بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، غفر الله لنا ولشيخنا والسامعين .
(المتن)
يقول المؤلف -رحمه الله- :
بابُ الرَّهْنِ وغيرِهِ
285 - عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ اشْتَرَى مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَاماً وَرَهَنَهُ دِرْعاً مِنْ حَدِيدٍ.
(الشرح)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وبارك على عبدالله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . أما بعد ..
فهذا الباب عقده المؤلف للرهن وغيره ، وأدخل فيه غيره من الأبواب أدخل فيه المشتاقات وأدخل فيه الوقف وأدخل فيه الحوالة وغيرها، ولهذا قال: باب الرهن وغيره .
فالرهن -كما سبق البارحة- في اللغة : الثبوت والدوام .
وشرعا: توثقة دين بعين يمكن الاستيفاء منها أو من ثمنها عند العجز .
ذكر المؤلف -رحمه الله- في حديث عائشة أن رسول الله ﷺ :
{ اشترى من يهودي طعاما ورهنه درعاً من حديد } متفق عليه .
هذا الطعام جاء بيانه أنه ثلاثون صاعا من شعير ، فالنبي ﷺ اشترى من يهوديا هذا طعاما ورهنه درعا من حديد ، اليهودي استوثق من دينه بالرهن.
وهذا الحديث فيه من الفوائد : جواز الرهن في الحضر ، وجواز الرهن في الحضر، وأما جوازه في السفر ، فقد دلَّ عليه قوله تعالى وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ.
فالأصل الرهن في السفر ، لكن هذا الحديث فيه دليل على جواز الرهن في الحضر ، كما أنه يجوز الرهن في السفر.
وفيه جواز البيع المؤجل ، الشراء بالثمن المؤجل، فإن النبي ﷺ اشترى طعاما بثمن مؤجل.
وفيه جواز معاملة الكفار، وأن ومعاملتهم لا يلزم منها موالاتهم ومحبتهم ، فالموالاة شيء والمعاملة شيء ، الموالاة للكفار كبيرة من كبائر الذنوب ، وأما محبتهم لدينهم فهذه ردة من الإسلام -نعوذ بالله- ، من تولى الكفار بمعني أحبهم لدينهم هذه ردة عن الإسلام، وأما معاشرتهم ومصادقتهم فهي كبيرة من كبائر الذنوب ، وأما معاملتهم بالبيع والشراء فلا يلزم منها موالاة، لا هي المولاة الصغرى ولا الموالاة الكبرى.
وفيه جواز رهن الدروع وغيرها من آلات الحرب.
وفيه جواز بيع الدروع وبيع الحديد ، كل هذا مأخوذ من الحديث.
وفيه تواضع النبي ﷺ وزهده في الدنيا مع قدرته عليها.
وفيه صبر النبي ﷺ على ضيق العيش وعلى شظف العيش.
( المتن)
(الشرح)
( نعم هذا الحديث في الحوالة ) والحوالة هي : نقل دين من ذمة إلى ذمة ، يقال له: حوالة.
والمطل هو : تأخير الحق مع القدرة عليه، تأخير أداء الحق مع القدرة عليه يقال له: مطل، وفي اللغة: المد ، هو أن يؤخر ويؤجل الدين الذي عليه وهو قادر هذا يقال عليه مماطل .
وفي هذا الحديث مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ فيه دليل على أن مطل الغني ظلم، من الظلم، والظلم ظلمات يوم القيامة، والظلم عار وشنار ،والظلم هو وضع الشيء في غير موضعه .
قوله: فَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ. يعني إذا أحيل أحدكم بدينه على غني فليقبل الحوالة، والحوالة هي نقل دين من ذمة إلى ذمة.
وفي الحديث الآخر يقول: مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ يُحِلُّ عِرْضَهُ، وَعُقُوبَتَهُ.
وفي الحديث فيه تحريم المماطلة بالحق، والمماطلة: معناته تأخير الحق مع القدرة عليه، وهو قال: مَطْلُ الْغَنِيِّ، يماطله وهو غني ، بخلاف الفقير، الفقير هذا لا حيلة له، ما يستطيع يأدي الدين، لكن إذا كان غنيا ثم يماطل فهذا من الظلم . يدل على تحريم المماطلة من الغني .
وفيه أن المماطلة ظلم، وفي الحديث الآخر: أن المماطلة تُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ وعرضه: شكايته، يشتكي عند القاضي والحاكم يقول: ظلمني وعقوبته حبسه وضربه من قبل ولي والامر ،فالغني إذا ماطل وتأخر عن إداء الحق مع القدرة عليه فإن هذه المماطلة تحل عرضه، يعني: يتكلم فيه صاحب الحق ماطلني حقي لم يعطني حقي، هذه غيبة لكنها مستثناة بالنسبة لصاحب الحق ، ويحل عقوبته يعني حبسه وضربه، يحبسه الحاكم القاضي، ويعاقبه بالضرب والحبس حتى يؤدي الحق.
فيه تحريم مطل الغني.
وفيه أن المماطلة ظلم.
وفيه جواز الحوالة وقي نقل الدين من ذمة إلى ذمة.
وفيه أن من أحيل بدينه على غني عليه أن يقبل الحوالة، وفيه أنه لا يشترط رضا المحتال عليه يعني محول عليه .
(فإذا كان زيد يطلب عمراً مئة وبكر يطلب زيد مئة، ثم حول زيد بكر على عمر في حقه فله أن يحتال له فله أن يقبل الحوالة، إذا كان مليئا، إذا كان المحال عليه مليئا، أما إذا كان فقير فلا يلزمه قبول الحوالة، قد يحوله على فقير لا يلزمه قبول الحوالة، لكن إذا حوله على مليء فإن عليه أن يقبل.
وفيه دليل أن العجز على أداء الدين لا يدخل في الظلم، لقوله ﷺ: مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ فدلَّ على أن مطل غير الغني لا يكون ظلما، كالفقير الذي لا يستطيع أن يؤدي الحق الذي عليه، الله تعالى قال: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ إن كان معسرا فإن عليه أن ينظر، يعني فأنظروه، فَنَظِرَةٌ هذا خبر بمعنى: نظر، بمعنى وإن كان ذا عسره فلينظره إلى وقت يساره، يعني: يؤجله ويصبر عليه .
هذه الأحكام مأخوذة من هذا الحديث ، تحريم مطل الغني ، وأن مطل الغني ظلم يحل عرضه وعقوبته.
وفيه جواز الحوالة.
وفيه أن من أحيل على مليء فإن عليه أن يقبل ، وإذا أحيل على فقير فلا يلزمه القبول.
(المتن )
(الشرح)
الحديث رواه البخاري : عن أبي هريرة ، يقول :النبي الله ﷺ : مَنْ أَدْرَكَ مَالَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ رَجُلٍ أَوْ إنْسَانٍ قَدْ أَفْلَسَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ رواه البخاري
وأفلس الرجل : إذا عدم وقل ماله يقال له: مفلس.
وشرعاً: من زادت ديونه على موجوده، من زادت ديونه على أمواله الموجودة عنده.
فإذا كان الإنسان عنده يملك عشرة آلاف وعليه من الديون خمسة عشرة ألف، هذا يسمى مفلس ، لأن الديون زادت على ما يملكه.
وفي هذا الحديث يقول النبي ﷺ: مَنْ أَدْرَكَ مَالَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ رَجُلٍ أَوْ إنْسَانٍ قَدْ أَفْلَسَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ فيه دليل على أنه إذا أفلس الإنسان وزادت ديونه ثم حكم عليه الحاكم بأنه لا يتصرف في ماله حجر عليه الحاكم، فإن من أدرك ماله بعينه ولم يتغير فهو أحق به، وإذا كان شخص عليه ديون للناس ، زيد يطلبه عشرة آلاف وعمر يطلبه عشرة آلاف ومحمد يطلبه عشرة آلاف، وإبراهيم باع عليه سيارة ثم وجد إبراهيم السيارة بعينها ما تغيرت على حالها يأخذها، أحق بها من غيره، فإن كانت تغيرت أو باعها فيكون كغيره من الغرماء، لكن إذا كان أحد الغرماء وجد عينه ماله بعينه لم تتغير فإنه يأخذه، لأنه أولى بغيره، فيقول : أنا وجدت سيارتي التي بعتها عليه وجدتها عنده ما تغيرت أوصافها فيأخذها، وحين إذِّ يكون قد أخذ حقه، وبقي الغرماء الآخرون يعطون من المال يقسم عليهم ما هو موجود عنده بالنسبة .
فإذا كان مثلا: شخص يطلبه خمسين وشخص يطلبه خمسة وعشرين وشخص يطلبه خمسة وسبعين وشخص يطلبه مئة ، يعطوا بالنسبة ، الذي يطلبه خمسين يعطى النصف والخمس والعشرين يعطى الربع والخمس سبعين يعطى ثلاثة أرباع وهكذا ، يعطى بالنسبة والباقي يبقى عليه .
يعنى يحصى المال الذين على المدين ويقسم على الغرماء بالنسبة ، وكل يبقى له بقية.
وهذا الحديث فيه دليل على أن الرجل إذا أفلس وحجر عليه الحاكم، وزادت ديونه على أمواله فإن من وجد ماله بعينه ولم يتغير فإنه يأخذه ويكون أولى به من غيره .
ولهذا قال النبي ﷺ مَنْ أَدْرَكَ مَالَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ رَجُلٍ أَوْ إنْسَانٍ قَدْ أَفْلَسَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ من غيره والمفلس هو الذي زادت ديونه على أمواله، يحجر عليه الحاكم الشرعي ، بمعنى أنه يمنعه من التصرف، فلا يتصرف في أمواله، ما ينفذ بيعه ولا شراءه، حتى يسدد ما عليه، هذا الحجر ، الحجر للفلس، يسمى الحجر للفلس.
هذا حجر لحفظ الغير ، وهناك حجر لحفظ النفس كالصغير والمجنون والمعتوه، هؤلاء يحجر عليهم بمعنى لا يتصرفون بأموالهم بل يتصرف فيها وليهم ، فحجر عليهم لحفظهم، وأما المفلس فإنه يحجر عليه لحفظ غيره، من أجل ديون غيره.
فالحجر نوعان: حجر لحفظ الغير وحجر لحفظ النفس والحجر لحفظ النفس كالحجر على الصغير الصبي الطفل، الحجر على المجنون ، المعتوه ، الحجر على السفيه، والحجر لحفظ الغير الحجر على المفلس. الذي زادت ديونه على أمواله.
هذا الحديث ذكر فيه الحجر لحفظ الغير وهو المفلس الذي زادت ديونه على أمواله ، هذا إذا وجد أحد الغارمين ماله لم يتغير على حاله فهو أحق به من غيره، يأخذه دون الغرماء.
(المتن)
(الشرح )
هذا الحديث في الشفعة ، الحديث الأول في الرهن ،والثاني في الحوالة ،والثالث في الشفعة.
والشفعة: مأخوذة من الشفع، وهو ضم الشيء إلى الشيء ومنه الوساطة ، والشفيع هو الذي يضم صوته إلى صوت من يشفع له .
والمراد بالشفعة هنا : انتزاع حصة الشريك ، انتزاع الشريك حصة غيره ممن اشتراه بالثمن ، ينتزع انتزاع الشريك حصة شريكه بالثمن الذي باعها به.
فمثلا: إذا كانت أرض مشتركة بين زيد وعمر كل واحد له نصفه، ثم باع زيد نصيبه على بكر ولم يعلم شريكه عمرو ، ثم علم فإن عمرو ينتزع حصة الشريك ممن باعها عليه دفعا للضرر عنه .
زيد وعمر شريكان في أرض، كل واحد له النصف، باع زيد حصته نصيبه بعشرة ألاف على بكر، ولم يخبر عمر شريكه، ثم علم عمر فإنه ينتزع هذه الحصة النصف من بكر بالثمن ويعطيه عشرة، دفع لضرر عنه، هذه الشفعة حق للشريك دفعا لضرر عنه، إذا كانا شريكان في ببيت أو في أرض، أو في مزرعة ، أو شركاء ثم باع أحد الشركاء، فإن الشريك أولى من غيره ينتزع حصته ممن باعها عليه، هذا إذا لم تقسم الأرض ولم يتبن الحدود ،أما إذا قسمت فلا شفعة ، إذا كانت الأرض كبيرة زيد وعمر لهما أرض فقسماها ،وحددت موبيات وصرفت الطرق، كل واحد أخذ النصف ثم باع أحدهما ، فلا شفعة له، في هذه الحالة، لأنها حددت ، يعني: وقعت الحدود وصرفت الطرق، فلا شفعة، لكن الشفعة تكون قبل أن تقسم، لأن زال الضرر كل واحد عرف نصيبه، أرض كبيرة بمئة ألف، قسموها كل واحد خمسين ألف، وحددت الطرق والمراسيم، ثم باع أحدهما فليس للآخر شفعة في هذه الحالة ، لأنها قسمت ووقعت الحدود وصرفت الطرق، أما قبل أن تقسم وقبل أن تقع الحدود وقبل أن تصرف الطرق ، فإن الشفعة باقية، متى ما علم إلا إذا علم وسكت ، وأسقط حقه يسقط حقه، فلو لم يعلم إلا بعد مدة ، ولو لم يعلم إلا بعد سنة له أن ينتزع حصة شريكه ممن باعها عليه بالثمن دفعا الضرر عنه .
الحديث فيه دليل على جواز الشفعة ، وأنها حق للشريك في كل مال لم يقسم ، ودلَّ الحديث على أنه إذا وقعت الحدود وصرفت الطرق، فإنه لا شفعة لزوال الضرر حينئذ.
وهل تجوز الشفعة للجار أو غيره ؟
من العلماء من أثبت الشفعة للجار إذا كان الطريق واحدا، إذا كان الطريق واحدا كما دل َّعليه الحديث ، الجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ إذا كان طريقهما واحدا.
المقصود أن الحديث دلِّ على جواز الشفعة، وأن حق للشريك في كل مال لم يقسم، ودلَّ على أن المال إذا قسم، ووقعت الحدود وصرفت الطرق ، فلا شفعت حينئذ.
(المتن)
وَفِي لَفْظٍ: غَيْرَ مُتَأَثِّلٍ.
(الشرح)
هذا الحديث في الوقف ، في هذا الحديث مشروعية الوقف ، (عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال : أصاب عمر أرضا بخيبر ) وهذه الأرض أصابها عمر من يهودي اسمه : (سبغ) في السنة السابعة من الهجرة ، قال): أصاب عمر أرضا بخيبر فأتى النبي يستأمره فيها) ،يعني يستأذنه ويستشيره ماذا يعمل فيها ، في استشارة أهل العلم وأهل الفضل والصلاح وأنه يشرع للإنسان إذا أشكل عليه أمر أن يستشير أهل الخبرة وأهل العلم والصلاح حتى يرشدوه إلى ما يقربه إلى الله .
ولهذا عمر -رضي الله عنه- استأمر النبي ﷺ واستشاره وطلب أمره فيما يفعل في هذه الأرض التي هي أنفس مال ملكها، فقال يا رسول الله: (إني أصبت أرضا بخيبر لم أصب مال قط هو أنفس عندي منه) :يعني: أجود والنفيس هو الجيد من كل شيء .
(فما تأمرني) ، فقال النبي ﷺ: إنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا. يعني تجعلها وقف ، حبست أصلها تجعلها وقفا وتتصدق بها يعني: بثمرتها وبريعها.
دل الحديث على أن الوقف من أفضل الأعمال وأجل القربات ، وأن يحبس الإنسان الأصل، يحبس الأصل وينفق الثمرة والريع، في أعمال البر وفي أعمال الخير، كأن يكون عنده بيت يجعله وقف، أو أرض أو مزرعة، ومن ذلك المصاحف يطبع مصاحف مثلا يجعلها وقفا يوزعها أو كتب علم يوزعها أو يحفر بئرا، يجعله وقف، أو يبني مسجدا، كل هذه من أعمال البر العظيمة ، ومن الأوقاف ومن الصدقة الجارية التي تبقى بعد الموت
كما دلَّ على ذلك حديث أبي هريرة -عند مسلم- أن النبي ﷺ قال : إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، وَعِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، وَوَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ والصدقة الجارية هي الوقف، الوقف الذي يبقى ، أرض تبقى وقفها، مزرعة وقفها ، مسجد وقفه، بئر حفرها مصاحف طبعها، كتب علمية طبعها، وما أشبه ذلك،
ويدخل في ذلك أيضا كل ما يبقى ، مثل: البرادات والمكيفات ، كل هذه داخلة في الوقف.
فالنبي ﷺ أرشد عمر إلى الوقف، قال : إنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا، يحبس الأصل، الأصل هذه الأرض، وتصدقت بها يعني بالثمرة، قال: فتصدق بها عمر ، غير أنه لا يباع أصلها ولا يورث ولا يوهب ، هذا المحبس لا يباع ولا يورث ولا يوهب، لا يباع لأنها لله خرج من يده فصار لله ، ولا يورث لا يرثه الوارث لأنه ليس ملكا له وليس مالا له خرج من يده صار لله، ولا يوهب ما يستطيع أن يهبه أحد، باقي هذه الأرض التي أوقفتها أو المسجد الذي أوقفته، أو البئر الذي حفرته، لا يباع ولا يورث ولا يوهب، لا يورث بعدك ولا تستطيع أن تبيعه لأنه خرج من يدك ، ولا تستطيع أن تهبه، فهذا البئر يكون ريعه ماؤه الذي يستخرج منها هذا صدقة جارية، وكذلك المسجد الذي يصلى فيه، وكذلك البيت أو الأرض التي وقفها وتؤجر ولها ريع ينفق في أعمال الخير وأعمال البر.
ولهذا قال النبي ﷺ : إنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا، قال: فتصدق بها عمر يعني بالريع الذي يخرج منها، غير أنه لا يباع أصلها الأصل لا يباع، والثمرة تتصدق بها، غير أنه لا يباع أصلها ولا يورث ولا يوهب، قال: فتصدق بها عمر في الفقراء وفي القربى وفي الرقاب وفي سبيل الله و ابن السبيل والضيف.
هذه مصارف الوقف ستة أصناف:
الصنف الأول الفقراء: تصدق بها عمر يعني: ريع هذه الأرض ينفق على الفقراء ،
والفقير: هو الذي لا يجد ما يكفيه يعطى من الزكاة، الفقير هو الذي لا يجد ما يكفيه يعطى من ما يكفيه لمدة سنة ، كسوة ونفقة وكذلك أيضا الأجرة أجرة السكن هذا الفقير.
والمسكين : أحسن حالا منه هو الذي يجد نصف الكفاية إلا أنه لا يجد الكفاية، والفقير هو الذي يجد أقل من نصف الكفاية يقال له فقير، وهو أشد حاجة من المسكين ولهذا قدم الله الفقير على المسكين في آية الصدقة، إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ فالفقير الذي لا يجد شيئا بالمرة معدم أو يجد أقل من نصف الكفاية، أقل من نصف الكفاية لمدة سنة، الزكاة من السنة إلى السنة ومن العام إلى العام، فيعطى ما يكفيه لمدة سنة ، نفقة وكسوة وأجار أجرة البيت، يعطى ما يكفيه، فإذا كان مثلا فقيرا ليس عنده شيء ويكفيه عشرة الاف سكنى ونفقة ودفع إيجار و(26:43) وإذا كان يكسب ألفين، وهو ما يعطى إلا عشرة ، يعطى ثمانية يكمل له والمسكين يجد خمسة الاف وهو يكفيه عشرة يعطى خمسة الاف، حتى تسدد نفقته لمدة سنة، نفقه وكسوة وسكنى .
فالمصرف الأول لوقف عمر الفقراء يعطى الفقراء .
الصف الثاني: وفي القربى : قرابة عمر الأقارب، وأقارب الرجل هم أقاربه من جهة أبيه ومن جهة أمه، الآباء والأجداد ، الآباء والأمهات، هؤلاء هم عمود النسب، هؤلاء نفقتهم واجبة على الإنسان لا يعطى من الزكاة الأب والأم ، الآباء والأجداد والأمهات لا يجوز لإنسان أن يعطيهم من زكاته، ولكن ينفق عليهم من غير زكاة، ثم الأقارب :يأتي الإخوة والأخوات وأبناء الأخوة وأبناء الأخوات والأعمام وأبناءهم ، والأخوال وأبنائهم والخالات وأبنائهم، الأقرب فالأقرب،...الأخ الشقيق والأخ لأب ....وابن أخ الشقيق وابن أخ لأب والأخ لأم وابن أخ لأم، والعم الشقيق والعم لأب والعم لأم، وأبناءهم، والخال الشقيق والخال لأم والخال لأم وأبناءهم ، والخالة وأبناؤها، والعمة وأبناؤها، كل هؤلاء قربى، وهم من القرابة، يشملهم قوله: في القربى، يعطون من غلة الوقف وريع الوقف.
والصنف الثالث : وفي الرقاب: وهم الأرقة يشتري رقاب ويعتقون من هذا الريع ، وكذلك أيضا المكاتبون الذين اشتروا أنفسهم من أسيادهم، العبد إذا اشترى نفسه من سيده بمال يدفعه منجما يعطى ما يسدد دينه ونجومه داخل في قوله وفي الرقاب، العبيد الأرقة يشترون وكذلك المكاتبون تسدد ديونهم من هذا الوقف.
وفي سبيل الله في الجهاد في سبيل الله وهم الغزاة، الغزاة الذين ليس لهم مرتب يعطون، يعطون من الزكاة ، وكذلك أيضا لهم نصيب من وقف عمر ، وكذلك يشترى أيضا في سلاح المجاهدين وعتاد وينفق أيضا على أسرهم أسر الغزاة، كل هذا داخل وفي سبيل الله.
وابن السبيل ابن الطريق، وهو الغريب الذي سافر من بلده وانتهت نفقته، وليس عنده ما يوصله إلى بلده، يعطى من الزكاة ما يوصله إلى بلده وكذلك له نصيب من وقف عمر ر-ضي الله عنه- ابن السبيل. ابن الطريق وسمي ابن السبيل لملازمته له، ابن السبيل ابن الطريق، كان المسافر يسافر من بلده فتنتهي نفقته ولا يستطيع أن يذهب إلى بلده فيعطى من المال ولو كان غنيا في بلده ما يوصله إلى بلده، لكن الآن في العصر الحاضر صار في بنوك الآن لهم حسابات، وصار يستطيع الإنسان في أي بلد إذا كان غني أو فقير يستطيع أن يجد ما يوصله إلى بلده، يسحب أو يقترض لكن إذا ضاقت به الحيل ولم يجد شيئا فإنه يعطى من الزكاة ما يوصله إلى بلده ولو كان غنيا هذا ابن السبيل، وعمر جعل من مصارف الوقف ابن السبيل.
والسادس الضيف: الضيف الذي ينزل بالإنسان فيجب على الإنسان إذا نزل به الضيف جاءه غريب أن يكرمه وأن ينفق عليه يوم وليلة في الحديث: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جَائِزَتَهُ. قَالَ: وَمَا جَائِزَتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَالضِّيَافَةُ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ، فَمَا كَانَ وَرَاءَ ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ عَلَيْهِ زاد عن الثلاث فهو صدقة، وهو حق واجب، فإذا لم يعطه حق الضيافة فإنه يجوز له أخذ حق الضيافة
لما جاء في الحديث: أن النبي ﷺ، قيل: يا رسول الله إنا ننزل بقوم فلا يضيفوننا، قال: إِنْ نَزَلْتُمْ بِقَوْمٍ فَأُمِرَ لَكُمْ بِمَا يَنْبَغِي لِلضَّيْفِ فَاقْبَلُوا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَخُذُوا مِنْهُمْ حَقَّ الضَّيْفِ _أو كما قال عليه الصلاة والسلام_ ، هذا حق وواجب.
وفي الحديث يقول النبي ﷺ في الحديث الصحيح: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ.
لكن الآن في المدن الآن وفي العصر الحديث، حياة الناس في العصر الحاضر، ضاعت الضيافة وضاع الضيف ولا يعرف الآن الضيف، لو يأتي إنسان ينزل عند إنسان قال: اذهب للمطاعم الآن اذهب إلى كذا ، لكن الضيافة معروفة في الإسلام ومعروفة في العرب، ما كان الناس عندهم هكذا ما كان كل شيء متوفر ولا كان هناك مطاعم ولا كان هناك أيضا فنادق، فيأتي الضيف فينزل فيضيفه صاحبه، ويأخذ حوائجه ويدخلها إلى بيته ويبيته عنده ويطعمه، يوم ويومين وثلاثة أيام، ثم ينصرف هذا الضيف له حق في مصرف عمر ، هذا مصرف عمر ، تصدق فيها عمر في الفقراء وفي القربى وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل والضيف،
وقال أيضا في وقف عمر : { لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، أو يطعم صديقا غير متمول فيه وفي لفظ غير متأثر }،
يعني الذي يلي هذا الوقف ويسعى في اصلاحه ويقوم على شؤونه لا بأس أن يأكل منه، يأكل منه بالمعروف، يعني بما تعارف عليه الناس لا يزيد عن الحاجة، إنما يأكل بالمعروف أو يطعم صديقا يطعم صديقا له غير "متمول" يعني: غير متخذي مالا، وفي الحديث غير "متأثل" غير متخذ أصل مال ، يعني لا يجمع مالا من الوقف، ينمي له مال ، وإنما يأكل بالمعروف يأكل ما يحتاجه، أما كونه يأخذ منه شيء يبيعه يجعل له مال ، يجعل له رأس مال من الوقف هذا لا لا يجوز له ، وإنما يأكل بالمعروف ما يحتاج إليه، ما يحتاج حاجته، وكذلك يطعم الصديق، الذي ينوبه ، أم يتمول ويجمع مال من هذا الوقف فهذا لا ليس له ذلك، ولهذا قال عمر : لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ، أو يطعم صديقا غير متمول، -وفي لفظ: غير متأثل-.
وفي الحديث فيه صحة الوقف، ومشروعيته، وأن الوقف يكون على جهة القربات ،وجهات الخير.
وفيه أنه ينبغي للإنسان أن يجعل أنفس أمواله في الوقف ، ولهذا قال عمر: إني أصبت مالا هو أنفس مالي، فاستأمر النبي ﷺ فأشار عليه بالوقف، فدل على أن الوقف ينبغي أن يكون من نفيس المال،
وفي الحديث فضل الصدقة الجارية.
وفيه أن الوقف له أن يلي الوقف مدة حياته، أن الواقف له أن يلي وقفه وينظر فيه مدة حياته، وفيه أن الواقف له أن يشترط شروط وأن شروط الواقف منفذة، شرط الواقف لابد من تنفيذه للناظر الذي ينظر في الوقف.
وفيه أنه لا بأس أن يكون من جهات الوقف قرابة الإنسان ولو كان فيهم غنيا .
(المتن )
ملاحظة: هنا الشيخ أكمل الحديث على لسانه: (نعم وفي لفظ " ما عندك ؟ " فَإِنَّ الَّذِي يَعُودُ فِي صَدَقَتِهِ كَالْكَلْبِ يَقِيءُ، ثُمَّ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ.
(الشرح )
هذا الحديث أيضا حديث عمر قال : { حملت على فرس في سبيل الله ) يعني: حملت حمل تمليك، حمل تمليك لأجاهد به ، "حملت على فرس في سبيل الله " يعني أعطيت شخصا فرسا ليجاهد به وملكته إياه، حملت على فرس في سبيل الله، يعني حملته حمل تمليك، من أجل أن يجاهد به، ليجاهد به ، أعطى الفرس شخص، وقال : هذا لك تجاهد في سبيل الله، ملكتك إياها.
{ فأضاعه الذي كان عنده : يعني لم يحسن القيام به هذا الذي أعطاه عمر الفرس ليجاهد في سبيل الله، بل لم يهتم به ولم يحسن القيام به، فقصَّر في مؤونته وخدمته وأضاعه، فظن عمر أنه لا عناية به بهذا فأراد أن يشتريه منه مرة أخرى وقد أعطاه إياه وقد تصدق به عليه،
قال: {فأردت أن أشتريه وظننت أنه يبيعه برخص ، فسألت النبي ﷺ ، فقال : لا تَشْتَرِهِ، وَلا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ، وَإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ كيف يسمى عودا في الصدقة وهو يريد أن يشتريه ، لأن عمر إذا اشتراه من الذي أعطاه إياه، لا بد أن يتسامح عنه لابد أن يسمح له ببعض الحق، فكأنه عاد في شيء مما أعطاه، فإذا كان مثلا يساوي مئة وهو الذي أعطاه إياه وملكه إياه قال: بعه علي! قال: طيب أبعه عليك بثمانين فيكون رجع في عشرين، وسامحه بعشرين، فهذا عود في هبته، فالنبي ﷺ، لما سأل النبي ﷺ قال له : لا تَشْتَرِهِ، وَلا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ، وَإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ؛ فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ.- وفي لفظ- فَإِنَّ الَّذِي يَعُودُ فِي صَدَقَتِهِ كَالْكَلْبِ يَقِيءُ ثُمَّ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ.
قوله فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي هِبَتِهِ "الهبة" : تمليك، تمليك بلا عوض ، "والإبراء": هبة الدين مما هو عليه، "الهبة" هي أن يملك الإنسان شخص، يقول ملكتك هذه السلعة بلا عوض ، "والإبراء" : أن يبرأ المدين من الدين الذي عليه.
الحديث فيه دليل على أنه لا يجوز لإنسان أن يشتري الصدقة التي تصدق بها، فيه دليل على منع من شراء الصدقة من المتصدق عليه.
وفيه دليل على منع الرجوع في الصدقة والهبة.
وفيه التنفير من العودة في الهبة، وأن العائد في هبته كَالْكَلْبِ يَقِيءُ، ثُمَّ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ. وهذا تنفير، تنفير وتبشيع للعودة في الهبة، الذي يهب شيئا ثم يرجع فيه كالكلب يقيء ثم يأكل قيئه، ثُمَّ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ.
ويستثنى من هذا الوالد، الوالد يستثنى من هذا له أن يرجع في هبته ، الوالد له أن يرجع في هبة ولده، فهذا مستثنى، ولهذا لما وهب والد النعمان بن بشير، النعمان عبدا غلاما يعني: عبد، وأراد أن يشهد النبي ﷺ قال : أَكُلُّ وَلَدَكَ فَعَلَتَ لَهَم هَذَا؟ قال: لا، قال فرده ، استرده بعد الهبة، فالوالد مستثنى ، أما غير الوالد فإنه يستبشع العود في الهبة بشع ، شبهه النبي ﷺ ونفر منه بقوله: كَالْكَلْبِ يَقِيءُ ثُمَّ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ.
وقوله لا تَشْتَرِهِ، وَلا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ يسمى الشراء عودة في الصدقة لأن العادة جرت بالمسامحة من البائع بشيء من ذلك،
والحديث -كما سبق- فيه دليل على سؤال أهل العلم فيما يشكل، في قوله سألت النبي ﷺ.
وفيه دليل على أن الإنسان لو تصدق بشيء فليس له أن يرجع فيه ولا أن يشتريه ولو بالشراء، وأن هذا يعتبر عودا، وفيه تنفير في العودة في الهبة، وأن العودة في الهبة كالكلب يقيء ثم يأكل قيئه، واستثنى بهذا الوالد-كما سبق- .
(المتن)
وفي لفظ: فَإِنَّ الَّذِي يَعُودُ فِي صَدَقَتِهِ كَالْكَلْبِ يَقِيءُ ثُمَّ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ.
(الشرح)
هذا الحديث –كما سبق- هذا فيه التنفير من العودة في الهبة ،وهو يدل على أنه لا يجوز العود في الهبة، هذا التنفير يدل على التحريم، العودة في الهبة، وأنه لا يجوز للإنسان أن يرجع في هبته إذا قبضها، وإنما تملك الهبة بالقيض، إذا وهبه سلعة ثم قبضها فإنه يملكها بالقبض، فلا يجوز الرجوع فيها، ، أما إذا لم يقبضها إياه، قال لك عندي سيارة ولم يقبضها إياه فلا تلزم بالقبض إلا بالقبض، إنما تلزم الهبة بالقبض إذا قبضها لزمته.
وفي الحديث فيه التنفير من العودة في الهبة، وهذا التنفير يدل على تحريم العودة في الهبة، لأن النبي ﷺ نفر من ذلك وشبه بالكلب يقيء ثم يعود في قيئه.
(المتن )
وَفِي لَفْظٍ: فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي.
(الشرح)
هذا الحديث فيه دليل على وجوب العدل بين الأولاد في العطية ، وأن الإنسان إذا أعطى أحد ولده عطية فإنه عليه أن يعطي أولاده الآخرين مثله ،فلا يجوز له أن يفضل بعض الأولاد على بعض ، لأن تفضيل بعض الأولاد على بعض يؤدي إلى القطيعة وإلى العقوق .
عن النعمان بن بشير قال : { تصدق عليَّ أبي ببعض ماله،-وفي لفظ آخر أنه أعطاه غلاما عبدا، فقالت أمي -عمرة بنت رواحة- لا أرضى حتى يشهد رسول الله ﷺ }: تريد أن تثبت العطية، تثبت العطية بشهادة النبي ﷺ ، فانطلق أبي إلى رسول الله ﷺ يشهده على صدقتي فقال له رسول الله ﷺ : أَفَعَلْتَ هَذَا بِوَلَدِكَ كُلِّهِمْ؟ قَالَ: لا. قَالَ: اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا فِي أَوْلادِكُمْ اعدلوا بين أولادكم بالعطية، تعطي أولادك الآخرين مثل العطية،
فرجع أبي فرد تلك الصدقة ، استردها لأنه لا يريد أن يعطي بقية الأولاد مثله فاستردها، وفي لفظ: فَلا تُشْهِدْنِي إذاً؛ فَإِنِّي لا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ. أي: ظلم فدل على أن إعطاء بعض الأولاد عطية دون الآخرين من الجور و الظلم .
، -وفي لفظ- فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي وقوله: فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي ليس إذنًا له وإنما هو تنفير ، قوله: فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي ، إذا كان النبي ﷺ لا يشهد عليه ولا يقبل الشهادة عليه دل على أن هذا لا يجوز ، يعني إن كنت مستشهدا، إن كنت تريد أن تشهد فأشهد على هذا غيري من الذين يقبلون الشهادة على الجور، أما أنا فلا أقبل الشهادة على الجور ،
والحديث فيه دليل على تحريم الظلم ، ويدل على وجوب العطية بين الولاد، دليل على المبادرة على قبول الحق والرجوع إليه.
وفيه أنه يندب للأب أن يسعى ، يكون سبب للتآلف بين الأخوة وأن يبتعد عن كل ما يقربهم عن الشحناء، أو يورث العداوة أو يسبب العقوق.
وفيه استفصال الحاكم والمفتي عما يلزم الاستفصال عنه، قال: أَكُلَّ وَلَدِكَ فَعَلَتَ بِهِم هَكَذَا؟ يستفصل.
وفيه جواز تسمية الهبة صدقة.
وفيه دليل على رجوع الأب، جواز على رجوع الأب في الهبة، وأنه مستثنى ، من قوله: كَالْكَلْبِ يَقِيءُ ثُمَّ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ، والتسوية بين الأولاد بماذا تكون؟ كيف تكون التسوية بين الأولاد؟ إذا كان هناك ذكور وإناث ؟ رجل له ذكور وله إناث ، فكيف يسوي بينهم في العطية ؟
هل يسوي بينهم في العطية بالتساوي؟! إذا أعطى الذكر خمسين يعطي الأنثى خمسين ؟ أو يسوي بينهم ، أو تكون التسوية بينهم على حسب الميراث مثل الميراث؟ الأقرب أنه مثل الميراث، إذا أعطى الذكر مئة يعطي الأنثى خمسين ، لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ.
وهل يدخل في العطية النفقة الواجبة ؟ لا يدخل في العطية النفقة الواجبة .
إذا كان أحد الأولاد فقير وله أولاد فقراء، والباقي أغنياء ، فالفقير يجب نفقته على الأب ينفق عليه، ينفق عليه وعلى أولاده، لأن الفقير ما يستطيع ينفق على نفسه، ولا يلزم أن يعطي بقية الأولاد مثل النفقة لأن هذه نفقة ليست عطية، فالنفقة غير العطية، إذا كان بعض الأولاد فقراء وبعضهم أغنياء فينفق على الفقير منهم ولا يعطي الأغنياء مثل النفقة لأن هذه ليست عطية وإنما هي نفقة.
وكذلك أيضا نفقة الصغير غير الكبير لا يجب التسوية فيها ، فالكبير نفقته الكسوة أكثر من الطفل الصغير، هذا يشتري له ثوب مثلا: الطفل بعشرين والكبير يشتري له بمئة أو مئة وخمسين أو مئتين، ولا يلزمه أن يعطي الصغير مثل هذا لأن هذه نفقة، كذلك أيضا نفقة الكبير، نفقة الأولاد الصغار نفقة الأولاد الكبار هذه ليست داخلة بالعطية.
وهل السيارة عطية؟ كذلك أيضا -قبل هذا- الزواج، الزواج هل يجب التسوية؟ ، واحد احتاج إلى الزواج فزوجه أبوه وأعطاه المهر، أربعين ألف؛ خمسين ألف، هل نقول : كل واحد تعطيه خمسين ألف مثل ما أعطيت هذا؟! أعطية ! لا ، هذه حاجة مثل النفقة ، الزواج من بلغ منهم الزواج يزوجه مثله، ومن لم يبلغ لا يعطى، من بلغ الزواج يزوج، مثل ما يحتاج للنفقة الفقير يعطى ولا يعطى الآخرون، ومن احتاج لزواج يزوجه أبوه إذا كان ما يستطيع يزوجه، والثاني إذا بلغ سن الزواج كذلك يزوجه، لأن هذا ليس من العطية.
وهل من العطية السيارة؟ إذا أعطى الواحد سيارة يعطي الآخر سيارة؟ أو ليست منها، ليست من العطية؟ الأقرب – والله أعلم- أن السيارة عطية .. وأنه لا يعطيه السيارة وإنما يجعل السيارة باسمه إذا كان عنده في البيت ويستعملها وتكون السيارة باسم والده، ولا يعطيه السيارة باسمه، يعطى سيارة ، إذا أعطى سيارة، واشترى سيارة بخمسين ألف ، بمئة ألف يجب عليه أن يعطي كل واحد، من أولاده كذلك سيارة، لأنها عطية، والسيارة ليست ضرورة ، ليست نفقة ولا كسوة ولا سكنى ، يمكن يعيش بدون سيارة، فالسيارة ليست نفقة وليست كسوة وليست زواج محتاج إليه، وإنما هي عطية ، هذا الأقرب – والله أعلم-أنه عطية، أنه لا يعطي واح، لو أعطى واحد سيارة لابد أن يعطي بقية الأولاد كذلك، وإذا كان يقول عنده ولد يحتاج إلى أن يخدمه يحتاج إلى سيارة، نقول اجعل السيارة باسمك أنت، السيارة لك والولد يقودها ويخدمك وهي لك ما دام عندك في البيت، فإذا خرج تكون السيارة لك.
والله ولي التوفيق ..