( متن )
بابُ القراءةِ في الصَّلاةِ
102 - عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ .
( شرح )
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين و صلى الله و سلم وبارك على عبد الله و رسوله نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين، أما بعد :
هذا الباب هو باب القراءة في الصلاة عقده المؤلف رحمه الله ليبين أنه لا بد من القراءة في الصلاة ، و هذه القراءة هي الفاتحة وهي ركن من أركان الصلاة فلا بد من قراءتها.
و ذكر حديث عبادة بن الصامت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَال لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ و هذا الحديث يدل على أن قراءة الفاتحة في الصلاة ركن من أركان الصلاة لا تصح إلا بها.
و هي ركن في حق الإمام و المنفرد بالاتفاق الإمام و المنفرد ركن في حقه أمَّا المأموم ففيه خلاف في وجوب قراءة الفاتحة عليه فالصلاة السرية أكثر العلماء أنها تجب عليه أما في الجهرية التي يجهر بها الإمام فجمهور العلماء على أن المأموم لا يقرأ و أنَّ قراءة الإمام كافية عن قراءة المأموم و استدلوا بقول الله تعالى وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ قال الإمام أحمد رحمه الله أجمع العلماء على أنها في الصلاة على أنها خصيصة في الصلاة. و استدلوا أيضا بما جاء في حديث رواه الإمام مسلم و في بعضه قال وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا.
و ذهب جمع من أهل العلم إلى أن المأموم يقرأ الفاتحة و لو في الصلاة الجهرية، و ذلك أن قراءة الفاتحة مستثناة لعموم هذا الحديث لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وهذا عام و لم يخصص للمأموم ما قال المأموم لا يقرأ لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ و لقوله ﷺ مَا لِي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ؟ لَعَلَّكُمْ تَقْرَءُونَ خَلْفَ إِمَامِكُمْ قالوا نعم يا رسول الله قال لَا تَفْعَلُوا إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا.
و أجابوا عن الآية وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ بأنها عامة يخصصها هذا الحديث لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِو كذلك حديث وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا.
و على هذا القول فالصواب أن قراءة الفاتحة واجبة على المأموم أيضا و يقرأها في سكتات الإمام إن كان له سكتات فإن لم يكن له سكتات سردها و لو كان الإمام يقرأ مستثناة.
و على هذا القول تكون قراءة الفاتحة بالنسبة للإمام و المنفرد ركن ، و بالنسبة للمأموم واجب مخفف تسقط عن المأموم إذا نسي إذا نسيها يتحمل عنه الإمام و كذلك إذا جاء و الإمام راكع سقطت عنه قراءة الفاتحة لحديث أبي بكرة لما جاء و النبي ﷺ راكع رجع من الصف ثم دب دبيبا حتى دخل في الصف فلما قضى النبي ﷺ صلاته قال له زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلاَ تَعُدْ يعني لا تعد تركع قبل دخول الصف و لم يأمره بإعادة الركعة فدل على أن المأموم إذا جاء و الإمام راكع سقطت عنه قراءة الفاتحة و كذلك إذا جاء في آخر القيام و لم يتمكن من قراءتها و كذلك إذا نسيها أو قلد من يقول بعدم وجوبها ففي هذه الحالات تسقط عن المأموم فهي واجب و مخفف في حقه أما الإمام و المنفرد فهي ركن من أركان الصلاة لا تتم الصلاة و لا تصح الصلاة إلا بها تبطل إذا لم يقرأ الفاتحة بطلت هذه الركعة و صارت التي بعدها عوض عنها إذا نسيها فإن تذكر بعد الصلاة يأتي بركعة و إن طال الفصل أعاد الصلاة .
( متن )
( شرح )
هذا الحديث حديث أبي قتادة فيه أن فاتحة الكتاب لا بد من القراءة فيها أنه لا بد من القراءة في الصلاة فإنه قال " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ مِنْ صَلاةِ الظُّهْرِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَ سُورَتَيْنِ " هذا دليل على أنه لا بد من قراءة الفاتحة في الركعة الأولى و الثانية من صلاة الظهر و سورتين أما قراءة السورتين فهي مستحبة الواجب قراءة الفاتحة و في الركعتين الأخريين يقرأ الفاتحة.
إذن الركعات الأربع كل ركعة لا بد فيها من قراءة الفاتحة لكن في الركعتين الأوليتين من صلاة الظهر يزيد و يقرأ سورتين و هذه الزيادة مستحبة.
" و كان يقرأ في العصر بفاتحة الكتاب و سورتين " أيضا هذا فيه دليل على أنه لا بد من قراءة سورة الفاتحة أيضا في صلاة العصر الركعتين الأوليين و سورتين يطولهما و يقصر في الثانية و الركعتين الأخريين بأم الكتاب يعني يقرأ بأم الكتاب و هي الفاتحة.
" و كان يطول في الركعة الأولى من صلاة الصبح و يقصر في الثانية " و هذا دليل على أن قراءة الفاتحة لا بد منها في كل ركعة في الركعات الثلاث يقرأها أربع مرات في صلاة الظهر و أربع مرات في صلاة العصر و أربع مرات في صلاة العشاء و ثلاث مرات في صلاة المغرب و مرتين في صلاة الفجر و مرتين في صلاة الجمعة و مرتين في صلاة الاستسقاء و أربع مرات في صلاة الكسوف لأنه في كل ركعة ركوعين و مرتين في النوافل في كل نافلة لا بد من هذا و أما ما زاد عن الفاتحة فهو مستحب سنة قراءة سورة أو آيات بعد الفاتحة هذا مستحب.
و الحديث فيه وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة من ركعات الصلاة.
و فيه أيضا استحباب تطويل الركعة الأولى أطول من الثانية.
و قوله " و يسمعنا الآية أحيانا " فيه جواز الجهر في الصلاة السرية أحيانا في بعض الآيات ليعلموا أنه يقرأ و فيه استحباب طويل الركعة الأولى عن الثانية في صلاة الصبح و كذلك في صلاة الظهر .
( متن )
( شرح )
هذا الحديث متفق عليه رواه الشيخان فيه أن النبي ﷺ كان يقرأ في المغرب بالطور.
الحديث فيه من الفوائد الجهر في صلاة المغرب بالقراءة.
و فيه استحباب القراءة في المغرب بالطوال المفصل أحيانا و أن النبي ﷺ قرأ بالطور في صلاة المغرب قرأ بالطور و قرأ بها في صلاة الفجر في حجة الوداع كما روت أم سلمة و هو يصلي في الناس بالمسجد الحرام في صبح اليوم الرابع عشر من ذي الحجة طاف الوداع ثم أدركته الصلاة فصلى بالناس فقرأ سورة الطور، ففي الحديث دليل على أنه المغرب أحيانا يقرأ بالطوال و أحيانا يقرأ بالقصار و لا يلازم القصار أحيانا و أحيانا و لهذا قرأ النبي ﷺ في المغرب مرة بالطور كما في الحديث و قرأ مرة بالمرسلات و قرأ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ و قرأ مرة بسور الأعراف و فعلها مرة واحدة و طويلة سورة الأعراف جزء و ربع قرأ بها مرة و هذا يدل على أنه في المغرب لا يلازم الإنسان القصار و إنما أحيانا و أحيانا.
قال العلماء أن ملازمة السور القصار في المغرب إنما سنة مروان الحمار ، مروان بن الحكم هو الذي كان يلازم في المغرب القصار أما سنة الرسول ﷺ فهي أحيانا ، أحيانا يقرأ بالطوال و أحيانا يقرأ بالقصار .
( متن )
( شرح )
هذا الحديث رواه الإمام البخاري ، و هذا الحديث فيه أنَّ النبي ﷺ يقرأ في صلاة العشاء أحياناً بالقصار ليخفف في العشاء و كان هذا في السفر قرأ سورة التين في السفر و فيه استحباب تحسين القراءة بالصوت في الصلاة وفي غيرها لقول البراء ( فَمَا سَمِعْتُ أَحَداً أَحْسَنَ صَوْتاً أَوْ قِرَاءَةً مِنْهُ ) فيه استحباب تحسين الصوت في القراءة في الصلاة و في خارجها.
و فيه جواز القراءة من قصار المفصل في صلاة العشاء و لا سيما صلاة السفر.
و فيه أيضا صلاة العشاء يجهر بها في القراءة يجهر بالقراءة في صلاة العشاء و صلاة المغرب و صلاة الفجر.
( متن )
( شرح )
هذا الحديث حديث عائشة فيه أن النبي ﷺ بعث رجل على سرية فكان يقرأ لأصحابه و هو يصلي بهم في السفر فيختم بـ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ يقرأ سورة ثم يقرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ في كل ركعة يقرأ سورة ثم يختم في آخرها قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ يختم بها فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله ﷺ و في لفظ آخر قالوا له يا فلان أنت تقرأ سورة ثم تقرأ بعده بسورة قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ تكرر و كانوا يرون أنه أحسنهم قراءة فقال إن أردتم أن أصلي بكم فإني لا أترك قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ و إلا فضعوا غيري إماما لكم فتركوه فلما جاؤوا النبي ﷺ أخبروه بذلك فقال سَلُوهُ لأَيِّ شَيْءٍ صَنَعَ ذَلِكَ؟ فسألوه فقال إنها صفة الرحمن و أنا أحب أن أقرأها ، فقال النبي ﷺ أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللهَ تَعَالَى يُحِبُّهُ.
هذه منقبة عظيمة من أحبه الله فهو من الفائزين من الناجين من السعداء من الأبرار هذه منقبة عظيمة كل يتمناها النص على أن فلان يحبه الله، و لذلك لما أخذ النبي ﷺ لواء يوم خيبر و قال لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، يُفْتَحُ عَلَى يَدَيْهِ، تطلع الناس لها كل تمناها قال يا ليتني أنا يا ليتني من يعطيني الراية لا رغبة في الإمارة و لكن رغبة في الوصف رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ الوصف نص النبي ﷺ على أنه يحب الله و رسوله و أن الله يحبه حتى تطلع عمر لها فلما أصبحوا غدا الناس إلى رسول الله كل يرجو أن يعطاها فقال أَيْنَ عَلِيٌّ بِن أَبِي طَالِبٍ؟ فقالوا يا رسول الله إنه أرمد يشتكي عينيه و في لفظ أوتي به أعمى يقاد فلما جاء به النبي ﷺ تفل في عينيه فبرأت في الحال هذه من علامات النبوة تفل في عينيه فبرأ في الحال لم يحتج عملية و لا قطرة و لا شيء في الحال هذه آية من آيات الله إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فأعطاه الراية فأخذ هذه المنقبة هذا الرجل كان يقرأ هذه السورة لأنه يحبها فقال الرسول ﷺ أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللهَ تَعَالَى يُحِبُّهُ.
و هذا الحديث فيه من الفوائد جواز بعث الإمام للسرايا لقتال الأعداء أو أخذ العيون و الأخبار.
و فيه تأمير الإمام أميراً على السرية لأنه يشرع للإمام إذا أرسل سرية أن يؤمر عليهم أمير و هذا الأمير ينصحهم لهم و هم يسمعون له و يطيعون.
و فيه مشروعية الجهر في الصلاة الجهرية المغرب و العشاء و الفجر.
و فيه جواز الجمع بين سورتين و أكثر لأن هذا الرجل يقرأ سورة ثم يقرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ .
و فيه جواز تكرار قراءة السورة في الركعتين فإن هذا الرجل يقرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ في الركعتين.
و فيه إثبات المحبة لله و أن الله تعالى يحبه كما قال تعالى فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ.
و فيه الرد على من أنكر المحبة من الجهمية و المعتزلة و الأشاعرة و غيرهم من أهل البدع.
و فيه فضل قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ لأنها صفة الرحمن.
و فيه إثبات الصفات لله بما يليق بجلاله و عظمته و الرد على من أنكر صفات الله من الجهمية و المعتزلة و الأشاعرة الذين لم يثبتوا لله إلا سبع صفات.
و فيه أن العمل بطاعة الله سبب لمحبته.
و فيه جواز تخصيص بعض القرآن بالقراءة و التكرار منه لأن هذا الرجل يقرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ .
و السرية : قطعة من الجيش تخرج للجهاد في سبيل الله بإذن الإمام يؤمر عليهم أميرا .
( متن )
الشرح :
و في نسخة فَلَوْلا قَرَأتَو هنا فَلَوْلا صَلَّيْتَ بِـ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى و الحديث متفق عليه رواه الشيخان.
و المراد بالكبير كبير السن و الضعيف ضعيف الخلقة أو من به ضعف نتيجة مرض أو كد أو تعبز
و ذو الحاجة صاحب الحاجة المشتغل بها مثل أم الصبي أم الطفل و الحامل و المرضع و من بحاجة إلى طعام.
و هذا الحديث قاله النبي ﷺ لمعاذ لما كان يطول يصلي بأصحابه صلاة طويلة لأنه كان يصلي مع النبي ﷺ في مسجده صلاة العشاء ثم يذهب إلى قومه و يصلي بهم تلك الصلاة له نافلة و لهم فريضة فقرأ مرة سورة البقرة فجاء رجل من الأنصار معه ناضحان يعني بعيران يشتغل عليهما طول الليل متعب فلما كبر مع معاذ قرأ معاذ البقرة صار يقرأ و استمر فيها و الرجل مجهود متعب فلما رأى ذلك أنه لن يستطيع نوى الانفراد و صلى و خرج فلما أخبر معاذ نال منه قال إنه منافق فجاء الرجل يشتكيه يشتكي معاذ إلى النبي ﷺ و قال إن معاذ طول عليه و هو متعب طول النهار و هو قرأ البقرة فالنبي ﷺ شنع معاذ و عاتبه و شدد عليه و قال أَفَتَّانٌ أَنْتَ يَا مُعَاذُ، أَفَتَّانٌ أَنْتَ يَا مُعَاذُ، أَفَتَّانٌ أَنْتَ يَا مُعَاذُ، إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِلنَّاسِ، فَلْيُخَفِّفْ؛ فَإِنَّ مَن وَرَائِهِ الضَّعِيفَ وَالسَّقِيمَ وَذُو الْحَاجَةِ وَإِذَا صَلَّى لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ و قال له فَلَوْلا صَلَّيْتَ بِـ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى ، وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا ، وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَى؟ فَإِنَّهُ يُصَلِّي وَرَاءَكَ الْكَبِيرُ وَالضَّعِيفُ وَذُو الْحَاجَةِ. يعني بدل من قراءة البقرة كلها يقرأ بـ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى ، وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا ، وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَى
فهذا الحديث فيه مشروعية القراء بأوساط المفصل في العشاء مشروعية القراءة في العشاء بأوساط المفصل هذه من أوساط المفصل سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى ، وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا ، وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَى لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ، وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ، وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ، إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ كل هذه من قصار من أوساط المفصل.
و فيه أنه ينبغي للإمام أن يراعي حال المأمومين و أن لا يشق عليهم و أن لا يطيل عليهم بل يخفف تخفيفا مع إتمام.
و فيه أن صاحب الحاجة من أمور الدنيا له عذر في تخفيف الصلاة لاشتغال قلبه به و انصرافه عن الخشوع.
و فيه دليل عل جواز صلاة الفريضة خلف المتنفل جواز صلاة المفترض خلف المتنفل فإن معاذ يصلي مع النبي ﷺ صلاة العشاء له فريضة ثم يذهب إلى أصحابه في طرف المدينة يصلي بهم تلك الصلاة له نافلة و لهم فريضة ففيه دليل على أن المفترض له أن يقتدي بالإمام المتنفل و لا حرج و الصلاة صحيحة .
( متن )
بابُ تركِ الجَهرِ بـ بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
108 - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما: كَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ الصَّلاةَ بِـ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
وَفِي رِوَايَةٍ: صَلَّيْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ ، فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَقْرَأُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
109 - وَلِمُسْلِمٍ: صَلَّيْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ ﷺ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فَكَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ بِـ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لا يَذْكُرُونَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي أَوَّلِ قِرَاءَةٍ وَلا فِي آخِرِهَا .
( شرح )
هذا الحديث فيه ترك الجهر بـ بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ كما ترجم المؤلف رحمه الله فيه قال أنس أن النبي ﷺ و أبا بكر و عمر كانوا يستفتحون الصلاة بِـ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ يعني لا يجهرون بالبسمة يعني كان يستفتح ثم يتعوذ سرا ثم يبسمل سرا ثم يبدأ يقرأ الفاتحة جهرا ففيه مشروعية ترك الجهر بـ بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ في الصلاة الجهرية و أن السنة ألا يجهر بالبسملة.
و الجهر بالبسملة فيه أقوال لأهل العلم منهم الشافعي رحمه الله أن الجهر بها في الصلاة الجهرية و السر بها في الصلاة السرية أما مذهب الإمام أحمد و أبي حنيفة فإنها تقرأ سرا لا جهرا و مذهب الإمام مالك رحمه الله تركها سرا و جهرا مطلقا.
و الصواب أنها سنة مستحبة و ليست من الفاتحة و لا في غيرها و لكنها آية للفصل بين السور فالصواب يقرؤها سراً.
و جاء في رواية ( كانوا يسرون ) و هي في صحيح مسلم في الحديث الأول قال كَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ الصَّلاةَ بِـ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ و الثاني قال ( لم أسمع أحدا منهم يقرأ ببسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ و كانوا يستفتحون الصلاة بـ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول القراءة و لا في آخرها ) و في لفظ لمسلم ( كانوا يسرون ) و هذا هو المشروع، إذن المشروع أن الإمام في الصلاة الجهرية يسر في البسملة و يسر في التعوذ يقول ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم ) ثم يجهر فيقول الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .
( متن )
بابُ سجودِ السَّهو
110 - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِﷺ إحْدَى صَلاتَيْ الْعَشِيِّ - قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: وَسَمَّاهَا أَبُو هُرَيْرَةَ. وَلَكِنْ نَسِيتُ أَنَا - قَالَ: فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ سَلَّمَ. فَقَامَ إلَى خَشَبَةٍ مَعْرُوضَةٍ فِي الْمَسْجِدِ ، فَاتَّكَأَ عَلَيْهَا كَأَنَّهُ غَضْبَانُ وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى ، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ. وَخَرَجَتِ السَّرَعَانُ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالُوا: قَصُرَتِ الصَّلاةُ، وَفِي الْقَوْمِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَهَابَا أَنْ يُكَلِّمَاهُ. وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ فِي يَدَيْهِ طُولٌ ، يُقَالُ لَهُ: ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَنَسِيتَ ، أَمْ قَصُرَتِ الصَّلاةُ؟ قَالَ: لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تُقْصَرْ. فَقَالَ: أَكَمَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ. فَتَقَدَّمَ فَصَلَّى مَا تَرَكَ. ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ. ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَكَبَّرَ ، ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ. ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ. فَرُبَّمَا سَأَلُوهُ: ثُمَّ سَلَّمَ؟ قَالَ: فَنُبِّئْتُ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ قَالَ: ثُمَّ سَلَّمَ .
العشي : ما بين زوال الشمس إلى غروبها قال الله تعالى وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ.
( شرح )
هذا الباب رواه المؤلف في سجود السهو و سجود السهو كما دلت عليه الأحاديث سجدتان بينهما جلوس.
و السهو يشرع للزيادة و للنقص و للشك إذا زاد الإنسان في صلاته ناسيا قياما أو قعودا أو ركوعا أو سجودا أو ذكر أكثر فإنه يشرع له أن يسجد سجدتين و يشرع أيضا للنقص إذا سلم عن نقص ركعة أو ترك ركنا فإنه يأتي بما بقي عليه ثم يسلم ثم يسجد سجدتين و كذلك الشك إذا شك الإنسان في صلاته فإن عليه أن يبني على غلبة الظن يكون عنده غلبة ظن أنها ركعة فيأتي بركعة ثانية ثم يسجد سجدتين.
إذن سجود السهو يشرع متى يشرع ؟ عند الزيادة إذا زاد المصلي أو نقص أو شك إذا زاد المصلي في صلاته أن نقص في صلاته أو شك.
و متى يكون قبل السلام و متى يكون بعد السلام..؟ أولا إذا سجد قبل السلام أو بعد السلام فالصلاة صحيحة.
لكن الأفضل أن سجود السهو يكون كله قبل السلام إلا في حالتين فقط:
الحالة الأولى إذا سلَّم عن نقص ركعة أو أكثر كما في هذا الحديث ثم تذكر أو ذكر فإنه يأتي بما بقي عليه ركعة أو ركعتين ثم يسلم ثم يسجد سجدتين ثم يسلم هنا يكون السجود بعد السلام إذا سلم عن نقص.
الثاني إذا سلم عن غلبة ظن يعني عنده شك هل صلى مع الإمام ركعتين أو ثلاثة لكن الأغلب أنها ركعتين يعمل بالأقل أنها ركعتين ثم يسلم ثم يسجد سجدتين بعد أن يسلم.
و ما عدا ذلك فالسجود كله قبل السلام إذا زاد ركعة أو ركوع أو سجود أو قيام فكله يكون قبل السلام الزيادة، و كذلك أيضا الشك إذا كان يشك ركعتين أو ثلاثة و ليس عنده غلبة ظن ففي هذه الحالة أيضا يشرع ففي هذه الحالة يكون السجود قبل السلام، و إذا زاد بركعة أو ركعتين أو ركوع كما في هذا الحديث هذا الحديث فيه أنه سلم عن نقص فسجد سجدتين بعد أن يسلم.
إذن هذا الحديث حديث محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال " صلى بنا رسول الله ﷺ إحدى صلاتيّ العشيّ " قال ابن سيرين فسماها أبو هريرة و لكن نسيت أنا إحدى صلاتي العشي يعني إما الظهر أو العصر هذه صلاة العشي إما الظهر أو العصر نسي قال " فصلى بنا ركعتين ثم سلم " الرسول صلى الظهر أو العصر ركعتين ثم سلم ناسيا يظن أنه صلى أربعا " فقام إلى خشبة معروضة في المسجد " يعني في آخر المسجد " فاتكأ عليها كأنه غضبان و وضع يده اليمنى على اليسرى و شبك بين أصابعه " هذا فيه دليل على جواز التشبيك بين الأصابع بعد الصلاة أما قبل الصلاة فإنه منهي عنه لأنه في حكم المصلي و المصلي لا يشبك بين أصابعه فحين يخرج من بيته إلى المسجد فإنه في حكم المصلي فلا يشبكن بين أصابعه أما إذا سلم جاز له أن يشبك بين أصابعه و لو في المسجد و النبي ﷺ صلى ركعتين ثم سلم ثم ذهب إلى خشبة معروضة فاتكأ عليها كأنه غضبان و شبك بين أصابعه " لماذا شبك ؟ يعتقد أنه انتهى من الصلاة و التشبيك بين الأصابع بعد الصلاة لا بأس به.
و في هذا الحديث من الفوائد مشروعية سجود السهو للنقص و أنه إذا سلم عن نقص فإن السجود يكون بعد السلام و ذلك أنه يأتي بما بقي عليه من نقص ركعة أو ركعتين أو ثلاث فإنه إذا تذكر يأتي بما بقي عليه و يكمل صلاته ثم يسلم ثم يسجد سجدتين بعد أن يسلم، و كذلك إذا بنى على غلبة الظن يكون السجود بعد السلام و ما عدا ذلك فالسجود كله قبل السلام إذا زاد ركعة أو زاد سجدة أو زاد مثلا في ركوع أو سجود فإن السجود يكون قبل السلام و كذلك الشك و كذلك إذا ترك التشهد الأول يكون السجود قبل السلام و هكذا السجود كله قبل السلام إلا في حالتين إذا سلم على نقص أو إذا بنى على غلبة الظن.
و في هذا الحديث من الفوائد مشروعية سجود السهو.
و فيه أنه إذا سلم عن نقص فإنه يسجد سجدتين بعد أن يسلم و فيه أنه إذا تكلم المصلي بعد أن يسلم ( 31:42 ) بنى على صلاته إذا كان الكلام في مصلحتها.
و فيه أن سجود السهو سجدتان يكبر عند السجود و يكبر عند الرفع هذا في الصلاة أما خارج الصلاة ففيه خلاف من العلماء من قال أنه صلاة يكبر عنده و منهم من قال إنه ليس بصلاة بل يكبر عند السجود و الباقي يقوم بلا تكبير.
و السهو هو الغفلة عن الشيء.
و إحدى صلاتي العشي يعني الظهر أو العصر.
و العشي ما بين زوال الشمس إلا غروبها قال الله تعالى وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ.
و قوله " خرج السرعان من المسجد " يعني الذين يتسرعون خرجوا و قالوا قصرت الصلاة ظنوا أنها قصرت و هذا من فضل الله تعالى أنه جعل نبيه ينسى حتى يكون تشريعا للأمة و قوله " فهابا أن يكلماه " يعني وجدا في أنفسهما هيبة.
فهذا الحديث فيه من الفوائد مشروعية سجود السهو و أنه سجدتان و فيه أن كلام الناسي و سلامه لا يبطلان الصلاة لأنه معذور و فيه أن موضع السجود في آخر الصلاة بعد السلام أو قبله بعد السلام إذا سلم عن نقص أو بنى على غلبة الظن و الباقي يكون قبله و فيه أن التكلم عمدا لمصلحة الصلاة لا يبطلها كما فعل ذو اليدين أن التكلم عمدا لمصلحة الصلاة لا يبطلها كما فعل ذو اليدين و لم يأمره النبي ﷺ بالإعادة لأنه تكلم.
و فيه جواز السهو في النبي ﷺ في الأفعال تشريعا لأمته كما قال النبي ﷺ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ
و فيه أن سجود السهو فيه تكبير عند السجود و إذا كان في الصلاة يكبر عند الخفض و الرفع و في خارج الصلاة يكون تكبيره عند السجود و تكبير عند السجدة و تكبير عند الرفع ثم تكبير عند السجدة ثم تكبير عند الرفع ثم يسلم هذا الذي ذهب إليه جمهور العلماء و الصواب أنه ليس له سلام و إنما يكون تكبير في السجود و أما الرفع يرفع بدون تكبير لأنه خضوع لله و ليس للسجدة صلاة بل هي خضوع لله .
( متن )
( شرح )
هذا الحديث متفق عليه رواه الشيخان و هو حديث عبد الله بن بحينه.
بُحَيْنَةَ أمه ينسب إلى أمه فيه جواز نسبة الإنسان إلى أمه إذا كان يعرف بذلك.
و قوله " فلما قضى الصلاة " يعني لما فرغ من الصلاة هذا الحديث فيه أن النبي ﷺ ترك التشهد الأول ناسيا قام و ترك التشهد الأول فسجد سجدتين قبل أن يسلم هذا الحديث.
فيه من الفوائد أن التشهد الأول واجب و ليس بركن وأنه يجبر بسجود السهو بخلاف التشهد الأخير فإنه ركن التشهد الأول ليس ركنا في الصلاة لأنه لو كان ركنا لرجعه الرسول ﷺ و تداركه فدل على أنه ليس بركن.
و فيه من الفوائد أن ترك التشهد الأول يجبره سجود السهو قبل السلام أو بعده على تقصير في ذلك في السجود بالنقص أو الزيادة.
و فيه من الفوائد متابعة الإمام عند السهو حتى المسبوق يجب عليه وجوب متابعة الإمام عند السهو حتى المسبوق .
( متن )
بابُ المرورِ بينَ يديِ المصلي
112 - عَنْ أَبِي جُهَيْمِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الصِّمَّةِ الأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ مِنْ الإِثْمِ؟ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ . قَالَ أَبُو النَّضْرِ: لا أَدْرِي: قَالَ أَرْبَعِينَ يَوْماً أَوْ شَهْراً أَوْ سَنَةً.
( شرح )
الحديث رواه الجماعة البخاري و مسلم أبو داود و النسائي و ابن ماجة و أحمد.
و هذا الحديث فيه منع المرور بين يدي المصلي فيه أنه لا يجوز للإنسان المرور بين يدي المصلي إلا إذا كان له سترة فيأتي من ورائها، و فيه الوعيد على من مرَّ بين يدي المصلي بدون عذر في هذا الحديث قال لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ مِنْ الإِثْمِ؟ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ أَبُو النَّضْرِ أحد الرواة لا أَدْرِي قَالَ : أَرْبَعِينَ يَوْماً ، أَوْ شَهْراً ، أوْ سَنَةً يعني كون الإنسان يقف أربعين أحسن له من أن يمر حتى و لو أربعين يوما أربعين يوما مدة طويلة فكيف إذا كان أربعين شهرا أو أربعين سنة فهذا يدل على الوعيد لمن مر بين يدي المصلي بعض الناس لا يبالي يمر بين يدي المصلي و لا يبالي لكن يشتد الزحام و لم يجد الإنسان ممرا هذه ضرورة مثل في المسجد الحرام إذا اشتد الزحام و لم يجد مكاناً شيئا يمر منه إلا من بين يديه هذا للضرورة فلا بأس لكن يستطيع أن يأتي الإنسان بمصابيح و يجعله سترة أو عمود أو جدار أو صندوق أو ما أشبه ذلك.
و هذا الحديث حديث إبي جهيم بن الحارث بن صمة فيه الوعيد الشديد على من مر بين يدي المصلي بدون عذر لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ مِنْ كلمة الإِثْمِ ليست في الحديث ليست في البخاري خفيت عن المؤلف في البخاري لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ لكان أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ ، خَيْراً لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْه و ليس فيه مِنْ الإِثْمِ.
و هذا الحديث فيه النهي الأكيد و الوعيد الشديد في المرور بين يدي المصلي و أنه يحرم على الإنسان المرور بين يدي المصلي إلا لعذر إلا إذا كان لا يستطيع لم يجد مسارا إلا هذا و إلا فإنه حرام .
( متن )
( شرح )
و في لفظ آخر فَلْيَدْفَعْهُ. فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ. فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ هذا الحديث رواه الجماعة إلا الترمذي و ابن ماجة يعني رواه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي.
و قوله في الحديث فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ أن يجتاز من الجواز و هو المرور يعني أراد أحد أن يمر فليدفعه يعني بالإشارة و لطيف العبارة و يشير كذا إذا أراد أحد أن يمر بين يدي المصلي يشير له بيده فإن استجاب و إلا منعه بالقوة و لهذا قال فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ و الشيطان هو المتمرد من كل شيء المتمرد الذي خرج عن طبيعة غيره يقال له شيطان فالمتمرد من الجن يسمى شيطانا و المتمرد من الإنس يسمى شيطانا و المتمرد أيضا من الحيوان يسمى شيطانا و لهذا قال الكلب الأسود شيطان لأنه مخالف لما عليه من الحيوانات الأخرى و الكلب الأسود يروع و يخيف.
و هذا الحديث دليل على مشروعية السترة.
و قوله فَلْيُقَاتِلْهُ المراد بالمقاتلة هنا ليس المراد بها القتال يقاتل بالسلاح لا بل المراد بالمقاتلة المدافعة يقاتله يدافعه حتى لا يمر بين يديه يدافعه إذا أحد أراد أن يجتاز بين يديه يدافعه و يمنعه فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ لأنه تمرد و خرج عن طبيعة الإنس عن طبيعة الشيء و الخروج عن طبيعة الشيء يسمى تمردا يكون شيطانا متمردا يسمى شيطانا فمن خرج من الآدميين عن ما حدد له يسمى شيطانا و من خرج من الجن كذلك يسمى شيطانا الكافر من الجن و كذلك أيضا حتى الحيوانات.
و هذا الحديث فيه مشروعية وضع السترة للمصلي و السترة ما هي ؟ السترة يكون شيء شاخص كأن يصلي إلى جدار أو يصلي إلى عمود أو يصلي إلى دالوب المصاحف و حينئذ إذا وضع سترة فلا يؤذونه من يمر من وراء السترة سواء مر آدمي أو امرأة أو حمار أو كلب لا يضر إذا مر من وراء السترة أما إذا مر ليس من وراء السترة و لم يكن له سترة أو قريبا منه فإنه تبطل صلاته في أصح قول العلماء إذا مرت امرأة بالغ أو حمار أو كلب أسود لقول النبي ﷺ في الحديث الصحيح يَقْطَعُ صَّلَاةَ الْمَرْءِ إذا لم يكن بين يديه مِثْلُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ وَالْكَلْبُ الأَسوَدُ مؤخرة الرحل يعني عمود مثل الذي على الرحل البعير في مؤخرتها من جنس هذه الخشبة تقارب ثلثي ذراع فهذه السترة شيء قائم يقارب ثلثي ذراع أما بعض الناس طرف السجادة يجعلها سترة أو الخط يجعله سترة الخط في الرمل إذا لم يجد سترة جاء في حديث رواه الإمام أحمد اجعَلُوا خَطًّا هِلَالِياً يكون سترة له إذا لم يجد شيئا لم يجد شاخصا و لا عمودا و لا جدارا فإنه يجعل خطا هلاليا و الحديث فيه اضطراب رواه الإمام أحمد و الحديث فيه اضراد.
و قوله إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ استدل به العلماء على أن السترة ليس واجبة لأنه جاء الخيار قال إذا صلى إذا أراد أحدكم إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنْ النَّاسِ ، فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلْيَدْفَعْهُفأخذ العلماء من هذا أن السترة مستحبة لقوله إذَا صَلَّى و لم يقل ضعوا السترة إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ فقوله إذَا جعله اختيار و لو كانت السترة واجبة لقال صلوا إلى سترة فوجوب وضع السترة جمهور العلماء على أنها مستحبة في الصلاة حتى لا يمر أحد بين يديه.
ففيه مشروعية وضع السترة للمصلي و السترة شيء شاخص أو جدار و فيه أنه يمنع المار بين يدي المصلي يمنع المار أيضا لأن السترة شيء شاخص أو جدار يمنع المار بين يدي المصلي و السترة .
( متن )
( شرح )
الحديث رواه الجماعة البخاري و مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي و ابن ماجة و أحمد ، و الأتان هي الأنثى من الحمار الأنثى من الحمير يقال لها أتان فكان راكبا على حمار أنثى و قوله ناهزت الاحتلام يعني قاربت و قوله أرسلت الأتان يعني الحمار ترتع يعني ترعى.
النبي ﷺ كان يصلي بالناس في منى في الحج و لم يكن، كان يصلي إلى غير جدار فجاء ابن عباس راكبا حمارا، و ابن عباس كان صغيرا راكبا حمارا، لأنه لما كان قدوم النبي ﷺ كان صغير السن فكان قد ناهز الاحتلام يعني قريب من الاحتلام جاء و النبي ﷺ يصلي بالناس و الصفوف خلفه وهو راكب حمارا، شاب صغير على حد البلوغ فدخل و الحمار بين الصفوف صف أماه و صف خلفه و النبي ﷺ يصلي بالناس فلما اجتاز ترك الحمار ترعى و نزل و صلى مع الناس و لم ينكر عليه النبي ﷺ.
فدل هذا الحديث فيه من الفوائد:
الفائدة الأولى جاء في بعض الأحاديث أنه يصلي إلى غير جدار دل على أنه يجوز للمصلي أن يصلي لغير سترة.
ثانيا فيه أن مرور الحمار بين المأموم و الإمام لا يؤثر ، لأن سترة الإمام سترة للمأموم ما مر من سترة النبي ﷺ بل دخل بين الصفوف و صفوف المأمومين سترة الإمام سترة لهم فإذا دخل بين الصف و بين الإمام امرأة مرت امرأة أو مر حمار أو كلب فلا يقطع الصلاة لكن إذا مر أمام الإمام مرت امرأة أمام الإمام أو حمار أو كلب و ليس له سترة إن كان له سترة و مر من وراء السترة فلا يضر و إن لم يكن له سترة أو له سترة و لكن دخل بينه و بين السترة أو لم يكن له سترة و مر بعيدا إذا مر بعيدا أكثر من ثلاثة أذرع فلا يضر و إن مر قريبا و لم يكن له سترة أو له سترة و دخل بينه و بين السترة امرأة بالغ أو حمار أو كلب فهل تبطل الصلاة أو لا تبطل ؟ قولان لأهل العلم:
القول الأول أنها تبطل الصلاة و يستأنفها و هذا هو الصواب و دليله ما ثبت في صحيح مسلم أن النبي ﷺ قال يَقْطَعُ صَّلَاةَ الْمَرْءِ إذا لم يكن بين يديه مِثْلُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ خشبة تقارب ثلثي ذراع واقف شيء قائم إذا لم يكن بين يديه مِثْلُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ وَالْكَلْبُ الأَسوَدُ و المراد بالمرأة البالغ أما الطفلة الصغيرة فلا يؤثر و المراد بالكلب الكلب الأسود كما في الحديث.
و في حديث أبي ذر أنه سأل النبي ﷺ قال يا رسول الله ما بال الكلب الأحمر من الكلب الأسود من الكلب الأبيض فقال الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ شَيْطَانٌ الكلب الأسود هو الذي يقطع الصلاة أما الكلب الأحمر أو الأبيض فلا .
و القول الثاني لأهل العلم أنه إذا مرت المرأة أو الحمار أو الكلب فلا يقطع الصلاة و إنما ينقص الثواب
و تأولوا قول النبي ﷺ يَقْطَعُ صَّلَاةَ الْمَرْءِ أي يقطع ثوابها أي ينقص ثوابها و استدلوا بأحاديث منها حديث لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ وَادْرَءُوا مَا اسْتَطَعْتُمْ لكنه حديث ضعيف عند أهل العلم. و الصواب القول الأول.
و فيه دليل على جواز ركوب الحمار.
و فيه دليل على طهارة الحمار و طهارة عرقه فإنه قد يركب عليه الإنسان و ليس عليه شيء فيعرق عليه فهو تعم به البلوى و كذلك سؤر الحمار إذا شرب من ماء طاهر لأنه مما تعم به البلوى بسبب كثرة الملامسة و المخالطة و حاجة الناس إليه.
و فيه أيضا مشروعية الصلاة في السفر صلاة الجماعة في منى و في الحج يصلي الناس جماعة لا يصلون فرادى.
و في الحديث صحة صلاة الصبي و تنعقد به الجماعة لأن ابن عباس كان صبيا.
و فيه مشروعية حج الصبي ، لأن هذه القصة هذه في حجة الوداع و ابن عباس حج و هو صبي .
( متن )
( شرح )
الحديث رواه جماعة إلا الترمذي رواه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجو و أحمد.
و في هذا الحديث أن النبي ﷺ كان يصلي و أمامه عائشة نائمة معترضة بين يديه في هذه المرة النبي ﷺ كان يصلي مرات أحيانا يصلي و عائشة على السرير أمامه و أحيانا يصلي و عائشة قد مدت رجليها أمامه في القبلة كما في هذا الحديث كان يصلي و عائشة أمامه قد مدت رجليها و الغرفة ليست طويلة ما تسع النبي ﷺ و تسعها فكانت نائمة فإذا أراد أن يسجد غمز رجلها فكفت رجلها فسجد فإذا قام مدت رجلها فإذا أراد أن يسجد في الركعة الثانية غمز رجلها فكفت رجلها و هكذا فقالت عائشة و البيوت يومئذ ليس فيها مصابيح ليس فيها أنوار ما تدري إذا أراد أن يسجد حتى تكف رجلها و إنما إذا غمزها كفت رجليها.
و قوله غمزها يعني حركها غمزها حركها حتى ترفع رجليها عن موضع السجود لأن الغرفة ليست طويلة و ليست واسعة ما تكفي لاثنين ما تكفي لتمد رجليها و يصلي النبي ﷺ فالنبي ﷺ ما عنده بيت واسع و إنما كان النبي ﷺ يتقلل من الدنيا عليه الصلاة و السلام.
و قولها بسطتهما يعني مدتهما و قد اعتذرت عن هذا بأن البيوت ما كانت فيها مصابيح تعتذر تقول لو كانت ترى لكفت رجليها قبل أن يغمزها لكنها لا ما ترى ما في مصابيح ما في أنوار.
و الحديث فيه من الفوائد جواز الصلاة إلى النائم إذا لم يشغل المصلي و أنه لا بأس أن يصلي الإنسان و أمامه شخص نائم و لا يؤثر على الصلاة و فيه دليل أن العمل اليسير لا يؤثر على الصلاة كون الرسول يغمزها هذا عمل يسير لكن لا يؤثر في الصلاة كونه يغمزها حتى تكف رجليها مثل ما جاء في الحديث أيضا في العمل اليسير كان يحمل أمامة فيما سبق بنت بنت النبي ﷺ يحملها و يصلي بالناس فإذا قام حملها و إذا سجد وضعها و كذلك مثل فتح الباب لعائشة و التقدم و التأخر و كما قالت عائشة كانت تشير برأسها لما كانت أسماء و أشارت بيدها قالت انظري للسماء فهذه الإشارة من العمل اليسير فلا يضر.
و فيه أن لمس المرأة لا ينقض الوضوء لأنه لمسها بيده و فيه رد على الشافعية الذين يقولون أن مس المرأة ينقض الوضوء الشافعية يقولون مس المرأة ينقض الوضوء و لو بغير شهوة إذا مست يدك يد زوجتك أو غيرها و أنت متوضأ يجب أن تعيد الوضوء، و كذلك أيضا إذا مست يده و هو يطوف بطل الطواف و بطل الوضوء لأنهم يقولون إذا توضأ المصلي و مست يده يد امرأة بطل وضوؤه عليه أن يعيد الوضوء حتى يصلي و كذلك إذا أراد أن يطوف بالبيت يقول الشافعية المتأخرون يحرص على أن لا تمس يده يد امرأة لأنه إذا مست يده يد امرأة بطل الوضوء و بطل الطواف و هل يمكن هذا ؟ الآن و لا سيما في هذا الزحام في الأول ما كان فيه زحام مثل الآن فيه احتكاك الآن الرجال و النساء عند الأبواب و في الطواف كيف يتوضأ ؟ مجرد ما تتوضأ لا بد أن تمس يدك يد امرأة ترجع مرة ثانية تتوضأ ثم إذا رجعت في الحال لا بد أن تمس يديك يد امرأة و لا تزال تتوضأ هذا حرج و مشقة تنهى عنه الشريعة.
و الصواب أن مس المرأة لا ينقض الوضوء هذا هو الصواب العلماء لهم أقوال ثلاثة: قيل مس المرأة ينقض الوضوء مطلقا و قيل لا ينقضه مطلقا و قيل ينقضه إذا خرج منه شيء إذا خرج منه مذي أو خرج من ذكره شيء بطل الوضوء أما إذا ما خرج منه شيء كما يقول بعض الناس القلب سليم فإنه لا يضر هذا هو الصواب.
الصواب أن مس المرأة لا ينقض الوضوء و معلوم أن الإنسان ما يمس المرأة حرام عليه مس المرأة الأجنبية لكن هنا ليس باختياره إذا كان يطوف أو في الطريق و مست يده يد امرأة بدون اختياره هذا معذور لكن الإنسان ما يتعمد يمس المرأة الأجنبية هذا حرام حتى و لو لم ينقض الوضوء حرام عليه و لا ينبغي للمسلم أن يمس يد امرأة و لا سيما إذا هو ذاهب إلى العبادة لكن الكلام هذا مما تعم به البلوى بسبب الزحام .
وفق الله الجميع لطاعته، و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم .