شعار الموقع

شرح كتاب الوصية الكبرى_6

00:00
00:00
تحميل
120

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله الأمين نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه والتابعين, قال المصنف رحمه الله تعالى:

(المتن)

فصل: وكذلك يجب الاقتصاد والاعتدال في أمر الصحابة والقرابة رضي الله عنهم، فإن الله تعالى أثنى على أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم من السابقين والتابعين لهم بإحسان، وأخبر أنه رضي عنهم ورضوا عنه، وذكرهم في آيات من كتابه، مثل قوله تعالى:  (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا)[الفتح:29]، وقال تعالى:  (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عليهمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا)[الفتح:18].

وفي الصحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده! لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه).

(الشرح)

بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:

هذا بحث في الصحابة رضوان الله عليهم, يقول المؤلف رحمه الله: (وكذلك يجب الاقتصاد والاعتدال في أمر الصحابة والقرابة).

الصحابة: صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، والقرابة: قرابة النبي صلى الله عليه وسلم، والصحابي كما سبق: كل من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً ومات على الإسلام، ولو تخلت ردة في الأصح.

والقرابة: قرابة النبي صلى الله عليه وسلم من جهة النسب، يجب الاقتصاد والاعتدال في أمر الصحابة والقرابة، وإنزالهم منازلهم التي أنزلهم الله بالإنصاف والعدل، لا بالهوى والتعصب، ولا يجوز الغلو في أمر الصحابة يعني يعتقد الإنسان أنهم معصومون، أو أنهم يستحقون شيئاً من الألوهية، كما لا يجوز الجفاء مثل: سب الصحابة وإيذائهم، كل هذا من المنكرات العظيمة.

فالواجب الاقتصاد والاعتدال في أمر الصحابة، واعتقاد فضلهم وسابقتهم وخيريتهم، وأنهم خير الناس بعد الأنبياء، لا كان ولا يكون مثلهم, وكذلك يجب الاقتصاد والاعتدال في أمر قرابة النبي صلى الله عليه وسلم بدون غلو كما تفعل الرافضة، فإنهم يعبدونهم من دون الله، ومن دون جفاء كما تجفو النواصب من الخوارج وغيرهم، فإنهم جفوا آل البيت وكفروا علياً ومن شايعه، فالواجب الاقتصاد والاعتدال في أمر الصحابة والقرابة، بالترضي عنهم والترحم عليهم وإنزالهم منازلهم التي أنزلهم الله بالعدل والإنصاف، لا بالهوى والتعصب.

فإن الله تعالى أثنى على أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم من السابقين والتابعين لهم بإحسان وأخبر أنه رضي عنهم ورضوا عنه، وذكرهم في آيات من كتابه مثل قوله تعالى: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ)[الفتح:29]) وهم الصحابة رضوان الله عليهم (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ)[الفتح:29]) وهذا وصفهم (تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ)[الفتح:29]) يعني: قواه.

(فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ)[الفتح:29]) استنبط الإمام مالك رحمه الله من قوله: (لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ)[الفتح:29]): أن من أغاظه الصحابة فهو كافر؛ لأن الله أخبر: أنه كان يغيظ بهم الكفار، قال: فمن سب الصحابة وغاظه الصحابة فإنه يكون مرتداً نعوذ بالله؛ لأنه الله قال: (لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ)[الفتح:29]) فمن سب الصحابة أو أغاظه الصحابة فإنه يكون كافراً لهذه الآية هكذا ثبت الإمام مالك رحمه الله.

قوله: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا)[الفتح:29])، وهذا ثناء على الصحابة، ووعد كريم، فكيف يسب الصحابة ذو دين يؤمن بالله واليوم الآخر؟! وقال تعالى: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عليهمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا)[الفتح:18])، وهذا: في أهل بيعة الرضوان وكانوا ألفاً وأربعمائة.

وفي الحديث الآخر الذي رواه الإمام مسلم عن حفصة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يلج النار أحد بايع تحت الشجرة»، أي لا يدخل النار وهذا وعد كريم، وقد كانوا ألفاً وأربعمائة، وقال سبحانه وتعالى: )لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10)([الحديد/10].

كلهم وعدهم الحسنى والحسنى الجنة، هذا وعد كريم، وفي الصحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: («لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده! لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه»)، وهذا قاله النبي صلى الله عليه وسلم لـخالد بن الوليد، لما حصل بينه وبين عبد الرحمن بن عوف سوء تفاهم، حصل بينهم بعض الشيء فقال النبي صلى الله عليه وسلم مخاطباً خالداً بن الوليد: («لا تسبوا أصحابي»)، يعني: المتقدمين في الصحبة، وإلا فـ خالد صحابي، لكنه تأخر إسلامه فلم يسلم إلا بعد صلح الحديبية، وعبد الرحمن بن عوف من السابقين الأولين، وبينهم تفاوت في الصحبة، والصحابة طبقات، وهناك طبقة بعدهم: وهم الذين أسلموا يوم الفتح، ويقال لهم: مسلمة الفتح.

والسابقون الأولون: هم الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا، والمراد بالفتح: صلح الحديبية وهذا هو الصواب أن المراد بالسبق الأولين الذين أسلموا وأنفقوا أي وجاهدوا قبل صلح الحديبية، وقيل: المراد بالسابقين الأولين: من صلى إلى القبلتين بيت المقدس والكعبة، لكن هذا قول ضعيف، والصواب: أن السابقين الأولين: هم الذين أنفقوا من قبل الفتح وجاهدوا، والمراد بالفتح: صلح الحديبية، فقد سماه الله صلحًا فتحاً في سورة الفتح فقال: )إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1)([الفتح/1]، كما سُئل النبي صلى الله عليه وسلم: «أفتح هو؟ قال: نعم».

فقال سبحانه: )لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10)([الحديد/10].

فلما حصل بعض الكلام بسبب سوء التفاهم بعض الشيء بين خالد بن الوليد وعبد الرحمن بن عوف، فكأن خالداً سب عبد الرحمن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم مخاطباً خالداً وكان ممن تأخر إسلامه وتأخرت صحبته: («لا تسبوا أصحابي»)، يعني: المتقدمين في الصحبة كـ عبد الرحمن بن عوف، لا تسبوا أيها المتأخرون في الصحبة أصحابي المتقدمين في الصحبة فإن بينكم تفاوتاً عظيماً: («فوالذي نفسي بيده!») وهذا قسم، وهو الصادق عليه الصلاة والسلام وإن لم يقسم، لكن لتأكيد الأمر، وفيه: إثبات اليد لله عز وجل، قوله: («فوالذي نفسي») أي: نفس النبي صلى الله عليه وسلم.

قال: («فوالذي نفسي بيده! لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه») يعني: لو أن أحدكم أيها المتأخرون في الصحبة كـ خالد بن الوليد ومن أسلم بعد صلح الحديبية لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً في سبيل الله ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه، يعني لو أن خالداً أنفق مثل أحد ذهباً، وأنفق عبد الرحمن مداً، والمد: ملء كفي الرجل المتوسط، أو نصف مد لسبقه عبد الرحمن لتقدمه في الإسلام على خالد، يعني لو أنفق خالد مثل أحد ذهبًا وترون جبل أحد وكلكم يرونه جبل صغير ولا كبير؟ جبل كبير عظيم, لو أنفق خالد مثل أحد ذهبًا وأنفق عبد الرحمن مُد أو نصف المُد ما هو المُد؟ ملء كفي الرجل المتوسط ملء يده؛ لأن الصاع أربعة أيدي والمُد أربع حفات كل حفنة ملء الكف, لو أنفق خالد مثل أحد ذهبًا وأنفق عبد الرحمن مُد أو نصف المُد لسبقه عبد الرحمن, لماذا؟ لتقدمه في الإسلام.

 فإذا كان هذا التفاوت بين الصحابة أنفسهم، فكيف بالتفاوت بينهم وبين التابعين؟ وخالد رضي الله عنه أسلم بعد صلح الحديبية وقبل فتح مكة، وهناك طبقة بعدهم: وهم الذين أسلموا بعد فتح مكة ويقال لهم: الطلقاء، ومنهم: معاوية بن أبي سفيان، وأخوه يزيد، وأبوه أبو سفيان، هؤلاء يقال لهم: مسلمة الفتح، فهم طبقات، فإذا كان هذا التفاوت بين الصحابة أنفسهم، فكيف بالتفاوت بين الصحابة ومن بعدهم، فهو أعظم وأعظم.

(المتن)

وقد اتفق أهل السنة والجماعة على ما تواتر عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر رضي الله عنهما، واتفق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيعة عثمان بعد عمر رضي الله عنهما، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خلافة النبوة ثلاثون سنة ثم تصير مُلكاً)، وقال صلى الله عليه وسلم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة)، وكان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه آخر الخلفاء الراشدين المهديين، وقد اتفق عامة أهل السنة من العلماء والعباد والأمراء والأجناد على أن يقولوا: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم، ودلائل ذلك وفضائل الصحابة كثيرة ليس هذا موضعها.

(الشرح)

يقول المؤلف رحمه الله: (اتفق أهل السنة والجماعة على ما تواتر عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أنه قال: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر رضي الله عنهما) يعني: أنهم اتفقوا على تقديم الشيخين في الفضيلة وفي الخلافة، فاتفق أهل السنة والجماعة على أن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر، واتفقوا أيضاً: على أن الخليفة بعده هو أبو بكر ثم عمر، وكذلك اتفق الصحابة رضي الله عنهم: على بيعة عثمان بعد عمر، وأن الخليفة الثالث: هو عثمان، وهذا مجمع عليه بين أهل السنة والجماعة.

واتفقوا على أن الخليفة الرابع: هو علي بن أبي طالب، فترتيب الصحابة وترتيب الخلفاء الأربعة في الخلافة هذا متفق عليه بين أهل السنة والجماعة، وأن الخليفة الأول: أبو بكر، والخليفة الثاني: عمر، والخليفة الثالث: عثمان، والخليفة الرابع: علي بن أبي طالب رضي الله عنهم.

واتفقوا أيضاً: على أن ترتيبهم في الفضيلة كترتيبهم في الخلافة سواءً بسواء، وأن أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، إلا أنه وقع خلاف بين بعض أهل السنة في الفضيلة بين عثمان وعلي، فروي عن الإمام أبي حنيفة رحمه الله: "أن علياً أفضل من عثمان" وقال به بعض العلماء، وقال بعض أهل العلم بالتوقف، والجمهور على أن عثمان أفضل، ثم انقرض هذا الخلاف واتفق الصحابة على تقديم عثمان على علي في الفضيلة، وهذا في الفضيلة فقط، أما الخلافة ففيه إجماع، فمن قدم علياً على عثمان في الخلافة فهذا ضال يضلل، بخلاف من قدم علياً على عثمان في الفضيلة فهذا لا يضلل، وهذه مسألة سهلة خفيفة.

ولهذا يقول العلماء: من قدم علياً على عثمان في الخلافة فهو أضل من حمار أهله.

وقال بعض التابعين: من قدم علياً على عثمان في الخلافة فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار.

يعني: احتقرهم؛ لأن المهاجرون والأنصار أجمعوا على تقديم عثمان ومبايعته بالخلافة بعد عمر، فالخلافة مجمع عليها، لكن الخلاف في أي شيء؟ في الفضيلة بين علي وعثمان، فالجماهير على أن عثمان أفضل، وبعض العلماء توقف، وبعض العلماء قدم علياً على عثمان، لكن الجمهور على تقديم علي على عثمان وربعوا بعلي وأنه جعله الرابع, ومنهم من توقف ومنهم من قدم عليًا على عثمان, ولكن انقرض هذا الخلاف، واتفق العلماء على تقديم عثمان على علي في الفضيلة كتقديمه عليه في الخلافة.

التقديم في الخلافة ما فيه إشكال ما في خلاف لكن الكلام في الفضيلة والتقديم في الفضيلة أمره سهل مع أنه انقرض، إنما الأمر الذي ليس بسهل تقديم علي على عثمان في الخلافة هذا أمرٌ منكر، ومن قدم علياً على عثمان في الخلافة فهو أضل من حمار أهله، وقد احتقر الصحابة من المهاجرين والأنصار الذين أجمعوا على تقديم عثمان على علي في الخلافة.

ولهذا قال المؤلف في كتابه: (واتفق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيعة عثمان بعد عمر رضي الله عنهما, وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «خلافة النبوة ثلاثون سنة ثم تصير ملكاً») يعني: اتفق العلماء على أن الخلفاء الراشدين هم الأربعة، أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، ودل على ذلك الحديث الشريف، وهو هذا الحديث: («خلافة النبوة ثلاثون سنة ثم تصير ملكاً»).

فإذا حسبت مدة خلافة الخلفاء الراشدين وجدتها ثلاثين سنة، فـ أبو بكر سنتان وثلاثة أشهر، وعمر خلافته عشر سنين ونصف، وعثمان ثنتي عشرة سنة، وعلي أربع سنين وتسعة أشهر، والحسن بن علي ستة أشهر، فقد بويع له بالخلافة بعد قتل أبيه علي رضي الله عنهما، وبقيت الخلافة ستة أشهر ثم تنازل عن الخلافة لـ معاوية بن أبي سفيان حقناً لدماء المسلمين، فإذا جمعت هذه المدة وجدتها ثلاثين سنة.

(«ثم تصير ملكاً») فأول ملوك المسلمين هو معاوية بن أبي سفيان فقد بويع له بالخلافة عام أربعين وتمت له البيعة وسمي ذلك العام: عام الجماعة.

وقال صلى الله عليه وسلم: («عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ»)، يعني: الزموها، والشيء الذي يلزمه الإنسان ويهتم به يعض عليه بالنواجذ، والنواجذ: هي الأسنان التي تلي الثنايا، قال: («وإياكم ومحدثات الأمور»)، يعني: الأمور المحدثة في الدين («فإن كل بدعة ضلالة»)، (وكان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه آخر الخلفاء الراشدين المهديين، وقد اتفق عامة أهل السنة من العلماء والعباد والأمراء والأجناد على أن يقولوا يعني في الفضيلة: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي) واتفقوا على أن يقولوا في أي شيء؟ في الفضيلة والخلافة: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم، (ودلائل ذلك وفضائل الصحابة كثيرة ليس هذا موضعها).

(المتن)

وكذلك نؤمن بالإمساك عما شجر بينهم، ونعلم أن بعض المنقول في ذلك كذب، وهم كانوا مجتهدين إما مصيبين فلهم أجران، أو مثابين على عملهم الصالح مغفور لهم خطؤهم وما كان من السيئات، وقد سبق لهم من الله الحسنى، فإن الله يغفرها لهم إما بتوبة، أو بحسنات ماحية، أو مصائب مكفرة أو غير ذلك، فإنهم خير قرون هذه الأمة كما قال صلى الله عليه وسلم: (خير القرون قرني الذي بعثت فيهم، ثم الذين يلونهم)، وهذه خير أمة أخرجت للناس.

(الشرح)

يقول المؤلف رحمه الله مبيناً معتقد أهل السنة والجماعة قال: (وكذلك نؤمن بالإمساك عما شجر بين الصحابة) يعني: أن من عقيدة أهل السنة والجماعة الإمساك ومعنى الإمساك: يعني السكوت, عما شجر بين الصحابة يعني: عما حصل بينهم من الخلاف، الخلافات التي حصلت بين الصحابة والنزاع والقتال، فيجب الإمساك عنه يعني السكوت عنه، ولا يجوز إفشاؤه.

ثم أيضًا المنقول عن الصحابة من الخلافات المؤلف رحمه الله: (ونعلم أن بعض المنقول في ذلك كذب، وهم كانوا مجتهدين) يعني: في الشيء الذي ثبت عنهم، وبين المؤلف رحمه الله في رسالة "العقيدة الواسطية" .

فقال والمنقول عن الصحابة والأخبار التي نُقلت عن الصحابة أنواع:

منها: ما هو كذب لا أساس له من الصحة.

ومنها: ما هو له أصل، ولكن زيد فيه أو نقص منه أو غير عن وجهه.

ومنها: ما هو ثابت صحيح، والثابت في الصحيح هم بين أمرين: فإما مجتهد مصيب له أجران، أجر الإصابة وأجر الاجتهاد، وإما مجتهد مخطئ فله أجر الاجتهاد، وخطؤه مغفور.

ثم نعتقد أن كل واحد من الصحابة ليس معصوماً من كبائر الذنوب ولا من صغائرها، فهم ليسوا أنبياء، والعصمة للأنبياء فالنبي معصوم عن الشرك ومعصوم عن الكبائر ومعصومٌ فيما يبلغ عن الله، أما الواحد من الصحابة ما هو معصوماً وقد تقع منه الذنوب، لكن إذا وقع منه الذنب فهناك أنواع من أسباب المغفرة:

أولًا: ما يحصل من الصحابة من الاجتهاد فإن أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر، وإن وقع في ذنب محقق فأسباب المغفرة كثيرة: فقد يتوب إلى الله، فإما أن يغفرها الله له بتوبة فيتوب الله عليه، أو يغفرها له بإقامة الحد في الدنيا مثلاً، أو بحسنات ماحية، أو مصائب مكفرة، أو تُغفر له بشفاعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذين هم أولى الناس بشفاعته، فإنهم خير قرون هذه الأمة، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (وهم كانوا مجتهدين) يعني فيما شجر بينهم، (إما مصيبين فلهم أجران، أو مثابين على عملهم الصالح، ومغفور لهم خطأهم وما كان عليهم من السيئات).

(وقد سبق لهم من الله الحسنى) وعدهم الله بالجنة، (فإن الله يغفرها لهم) يعني الذنوب المحققة: إما بتوبة، أو بحسنات ماحية، أو مصائب مكفرة، أو غير ذلك مثل: شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، (فإنهم خير قرون هذه الأمة، كما قال صلى الله عليه وسلم: «خير القرون قرني الذي بعثت فيهم، ثم الذين يلونهم» وهذه خير أمة أخرجت للناس)، وبهذا يتبين أن معتقد أهل السنة والجماعة: الإمساك والسكوت عن الخلافات التي حصلت بين الصحابة فلا تتحدث عنها ولا تنشرها.

وبهذا ينبغي ألا يُستمع للأشرطة التي سجلها بعض الناس في الصحابة والخلاف الذي بينهم؛ لأن هذا طريقة أهل البدع، بعض الناس يسجل أشرطة ينقل فيها النزاع والخلاف والحروب التي حصلت بين الصحابة وينشرها، ويتكلم بالكلام السيء، مثل أشرطة طارق السويدان، فـ طارق السويدان له أشرطة سيئة عن الصحابة في نشر مساوئ الصحابة، فلا ينبغي استماعها بل ينبغي له البعد عنها والتحذير منها؛ لأنها مخالفة لمعتقد أهل السنة والجماعة.

ومعتقد أهل السنة والجماعة: السكوت عما شجر بين الصحابة عن الخلافات، واعتقاد أنهم أفضل الناس وأنهم خير الناس بعد الأنبياء لا كان ولا يكون مثلهم، وأن ما حصل من الخلاف أحد أمرين: إما مجتهد مصيب له أجران أو مجتهد مخطئ له أجر، وأن ما يروى عنهم من الأخبار بعضها كذباً لا أساس له من الصحة، وبعضها له أصل لكن زاد فيه بعض الكذبة أو نقصوا فيه أو غيروه عن وجهه.

والذنوب المحققة بعضها صحيح ثابت، لكن هذا الثابت إما أن يُمحى عنهم بالتوبة أو بالحسنات أو بالمصائب أو بسابقتهم وفضلهم وجهادهم مع النبي صلى الله عليه وسلم، أو بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم.

وبهذا يتبين أن من ينشر الخلافات بين الصحابة ويثير الخلافات أنه مخالف لمعتقد أهل السنة والجماعة، ويجب هجره وعدم الاستماع لكلامه، ومن ذلك: أشرطة طارق السويدان، فينبغي هجرها وتركها وعدم سماعها والتحذير منها لما فيها من مخالفة معتقد أهل السنة والجماعة في نشر ما شجر بين الصحابة من الخلافات, وقد سمعتم أن معتقد أهل السنة والجماعة الإمساك والسكوت عما شجر بين الصحابة واعتقاد فضلهم ومزيتهم وأن ما يُذكر عنهم من الأخبار بعضها كذباً لا أساس له من الصحة، وبعضها له أصل لكن زاد فيه بعض الكذبة أو نقصوا فيه أو غيروه عن وجهه, وبعضه صحيح لكن أسباب المغفرة كثيرة.

وأيضا هذا الصحيح فهم بين مجتهد مصيب له أجران ومخطئ له أجر.

(المتن)

ونعلم مع ذلك أن علياً بن أبي طالب رضي الله عنه كان أفضل وأقرب إلى الحق من معاوية وممن قاتله معه، لما ثبت في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (تمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين تقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق)، وفي هذا الحديث دليل على أنه مع كل طائفة حق، وأن علياً رضي الله عنه أقرب إلى الحق.

(الشرح)

يقول المؤلف رحمه الله: بأن الخلاف والنزاع الذي حصل بين أهل العراق وأهل الشام, أهل العراق وهم علي رضي الله عنه ومن معه، وبين أهل الشام وهم معاوية ومن معه، والحروب التي حصلت بينهم، هم مجتهدون فمنهم المصيب له أجران ومنهم المخطئ له أجر، (ونعلم أن علياً رضي الله عنه أفضل من معاوية وأقرب إلى الحق منه وممن قاتله معه)، والدليل على أنه أقرب إلى الحق: قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد: («تمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين»)، تمرق يعنى: تخرج عن الدين، وهم الخوارج، قال: («تقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق»)، قتلهم مَن؟ علي فصار أقرب إلى الحق من معاوية.

يقول المؤلف: (وفي هذا الحديث دليل على أن مع كل طائفة حق وأن علياً رضي الله عنه أقرب إلى الحق).

والحديث فيه دليل على أن معاوية معه حق وكذلك علي رضي الله عنهما، لكن الأقرب إلى الحق هو علي رضي الله عنه، ومما يدل على ذلك أيضاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ عمار: «ويح عمار تقتله الفئة الباغية»، فقتله جيش معاوية، فدل على أن معاوية ومن معه بغاة، لكن لا يعلمون أنهم بغاة، وذلك أن علياً بن أبي طالب رضي الله عنه بويع بالخلافة بايعه أكثر أهل الحل والعقد، فامتنع معاوية وأهل الشام من البيعة، فتكلم معهم علي وقال بأنه يجب عليكم أن تبايعوا، وقد ثبتت البيعة لـ علي فلماذا لا تبايعون؟ فامتنع معاوية وأهل الشام، وقالوا: لا نبايع أحداً مع أننا نعتقد أنك أولى بالخلافة، لكن أعطنا قتلة عثمان الذين قتلوا عثمان حتى نقتلهم؛ لأن معاوية أقرب الناس إليه، ونخشى من طغيان هؤلاء الذين قتلوا الخليفة الشهيد المظلوم قتلوه ويُتركوا هكذا! نخشى أن يزيد طغيانهم وشرهم ويتجاوز غيرهم.

فقال علي رضي الله عنه: لا بأس أنا أوافقكم على ذلك، لكني لا أستطيع أن أسلمكم قتلته الآن، ولا أعرف من الذي قتل عثمان اندسوا ولا يُعرف، ومن عُرف تنتصر له قبيلته والأمر شديد، فإذا استتب الأمن فإننا نأخذ قتلة عثمان ونقتلهم، فقال معاوية وأهل الشام: لا, الآن أعطونا قتلة عثمان فحصل الخلاف وهذا أسباب الخلاف.

فلما رأى علي رضي الله عنه أنهم لا يبايعون أراد أن يخضعهم بالقوة ولابد من قتالهم، فانضم إلى علي أكثر الصحابة وقالوا: إن علي هو الذي معه الحق وأن أهل الشام بغاة يجب إخضاعهم؛ عملاً بقول الله تعالى: )وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ([الحجرات/9].

فجماهير الصحابة انضموا إلى علي استدلالًا بهذه الآية، وقالوا: بأن أهل الشام بغاة، والله أمرنا أن نقاتل البغاة إذا لم يفيئوا، فيجب عليهم أن يبايعوا فلما لم يبايعوا قاتلهم علي رضي الله عنه، فدافعوا عن أنفسهم فهذا سبب الخلاف.

ولم يرى علي رضي الله عنه أن معاوية وأهل الشام من المؤلفة قلوبهم، قد استقر الإسلام وتمكن في قلوبهم, والمؤلفة قلوبهم: هم الذين دخلوا الإسلام من جديد, ومعاوية وأهل الشام دخلوا في الإسلام من قديم، فليسوا من المؤلفة قلوبهم، فلم يبقى إلا القتال فقاتلوهم، وهذا هو الصواب.

فكان الصواب مع علي رضي الله عنه، وأهل الشام ومعاوية متأولون، يقولون: نحن لا نمانع ولا نطالب بالخلافة، وإنما نطالب بدم عثمان يقولون نحن أولياؤه، فأعطونا القتلة نقتلهم ونبايع واضح هذا.

ويرى علي رضي الله عنه أنه الخليفة الراشد الذي تمت له البيعة ويجب إخضاعهم له، وأما مطالبتهم بالدم فيكون بعد ذلك، فهذا هو بداية منشأ النزاع.

وهذا معنى قول المؤلف رحمه الله: (ونعلم أن علياً كان أفضل وأقرب إلى الحق).

(المتن)

وأما الذين قعدوا عن القتال في الفتنة كـ سعد بن أبي وقاص وابن عمر وغيرهما رضي الله عنهم فاتبعوا النصوص التي سمعوها في ذلك عن القتال في الفتنة، وعلى ذلك أكثر أهل الحديث.

(الشرح)

يعني: طائفة من الصحابة اعتزلوا الفريقين، فلم يقاتلوا مع علي ولم يقاتلوا مع معاوية؛ لأن الأمر اشتبه عليهم فقالوا: لا ندري الحق مع علي أم مع معاوية؟ وقالوا: أن النصوص الكثيرة جاءت بالأمر بالاعتزال في الفتنة وعدم الدخول في الفتنة وهذه فتنة، ومنها: «اعتزل الفتنة»، ومنها: «اكسر سيفك في الفتنة»، وكذلك منها: «إذا كنت قائماً فاقعد، وإن كنت قاعداً فاضطجع».

قالوا: هذه فتنة والنبي صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نجلس في الفتنة ولا نشارك في الفتنة وأن نكسر سيوفنا، فاشتبه الأمر عليهم ولا يدرون الحق مع هؤلاء ولا مع هؤلاء.

ومن ذلك سعد بن أبي وقاص ممن اعتزل الفريقين، فلم يقاتل مع هؤلاء ولا مع هؤلاء، وكذلك ابن عمر، وأبو بكرة، وأسامة بن زيد لم قتل رجلاً لما رفع عليه السيف وقتله وعنفه النبي صلى الله عليه وسلم وشدد عليه بعد ذلك اتعظ فلم يدخل مع الفريقين، وسلمة بن الأكوع اعتزل الفريقين وذهب إلى البادية وتزوج، وقال: إن الرسول أذن لي في البدو واعتزل هؤلاء وهؤلاء.

فهؤلاء الصحابة اشتبه الأمر عليهم فلم يتبين لهم من مع الحق، ويسميهم بعض الناس: مرجئة الصحابة؛ لأنهم أرجئوا أمر هؤلاء وهؤلاء إلى الله ولم يعلموا أن الحق مع هؤلاء أو مع هؤلاء، والصواب مع علي ومن قاتل معه، وهذا هو الذي عليه جماهير الصحابة، ويجب القتال معه؛ لأنه الخليفة الراشد عملاً بالآية الكريمة: )وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا([الحجرات/9]، فقال: (قاتلوا) ولما قال: اجلسوا، قال: )فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ([الحجرات/9]، فأكثر الصحابة قاتلوا معاوية عملاً بهذه الآية، لأنهم بغاة ولم يبايعوا، فيجب إخضاعهم حتى لا تكون فتنة، وكلٌ له عذر، فـ علي مصيب وعذره معروف ودليله الآية، ومعاوية وأصحابه مجتهدون ولهم عذر، ومن اعتزل الفريقين أيضاً له عذر، فكلٌ له عذر.

 

(المتن)

وكذلك آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم من الحقوق ما يجب رعايتها، فإن الله جعل لهم حقاً في الخمس والفيء، وأمر بالصلاة عليهم مع الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لنا: (قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد)، وآل محمد: هم الذين حُرمت عليهم الصدقة، هكذا قال الشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهما من العلماء رحمهم الله، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد)، وقد قال الله تعالى في كتابه:  (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)[الأحزاب:33]، وحرّم الله عليهم الصدقة؛ لأنها أوساخ الناس، وقد قال بعض السلف: حب أبو بكر وعمر إيمان وبغضهما نفاق.

وفي المسانيد والسنن: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للعباس لما شكا إليه جفوة قوم لهم: (والذي نفسي بيده! لا يدخلون الجنة حتى يحبوكم من أجلي).

(الشرح)

يقول المؤلف رحمه الله: (وكذلك آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم من الحقوق ما يجب رعايتها) وآل بيته هم قرابته, ويطلق آل البيت على قرابة النبي صلى الله عليه وسلم من جهة النسب، وهم: عمه العباس من آله، وعلي بن أبي طالب، وفاطمة، والحسن والحسين، وزوجاته من أهله أيضاً، فكل هؤلاء يطلق عليهم اسم الآل، ويُطلق آل النبي على أتباعه على دينه وهذا أوسع فيشمل القرابة وغيرهم، الصواب أن المراد بآله أتباعه آل بيته, ولكن قد يطلق آله على قرابته إذا قيل: تحرم الصدقة على آل النبي صلى الله عليه وسلم (...)، وأما في الصلاة حين تقول: اللهم صل على محمد وآله، تشمل أتباعه على دينه.

ويقول المؤلف رحمه الله: (آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم) يعني: قرابته، (لهم من الحقوق ما يجب رعايتها فإن الله جعل لهم حقاً في الخمس والفيء) والفيء: ما يغنمه المسلمون من أموال الكفار بلا قتال هذا يُقال له فيء, الأموال التي يتركها الكفار ويأخذها المسلمون يقال لها فيء كما لو مثلًا غزى الصحابة قومًا يعني بلد من الكفار فلما رأوا الصحابة هربوا وتركوا الأمر فأخذ الصحابة أموالهم هذه تسمى فيء ما في قتال, أما ما أُخذ من أموالهم بعد القتال فهذا يسمى غنيمة.

  • والفرق بين الغنيمة والفيء:

الغنيمة: ما أُخذ من أموال الكفار بعد القتال.

والفيء: ما أُخذ من أموال الكفار بدون قتال.

الغنيمة إذا قاتل المسلمون الكفار ومعهم النبي صلى الله عليه وسلم وغنموا أموالهم تجمع الأموال فإذا جُمعت يُنزع الخمس ثم تقسم أربعة أخماس على الغانمين، وينزع الخمس الخامس ثم يقسم خمسة أقسام: فخُمس لله وللرسول، وخمس لقرابة الرسول وهم بنو هاشم وبنو المطلب, وخمس لليتامى، وخمس للمساكين، وخمس لابن السبيل، وهذا معنى قوله تعالى: )وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ([الأنفال/41].

(وكذلك آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم لهم من الحقوق ما يجب رعايتها، فإن الله جعل لهم الحق في الخمس والفيء، وأمر بالصلاة عليهم مع الصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم فقال لنا: «قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد»)، ويشمل آل محمد قرابته المسلمون، أما غير المسلم ما يدخل, والصواب أنه يدخل مع آله أتباعه على دينه إلى يوم القيامة.

قال: (كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد) وهذا نوع من أنواع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد) فجمع بين محمد وآل محمد في الصلاة، لكن في الصلاة على إبراهيم قال: (كما صليت على آل إبراهيم) .

وهذا نوع من الصلاة: (إنك حميد مجيد) وفي التبريك جمع بين محمد وآل محمد فقال: (وبارك على محمد وعلى آل محمد) وقال في إبراهيم: (كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد).

والنوع الثاني: «اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم». والفرق بينهما أن في الأولى: (آل إبراهيم) وهذه إبراهيم.

وهناك نوع ثالث: وهو قوله: «اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته، وبارك على محمد وأزواجه وذريته».

وأكمل ما ورد في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ما رواه البخاري في صحيحه في "كتاب الأنبياء" الجمع بين محمد وآل محمد ولإبراهيم وآل إبراهيم في الصلاة والتبريك وهو ما رواه البخاري في صحيحه في "كتاب الأنبياء" أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قولوا: اللهم صلِ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد».

يُجمع بين محمد وآل محمد وإبراهيم وآل إبراهيم في الصلاة وفي التبريك، وفي بعضها: «اللهم صلِ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد»، وكلها حق، لكن أكملها هو الجمع بين محمد وآل محمد وإبراهيم وآل إبراهيم في الصلاة وفي التبريك، وقد خفي هذا على شيخ الإسلام رحمه الله ابن تيمية مع علمه وحفظه العظيم للصحاح والسنن والمسانيد فقال: "لم يرد الجمع بين إبراهيم وآل إبراهيم في الصلاة"، وهو موجود في البخاري وقد تبعه على ذلك العلامة ابن القيم فقال: "لم يرد الجمع بين إبراهيم وآل إبراهيم".

والصواب: أنه ورد في "كتاب الأنبياء" قوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم»، في الصلاة والتبريك.

آل محمد من هم آل محمد؟ إذا قيل آل محمد في الصدقة والزكاة: فهم الذين حُرمت عليهم الصدقة، هكذا قال الشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهم من العلماء رحمهم الله، من هم الذين حُرمت عليهم الصدقة؟ هم بنو هاشم، وبنو عبد المطلب, قال النبي صلى الله عليه وسلم: («إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد»)، لماذا لا تحل لهم؟ قال العلماء: (لأنها أوساخ الناس).

فتكريمًا لمحمد وآل محمد لا تحل الزكاة للنبي صلى الله عليه وسلم ولا لآله؛ لأنها أوساخ الناس، كيف أوساخ الناس؟ فعندما يخرج الإنسان زكاة ماله فإنه يطهر ماله، فدل على أن الزكاة وسخ تطهر المال فكُرم النبي صلى الله عليه وسلم وآله ولا يأكلون من الزكاة، لكن عوضهم الله بالخمس من الغنيمة والفيء، وقال تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)[الأحزاب:33]) وحرم الله عليهم الصدقة؛ لأنها أوساخ الناس، وقد قال بعض السلف: (حب أبي بكر وعمر إيمان وبغضهما نفاق) وهذا صحيح.

وفي المسانيد والسنن: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للعباس لما شكا إليه جفوة قوم لهم: («والذي نفسي بيده! لا يدخلون الجنة حتى يحبوكم من أجلي») والمراد بمن يحبوكم؟ أهل البيت.

(المتن)

وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله اصطفى بني إسماعيل، واصطفى بني كنانة من بني إسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفى بني هاشم من قريش، واصطفاني من بني هاشم).

(الشرح)

فالنبي صلى الله عليه وسلم هو الخلاصة، فالله تعالى (إن الله اصطفى بني إسماعيل، واصطفى بني كنانة من بني إسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفى بني هاشم من قريش، واصطفى نبيه صلى الله عليه وسلم من بني هاشم)، وفي اللفظ الآخر: «فأنا خيار من خيار من خيار».

(المتن)

وقد كانت الفتنة لما وقعت بقتل عثمان وافتراق الأمة بعده، صار قوم ممن يحب عثمان ويغلو فيه ينحرف عن علي رضي الله عنه مثل كثير من أهل الشام ممن كان إذ ذاك يسب علياً رضي الله عنه ويبغضه، وقوم ممن يحب علياً رضي الله عنه ويغلو فيه ينحرف عن عثمان رضي الله عنه مثل كثير من أهل العراق ممن كان يبغض عثمان ويسبه رضي الله عنه، ثم تغلظت بدعتهم بعد ذلك حتى سبوا أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، وزاد البلاء بهم حينئذ، والسنة محبة عثمان وعلي جميعاً، وتقديم أبي بكر وعمر عليهما رضي الله عنهم، لما خصهما الله به من الفضائل التي سبقا بها عثمان وعلياً، وقد نهى الله في كتابه عن التفرق والتشتت وأمر بالاعتصام بحبله.

(الشرح)

يقول المؤلف رحمه الله: (وقد كانت الفتنة لما وقعت بقتل عثمان وافتراق الأمة بعده) يعني: أن الفتنة حصلت بقتل عثمان؛ لأنه قتل شهيداً مظلوماً وهو خليفة المسلمين، وذلك: أن بعض السفهاء جاءوا وتجمعوا من أقطار الدولة الإسلامية من البصرة والكوفة ومصر وجعلوا يشيعون عيوب عثمان اختلقوا له عيوب وينشرونها بين الناس، فعابوا عليه وقالوا: إن عثمان خالف الشيخين أبا بكر وعمر، فخفض صوته بالتكبير، وأخذ الزكاة على الفيء، وولى أقاربه، وأتم الصلاة في السفر، وجعلوا يعددون وجعلوا ينشرونها بين الناس حتى تجمع هؤلاء السفهاء وأحاطوا ببيته وقتلوه، فلما قتلوه اندلع باب الفتنة، ثم بويع علي رضي الله عنه، ثم امتنع أهل الشام عن البيعة فحصل القتال.

ولهذا يقول المؤلف رحمه الله: (وَقَدْ كَانَتْ الْفِتْنَةُ لَمَّا وَقَعَتْ بِقَتْلِ عثمان وَافْتِرَاقِ الْأُمَّةِ بَعْدَهُ، صَارَ قَوْمٌ مِمَّنْ يُحِبُّ عثمان وَيَغْلُو فِيهِ يَنْحَرِفُ عَنْ علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، مِثْلُ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ؛ مِمَّنْ كَانَ إذْ ذَاكَ يَسُبُّ علياً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَيُبْغِضُهُ، وَقَوْمٌ مِمَّنْ يُحِبُّ علياً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَيَغْلُو فِيهِ ينحرف عن عثمان).

  • يعني انقسم الناس قسمين:

القسم الأول: قسماً أحبوا عثمان وزادوا في حبه وكرهوا علياً بل سبوه.

القسم الثاني: وقسماً أحبوا علياً وغلوا فيه، وانحرفوا عن عثمان رضي الله عنه, كثير من أهل العراق ممن كانوا يُبغضون عثمان ويسبونه رضي الله عنه.

(ثم تغلظت بدعتهم بعد ذلك حتى سبوا أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، وزاد البلاء بهم حينئذ) وهذا مذهب الرافضة: سب الشيخين أبي بكر وعمر، وهذا من الردة.

قال المؤلف رحمه الله: (وَالسُّنَّةُ مَحَبَّةُ عثمان وعلي جَمِيعًا)، والترضي عنهما، قوله: (وَتَقْدِيمُ أبي بكر وعمر عليهما رضي الله عنهم) يعني في الفضيلة وفي الخلافة؛ لأن أبا بكر وعمر مقدمان في الخلافة وفي الفضيلة رضي الله عنهم.

(لِمَا خَصَّهُمَا اللَّهُ بِهِ مِنْ الْفَضَائِلِ الَّتِي سَبَقَا بِهَا عثمان وعلياً رضي الله عنهما أجمعين وَقَدْ نَهَى اللَّهُ فِي كِتَابِهِ عَنْ التَّفَرُّقِ وَالتَّشَتُّتِ؛ وَأَمَرَ بِالِاعْتِصَامِ بِحَبْلِهِ) يعني لا يجوز للأمة أن تتفرق، بل يجب عليها أن تجتمع وأن تعتصم بحبل الله ودينه.

(المتن)

قال المؤلف رحمه الله تعالى: فَهَذَا مَوْضِعٌ يَجِبُ عَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يَتَثَبَّتَ فِيهِ وَيَعْتَصِمَ بِحَبْلِ اللَّهِ، فَإِنَّ السُّنَّةَ مَبْنَاهَا عَلَى الْعِلْمِ وَالْعَدْلِ وَالِاتِّبَاعِ لِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ.

فَالرَّافِضَةُ لَمَّا كَانَتْ تَسُبُّ الصَّحَابَةَ، صَارَ الْعُلَمَاءُ يَأْمُرُونَ بِعُقُوبَةِ مَنْ يَسُبُّ الصَّحَابَةَ، ثُمَّ كَفَّرَتْ الصَّحَابَةَ وَقَالَتْ عَنْهُمْ أَشْيَاءَ قَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَهُمْ فِيهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.

(الشرح)

يقول المؤلف رحمه الله: (هذا موضع يجب على المؤمن أن يتثبت فيه ويعتصم بحبل الله، فإن السنة مبناها على العلم والاتباع لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم) يعني هذا الموضع مسألة ترتيب الصحابة في الخلافة، وترتيبهم في الفضيلة، والنزاع الذي جرى بين الصحابة، فهو موضع يجب على المؤمن أن يتثبت فيه ويعتصم بحبل الله، وإذا نظرنا إلى النصوص وجدنا في كتاب الله وسنة رسوله أنها تترضى عن الصحابة وتبين فضلهم وسابقتهم.

 (فإن السنة مبناها على العلم والإتباع لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فَالرَّافِضَةُ لَمَّا كَانَتْ تَسُبُّ الصَّحَابَةَ، صَارَ الْعُلَمَاءُ يَأْمُرُونَ بِعُقُوبَةِ مَنْ يَسُبُّ الصَّحَابَةَ) يعني لما كان الروافض يسبون الصحابة كان العلماء يأمرون بعقوبة من يسب الصحابة، (ثُمَّ كَفَّرَتْ الصَّحَابَةَ وَقَالَتْ عَنْهُمْ أَشْيَاءَ) يعني الرافضة كفروا الصحابة، بل كفروا أبا بكر وعمر، قال: (قَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَهُا فِيهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ)، فقد بيّن رحمه الله في "الصارم المسلول على شاتم الرسول" أن من فسّق الصحابة وكفرهم فإنه يكون مرتداً؛ لأنه مكذب لله؛ ولأن الله تعالى زكاهم وعدلهم ووعدهم بالجنة، قال عز وجل: )وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95)([النساء/95] وقال سبحانه: )لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ([الفتح/18] وقال تعالى: )مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ([الفتح/29].

هذه كلها تزكية، فالله زكاهم وعدّلهم، فمن كفرهم وفسقهم فقد كذب الله، ومن كذب الله كفر.

(المتن)

وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ إذْ ذَاكَ يَتَكَلَّمُ فِي يزيد بن معاوية، وَلَا كَانَ الْكَلَامُ فِيهِ مِنْ الدِّينِ، ثُمَّ حَدَثَتْ بَعْدَ ذَلِكَ أَشْيَاءُ فَصَارَ قَوْمٌ يُظْهِرُونَ لَعْنَةَ يزيد بن معاوية، وَرُبَّمَا كَانَ غَرَضُهُمْ بِذَلِكَ التَّطَرُّقَ إلَى لَعْنَةِ غَيْرِهِ، فَكَرِهَ أَكْثَرُ أَهْلِ السُّنَّةِ لَعْنَةَ أَحَدٍ بِعَيْنِهِ، فَسَمِعَ بِذَلِكَ قَوْمٌ مِمَّنْ كَانَ يَتَسَنَّنُ؛ فَاعْتَقَدَ أَنَّ يزيد كَانَ مِنْ كِبَارِ الصَّالِحِينَ وَأَئِمَّةِ الْهُدَى.

وَصَارَ الْغُلَاةُ فِيهِ عَلَى طَرَفَيْ نَقِيضِ، هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: إنَّهُ كَافِرٌ زِنْدِيقٌ، وَإِنَّهُ قَتَلَ ابْنَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، وَقَتَلَ الْأَنْصَارَ وَأَبْنَاءَهُمْ بِالْحَرَّةِ، لِيَأْخُذَ بِثَأْرِ أَهْلِ بَيْتِهِ الَّذِينَ قُتِلُوا كُفَّارًا، مِثْلُ جَدِّهِ لِأُمِّهِ عتبة بن ربيعة وَخَالِهِ الوليد وَغَيْرِهِمَا، وَيَذْكُرُونَ عَنْهُ مِنْ الِاشْتِهَارِ بِشُرْبِ الْخَمْرِ وَإِظْهَارِ الْفَوَاحِشِ وأَشْيَاءَ.

وَأَقْوَامٌ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ كَانَ إمَامًا عَادِلًا هَادِيًا مَهْدِيًّا، وَأَنَّهُ كَانَ مِنْ الصَّحَابَةِ أَوْ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ، وَأَنَّهُ كَانَ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَرُبَّمَا اعْتَقَدَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ، وَيَقُولُونَ: مَنْ وَقَفَ فِي يزيد وَقَّفَهُ اللَّهُ عَلَى نَارِ جَهَنَّمَ، وَيَرْوُونَ عَنْ الشَّيْخِ حسن بن عدي أَنَّهُ كَانَ كَذَا وَكَذَا وَلِيًّا، ومن وقفوا فيه وَقَفُوا عَلَى النَّارِ لِقَوْلِهِمْ فِي يزيد، وَفِي زَمَنِ الشَّيْخِ حسن زَادُوا أَشْيَاءَ بَاطِلَةً نَظْمًا وَنَثْرًا.

وَغَلَوْا فِي الشَّيْخِ عدي وَفِي يزيد بِأَشْيَاءَ مُخَالِفَةٍ لِمَا كَانَ عليه الشَّيْخُ عدي الْكَبِيرُ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ، فَإِنَّ طَرِيقَتَهُ كَانَتْ سَلِيمَةً لَمْ يَكُنْ فِيهَا مِنْ هَذِهِ الْبِدَعِ وَابْتُلُوا بِرَوَافِضَ عَادُوهُمْ وَقَتَلُوا الشَّيْخَ حسناً وَجَرَتْ فِتَنٌ لَا يُحِبُّهَا اللَّهُ وَلَا رَسُولُهُ.

(الشرح)

يقول المؤلف رحمه الله في ذلك الوقت: (ولم يَكُنْ أَحَدٌ إذْ ذَاكَ يَتَكَلَّمُ فِي يزيد بن معاوية وَلَا كَانَ الْكَلَامُ فِيهِ مِنْ الدِّينِ) يعني: في عهد يزيد ما كان أحد يتكلم في يزيد بن معاوية أو يسبه، (وَلَا كَانَ الْكَلَامُ فِيهِ مِنْ الدِّينِ) لأن يزيد بن معاوية إنما بويع له بالخلافة بعد وفاة أبيه معاوية بويع لابنه يزيد ولا كان في عهدهم في ذلك الوقت أحد يتكلم في يزيد أو يسبه كان الناس سكتوا عن هذا.

(ثُمَّ حَدَثَتْ بَعْدَ ذَلِكَ أَشْيَاءُ فَصَارَ قَوْمٌ يُظْهِرُونَ لَعْنَةَ يزيد بن معاوية) يعني: كانوا يلعنونه؛ يقول قتل الحسين حسب زعمهم فصاروا يلعنون يزيدًا، (وَرُبَّمَا كَانَ غَرَضُهُمْ بِذَلِكَ التَّطَرُّقَ إلَى لَعْنَةِ غَيْرِهِ) يعني: بعض الناس يلعن يزيد حتى يلعن غيره، (فَكَرِهَ أَكْثَرُ أَهْلِ السُّنَّةِ لَعْنَةَ أَحَدٍ بِعَيْنِهِ) يعني: أهل السنة يكرهون أن يلعن أحد بعينه، فلا تقل: فلان بن فلان عليه لعنة الله، وإنما تلعن على العموم، فتقول: لعن الله شارب الخمر، لعن الله آكل الربا، لعن الله السارق، أما فلان بن فلان هل يُلعن؟ لا, يتوقف وهذا هو الصواب، ما نلعن الشخص؛ لأنه قد يتوب الله عليه، وقد تمحى سيئته، فلا يلعن بعينه.

ولهذا قال المؤلف: (وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ إذْ ذَاكَ يَتَكَلَّمُ فِي يزيد بن معاوية، وَلَا كَانَ الْكَلَامُ فِيهِ مِنْ الدِّينِ) ليس من الدين لأنه متأخر: (وَرُبَّمَا كَانَ غَرَضُهُمْ بِذَلِكَ التَّطَرُّقَ إلَى لَعْنَةِ غَيْرِهِ فَكَرِهَ أَكْثَرُ أَهْلِ السُّنَّةِ لَعْنَةَ أَحَدٍ بِعَيْنِهِ فَسَمِعَ بِذَلِكَ قَوْمٌ مِمَّنْ كَانَ يَتَسَنَّنُ؛ فَاعْتَقَدَ أَنَّ يزيد كَانَ مِنْ كِبَارِ الصَّالِحِينَ وَأَئِمَّةِ الْهُدَى) كره أكثر أهل السنة لعنة أحدٌ بعينه ومن ذلك يزيد فجاء قوم بعدهم ممن كان ينتسب إلى السنة، فاعتقد أن يزيد كان من كبار الصالحين وأئمة الهدى، (وَصَارَ الْغُلَاةُ فِيهِ عَلَى طَرَفَيْ نَقِيضِ، هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: إنَّهُ كَافِرٌ زِنْدِيقٌ وَأَقْوَامٌ يقولون أَنَّهُ كَانَ إمَامًا عَادِلًا هَادِيًا مَهْدِيًّا) فالناس في يزيد بن معاوية طرفان ووسط:

طرف يقول: إن يزيد بن معاوية كافر زنديق قتل ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وطرف آخر يقولون: إن يزيد كان إماماً عادلاً هادياً مهدياً، وأنه كان من الصحابة أو أكابر الصحابة وأنه من أولياء الله تعالى، وربما اعتقد بعضهم أنه نبي.

وكل هذا باطل وهذا باطل والصواب الوسط، وهو أن يزيد بن معاوية ليس من الصحابة، وليس نبياً ولا إماماً عادلاً، ولكنه من ملوك المسلمين الذين لهم حسنات وسيئات، كغيره من الملوك هكذا يقول المؤلف، لا نقول: إنه نبي أو إنه هاد مهدي أو أنه مصلح، ولا نسبه ولا نشتمه بل نتوسط.

ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (وصار الغلاة فيه على طرفي نقيض هؤلاء يقولون: إنه كافر زنديق) وهم طائفة (وأنه قتل ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقتل الأنصار وأبناءهم بالحرة) وهي وقعة الحرة المعروفة، هذه الوقعة حصلت بسبب: أن أهل المدينة بقيادة عبد الله بن مطيع خلعوا يزيد، والخلافة في الشام والخليفة يزيد بن معاوية فخلع أهل المدينة يزيد، فنهاهم ابن عمر ونصحهم، وقال: لا يجوز الخروج على ولاة الأمور وهذا يسبب الفتن، فلم يسمعوا له ويطيعوه، فأرسل يزيد بن معاوية من الشام جيشاً لقتال أهل المدينة وإخضاعهم؛ لأنهم خرجوا على خلافته، فقاتلهم هذا الجيش وأخضعهم، ويقال: إنه استباح المدينة ثلاثة أيام عقوبة لهم، يعني: كل يفعل ما يشاء ثلاثة أيام لا يُحاسب من الزنا أو السرقة وكل شيء نعوذ بالله.

فإذاً: بعض الناس غلا في يزيد فقال: إنه كافر زنديق قتل ابن بنت الرسول صلى الله عليه وسلم وقتل الأنصار، وهذه وقعة الحرة قتل فيها خلقاً كثيراً من الصحابة وأبناء الأنصار، وفعل فيها ثلاثة أيام من الفواحش ما الله به عليم.

وأقوام يقولون: إن يزيد إمام عادل هاد مهدي، بل قال بعضهم: إنه من الصحابة، بل قال بعضهم: إنه من كبار الصحابة، بل قال بعضهم: إنه من أولياء الله، بل اعتقد بعضهم أنه من الأنبياء، ويقولون هؤلاء الذين يغلون في يزيد: (من وقف في يزيد وقفه الله على نار جهنم).

ما معنى وقف؟ يعني توقف ما مدحه ولا ذمه ولا سبه هذا الذي توقف, هم يسوقون حديث يقولون: (من وقف في يزيد وقفه الله على نار جهنم) فهذا يعذب في نار جهنم، هكذا يقولون, (وَيَرْوُونَ عَنْ الشَّيْخِ حسن بن عدي أَنَّهُ كَانَ كَذَا وَكَذَا وَلِيًّا، ومن وقفوا فيه وَقَفُوا عَلَى النَّارِ لِقَوْلِهِمْ فِي يزيد، وَفِي زَمَنِ الشَّيْخِ حسن زَادُوا أَشْيَاءَ بَاطِلَةً نَظْمًا وَنَثْرًا وَغَلَوْا فِي الشَّيْخِ عدي وَفِي يزيد بِأَشْيَاءَ مُخَالِفَةٍ لِمَا كَانَ عليه الشَّيْخُ عدي الْكَبِيرُ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ، فَإِنَّ طَرِيقَتَهُ كَانَتْ سَلِيمَةً لَمْ يَكُنْ فِيهَا مِنْ هَذِهِ الْبِدَعِ وَابْتُلُوا بِرَوَافِضَ عَادُوهُمْ وَقَتَلُوا الشَّيْخَ حسناً وَجَرَتْ فِتَنٌ لَا يُحِبُّهَا اللَّهُ وَلَا رَسُولُهُ).

(المتن)

وَهَذَا الْغُلُوُّ فِي يزيد مِنْ الطَّرَفَيْنِ خِلَافٌ لِمَا أَجْمَعَ عليه أَهْلُ الْعِلْمِ والْإِيمَانِ.

فَإِنَّ يزيد بن معاوية وُلِدَ فِي خِلَافَةِ عثمان بن عفان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَمْ يُدْرِكْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، وَلَا كَانَ مِنْ الصَّحَابَةِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ؛ وَلَا كَانَ مِنْ الْمَشْهُورِينَ بِالدِّينِ وَالصَّلَاحِ، وَكَانَ مِنْ شُبَّانِ الْمُسْلِمِينَ؛ وَلَا كَانَ كَافِرًا ولا زِنْدِيقًا؛ وَتَوَلَّى بَعْدَ أَبِيهِ عَلَى كَرَاهَةٍ مِنْ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ وَرِضًا مِنْ بَعْضِهِمْ، وَكَانَ فِيهِ شَجَاعَةٌ وَكَرَمٌ، وَلَمْ يَكُنْ مُظْهِرًا لِلْفَوَاحِشِ كَمَا يَحْكِي عَنْهُ خُصُومُهُ.

(الشرح)

يقول المؤلف: (هذا الغلو في يزيد من الطرفين خلاف لما أجمع عليه أهل العلم والإيمان) قلنا: إن بعضهم غلا وقال: إنه كافر زنديق، وبعضهم غلا في مدحه وقال: إنه إمام صالح هاد مهدي، أو أنه نبي, نقول: هذا الغلو باطل في يزيد (فَإِنَّ يزيد بن معاوية وُلِدَ فِي خِلَافَةِ عثمان بن عفان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَمْ يُدْرِكْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، وَلَا كَانَ مِنْ الصَّحَابَةِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ) فمن قال: أنه من الصحابة فقد أخطأ, (وَلَا كَانَ مِنْ الْمَشْهُورِينَ بِالدِّينِ وَالصَّلَاحِ، ولكن كَانَ مِنْ شُبَّانِ الْمُسْلِمِينَ؛ ولم يكن كَافِرًا ولا زِنْدِيقًا؛ وَتَوَلَّى بَعْدَ أَبِيهِ الخلافة عَلَى كَرَاهَةٍ مِنْ بَعْضِ الصحابة وَرِضًا مِنْ بَعْضِهِمْ) بعضهم كره خلافته وبعضهم رضيها, (وَكَانَ فِيهِ شَجَاعَةٌ وَكَرَمٌ، وَلَمْ يَكُنْ مُظْهِرًا لِلْفَوَاحِشِ كَمَا يَحْكِي عَنْهُ خُصُومُهُ).

(المتن)

وَجَرَتْ فِي إمَارَتِهِ أُمُورٌ عَظِيمَةٌ: أَحَدُهَا مَقْتَلُ الحسين رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَهُوَ لَمْ يَأْمُرْ بِقَتْلِ الحسين، وَلَا أَظْهَرَ الْفَرَحَ بِقَتْلِهِ؛ وَلَا نَكَّتَ بِالْقَضِيبِ عَلَى ثَنَايَاهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَا حَمَلَ رَأْسَ الحسين رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، إلَى الشَّامِ، لَكِنْ أَمَرَ بِمَنْعِ الحسين رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَبِدَفْعِهِ عَنْ الْأَمْرِ وَلَوْ كَانَ بِقِتَالِهِ، فَزَادَ النُّوَّابُ عَلَى أَمْرِهِ، وحض الشمر بن ذي الجوشن الجيوش عَلَى قَتْلِهِ لعبيد الله بن زياد؛ فَاعْتَدَى عليه عبيد الله بن زياد، فَطَلَبَ مِنْهُمْ الحسين رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يَجِيءَ إلَى يزيد، أَوْ يَذْهَبَ إلَى الثَّغْرِ مُرَابِطًا أَوْ يَعُودَ إلَى مَكَّةَ فَمَنَعُوهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلَّا أَنْ يَسْتَأْسِرَ لَهُمْ، وَأَمَرَ عمر بن سعد بِقِتَالِهِ فَقَتَلُوهُ مَظْلُومًا لَهُ وَلِطَائِفَةِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.

وَكَانَ قَتْلُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ الْمَصَائِبِ الْعَظِيمَةِ، فَإِنَّ قَتْلَ الحسين، وَقَتْلَ عثمان قَبْلَهُ كَانَا مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ الْفِتَنِ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَقَتَلَتُهُمَا مِنْ شِرَارِ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ.

(الشرح)

يقول المؤلف رحمه الله: (وَجَرَتْ فِي إمَارَة يزيد بن معاوية أُمُورٌ عَظِيمَةٌ: أَحَدُهَا مَقْتَلُ الحسين رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَهُوَ لَمْ يَأْمُرْ بِقَتْلِ الحسين، وَلَا أَظْهَرَ الْفَرَحَ بِقَتْلِهِ؛ وَلَا نَكَّتَ بِالْقَضِيبِ عَلَى ثَنَايَاهُ) كما يقول بعضهم: قتله وأتى بقضيب وجعله في ثناياه ينكت به ويقول المؤلف: هذا ليس صحيح, (وَهُوَ لا أمر بِقَتْلِه الحسين، وَلَا أَظْهَرَ الْفَرَحَ بِقَتْلِهِ؛ وَلَا نَكَّتَ بِالْقَضِيبِ عَلَى ثَنَايَاهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَا حَمَلَ رَأْسَ الحسين رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) محمول رأس الحسين إلى الشام كما يقول بعض الجهال، وبعضهم يقول: محمول إلى مصر، وجعلوا له مشهداً في مصر يسمونه: رأس الحسين.

وهناك مسجد يسمونه: مسجد الحسين يُطاف به، مع أن الحسين ما جاء إلى مصر، ولا نُقل رأسه ولا شيء من ذلك، بل هو مدفون في الشام، فما الذي أتى به إلى مصر حتى يُجعل له مشهد ومزار؟! فالمؤلف رحمه الله يقول: إن يزيد (وَهُوَ لا أمر بِقَتْلِه الحسين، وَلَا أَظْهَرَ الْفَرَحَ بِقَتْلِهِ؛ وَلَا نَكَّتَ بِالْقَضِيبِ عَلَى ثَنَايَاهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَا حَمَلَ رَأْسَ الحسين رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلى الشام لَكِنْ أَمَرَ بِمَنْعِ الحسين رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَبِدَفْعِهِ عَنْ الْأَمْرِ وَلَوْ كَانَ بِقِتَالِهِ) .

أمر بمنعه قال: امنعوه؛ لأنه جاء وعده بأنهم سيبايعونه على الخلافة، فلما جاء أمر يزيد أمر بمنعه ودفعه عن الأرض ولو كان بالقتال فزاد النواب على أمره وقتلوه، (وحض الشمر بن ذي الجوشن الجيوش عَلَى قَتْلِهِ لعبيد الله بن زياد؛ فَاعْتَدَى عليه عبيد الله بن زياد، فَطَلَبَ مِنْهُمْ الحسين رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يَجِيءَ إلَى يزيد، أَوْ يَذْهَبَ إلَى الثَّغْرِ مُرَابِطًا أَوْ يَعُودَ إلَى مَكَّةَ فَمَنَعُوهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلَّا أَنْ يَسْتَأْسِرَ لَهُمْ، وَأَمَرَ عمر بن سعد بِقِتَالِهِ فَقَتَلُوهُ مَظْلُومًا لَهُ وَلِطَائِفَةِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.

وَكَانَ قَتْلُهُ الحسين رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ الْمَصَائِبِ الْعَظِيمَةِ، فَإِنَّ قَتْلَ الحسين، وَقَتْلَ عثمان قَبْلَهُ كَانَا مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ الْفِتَنِ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَقَتَلَتُهُمَا مِنْ شِرَارِ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ).

(المتن)

وَلَمَّا قَدِمَ أَهْلُهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَلَى يزيد بن معاوية أَكْرَمَهُمْ وَسَيَّرَهُمْ إلَى الْمَدِينَةِ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَعَنَ ابن زياد عَلَى قَتْلِهِ، وَقَالَ: كُنْت أَرْضَى مِنْ طَاعَةِ أَهْلِ الْعِرَاقِ بِدُونِ قَتْلِ الحسين، لَكِنَّهُ مَعَ هَذَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ إنْكَارُ قَتْلِهِ، وَالِانْتِصَارُ لَهُ، وَالْأَخْذُ بِثَأْرِهِ، وكَانَ هُوَ الْوَاجِبَ عليه، فَصَارَ أَهْلُ الْحَقِّ يَلُومُونَهُ عَلَى تَرْكِهِ لِلْوَاجِبِ مُضَافًا إلَى أُمُورٍ أُخْرَى، وَأَمَّا خُصُومُهُ فَيزيدونَ عليه مِنْ الْفِرْيَةِ أَشْيَاءَ.

(الشرح)

يقول المؤلف: (لما قدم أهلهم) يعني أهل الحسين ومن معه بعد قتل الحسين لما قُتل الحسين وقُتل من معه قدم أهل الحسين ومن معه على يزيد بن معاوية فأكرمهم وسيرهم إلى المدينة، وروي عنه أنه لعن عبيد الله بن زياد على قتله فهو القائد الجيش لصد الحسين, الحسين جاء معه جيش لأن وعده أهل العراق فأمر بصدهم ومنعهم ولكن ما أمر بقتلهم, فتجاوز عبيد الله بن زياد فقتل الحسين, روي أن يزيد بن معاوية لما بلغه ذلك لعن ابن زياد على قتله، وقال: (كنت أرضى من طاعة أهل العراق بدون قتل الحسين)، يعني ما يصل الأمر للقتل أنا أريد أن يخضعوا للخلافة، (لكن مع هذا لم يظهر منه إنكار قتله، والانتصار له، والأخذ بثأره) يعني: كما أن يزيد ما رضي بقتل الحسين مع ذلك ما أنكر هذا ولا أظهره، فهو ما رضي ولا أحب ولا كره، ما أحب قتل الحسين، ولا كره قتله، (فصار أهل الحق يلومون يزيد على ترك الواجب مضافاً إلى أمور أخرى) يلومون مَن؟ يزيد على تركه الواجب (وأما خصوم يزيد فيكذبون عليه، ويزيدون عليه أشياء).

(المتن)

وَأَمَّا الْأَمْرُ الثَّانِي: فَإِنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ نَقَضُوا بَيْعَتَهُ، وَأَخْرَجُوا نُوَّابَهُ وَأَهْلَهُ فَبَعَثَ إلَيْهِمْ جَيْشًا؛ وَأَمَرَهُ إذَا لَمْ يُطِيعُوهُ بَعْدَ ثَلَاثٍ أَنْ يَدْخُلَهَا بِالسَّيْفِ وَيُبِيحَهَا ثَلَاثًا، فَصَارَ عَسْكَرُهُ فِي الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ يَقْتُلُونَ وَيَنْهَبُونَ وَيَفْتَضُّونَ الْفُرُوجَ الْمُحَرَّمَةَ، ثُمَّ أَرْسَلَ جَيْشًا إلَى مَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ، فَحَاصَرُوا مَكَّةَ وَتُوُفِّيَ يزيد وَهُمْ مُحَاصِرُونَ مَكَّةَ، وَهَذَا مِنْ الْعُدْوَانِ وَالظُّلْمِ الَّذِي فُعِلَ بِأَمْرِهِ, ولهذا كان الذي عليه معتقد أهل السنة وأئمة الأمة أنه لا يُسب ولا يُحب.

قال صالح بن أحمد بن حنبل قلت لأبي: إن قوماً يقولون: إنهم يحبون يزيد.

قال: يا بني! وهل يحب يزيد أحد يؤمن بالله واليوم الآخر؟ فقلت: يا أبت! فلماذا لا تلعنه؟ قال: يا بني! ومتى رأيت أباك يلعن أحداً؟ وروي عنه: أنه قيل له: أتكتب الحديث عن يزيد بن معاوية؟ فقال: لا، ولا كرامة، أوليس هو الذي فعل بأهل المدينة ما فعل؟

(الشرح)

هذا الأمر الثاني الذي حصل في خلافة يزيد.

الأمر الأول: قتل الحسين.

والأمر الثاني: نقض أهل المدينة لبيعة يزيد.

(فإن أهل المدينة النبوية نقضوا بيعته، وأخرجوا نوابه وأهله، فبعث إليهم يزيد جيشاً لإخضاعهم، وأمر القائد إذا لم يطيعوا ولم يرجعوا إلى الطاعة خلال ثلاثة أيام أن يدخلها بالسيف وأن يبيحها مدة ثلاثة أيام) فمن زنى أو سرق أو قتل فلا يقام عليه الحد هذا معنى الاستباحة.

(فصار عسكره في المدينة النبوية ثلاثاً يقتلون من شاءوا، وينهبون ما شاءوا، ويفتضون الفروج المحرمة ثم أرسل يزيد جيشاً إلى مكة المشرفة فحاصروا مكة) من الذي أرسل جيشه إلى مكة؟ يزيد, فحاصروا مكة لماذا؟ لأن فيها عبد الله بن الزبير، (فتوفي يزيد وهم يحاصرون مكة وَهَذَا مِنْ الْعُدْوَانِ وَالظُّلْمِ الَّذِي فُعِلَ بِأَمْرِهِ, ولهذا كان الذي عليه معتقد أهل السنة وأئمة الدين أنه لا يُسب ولا يُحب).

هذا الذي عليه أهل السنة أن يزيد لا يحب ولا يُسب، أي: لا نحبه ولا نسبه.

(قال صالح بن أحمد بن حنبل قلت لأبي) يعني الإمام أحمد بن حنبل (إن قوماً يقولون: إنهم يحبون يزيد).

(قال: يا بني! وهل يحب يزيد أحد يؤمن بالله واليوم الآخر؟) لأنه عاصي (فقلت: يا أبت! فلماذا لا تلعنه؟ قال: يا بني! ومتى رأيت أباك يلعن أحداً؟ وروي عنه: أنه قيل له: أتكتب الحديث عن يزيد بن معاوية؟ قال: لا، ولا كرامة، أوليس هو الذي فعل بأهل المدينة ما فعل؟).

 

(المتن)

 فـ يزيد عِنْدَ عُلَمَاءِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ مَلِكٌ مِنْ الْمُلُوكِ، لَا يُحِبُّونَهُ مَحَبَّةَ الصَّالِحِينَ وَأَوْلِيَاءِ اللَّهِ؛ وَلَا يَسُبُّونَهُ، فَإِنَّهُمْ لَا يُحِبُّونَ لَعْنَةَ الْمُسْلِمِ الْمُعِينِ؛ لِمَا رَوَى البخاري فِي صَحِيحِهِ عَنْ عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (أَنَّ رَجُلًا كَانَ يُدْعَى حماراً، وَكَانَ يُكْثِرُ شُرْبَ الْخَمْرِ، وَكَانَ كُلَّمَا أُتِيَ بِهِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ ضَرَبَهُ، فَقَالَ رَجُلٌ: لَعَنَهُ اللَّهُ مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: لَا تَلْعَنْهُ فَإِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ).

وَمَعَ هَذَا فَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ يُجِيزُونَ لعنه لِأنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ فَعَلَ مِنْ الظُّلْمِ مَا يجوِّز لعنة فَاعِلِهِ.

وَطَائِفَةٌ أُخْرَى تَرَى مَحَبَّتَهُ؛ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ تَوَلَّى عَلَى عَهْدِ الصَّحَابَةِ؛ وَبَايَعَهُ الصَّحَابَةُ، وَيَقُولُونَ: لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ مَا نُقِلَ عَنْهُ، وَكَانَتْ لَهُ مَحَاسِنُ أَوْ كَانَ مُجْتَهِدًا فِيمَا فَعَلَهُ.

وَالصَّوَابُ: هُوَ مَا عليه الْأَئِمَّةُ مِنْ أَنَّهُ لَا يُخَصُّ بِمَحَبَّةِ وَلَا يُلْعَنُ، وَمَعَ هَذَا فَإِنْ كَانَ فَاسِقًا أَوْ ظَالِمًا فَاَللَّهُ يَغْفِرُ لِلْفَاسِقِ وَالظَّالِمِ لَاسِيَّمَا إذَا أَتَى بِحَسَنَاتِ عَظِيمَةٍ.

وَقَدْ رَوَى البخاري فِي صَحِيحِهِ عَنْ ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ قَالَ: (أَوَّلُ جَيْشٍ يَغْزُو قُسْطَنْطِينِية مَغْفُورٌ لَهُ)، وَأَوَّلُ جَيْشٍ غَزَاهَا كَانَ أَمِيرُهُمْ يزيد بن معاوية، وَكَانَ مَعَهُ أبو أيوب الأنصاري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

(الشرح)

يقول المؤلف رحمه الله: (يزيد بن معاوية عند أئمة المسلمين ملك من الملوك لا يحبونه ولا يسبونه) هذا هو العدل والإنصاف، فيزيد بن معاوية ملك من ملوك المسلمين لا يحب ولا يسب، لا يحبونه محبة الصالحين وأولياء الله ولا يسبونه, لماذا لا يسبونه؟ لأنهم لا يحبون لعنة المسلم المعين، واستدل بحديث البخاري في صحيحه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: («أن رجلاً كان يدعى حماراً، وكان يكثر شرب الخمر، وكان كلما أتي به إلى النبي صلى الله عليه وسلم ضربه، فقال رجل: لعنه الله ما أكثر ما يؤتى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله») إذاً فالنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لعن شارب الخمر، لكن لعنه على العموم ما في مانع، ومع هذا فطائفة من أهل السنة يجيزون لعن يزيد، فعلى هذا أهل السنة طائفتان: طائفة تقول: يُلعن يزيد, وطائفة يقولون: لا يلعن، والذين قالوا: لا يلعن هم الجمهور، وهذا هو الصواب.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: («لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله», وَمَعَ هَذَا فَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ يُجِيزُونَ لعنه؛ لِإِنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ فَعَلَ مِنْ الظُّلْمِ مَا يجوِّز لعن فَاعِلِهِ) فالذين يلعنونه فيقولون: له منكرات وله معاصي توجب لعنه، والذين لا يلعنونه يقولون: الأصل في المؤمن أنه لا يلعن.

(وَطَائِفَةٌ أُخْرَى تَرَى محبته يزيد)؛ لأنه مسلم وتولى على عهد الصحابة وبايعه الصحابة، (وَيَقُولُونَ: لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ مَا نُقِلَ عَنْهُ، وَكَانَتْ لَهُ مَحَاسِنُ أَوْ كَانَ مُجْتَهِدًا فِيمَا فَعَلَهُ).

إذًا طائفة من الناس يرون محبة يزيد وطائفة يرون سبه؛ لأنه مسلم تولى على عهد الصحابة وبايعه الصحابة.

ثم بين المؤلف رحمه الله الصواب، فقال: الصواب في هذه المسألة: (هو ما عليه الأئمة من أنه لا يخص بمحبة ولا بلعن، فلا نحبه ولا نلعنه، ومع هذا فإن كان فاسقاً أو ظالماً كما تقولون فالله يغفر للفاسق والظالم، لاسيما إذا أتى الفاسق بحسنات عظيمة) محاها الله, وقد ثبت في صحيح البخاري أن يزيد فعل حسنة وهي الجهاد في سبيل الله.

(فقَدْ رَوَى البخاري فِي صَحِيحِهِ عَنْ ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ قَالَ: «أَوَّلُ جَيْشٍ يَغْزُو قُسْطَنْطِينِية مَغْفُورٌ لَهُ»، وَأَوَّلُ جَيْشٍ غَزَاهَا كَانَ أَمِيرُهُمْ يزيد بن معاوية وَكَانَ مَعَهُ أبو أيوب الأنصاري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ»)، فدل ذلك على أنه لا ينبغي لعنه وشتمه.

(المتن)

وَقَدْ يُشْتَبَهُ يزيد بن معاوية بِعَمِّهِ يزيد بن أبي سفيان، فَإِنَّ يزيد بن أبي سفيان كَانَ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَكَانَ مِنْ خِيَارِ الصَّحَابَةِ، وَهُوَ خَيْرُ آلِ حَرْبٍ، وَكَانَ أَحَدَ أُمَرَاءِ الشَّامِ، الَّذِينَ بَعَثَهُمْ أبو بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي فُتُوحِ الشَّامِ، وَمَشَى أبو بكر فِي رِكَابِهِ يُوصِيهِ مُشَيِّعًا لَهُ فَقَالَ لَهُ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ: إمَّا أَنْ تَرْكَبَ وَإِمَّا أَنْ أَنْزِلَ، فَقَالَ: لَسْتُ بِرَاكِبِ وَلَسْتَ بِنَازِلِ، إنِّي أَحْتَسِبُ خُطَايَ هَذِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ بَعْدَ فُتُوحِ الشَّامِ فِي خِلَافَةِ عمر وَلَّى عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَكَانَهُ أَخَاهُ معاوية، وَوُلِدَ لَهُ يزيد فِي خِلَافَةِ عثمان بن عفان رضي الله عنه، وَأَقَامَ معاوية بِالشَّامِ إلَى أَنْ وَقَعَ مَا وَقَعَ.

فَالْوَاجِبُ الِاقْتِصَارُ فِي ذَلِكَ، وَالْإِعْرَاضُ عَنْ ذِكْرِ يزيد بن معاوية وَامْتِحَانِ الْمُسْلِمِينَ بِهِ، فَإِنَّ هَذَا مِنْ الْبِدَعِ الْمُخَالِفَةِ لِأَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، فَإِنَّهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ اعْتَقَدَ قَوْمٌ مِنْ الْجُهَّالِ أَنَّ يزيد بن معاوية مِنْ الصَّحَابَةِ، وَأَنَّهُ مِنْ أَكَابِرِ الصَّالِحِينَ وَأَئِمَّةِ الْعَدْلِ، وَهُوَ خَطَأٌ بَيِّنٌ.

(الشرح)

يقول المؤلف رحمه الله: (وَقَدْ يُشْتَبَهُ يزيد بن معاوية بِعَمِّهِ يزيد بن أبي سفيان) وهناك فرق بينهما (فإن يزيد بن أبي سفيان كان من الصحابة) أخو معاوية، يزيد بن معاوية غير يزيد بن أبي سفيان, يزيد بن أبي سفيان هذا أخو معاوية وأبوه أبو سفيان بن حرب قائد الجيوش وأبو سفيان أسلم يوم فتح مكة وأسلم معه ابنه معاوية وابنه يزيد، فهم من الصحابة معاوية ويزيد.

معاوية الذي تولى الخلافة حين تنازل عنها الحسن بن علي، ولِد له يزيد، فتولى الخلافة بعد موت أبيه، فصار يزيد بن معاوية غير يزيد بن أبي سفيان، لأن يزيد بن أبي سفيان هو عم يزيد بن معاوية، ولذا قال المؤلف: يشتبه هذا بهذا (فَإِنَّ يزيد بن أبي سفيان كَانَ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَكَانَ مِنْ خِيَارِ الصَّحَابَةِ، وَهُوَ خَيْرُ آلِ حَرْبٍ، وَكَانَ أَحَدَ أُمَرَاءِ الشَّامِ، الَّذِينَ بَعَثَهُمْ أبو بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي فُتُوحِ الشَّامِ) يزيد بن أبي سفيان صحابي جليل، وهو من خير آل حرب.

(وَكَانَ أَحَدَ أُمَرَاءِ الشَّامِ، الَّذِينَ بَعَثَهُمْ أبو بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ في خلافته فِي فُتُوحِ الشَّامِ وَمَشَى أبو بكر فِي رِكَابِهِ يُوصِيهِ مُشَيِّعًا لَهُ) مشى أبو بكر مع مَن؟ مع يزيد بن سفيان لما بعثه لفتوحات الشام مشى معه يوصيه ويشيعه (فَقَالَ لَهُ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ: إمَّا أَنْ تَرْكَبَ وَإِمَّا أَنْ أَنْزِلَ، فَقَالَ الصديق: لَسْتُ بِرَاكِبِ وَلَسْتَ بِنَازِلِ، إنِّي أَحْتَسِبُ خُطَايَ هَذِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) انظر إلى التواضع العظيم، خليفة المسلمين أبو بكر الصديق الذي هو أفضل الأمة بعد نبيها مشى على قدميه يشيع مَن؟ يزيد بن أبي سفيان ويوصيه، لأن أبو بكر خليفة المسلمين بعد رسول الله وأرسل أمراء إلى الشام لفتح الشام ومنهم يزيد, فلما أرسله كان يزيد بن أبي سفيان راكب على الدابة والصديق خليفة المسلمين يمشي على قدميه, لماذا يمشي معه؟ لتشييعه وتوصيته.

فـ يزيد بن أبي سفيان كان يقول: أنت تمشي على الأرض، وأنت خليفة المسلمين، وأنا أركب، ما يمكن هذا، إما أن تركب معي، وإما أن أنزل أنا إلى الأرض ونمشي سوياً، فرفض الصديق وقال: لا أركب ولا تنزل؛ إني أحتسب خطاي هذه في سبيل الله، أي: أريد الأجر.

(فَلَمَّا تُوُفِّيَ بَعْدَ فُتُوحِ الشَّامِ فِي خِلَافَةِ عمر وَلَّى عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَكَانَهُ أَخَاهُ معاوية) ولاه الشام، (وَوُلِدَ لَهُ يزيد فِي خِلَافَةِ عثمان بن عفان رضي الله عنه) وُلد لمن؟ لأخيه, أخ يزيد بن أبي سفيان لأخيه معاوية, (وَأَقَامَ معاوية بِالشَّامِ إلَى أَنْ وَقَعَ مَا وَقَعَ) إلى أن حصل ما حصل من الخلاف بينه وبين علي رضي الله عنه لما بويع له بالخلافة، وامتنع أهل الشام عن بيعته حتى حصل القتال.

يقول المؤلف رحمه الله: (فَالْوَاجِبُ الِاقْتِصَاد فِي ذَلِكَ، وَالْإِعْرَاضُ عَنْ ذِكْرِ يزيد بن معاوية) الواجب الاقتصاد في يزيد، وسلوك مسلك الاقتصاد والعدل، فلا يُسب ولا يُمدح, لا يُلعن ولا يُسب ولا يُثنى عليه بل يكون في الوسط لا نسبه ولا نمدحه ونثني عليه, فهو من ملوك المسلمين الذين لهم حسنات وسيئات.

ولهذا قال المؤلف: (فَالْوَاجِبُ الِاقْتِصَاد فِي ذَلِكَ، وَالْإِعْرَاضُ عَنْ ذِكْرِ يزيد بن معاوية وَامْتِحَانِ الْمُسْلِمِينَ بِهِ) بعض الناس يمتحن يقول: ما حكم يزيد بن معاوية؟ هل تحبه أو تبغضه؟ فإن أحبه وكان مواليًا له فرق وإن أبغضه أدبه, يقول المؤلف: لا تمتحنوا الناس واتركوا الناس على ما هم عليه, يزيد من ملوك المسلمين له وعليه له حسنات وله سيئات لا يُمدح ولا يُسب, لا يقول للناس: ماذا تعتقد في يزيد؟ إن كنت تعتقد أنه ولي فأنت على الحق وإن كنت تعتقد أن تسبه عاقبتك, لا يجوز امتحان الناس.

(فَإِنَّ هَذَا مِنْ الْبِدَعِ) امتحان الناس وسؤالهم عن يزيد (مِنْ الْبِدَعِ الْمُخَالِفَةِ لِأَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، فَإِنَّهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ اعْتَقَدَ قَوْمٌ مِنْ الْجُهَّالِ أَنَّ يزيد بن معاوية مِنْ الصَّحَابَةِ، وَأَنَّهُ مِنْ أَكَابِرِ الصَّالِحِينَ وَأَئِمَّةِ الْعَدْلِ، وَهُوَ خَطَأٌ بَيِّنٌ).

بسبب أن بعض الناس كانوا يسبون يزيد بن معاوية ويشتمونه جاء قومٌ وقابلوهم وقالوا: لا, يزيد من الصحابة, وغلبهم من قال: من أكابر الصحابة, وبعضهم قال: إنه من أئمة العدل, لماذا قالوا هذا؟ مقابلة للذين سبوه, لما سبه قومٌ وشتموه جاء قومٌ وأثنوا عليه ومدحوه ورفعوه وقالوا: هو صحابي وقال بعضهم: بل من أكابر الصحابة, وقال آخرون: بل من أئمة العدل وهذا خطأ ليس صحابي ولا من أكابر الصحابة وليس من أهل العدل, بل هو إمام من أئمة المسلمين وملك من ملوك المسلمين له وعليه, له حسنات وعليه سيئات وقدم على الله والله تعالى هو الذي يتولى حسابه, ونحن الآن نُمسك ولا نسبه ولا نمدحه.

نقف على هذا وفق الله الجميع, وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد