بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و صلى الله وسلم و بارك على نبينا محمد..
( متن )
قال ابن قدامة المقدسي :
كتابُ الجنائزِ
162 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: نَعَى النَّبِيُّ النَّجَاشِيَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ ، خَرَجَ بِهِمْ إلَى الْمُصَلَّى ، فَصَفَّ بِهِمْ ، وَكَبَّرَ أَرْبَعاً .
( شرح )
هذا الكتاب كتاب الجنائز بعد أن انهى المؤلف رحمه الله كتاب الاستسقاء.
قال كتاب الجنائز و الجَنائز جمعُ جَنَازة مشتقة من جَنَز إذا ستر و يقال الجِنازة بكسر الجيم و يقال الجَنَازة بالفتح جَنازة و جِنازة و هي بالكسر أفصح.
و الجِنازة اسم للنعش إذا كان عليه ميت إذا كان عليه الميت يسمى جِنازة النعش و إذا لم يكن عليه ميت فلا يسمى جِنازة يسمى نعشا إذا كان فارغا ليس عليه شيء يسمى نعشا و إذا كان عليه ميت يسمى جِنازة و الجَنازة اسم للميت الذي على النعش.
و حديث أبي هريرة يقول ( نعى النبي ﷺ النجاشي في اليوم الذي مات فيه و خرج بهم إلى المصلى فصف بهم و كبَّر أربعَا ) النعي هو الإخبار بموت نعى النبي ﷺ يعني أخبر أصحابه بموت النجاشي.
و النجاشي لقب لكل من ملك الحبشة كل من ملك الحبشة يسمى النجاشي هذه قاعدة كل من ملك الحبشة يسمى نجاشي و كل من ملك مصر يسمى فرعون الفراعنة كل من ملك العراق يسمى نمرود و كل من ملك الفرس يسمى كِسرى و كل من ملك الروم يسمى قيصر هذا اصطلاح و النجاشي في عهد النبي ﷺ اسمه أصحمة كان نصرانياً ثم أسلم و آوى الصحابة هاجر الصحابة إليه عندما اشتد أذى المشركين و قريش و آذوا المؤمنين الذين أسلموا في مكة أمرهم النبي بالهجرة إلى الحبشة أمرهم مرتين هاجروا إلى الحبشة و ركبوا البحر حتى يخف عليهم الألم و التعذيب لأن الكفار عذبوهم فرخص لهم النبي ﷺ فسافروا إلى الحبشة و هاجروا إليها فأكرمهم النجاشي وآواهم و دعاهم و دعاه جعفر بن أبي طالب للإسلام فأسلم، أسلم و كان اسمه أصحمة فأسلم و أرسلت قريش بوفد إلى النجاشي يريدون أن يستردوا المستضعفين و على رأسهم عمرو بن العاص قبل أن يُسلم و جاؤوا إلى النجاشي و قالوا إنَّ عندك أُناس هربوا من أهليهم و إنَّه كذا وإنهم يطلبونهم و إنَّهم يسبون عيسى فقال ماذا يقولون عن عيسى ، فجاء جعفر بن أبي طالب و قرأ عليه أول سورة مريم ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا فذرفت عينا النجاشي و أخذ تربة من الأرض و قال : و الله ما زاد على ما سمعت ما في الإنجيل ولا مثل هذا فأسلم و أراد وفد قريش أن يعطوه هدايا فرد هداياهم و رجعوا خائبين و بقوا عنده ثم لما هاجر النبي ﷺ إلى المدينة توفي النجاشي و هو أصحمة فنعاه النبي ﷺ نعاه يعني أخبر الصحابة بموته و صلى عليه و خرج به إلى المصلى و و صف بهم و كبَّر أربعاً.
هذا الحديث فيه جواز النعي و هو الإعلام بموت الميت حتى يعلم الناس بموته فيشهدوا جنازته ؛ لكن جاء حديث آخر أنَّ النبي ﷺ نهى عن النعي فما الجمع بينهما ؟ في حديث أن النبي ﷺ نهى عن النعي و هذا الحديث فيه أن النبي ﷺ نعى النجاشي و في حديث آخر النهي عن نعي الميت.
فجمع العلماء بينهما أن النعي نوعان:
النعي الجائز هو أن يخبر من حوله أهل الميت حتى يحضروا و يصلوا عليه يخبر الجيران و الأقارب و الأخوان حتى يصلوا عليه.
و أما النعي المنهي عنه هو الذي كانوا يفعلوه في الجاهلية كانوا يرسلون وفودا يطوفون في الحارات و الأحياء يقولون مات فلان مات فلان مات فلان يصيحون في الأسواق هذا منهي عنه.
و هل الإخبار بالصحف الآن عن ما يكون في الصحف من أي النوعين من النعي من النعي المنهي عنه أم من النعي الجائز ؟ النعي نوعان نعي جائز و هو بإخبار من حوله حتى يعلموا بموته و يصلوا عليه و النعي المنهي عنه هو ما يفعله أهل الجاهلية من إرسال أشخاص يطوفون بالأحياء و الحارات يصوتون بإخبار موت فلان و الآن في الصحف يكتب أنه ينعى فلان فمن أي النوعين من النوع المنهي عنه أم من النوع الجائز هذا يحتاج إلى تأمل قد يقال أنه أحيانا يخبر في الصحف لأجل الصلاة عليه لا سيما إذا كان داعية من الدعاة أو عالما فيعلمون الناس بموته فيأتون إذا كان هذا من غير إسراف و يؤخذ صفحات أو كتابات مكبَّرة.
و الحديث فيه من الفوائد جواز النعي و هو الإعلان عن موت الميت حتى يصلى عليه و يستغفر له.
و فيه أن النجاشي غائب ففيه جواز الصلاة على الغائب.
و هل تجوز الصلاة على كل غائب ؟ النبي ﷺ صلى على النجاشي خرج بهم وصلى و كبر بهم أربع تكبيرات لكن ما صلى على أموات كثير ماتوا في المدينة و أموات كثير ماتوا في مكة ما صلى عليهم ما صلى إلا على شخص و لهذا قال بعض العلماء لا يجوز الصلاة على الغائب و الصلاة عليه كانت خاصة بالنجاشي قالوا لأن النجاشي لم يصل عليه أحد، أسلم وحده و ليس عنده مسلم و لم يصل عليه أحد فلهذا صلى الرسول ﷺ عليه أخبره الله بموته لا توجد مواصلات عندهم ما في هاتف و لا جوالات و لا سلكي و لا مواصلات فكيف علم النبي ﷺ الحبشة بعيدة عن المدينة فهذا بوحي من الله أخبره الله فأخبر الناس بموته فنزل بهم و صلى و كبر عليه أربعا، قالوا إن هذا خاص بالنجاشي لأنه لم يصل عليه.
لكن بعيد أن يكون ملكا يموت و لا يسلم معه أحد لابد أن يسلم حوله بعض الخدم و بعض الحاشية فلا يمكن الملك له أتباع فلا يمكن أن يكون ملكا و لا يسلم معه ولا حشم و لا أتباع و لا خدم هذا بعيد.
و لكن الصواب كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه يصلى على الغائب إذا كان له شأن و له تأثير في الإسلام كالداعية الكبير و العالم الكبير و مصلح كبير و مُحسِن كبير هذا يصلى عليه أما سائر الناس لا يصلى عليهم صلاة الغائب إذا يصلى صلاة الغائب ليس على كل أحد بل يصلى لمن كان له شأن و قدم و تأثير في الإسلام كالداعية الكبير و العالم الكبير و مُحسِن كبير و الأمير العادل و ما أشبه ذلك يصلى عليه و أما سائر من يموت فلا يصلى عليه الغائبون يكتفى بصلاة الحاضر هذا هو الصواب.
و فيه أنَّ صلاة الجنازة أربع تكبيرات و لهذا صلى النبي ﷺ بهم أربع ركعات، جاء في بعض الأثر أن النبي ﷺ كبَّر خمس ركعات و في بعضها ست ركعات لكن ذكر النووي و جماعة أن الشريعة استقرت على أربع ركعات أو أربع تكبيرات و أن هذا كان أولا ثم بعد ذلك استقرت الشريعة على أن صلاة الجنازة أربع تكبيرات .
( متن )
( شرح )
وهذا الحديث فيه مشروعية الصلاة على الغائب إذا كان له شأن.
و فيه علامة من علامات النبوة حيث أخبر النبي ﷺ بموته مع بعد المسافة.
و فيه أن صلاة الجنازة أربع تكبيرات التكبيرة الأولى يقرأ الفاتحة و التكبيرة الثانية : يصلي على النبي ﷺ و التكبيرة الثالثة يدعو للميت و التكبيرة الرابعة سكتة خفيفة ثم يسلم تسليمة واحدة عن يمينه.
و فيه مشروعية تعدد الصفوف و لهذا قال جابر كنت في الصف الثاني أو الثالث.
يؤخذ من هذا الحديث أن تكون صلاة الجنازة عدة صفوف ثلاثة صفوف و أكثر و كان بعض السلف إذا جاؤوا يصلون على الميت يصفون ثلاثة صفوف على خلاف الصفوف نظرا لهذا الحديث و الأمر في هذا واسع .
( متن )
( شرح )
وهذا الحديث لابن عباس فيه دليل على أنَّ صلاة الجنازة أربع تكبيرات كما سبق.
و فيه مشروعية الصلاة على الميت بعد دفنه، إذا دفن إذا فاتته فيه دليل على أنه لا بأس بالصلاة على الميت بعد موته إذا مات و لهذا صلى النبي ﷺ على قبر بعدما دُفِن فكبَّر عليه أربعَا.
و فيه دليل جواز صلاة الجنازة في المقبرة صلاة الجنازة و أمَّا الصلاة المنهي عنه في المقبرة الصلاة التي لها ركوع و سجود، أما صلاة الجنازة فليس فيها ركوع و لا سجود و هي دعاء للميت شفاعة للميت لكن الصلاة التي فيها ركوع و سجود هذه المنهي عنها تحرم الصلاة فالصلاة في المقبرة لا تجوز و هي من وسائل الشرك و البدع لكن الصلاة على الميت و لا بأس بها حتى بعد الدفن إلى شهر من دفنه كما جاء في بعض الأحاديث أن رجلا صلى عليه النبي ﷺ بعد شهر من دفنه .
( متن )
( شرح )
وهذا الحديث، حديث عائشة فيه أنَّ النبي ﷺ كُفِّن في ثلاثة أثواب يمانية بيضٍ سحولية ليس فيها قميص و لا عمامة.
و قولها يمانية نسبة إلى اليمن و سحولية نسبة إلى سحول و هي قرية في اليمن تجلب منها الثياب.
و فيه مشروعية تكفين الميت في ثلاثة أثواب ثلاثة لفائف.
و ليس فيها قميص و لا عمامة ليس فيها قميص مخيط و لا عمامة هذه السُّنَّة و الواجب ثوب واحد إذا كفن الميت بثوب واحد يعمم جسده كفاه لكن الأفضل أن يكون ثلاثة أثواب هذا من باب الاستحباب فيه استحباب تكفين الميت بثلاثة أثواب و استحباب البياض أن تكون بيضاء و إن كُفِّن بثوب واحد ملون لا بأس لكن الأفضل أن تكون ثلاثة لفائف هذا هو الأفضل كما كفن النبي ﷺ، و المرأة تكفن بخمسة كما سيأتي ثلاثة أثواب ، و درع و خمار و الرجل في ثلاثة هذا هو الأكمل أما الواجب بثوب واحد قطعة واحدة إذا عمم تكفينه و ستر جميع جسده و لو بثوب واحد كفى بلفافة واحدة لكن الأفضل أن يكون الرجل يكفن بثلاثة لفائف و المرأة في خمس، ثلاث هذا هو الأفضل والأفضل أن تكون بيضاء الثياب يكفن في بياض و إن لفف في لفائف ليست بيضاء فلا حرج جائز أن تكون ملونة لكن الأفضل هو البياض .
( متن )
فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ. فَأَعْطَانَا حَقْوَهُ، وَقَالَ: أَشْعِرْنَهَا بِهِ. تَعْنِي إزَارَهُ.
وَفِي رِوَايَةٍ أَوْ سَبْعاً، وَقَالَ: ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا وَإِنَّ أُمَّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: وَجَعَلْنَا رَأْسَهَا ثَلاثَةَ قُرُونٍ .
( شرح )
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين و صلى الله وسلم و بارك على نبينا محمد ﷺ أما بعد :
فهذا الحديث حديث أم عطية رضي الله عنها في كتاب الجنائز فيه مشروعية غسل الميت ، بل إنَّ غسل الميت واجب فرض كفاية يجب على المسلمين أن يغسلوا الميت فإذا لم يغسلوه أثموا كلهم و إن غسله بعضهم سقط الفرض فغسل الميت تكفينه و دفنه و الصلاة عليه كلها فروض كفاية يجب على المسلمين غسل الميت و يجب عليهم أن يكفنوا الميت و يجب عليهم أن يصلوا على الميت و يجب عليهم أن يدفنوا الميت فلو ترك الميت ولم يغسله أحد أثم المسلمين كلهم أو ترك الميت لم يصل عليه أثموا كلهم أو ترك لم يكفن أثموا كلهم أو ترك الميت ولم يدفن أثموا كلهم فإذا قام البعض بهذا واحد غسله و واحد كفنه و واحد صلى عليه و واحد دفنه سقط الإثم عن الباقين عن الأمة و إن تركته الأئمة أثموا ففروض الكفاية ل ابد منها فروض الكفاية هي ما يكون فرض على الأئمة إذا قام به واحد سقط الإثم عن الباقين أما فروض الأعيان فإنه يجب على كل إنسان بعينه أن يفعلها فتغسيل الميت و تكفينه و الصلاة عليه و دفنه من فروض الكفايات.
و في حديث أُمِّ عَطِيَّةَ حين قَالَتْ دَخَلَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ ﷺ حين توفيت ابنته زينب فقال: اغْسِلْنَهَا ثَلاثاً أَوْ خَمْساً أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكِ و في رواية أَوْ سَبْعاً هذا فيه دليل على مشروعية غسل الميت و الواجب غسل الميت مرة واحدة إذا غسل الميت مرة واحدة عمم به البدن و زال ما به من وسخ كفى و لكن الأفضل أن يغسل الميت ثلاثا و أذى، إن كان فيه أوساخ يزال بخمس و إذا كان فيه أوساخ يزال بسبع و الأفضل أن يكون على وتر إذا غسل ثلاثا و كان فيه وسخ ثم غسل الرابعة و زال الوسخ الأفضل أن يزاد خامسة حتى يقطع على وتر ، و إن كان فيه زيادة أوساخ يغسل ستا فإن زالت الأوساخ في السادسة يستحب أن يزاد سابعة حتى يقطع على وتر.
إذن الحديث فيه دليل على وجوب غسل الميت و أن الواجب غسله مرة واحدة يعمم به البدن و فيه دليل على استحباب الغسل ثلاثاً أو خمسا أو سبعا على حسب الحاجة و لهذا قال النبي ﷺ للنساء الآتي يغسلن ابنته زينب غْسِلْنَهَا ثَلاثاً أَوْ خَمْساً أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكِ و في رواية أَوْ سَبْعاً بِمَاءٍ وَسِدْرٍ الأفضل أن يكون بماء و سدر و السدر منظف و هو شجر و ينوب عنه الصابون الآن ، السدر و الأشنان نوع من أنواع المنظفات فكان الناس قبل أن يوجد الصابون يغسلون بالسدر و الأشنان مادة منظفة مع الماء.
وَاجْعَلْنَ فِي الآخِرَةِ كَافُورًا ، أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ و الكافور هذا نوع من الطيب أطياب يطيب رائحة البدن و يصلبه و يصلب الجسد و يمنعه من الهوام فالأفضل أن تكون في الغسلة الآخرة كافورا أو من الكافور نوع من الطيب يصلب الجسد و يطرد الهوام و هذا من باب استحباب تطييب الميت و زيادة الغسلة أكثر من مرة كل هذا مستحب.
قال النبي ﷺ فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي. يعني أعلمنني فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ فأعطانا حِقْوَهُ يعني إزاره فَقَالَ أَشْعِرْنَهَا بِهِ. يعني اجعلنها شعارا و الشعار ما يلي الجسد يلي جسدها ليكون الشعار الذي كان يلي جسد النبي ﷺ يجعل لابنته كفنا يلي جسدها لما في جسده عليه الصلاة و السلام من البركة التي جعلها الله في جسده و كان الصحابة رضوان الله عليهم يتبركون فيها بالنبي ﷺ به و بمائه و عرقه و ماء وضوئه و بصاقه لما جعل الله في جسده من البركة و ما في جسده من البركة و هذا من خصائص النبي ﷺ و لما نام عند أم سليم وكان بينه و بينها محرمية و عرق سلتت عرقه في قارورة و جعلته لها و قالت إنه لأطيب الطيب و كان إذا تنخم وقعت نخمته في كف واحد من أصحابه فدلك بها وجهه و جسده، و لما حلق شعره بحجة الوداع أعطاه أحد الصحابة يوزعه على الناس شعرة شعرة و يتبركون به، و كذلك أيضا إذا توضأ يأخذون قطرات وضوئه هذا خاص به عليه الصلاة و السلام لا يقاس عليه غيره لما جعل الله في جسده و منابت جسده من البركة فالنبي ﷺ قال للغاسلات فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي. فأعطاهن إزاره الذي يلي جسده و قال أَشْعِرْنَهَا بِهِ. يعني اجعلنه يلي جسدها اجلعنه من الكفن الذي يلي جسدها و قال ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا
و في الحديث من الفوائد وجوب غسل الميت و استحباب الغسل ثلاثا أو خمسا أو سبعا.
و فيه أن الأفضل أن يكون على وتر.
و فيه استحباب البدء بالميامن يعني تغسل الميت من شقه الأيمن قبل شقه الأيسر و مواضع الوضوء الوجه ، واليدين ، والرجلين.
و فيه أنَّ المرأة يجعل شعرها ثلاث قرون ثلاث ضفائر يجعل الشعر ثلاث ضفائر ثلاث قرون كما فعلت أم عطية رضي الله عنها ببنت النبي ﷺ فإنها جعلت رأسها ثلاث قرون هذه الفوائد كلها مستنبطة من الحديث ، وجوب غسل الميت و استحباب جعله وترا إذا حصل الإنقاء ثلاثا أو خمسا أو سبعا و استحباب الطيب و خصوصاً الكافور الذي يحفظ الميت و يطرد الهوام عنه.
و فيه استحباب التيامن و البدء بأعضاء الوضوء و استحباب نقض شعر الميت و جعله ثلاث قرون.
و فيه أنه لا بأس أن تعطى المرأة شيئا من ثوب الرجل يكون يلي جسدها .
( متن )
الوَقْصُ: كَسْرُ العُنُقِ.
( شرح )
هذا الحديث حديث ابن عباس في قصة الرجل الذي كان محرماً في حجة الوداع مع النبي ﷺ و كان واقفاً بعرفة و سقط عن راحلته فوقصته فانكسرت رقبته فمات و هو محرم فقال النبي ﷺ اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ يعني الإزار و الرداء وَلا تُحَنِّطُوهُ، وَلا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ؛ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّياً. و في رواية وَلا تُخَمِّرُوا وَجْهَهُ وَلا رَأْسَهُ.
الحديث فيه من الفوائد أنَّ المحرم إذا مات فإنَّه يكفن بثوبيه الإزار و الرداء ولا يغطى رأسه و لا وجهه لأنه يبعث يوم القيامة ملبياً.
و فيه دليل على أنَّ الميت لا يقضى عنه ما بقي من أعمال الحج لأنه لو كان يقضى عنه لما بقي ملبياً و لهذا قال النبي ﷺ وَلا تُخَمِّرُوا وَجْهَهُ وَلا رَأْسَهُ؛ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّياً
و فيه دليل على أنَّه يجنب الطيب لأنه محرم ، الميت الذي مات و هو محرم يجنب الطيب لا يطيب و لهذا قال النبي ﷺ وَلا تُحَنِّطُوهُ فإنه محرم و المحرم ممنوع من الطيب.
و فيه أنه لا بأس من غسله بماء و سدر لأن السدر ليس من الطيب المنظفات مثل الصابون و السدر ليس من أنواع الطيب فلا بأس بغسل المحرم الميت به يغسل بماء و سدر و لكنه يجنب الطيب و لا يغطى وجهه و لا رأسه و لا يقص أظافره و لا شعره لأنه محرم و المحرم لا يأخذ شيء من شعره و لا من أظفاره و لا يطيب و لا يغطى رأسه و لهذا قال النبي ﷺ اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ يعني الإزار و الرداء الذي مات فيهما وَلا تُحَنِّطُوهُ الحنط من أنواع الطيب يعني لا تطيبوه وَلا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ لا تغطوا رأسه و في لفظ وَلا تُخَمِّرُوا وَجْهَهُ وَلا رَأْسَهُ؛ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّياً و كذلك أيضا لا يقص شيء من أظافره و لا شاربه إذا كان له شارب طويل و أظافره لا يقص منه لأنه محرم و فيه دليل أنه لا يقضى عنه ما بقي من عمله في الحج لأنه لو كان يقضى ما بقي عليه من الحج لما بقي محرما .
( متن )
( شرح )
هذه أم عطية تقول ( نُهينا عن اتباع الجنائز و لم يُعزم علينا ) نُهينا أي معشر النساء نهينا معشر النساء عن اتباع الجنائز و لم يعزم علينا و لم يعزم علينا يعني و لم يؤكد علينا فهذا اجتهاد من أم عطية رضي الله عنها.
و اختلف العلماء في اتباع المرأة للجنازة ، فأجازه بعض العلماء.
و الصواب المنع لقول النبي ﷺ في الحديث الصحيح لَعَنَ اللَّهُ زَائِرَاتِ الْقُبُورِ، وَالْمُتَّخِذِينَ عَلَيْهَا الْمَسَاجِدَ وَالسُّرُجَ و لأنَّ المرأة ضعيفة لا تتحمل فلو تبعت الجنازة لأفضى ذلك إلى اختلاطها بالرجال و أفضى ذلك إلى النياحة و رفع الصوت بالبكاء لأن المرأة ضعيفة و لا تتحمل، فالمرأة ممنوعة من اتباع الجنائز بخلاف الرجال فإنهم رخص لهم كان النبي ﷺ أولاً نهى الرجال و النساء جميعاً عن اتباع الجنائز ثم رخص فقال النبي ﷺ كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ القُبُورِ، فَزُورُوهَا؛ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الآخِرَةَ ثم نهى النساء عن اتباع الجنائز فقال لَعَنَ اللَّهُ زَائِرَاتِ الْقُبُورِ، وَالْمُتَّخِذِينَ عَلَيْهَا الْمَسَاجِدَ وَالسُّرُجَ فاتباع الجنازة للمرأة ممنوعة لأنها ضعيفة الصبر و لا تتحمل و قد يفضي ذلك إلى النياحة و البكاء و العويل و اختلاطها بالرجال، و جاء في أثر أن النبي ﷺ قال لنسوة اتبعن لجنازة ارْجِعْنَ مَأْزُورَاتٍ غَيْرَ مَأْجُورَاتٍ.
فأما قول عطية ( نهينا عن اتباع الجنائز ) النهي للتحريم و قلوها ( و لم يعزم علينا ) هذا اجتهاد منها.
و الصواب أن النهي مؤكد و أنه لا يجوز للمرأة أن تزور القبور و أن هذا خاص بالرجال .
( متن )
( شرح )
وهذا الحديث عن أبي هريرة فيه الأمر بالإسراع بالجنازة قال أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ أي أسرعوا بالدفن بدفنها و إيصالها و إيصال الجنازة إلى القبر و بيَّن النبي ﷺ العلة و الحكمة قال إنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا إلَيْهِ تقدمونها إلى الخير الذي أعده الله لها لأن الميت و لأن القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار فإن كان الميت صالحاً فُسح له في قبره مد البصر و فتح له باب إلى الجنة فيأتي من روحها و طيبها فخير تقدمونها إليه و إن تكن شرا و إن كانت فاجرة فإنه يضيق عليه في قبره حتى تختلف أضلاعه و يفتح له باب من النار فيأتي من حرها و سمومها نعوذ بالله.
فالحديث فيه من الفوائد استحباب الإسراع بالجنازة حتى توصل إلى قبرها و العلة بينها النبي ﷺ لأنها إن كانت صالحة تقدم إلى الخير الذي أعدَّه الله لها و إن كانت غير صالحة فهو شر يضعونه الناس عن رقابهم و يستريحون منه فهي بين أحد أمرين إما أن تكون صالحة فتقدم إلى الخير الذي أعده الله لها و إن تكن غير صالحة فشر يضعه الناس عن رقابهم و يستريحون منه.
فدل الحديث على مشروعية الإسراع بالجنازة لكن هذا الإسراع إسراع مُقيد بما لم يكن هناك إخلال بما يتعلق بالميت من الصلاة عليه و دفنه فلا بأس من التأخير بعض الشيء حتى يعلم الناس و يجتمع الناس للصلاة عليه و ليعلم أقاربه لكن كونه يتأخر أيام مدة هذا لا ينبغي السنة الإسراع بالميت و إيصاله إلى قبره، و الأمر أقل أحواله الاستحباب و الأصل في الأمر الوجوب أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ الأصل في الأمر الوجوب فيتأكد على المسلم أن يقدم و يسرع في الجنازة.
و كذلك أيضا في الذهاب بها إلى المقبرة يسرعون يعني يمشون مشيا فيه سرعة و هو إسراع مقيد بما دون العدو ليس ركضاً و لا مشيا متباطئا و متماوتا و لكن مشيا فيه سرعة، و فيه قول النبي ﷺ إنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا إلَيْهِ
فيه الإيمان بعذاب القبر و نعيمه و أنَّ الميت إما أن يعذب في قبره و إما أن ينعم و قد ثبت في حديث ابن عباس أن النبي ﷺ مر بقبرين و قال إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لاَ يَسْتَتِرُ مِنَ البَوْلِ، وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ ثم أخذ جريدة رطبة و شقها نصفين و غرس في كل قبر واحدة و قال لَعَلَّهُ يُخَفِّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا.
( متن )
( شرح )
هذا الحديث حديث سمرة فيه صلاة النبي ﷺ على امرأة ماتت في نفاسها فقام في وسطها يقال الوسط يوضع للخيار و العدول و الوسط بإسكان السين ما توسط بين الشيئين ( صليتُ وراء رسول الله ﷺ على امرأة ماتت في نفاسها فقام وسْطها).
و فيه مشروعية الصلاة على الميتة من النساء و غير ذلك.
و فيه استحباب أن يقوم المصلي وسط المرأة و أما الرجل يكون عند رأسه مقابل رأسه هذه السنة هذا أفضل الأفضل أن يقف الإمام الذي يصلي على الميت إن كان رجلا يحاذي رأسه و إن كانت امرأة يحاذي وسطها هذا هو الأفضل و إن صلى على أي حال فلا بأس إذا صلى على الميت عند رأسه أو عند وسطه أو عند رجليه فلا حرج لكن الأفضل أن يكون الإمام يقف محاذيا رأس الرجل أو يحاذي وسط المرأة.
و فيه مشروعية الصلاة على النفساء و الحائض الميتة يصلى على الميتة سواء نفساء أو حائض أو غيرها .
( متن )
( شرح )
في حديث أبي موسى أن النبي ﷺ بَرِئ من الصالقة و الحالقة و الشاقة، و قال الصالقة هي التي ترفع صوتها عند المصيبة رواه البخاري، و الحالقة هي التي تحلق شعرها عند المصيبة، و الشاقة هي التي تشق ثوبها عند المصيبة.
و هذا يدل على أنَّ هذه الأفعال من الكبائر دليل على أن الصالقة و الحالقة و الشاقة كل منهما ارتكبت كبيرة من كبائر الذنوب.
و الكبيرة هي ما توعد عليها بنار أو لعن أو غضب أو نفي الإيمان أو برئ النبي ﷺ منه أو قال ليس منَّا و فيه دلالة على تحريم النياحة على الميت و تحريم هذه الأفعال عند المصيبة و هي رفع الصوت و حلق الشعر و شق الثوب و هذا يدل على التسخط على قضاء الله و قدره و الواجب على الإنسان عند المصيبة أن يقول إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا
أما النياحة و شق الثوب و لطم الخد و رفع الصوت فهذا كله من الكبائر و من التسخط بقضاء الله و قدره.
و في الحديث دليل على تحريم النياحة و تحريم رفع الصوت و تحريم شق الثوب عند المصيبة و هذا يوجد عند البادية وعند الجهال عند كثير من النساء إذا بلغها خبر وفاة شقت جيبها هذا تسخط أو لطمت خدها أو نتفت شعرها أو صارت تبكي ببكاء و عويل و صراخ كل هذا محرم و هذا من النياحة و النياحة من كبائر الذنوب.
و في الحديث أن النبي ﷺ قال النَّائِحَةُ إِذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا، تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ، وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ يعني أنَّه يطلى جسدها بالقطران و تشعل بالنار حتى يكون اشتعال النار في جسدها أعظم نسأل الله السلامة و العافية.
و الحديث فيه دليل على تحريم هذه الأفعال و أنها نياحة و تحريم النايحة على الميت و تحريم رفع الصوت في البكاء على الميت و تحريم شق الثوب و تحريم حلق الشعر .
( متن )
( شرح )
هذا الحديث عن عائشة فيه أنَّ النبي ﷺ لما اشتكى أي لما مرض في آخر حياته ذكر بعض نسائه كنيسة و هي معبد النصارى و هذه الكنيسة اسمها ماريا و الكنيسة لها اسم اسمها ماريا ذكرت أم حبيبة و أم سلمة و كانتا أتتا أرض الحبشة حين الهجرة إلى الحبشة لما اشتد أذى قريش للمؤمنين والمستضعفين أمرهم النبي ﷺ بالهجرة إلى النجاشي حتى يخف عنهم التعذيب و الأذى من قريش فذكرتا أم سلمة و أم حبيبة هذه الكنسية للنبي ﷺ تسمى ماريا و ذكرتا من حسنها و تصاوير فيها فرفع الرسول ﷺ رأسه و قال أُولَئِكَ يعني النصارى في الكنسية يصورون فيها التصاوير إذَا مَاتَ فِيهِمْ الرَّجُلُ الصَّالِحُ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِداً ثُمَّ صَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ، أُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ.
الحديث فيه دليل على تحريم الصور و تحريم بناء المساجد على القبور.
و فيه أنَّ الذين يبنون المساجد على القبور من شِرار الخلق و لذلك قال هُم شِرَارُ الْخَلْقِ.
و فيه أيضاً من الفوائد الإخبار عمَّا يشاهده المؤمن من العجائب ولو في بلاد الكفار.
و فيه تحريم التصوير و شدة الوعيد في ذلك و تحريم بناء القبور على المسجد.
و فيه أن الذين يبنون القبور على المساجد هم شرار الخلق و لذلك لأن بناء المساجد على القبور وسيلة إلى عبادتها من دون الله لأن الميت إذا بني على قبره مسجد و صور فيه تصاوير و جعل عنده الرياحين و الزهور و الأنوار و الكتابات صار هذا دعوة إلى عبادته وسيلة إلى عبادته كما هو الواقع تجد الآن القبور التي تعبد من دون الله تجد فيها قبب يجعلون عليها قبة و تصاوير.
و فيها أيضا تحسن بناؤها و يجعل عندها الرياحين و الزهور و الورود فيكون هذا دعوة إلى عبادتها من دون الله، و لهذا قال النبي ﷺ أن أولئك الذين يبنون المساجد على القبور هم شرار الخلق عند الله فدل على تحريم بناء المساجد على القبور و تحريم التصاوير، و أن ذلك من أسباب الشرك، و في الحديث الآخر يقول النبي ﷺ إِنَّ مِنْ شِرَارِ النَّاسِ مَنْ تُدْرِكُهُ السَّاعَةُ وَهُمْ أَحْيَاءٌ، وَمَنْ يَتَّخِذُ الْقُبُورَ مَسَاجِدَ شرار الناس طائفتان الذين تقوم عليهم الساعة هم الكفرة لأن الساعة تقوم بعد قبض أرواح المؤمنين و المؤمنات في آخر الزمان إذا خرجت أشراط الساعة الكبار أتت ريح طيبة يقبض الله بها أرواح المؤمنين و المؤمنات فلا يبقى إلا الكفرة فتقوم عليهم الساعة، و كذلك الذين يبنون القبور على المساجد لأن هذا وسيلة إلى الشرك فقال النبي ﷺ إِنَّ مِنْ شِرَارِ الخَلقِ صنفان من الناس مَنْ تُدْرِكُهُ السَّاعَةُ وَهُمْ أَحْيَاءٌ، وَمَنْ يَتَّخِذُ الْقُبُورَ مَسَاجِدَ فدل على تحريم اتخاذ القبور مساجد و تحريم التصوير و أن هؤلاء هم شرار الخلق عند الله .
( متن )
قَالَتْ: وَلَوْلا ذَلِكَ أُبْرِزَ قَبْرُهُ غَيْرَ أَنَّهُ خُشِيَ أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِداً.
( شرح )
و هذا الحديث فيه جواز اللعن على العموم لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ و اللعن هو الطرد و الإبعاد عن رحمة الله.
و فيه دليل على جواز لعن الكفرة و الفساق على العموم تقول لعن الله اليهود لعن الله النصارى لعن الله الشيوعيين لعن الله الوثنيين لعن الله من شرب الخمر لعن الله السارق لا بأس على العموم، قال ﷺ لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ، يَسْرِقُ البَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ، وَيَسْرِقُ الحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ قال لَعَنَ اللَّهُ شَارِبَ الخَمرَ فلا بأس باللعن على العموم العصاة و الكفرة فاللعن هنا على العموم لعن الله اليهود لعن الله النصارى لعن الله المشركين لعن الله الوثنيين لعن الله السارق لعن الله الزناة لعن الله شربة الخمر.
أمَّا الواحد بعينه فالصواب أنَّه لا يُلعن فلان ابن فلان الذي شرب الخمر لا يلعن، لأنَّ الواحد بعينه قد يكون معذورا أو لم يبلغ الحكم أو قد يكون تاب أو قد يكون له حسنات تمحو هذه السيئة أو مصائب فلا يلعن أحد بعينه على الصحيح.
و يدل على ذلك أنَّ رجلاً كان يشرب الخمر على عهد النبي ﷺ و كان كثيراً ما يؤتى به و يجلد في الخمر ، فأُوتي به مرة فقال رجلاً : أخزاه الله أو لعنه ما أكثر ما يؤتى به فقال النبي ﷺ لاَ تَلْعَنهُ، إِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ دل على أنَّه يكفي إقامة الحد عليه فإن إقامة الحد كافية طهارة له فلا حاجة للعنه.
فالحديث فيه دليل على جواز لعن الكفار و اليهود و النصارى و العصاة على العموم لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ.
فيه تحريم اتخاذ القبور مساجد و النبي ﷺ لعن اليهود و النصارى على اتخاذ القبور مساجد في آخر حياته تحذيراً للأمة تحذيرا من فعلهم لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ. و قال أَلَا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ، إِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ.
و اتخاذ القبور مساجد هو طول المكوث عندها و الصلاة عندها و قراءة القرآن و الدعاء عندها كأنه مسجد هذا هو اتخاذ المسجد إذا جلس الإنسان عند القبر فأطال المكث فيه أو صلى فيه أو قرأ فيه فقد اتخذه مسجدا حتى و لو لم يبن مسجدا و إذا بني مسجد.
وفيه تحريم اتخاذ القبور مساجد لأن في ذلك وسيلة للشرك لأن الشيطان يتدرج بالإنسان أولاً يصلي عند القبر لله و يدعو الله ثم يتدرج به الحال حتى يدعو صاحب القبر و يصلي لصاحب القبر فيصل إلى الشرك، فالحديث فيه دليل على تحريم اتخاذ القبور مساجد و أنه من أفعال اليهود، و فيه تحريم التشبه باليهود و النصارى.
قالت عائشة : ولولا ذلك لأُبرز قبره غير أنَّه خُشِيَّ أن يتخذ مسجداً قالت لولا أن الرسول ﷺ خشي أن يتخذ مسجدا لأبرز قبره في البقيع لكنه دفن في بيته لأنه خشي أن يتخذ مسجدا و كأن عائشة خُفي عليها الحديث: إنَّ كُلَّ نَبِيٍّ يُدفَنُ فِي المَكَانِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ.
( متن )
( شرح )
هذا الحديث فيه أن هذه الأمور من الكبائر لطم الخدود و شق الجيوب و الدعاء بدعوى الجاهلية.
و فيه تحريم لطم الخد و شق الثوب و الدعوى مثل الجاهلية عند المصيبة قوله لَيْسَ مِنَّا هذا يدل على أنه من كبائر الذنوب و هذا وعيد من الله لأنه يكون أبلغ للزجر و شق الجيوب قطع الجيوب لأن هذا علامة على التسخط على قضاء الله و قدره و الدعاء بدعوى الجاهلية ، الجاهلية الذين كانوا قبل الإسلام سموا جاهلية لكثرة جهلهم يدعون مثلا يقولون وا عضداه وا ناصراه وا محمداه وا ولداه هذا من دعاء أهل الجاهلية و هذا من المحرمات.
و الحديث فيه دليل على تحريم هذه الأمور الثلاثة و أنها من كبائر الذنوب تحريم لطم الخد و أنها من كبائر الذنوب عند المصيبة و تحريم شق الثوب عند المصيبة و أنه من كبائر الذنوب و تحريم الدعوى بدعوة الجاهلية كأن يقول وا عضداه وا ناصراه وا محمداه كل هذا من كبائر الذنوب و هو من التسخط بقضاء الله و قدره و هذه الأشياء كلها محرمة لطم الخد و شق الجيب و دعا بدعوى الجاهلية .
( متن )
وَلِمُسْلِمٍ: أَصْغَرُهُمَا مِثْلُ أُحُدٍ.
( شرح )
هذا الحديث عن أبي هريرة فيه فضل شهود الجنازة و الصلاة عليها و اتباعها حتى تدفن و أن من صلى على الميت فله قيراط من الأجر، و القيراط فسر مقدار من الأجر مثل الجبلين العظيمين، و لمسلم أَصْغَرُهُمَا مِثْلُ أُحُدٍ، و جبل أحد جبل في المدينة في الشمال كانت عنده غزوة أحد و هو جبل عظيم.
و الحديث فيه دليل على مشروعية تشييع الجنازة و الصلاة عليها و أن من صلى على الميت فله قيراط و من صلى عليه و تبعه و ذهب إلى المقبرة حتى دفن فله قيراط آخر يرجع بقيراطين قيراط للصلاة و قيراط لاتباع الجنازة و لهذا قال النبي ﷺ مَنْ شَهِدَ الْجِنَازَةَ حَتَّى يُصَلِّيَ عَلَيْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ هذا للصلاة وَمَنْ شَهِدَهَا حَتَّى تُدْفَنَ فَلَهُ قِيرَاطَانِ. يعني قيراط للصلاة و قيراط للاتباع قيل و ما القيراطان قال مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ. و لمسلم أَصْغَرُهُمَا مِثْلُ أُحُدٍ.
ففيه الحث على تشييع الجنازة و الصلاة عليها و اتباعها حتى تدفن.
و فيه عظم الثواب في اتباع الجنائز.
و جاء في الحديث الآخر مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا، إِلَّا كَلْبَ صَيْدٍ، أَوْ مَاشِيَةٍ، نَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ و قيل إن القيراط مقدار من الأجر جزء من أربع و عشرين جزء كأن مثلا يكون الأجر الذي يحصل الإنسان في اليوم و الليلة يقسم أربعا و عشرين جزءا، فمن اقتنى الكلب يذهب عنه جزءان من الأجر في يومه و ليلته نسأل الله السلامة و العافية.
و اتباع الجنازة و الصلاة عليها كل منهما له قيراط من الأجر إذا تقبل الله قيراط لاتباع الجنازة حتى تدفن لا بد من أن يجلس حتى تدفن يتبعها من حين خروجها من المسجد أو من البيت حتى تدفن و ينتهي الدفن فيرجع بقيراط و إذا صلى عليها له قيراط آخر.
وفق الله الجميع لطاعته.