شعار الموقع

شرح كتاب الحج من عمدة الأحكام_3 بابُ دخولِ مكةَ وغيرِهِ

00:00
00:00
تحميل
120

(المتن)

بسم الله والحمد لله وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال الإمام عبد الغني المقدسي في كتابه العمدة:

بابُ دخولِ مكةَ وغيرِهِ

228 - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ دَخَلَ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ، فَلَمَّا نَزَعَهُ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: ابْنُ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فَقَالَ: اُقْتُلُوهُ.

(الشرح)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..

 أما بعد..

فهذا الباب عقده المؤلف -رحمه الله- لبيان حكم دخول مكة، قال باب دخول مكة.

ثم ذكر هذا الحديث أن النبي ﷺ لما دخل مكة دخل مكة عام الفتح في السنة الثانية من الهجرة، يعني يوم فتحت مكة وصارت الدار دار الإسلام وعلى رأسه المغفر، والمغفر هي البيضة التي تكون على رأس الفارس تقي بها وقع النبال، فقيل له إن ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال النبي ﷺ: اُقْتُلُوهُ.

هذا الحديث فيه من الفوائد أنه يجوز دخول مكة من غير إحرام لمن لم يرد النسك لأن النبي ﷺ دخل عام الفتح لم يرد النسك، ما أراد حجاً ولا عمرةً وإنما أراد فتح مكة لتطهيرها من الشرك وجعلها بلد إسلام فدخل غير محرم على رأسه المغفر، والمحرم لا يجعل على رأسه شيئاً فدل على أن جواز دخول مكة لغير النسك بغير إحرام.

وهذه المسألة مسألة خلافية بين أهل العلم وهذا هو الصواب من القولين.

القول الثاني لأهل العلم إن كل داخل إلى مكة عليه أن يحرم، كل من دخل إلى مكة يجب عليه أن يحرم وقالوا يستثنى من ذلك من دخلها لقتال أو دخلها لاحتطاب أو دخلها مثلاً لحاجة تتكرر كالحطاب والحشاش وما أشبه ذلك.

ومن أدلة القول بأنه لا يجب الإحرام على من دخل مكة لا يريد الحج أو العمرة حديث ابن عباس السابق : هُنَّ لَهُنَّ، وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الحَجَّ وَالعُمْرَةَ. ودل على ان من لا يريد الحج والعمرة يجوز له أن يتجاوز الميقات من دون إحرام.

فهذا الحديث فيه دليل على أنه لا بأس في دخول مكة لمن لم يرد النسك من غير إحرام، فالنبي ﷺ دخلها فاتحاً ولم يدخلها معتمراً ولا حاجاً ولذلك كان على رأسه المغفر.

وفيه أن اللجوء إلى الحرم لا يعيذ الإنسان من القصاص، قيل له ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال اُقْتُلُوهُ. وذلك أنه كان مرتدا وكان يؤذي النبي ﷺ وكان له جاريتان تغنيان بهجاء النبي ﷺ وسبه والنبي ﷺ أهدر دمه، هدر دمه قال مَنْ وَجَدَهُ فَليَقتُلهُ. فجاء وتعلق بأستار الكعبة يريد أن يعصم.. حتى يعصم دمه فيسلم من القتل، فقال النبي اُقْتُلُوهُ. ولو كان متعلقاً بأستار الكعبة فقتل، دل على  أن من فعل جناية كبيرة ثم لجأ إلى الحرم لا يعيذه الحرم بل لا بد أن يقيم عليه القصاص لأنه هو الذي انتهك حرمة الحرم، فمن قتل في الحرم يقتل ومن سرق تقطع يده ومن زنى يرجم أو يجلد ومن شرب الخمر يجلد لأنه هو الذي انتهك حرمة الحرم.. انتهك حرمة الحرم بفعل الكبيرة فيقام عليه الحد، ولذلك لما تعلق ابن خطل بأستار الكعبة يريد أن حتى يسلم من القتل وكان مرتداً يهجو النبي ﷺ وقد أهدر النبي دمه، قالوا: يا رسول الله متعلق بأستار الكعبة ماذا نعمل به؟ وصل إلى الكعبة وتعلق بأستارها فقال اُقْتُلُوهُ. يعني وإن كان متعلقاً بأستار الكعبة.

