة ونحوها هذه الأسباب توجب للإنسان الجهل والظلم في بعض الأحيان الذي هو أصل الإنسان أصل الإنسان كما قال الله: (وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا)[الأحزاب/72].
(المتن)
فَإِذَا مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْإِنْسَانِ بِالْعِلْمِ وَالْعَدْلِ أَنْقَذَهُ مِنْ هَذَا الضَّلَالِ وَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ: (وَالْعَصْرِ * إنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)[العصر/1-3].
(الشرح)
يعني العلم والعدل يُنقذ الله به العبد من الضلال فالله سبحانه وتعالى أقسم في سورة قصيرة أن جنس الإنسان في خسران وهلاك إلا من علم ومن آمن وعمل الصالحات وأداء الواجبات: (وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ) وهي الدعوة إلى الله (وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) قال الشافعي في هذه السورة: لو ما أنزل الله على خلقه حجة إلا هذه السورة لكفتهم.
(المتن)
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ)[السجدة/24].
(الشرح)
أخبر الله أنه بالصبر واليقين تُنال الإمامة في الدين الإمامة في الدين سببها شيئين ما هما؟ الصبر واليقين: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ)[السجدة/24] .
(المتن)
وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَصْلَحَكُمْ اللَّهُ أَنَّ السُّنَّةَ الَّتِي يَجِبُ اتِّبَاعُهَا وَيُحْمَدُ أَهْلُهَا وَيُذَمُّ مَنْ خَالَفَهَا: هِيَ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فِي أُمُورِ الِاعْتِقَادَاتِ وَأُمُورِ الْعِبَادَاتِ وَسَائِرِ أُمُورِ الدِّيَانَاتِ وَذَلِكَ إنَّمَا يُعْرَفُ بِمَعْرِفَةِ أَحَادِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثَّابِتَةِ عَنْهُ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَمَا تَرَكَهُ مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ. ثُمَّ مَا كَانَ عَلَيْهِ السَّابِقُونَ وَالتَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ وَذَلِكَ فِي دَوَاوِينِ الْإِسْلَامِ الْمَعْرُوفَةِ: مِثْلَ صَحِيحَيْ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَكُتُبِ السُّنَنِ. مِثْلَ سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِي وَجَامِعِ التِّرْمِذِيِّ وَمُوَطَّأِ الْإِمَامِ مَالِكٍ وَمِثْلَ الْمَسَانِيدِ الْمَعْرُوفَةِ؛ كَمِثْلِ مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ وَيُوجَدُ فِي كُتُبِ التَّفَاسِيرِ وَالْمَغَازِي وَسَائِرِ كُتُبِ الْحَدِيثِ جُمَلِهَا وَأَجْزَائِهَا مِنْ الْآثَارِ مَا يُسْتَدَلُّ بِبَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ. وَهَذَا أَمْرٌ قَدْ أَقَامَ اللَّهُ لَهُ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ مَنْ اعْتَنَى بِهِ حَتَّى حَفِظَ اللَّهُ الدِّينَ عَلَى أَهْلِهِ.
(الشرح)
لا زال المؤلف رحمه الله يُثني على عدي بن مسافر وجماعته وأهله يقول: (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَصْلَحَكُمْ اللَّهُ أَنَّ السُّنَّةَ الَّتِي يَجِبُ إتِّبَاعُهَا وَيُحْمَدُ أَهْلُهَا وَيُذَمُّ مَنْ خَالَفَهَا: هِيَ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وهي عامة في كل شيء فِي أُمُورِ الِاعْتِقَادَاتِ وَأُمُورِ الْعِبَادَاتِ وَسَائِرِ أُمُورِ الدِّيَانَاتِ) وهذا حث منه رحمه الله في أن يلزموا السنة في الاعتقاد وفي العبادة وفي الديانة وهذا إنما يُعرف بمعرفة أحاديث النبي r الثابتة عنه وأحاديث النبي r تكون في الأقوال وفي الأفعال.
(وَمَا تَرَكَهُ مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ. ثُمَّ مَا كَانَ عَلَيْهِ السَّابِقُونَ وَالتَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ).
وأين يوجد هذا؟ .
قال: يوجد هذا (فِي دَوَاوِينِ الْإِسْلَامِ الْمَعْرُوفَةِ: مِثْلَ صَحِيحَيْ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَكُتُبِ السُّنَنِ مِثْلَ سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِي وَجَامِعِ التِّرْمِذِيِّ وَمُوَطَّأِ الْإِمَامِ مَالِكٍ وَمِثْلَ الْمَسَانِيدِ الْمَعْرُوفَةِ؛ كَمِثْلِ مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ وَيُوجَدُ فِي كُتُبِ التَّفَاسِيرِ) .
تفسير ابن جرير وتفسير ابن كثير وغيره وكتب (الْمَغَازِي) مثل السيرة لابن هشام ومغازي ابن إسحاق .
(وَسَائِرِ كُتُبِ الْحَدِيثِ جُمَلِهَا وَأَجْزَائِهَا مِنْ الْآثَارِ مَا يُسْتَدَلُّ بِبَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ. وَهَذَا أَمْرٌ قَدْ أَقَامَ اللَّهُ لَهُ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ مَنْ اعْتَنَى بِهِ حَتَّى حَفِظَ اللَّهُ الدِّينَ عَلَى أَهْلِهِ) .
وهما أهل السنة والجماعة وهم أهل الحق أهل الحديث حفظ الله بهم الدين أهل الحديث وأهل السنة والجماعة حفظ الله بهم الدين على أهله.
(المتن)
وَقَدْ جَمَعَ طَوَائِفُ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْأَحَادِيثَ وَالْآثَارَ الْمَرْوِيَّةَ فِي أَبْوَابِ عَقَائِدِ أَهْلِ السُّنَّةِ مِثْلَ: حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدارمي؛ وَعُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ الدارمي وَغَيْرِهِمْ فِي طَبَقَتِهِمْ وَمِثْلُهَا مَا بَوَّبَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِي وَابْنُ مَاجَه وَغَيْرُهُمْ فِي كُتُبِهِمْ وَمِثْلُ مُصَنَّفَاتِ أَبِي بَكْرٍ الْأَثْرَمِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ وَأَبِي بَكْرٍ الْخَلَّالِ وَأَبِي الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِي وَأَبِي الشَّيْخِ الأصبهاني وَأَبِي بَكْرٍ الآجري وَأَبِي الْحَسَنِ الدارقطني وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ منده وَأَبِي الْقَاسِمِ اللالكائي وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ بَطَّةَ؛ وَأَبِي عَمْرٍو الطلمنكي وَأَبِي نُعَيْمٍ الأصبهاني وَأَبِي بَكْرٍ البيهقي وَأَبِي ذَرٍّ الهروي وَإِنْ كَانَ يَقَعُ فِي بَعْضِ هَذِهِ الْمُصَنَّفَاتِ مِنْ الْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ مَا يَعْرِفُهُ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ.
(الشرح)
يقول: إن السنة حُفظت والحمد لله جمعها العلماء حفظ الله بهم سنة النبي r وحفظ بهم الدين: (وَقَدْ جَمَعَ طَوَائِفُ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْأَحَادِيثَ وَالْآثَارَ الْمَرْوِيَّةَ فِي أَبْوَابِ عَقَائِدِ أَهْلِ السُّنَّةِ) أصحاب العقائد والمؤلفات ومثل بالأئمة الذين جمعوا الأحاديث والآثار حماد بن سلمة وعبد الرحمن بن مهدي.
(وَمِثْلُهَا مَا بَوَّبَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ) البخاري رحمه الله بوب أبواب والتراجم ظهر فيها فقهه العظيم الذي حير العلماء صحيح البخاري هو من أصح الكتب بعد كتاب الله من الأسانيد وامتاز بتراجمه الفقهية العظيمة التي حير العلماء حتى قال العلماء: إن فقه البخاري في تراجم.
(وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِي وَابْنُ مَاجَه وَغَيْرُهُم) كلهم بوبوا وكذلك المصنفات الأخرى: (أَبِي بَكْرٍ الْأَثْرَمِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ وَأَبِي بَكْرٍ الْخَلَّالِ) وغيرهم من الأحاديث ومن إنصاف المؤلف رحمه الله قال:(وَإِنْ كَانَ يَقَعُ فِي بَعْضِ هَذِهِ الْمُصَنَّفَاتِ مِنْ الْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ مَا يَعْرِفُهُ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ) يعني قد يقع فيها أحاديث ضعيفة ولهم عذر في هذا لأنهم ذكروا الإسناد ولأنهم أرادوا أن يجمعوا ما وجد في هذا الباب ولأنه قد يوجد في هذه الأحاديث الضعيفة ما يشهد لها متابعات وشواهد.
(المتن)
وَقَدْ يَرْوِي كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ: فِي الصِّفَاتِ وَسَائِرِ أَبْوَابِ الِاعْتِقَادَاتِ وَعَامَّةِ أَبْوَابِ الدِّينِ: أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ تَكُونُ مَكْذُوبَةً مَوْضُوعَةً عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ قِسْمَانِ: مِنْهَا مَا يَكُونُ كَلَامًا بَاطِلًا لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فَضْلًا عَنْ أَنْ يُضَافَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ الْكَلَامِ: مَا يَكُونُ قَدْ قَالَهُ بَعْضُ السَّلَفِ أَوْ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَوْ بَعْضُ النَّاسِ وَيَكُونُ حَقًّا أَوْ مِمَّا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ أَوْ مَذْهَبًا لِقَائِلِهِ فَيُعْزَى إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا كَثِيرٌ عِنْدَ مَنْ لَا يَعْرِفُ الْحَدِيثَ مِثْلَ الْمَسَائِلِ الَّتِي وَضَعَهَا الشَّيْخُ أَبُو الْفَرَجِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْأَنْصَارِيُّ وَجَعَلَهَا مِحْنَةً يُفَرَّقُ فِيهَا بَيْنَ السُّنِّيِّ وَالْبِدْعِيِّ وَهِيَ مَسَائِلُ مَعْرُوفَةٌ عَمِلَهَا بَعْضُ الْكَذَّابِينَ وَجَعَلَ لَهَا إسْنَادًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعَلَهَا مِنْ كَلَامِهِ وَهَذَا يَعْلَمُهُ مَنْ لَهُ أَدْنَى مَعْرِفَةٍ أَنَّهُ مَكْذُوبٌ مُفْتَرًى.
(الشرح)
يعني يقول المؤلف رحمه الله: إن بعض الناس قد يروي في الصفات وفي غير الصفات:(وَسَائِرِ أَبْوَابِ الِاعْتِقَادَاتِ وَعَامَّةِ أَبْوَابِ الدِّينِ: أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ تَكُونُ مَكْذُوبَةً مَوْضُوعَةً عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بعض الناس قد يكذب في أبواب الصفات وبعضهم قد يكذب في أبواب الاعتقاد وبعضهم قد يكذب في غيرها في العبادات: الصلاة الزكاة الصوم الحج.
(وَهِيَ قِسْمَانِ) هذه التي تُروى وهي تكون مكذوبة على النوع قسمان:
القسم الأول: (مِنْهَا مَا يَكُونُ كَلَامًا بَاطِلًا لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فَضْلًا عَنْ أَنْ يُضَافَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لوضوح كذبه وظهوره مثل ما يضعف بعض الرافضة وقالوا: قال علي: "أنا ميزان العلم وعلي كفتاه وفاطمة علاقته والحسن والحسين خيوطه" جعلوا الميزان والخيوط والعلاقة فأشياء واضحة وظاهرة وبعضها قد يكون فيه خفاء بعضها يكون واضح ولا يجوز نسبته إلى النبي r لا يجوز أن يُقال فضلًا عن نسبته للنبي r.
القسم الثاني: (مَا يَكُونُ قَدْ قَالَهُ بَعْضُ السَّلَفِ أَوْ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَوْ بَعْضُ النَّاسِ) .
مثل قول بعض الناس: (حب الوطن من الإيمان) وينسبوه إلى الرسول r هذا قد يُقال أنه كلام لبعضهم أو حكمة مثل الحكمة (المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء) بعض الناس يقول: هذا حديث هذه حكمة وينسبونها إلى النبي r فبعضهم يكون قاله بعض السلف أو بعض العلماء وبعضه يكون حقًا أو ما يسوغ فيه الاجتهاد أو مذهبًا لبعض الناس فينسبه بعض الناس إلى النبي r.
وذكر مثال: (مِثْلَ الْمَسَائِلِ الَّتِي وَضَعَهَا الشَّيْخُ أَبُو الْفَرَجِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْأَنْصَارِيُّ وَجَعَلَهَا مِحْنَةً يُفَرَّقُ فِيهَا بَيْنَ السُّنِّيِّ وَالْبِدْعِيِّ وَهِيَ مَسَائِلُ مَعْرُوفَةٌ عَمِلَهَا بَعْضُ الْكَذَّابِينَ وَجَعَلَ لَهَا إسْنَادًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعَلَهَا مِنْ كَلَامِهِ وَهَذَا يَعْلَمُهُ مَنْ لَهُ أَدْنَى مَعْرِفَةٍ أَنَّهُ مَكْذُوبٌ مُفْتَرًى).
لم نر هذه المسائل فالمؤلف رحمه الله في زمانه وجدها ويحتمل أنها موجودة الآن وهي مسائل وضعها أبو الفرج ونسبها إلى النبي r وجعل يفرق بها بين السني والبدعي.
(المتن)
وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ وَإِنْ كَانَ غَالِبُهَا مُوَافِقًا لِأُصُولِ السُّنَّةِ فَفِيهَا مَا إذَا خَالَفَهُ الْإِنْسَانُ لَمْ يُحْكَمْ بِأَنَّهُ مُبْتَدِعٌ مِثْلَ أَوَّلِ نِعْمَةٍ أَنْعَمَ بِهَا عَلَى عَبْدِهِ فَإِنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِيهَا نِزَاعٌ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالنِّزَاعُ فِيهَا لَفْظِيٌّ؛ لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى أَنَّ اللَّذَّةَ الَّتِي يَعْقُبُهَا أَلَمٌ؛ هَلْ تُسَمَّى نِعْمَةً أَمْ لَا؟ وَفِيهَا أَيْضًا أَشْيَاءُ مَرْجُوحَةٌ فَالْوَاجِبُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَالْحَدِيثِ الْكَذِبِ فَإِنَّ السُّنَّةَ هِيَ الْحَقُّ دُونَ الْبَاطِلِ؛ وَهِيَ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ دُونَ الْمَوْضُوعَةِ: فَهَذَا أَصْلٌ عَظِيمٌ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ عُمُومًا وَلِمَنْ يَدَّعِي السُّنَّةَ خُصُوصًا.
(الشرح)
يعني يقول: هذه المسائل التي تكلم فيها المؤلف كثير منها موافق لأصول السنة ففيها: (مَا إذَا خَالَفَهُ الْإِنْسَانُ لَمْ يُحْكَمْ بِأَنَّهُ مُبْتَدِعٌ) لأن المسألة وإن كان بعضها موافق لأصول السنة إلا أن فيها ما يخالف فلذلك إذا خالفها الإنسان لا يُحكم بأنه مبتدع (مِثْلَ أَوَّلِ نِعْمَةٍ أَنْعَمَ الله بِهَا عَلَى عَبْدِهِ) ما هي؟
وهذا مبني على مسألة يقول: (عَلَى أَنَّ اللَّذَّةَ الَّتِي يَعْقُبُهَا أَلَمٌ؛ هَلْ تُسَمَّى نِعْمَةً أَمْ لَا تسمى نعمة؟) .
هذه كلها مسائل يقول: (فَالْوَاجِبُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَالْحَدِيثِ المكذوب فَإِنَّ السُّنَّةَ هِيَ الْحَقُّ دُونَ الْبَاطِلِ؛ وَهِيَ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ دُونَ الْمَوْضُوعَةِ: فَهَذَا أَصْلٌ عَظِيمٌ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ عُمُومًا وَلِمَنْ يَدَّعِي السُّنَّةَ خُصُوصًا) .