المتن:
بابُ صلاةِ الكُسُوفِ
153 - عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ الشَّمْسَ خَسَفَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَبَعَثَ مُنَادِياً يُنَادِي: الصَّلاةُ جَامِعَةٌ. فَاجْتَمَعُوا، وَتَقَدَّمَ ، فَكَبَّرَ وَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي رَكْعَتَيْنِ ، وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ .
( الشيخ)
يقال له كسوف و يقال له خسوف، و قيل إن ذهاب نور الشمس أو بعضه يقال له خسوف و ذهاب نور القمر أو بعضه يقال له كسوف و الصواب أن كل منهما يقال له كسوف و خسوف قال تعالى فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ وَخَسَفَ الْقَمَرُ وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ
و جاء في الحديث أنه كسفت الشمس في عهد رسول الله ﷺ ( 01:04) سبب شرعي و سبب حسي.
أما السبب الشرعي فبينه النبي ﷺ قال يخوف الله بهما عباده، قال: إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ ، لا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلا لِحَيَاتِهِ؛ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِمَا عِبَادَهُ هذا السبب الشرعي التخويف سبب شرعي و لهذا لما كسفت الشمس قام النبي ﷺ فزعا يجر رداءه يخشى أن تكون الساعة.
و أما السبب الحسي فهو يعرف بالحساب على الصحيح كما ذكر ذلك المحققون من أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية و تلميذه العلامة ابن القيم و غيرهم أن الكسوف و الخسوف يدرك بالحساب إذا كان الحاسب ضابطا فإنه يدرك الكسوف لأنه علم يدرك بالحساب و إذا لم يكن الحاسب ضابطا فإنه يخطئ و يغلط و لذلك تجدهم أحيانا يخبرون بالكسوف أو الخسوف و يغلطون هذا يرجع إلى الحساب.
و يشرع إذا حصل الكسوف إّذا وجد الكسوف أو الخسوف في الشمس و القمر يشرع للمسلمين أن يفعلوا أشياء منها الصلاة و منها التكبير و منها الدعاء و منها الصدقة و منها العتق كل هذا مشروع للمسلمين أن يدعوا الله و أن يكبروا و أن يتصدقوا و أن يعتقوا و أن يصلوا هذا هو المشروع للمسلمين.
أما كيفية الصلاة بوب بها المؤلف رحمه الله قال " باب صلاة الكسوف " ذكر حديث عائشة أن النبي ﷺ لما كسفت الشمس أن الشمس خسفت على عهد رسول الله ﷺ التبويب باب صلاة الكسوف و الحديث خسفت فدل على أنه يقال له كسوف و خسوف للشمس و القمر.
عن عائشة رضي الله عنها أن الشمس خسفت على عهد رسول الله ﷺ فبعث مناديا ينادي ( الصلاة جامعة ) فاجتمعوا و تقدم فكبر و صلى أربع ركعات في ركعتين و أربع سجدات دل الحديث على أحكام منها مشروعية النداء لصلاة الكسوف و أنه إذا كسفت الشمس أو خسف القمر يشرع أن ينادى ( الصلاة جامعة ) و يكررها بصوت مرتفع ( الصلاة جامعة الصلاة جامعة الصلاة جامعة ) على حسب الحاجة فإذا اجتمعوا صلى الإمام أو من ينوب عنه و هذا بخلاف صلاة العيدين فليس لها نداء و لا أذان و لا إقامة، و الفرائض الصلوات الخمس لها أذان و إقامة و صلاة الكسوف لها نداء فقط و صلاة العيدين ليس لها لا أذان و لا نداء و لا إقامة و كذلك صلاة التراويح في الليل و صلاة التهجد ليس لها نداء ما يحتاج أن ينادى فالنداء لا أصل له ، لا أصل للنداء في صلاة التراويح و صلاة العيدين، إنما النداء خاص بصلاة الكسوف ( الصلاة جامعة الصلاة جامعة).
الحكم الثاني دل الحديث على أن صلاة الكسوف ركعتان تقدم فكبر و صلى أربع ركعات في ركعتين و أربع سجدات يعني ركعتان في كل ركوع ركعتان و سجدتان صلى ركعتان صلاة الكسوف ركعتان لكن كيفيتها الركعة الأولى فيها ركوعان يقرأ قراءة طويلة كما سيأتي يقرأ قراءة طويلة ثم يقرأ الفاتحة ثم يقرأ قراءة طويلة ثم يركع ثم يرفع رأسه ثم يقرأ الفاتحة ثم يقرأ قراءة طويلة أقل من الأولى ثم يركع الركوع الثاني ثم يرفع ثم يسجد سجدتين ثم يرفع ثم يأتي بالركعة الثانية كذلك و يقرأ الفاتحة و قراءة ثم يركع ثم يرفع ثم يقرأ الفاتحة و يقرأ ثم يركع ثم يرفع ثم يسجد سجدتين فتكون صلاة الكسوف ركعتان في كل ركعة ركوعان و سجدتان. هذه كيفية صلاة الكسوف. إذن كيفية صلاة الكسوف تصلى ركعتان في كل ركعة ركوعان و سجدتان فتكون صلاة الكسوف ركعتان في كل ركعة ركوعان و سجدتان.
و لهذا ذكرت عائشة رضي الله عنها فقالت " لما اجتمعوا تقدم فكبر و صلى أربع ركعات في ركعتين و أربع سجدات " و هذا هو الصواب الذي عليه جمهور العلماء.
و ذهب الإمام أبو حنيفة رحمه الله إلى أن صلاة الكسوف ركعتان في كل ركعة ركوع واحد كسائر الصلوات لكن هذا قول مرجوح.
و الصواب ما دلت عليه الأحاديث.
و جاء في أحاديث أخرى رواها الإمام مسلم و غيره أن النبي ﷺ صلى الكسوف ركعتين في كل ركعة ثلاث ركوعات و سجدتين ، و جاء في حديث آخر أن النبي ﷺ صلى صلاة الكسوف صلاها صلاة الكسوف ركعتين في كل ركعة أربع ركوعات و سجدتين و جاء في حديث آخر أن النبي ﷺ صلى صلاة الكسوف ركعتين في كل ركعة خمسة ركوعات و سجدتين. و لكن حديث عائشة هذا أن النبي ﷺ صلى صلاة الكسوف ركعتان في كل ركعة ركوعان اتفق عليه الشيخان البخاري و مسلم، و أما الأحاديث الأخرى التي فيها أنه صلى في كل ركعة ثلاث ركوعات أو أربع ركوعات أو خمس ركعات هذه انفرد بها الإمام مسلم و غيره من أهل السنن.
و اختلف العلماء في الجمع بين هذه الأحاديث، فذهب جمهور العلماء إلى أن صلاة الكسوف إلا أنه يعمل بما اتفق عليه الشيخان البخاري و مسلم و أن صلاة الكسوف ركعتان في كل ركعة ركوعان و سجودان، و ما عداها من الكيفيات فلا يعمل بها قالوا إنها شاذة و ذلك أن النبي ﷺ أن الشمس كسفت على عهد النبي ﷺ مرة واحدة في المدينة في اليوم الذي مات فيه ابنه إبراهيم و هو صغير فقال الناس ( كسفت الشمس لموت إبراهيم ) فبين لهم النبي ﷺ أن الكسوف لا يكون لموت أحد و لا لحياته و إنما هو للتخويف.
قالوا فدل هذا على أن ما جاء في بعض الأحاديث أنه صلى في كل ركعة ركعتين في كل ركعة ثلاث ركوعات أو أربع أو خمس أنه وهم من بعض الرواة و غلط و أن الصواب أن صلاة الكسوف تصلى ركعتين في كل ركعة ركوعان و سجدتان، قالوا لأن الشمس ما كسفت إلا مرة واحدة ما صلاها إلا مرة واحدة فلا يمكن أن يكون صلى مرة ركعتين في كل ركعة ركوعان و مرة في كل ركعة ثلاث ركوعات أو أربع ركوعات فهي لم تصل إلا مرة واحدة.
و ذهب آخرون من أهل العلم إلا أنه يعمل بهذه الأحاديث و قالوا إنه له أن يصلي صلاة الكسوف ركعتان في كل ركعة ركوعان و له أن يصليها ركعتان في كل ركعة ثلاث ركوعات و له أن يصليها في كل ركعة أربع ركوعات و له أن يصليها في كل ركعة خمس ركوعات و قالوا إن النبي ﷺ أقام في المدينة عشر سنوات مدة طويلة و يبعد أن يكون ما كسفت الشمس إلا مرة واحدة بل إنها كسفت مرات فهذه الأحاديث تدل على أنها كسف مرات و أنه صلاها مرة ركعتان في كل ركعة ركوعان و صلاها مرة ركعتان في كل ركعة ثلاث ركوعات و صلاها مرة ركعتان في كل ركعة أربع ركوعات و صلاها مرة ركعتان في كل ركعة خمس ركوعات و يعمل بهذه الأحاديث كلها هذا قول لأهل العلم.
لكن المعتمد القول الأول الذي عليه جمهور العلماء أن صلاة الكسوف ركعتان في كل ركعة ركوعان و سجدتان كما دل عليه حديث عائشة هذا.
و حديث عائشة هذا دل على مشروعية صلاة الكسوف و مشروعية النداء لصلاة الكسوف بـ ( الصلاة جامعة ).
و أيضا من الأحكام التي دل عليها أن صلاة الكسوف ركعتان في كل ركعة ركوعان و سجدتان.
و فيه من الفوائد أن صلاة الكسوف تصلى جماعة أيضا تصلى جماعة هذه كلها فوائد مستنبطة من هذا الحديث .
( متن )
( شرح )
هذا الحديث حديث أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري قال: قال رسول الله ﷺ إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ ، يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِمَا عِبَادَهُ فيه بيان أن الشمس و القمر آيتان من آيات الله يعني من آيات الله المخلوقة.
لأن الآيات آيات الله نوعان:
آيات كونية مخلوقة كالشمس و القمر و الليل و النهار و السماوات و الأراضين هذه من آيات الله الكونية المخلوقة هذه الآيات فيها الدلائل على قدرة الله و وحدانيته و استحقاقه للعبادة قال الله تعالى وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ فهذه الآيات الكونية آيات كونية الليل و النهار و الشمس و القمر و السماوات و الأراضين آيات و دلائل على قدرة الله و وحدانيته و أنه مستحق للعبادة ، الذي خلق السماوات و الأرض مع عظمهما و الذي خلق الليل و النهار يزجي الليل في النهار و يزجي النهار في الليل و خلق الشمس و القمر هذه الشمس تشرق من المشرق و تغرب من المغرب بانتظام يوميا و هذا القمر الذي يولد و يخرج في أول الشهر في المغرب ضعيفا ثم لا يزال ينمو و ينمو حتى يتم و تكمل استدارته في منتصف الشهر ثم يضعف شيئا فشيئا و في كل شهر هكذا هذه كلها آيات و دلائل على قدرة الله و وحدانيته و أن من خلقهما و أبدعهما هو الرب الواحد الإله المعبود بالحق و أنه هو الذي يستحق العبادة. و النوع الثاني آيات قرآنية و هي آيات القرآن هذه كلام الله ليست مخلوقة.الآيات نوعان: آيات مخلوقة كالليل و النهار و الشمس و القمر و السماوات و الأراضين.
و آيات كلامية آيات قرآنية و هي كلام الله هذه آيات قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ آية من آيات الله الكلامية صفة من صفات الله كلام الله صفة من صفاته ليست مخلوقة بل كلام الله منزل غير مخلوق.
فالآيات نوعان آيات كونية خلقية و آيات شرعية قرآنية.
و المقصود من قول النبي ﷺ إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ يعني من آيات الله الخلقية المخلوقة.
و قوله يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِمَا عِبَادَهُ فيه بيان الحكمة الشرعية بيان السبب سبب الكسوف الشرعي و هو تخويف الله لعباده.
و فيه أن الشمس و القمر لا ينكسفان لموت أحد و لا لحياته إذا الحكمة أنهما ليس لموت أحد و لا لحياته و ذلك لأن الشمس كسفت في اليوم الذي مات فيه إبراهيم ابن النبي ﷺ و هو صغير فقال الناس " كسفت الشمس لموت إبراهيم " فقال النبي ﷺ إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ من آيات الله لا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِمَا عِبَادَهُ ففيه بيان الحكمة من الكسوف و الخسوف و أن الحكمة منهما التخويف لا لموت أحد و لا لحياته.
فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهَا شَيْئًا فَصَلُّوا وَادْعُوا حَتَّى يَنْكَشِفَ مَا بِكُمْ هذا فيه دليل على مشروعية الصلاة و الدعاء أثناء الكسوف مشروعية الصلاة و الدعاء عند الكسوف أو الخسوف لقوله فَصَلُّوا وادْعُوا.
و استدل بعض العلماء بقوله فَصَلُّوا هذا الأمر على وجوب صلاة الكسوف لأن النبي ﷺ أمر بذلك و الأمر للوجوب هذا هو الأصل للوجوب إلا لصارف و قال إن الله تعالى أوجب الصلوات الخمس على كل أحد و أما صلاة الكسوف فهي واجبة بسبب فالواجبات الصلوات التي أوجبها الله على كل مسلم هي خمس صلوات في اليوم و الليلة و لما سأل النبي ﷺ رجلٌ قال هل علي غيرها ؟ قال لا، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ مقصوده الصلاة التي تجب على كل أحد أما صلاة الكسوف و تحية المسجد هذه واجبة بسبب عند بعض العلماء.
لكن جمهور العلماء على أن تحية المسجد مستحبة و كذلك الكسوف و صلاة العيدين سبق الكلام عنها تحية المسجد فيها خلاف فالظاهرية يوجبون تحية المسجد الظاهرية و الجمهور على أنهما مستحبتان و كذلك صلاة العيد مستحبة عند جمهور العلماء و من العلماء من قال إنها فرض كفاية و منهم من قال إنها فرض عين و صلاة الكسوف مستحبة عند الجماهير و قال آخرون بالوجوب لهذا الأمر و قالوا إنها واجب له سبب و الواجب الذي له سبب هذا مقيد بسببه بخلاف الواجبات اليومية الصلوات الخمس هذه واجبة على كل أحد هذه أوجبها الله على جميع الناس أما الكسوف فواجب لسبب في المكان الذي يجب فيه الكسوف يجب على أهل ذلك المكان أو القطر أن يصلوا صلاة الكسوف.
و قول النبي ﷺ لا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ فيه إبطال لعقيدة أهل الجاهلية لأنهم كانوا يعتقدون أن الشمس و القمر تنكسف بموت عظيم و أنها كسفت لموت إبراهيم ابن النبي عليه الصلاة و السلام و ذلك في السنة التاسعة للهجرة يقال إن اليهود هم الذين أشاعوا ذلك ليضلوا الناس فالنبي ﷺ بين لهم و وضح و أزال و أبطل هذا الاعتقاد.
و قوله فَصَلُّوا وَادْعُوا حَتَّى يَنْكَشِفَ مَا بِكُمْ فيه مشروعية الصلاة صلاة الكسوف حتى ينكشف، و إذا صلى الناس و لم يزل الكسوف أو الخسوف فإنه لا تعاد الصلاة و إنما يستمر الناس في الدعاء و التضرع إلى الله و الصدقة و العتق و التكبير و لا تكرر، و إن كان قد يفهم بعضهم من فَصَلُّوا وَادْعُوا حَتَّى يَنْكَشِفَ مَا بِكُمْ أنها تكرر صلاة الكسوف و الصواب أنها لا تكرر و إنما إذا صليت و لم يزل الكسوف و الخسوف فإن الناس يدعون الله و يتضرعون إليه و يكبرون و يعتقون و يتصدقون حتى تنكشف .
( متن )
وَفِي لَفْظٍ: فَاسْتَكْمَلَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ .
( شرح )
هذا الحديث عن عائشة فيه بيان كيفية صلاة الكسوف و أن صلاة الكسوف صلاة طويلة و بينت عائشة رضي الله عنها كيفية صلاة الكسوف إذا كسف نور الشمس أو بعضه أو كسف نور القمر أو بعضه أنه صلى ركعتين في كل ركعة سجودان و ركوعان أربع ركعات في ركعتين و أربع سجدات.
و في هذا الحديث بيان كيفية الكسوف و كيفية صلاة الكسوف و ذلك أن النبي ﷺ قال عائشة " فصَلَّى رسول الله ﷺ بِالنَّاسِ، فَأَطَالَ الْقِيَامَ " فيه مشروعية إطالة القيام أنه يكبر ثم يقرأ الفاتحة ثم يقرأ قراءة طويلة ثم يركع فيطيل الركوع ثم يقوم يعني يرفع رأسه من الركوع فيطيل القيام يقرأ الفاتحة و يستمر في القراءة فأطال القيام و هو دون القيام الأول ثم ركع فأطال الركوع و هو دون الركوع الأول ثم سجد فأطال السجود ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ما فعل في الركعة الأولى.
إذن كيفية صلاة الكسوف أولا أنها ركعتان أن صلاة الكسوف ركعتان في كل ركعة ركوعان و سجدتان و لكنها صلاة طويلة و ذلك أنه يقرأ قراءة طويلة جاء في بعض الأخبار بمقدار قراءة سورة البقرة يقرأ قراءة طويلة الفاتحة ثم يقرأ قراءة طويلة ثم يركع ركوعا طويلا قريبا من القيام ركوعا طويلا ثم يرفع رأسه من الركوع و يقرأ الفاتحة و يقرأ قراءة طويلة إلا أنها أقل طولا من القيام الأول و القيام الأول أطول شيء في هذه الصلاة الركوع الأول ثم القراءة الثانية أقل منها قراءة طويلة إلا أنها أقل، ثم يركع ركوعا ثانيا طويلا إلا أنه دون الركوع الأول، ثم يسجد سجدة طويلة ثم يرفع ثم يسجد سجدة أخرى ثم يصلي الركعة الثانية مثل الأولى إلا أنها دون الأولى فيكون القيام الأول طويل و القيام الذي بعده أقل منه ثم القيام الثالث أقل منه ثم القيام الرابع أقل منه و الركوع الأول طويل ثم الركوع الذي بعده أقل منه و كذلك السجدة الثانية.
هذه كيفية صلاة الكسوف ركعتان في كل ركعة ركوعان و سجدتان و القيام طويل و الركوع طويل و السجود طويل إلا أن كل قيام دون القيام الذي قبله و كل ركوع دون الركوع الذي قبله، و كذلك السجود سجدتان الأولى أطول من الثانية.
قالت " ثُمَّ انْصَرَفَ، وَقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ، فَخَطَبَ النَّاسَ " فيه مشروعية الخطبة بعد صلاة الكسوف و وعظ الناس و لا يشترط أن يصعد المنبر في نفس مجلسه يخطب و الناس أمامه يعني يلقي موعظة عليهم الموعظة تسمى خطبة إذا انصرف من صلاة الكسوف وعظ الناس يلقي موعظة يحمد الله و يثني عليه يقول الحمد لله رب العالمين أحمد الله و أثني عليه و أصلي على النبي ﷺ ثم يعظ الناس اقتداء بالنبي ﷺ لأنه خطب الناس و حمد الله ثم أثنى عليه و قال إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ ، لا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلا لِحَيَاتِهِ هذا من خطبته لما انصرف من صلاة الكسوف خطب الناس و قال و بين لهم إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ ، لا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلا لِحَيَاتِهِ فيه إبطال لاعتقاد أهل الجاهلية الذين يعتقدون أن الشمس و القمر تنخسف لموت عظيم أو لولادة عظيم من العظماء، و لهذا لما مات إبراهيم ابن النبي ﷺ ظنوا و اعتقدوا أنها كسفت لموته فأبطل النبي ﷺ هذا الاعتقاد و بين بطلانه.
فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَادْعُوا اللَّهَ، وَكَبِّرُوا، وَصَلُّوا، وَتَصَدَّقُوا الحديث دل على مشروعية أربعة أمور في صلاة الكسوف عند كسوف الشمس أو القمر الدعاء ثانيا التكبير ثالثا الصلاة رابعا الصدقة فيه مشروعية الدعاء و التكبير و الصلاة و الصدقة و جاء في الحديث الآخر العتق أيضا مشروعية العتق خمسة أشياء ثم قال يا أمة محمد هذا من وعظه الرسول ﷺ وعظ الناس خطب الناس خطبة وعظية بعض صلاة الكسوف قال فيها إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ ، لا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلا لِحَيَاتِهِ
ثم قال يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ، وَاَللَّهِ مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنْ اللَّهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ فيه إثبات الغيرة لله و هي من الصفات الفعلية التي تليق بجلال الله و عظمته كسائر الصفات لا تكيف مثل المحبة و الغضب و الرضا و العزة و العظمة و الكبيرياء و الاستواء و النزول هذه كلها صفات تليق بجلال الله و عظمته.
و صفات الله كما بين أهل العلم نوعان:
صفات ذاتية لا تنفك عن الباري و هي السمع و البصر و العلم و القدرة و العلو و العزة و العظمة و الكبرياء و اليد و الرجل هذه لا تنفك عن الباري.
و صفات فعلية تتعلق بالمشيئة و الاختيار مثل المحبة يحب إذا شاء و الغضب يغضب إذا شاء الغيرة كذلك فهي من الصفات الفعلية و النزول و الاستواء و الرحمة هذه كلها من الصفات الفعلية.
إذن هذا الحديث فيه إثبات الغيرة لله فيه أن الله يغار و غيرته في الحديث الآخر إِنَّ اللَّهَ يَغَارُ، وَغَيْرَةُ اللَّهِ أَنْ يَأْتِيَ المُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ إذا أتى الإنسان محارم الله يغار و من آثار غيرته أنه ينتقم و يعاقب ، يعاقب العصاة و لهذا قال النبي ﷺ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ، وَاَللَّهِ مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنْ اللَّهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ و في الحديث الآخر لاَ أَحَدَ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ، وَلِذَلِكَ حَرَّمَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَلاَ شَيْءَ أَحَبُّ إِلَيْهِ المَدْحُ مِنَ اللَّهِ، وَلِذَلِكَ مَدَحَ نَفْسَهُ، وَلاَ أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ العُذْرُ مِنَ اللَّهِ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ بَعَثَ المُبَشِّرِينَ وَالمُنْذِرِينَ وهذا الحديث ثابت في الصحيح.
ثم قال يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ، وَاَللَّهِ مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنْ اللَّهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ يعني كما أن الإنسان إذا كان له عبد اشتراه أو أمة من رق و الرق سببه الكفر، الكفار إذا قاتلهم المسلمون جاهدوا في سبيل الله و غلبوهم و سبوا نساءهم و أموالهم صار ذراريهم و نساؤهم عبيدا صاروا عبيدا و يحررون فالإنسان إذا كان له عبد أو أمة و يزني ألا يغار ؟ يغار إذا رأى عبدا يزني يرى عبيده تزني بإمائه أو بغيره يغار و من أثر هذه الغيرة ماذا يعمل يعاقبهم فالله تعالى أغير من العبد و لما قال سعد " لو وجد عند امرأتي رجلا لضربه بالسيف غير مصفح " قال النبي ﷺ أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي.
إذن الغيرة من الصفات المشتركة الله تعالى له غيرة و المخلوق له غيرة لكن غيرة الله ليست مماثلة لغيرة المخلوق الله تعالى له الكمال كما أن المخلوق له سمع و الخالق له سمع المخلوق له بصر و الله له بصر و بصر الله كامل و بصر المخلوق ناقص يليق به سمع الله كامل و سمع المخلوق ناقص غيرة الله أكمل من غيرة العبد و هكذا ، أسماء الله نوعان العزيز و القدير و السميع و البصير و الغفور و الرحيم مشتركة و الحي مشتركة بين الخالق و المخلوق العزيز من أسماء الله و من أسماء المخلوقين قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ و من أسماء الله السميع و البصير و المخلوق من أسمائه السميع و البصير إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا فهذه أسماء مشتركة لكن إذا سمي الله بها فله الكمال و إذا سمي المخلوق فله ما يليق به و النوع الثاني من أسماء الله أسماء خاصة به فلا يسمى به إلا هو سبحانه، الله لفظ الجلالة ذو الألوهية و العبودية على خلقه أجمعين الرحمن الرحيم رب العالمين الخالق الباسط الخافض الرافع المعطي المانع هذه ألفاظ خاصة بالله وحده مالك الملك و مالك الملوك حاكم الحكام سلطان السلاطين هذا خاص بالله و فيه إثبات الغيرة لله
ثم قال النبي ﷺ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، وَاَللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيراً يعني لو تعلمون ما أعلم مما عند الله من العقوبة للعاصي و لو تعلمون ما أعلم من أهوال يوم القيامة لضحكتم قليلا و لبكيتم كثيرا لكان بكاؤكم أكثر لغلبة الخوف عليكم و استيلاء الحزن و أما الضحك فإنه يكون قليلا نادرا.
هذا فيه بيان شدة العقوبة عقوبة الله للعاصي و الظالم و الله عزيز ذو انتقام و هو شديد العقاب و هو غفور رحيم نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ
و النبي ﷺ هنا أراد أن يبين لهم أن المعاصي من أسباب العقوبات و خص الزنا و السرقة لأنهما كبيرتان من كبائر الذنوب و لأن المعاصي سبب في طمس نور القلب كما أن الكسوف و الخسوف سبب في ذهاب نور الشمس و نور القمر فإن المعاصي و الزنا و السرقة و غيرها من أسباب طمس و ذهاب نور القلب.
و هذا فيه تحذير من المعاصي و أن المعاصي من أسباب ذهاب نور القلب كما أن الكسوف و الخسوف من أسباب ذهاب نور الشمس و القمر و كذلك المعاصي و الكبائر سبب في ذهاب نور القلب و لا حول و لا قوة إلا بالله .
( متن )
( شرح )
الحديث السابق فيه بيان صفة صلاة الكسوف و أنها طويلة و فيه مشروعية الموعظة و فيه الأمر بالدعاء و التكبير و الصلاة و الصدقة، و فيه التحذير من المعاصي و أنها من أسباب طمس نور القلب كما أن الكسوف و الخسوف سبب لطمس نور القمر و الشمس.
و فيه دليل على أن الشمس و القمر آيتان من آيات الله مسخرتان و أنه ليس لهما من التأثير شيء و أن الحكمة من الكسوف و الخسوف التأثير.
و فيه الرد على من زعم أن للكواكب تأثير من المنجمين و غيرهم.
و فيه الاعتبار أخذ العظة و العبرة من الآيات الكونية.
و أما حديث أبي موسى هذا ففيه من الفوائد أنه ينبغي للإنسان إذا علم بالكسوف أن يتأثر ويكون عنده تأثر و أن يفزع و يبادر إلى الصلاة فإن النبي ﷺ لما خسفت قام فزعا يخشى أن تكون الساعة و في لفظ آخر قام فزعا يجر رداءه كان عليه الصلاة و السلام إزار و رداء على عادة العرب إزار و رداء و الإزار هو قطعة من القماش يشد بها النصف الأسفل و الرداء قطعة يجعلها على الكتفين مثل المحرم في العمرة كان العرب يلبسون هذا في حياتهم دائما في الحج و العمرة و غيرها و أحيانا يلبسون القمص مثل ثيابنا هذه القميص و أحيانا يلبسون الإزار و الأردية فالنبي ﷺ كان لابسا إزارا و رداء فإذا كان النبي ﷺ في بيته خفف و جعل الرداء في مكان فإذا أراد أن يخرج أخذ الرداء و جعله في كتفيه فلما خسفت الشمس قام مسرعا و جعل يجر الرداء من السرعة و لم يضعه على كتفيه أخذ يجره فزعا يخشى أن تكون الساعة.
فيه دليل على أنه ينبغي للإنسان أن يتأثر إذا علم بالكسوف أو الخسوف تظهر عليه علامة التأثر و الفزع و المبادرة إلى الصلاة فإن النبي ﷺ قام فزعا يخشى أن تكون الساعة حتى أتى المسجد.
و فيه مشروعية صلاة الكسوف و أنها ركعتان في كل ركعة ركوعان و سجودان.
و فيه أن صلاة الكسوف صلاة طويلة قيام طويل ثم ركوع طويل ثم قيام طويل ثم ركوع آخر طويل لكن أقل منه ثم سجدتان ثم الركعة الثانية كذلك.
و فيه بيان الحكمة من الآيات و أن الحكمة من الآيات ليس كما يعتقد أهل الجاهلية أنها لموت عظيم أو لموت أحد أو لحياة أحد و لكن الله يرسلهما للتخويف و الآيات هذه التي يرسلها الله من الآيات الكونية الكسوف و الخسوف يرسلها الله يخوف بها عباده فيه أن الحكمة التخويف.
و فيه مشروعية ذكر الله و الدعاء و الاستغفار عند الكسوف و من ذلك الصلاة فإنها من ذكر الله كما سبق تشرع الصلاة و الصدقة و التكبير و العتق و الذكر و الدعاء.
و فيه أن الالتجاء إلى الله عند الأمور و عند الآيات و كثرة الاستغفار فإن الاستغفار سبب في رفع البلاء وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ الاستغفار طلب المغفرة من الله و الاستغفار إذا أطلق فإنه يشمل التوبة و التوبة و الاستغفار يمحو الله بها آثار الذنوب في الدنيا و الآخرة فإن البلاء و المصائب و النكبات و الأمراض و العذاب الذي ينزل في الدنيا سببه الذنوب و المعاصي و كذلك أيضا عذاب القبر و عذاب النار سببه الذنوب و المعاصي كل بلاء في الدنيا و الآخرة سببه الذنوب و المعاصي و المستغفر و التائب يمحو الله بالاستغفار و التوبة يرد الله بها العقوبات و المصائب و العذاب إذا تاب الإنسان و استغفر فإنه يسلم من الذنوب و يسلم من آثار الذنوب في الدنيا من المصائب و النكبات و الأمراض و العذاب و في الآخرة من عذاب القبر و عذاب النار .
وفق الله الجميع لطاعته .