وفيه دليل على أنه لا بأس برفع أخبار العصاة وأهل الفساد والشر إلى ولي الأمر.. وأن هذا ليس من الغيبة.. لي من الغيبة وإنما هو من النصيحة فالأشرار ومن أراد بالمسلمين شراَ فإنه ترفع أخباره إلى ولاة الأمور حتى يأخذوا حذرهم حتى يعاقبوه، فلذلك أخبر النبي ﷺ أن ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فلذلك.. ولم ينكر على من أخبره ولم يقل إن هذا غيبة.. نعم..

(المتن)

229 - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ دَخَلَ مَكَّةَ مِنْ كَدَاءٍ مِنْ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا الَّتِي بِالْبَطْحَاءِ، وَخَرَجَ مِنْ الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى .

(الشرح)

نعم هذا الحديث فيه بيان المكان المستحب الذي يدخل منه الحاج أو المعتمر والمكان الذي يخرج منه فالنبي ﷺ خرج من كداء وهي الحدود وخرج من كُدى وهذا على وجه الاستحباب فالأفضل أن يأتي الإنسان من كداء من جهة الشرق حتى يأتي الكعبة من قبلها يواجهها يقابل الباب يقابل الباب والمقام فيأتي من كداء من جهة الحدود والخروج يخرج من كُدى من جهة الخلف من دبر الكعبة، هذا على وجه الاستحباب وإلا لو جئت من أي مكان فلا حرج،  من الجنوب أو الشمال أو الشرق أو الغرب فلا حرج ولكن هذا من باب الفضيلة، النبي ﷺ دخل من كداء وخرج من كُدى، كداء مكان بفتح الكاف وخرج من كدى مكان، وأهل مكة يقولون افتح وادخل واضمم واخرج، افتح كداء ادخل، واضمم واخرج كُدى، دخل من كداء وخرج من كُدى، افتح وادخل واضمم واخرج، وهناك مكان ثالث يقال لك كُديء.. في كداء وكُدى وكُدي، فالنبي ﷺ دخل من كداء وخرج من كُدى هذا على وجه الاستحباب.. نعم

(المتن)

230 - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْبَيْتَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَبِلالٌ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ، فَأَغْلَقُوا عَلَيْهِمْ الْبَابَ

الشيخ: نعم عن عبد الله بن عمر..

230 - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْبَيْتَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَبِلالٌ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ، فَأَغْلَقُوا عَلَيْهِمْ الْبَابَ فَلَمَّا فَتَحُوا: كُنْتُ أَوَّلَ مَنْ وَلَجَ، فَلَقِيتُ بِلالاً فَسَأَلَتْهُ: هَلْ صَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ؟ قَالَ: نَعَمْ ، بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ.

(الشرح)

نعم وهذا الحديث عن عبد الله بن عمر بأن النبي ﷺ دخل الكعبة يوم الفتح يوم فتح مكة ومعه أسامة بن زيد وبلال وعثمان بن طلحة الحجبي حاجب الكعبة صاحب المفتاح، وأغلق عليهم الباب ساعة يعني المراد جزء من الزمن وابن عمر لم يدخل فكان حريصا عبد الله بن عمر...كان حريص لكن أغلقوا الباب دونه ولم يدخل، فوقف عند الباب فلما خرجوا فسأل عبد الله بن عمر أسامة بن زيد هل صلى النبي ﷺ قال: نعم.. قال له بين الركنين اليمانيين وكانت الكعبة في ذلك الوقت فيها ستة أعمدة، جعل أربعة أعمدة خلفه، وعمودان صلى بينهما من الأمام من جهة الغرب وكان بينه وبين الجدار الغربي ستة أذرع كما في الحديث الآخر.

فدل هذا على أحكام منها : أنه إذا تيسر دخول الكعبة فإن الإنسان يستحب أن يصلي داخل الكعبة، يصلي ما تيسر، والنبي ﷺ صلى داخل الكعبة وكبر في نواحيها وليس بلازم دخول الكعبة ليس بلازم، النبي ﷺ لم يدخلها في حج أو عمرة، وإنما دخلها في عام الفتح فدخول الكعبة ليس من مستحبات الحج ولا من شروطه ولا من أركانه.

وجاء في الحديث الآخر أن النبي ﷺ خرج كئيباً، يعني: لما دخل الكعبة خرج كئيباً يعني متكدر فقيل له مالك يا رسول الله؟.. قال: إِنِّي أَخَافُ أَنْ أَكُونَ قَدْ شَقَقْتُ عَلَى أُمَّتِي من دخل الكعبة وكل واحد يحاول أن يدخل الكعبة يعني يقتدي بالرسول عليه الصلاة والسلام، فمن شفقته على أمته خرج كئيباً يخشى أن يكون شق على أمته فيقتدوا به في دخول الكعبة ولا يتسنى لكل أحد أن يدخل الكعبة.

وقد قال النبي ﷺ لعائشة لما قال أرادت أن تصلي داخل الكعبة قال صَلِّي فِي الْحِجْرِ. والحجر جزء من الكعبة، الذي يريد أن يصلي في الكعبة يصلي في الحجر، لأن ستة أذرع ونصف من الحجر كلها داخل الكعبة، أخذته منهم  قريش لما قصر في النفقة، والذي يصلي في الحجر صلى داخل الكعبة.

فهذا الحديث دل على فوائد، منها أنه يستحب لمن يدخل الكعبة أن يصلي ركعتين و يكبر في نواحيه كما فعل النبي ﷺ.

ومنها استحباب أن يكون بين المصلي وسترته ثلاثة أذرع لأن النبي ﷺ صلى مقدار السترة مقدار المسافة التي يمر المار بين يدي المصلي ثلاثة أذرع فإذا كان بينه وبينه ثلاثة أذرع ومر فلا يمر من وراءه.. فلا حرج عليه، وإن مرّ أقل من ثلاثة أذرع فإنه يرده الراد إلا إذا كان له سترة والنبي ﷺ جعل بينه وبين الجدار الغربي ستة أذرع.

وفيه فضل ابن عمر وحرصه على الخير حيث سأل أسامة بن زيد.

وهذا الحديث حديث ابن عمر فيه أن النبي ﷺ صلى، وجاء في الحديث الآخر في حديث ابن عباس أن النبي ﷺ دخل الكعبة فسئل ابن عباس سئل هل صلى النبي داخل الكعبة قال لم يصلي ولكن كبر في نواحي الكعبة، فالجمع بينهما أن حديث ابن عمر مقدم على حديث ابن عباس لأن المثبت مقدم على النافي، المثبت عنده زيادة علم على النافي، خفيت على ابن عباس، ابن عباس قال ما صلى إنما كبر في نواحيها، وابن عمر أخبره زيد بأنه صلى بين الركنين اليمانيين، فالصواب الجمع بينهما أن النبي ﷺ صلى وكبر في نواحيها.. نعم..

والصلا داخل الكعبة مستحب ولكن ليس بواجب وليس من مستحبات الحج ولا العمرة لا علاقة له بالحج ولا بالعمرة.. نعم.. ومن أراد الصلاة في داخل الكعبة فليصلي في الحجر لأن الحجر جزء من الكعبة.. نعم..

(المتن)

231 - عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ جَاءَ إلَى الْحَجَرِ الأَسْوَدِ  فَقَبَّلَهُ، وَقَالَ: إنِّي لأَعْلَمُ أَنَّك حَجَرٌ لا تَضُرُّ وَلا تَنْفَعُ ، وَلَوْلا أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ.

(الشرح)

نعم رواه؟.. أخرجه؟؟ متفق عليه..

هذا الحديث حديث فيه أن عمر قبل الحجر وقال إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا اني رأيت النبي ﷺ يقبلك ما قبلتك.. هذا فيه دليل على مشروعية تقبيل الحجر واستلامه للطائف وأنه يسبتحب لمن يطوف أن يستلم الحجر، يستلمه يعني يمسحه بيده اليمنى ويقبله بشفتيه إذا تيسر، فإن لم يتيسر مسحه بيده اليمنى وقبل يده، فإذا لم يتيسر أشار إليه بعص فإذا لم يتيسر أشار إليه وكبر ، هذا مستحب.

وفي الحديث أن عمر قبل الحجر وقال للناس: والله إني لأعلم أنك حجر لا تصر ولا تنفع.. ليبين للناس.. ولولا أني رأيت رسول الله ﷺ قبلك ما قبلتك، ليبين للناس أن الإنسان إذا قبل الحجر الأسود ليس لأنه يضر وينفع، الذي ينفع هو الله ولكن للتأسي.. التأسي بالنبي ﷺ، إنما يقبله تأسياً بالنبي ﷺ والله تعالى يقول لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فيبين للناس أن القلوب يجب أن تتعلق بالله، فالله هو الذي يضر وينفع، وأما كل إنسان يقبل الحجر اقتداءً بالرسول عليه الصلاة والسلام، نقبله تأسياً بالرسول سنة الرسول ﷺ، لا لأنه حجر يضر وينفع.

وجاء في الحديث الآخر أن علياً عارض عمر وقال لا بلى أنه يضر وينفع، فقد جاء عن النبي ﷺ أنه قال إِنَّ الحَجَرَ يَأتِي يَومَ القِيَامَةِ لَهُ عَيْنَانِ وَلِسَانٌ يَشْهَدُ لِمَنِ اسْتَلَمَهُ بِحَقٍّ، لكن هذا فيه ضعف ولو صح معناه أنه.. معناه أنه يحصل له الثواب وليس المراد أنه يضر وينفع بذاته، هذا معلوم أنه لا أحد يضر وينفع بذاته، الذي يضر وينفع هو الله ومن اعتقد أن هناك أحد يضر وينفع بذاته غير الله تعالى فهو مشرك بالربوبية..نعم..

(المتن)

232 - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابُهُ مَكَّةَ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: إنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ قَوْمٌ وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ؛ فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ الثَّلاثَةَ، وَأَنْ يَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ، وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ كُلَّهَا إلاَّ الإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ.

(الشرح)

إلا الإبقاء عليهم.. وهذا الحديث عن النبي ﷺ وأصحابه قدموا في عمرة القضاء وفي القضية وذلك أن النبي ﷺ وأصحابه اعتمروا في السنة السادسة من الهجرة جاؤوا معتمرين فصدهم المشركون ومنعوهم من دخول مكة وكتبوا صلح، فكتب النبي ﷺ بينه وبينهم صلح وكان من الصلح أنه يرجع هذا العام وأصحابه ولا يعتمرون ويرجعون من العام القادم، وسميت هذه العمرة عمرة الحديبية وسميت العمرة .. التي قضوها سميت عمرة القضاء، عمرة القضاء ليس معناها قضاء لتلك العمرة.. تلك العمرة تامة، ولكن سميت عمرة القضاء يعني: من المقضاء والمصالحة، صالحهم على أنهم يرجعون هذا العام ويعودون السنة القادمة، واشترطوا عليه شروط منها ألا يدخل بجلبان السلاح، لا يدخل إلا بالسلاح الخفيف.. فلا يدخل إلا بالسلام الخفيف أما السلاح الثقيل فلا يدخل ومنها أنهم لا يزيدون على ثلاثة أيام، ثلاثة أيام ويخرجون بعد ثلاثة أيام، فلما أن جاءت عمرة الحديبية وجاؤوا يعتمرون قالت قريش، قال بعضهم: يقدم عليكم محمد وأصحابه قد وهنتهم حمى يثرب، يعني قد أصابتهم الحمى، يثرب اسم المدينة، المدينة في الأول كانت تسمى يثرب وهو اسم جاهلي، فغيرها النبي ﷺ وسماها المدينة وسماها طابة، وكان فيها في الأول حمى لما جاء النبي ﷺ، حمى وأصاب الصحابة حمى، فدعى النبي الله أن ينقلها إلى الجحفة فنقلت إلى الجحفة، فقريش قالوا: يعني يشمتون بالنبي وأصحابه يشمتون بهم: يقدم عليكم محمد وأصحابه أصابتهم الحمى لا يستطيعون أن يمشوا من الهزال.. لا يستطيعون يمشون من الهزال.. يشمتون بهم.. يقدم عليكم محمد وأصحابه هزالاً قد أصابتهم الحمى وأضعفتهم، فقال النبي ﷺ:  أَرْمَلُوا الأَشوَاطَ الثَّلَاثَةَ، أَرُوهُم مِن أَنفُسِكُم القُوَّةَ، فجعلوا يرملون الأشواط الثلاثة.

هذا سبب مشروعية الرمل، والرمل معناه الإسراع في المشي مع مقاربة الخطى، فقال قريش بعضهم لبعض انظروا إليهم ينقزون نقز الغزلان.. ما فيهم حمى، فجعلوا يرملون.. يرملون يسرعون في الأشواط الثلاثة، فإذا وصلوا من الركن اليماني إلى الحجر الأسود صاروا يمشون، لأن قريش خلف الحجر لا تشاهدهم، فإذا وصلوا إلى الحجر بدأؤوا يرملون، كان مشروعية الحجر في الأول الخبب يعني الإسراع من الحجر إلى الركن اليماني ومن الركن اليماني لا يوجد خبب لا يوجد إسراع، لماذا؟ لأنهم يختفون عن أنظار قريش، قريش كانوا خلف الحجر هناك يشاهدونهم فإذا وصلوا إلى الركن اليماني صاروا يمشون مشي.

قال الراوي: ولم يمنعه أن يأمرهم يعني أن يسرعون بين الركن اليماني إلا الإبقاء عليهم والرفق بهم حتى لا يشق عليهم، قال فإذا وصلتم إلى الركن اليماني امشوا حتى تصلوا إلى الحجر الأسود ، ثم بعد ذلك صاروا يرملون، هذا في عمرة القضاء في السنة السابعة من الهجرة، كان الرمل من الحَجَر إلى الركن اليماني، ومن الركن اليماني إلى الحجر لا يوجد رمل، ثم بعد ذلك في حجة الوداع أمرهم النبي ﷺ أن يرملوا من الحجر إلى الحجر، يرملوه كله من الحجر إلى الحجر، حتى بين الركن اليماني فاستقرت السنة إلى الآن والرمل عام في جميع الشوط، حتى بين الركن اليماني والحجر الأسود أمرهم النبي ﷺ أن يرملوا في حجة الوداع.

وهذا الحديث فيه من الفوائد أنه ينبغي للمسلم أن يظهر القوة للأعداء والكفار حتى يرهبهم، فالله تعالى يقول وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ينبغي للإنسان أن يظهر القوة أمام عدوه الكافر حتى لا يشمت به، ينبغي أن يظهر له القوة حتى يخشاه ويخافه.

 وفيه مشروعية الرمل في الطواف الأول الذي يقدم به مكة، أول طواف يقدم به مكة لحج أو عمرة يسن أن ترمل ثلاثة أشواط، تسرع في الأشواط الثلاثة الأولى أما الأربعة الأخيرة فليس فيها رمل.

 وكذلك في هذا الطواف سنة ثانية وهي الاضطباع، والاضطباع معناه كشف الكتف الأيمن أن تجعل وسط الرداء تحت عاتقك الأيمن وطرفيه على عاتقك الأيسر، فيكون الكتف الأيمن مكشوف في الأشواط السبعة كلها، والاضطباع والرمل خاص بالطواف الأول الذي تقدم إليه مكة لحج أو عمرة، وإذا انتهيت من طواف السبعة الأشواط تسوي رداءك وتصلي ركعتين تسويه قبل أن تصلي.

أما في السعي فلا يوجد رمل.. السعي لا يوجد فيه اضطباع وفي عرفة لا يوجد اضطباع وفي منى لا يوجد اضطباع ولكننا نرى بعض الحجاج تجدهم منذ يحرم يكشف الكتف حتى يحل إحرامه، تجده مكشوف الكتف في المسعى وفي منى وفي عرفة وفي مزدلفة هذا معناه أضاع السنة.. ضيّع السنة في هذا.

إذاً هذه الفوائد إظهار القوة للأعداء وفيه مشروعية الرمل في الأشواط الثلاثة الأولى.

وأما قوله إنهم لم يرملوا بين الركن اليماني والحجر الأسود هذا كان أولاً ثم نسخ بأمره ﷺ بأن يرملوا جميع الشوط من أوله إلى آخره..نعم..

جاء في الحديث الآخر أنهم أنه لما تم ثلاثة أيام أو قرب ثلاثة أيام قالوا لعلي مر صاحبك فليخرج عنا يعني الرسول ﷺ، انتهت المدة ثلاثة أيام.. مر صاحبك فليخرج فخرج النبي ﷺ بعد ثلاثة أيام وفاءاً بالصلح.. نعم..

(المتن)

233 - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ حِينَ يَقْدَمُ مَكَّةَ

الشيخ: لكلمة يقدَم:-قَدَمَ يقدَمُ، إذا كان ورود البلد نقول قَدَم يقدَمُ.. أما قُدُم يقدُم إذا أراد أن يتقد الناس مثل قوله تعالى عن فرعون يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ قدُم يقدُم، أما إذا ورد البلد فنقول قدَم يقدَم..وفي قدُم يقدُم إذا صار قديماً، فهناك ثلاثة أحوال: قدَم يقدَم إذا ورد البلد ،قدِم يقدُم إذا تقدم القوم وقدُم يقدُم إذا صار قديماً..نعم..

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ حِينَ يَقْدَمُ مَكَّةَ إذَا اسْتَلَمَ الرُّكْنَ الأَسْوَدَ -أَوَّلَ مَا يَطُوفُ- يَخُبُّ ثَلاثَةَ أَشْوَاطٍ. 

(الشرح)

نعم هذا الحديث فيه مشروعية استلام الركن الأسود، والإستلام يعني مسحه باليد اليمنى، والاستلام من السلام وهو كالتحية.

أول الطواف تبدأ بالركن تستلمه تمسحه بيدك اليمنى وتقبله بشفتيك إن تيسر، فإن لم يتيسر تمسحه بيدك اليمنى وتقبل يدك، فإن لم يتيسر تستلمه بعصا، فإن لم يتيسر تشير له بيدك وتكبر هذا مستحب وليس بواجب، فيه مشروعية استلام الركن.

وقوله يخب.. الخبب هو الرمل ومعناه الإسراع في المشي مع مقارب الخطى، يخب الأشواط الثلاثة يعني يسرع مع مقاربة الخطى في الأشواط الثلاثة الأولى.. نعم..

(المتن)

234 - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: طَافَ النَّبِيُّ ﷺ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى بَعِيرٍ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ.

المِحْجَنُ: عصا مَحْنِيَّةُ الرَّأْسِ.

(الشرح)

نعم وهذا فيه أن النبي ﷺ طاف في حجه راكباً، لما كان النبي ﷺ يطوف ماشياً فالناس غشوه فركب البعير وصار يطوف حتى يراه الناس لأن الناس غشوه وكثروا عليه فركب البعير وجعل يطوف على البعير ويستلم الركن بعصا المحجن والمحجن عصا منحنية الرأس، يعني: يكون الركن بعيدَ عنه وهو على الدابة فيمد العصا ثم يستلم الحجر يعني: يمسه بطرف العصا المنحني وهكذا وكلما طاف ووصل الحجر استلمه بالعصا بالمحجن عصا محنية الرأس.

دل هذا الحديث على فوائد منها يجوز الطواف راكباً لمن عجز عن الطواف ماشياً، وهو لا بأس به أن يطوف راكباَ إذا كان عاجزاً كبير السن أو مريض أو صغير أو امرأة حامل فلا بأس أن يطوف راكباً.

وفيه جاء أيضاً مشروعية استلام الركن بالعصا أنه لا بأس به.

وفيه جواز دخول الدابة.. دخول الدابة التي يؤكل لحمها إلى المسجد كالإبل والبقر والغنم.

وفيه دليل على طهارة أبوال الإبل وأن أبوالها طاهرة لربما تبول، وهذا هو الصواب أنه بول ما يؤكل لحمه طاهر كالإبل والبقر والغنم، بول ما يؤكل لحمه فبوله وروثه ومنيه طاهر، أما ما لا يؤكل لحمه فهذا نجس كالكلاب والحمير والسباع هذا نجس وهذا هو الصواب.

وذهب الإمام الشافعي إلى أن البول نجس وأن بول ما يؤكل لحمه نجس ولكن هذا ضعيف.

والدليل على أن بول ما يؤكل لحمه طاهر أن العورانين الذين جاؤوا واسترخموا المدينة أصابتهم وخم والمرض أمرهم أن يذهبوا إلى إبل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها ولم يقل اغسلوا أفواهكم من أبوالها لأنها نجسة لم يأمرهم بغسل أفواههم فدل ذلك على أن البول.. بول ما يؤكل لحمه طاهر كالإبل والبقر والغنم.. ،وكان المجلس ليس عليه أبواب وليس عليه سور، ولذلك ما كان عليه سور حتى مسجد النبي ﷺ في المدينة ما كان عليه في الأول.. ما كان عليه سور ولذا كانت الكلاب تدخل في المسجد النبوي وتبول وتقبل وتدبر كما جاء في بعض ......، ثم بعد ذلك وضعت السور والأبواب وكان المسجد الحرام لا يوجد فيه أبواب ولا سور ولذلك دخل النبي ﷺ ببعيره والناس يدخلون وهناك من يدخل ببعيره وينيخه، والمسجد لا يوجد فيه فرش، لا يوجد فيها فرش مثل الآن وإنما فيها تراب..نعم..

(المتن)

235 - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: لَمْ أَرَ النَّبيَّ ﷺ يَسْتَلِمُ مِنْ الْبَيْتِ إلاَّ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ.

(الشرح)

نعم هذا حديث عبد الله بن عمر يقول: لم أرى النبي ﷺ يستلم من البيت إلا الركنين اليمانيين، يستلم الركن الأسود يستلمه بيده مثلما يمسحه بيده ويقبله بشفتيه إن أمكن ويكبر، وأما الركن اليماني ما في تقبيل وإنما مسح يمسحه بيده اليمنى ويكبر، فإن لم يستطع من الزحام الركن الأسود يشير إليه ويكبر والركن اليماني لا يشير إليه ولا يكبر، إن استلمه كبر وإن عجز تركه من دون تكبير، وأما الركن الأسود يكبر إذا عجز يشير إليه ويكبر، الركن اليماني ما فيه إشارة ولا تكبير وإنما فيه استلام إن تيسر وتكبير وعند العجز لا يشير إليه ولا يكبر.

وأما الركن الشامي وهو الذي يلي الحجر والركن العراقي فلم يستلمهما النبي ﷺ، والحكمة في ذلك ان الركن اليماني والركن الأسود على قواعد إبراهيم وأما الركن الشامي والعراقي وهما اللذان يليان الحِجر ليسا على قواعد إبراهيم، لأن قريش لما هدمت الكعبة وأرادت بناءها قالوا نريد أن نبنيها بمال حلال فجمعوا المال الحلال ولم يجدوا من المال الحلال ما يكفي لبنائها، الحرام طبق الأرض كلها ما وجد من أموال كلها من زنا وسرقة وربا وقمار فجمعوا من المال الحلال ولم وجدوا إلا ما يكفي بناء بعض الكعبة، فقالوا: نبني بعضها ونخرج جزء منها من الحِجر، فكان الركنين ليسا على قواعد إبراهيم.. قواعد إبراهيم على حدود الحِجر من هناك، فلذلك كان النبي ﷺ يستلم الركن اليماني والركن الأسود ولا يستلم الركن الشامي ولا العراقي لأنهما ليسا على قواعد إبراهيم، لأ قريش أخرجت جزء من الكعبة.

ولما تولى عبد الله بن الزبير الخلافة بايعه أهل مكة والمدينة والطائف وصار خليفة وراسل عائشة حديث النبي ﷺ لَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُو عَهْدٍ بِشِرْكٍ، لَهَدَمْتُ الْكَعْبَةَ، وَأَدخَلتُ الحِجرَ، وَجَعَلْتُ لَهَا بَابَيْنِ: بَابًا شَرْقِيًّا، وَبَابًا غَرْبِيًّا طبق الحديث، هدم الكعبة وأدخل الحِجر وجعل لها بابين وصار يستلم الأركان الأربعة كلها.. كلها لأنها صارت على قواعد إبراهيم، فيستلم الركن اليماني.. الأسود واليماني والشامي والعراقي، صاروا يستلموا الأركان كلها.

ولكن عبد الملك ابن مروان كان بويع في الخلافة في الشام فأرسل الجيوش لقتال عبد الله بن الزبير في مكة وأوكل المهمة إلى الحجاج بن يوسف أميره على العراق، فصار يرسل الجيوش إلى مكة ويقاتل عبد الله بن الزبير، ثم في النهاية انتصر الحجاج على عبد الله بن الزبير، فقتل عبد الله بن الزبير الحجاج وصلبه على خشبه، ثم رمى الكعبة بالمنجنيق وهدمها وبناها  على بناء الجاهلية وأخرج الحِجر وسد الباب الغربي ورفع الباب الشرقي وهي ما كانت عليه الآن ولكن عبد الله بن الزبير هو الذي على الصواب طبق الحديث، فبقيت الكعبة على بناء قريش على ما كان عليه في الجاهلية.

وجاء أن أبو جعفر المنصور الخليفة العباسي استشار الإمام مالك بن أنس إمام أهل السنة إمام رجال الهجرة، هل يهدم الكعبة ويدخل الحِجر ويفعل كم فعل ابن الزبير ويعيد بناءها على بناء عبد الله بن الزبير أو يتركها على حالها كما كانت عليه في الجاهلية؟ ، فأشار عليه الإمام مالك أن يبقيها على حالها.. قال أبقها على حالها ولو كان هناك خطأ، فقال: لمَ؟ قال الإمام مالك أخشى أن تكون الكعبة ملعبة للملوك.. أن تكون الكعبة ملعباً للملوك كل ملك يأتي يهدم ويبني كل منهم يهدم ويبني كي يخلد اسمه، الملك فلان هدمها وبناها، فكان رأي الإمام مالك موفق ومسدد، قال: سد الباب اتركها على ما كانت عليه، فتُركت على ما كانت عليه على بناء الحجاج إلى الآن..نعم..

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد