شعار الموقع

شرح كتاب البيوع من عمدة الأحكام_2 باب النهي عن بيع الثمرة قبل بدو صلاحها وبابُ العَرايا وغير ذلكَ

00:00
00:00
تحميل
106

(المتن)

بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا ولمشايخه ووالديه يا رب العالمين .
قال الإمام عبد الغني المقدسي - رحمه الله تعالى - في كتابه عمدة الأحكام :

باب النهي عن بيع الثمرة قبل بدو صلاحها

264 - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاحُهَا. نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ.

(الشرح)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :

قال المؤلف - رحمه الله تعالى - : " باب النهي عن بيع الثمرة قبل بُدُوِّ صلاحها "

ذَكَرَ حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله ﷺ (نهى عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها، نهى البائع والمشتري)

ومعنى (يبدو صلاحها) : يظهر صلاحها ، والبدو، بمعنى : الظهور، يبدو، بمعنى : يظهر.

وذلك لأن ، المراد ببدو الصلاح - كما سيأتي في الحديث الذي بعده - : هو الاحمرار والاصفرار بالنسبة للنخل ، وبالعنب : هو أن يطعم ويطيب أكله، والنهي يقتضي الفساد.
وذلك هو الحكمة في النهي عن بيع الثمرة قبل بدو صلاحها؛ أن الثمار قبل بدو صلاحها معرضة لكثير من الآفات، فنهى النبي ﷺ البائع والمشتري عن بيعها حتى يبدو الصلاح الذي هو في الغالب يكون فيه أمنة من الآفات، بُدُو الصلاح : يكون في أَمَنَةٍ من الآفات، والنهي يقتضي الفساد، نهى النبي ﷺ البائع والمبتاع، فيكون البيع غير صحيح، ففيه النهي عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها.

وفيه دليل على أن البيع غير صحيح.

وفيه دليل على جواز بيعها بعد بدو صلاحها.

وفيه تحريم أكل أموال الناس بغير حق، كما سيأتي في الحديث الذي بعده.

(المتن)

265 - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تُزْهِيَ قِيلَ: وَمَا تُزْهِي؟ قَالَ: حَتَّى تَحْمَرَّ. قَالَ: أَرَأَيْتَ إنْ مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ بِمَ يَسْتَحِلُّ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ؟

(الشرح)

وهذا الحديث رواه الشيخان : البخاري ومسلم - رحمهما الله - ، وحديث أنس هذا يدل على ما دل عليه حديث عبد الله بن عمر السابق من النهي عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها .

وفيه بيان بدو الصلاح، قال : (حتى تُزهى)، تُزهى : على لفظ البناء للمجهول وهي مبنية للمعلوم، في ألفاظ معدودة : تُزهى، ويُهرعون، وتنتج، هذه الألفاظ جاءت على لفظ المبني للمجهول وهي مبنية للمعلوم.

وفيها بيان بدو الصلاح في النخيل، قال : حَتَّى تَحْمَرَّ أَو تَصفَرَّ وفي العنب : حَتَّى تَطعم ويطيب أكلها.
وقال - هذا الحديث فيه زيادة على الحديث السابق - : قال: أَرَأَيْتَ إنْ مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ بِمَ يَسْتَحِلُّ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ؟ ففيه دليل على تحريم أكل أموال الناس بغير حق ولو كان برضا الطرفين.

وفيه أن الثمار لو أصابتها آفة فإنها لا تَلزم المشتري بل تكون للبائع، تكون على حظ للبائع، فإذا أصابت الثمار آفة أو جائحة فلا يجوز للبائع أن يأخذ الثمن؛ ولهذا قال النبي ﷺ: أَرَأَيْتَ إنْ مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ بِمَ يَسْتَحِلُّ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ؟.

وهذا الحديث يدل على مسألة وضع الجوائح، وأن الجائحة توضع ولا تكون على المشتري، وإنما تكون على البائع، فإذا أصابت الثمار جائحة فإن البائع لا يأخذ الثمن من المشتري.

وإذا بدا الصلاح في ثمر النخل بالاحمرار أو الاصفرار ولو في بعض الثمرة فصلاح بعض الثمرة صلاح للجميع، وكذلك في العنب إذا طاب وأطعم ، فصلاحه أن يطيب أكله ويظهر نضجه، والصلاح في الحب أن يشتد، وفي العنب أن يَطْعَمَ ويطيب أكله، وفي النخيل أن يحمر أو يصفر.

وفائدة النهي عن بيعة ما قبل بدو الصلاح: أنَّ فيه قطعاً للخصام والنزاع بين المتعامدين، وإزالة لأسباب العداوة والبغضاء بينهم، فإذا تلفَتِ الثمار أو تضررت فإنها لا تكون على المشتري، ولا يجوز للبائع أن يأخذ الثمن؛ فيكون من أكل مال البعض، وكذلك لو باعها قبل بدو الصلاح.

(المتن)

267 - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ الْمُزَابَنَةِ: أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَ حَائِطِهِ إنْ كَانَ نَخْلاً بِتَمْرٍ كَيْلاً، وَإِنْ كَانَ كَرْماً أَنْ يَبِيعَهُ بِزَبِيبٍ كَيْلاً، أَوْ كَانَ زَرْعاً أَنْ يَبِيعَهُ بِكَيْلِ طَعَامٍ. نَهَى عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ.

(الشرح)

نعم هذا الحديث عن ابن عمر رواه الشيخان : البخاري ومسلم - رحمهما الله - وفيه أن النبي ﷺ (نهى عن المزابنة)، والمزابنة : على وزن المُفاعلة، بضم الميم، مأخوذة من الزبن : وهو الدفع الشديد ، كأن كل واحد من المتبايعين يدفع صاحبه عن حقه، والمزابنة : هي بيع المعلوم بالمجهول من جنسه، فنهى النبي ﷺ عنه؛ لما في هذا البيع من الضرر، ولما فيه من الجهالة بتساوي المبيعين، وهذا يفضي إلى الربا.

ومثَّل النبي ﷺ لذلك بثلاثة أمثلة : قال : (وهي أن يبيع ثمرَ حائطِهِ إن كان نخلاً بتمرٍ كيلاً، وإن كان كرماً أن يبيعَه بزبيبٍ كيلاً، وإن كان زرعاً أن يبيعه بكيلِ طعامٍ) هذه أمثلة المزابنة، إن كان تمراً يبيع ثمر الحائط بتمر كيلا، وذلك أن التمر المكيل هذا يابس معروف، مئة كيلو من التمر يخرص التمر الذي في عروش النخل ويعطيه ما يقابله، هذا لا يمكن العلم به؛ لأن التمر كان في رؤوس النخل إذا يبس نقص، سأل النبي قال : أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إِذَا يَبِسَ؟ قالوا : نعم، قال : فَلَا إِذاً، فلا يمكن التساوي، وهذا يفضي إلى الربا، ويسلم من ذلك العرايا - كما سيأتي - فإذا باع مثلاً : ألف كيلو من التمر بألف كيلو مخروص على رؤوس النخل، لا يمكن التساوي بينهما، هذا ربوي، لا بد أن يكون متساوياً، ولا يمكن التساوي؛ لأن التمر الذي على رؤوس النخل رطب، وإذا يبس نقص، والتمر الموجود يابس، ولا يمكن التساوي بين الرطب واليابس؛ فلهذا نهى عن بيع ثمر الحائط إن كان نخلاً بتمر كيلاً، يبيع التمر الذي على رؤوس النخل بتمر مكيل عنده يابس في البيت.

 (وإن كان كرما أن يبيعه بزبيب كيلا) كذلك إن كان كرماً، وهو العنب: يبيعه العنب في رؤوس الشجر يبيعه مثلاً: مئة كيلو من الزبيب اليابس بمائة كيلو من العنب على رؤوس الشجر مخروص، هذا لا يمكن العلم بالتساوي؛ لأن العنب الذي في رؤوس الشجر رطب ما يبس، والزبيب يابس .

 والمثال الثالث : (وإن كان زرعا أن يبيعه بكيل طعام)، يعني: أن يبيعه مثلاً من الحبوب حبوب البر أن يبيعه مثلاً: مئة كيلو بمائة كيلو من الحب في السنبل في الزرع، هذا لا يمكن التساوي؛ لأن الحب في السنبل إذا يبس نقص وهكذا .

وهذه هي المزابنة التي نهى النبي ﷺ عنها، ففي الحديث نهي عن المزابنة.
وحكمة النهي؛ لما فيها من المخاطرة والقمار، لأن فيها بيع المعلوم للمجهول، ولما فيها من بيع النوعين الرِّبَوِيَّين المجهولين.

وفيه دليل على تحريم بيع الرطب بالتمر لعدم العلم بالتساوي .

(المتن)

قال المصنف - رحمه الله تعالى - :
 

268 - عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنْ الْمُخَابَرَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ، وَعَنْ الْمُزَابَنَةِ، وَعَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاحُهَا، وَأَنْ لا تُبَاعَ إلاَّ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ، إلاَّ الْعَرَايَا. 

الْمُحَاقَلَةِ: بيعُ الحِنْطَةِ في سُنْبُلِها بِحِنْطَةِ. أهـ

(الشرح)

هذا الحديث عن جابر فيه أن النبي ﷺ نهى عن بيع المخابرة والمحاقلة، وعن المزابنة، وعن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها، وأن لا تباع إلا بالدينار والدرهم إلا العرايا، خمسة أنواع من البيوع.
و (المخابرة) : على وزن المفاعلة، مأخوذة من الخِبَار: وهي الأرض اللينة القابلة للزرع،
وهو بيع الحَب الخارج من الأرض بحَب مثله : الحبِ يابس، هذه هي المخابرة،  لا يبيعها بحب مثله وإنما يبيعها بالدينار والدرهم، بيع الحب في سنبله بحب من جنسه، فالمخابرة : بيع الحب بسنبله بحب من جنسه، فبيع الحب الذي في السنبل بحب من جنسه فيه جهالة أحد العِوَضَينِ؛ لأن الحب في سنبله مستور بأوراقه وتبنه، وأما الحب الذي في الأرض فهو حبٌّ ظاهرٌ ومعروف، أما الحب الذي في سنبله فهو مستور بالأوراق، وهذا يُوقعنا في ربا الفضل؛ لأن الجهل بالتماثل كالعلم بالتفاضل في الحكم، فنحن نجهل التساوي: تساوي الحب الذي في سنبله مع الحب الذي الموجود، هذه هي المخابرة .

و المحاقلة والمزابنة: التي هي بيع الثمر على رؤوس النخل بثمر مثله.
و(المحاقلة): بيع الحقل، مأخوذة من الحقل وهو الزرع وموضعه، والمراد - هنا - : بيع الحنطة بسنبلها بحنطة صافية من التبن .
والمزابنة : بيع التمر على رؤوس النخل بتمر مثله، والمحاقلة : بيع الحقل، مأخوذة من الحقل وهو الزرع، وهو بيع الحب بسنبله بحب من جنسه، والمخابرة : كذلك مأخوذة من الخبار، وهي الأرض اللينة القابلة للزرع، من الخبر، وهو بيع الحب بسنبله بحب صافٍ.
(ونهى عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها) : هذا عامٌّ لجميع الثمار .
(وأن لا تباع إلا بالدينار والدرهم) : لأنها تبيعها بدينار أو بدرهم، هنا تبيع مثلاً: الحب بسنبله بالدراهم، تبيع التمر في رؤوس النخل بالدراهم، تبيع العنب في رؤوس الشجر بالدراهم، وهذا ما فيه إشكال، لكن تبيع الحب بسنبله بحب مثله، هذا فيه إشكال، فيه جهالة، لا يمكن التساوي بينهما، بيع الثمر على رؤوس النخل كذلك لا يمكن أن يتساوى بالتمر الموجود، بيع العنب في رؤوس الشجر بالزبيب لا يمكن التساوي، وألَّا يباع إلا بالدينار والدرهم.

(إلا العرايا)، مستثناة - كما سيأتي - وهي خاصة بالفقير الذي ليس عنده دراهم ويحب أن يتفكَّه مع الناس ويأكل رطباً وعنده تمر قديم، فّرُخِّصَ له في مقدار خمسة أوسق، يشتري تمراً على رؤوس النخل بتمر قديم؛ حتى يتفكه مع الناس في حدود خمسة أوسق، هذا مستثنى - كما سيأتي - هنا قال : إلا العرايا.

(المتن)

269 - عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَمَهْرِ الْبَغِيِّ، وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ.

(الشرح)

وهذا الحديث رواه الشيخان أيضاً عن أبي مسعود الأنصاري فيه نهى عن ثلاثة أشياء : نهى عن ثمن الكلب، ومهر البغي، وحلوان الكاهن .
(ثمن الكلب) : يعني بيع الكلب فإنه خبيث رجس، فثمنه خبيث لا يجوز أكله واستحلاله، إذ طلب الرزق ينبغي أن يكون عن طريق مشروعة، فبيع الكلب خبيث، وثمنه خبيث، فلا يجوز أكله واستحلاله.

(ومهر البغي)، البغي : هي الزانية، والبغي : فعيل،بمعنى : فاعلة، ومهرها : ما تلقاه على الزنا، وسُمِّيَ مَهْراً من باب التوسع، تأخذه الزانية مقابل فجورها، تريد به فساد الدين والدنيا، هذا حرام ، وسُمي مهراً؛ تشبيهاً بمهر النكاح من باب التوسع، مهر البغي: الزانية، ما تأخذه أجرة على زناها.

(وحلوان الكاهن): ثمن كهانته : ما يُعطاه الكاهن على كهانته، وسمي حلوان؛ لأنه يأخذه بدون تعب كالشيء الحالي، يأخذه بدون مقابل، والكاهن : هو الذي يدعي علم الغيب، هو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل ويدعي علم الغيب، ويأخذ أجرة على ذلك، هذه الأجرة أخذها بدون مقابل بدون تعب، كالشيء الحلو، سمي حلواناً؛ لأنه يأخذه بدون تعب، يأخذه سهلاً بدون مشقة.

والكاهن: هو الذي يدعي علم الغيب ويخبر عن المغيبات في المستقبل، وفي معناه: العراف والمنجم : لمعرفة مكان الضالة، والمنجم: الذي يستدل بالأحوال الفلكية على الأحوال الأرضية، كل هؤلاء كسبهم خبيث، والمعنى - هنا - كسب خبيث، يعني :مُحرَّم.

(المتن)

270 - عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: ثَمَنُ الْكَلْبِ خَبِيثٌ، وَمَهْرُ الْبَغِيِّ خَبِيثٌ، وَكَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ.

(الشرح)

هذا الحديث عن رافع بن خديج رواه مسلم والبُخاري، قال : ثَمَنُ الْكَلْبِ خَبِيثٌ، فيه النهي عن ثمن الكلب، ثَمَنُ الْكَلْبِ خَبِيثٌ، يعني : محرم، خُبثُ تحريم. وَمَهْرُ الْبَغِيِّ خَبِيث، يعني: الأجرة على زناها محرم، وَكَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ. - هُنا -كسب الحجام خبيث، المراد به :الخبث : الرداءة، أي : رديء، وليس محرماً؛ لأن النبي ﷺ احتجم وأعطى الحجَّام أُجرتَه، فهو كسبٌ رديء، والذي صرفه عن التحريم إلى الكراهة فعل النبي ﷺ حيث أنه احتجم، حجمه "أبو طيِّبَة" وأعطاه مُدَّينِ، وأمَرَ مواليه أن يخففوا عنه.
قال العلماء :وَكَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ، لا يُجعل في مطعم ولا مأكل، وإنما يُجعل في إطعام الدابة، أو في الحطب الذي يُحرق، وما أشبه ذلك.

(المتن)

بابُ العَرايا وغير ذلكَ

271 - عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ رَخَّصَ لِصَاحِبِ الْعَرِيَّةِ أَنْ يَبِيعَهَا بِخَرْصِهَا
وَلِمُسْلِمٍ: بِخَرْصِهَا تَمْراً يَأْكُلُونَهَا رُطَباً.

(الشرح)

باب العرايا : ذكر في حديث زيد بن ثابت أن النبي ﷺ رخص لصاحب العَرِيَّة أن يبيعها خرصاً ، وفي لفظ مسلمٍ : بخرْصِها تمراً يأكلونها رُطَبا، والعرية: فعيلة، بمعنى مفعولة، عرية بمعنى : عُرُوَّة، جمعها :عرايا، مثل : مطية، مطايا.

فالعرايا مستثناة من بيع التمر على رؤوس النخل بثمر مثلِه، مستثناة من المزابنة، والمزابنة: بيع التمر على رؤوس النخل بثمر مثلِه، هذا محرم؛ لما فيه من عدم التساوي بين التمر الذي في رؤوس النخل والتمر الذي في الأرض، لا يمكن التساوي، فيه جهالة بين تساوي النوعين، ورُخص لصاحب العرية أن يبيعها خرصاً، وصاحب العرية :هو الفقير الذي ليس عنده نقود ولكن عنده تمر قديم، وهو يريد أن يأكل تمراً جديداً، يتفكه مع الناس، فرُخِّص له بأن يخرص ما في رؤوس النخل ويعطيه ما يقابله، واغتُفِر عدم التساوي بينهما دفعاً للمشقة في الحاجة، فالفقير الذي يحصل عليه بشرط أن يكون فقيراً، فإن كان غنيَّاً عنده دراهم فلا يجوز.

والشرط الثاني: أن يكون عنده تمر قديم.

والشرط الثالث: أنه يريد أن يتفكه مع الناس.

والشرط الرابع : أن يكون في حدود خمسة أوسق، والوسق ستون صاعا في حدود ثلاثمائة صاع، هذه شروط منحة العرية : أن يكون فقيراً ليس عنده دراهم، وعنده تمر قديم، ويريد أن يتفكه مع الناس بأكل الرطب، فيجوز له أن يخرص التمر على رؤوس النخل ويعطيه ما يقابله من التمر القديم في حدود خمسة أوسق ، وفي لفظ: في خمسة أوسق أو دون الخمسة أوسق.

وهذا الحديث يدل على العرية بشروطها، وأنها رخصة خاصة لمن احتاج إلى أكل الرطب وليس عنده دراهم، فَيُقَدَّرُ الرطب على النخلة تمراً بقدر التمر الذي جعله ثمناً له.

وفيه أنه لابد أن يتقابضا قبل التفرق، يُسلِّمُهُ التمر القديم من قبل خرصه من التمر في رؤوس النخل، وألا يزيد عن خمسة أوسق.

(المتن)

272 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ.

( الشرح )

هذا الحديث رواه الشيخان وهو يدل على ما دل عليه الحديث السابق، إلا أنه وقع الشك (في خمسة أوسق أو دون خمسة أوسق)، والأحوط أن يكون دون خمسة أوسق، والوسق : ستون صاعاً، بصاع النبي عليه الصلاة والسلام، فتكون الخمسة بثلاثمائة صاع بصاع النبي ﷺ هذه هي محل الرخصة.

كثيرٌ من العلماء منهم: الشافعية والحنابلة والظاهرة، يرون : أنه لا يجوز بيع العرايا إلا فيما دون الخمسة أوسق؛ لأن الأصل التحريم، فيؤخذ بما يُتحقق من جوازه، وهو دون خمسة أوسق، أما الخمسة الأوسق هذه فيها شك، فالأحوط ألَّا تصل إلى الخمسة .

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد