شعار الموقع

شرح كتاب الصلاة من عمدة الأحكام_1 باب المواقيت

00:00
00:00
تحميل
148

بسم الله الرحمن الرحيم

إنَّا إن شاء الله سوف نقيم دروس لمدة أسبوع إبتداءً من الليلة للحافظ عبد الغني المقدسي عمدة الأحكام من كتاب الصلاة.

المتن :

الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين أما بعد:

قال المؤلف غفر الله له:
 

كتابُ الصلاةِ

بابُ المواقيتِ

50- عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ وَاسْمُهُ سَعْدُ بْنُ إيَاسٍ - قَالَ: حَدَّثَنِي صَاحِبُ هَذِهِ الدَّارِ - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى دَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ ﷺ: أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ؟ قَالَ: الصَّلاةُ عَلَى وَقْتِهَا. قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: بِرُّ الْوَالِدَيْنِ ، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، قَالَ: حَدَّثَنِي بِهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَلَوْ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي.

الشرح :

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين أما بعد:

فإن الحافظ عبد الغني المقدسي رحمه الله علق على هذا الكتاب عمدة الأحكام حمع فيه الأحاديث المتفق عليها بين الشيخين في العبادات و المعاملات.

بدأ بكتاب الطهارة ، لأنَّ الطهرة شرط في صحة الصلاة و لم يذكر في أول الكتاب الأحاديث التي في العقيدة لأن العقيدة لها كتب مؤلفة خاصة ، فاصطلح المتأخرون على أن يجعلوا للعقائد كتب مستقلة و للأحكام كتب مستقلة ، و هذا بخلاف المتقدمين ( كالبخاري و مسلم و غيرهم ) فهؤلاء بدأوا كتبهم بما يتعلق بالإعتقاد ، لكن طريقة المتقدمين أولى .

بدأ المؤلف كتابه بالطهارة ، التي هي شرط للصلاة و لا تصح إلا بها ثم ثنَّى في كتاب الصلاة ، لأنَّ الصلاة هي أعظم الواجبات و أفرض الفرائض بعد توحيد الله و هي أعظم حقوق التوحيد ، لهذا بدأ المؤلف بها قبل الزكاة و قبل الصوم و قبل الحج ،و لأنَّ الصلاة هي الفارقة بين المسلم و الكافر ، و لأنه ورد في الصلاة ما لم يرد في غيرها .

الصلاة معناها في اللغة : الدعاء

الصلاة معناها شرعاً : هي الأقوال و الأفعال المبتدئة بالتكبير و المختتمة بالتسليم .

الصلاة لها شأن عظيم فرضت على نبينا الكريم من فوق سبع سموات ، فرضت في السماء ليلة المعراج ؛ بخلاف بقية شرائع الإسلام ، مثل الزكاة و الصوم و الحج فهي فرضت في الأرض ، و الصلاة لعظم شأنها فُرضت فوق السبع الطباق ، و فرضت على النبي ﷺ من غير واسطة  كلَّم الله تعالى عبده و نبيه و رسوله محمد ﷺ من دون واسطة و سمع كلام الله من دون واسطة لكنه لم ير ربه ؛ في أصح قولي العلماء فكان من وراء حجاب ، أماَّ الزكاة و الصوم و الحج و باقي الفرائض فرضت فهي الأرض ينزل الوحي على النبي بواسطة جبرائيل ، فرضت في أول الأمر خمسين صلاة ثم خففت إلى خمسِ صلوات ، النبي تردد بين ربه و موسى فألهم الله موسى أن يقول نبينا الكريم و يسأل ربه التخفيف ؛ فخففت إلى خمس.

فهي أعظم صلة و أعظم رابطة تربط العبد بالله ، قال عليه الصلاة و السلام : إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلَاةِ رواه الإمام مسلم في صحيحه .وقال ﷺ : الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلَاةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ.فجعل الصلاة حدا فاصلا بين الكفر و الإسلام .

ثبت من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أنَّ النبي ﷺ ذكر الصلاة يوماً : فقال : مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا؟ كَانَتْ لَهُ نُورًا، وَبُرْهَانًا، وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نُورٌ، وَلَا بُرْهَانٌ، وَلَا نَجَاةٌ، وَكَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ، وَفِرْعَوْنَ، وَهَامَانَ، وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ، هذا يدل على كفر تارك الصلاة كونه يحشر مع هؤلاء الكفرة.

قال العلماء إنَّ تارك الصلاة إن انشغل بملكه عن الصلاة حُشِر مع فرعون ، أو انشغل عن الصلاة بوزارته حشر مع هامان وزير فرعون ، و إن انشغل بماله حشر مع قاروون ، و إن انشغل بشهواته و تجاراته و وظيفته حشر مع أُبي بن خلف تاجر الكفار في مكة .

لذلك يجب على المسلم أن يعتني بالصلوات أشد عناية و أن يحافظ عليها و أن يؤديها بأركانها و شروطها و خشوعها وهيآتها جماعةً في المساجد كما أمر الله و رسوله ، أدائها بالهدوء و الطمأنينة و الخشوع و حضور القلب و أدائها على وقتها و متابعة الإمام .

ثم قال الإمام : باب المواقيت .

المواقيت معناها : جمع ميقات و هو الوقت الذي عينه الله لتأدية هذه العبادة قال تعالى : إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا، يعني مفروضاً في الأوقات المحددة .

ثم ذكر المؤلف رحمه الله في باب المواقيت حديث عبد الله بن مسعود قال : " سألت رسول الله ﷺ: "أي الأعمال أحب إلى الله قال: الصَّلاةُ عَلَى وَقْتِهَا. فيه أهمية الصلاة و فضلها و أنها أهم الأعمال و هذا هو الشاهد ) ، قلت ثم أي؟ قال: بِرُّ الْوَالِدَيْنِ ( أي الإحسان إليهما و القيام بخدمتهما و ترك عقوقهما ) ، قال: ثم أي؟ قال: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قال حدثني بهن ولو استزدته لزادني. رواه البخاري.

هذا الحديث فيه من الفوائد أنَّ أعمال البر يفضل بعضها بعضاً و أنَّ بعضها أفضل من بعض .

فيه سؤال العالم عن مسائل متعددة .

وفيه أنَّ أفضل الأعمال أداء الصلاة في وقتها ثم يليه  بر الوالدين ثم يليه الجهاد في سبيل الله ( بر الوالدين فرض مقدم على الجهاد أمَّا الجهاد مستحب و هو ذروة سنام الإسلام.

ولا يكون الجهاد واجبا إلا في ثلاث حالات:

الاولى:  إذا داهم العدو بلداً  من بلاد المسلمين فإنه يجب عليهم الدفاع عن أنفسهم ، فرض على كل أحد الرجال والنساء ولا يستأذن الأبوان ولا غيرهما ثم إذا لم يندفع العدو وجب على من حولها وهكذا.

الثانية : إذا استنفر الإمام واحدا من الناس

الثالث : إذا وقف في صف القتال في هذه الحالة صار الجهاد فرض عين عليه.

وما عدا ذلك فهو مستحب

المتن :

51 - عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: لَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي الْفَجْرَ ، فَيَشْهَدُ مَعَهُ نِسَاءٌ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ ، مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ ثُمَّ يَرْجِعْنَ إلَى بُيُوتِهِنَّ مَا يَعْرِفُهُنَّ أَحَدٌ مِنْ الْغَلَسِ.

الشرح :

هذا الحديث فيه دليل على أنَّ النبي ﷺ كان يصلي الفجر في أول وقتها ، و الغلس هو : اختلاط ضياء الصبح بظلام الليل ( هذا دليل على أنه يصلي الفجر على وقتها مبكراً و لكن بعد تحقق الفجر ) ،كان النبي ﷺ يتحقق من طلوع الفجر وكان بلال يؤذن الفجر ثم إذا أذن يصلي النبي ﷺ  ركعتي الفجر ثم يأتي بلال بعد ذلك ويأذنه للصلاة فكان النبي ﷺ يتأخر بعض الشيء إلا في مزدلفة ليلة العيد في حجة الوداع فإنه بكَّر بالصلاة كثيراً لذلك قال ابن مسعود :" ما رأيت النبي ﷺ صلى صلاة بغير ميقاتها إلا في هذا اليوم (يوم النحر في مزدلفة) " المعنى غير ميقاتها المعتاد و ليس المعنى أنه صلاها في غير ميعادها ؛ لأن الصلاة في غير وقتها لا تصح ، الحكمة من أنه صلى يوم النحر مبكراً حتى يتسع وقت الوقوف للدعاء .فإن الحاج يشرع له الوقوف بمزدلفة بعد صلاة الفجر ثم يدفع إلى منى قبل طلوع الفجر

هذا الحديث فيه دليل على التبكير بصلاة الفجر ، والدليل على أنه يصلي مبكر و ينصرف مبكر أنه كان يصلي معه نساء متلفعات ينصرفن ما يعرفهن أحد من الغلس بسبب الظلام ، و إلى أن ينصرفن و ليس هناك ضياء كثير لأنه ليس عندهم كهرباء و لا مصابيح .

