شعار الموقع

شرح كتاب البيوع من عمدة الأحكام_3 من باب بيع النخل بعد التأبير إلى بابُ السَّلَمِ

00:00
00:00
تحميل
106

(المتن)

قال - رحمه الله تعالى:

باب بيع النخل بعد التأبير
273 - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَنْ بَاعَ نَخْلاً قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرُهَا لِلْبَائِعِ، إلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ.
وَلِمُسْلِمٍ: وَمَنْ ابْتَاعَ عَبْداً فَمَالُهُ لِلَّذِي بَاعَهُ إلاَّ أَنْ يُشْتَرَطَ الْمُبْتَاعُ.

(الشرح)

هذا الباب باب بيع النخل بعد التأبير، التأبير : هو التلقيح : وهو أن يؤخذ من ثمر النخل الذكر ويوضع في ثمر النخل الأنثى، أُبِّرَتِ النخلُ أبْراً، بوزن : أُكِلَت أكلاً ، والتأبير : هو التلقيح ، هو وضع شيء من طلع ذكر، ذكر النخل في طلع إناثه ، والمبتاع هنا المشتري، مَنْ بَاعَ نَخْلاً قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرُهَا لِلْبَائِعِ فيكون التأبير وهو التلقيح حدَّاً فاصلاً، إذا باع شخص نخلاً وفيه ثَمَر فإن كان البيع قبل التأبير فهو للمشتري، وإن كان بعد التأبير فهو للبائع إلا إذا اشترط البائع على المشتري وقال : أنا اشتريت منك النخل وقد أُبِّرَتْ لكن أشترط أن يكون الثمر لي، فالمؤمنون على شروطهم، فإنِ اشترطَ كان له، وإن لم يشترط كان الثمر للبائع.
فالتأبير حدٌّ فاصل، فإن أبِّرَت فهو للبائع، وإن لم تُؤبر فهو للمشتري إلا إذا يكون هناك شرط.
وكذلك إذا باع عبداً له مال فماله للبائع سيِّدِهِ إلا إذا اشترط المشتري، وماله، معلومٌ أنَّ العبد لا يملك، لكن إذا ملَّكَهُ سيدُهُ، مثلاً : باع عبداً أعطاه سيده سيارة وسلاحاً وكمبيوتراً وجوَّالات - مثلاً في هذا الزمن - ثمَّ باعَه، فهذه كلها تعود إلى البائع، يأخذ السيارة، والكمبيوترات...؛ لأن العبد لا يملك، هو ملك لسيده، إلا إذا اشترط المشتري وقال : أنا اشتريت العبد لكن أريد كل ما معه، يكون تبع البيع سيارتُهُ، جوالاته، كمبيوتراته، فوافق البائع، فالمؤمنون على شروطهم، إذا باع عبداً له مالٌ فمالُهُ لسيِّدِهِ إلا إذا اشترط المبتاع.

(المتن)

قال - رحمه الله تعالى:

باب نهي المشتري عن بيع الطعام قبل قبضه

274 - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ وَفِي لَفْظٍ: حَتَّى يَقْبِضَهُ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُهُ.

(الشرح)

هذا الباب :باب نهي المشتري عن بيع الطعام قبل قبضه، قوله: مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا يعني : من اشترى، والطعام :كل مطعوم من مأكول ومشروب.

والحديث فيه لما كان قبض الطعام من متممات العقد من مكملات الملك نهى الشارع الحكيم عن بيعه حتى يقبضه ويستوفيه ويكون تحت يده وتصرفه؛ لأنه قبل القبض يكون عرضة للتلف، وهو في ضمان البائع، فإذا باع طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه، يعني : حتى يقبضه، نهى عن بيع الطعام قبل قبضه، وفي لفظ : حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ.

وفي الحديث دليل على النهي عن بيع الطعام قبل قبضه، وجواز البيع بعد القبض والاستيفاء.

وأما غير الطعام ففيه خلاف، من العلماء من ذهب إلى المنع عن بيع أي شيء قبل قبضه، ومن العلماء من خص ذلك بمنعه من بيع الطعام بالكيل والوزن خاصة، ومنهم من أضاف - أيضاً - إلى ذلك ما بيعَ بكيل أو وزن أو عدٍّ أو بالصفة أو رؤية متقدمة للعقد، ولم يفرقوا بين المطعوم وغيره، ومن العلماء من خصه بالمطعوم، كالمالكية .
فهذا الحديث فيه النهي عن بيع الطعام حتى يقبضه، ومن تمام قبضه الكيل والوزن، وقبضه إن كان مكيلاً بالكيلة، وإن كان موزوناً بوزنه، نهى عن بيع الطعام حتى يقبضه، إن كان مكيلاً بالكيل، وإن كان موزوناً بالوزن.

(المتن)

قال - رحمه الله تعالى:

باب تحريم بيع الخبائث

275 - عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ عَامَ الْفَتْحِ: إنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالأَصْنَامِ. فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ؟ فَإِنَّهُ يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ، وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ، وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ. فَقَالَ: لا، هُوَ حَرَامٌ. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عِنْدَ ذَلِكَ: قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ، إنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ شُحُومَهَا جَمَلُوهُ، ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ.

(الشرح)

 هذا الحديث حديث جابر أنه سمع النبي ﷺ يقول عام الفتح،  و(عام الفتح) : فتح مكة، وكان ذلك في السنة الثامنة من الهجرة في رمضان . أنه سمع النبي ﷺ يقول عام الفتح: 

إنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالأَصْنَامِ، أربعة أشياء : حرم : بيع الخمر، والميتة، والخنزير، والأصنام، والميتة هي : ما ماتت حتف أنفها ولم تذكَّ ذكاةً شرعية . والأصنام هي : الأوثان المتخذة من الأحجار وغيرها ، وقيل : الأصنام ما كان على صورة ، والوثن : ما لم يكن على غير صورة .

فقيل للنبي ﷺ : يا رسول الله ! الميتة يستفاد من شحومها؛ فإنه يُطلى بها السفن، وتُدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس، يعني : يجعلونها في السُّرُج، فقال النبي ﷺ: لا، هُوَ حَرَامٌ؛ لأنها لما حرمت حرم ثمنها، ثم قال رسول الله ﷺ: قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ، إنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ شُحُومَهَا جَمَلُوهُ، يعني : أذابوه، ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ.

فيه دليل على تحريم الحيل، فالحيلة لا تبيح المحرم، فإذا كانت شحوم الميتة حراماً فلا يجوز إذابتها، هم قالوا: أذابوه ، صار دهناً بعدما كان شحماً، ثم باعوه وأكلوا ثمنه، وقيل للنبي ﷺ إنه يُنتفع بشحومها غير الأكل ، تطلى بها السفن، ويدهن بها الجلود، وتجعل في المصابيح : تنير في السُّرج، فقال النبي ﷺ : لا، هُوَ حَرَامٌ، ثم قال النبي ﷺ : قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ، إنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ شُحُومَهَا جَمَلُوهُ، ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ.

فيه دليل على تحريم الحيَل، والنبي ﷺ لعن اليهود تحذيراً من فعلهم، يعني : لا تفعلوا كفعل اليهود، تتحيلون على المحرم، هم تحيلوا : جملوه ثم أكلوا ثمنه، كما تحيل أصحاب السبت؛ لأنه حرم عليهم اصطياد الحيتان أيام السبت، نصبوا الشراك، ينصبونها يوم الجمعة ثم يصيدونها يوم السبت ثم يأخذونها يوم الأحد، هذه حيلة؛ ولهذا مسخهم الله قردة وخنازير - نعوذ بالله -.

ففيه دليل على تحريم الحيل.

وفيه أن الخمر محرمة، والميتة محرمة، والخنزير محرم، والأصنام، ولا يجوز بيع ثمنها، ولا يجوز الحيلة في بيعها وأخذ شيء من ثمنها.

(المتن)

قال - رحمه الله تعالى:

بابُ السَّلَمِ

276 - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْمَدِينَةَ وَهُمْ يُسْلِفُونَ فِي الثِّمَارِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ وَالثَّلاثَ. فَقَالَ: مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ.

(الشرح)

هذا الحديث عن ابن عباس رواه الشيخان: البخاري ومسلم ، والسلم : هو السلف وزناً ومعنىً، وسمي سَلَماً لتسليم رأس المال في المجلس، وسمي سَلَفاً لتقديمه، وهو عكس بيع الدين ، بيع الدين : هو أن يستلم المشتري السلعة، والثمن مؤجل، هذا بيع المداينة الدين : تكون السلعة معجلة والثمن مؤجلاً .

والسلم بالعكس: الثمن مقدم وهو الدراهم، والسلعة مؤجلة، فنشأ بينهما التضاد، بيع المداينة : السلعة معجلة والثمن مؤجل، والسلم بالعكس : الثمن معجل والسلعة مؤجلة.
فالنبي ﷺ قَدِمَ المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين والثلاث، يعني : يأخذون الدراهم مقدمة بالتمر إذا جاء وقته، تعطيه مثلاً: عشرة آلاف ريال بألف كيلو من التمر بعد ستة أشهر أو بعد سنة لكن بشرط أن يكون الكيل معلوماً والوزن معلوماً والأجل معلوماً، عشرة آلاف من الدراهم يقبضها مقدماً بمائة كيلو، لابد يحدد، مائة صاع من الكيل أو من الوزن، ولابد أن يكون الأجل معلوماً بعد ستة أشهر بعد سنة.

ولهذا قدم النبي ﷺ وهم يسلفون في الثمار، يعني : يقدِّمون الدراهم، فالتجار يعطون الفلاحين دراهم مقدمة بثمر أجله محدد وكيله محدد ووزنه محدد، يعطي الفلاحَ التاجرُ مثلاً : ألف درهم بمائة صاع مؤجلاً إلى السنة أو إلى الستة أشهر، فلابد من تحديد الكيل وتحديد الوزن وتحديد الأجل؛ فلذا قال النبي ﷺ: مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ.

ومثله الآن : تسلف في سيارة، تعطي شخصاً مئة ألف ريال مقدماً بسيارة موصوفة بعد سنة موديلها كذا ووصفها كذا ولونها كذا... تصفها بأوصافها، هذا سلم تقدمه للتاجر، تعطيه الدراهم وهو يأتي لك بالسلعة، أو بالسيارة في حينها في وقتها الأجل .
ويشترط في السلم ما يشترط في البيع : لأنه أحد أنواعه فلا بد أن يكون العقد من جائز التصرف، مالكٍ للمعقود ومأذونٍ له فيه، ولابد من الرضا، ولا بد أن يكون مستوفياً لما يصح بيعه، ولابد أن فيه من القدرة عليه وقت حلوله، وأن يكون الثمن والمثمن معلومين.
ويزيد السلم بهذه الشروط : أن يكون السلعة معلومة بأوصافها، وأجلها معلوماً، ولابد أن يكون الثمن مقدماً والمُثمن مؤجلاً، فلا يصح أن يكونا حالين، لو كانا حالين صار بيعاً في الحال، فيكون السلم في الذمة لا في الأعيان، مثلاً : بتمر تأتيني بهذا التمر بعد سنة من أي مكان، من بستانك أو من غيره، تأتيني بالسيارة بعد سنة من أي مكان.

انتهى .

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد