بسم الله الرحمن الرحيم
(المتن)
وعماد الدين الذي لا يقوم إلا به هو: الصلوات الخمس المكتوبات، ويجب على المسلمين من الاعتناء بها ما لا يجب من الاعتناء بغيرها، كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يكتب إلى عماله: إن أهم أمركم عندي الصلاة، فمن حفظها وحافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيعها كان لما سواها من العمل أشد إضاعة.
وهي أول ما أوجبه الله من العبادات، والصلوات الخمس تولى الله إيجابها بمخاطبة رسوله ليلة المعراج، وهي آخر ما وصى به النبي صلى الله عليه وسلم أمته وقت فراق الدنيا، وجعل يقول: «الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم»، وهي أول ما يحاسب عليه العبد من عمله، وآخر ما يفقد من الدين فإذا ذهبت ذهب الدين كله، وهي عمود الدين فمتى ذهبت سقط الدين.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله، وقد قال الله في كتابه: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا)[مريم/59]».
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وغيره: إضاعتها تأخيرها عن وقتها ولو تركوها كانوا كفاراً.
وقال تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى)[البقرة:238] والمحافظة عليها: فعلها في أوقاتها.
وقال تعالى: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ)[الماعون:4 - 5] وهم الذين يؤخرونها حتى يخرج الوقت.
(الشرح)
هذا فيه بيان عظم شأن الصلاة وأنها عماد الدين.
يقول المؤلف رحمه الله: (عماد الدين الذي لا يقوم إلا به هو الصلوات الخمس المكتوبات) هذا عماد الدين؛ لأن الصلوات الخمس هي أفرض الفرائض وأوجب الواجبات بعد توحيد الله عز وجل هي الصلوات الخمس وهي صلة العبد بربه، فإذا ترك العبد الصلاة قطع الصلة التي بينه وبين الله.
وكيف يرجو الإنسان المدد من الله الإنسان ويرجو رحمة الله وفضله وجوده وبره وهو قد قطع الصلة التي بينه وبينه؟! مقصود الصلة تارك الصلاة والعياذ بالله نسأل الله العافية وكيف يقر له قرار؟ وكيف يهنأ بعيش؟ وكيف يهنأ بأكل وشرب؟ وكيف يتمتع بالحياة وقد قطع الصلة بينه وبين الله؟!!
مقطوع الصلة أعوذ بالله لا صلة له بالله, تارك الصلاة مقطوع الصلة بالله نسأل الله السلامة والعافية, فالصلوات الخمس المكتوبات يعني المفروضات هي عماد الدين لا يقوم الدين إلا بها فمن ترك الصلاة فلا دين له, ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (ويجب على المسلمين من الاعتناء بها ما لا يجب من الاعتناء بغيرها، كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يكتب إلى عماله: إن أهم أمركم عندي الصلاة، فمن حفظها وحافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيعها كان لما سواها من العمل أشد إضاعة).
يقول المؤلف: (وهي أول ما أوجبه الله من العبادات) أول ما أوجب الله من العبادات الصلوات حتى إنها شُرعت بمكة ليلة المعراج بخلاف بقية شرائع الإسلام كالزكاة في المدينة, الصوم في المدينة, الحج في المدينة, الأذان في المدينة, الحدود كلها في المدينة لكن الصلاة لعظم شأنها فُرضت في مكة.
وفُرضت في أي مكان؟ في السماء لا في الأرض فوق السبع الطباق لما تجاوزها النبي صلى الله عليه وسلم, وأيضاً: فرضت بدون واسطة بخلاف بقية شرائع الإسلام تكون بواسطة جبرائيل، يوحي الله إلى جبرائيل فينزل بالوحي على محمد صلى الله عليه وسلم.
أما الصلاة فإن الله كلم نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم من دون واسطة ليلة المعراج فوق السبع الطباق، ولهذا قال المؤلف: (وهي أول ما أوجبه الله من العبادات، والصلوات الخمس تولى الله إيجابها بمخاطبة رسوله ليلة المعراج)، يعني: من دون واسطة.
(وهي آخر ما وصى به النبي صلى الله عليه وسلم أمته وقت فراق الدنيا، جعل يقول: «الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم») يعني: الزموا الصلاة واعتنوا بالصلاة، («وما ملكت أيمانكم») يعني وصية بلا رقة, الذين ملكت أيمانكم العبيد والأرقة, يوصي بهم النبي صلى الله عليه وسلم بالعناية بهم وعدم إيذائهم وظلمهم.
يقول المؤلف: (وهي) يعني الصلاة, (أول ما يحاسب عليه العبد من عمله، وآخر ما يُفقد من الدين، فإذا ذهبت ذهب الدين كله)، ونحو هذا روي عن الإمام أحمد أنه قال: "الصلاة آخر ما يفقد من الدين وكل شيء ذهب آخره لم يبق منه شيء".
يقول المؤلف: (وهي عمود الدين فمتى ذهبت سقط الدين، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة»)، يعني رأس هذا الأمر الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم رأسه الإسلام، والإسلام هو توحيد الله والاستسلام لله تعالى بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والخلوص من الشرك والبراءة من الشرك وأهله.
رأس هذا الأمر الذي جاء به النبي r الإسلام وهو توحيد الله وعموده الصلاة, وذروة سلامه الجهاد في سبيل الله, وقد قال الله في كتابه: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا)[مريم/59])
هذا وعيد شديد، قال العلماء: أضاعوا الصلاة: أخروها عن وقتها, (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا)[مريم/59]) هو شدة العذاب والهلاك، وقيل: وادٍ في جهنم.
(قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وغيره: إضاعتها: تأخيرها عن وقتها ولو تركوها كانوا كفاراً) فهذا يدل على أن ابن مسعود رضي الله عنه يرى أن ترك الصلاة كفر.
وقال تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وقومُوا لِلِه قَانِتين)[البقرة:238])، والمحافظة عليها فعلها في أوقاتها.
وقال تعالى: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ)[الماعون:4 - 5]) وهم الذين يؤخرونها حتى يخرج الوقت.
فإذا كان الذي يؤخر الصلاة متوعدٌ بالويل وهو شدة العذاب، فكيف يكون حال تارك الصلاة؟ تارك الصلاة دلت النصوص على أنه كافر، قال عليه الصلاة والسلام: «بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة» رواه الإمام مسلم في صحيحه من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
وقال عليه الصلاة والسلام: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر» رواه الإمام أحمد وأهل السنن.
والبينية تفصل بين الشيء وغيره، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة حداً فاصلاً بين الإسلام وبين الكفر.
وقال عليه الصلاة والسلام: «من ترك صلاة العصر حبط عمله» رواه البخاري في صحيحه.
والذي يحبط عمله فهو الكافر، فالنصوص الكثيرة والواضحة تدل على كفر تارك الصلاة، وقد نقل إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة عبد الله بن شقيق العقيلي التابعي الجليل، قال: "كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً تركه كفر غير الصلاة".
(المتن)
وقد اتفق المسلمون على أنه لا يجوز تأخير صلاة النهار إلى الليل، ولا تأخير صلاة الليل إلى النهار، لا لمسافر ولا لمريض ولا غيرهما، لكن يجوز عند الحاجة أن يجمع المسلم بين صلاتي النهار وهي الظهر والعصر في وقت إحداهما، ويجمع بين صلاتي الليل وهي المغرب والعشاء في وقت إحداهما، وذلك لمثل المسافر والمريض وعند المطر، ونحو ذلك من الأعذار.
(الشرح)
يقول المؤلف: (وقد اتفق المسلمون على أنه لا يجوز تأخير صلاة النهار إلى الليل، ولا تأخير صلاة الليل إلى النهار، لا لمسافر ولا لمريض ولا غيرهما) لكن المسافر والمريض كلٌ منهما يجمع بين الظهرين وبين العشاءين, يجوز عند الحاجة أن يجمع المسلم بين صلاتي النهار ويكون الأصل في وقت إحداهما يعني جمع تقديم أو جمع تأخير يقدم الظهر مع العصر في وقت الظهر أو يؤخر الظهر مع العصر في وقت العصر.
وكذلك يجمع بين صلاتي الليل وهي المغرب والعشاء في وقت إحداهما يقدم مثلًا في وقت المغرب يقدم العشاء ويصليها مع المغرب أو يؤخر المغرب ويصليها مع العشاء, وذلك لمثل المسافر والمريض وعند المطر اشتداد المطر ولو في البلد وكان المطر يؤذي جاز الجمع بين المغرب والعشاء, جاز تقديم العشاء مع المغرب دفعًا للمشقة, ونحو ذلك من الأعذار كالخوف المريض والخائف.
(المتن)
وقد أوجب الله على المسلمين أن يصلوا بحسب طاقتهم، كما قال الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)[التغابن:16]، فعلى الرجل أن يصلي بطهارة كاملة وقراءة كاملة وركوع وسجود كامل، فإن كان عادمًا للماء، أو يتضرر باستعماله لمرض أو برد أو غير ذلك وهو محدثٌ أو جُنب يتيمم الصعيد الطيب وهو التراب يمسح به وجهه ويديه ويصلي؛ ولا يؤخرها عن وقتها باتفاق العلماء.
(الشرح)
وهذا واضح, المؤلف قال: (وقد أوجب الله على المسلمين أن يصلوا بحسب طاقتهم، كما قال الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)[التغابن:16]) فعلى الرجل أن يصلي قائم، فإن عجز صلى قاعد، فإن عجز صلى على جنب لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين: «صل قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب» يعني: على جنبه الأيمن.
زاد النسائي: «فإن لم تستطع فمستلقيًا» بأن يستلقي ورجلاه إلى القبلة، وهذا من فضل الله تعالى وإحسانه، فالعاجز عن الشيء يسقط عنه العاجز عن الوقوف يصلي قاعدًا، والعاجز عن القعود يصلي على جنب، والعاجز على صلاة الجنب يصلي مستلقيًا.
وكذلك يجب على الإنسان أن يتوضأ، فإذا عجز عن استعمال الماء أو لم يجده سقط وانتقل إلى التيمم, ولهذا قال: (فعلى الرجل أن يصلي بطهارة كاملة وقراءة كاملة وركوع وسجود كامل، فإذا كان عادمًا للماء، أو يتضرر باستعماله لمرض أو برد أو غير ذلك وهو محدثٌ أو جُنب يتيمم الصعيد الطيب وهو التراب يمسح به وجهه ويديه ويصلي)
يعني يضرب بيديه الأرض ضربة واحدة مفرجتي الأصابع وينوي ويسمي الله فيقول: باسم الله ثم يضرب الأرض ثم يمسح وجهه ويمسح يديه ظاهرهما وباطنهما إلى الكفين ضربة واحدة كما في حديث عمار.
(ولا يؤخرها عن وقتها باتفاق العلماء) بعض الناس إذا كان مريضاً في المستشفى ما يصلي، فإذا قلت له: يا فلان لماذا لم تصلي؟ قال: يا أخي ثيابي نجسة وفيها دماء ولا أستطيع، لكن إن شاء الله إذا خرجت من المستشفى تطهرت وصليت، فهذا غلط كبير يجب على الزائرين أن ينبهوا المرضى، فالصلاة لا تؤخر عن وقتها.
نقول: يا أخي ما تستطيع صلي على حسب حالك, إن كنت تستطيع تتوضأ يجب عليك الوضوء لو ما تستطيع يوضئك من حولك يأتي بماء ويوضئك, والاستنجاء تستنجي تستدبر بالمناديل الورق الخشنة ويكفيك, فالوضوء لو كان هناك مرافق يأتي ويوضئك يأتي بماء ويوضئه يغسل وجهه ويديه, فإن عجز يتيمم بالتراب مرة واحدة للحدث الأكبر أو الأصغر، فإن عجز ييممه من حوله، فينوي ويضرب بيديه التراب ويمسح وجهه ويمسح يديه، ويصلي ولا تؤخر الصلاة عن وقتها ولا يُعيدها.
كذلك أيضًا يصلي ولو كان على السرير، فإذا كان يستطيع التوجه إلى القبلة يتوجه، وإذا لم يستطع فيصلي على حسب حاله، أما ما يفعله بعض الناس يقول: أنا ثيابي نجسة لابد أتوضأ ولابد كذا ولابد أوجه السرير للقبلة, نقول: كل هذا ما يلزم افعل ما تستطيع: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)[التغابن:16]).
يقول: لابد أصلي واقف ولابد استقبل القبلة, نقول: ما يجب إن استطعت كان وإن لم تستطع سقط, يقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمران: «صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب».
قال: يا أخي إذا خرجت من المستشفى توضأت وصليت, يمكن ما تخرج يمكن تموت وتركت الصلاة, هذا أمر ينبغي التنبيه عليه, هذا الأمر ينبغي لطلبة العلم أن ينبهوا المرضى عليه، أنه يجب على المريض أن يصلي على حسب حاله إذا كان العقل معه وشعوره معه يجب أن يصلي على حسب حاله وما عجز عنه يسقط، أما إذا فُقد العقل ارتفع التكليف.
لكن ما عنده عقل لا يرتفع عنه إلا إذا كان في غيبوبة مثلًا لمدة يوم أو يومين أو ثلاثة هذا يقضي الصلاة, أما إذا طالت الغيبوبة وفقدان الشعور أسبوع أو أسبوعين ما عليه صلاة رُفع التكليف كالمجنون وكالنائم والمغمى عليه مدة طويلة سقط التكليف.
(المتن)
وكذلك إذا كان محبوساً، أو مقيداً، أو زَمِناً.
(الشرح)
الزمن: يعني المريض مرضًا يلازمه وهو المرض المزمن.
(المتن)
أو غير ذلك صلى على حسب حاله، وإذا كان بإزاء عدوه صلى أيضاً صلاة الخوف، قال الله تعالى: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا * وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ)[النساء:101 - 102] إلى قوله: (وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ)[النساء:102] إلى قوله: (فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا)[النساء:103].
(الشرح)
يقول المؤلف: (وكذلك إذا كان محبوساً، أو مقيداً، أو زمناً أو غير ذلك صلى على حسب حاله) وإذا كان محبوساً في أرض نجسة؛ وليس عنده شيء أرض ملساء مبلطة ماذا يعمل وليس عنده ماء ولا تراب أو كان مصلوباً على خشبة، أو زمناً مريض يلازمه المرض ما يستطيع الحركة, ماذا يعمل؟ فإنه يصلي على حسب حاله: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)[التغابن:16]).
وهذا يسمى فاقد الطهورين فقد الماء والتراب ماذا يعمل؟ ينوي ويصلي ولا يعيد الصلاة، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: "في بعض الغزوات سقط عقد من لعائشة تتجمل به إما من ذهب أو من فضة فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم جماعة يبحثون عنه فذهبوا وحان وقت الصلاة وليس معهم ماء ولم يُشرع التيمم، فصلوا بغير ماء ولا تراب، ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بإعادتها".
فدل ذلك على أن الإنسان إذا كان ما عنده ماء ولا تراب أو ما يتمكن مثل محبوس أو مصلوب يصلي بغير ماء ولا تراب وصلاته صحيحة, لقوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)[التغابن:16]).
وكذلك إذا كان بإزاء عدوه صلى صلاة الخوف كالجهاد في سبيل الله يصلي صلاة الخوف, وكذلك صلاة الخائف إذا لحقه عدو يصلي كما جاء في سنن أبي داود وغيره يصلي ولو كان يركض ركضاً، ويومئ بالركوع وبالسجود حتى لا يدركه الأذى.
وقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف على وجوه متعددة وقد صلى مرة إذا كان العدو جهة القبلة كان النبي يصفهم صفين وكبر وكبروا جميعاً، ثم ركع وركعوا جميعاً، ثم رفع ورفعوا جميعاً، ثم سجد وسجد الصف الذي يليه، وبقي الصف الثاني يحرس, فلما قام إلى الركعة الثانية تقدم الصف المؤخر وتأخر الصف المقدم ثم ركع وركعوا جميعاً، ثم رفع ورفعوا جميعاً، ثم سجد وسجد الصف الذي يليه الذي كان هو الصف المؤخر، ثم لما قضى وانتهت الركعة قامت كل طائفة وأتت بركعة فسلم بهم جميعاً.
وفي بعض صلاة الخوف صلى بطائفة ركعتين وصلى بطائفة ركعتين, وفي بعضها يكون العدو في غير القبلة فيصلى إلى غير القبلة، صلاة الخوف لها وجوه متعددة، قال الإمام أحمد: ثبتت صلاة الخوف عن النبي صلى الله عليه وسلم ستة أوجه أو سبعة أوجه، وكلها جائزة والله تعالى بينها في كتابه قال: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ)[النساء:101]) والضرب في الأرض السفر.
ثم قال تعالى: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا * وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ)[النساء:101 - 102]).
أي يصلي الخائف وهو يأخذ السلاح، إلا إذا كان لمرض يشق عليه فيضعه مع أخذ الحذر: (فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا)[النساء:103].
(المتن)
ويجب على أهل القدرة من المسلمين أن يأمروا بالصلاة كل أحد من الرجال والنساء حتى الصبيان. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مروهم بالصلاة لسبع، واضربوهم على تركها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع».
والرجل البالغ إذا امتنع من صلاة واحدة من الصلوات الخمس، أو ترك بعض فرائضها المتفق عليها؛ فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل.
فمن العلماء من يقول: يكون مرتداً كافراً لا يصلى عليه ولا يدفن بين المسلمين, ومنهم من يقول: يكون كقاطع الطريق وقاتل النفس والزاني المحصن.
(الشرح)
يقول المؤلف: (ويجب على أهل القدرة من المسلمين أن يأمروا بالصلاة كل أحد من الرجال والنساء حتى الصبيان) يجب على القادر أن يأمر بالصلاة ولاسيما الإنسان في بيته، فيأمر بالصلاة الرجال والنساء حتى الصبيان.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: («مروهم بالصلاة لسبع واضربوهم على تركها لعشر») فإذا بلغ الصبي سبع سنين يؤمر بالصلاة صلي وهكذا، حتى يبلغ عشراً فإذا بلغ العشر فيؤمر بالصلاة، فإن رفض الصلاة أو تركها ضُرِبَ ضربَ تأديب لا ضرب يجرح أو يكسر العظم لا, وإنما ضرب تأديب.
(فإذا بلغ وامتنع عن الصلاة فإنه يستتاب من قبل ولاة الأمور فإن تاب وإلا قتل) إذاً الصبي إذا بلغ سبع سنين يؤمر ولا يضرب إذا امتنع، فإذا بلغ عشر سنين يؤمر فإن امتنع ضُرب، فإذا بلغ خمس عشرة سنة أو نبت شعر خشن أو احتلم وامتنع عن الصلاة فيستتاب وإلا قُتل.
(فمن العلماء من يقول فيه: يكون مرتداً كافراً لا يصلى عليه، ولا يدفن بين المسلمين) لأنه يكون حكمه حكم الكفرة، وهذا هو الراجح أو الأصح لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر».
وقال بعض أهل العلم: يُقتل ولكن حكمه حكم مرتكب الكبيرة فيقتل، كقاطع الطريق يُقتل وقاتل النفس يُقتل، والزاني المحصن يرجم بالحجارة حتى يموت، لكن هؤلاء يصلى عليهم؛ لأنهم مسلمون.
فبعض العلماء يقول: أنه يكون مسلم, والصواب: أن ترك الصلاة كفر، هذا إذا لم يجحد وجوبها أما إذا جحد وجوبها فهو كافر بإجماع المسلمين بغير خلاف، كأن يقول: الصلاة غير واجبة فهذا كافر، أما إذا كان يعتقد أن الصلاة واجبة ويقول: الصلاة واجبة، لكن تركها كسلاً وتهاوناً، فهذا هو محل الخلاف بين العلماء والصواب: أنه يُقتل كفراً، وقال آخرون من أهل العلم: يُقتل حداً.
(المتن)
وأمر الصلاة عظيم شأنها أعظم من أن تذكر ههنا فإنها قوام الدين وعماده، وتعظيمه تعالى لها في كتابه فوق جميع العبادات، فإنه سبحانه يخصها بالذكر تارة، ويقرنها بالزكاة تارة، وبالصبر تارة، وبالنسك تارة كقوله تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ)[البقرة:43]، وقوله: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ)[البقرة:45].
وقوله: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)[الكوثر:2]، وقوله: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)[الأنعام:162 - 163].
وتارة يفتتح بها أعمال البر ويختمها بها كما ذكره في سورة (سَأَلَ سَائِلٌ)[المعارج:1]، وفي أول سورة المؤمنين، قال تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)[المؤمنون:1 - 11].
(الشرح)
وهذا فيه بيان مكانة الصلاة وأهميتها، يقول المؤلف رحمه الله: (وأمر الصلاة عظيم شأنها) ولا يكفي الكلام المختصر يعني وإنما هذا إشارة, فالمؤلف يقول: (الصلاة عظيم شأنها أن تذكر ههنا فإنها قوام الدين وعماده) قوام الدين: يعني لا يقوم الدين إلا بها، وهي عماد الدين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة».
والشيء الذي هو قوام الدين وعماده هو أهم المهمات، فالصلاة أهم المهمات وأوجب الواجبات بعد توحيد الله عز وجل.
يقول المؤلف: (والله تعالى عظمها في كتابه فوق جميع العبادات) ولها ميزة وخصوصية ليست لغيرها، قال: فإنه سبحانه يخصها بالذكر تارة: )وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ([العنكبوت/45].
وتارة يقرنها بالزكاة: (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ)[البقرة:43]).
وتارة يقرنها بالصبر: وقوله: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ)[البقرة:45].
وتارة يقرنها بالنسك وهو الذبح: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)[الكوثر:2]).
(وقوله: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي)[الأنعام:162 - 163]).
(وتارة يفتتح بها أعمال البر ويختمها بها لعظم شأنها) فالله تعالى يذكر أعمال البر ويبدؤها بالصلاة ويختمها بالصلاة لعظم شأنها، (كما ذكره في سورة (سَأَلَ)، وفي أول سورة المؤمنين).
في سورة سأل قال الله تعالى: )إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22)([المعارج/19-22].
ثم ذكر أوصافهم فقال: )الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23)([المعارج/23]، الوصف الأول افتتحها بالصلاة: )وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (31) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (32) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34)([المعارج/29-34].
ختمها بالصلاة فافتتحها بالصلاة وختمها بالصلاة ثم قال سبحانه وتعالى: )أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (35)([المعارج/35].
وقال في سورة المؤمنون: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ)[المؤمنون:1]).
من هم؟ ما هي أوصافهم؟ الوصف الأول في الصلاة: (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ)[المؤمنون:2]).
والوصف الأخير في الصلاة فتحها بالصلاة قال: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ)[المؤمنون:1 - 9]).
ختمها بالصلاة، ثم قال: (أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)[المؤمنون:10 - 11]). نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من الذين يرثون الفردوس, قد دعا المؤلف رحمه الله بهذا.
(المتن)
نسأل الله العظيم أن يجعلنا وإياكم من الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون.
(الشرح)
الفردوس هو أعلى الجنة, أعلى طبقات الجنة هو الفردوس، وهو وسط الجنة وأعلى الجنة, كيف يكون وسط الجنة وأعلى الجنة؟ لا يكون وسط الشيء أعلاه إلا إذا كان مدوراً، فهذا يدل على أن الجنة مدورة ليست مربعة ولا مسدسة، فلو كانت مربعة أو مسدسة لم يكن وسطها أعلاها، ما هو الشيء الذي وسطه أعلاه؟ المدور مثل القبة, ما هو أعلاها؟ وسطها أليس كذلك؟.
لو كانت مربعة أو مسدسة ما كان الأعلى الوسط, متى يكون الأعلى الوسط؟ إذا كانت مقببة كالقبة, ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه وسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن» إذاً: الفردوس أعلى الجنة وسقف الفردوس عرش الرحمن.
«إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه وسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن» وفي لفظ: «وسقفه عرش الرحمن».
نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون.
(المتن)
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، والحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. تمت الرسالة
(الشرح)
الحمد لله على التمام، وبهذا نكون قد انتهينا من الرسالة، ويكون هذا الدرس آخر الدروس, أسأل الله أن يُكرمنا وإياكم بالعمل الصالح.