وفيه دليل على جواز صلاة النساء جماعة في المسجد في جميع الأوقات ، لا بأس أن تصلي المرأة في المسجد إذا أمن عليها الفتنة ( الظهر ، العصر، المغرب ، العشاء ، الفجر ، الجمعة ) لا حرج في ذلك ؛ لكن صلاتها في بيتها أفضل لقول النبي ﷺ : لاَ تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ، وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ.

المروط : ثياب معلمة  من الخز أو الحرير أو الصوف ، متلفعات : أي ملتحفات ، الغلس : اختلاط ضياء الصبح بظلمة الليل .

في هذا الحديث : استحباب صلاة الصبح على وقتها .

المتن :

52 - عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ ﷺ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ ، وَالْعَصْرَ وَالشَّمْسُ نَقِيَّةٌ، وَالْمَغْرِبَ إذَا وَجَبَتْ ، وَالْعِشَاءَ أَحْيَاناً وَأَحْيَاناً إذَا رَآهُمْ اجْتَمَعُوا عَجَّلَ. وَإِذَا رَآهُمْ أَبْطَئُوا أَخَّرَ ، وَالصُّبْحُ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُصَلِّيهَا بِغَلَسٍ.
الهاجرةُ: شدةُ الحرِّ بعدَ الزوالِ.

الشرح :

هذا الحديث فيه بيان أوقات الصلوات و الأوقات التي كان يصليها النبي ﷺ .

الهاجرة : معناها شدة الحر في الظهر حين تزول الشمس ، يعني مبكراً .

قال النبي ﷺ : إِذَا اشْتَدَّ الحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلاَةِ، وقت الظهر من حين زوال الشمس .

العصر يصليها النبي ﷺ و الشمس صافية لم تدخلها صفرة ، و معنى ذلك أنَّ النبي ﷺ كان يصلي العصر باكراً لا يتأخر .

المغرب إذا وَجَبَت : أي بمعنى سقطت أو غابت الشمس .

العشاء : أحياناً وأحياناً ، إذا رآهم اجتمعوا عجّل ، وإذا رآهم أبطؤوا أخّـر  ، النبي ﷺ راعي حال الناس في الصلاة .

الفجر : يصليها مبكراً ، بعد انشقاق الفجر ، و لا يزال الوقت في ظُلمة الليل مع قليل من ضياء الصبح .

يؤخذ من الحديث بيان أوقات الصلوات المكتوبات .

الظهر وقتها إذا زالت الشمس

والعصر وقتها إذا صار ظل كل شيء مثله حتى تصفر الشمس

والمغرب من مغيب الشمس إلى مغيب الشفق

والعشاء من مغيب الشفق إلى نصف الليل

المتن :

53 - عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ سَيَّارِ بْنِ سَلامَةَ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَأَبِي عَلَى أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ ، فَقَالَ لَهُ أَبِي: كَيْفَ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ؟ فَقَالَ: كَانَ يُصَلِّي الْهَجِيرَ - الَّتِي تَدْعُونَهَا الأُولَى حِينَ تَدْحَضُ الشَّمْسُ ، وَيُصَلِّي الْعَصْرَ ، ثُمَّ يَرْجِعُ أَحَدُنَا إلَى رَحْلِهِ فِي أَقْصَى الْمَدِينَةِ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ. وَنَسِيتُ مَا قَالَ فِي الْمَغْرِبِ. وَكَانَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُؤَخِّرَ مِنْ الْعِشَاءِ الَّتِي تَدْعُونَهَا الْعَتَمَةَ. وَكَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا ، وَالْحَدِيثُ بَعْدَهَا. وَكَانَ يَنْفَتِلُ مِنْ صَلاةِ الْغَدَاةِ حِينَ يَعْرِفُ الرَّجُلَ جَلِيسَهُ. وَكَانَ يَقْرَأُ بِالسِّتِّينَ إلَى الْمِائَةِ.

الشرح :

هذا الحديث فيه بيان الأوقات :

يقول أبي برزة لما سأله والده عن الصلاة المكتوبة كيف كان النبي ﷺ يصلي المكتوبة (أي المفروضة الصلوات الخمس ) ، قال : كان يصلي الهاجرة التي تدعونها الأولى حين تدحض الشمس ،( الهاجرة من شدة الحر و قوته بعد الزوال ، تدحض أي تزول عن وسط السماء إلى جهة الغروب ) ، النبي ﷺ نهى عن الصلاة إذا وقفت الشمس في مرأى العين والأوقات هي: بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس ، و بعد طلوع الفجر حتى تطلع الشمس ،و عند قيامها حتى تزول ، و يصلي العصر ، ثم يرجع أحدنا إلى رحله في أقصى المدينة و الشمس حية ،( فيه دليل على أنَّ النبي يبكر بصلاة العصر ، و معنى حية : قوية و بها حرارة لم تضعف للاصفرار)  ، و( المغرب كما سبق و جاء في الأحاديث أنَّ المغرب  حين تغرب الشمس إلى مغيب الشفق ، و كان يستحب أن يؤخر من العشاء التي تدعونها العتمة ، ( جاء النهي عن تسميتها بالعتمة و لكن لا بأس بتسميتها بذلك قليلاً ، لكن لا ينبغي أن يغلب هذا الاسم )، كان النبي ﷺ يستحب أن يؤخرها و أخر الصلاة مرة يوماً حتى قارب نصف الليل حتى جاء عمر قال يا رسول الله نام النساء و الصبيان فخرج النبي ﷺ و صلى بالناس و قال : إِنَّهُ وَقتُهَا المُختَارُ لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي.

لهذا قال العلماء الأفضل تأخير العشاء إن لم يشق على الناس ، و هذا في غير المدن و القرى أمَّا في المدن و القرى فهي لا تؤخر ، أمَّا إذا كان الناس في مزرعة أو قرية او مكان معين و كان عددهم محدود و اتفقوا على تأخيرها إلى ثلث الليل كان ذلك أفضل.

و كان ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه ، ينفتل يعني ينصرف إلى صلاة الفجر( لم يكن عندهم كهرباء ولا مصابيح يصلون في الظلام ، فإذا طلع النور و الإسفار عرف الأنسان من بجواره يجلس) ، و كان يقرأ من الستين إلى المئة يعني في الفجر  ( كان يقرأ من ستين آية إلى مئة آية ) يقسمها ثلاثين ثلاثين ، كان النبي ﷺ يطيل في صلاة الفجر و كان الخلفاء كذلك .

من فوائد الحديث :

يستحب  أداء صلاة الظهر و العصر في أول وقتها ، إلا في شدة الحر ،فيستحب الإبراد لكن الآن المدن أصبحت مع وجود الكهرباء يوجد بها تبريد و الناس عندها أعمال ، لهذا يصلون في وقتها .

وفيه تأخير صلاة العشاء إلى ثلث الليل إذا لم يشق  على الناس .

وفيه من الفوائد التبكير بصلاة الفجر .

في الحديث كراهة النوم قبل العشاء و الحديث بعدها ، يكره النوم قبل العشاء و بعد المغرب لئلا يؤدي به إلى تأخير صلاة العشاء ، والحديث بعد صلاة العشاء مكروه حتى لو كان حديثاً مباحا و يستثنى من ذلك ما ورد في السنة استثناءه ( كالحديث مع الضيف و السمر في مصالح المسلمين و السمر طلب العلم )، إذا كان الحديث بعد صلاة العشاء يشتمل على غيبة أو نميمة فهذا لا يجوز و محرم .

المتن :

54 - عَنْ عَلِيٍّ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ: مَلأَ اللَّهُ قُبُورَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ نَارًا ، كَمَا شَغَلُونَا عَنْ الصَّلاةِ الْوُسْطَى حَتَّى غَابَتْ الشَّمْسُ. وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ شَغَلُونَا عَنْ الصَّلاةِ الْوُسْطَى صَلاةِ الْعَصْرِ ثُمَّ صَلاهَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ.

55 - وَلَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: حَبَسَ الْمُشْرِكُونَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنِ الْعَصْرِ ، حَتَّى احْمَرَّتِ الشَّمْسُ أَوْ اصْفَرَّتْ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: شَغَلُونَا عَنْ الصَّلاةِ الْوُسْطَى - صَلاةِ الْعَصْرِ - مَلأَ اللَّهُ أَجْوَافَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَاراً، أَوْ حَشَا اللَّهُ أَجْوَافَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَاراً.

الشرح :

هذا الحديث يوم غزوة الخندق أو الأحزاب و هي غزوة مشهورة  و هي في السنة الرابعة والخامسة من الهجرة  ، ذلك أنَّ المشركين تحزبوا ، جاءت قريش و من وافقها من قبائل العرب جاءوا و أحاطوا بالمدينة لغزو النبي ﷺ و تحزبَّ الكفرة على قتال النبي ﷺ  و كان في المدينة ثلاث قبائل من اليهود و كان النبي ﷺ قد صالحهم  و نقض القبائل العهد و الصلح الذي بينهم و بين المسلمين و تعاهدوا مع المشركين ، كان يوماً عصيباً على المشركين ، ذكر الله تعالى هذه الغزوة في سورة الأحزاب و بيَّن الشدة التي وقع بها المؤمنون : إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا ۝ هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا، كانت الشدة على المؤمنون ثم كانت العاقبة الحميدة لهم ، كما قال تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا، جاء كفار قريش و القبائل الذين أطاعوهم ومن نقضوا العهد من اليهود ، كلهم تجمعوا على حرب النبي ﷺ ، فالله نصر نبيه و المؤمنون بالريح و الجنود ، أرسل الله عليهم ريح قوية تقلع خيامهم و تكفي قدورهم و تطفئ نارهم ، و أرسل أيضاً عليهم ملائكة يزعزعونهم و يلقون الرعب في قلوبهم حتى انصرفوا راجعين خائبين ، هذه الغزوة كان المسلمون مرابطون و كان بينهم و بين الكفار خندق حفره المؤمنون و كان النبي ﷺ معهم ، حتى إنَّ النبي عليه الصلاة و السلام نسي صلاة العصر فاتت عليه حتى غربت الشمس ، فدعا عليهم فقال النبي ﷺ مَلأَ اللَّهُ قُبُورَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ نَارًا؛ كَمَا شَغَلُونَا عَنْ الصَّلاةِ الْوُسْطَى حَتَّى غَابَتْ الشَّمْسُ.

في الحديث جواز تأخير الصلاة  عن وقتها في القتال ، و قال جمهور العلماء أنَّ هذا كله قبل أن تشرع صلاة الخوف فلما شرعت صلاة الخوف ، صار النبي ﷺ يصلي الصلاة في وقتها على الكيفية التي جاءت ، بعضها أنَّه يصلي إلى جهة استقبال العدو و يسقط استقبال القبلة ، و بعضها أن النبي ﷺ يصف الجيش صفين و يكبر و يكبرون جميعاً و يركع و يركعون جميعاً ثم يسجد صف و يبقى الصف الثاني يحرس حتى يقوم للركعة الثانية ، فيتأخر الصف الثاني و يتقدم الصف الأول ، فإذا ركع في الركعة الثانية ركعوا جميعاً  و إذا سجد سجد الصف الذي يليه و بقي الصف الثاني يحرس ( الذي يحرس هو الصف الذي سجد في المرة الأولى ) ثم يثبت النبي ﷺ قبل السلام ثم يقوم كل من الصفين و يقضوا بركعة ثم يسلم النبي بهم ، و هذه صفة من الصفات.

و ذهب بعض العلماء إلى جواز تأخير الصلاة عن وقتها إذا انشغل المؤمنون بقتال الكفار حتى بعد شرعية صلاة الخوف ، و يدل على ذلك أن الصحابة بعد وفاة النبي ﷺ لما غزوا تُستر في  مدينة من مدن العجم في آخر الليل ، فلما دخل وقت الفجر كان الصحابة رضوان الله عليهم متفرقين ، منهم من هو على الأبواب أو الأسوار و لم يستطيعوا أن يصلوا على الوقت حتى لا يهجم عليهم العدو ، فاضطروا إلى تأخير الصلاة ، حتى تم الفتح و فُتِحَ الحصن و تم النصر صلوها ضحى .

النبي ﷺ نسي صلاة العصر حتى غربت الشمس فعندما تذكر صلاها و صلى بعدها المغرب ، فدعا عليهم أن يملأ الله قلوبهم و قبورهم ناراً .

 وعن عبد الله بن مسعود قال : حبس المشركون رسول الله ﷺ عن صلاة العصر حتى احمرت الشمس ، أو اصفرت ، قال : فقال رسول الله ﷺ : شَغَلُونَا عَنْ الصَّلاةِ الْوُسْطَى - صَلاةِ الْعَصْرِ - مَلأَ اللَّهُ أَجْوَافَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَاراً، أَوْ حَشَا اللَّهُ أَجْوَافَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَاراً، هذا الحديث فيه دليل على أنَّ الصلاة الوسطى هي صلاة العصر و فيها خلاف بين أهل العلم ، منهم من قال الصلاة الوسطى هي صلاة الظهر و منهم من قال هي صلاة الفجر و الصواب أنها صلاة العصر لأن النبي ﷺ هو الذي بيَّن ذلك .

وفيه جواز الدعاء على المشركين بالعموم .

وفي لفظ أن عمر قال يا رسول الله :" و الله ما كدت أن أصلي العصر حتى كانت الشمس تغرب ، فقال : وَاَللَّهِ مَا صَلَّيْتُهَا ( نسيها) فصلاها بعد المغرب.

و جاء في سنن النسائي أن الرسول شُغل في أيام الخندق عن صلاة الظهر و العصر و المغرب و العشاء و أنه صلى أربع صلوات بسبب انشغاله بالقتال .

وفيه دليل مشروعية قضاء الفوائت في وقت النهي ، و أن الفوائت تُقضى مرتبة ، رتبها النبي ﷺ صلى الظهر ثم العصر ثم المغرب ثم العشاء .

المتن :

56 - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: أَعْتَمَ النَّبِيُّ ﷺ بِالْعِشَاءِ. فَخَرَجَ عُمَرُ ، فَقَالَ: الصَّلاةُ ، يَا رَسُولَ اللَّهِ. رَقَدَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ. فَخَرَجَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ يَقُولُ: لَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي أَوْ عَلَى النَّاسِ لأَمَرْتُهُمْ بِهَذِهِ الصَّلاةِ هَذِهِ السَّاعَةِ.

الشرح :

في الحديث أنَّ النبي ﷺ أخرَّ مرة صلاة العشاء حتى ذهب ثلث الليل ، و قوله أعتم النبي ﷺبالعشاء : أي دخل في العتمة -الظلام- ، فخرج عمر و جاء إلى النبي و قال يا رسول الله  : رقد النساء و الصبيان . في الحديث جواز حضور النساء صلاة الجماعة بشرط خروجهن غير متبرجات ، بدون إظهار زينة و مخالطة للرجال ، أما إذا كان هناك فتنة فلا يجوز .

وفيه دليل على أن تأخير صلاة العشاء أفضل .

المتن :

57 - عَنْ عائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: إذَا أُقِيمَتْ الصَّلاةُ وَحَضَرَ الْعَشَاءُ فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ نَحْوُهُ.

58 - وَلِمُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يقُولُ: لا صَلاةَ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ، وَلا وَهُوَ يُدَافِعُهُ الأَخْبَثَانِ.

الشرح :

هذا الحديث فيه بيان الأعذار التي تترك فيها الجماعة ، قال إذَا أُقِيمَتْ الصَّلاةُ وَحَضَرَ الْعَشَاءُ فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ، ينبغي للإنسان إذا أتى للصلاة أن يكون حاضر القلب بعيداً عن كل ما يشوش ذهنه ، لأنه لو ذهب يصلي لكان فكره مشوش يتطلع إلى العشاء و لا سيما في وقت الحاجة ، لأنَّ المطلوب من المصلي أن يفرغ ذهنه من كل ما يشوشه ،لكن لا ينبغي للإنسان أن يتعمد ذلك ؛ أي لا يأتي بالسفرة و الطعام إلا وقت الآذان و الإقامة .

الأخبثان : البول و الغائط .

فيه دليل على أنَّ الإنسان إذا حضر الطعام يبدأ بالطعام قبل الصلاة ، و كذلك إذا كان يدافعه الأخبثان فإنه لا يصلي بل يذهب يستفرغ من البول أو من الغائط ثم يتوضأ و يأتي بالصلاة و هو مقبل على الله .

اختلف العلماء إذا صلى و نفسه تشتهي الطعام أو إذا صلى و هو يدافع البول أو الغائط جمهور العلماء اتفقوا على أنَّ الصلاة مكروهة و هي صحيحة ، و ذهب بعض العلماء إلى أنَّ الصلاة باطلة و هي لا تصح وكان مشوش ذهنه بالعشاء الذي قدم إليه أو مدافعة الأخبثان فإنها باطلة أي أن يعيدها لأنه صلى و ذهنه مشوش.

و الصواب - الله أعلم - إذا كان شهوة الطعام شديدة أو مدافعة البول و الغائط شديدة فإنها لا تصح صلاته ، بل يجب أن يقطع الصلاة و يذهب حتى يقضي حاجته من الطعام أو استفرغ البول و الغائط ، أمَّا إذا كانت المدافعة غير شديدة فإنها تصح الصلاة .

المتن :

59 - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: شَهِدَ عِنْدِي رِجَالٌ مَرْضِيُّونَ - وَأَرْضَاهُمْ عِنْدِي عُمَرُ - أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى عَنْ الصَّلاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ.

الشرح :

شهد عندي : أخبرني و أعلمني .

رجال مرضيون : يعني عدول لا أشك في صدقهم و دينهم و عدالتهم .

هذا الحديث فيه النهي عن الصلاة في وقتين : بعد صلاة العصر إلى الغروب ، و بعد صلاة الصبح إلى طلوع الشمس .

و اختلف العلماء في الصلاة التي لها سبب ، كونه جالس في المسجد لا يجوز له أن يصلي قولاً واحداً ، لكن اختلف العلماء في الصلاة التي لها سبب ( صلاة الجنازة ،و صلاة الكسوف ،و تحية المسجد ، وسنة الوضوء ،و إعادة الجماعة ) ، جمهور العلماء اتفقوا على أنه لا يفعل شيء من الصلاة مطلقاً ، لأن أحاديث النهي أصح و أكثر ، و قال آخرون من العلم  أنَّ ذوات الأسباب تفعل و تكون مخصصة للنهي.

المتن :

60 - عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قالَ: لا صَلاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ، وَلا صَلاةَ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ.

وفي البابِ عنْ عليِّ بنِ أَبي طالبٍ، وعبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ، وعبدِ اللهِ بنِ عمرَ بنِ الخطابِ، وعبدِ اللهِ بنِ عمرِو بنِ العاصِ، وأَبي هريرةَ، وسَمُرَةَ بنِ جُندُبِ، وسَلَمَةَ بنِ الأَكوَعِ، وزيدِ بنِ ثابتٍ ومعاذِ بنِ جبلٍ، ومعاذِ بنِ عفراء، وكعبِ بنِ مُرَّةَ، وأَبي أُمامةَ الباهليِّ، وعمرِو بنِ عبسةَ السُلَميِّ، وعائشةَ ، والصَّنابحيِّ، ولم يسمعْ منَ النبيِّ ﷺ.

الشرح :

هذا الحديث فيه النهي عن الصلاة في هذين الوقتين ، ذكر المصنف رحمه الله أنَّ في هذا الباب أحاديث كثيرة كلها في معنى السابق ( الأوقات ) .

المتن :

61 - عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ جَاءَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ فَجَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ ، وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا كِدْتُ أُصَلِّي الْعَصْرَ حَتَّى كَادَتِ الشَّمْسُ تَغْرُبُ. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: وَاَللَّهِ مَا صَلَّيْتُهَا. قَالَ: فَقُمْنَا إلَى بَطْحَانَ ، فَتَوَضَّأَ لِلصَّلاةِ ، وَتَوَضَّأْنَا لَهَا ، فَصَلَّى الْعَصْرَ بَعْدَ مَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ. ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا الْمَغْرِبَ.

الشرح :

كما سبق أنَّ النبي ﷺ أخرَّ صلاة العصر نسيها بانشغاله في قتال المشركين فصلاها بعد الغروب ، و عمر صلاها قبل أن تغرب ، فيه دليل لا بأس في قضاء الصلاة حتى لو في وقت النهي .

وفيه جواز تأخير الصلاة في القتال .

وفيه جواز سب الكفار و لعنهم بالعموم .

وفيه جواز الحلف حتى لو لم يستحلف الإنسان؛ كي يشعر بزيادة بالطمأنينة .

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد