شعار الموقع

شرح كتاب البيوع من عمدة الأحكام_7 تابع بابُ الرَّهْنِ وغيرِهِ وبابُ اللُّقَطَةِ

00:00
00:00
تحميل
70

(المتن)

قال المؤلف -رحمه الله تعالى- :

293 - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ تَمْرٍ أَوْ زَرْعٍ.

(الشرح)

الحمد لله رب العالمين ،وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال المؤلف -رحمه الله تعالى- : عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي ﷺ : { عامل أهل خيبر على شطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع }

وذلك لما فتحت خيبر وكان النبي ﷺ والصحابة مشغولون بالجهاد في سبيل الله وبالدعوة إلى الله ونشر هذا الدين ، قال اليهود، واليهود أهل خيبر اتركنا نعمل فيها بجزء مما يخرج منها ، فعاملهم النبي ﷺ على شطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع.

وقال عليه الصلاة والسلام –كما في اللفظ الآخر- نُقِرُّكُمْ عَلَى ذَلِكَ مَا شِئْنَا، فأقرهم النبي ﷺ في مدة حياته، ثم أقر بهم أبو بكر وكانت مدة خلافته قصيرة سنتان وأربعة أشهر، وكان مشغولا بحروب  المرتدين ثم أجلاهم عمر من خيبر ، فلما كان النبي ﷺ محتاجا إلى عمال أبقاهم فيها يعملون فعاملهم النبي ﷺ على شطر ما يخرج منها من ثمر .

 والشطر هو : النصف،  وذلك أنهم كانوا يعملون في النخيل يسقونها وكذلك أيضا يبذرون الأرض فتخرج الزروع الحبوب والثمار .

فاتفق معهم النبي ﷺ ، وعاملهم وزارعهم وساقاهم، فساقاهم على النخيل على شطر ما يخرج منها، يعملون فيها هم، يسقونها ويلاحظونها، وكذلك يبذرون الأرض ولهم نصف الثمر ، نصف التمور من النخيل ونصف الحبوب من الزرع.

وهذا الحديث دليل على جواز المساقاة والمزارعة، فالنبي ﷺ ساقاهم وزارعهم.  

والمساقاة على النخيل : وذلك بأن يدفع صاحب الملك النخيل إلى شخص يسقيها ويلاحظها وله ما يتفقون عليه النصف أو الربع أو الثلث .

وكذلك أيضا المزارعة يدفع إليهم الأرض، سواء كان منهم البذر أو منه البذر، ثم يبذرونها ويزرعونها فإذا أخرجت حبوب فإن الأجرة تكون على حسب ما يتفقون عليه .

فالحديث دليل على جواز المساقاة وجواز المزارعة، جواز المساقاة مساقاة النخيل، وجواز المزارعة مزارعة الأرض، المزارعة تكون على الأرض في بذرها، والمساقاة على النخيل بسقيها، والنبي ﷺ عاملهم ساقاهم وزارعهم، ساقاهم على النخيل وزارعهم على الأرض، والأجرة على النصف ، ما خرج من التمور يكون لهم النصف وللنبي ﷺ النصف، وكذلك الأرض زارعهم عليها فلهم النصف وله النصف، ويجوز أن يكون أكثر من النصف أو أقل من النصف،  على حسب ما يتفقون عليه، لو ساقاهم لهم الثلثان وله الثلث أو له الثلثان ولهم الثلث، أو ساقاهم على الربع على ربع ما يخرج منها أو زارعهم على الربع بجزء معلوم مشاع أو على الثمن أو على السدس فلا بأس، على حسب ما يتفقان عليه، بالمزارعة والمساقاة.

فالحديث دليل على جواز المساقاة و جواز المزارعة، وهي عقد جائز، وكذلك أيضا يجوز أن يساقيهم ويزارعهم بدراهم معلومة، أو بأصع من التمر أو من البر، فيجوز أن يساقيهم على النخيل يتفق معهم على المساقاة ويعطيهم مثلا ألف أو ألفين أو أربعة آلاف أو خمسة آلاف، وتكون التمور كلها له، ولهم الأجرة، وكذلك يجوز أن يزارعهم على الأرض بنقود معلومة من الذهب أو الفضة، ويكون ما يخرج من الأرض له، يجوز لهذا  لهذا ، يجوز بجزء مشاع معلوم كالربع أو السدس أو النصف، و يجوز أن تكون المساقاة والمزارعة بدراهم معلومة.

وأما المزارعة المنهي عنها كما سيأتي في الحديث الذي بعد هذا فهي أن تكون المزارعة أو المساقاة بنخيل معين، يقول مثلا : أساقيك على أن لي ثمر هذه النخيل ويعينها، ولك ثمر هذه النخيل، أو يزارعه ويقول: أزارعك على الأرض ولي ما تخرج الأرض الشمالية ولك ما تخرج الأرض الجنوبية ، هذا لا يجوز، لأنه قد تخرج هذه وقد لا تخرج هذه، قد تكون هذه تخرج يخرج فيها ثمر  وهذه لا يخرج وبالعكس،  ففيه غرر ، وكذلك لو اشترط أن يكون له ما يكون على السواقي على الأحواض أو على البرك، يكون له زيادة على الأجرة هذا لا يجوز.

فالمساقاة والمزارعة تكون بأحد الأمرين :

إما بجزء مشاع من الثمرة أو بدراهم معينة أو بأصع معلومة، كأن يقول: أساقيك على النصف كما فعل النبي ﷺ، أو أساقيك على الربع أو الثمن أو السدس، أو أساقيك بعشرة آلاف ولي التمور ، أو أزارعك على الأرض بالربع ربع ما يخرج منها أو النصف أو أزارعك بدارهم معلومة، مزارعة خمسة آلاف ولكن ما تخرجه الأرض يكون لي، أما أن يساقيه على أن يكون له ثمر النخيل معينه وله ثمر نخيل معينه فهذا لا يجوز لما فيه من الغرر، أو يزارعه على أن يكون له الأرض الجنوبية أو له الأرض الشمالية ما تنبت الأرض الشمالية أو ما تنبت الأرض الجنوبية أو يشترط ما يكون على الأحواض أو على السواقي أو على البرك يكون له، هذا لا يجوز لما فيه من الغرر ولأنه قد تنتج هذه وقد لا تنتج هذه، وقد تسلم هذه وقد تهلك هذه.

 فهذا هو المنهي عنه المزارعة المنهي عنها -كما سيأتي في الأحاديث-

وهذا يتلخص أن: المساقاة والمزارعة تجوز في حالتين:

الحالة الأولى: إذا كان بجزء مشاع من الثمرة، المساقاة والمزارعة الربع  أو السدس أو الثمن.

والثاني : أن تكون بدراهم معينة أو بأصع من التمر معينة أو بأصع من البر معينة.

الحالة الثالثة: أن تكون المزارعة على شيء من الأرض بأن يقسم الأرض إلى قسمين، له قسم وله قسم، أو يقسم النخيل إلى قسمين له قسم وله قسم، أو يشترط ما يكون له على السواقي أو على البرك أو على الماذيانات وعلى الأحواض، لأنها تشرب من البركة أو من الحوض، فهذا يجوز.

وهذا الحديث فيه دليل على جواز معاملة اليهود والنصارى وغيرهم من الكفار وأن المعاملة -كما سبق- لا يلزم لها الموالاة ، فالبيع والشراء معهم والمساقاة والمزارعة لا يلزم منها الموالاة.

وأما موالاتهم موالاة الكفار تنقسم إلى قسمين:

موالاة بمعنى محبتهم ، إذا أحبهم لدينهم هذا ردة عن الإسلام -والعياذ بالله- قال الله تعالى : وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ فمن والى المشركين وأحبهم لدينهم فهو كافر مثلهم.

والحالة الثانية : المعاشرة والمصادقة، يعاشرهم يتخذهم يتخذ الكافر عشيرا صديقا يزوره ويفضي إليه بالأسرار دون المؤمنين ويفضي إليه من الأسرار فهذا كبيرة من كبائر الذنوب.

والحالة الثالثة: أن يعاملهم معاملة دنيوية، يعاملهم بالبيع والشراء والمزارعة والمساقاة مع بغضهم وعداوتهم فهذا لابأس به ،كما فعل النبي ﷺ، عامل أهل خيبر ، ومات ودرعه مرهون عند يهودي واشترى غنما من مشرك، هذه معاملة لا بأس بها، لا يلزم منها الموالاة، ولا يلزم بها المحبة.

(المتن)

294 - عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: كُنَّا أَكْثَرَ الأنْصَارِ حَقْلاً، وَكُنَّا نُكْرِي الأرْضَ عَلَى أَنَّ لَنَا هَذِهِ وَلَهُمْ هَذِهِ، فَرُبَّمَا أَخْرَجَتْ هَذِهِ وَلَمْ تُخْرِجْ هَذِهِ فَنَهَانَا عَنْ ذَلِكَ، فَأَمَّا بِالْوَرِقِ فَلَمْ يَنْهَنَا.

295 - وَلِمُسْلِمٍ عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: سَأَلْتُ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ؟ فَقَالَ: لا بَأْسَ بِهِ، إنَّمَا كَانَ النَّاسُ يُؤَاجِرُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِمَا عَلَى الْمَاذِيَانَاتِ وَأَقْبَالِ الْجَدَاوِلِ وَأَشْيَاءَ مِنْ الزَّرْعِ، فَيَهْلِكُ هَذَا وَيَسْلَمُ هَذَا، وَلَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ كِرَاءٌ إلاَّ هَذَا؛ وَلِذَلِكَ زَجَرَ عَنْهُ، فَأَمَّا شَيْءٌ مَعْلُومٌ مَضْمُونٌ فَلا بَأْسَ بِهِ.
الْمَاذِيَانَات: الأَنْهَارُ الْكِبَارُ وَالْجَدْوَلُ النَّهَرُ الصَّغِيرُ.

(الشرح)

نعم هذا الحديث فيه بيان عن المزارعة والمساقاة المنهي عنها، التي نهى عنها النبي ﷺ، وبيان أيضا المزارعة الإجارة المشروعة ، فهذا الحديث حديث رافع بن خديج ، بين الإجارة والمزارعة المنهي عنها والإجارة والمزارعة الجائزة شرعا، فقال: ( كنا أكثر الأنصار حقلا ): يعني مزارع، "كنا أكثر الأنصار حقلا "وأصل الحقل : الحبوب، (كنا أكثر الأنصار حقلا) يعني مزارع كان عندنا مزارع، "وكنا نكر الأرض على أن لنا هذه ولهم هذه) يعني في الجاهلية كانوا يكرون على أن لنا هذه ولهم هذه ، يقسمون الأرض إلى قسمين:  قسم لهم وقسم له، فربما أخرجت هذه ولم تخرج هذه، يقول مثلا أزارعك على هذه الأرض، مثلا الأرض ألف متر فيكون خمسمائة لي وخمسمائة لك يقسمها قسمين: يقول الخمسمائة الجنوبية النصف الأرض الجنوبية لي والشمالية لك أو بالعكس، فربما أخرجت هذه ربما تخرجت الجنوبية ولا تخرج الشمالية، ربما هذه تخرج حبوب وهذه ما تخرج، هذه تسلم وهذه تهلك، هذا فيه غرر.

هذا معنى قول رافع بن خديج "فربما أخرجت هذه" "كنا نكري الأرض" يعني: نؤجرها، "كنا أكثر الأنصار حقلا "يعني : زروع مزارع، "وكنا نكري الأرض يعني نؤجرها" "على أن لنا هذه ولهم هذه"  لي الجنوبية ولك الشمالية، "وربما أخرجت هذه ولم تخرج هذه" ربما تخرج هذه، مثلا هذه قد يصيبها آفة فلا تخرج، والجنوبية تخرج أو بالعكس  فيكون هذا أحدهم مغبون، هذا الذي  تعب أشهر ويعمل فيها ثم القسم المحدد له لم تخرج لا شك أن هذا يتضرر أو بالعكس، أو تخرج هذه التي للعامل ولا تخرج التي لصاحب الأرض، ولهذا قال : فربما أخرجت هذه ولم تخرج هذه ، فنهانا عن ذلك.

فأما الذهب والورق فلم ينهنا ، الورق: الفضة، فأما إذا كان الأجرة بالذهب وبالورق هذا لم ينهنا، يعني أأجرك هذه الأرض تعمل فيها وتبذرها وتحرثها بذهب أو بفضة، أو بأوراق مثلا بألف بألفين أو ثلاثة، هذا لا بأس به ، تأخذ الأجرة أنت وأنا لي صاحب الأرض يكون لي ما تخرج الأرض من الحبوب والثمار، هذا لابأس به لأن ما فيه غرر، فالعامل أخذ أجرته من الذهب أو الفضة المحددة له وصاحب الأرض ما أنتجته أرضه، ولهذا قال:" فأما الذهب والورق فلم ينهنا.

ولمسلم عن حنظلة ابن قيس قال: (سألت رافع بن خديج عن كراء الأرض، " الكراء" يعني: تأجير الأرض، (بالذهب والورق) " الورق" يعني : الفضة، فقال لا بأس به، والأوراق النقدية هي قائمة مقام الذهب والفضة، حكمها حكم الذهب والفضة، فقال لا بأس به، بكراء الأرض بالذهب والفضة،  (إنما كان الناس يؤاجرون) على عهد النبي ﷺ في أول الإسلام قبل النهي بما على الماذيانات، وإقبال الجداول، الماذيانات فسرها المؤلف : أنها الأنهار الكبار، والجدول هو: النهر الصغير، الماذيانات فيها :الأنهار الكبار واقبال الجداول والجداول : السواقي، فكانوا يؤجرون بما ينبت على النهر أو ينت على حافة أو على البركة، أو على الأحواض أو على السواقي، فهذا يكون جيد لأنه يشرب من السواقي فينبت،  فتجدهم كانوا يشترطون يقول أنا لي ما ينبت على السواقي أو على الجداول أو على البركة أو على الأنهار، عشان تشرب ولكن...، فهذا هو الذي نهى عنه النبي ﷺ لما فيه منه الغرر، لأنه قد يكون أحدهم مغبون فالذي يكون على البرك وعلى السواقي تنتج شجرا طيبا سواء كان من النخيل أو الزروع والبعيدة لا تنتج، وقد تسلم بعضها وقد تهلك بعضها فيكون أحدهم مغبون ومتضرر فلهذا نهانا عنه النبي ﷺ.

فلهذا قال رافع بن خديج : "لا بأس بكراء الأرض بالذهب والورق، إنما كان الناس يؤجرون على عهد النبي ﷺ بما على الماذيانات واقبال الجداول وأشياء من الزرع" يخصصونها، قسم من الأرض لي وقسم من الأرض لك، "فيهلك هذا ويسلم هذا"، فيهلك هذا يعني: قد تنتج القسم المخصص قد ينتج وقد لا ينتج، وكذلك المخصص الآخر قد ينتج وقد يهلك، "فيهلك هذا ويسلم هذا"، ويسلم هذا ويهلك هذا، "ولم يكن للناس كراء إلا هذا" يعني على عهد النبي ﷺ وفي أول الإسلام  لم يكن لهم "كراء" يعني تأجير فلذلك زجر عنه النبي ﷺ ونهى عنه، لما فيه من الغرر والضرر على أحدهما على أحد المتعــــاقدين ...

فإما شيء معلوم مضمون فلا بأس به، شيء معلوم مضمون بالذهب بالفضة بالدراهم هذا مضمون، أو بجزء من الثمرة، جزء مشاع لي الربع ولك ثلاثة أرباع لي الثمن ولك الباقي، لي السدس لي النصف لي الثلثين أو لك الثلثان شيء معلوم مضمون، سواء أنتجت ، لو ما تنتج إلا شيء قليل معروف الجزء الثمن قليل أو كثير أو الربع أو الثلثان أو الثلث أو النصف، قليل أو كثير معروف، ليس فيه غرر أما شيء معلوم مضمون ، الشيء المعلوم المضمون يكون بأحد الأمرين:

إما بالدراهم بالذهب والفضة ، أو بجزء معلوم من الثمرة، أو بأصع من البر معلومة من الصاع من التمر أو من البر أو ألف صاع، فالشيء المعلوم والمضمون هذا لا بأس به في المزارعة والمساقاة سواء كان بالدراهم أو بجزء معلوم من الثمرة أو بأصع من التمر أو البر معلوم.

والحديث معروف العلة والحكمة وهو : وجود الغرر والضرر على أحد الطرفين.

فتكون المزارعة والمساقاة على هذه الأحوال الثلاثة: إذا كانت بالدراهم أو بالذهب والفضة فهذا لا بأس به ، أو كانت بجزء مشاع معلوم من الثمرة كالربع أو السدس أو الثمن أو الثلثان.  الحالة الثالثة: أن يقسم الأرض أو الشجر إلى قسمين: قسم لك وله ، وهذا لا يجوز لما فيه من الضرر والغرر.

(المتن)

296 - عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ: قَضَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالْعُمْرَى لِمَنْ وُهِبَتْ لَهُ.
الْعُمْرَى: مشتقةٌ منَ العُمرِ وهو الحياةِ، سميتْ بذلكَ لأَنَّهم كانوا في الجاهليةِ يُعطِي الرَّجلُ الرَّجلَ الدَّارَ أَوغيرَها ويقولُ: أَعْمَرْتُكَ إِياها، أَي أَبحْتُها لكَ مدَّةَ عُمرِكَ وحياتِكِ.
وَفِي لَفْظٍ: مَنْ أُعْمِرَ عُمْرَى لَهُ وَلِعَقِبِهِ.

فَإِنَّهَا لِلَّذِي أُعْطِيَهَا، لا تَرْجِعُ إلَى الَّذِي أَعْطَاهَا؛ لأَنَّهُ أَعْطَى عَطَاءً وَقَعَتْ فِيهِ الْمَوَارِيثُ.

 وَقَالَ جَابِرٌ: إنَّمَا الْعُمْرَى الَّتِي أَجَازَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يَقُولَ: هِيَ لَكَ وَلِعَقِبِكَ، فَأَمَّا إذَا قَالَ: هِيَ لَك مَا عِشْتَ فَإِنَّهَا تَرْجِعُ إلَى صَاحِبِهَا.

وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: أَمْسِكُوا عَلَيْكُمْ أَمْوَالَكُمْ وَلا تُفْسِدُوهَا، فَإِنَّهُ مَنْ أَعْمَرَ عُمْرَى فَهِيَ لِلَّذِي أُعْمِرَهَا حَيّاً وَمَيِّتاً وَلِعَقِبِهِ.
لِعَقِبِهِ: لِذرِّيَّتِهِ.

(الشرح)

 هذا الحديث في العمرة والرُقباء ، العمرة : مشتقة من العمر وهو أن يملك شخصا منافع شيء  ويبيح له مدة العمر ، كان يعطيه مثلا : ناقة أو بقرة أو شاة ويقول : أعمرتك هذه الناقة أو هذه الشاة مدة حياتك تنتفع بها ويشرب لبنها ، أو يعمره مثلا شجرة من النخيل مثلا نخيل نخلة أو نخلات فيقول : أعمرتك هذه النخلات .

وهذا له ثلاث حالات :

الحالة الأولى: أن يقول: هي لك ولعقبك ، ففي هذه الحالة هذه لا ترجع إليه تكون في هذه الحالة تكون للموهوب له ولعقبه من بعده .

الحالة الثانية :أن يقول:  هي لك ما عشت فإذا مت رجعت إلي ، فهذه عارية مؤقتة، مؤقته مدة حياته فإذا مات رجعت للذي أعطاه.

في الحالة الثالثة : يقول: أعمرتكها وسكت ، ففي هذه الحالة حكمها حكم الأولى، تكون  له ولعقبه .

إذا كان يعطيه مثلا نخلات، يقول: أعمرتك هذه النخلات، أو يعطيه شاة يقول: أعمرتك هذه الشاة، أو يعطيه بقرة يقول: أعمرتك هذه البقرة، أو يعطيه الناقة يقول: أعمرتك هذه الناقة، فله ثلاث حالات:

الحالة الأولى: أن يقول: أعمرتك هذه الشاة أو النخلات لك ولعقبك، هذه هبة وعطية خرجت من يدي المهدي والمعطي، له ولعقبه ملكه إياها.

الحالة الثانية: أن يقول: أعمرتك هذه النخلات أو هذه الشاة أو هذه البقرة ويسكت ، أيضا حكمه حكم الأولى له ولعقبه لا ترجع إليه.

الحالة الثالثة: أن يقول: أعمرتك هذه النخلات مدة حياتك أو مدة حياتي، فإذا مت رجعت إليَّ، تسمى هذه عمرة وتسمى رُقباء، تسمى رقباء لأن كل واحد منهما يرقب موت الآخر.

تسمى الرقبى وتسمى العمرى، تسمى العمرى لأن أعمره مدة حياته ، وتسمى الرقبى لأن كل واحد منهما يرقب موت الآخر، إذا مات أحدهما رجعت إلى الواهب، يقول : أعمرتك هذه الشاة أو هذه النخلة أو هذه النخلات، مدة حياتي أو مدة حياتك، أو مدة حياتي وحياتك، فإذا مِت أو مُت رجعت إليَّ فتسمى عمرة لأنه وهبه مدة حياته وتسمى رقباء لأن كل واحد منهما يرقب موت الآخر، فإذا مات رجعت إلى الواهب، وهذه كانت موجودة في الجاهلية وأقرها الإسلام .

فالعمرى والرُّقبى على هذه الأحوال الثلاثة.

الحالة الأولى: أن يقول: أعمرتكها لك ولعقبك، فهذه لا ترجع إلى الواهب تكون له ولعقبه من بعده.

الحالة الثانية: يقول أعمرتكها ويسكت حكمها حكم الأولى أيضا لا ترجع إليه.

الحالة الثالثة: أن يقول أعمرتكها مدة حياتي أو حياتك، فإذا مت أو متَ رجعت إليَّ، هذه تكون عطية مؤقته، مدة الحياة ، يستفيد منها يأكل ثمر هذه النخلات، يشرب ينتفع بلبن هذه البقرة أو الناقة أو الشاة مدة حياته، فإذا مات رجعت إلى الواهب.

وهذا الحديث يقول : عن جابر قال: (قضى النبي ﷺ بالعمرة لمن وهبت له) ، لمن وهبت له تكون قضاها. إذا قال: لك ولعقبك ، أو قال: أعمرتك وسكت، فقضى النبي ﷺ بالعمرة لمن وهبت له.

وفي لفظ: مَنْ أُعْمِرَ عُمْرَى لَهُ وَلِعَقِبِهِ. فإنها للذي أعطيها لا ترجع للذي أعطاها، لأنه عطاء وقعت فيه المواريث ، لأنه قال : لك ولعقبك، هذه لا ترجع، وقال جابر: إنما العمرة التي أجازها رسول الله ﷺ أن يقول : هي لك ولعقبك ويسكت، فإنما لو قال : هي لك ما عشت فإنها ترجع إلى صاحبها ، لأنه حدد قال هي لك ما عشت أو ما عشت أنت، ما عشت أنا أو ما عشت أنت ، وإذا مات أحدهما ترجع إلى الواهب، وتسمى هنا : عمرى ورقبى، عمرة لأنه وهبها إيه مدة عمره وحياته، ورقباء لأنه كل واحد منهما يرقب موت الآخر، فإذا مات رجعت إلى الواهب.

قال جابر: إنما العمرة التي أجازها رسول الله ﷺ: أن يقول هي لك ولعقبك، فأما إذا قال هي لك ما عشت فإنها ترجع إلى صاحبها.

وفي رواية لمسلم أن النبي ﷺ قال : أَمْسِكُوا عَلَيْكُمْ أَمْوَالَكُمْ وَلا تُفْسِدُوهَا، فَإِنَّهُ مَنْ أَعْمَرَ عُمْرَى فَهِيَ لِلَّذِي أُعْمِرَهَا حَيّاً وَمَيِّتاً وَلِعَقِبِهِ. يعني: أمسك عليك مالك لا تعطه أحد إلا إذا كنت عازم على أن تنفذها، أما إذا كان لك نية في الرجوع

فأمسك مالك، فإذا أعطيتها وأعمرتها إياه، فعلم أنها لا ترجع إليك، أَمْسِكُوا عَلَيْكُمْ أَمْوَالَكُمْ وَلا تُفْسِدُوهَا، فَإِنَّهُ مَنْ أَعْمَرَ عُمْرَى فَهِيَ لِلَّذِي أُعْمِرَهَا حَيّاً وَمَيِّتاً وَلِعَقِبِهِ. هذا مجمل يبينه ما سبق من الروايات ، أنها تكون له ولعقبه، قال لك ولعقبك أو قال أعمرتك وسكت. فأما لو قال لك ما عشتُ فإنها ترجع إلى صاحبها.

والحديث فيه دليل على جواز العمرى والرقبى وأن الإسلام أقرها كانت موجودة في الجاهلية وأقرها الإسلام،  جواز العمرة وجواز الرقباء، وأنها على ثلاثة أحوال .

وفيه جواز العارية ، إذا قال : أعمرتكها مدة حياتك أو حيتي فتسمى عارية، إذا قال لك ما عشت، وفيه الأمر بإصلاح الأموال ، وعدم افسادها، يقول: أَمْسِكُوا عَلَيْكُمْ أَمْوَالَكُمْ

وفيه تنبيه الإنسان على التدبر والتأمل، فيما يخرجه من ماله، حتى يتدبر العاقبة فلا يقدم إلا على بصيرة. ولذلك قال: أَمْسِكُوا عَلَيْكُمْ أَمْوَالَكُمْ وَلا تُفْسِدُوهَا، فَإِنَّهُ مَنْ أَعْمَرَ عُمْرَى فَهِيَ لِلَّذِي أُعْمِرَهَا حَيّاً وَمَيِّتاً  وَلِعَقِبِهِ.

(المتن)

297 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: لا يَمْنَعَنَّ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً فِي جِدَارِهِ ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَا لِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ؟ وَاَللَّهِ لأَرْمِيَنَّ بِها بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ.

(الشرح)

 هذا الحديث يبين فيه حق الجار وأن الجار له حق على جاره،  وإكرام الجار من الإيمان بالله ورسوله وكذلك الإحسان إليه وعدم إيذائه ، وثبت الأحاديث الصحيحة في الإحسان إلى الجار وعدم إيذائه وإكرامه ثلاثة ألفاظ عن النبي ﷺ، قال عليه الصلاة والسلام : مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ والفظ الآخر قال عليه الصلاة والسلام: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَلْيُحْسِنْ إِلَى جَارِهِ واللفظ الثالث قال:  مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ.

فالإحسان إلى الجار وكف الأذى عن الجار وإكرام الجار من الإيمان ، وإيذاء الجار وعدم إكرامه وعدم الإحسان إليه يدل على ضعف الإيمان ونقص الإيمان.

ومن حق الجار على جاره ألا يمنعه أن يغرز خشبة في جداره، فإذا كان بينه وبينه جدار وأراد الجار أن يضع خشبة على جداره، حتى يكون مثلا يقيم غرفة فلا يمنعه بعض الجيران يقول لا ، لا تضع الخشبة على جداري ، أخرج جدار بيني وبينك وضع الخشبة، أما تضع الخشبة على جداري .. أنا سبقتك.. فأقمت الجدار قبل أن تأتي ، ثم تأتي وتضع الخشبة على الجدار ، فيمنعه، وهذا يؤدي ويفضي إلى النزاع و الشقاق، هذا من حق الجار على الجار، هذا من حقي عليك ، الجار له حق على جاره ولو كنت أقمت جدار ، ما يضرك أن أضع عليه خشبة، أو يقيم غرفة ويصب عليها صبة لا حرج في هذا ، لا ينبغي منعه في هذا.

ولهذا روى أبو هريرة أن النبي ﷺ قال : لا يَمْنَعَنَّ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً فِي جِدَارِهِ روي خَشَبَهُ أو خَشَبَةً، روي خَشَبَةً لا يَمْنَعَنَّ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً فِي جِدَارِهِ ،  وروي: لا يَمْنَعَنَّ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ فِي جِدَارِهِ

ولذلك لأن هذا من حق الجار على جاره، ومن الإحسان إلى الجار، ولأنه لو وضع الخشبة لا يضر الجدار، فهذا من حق الجار على جاره، والنهي : أصل النهي للتحريم، فيه دليل أن يحرم على الجار أن يمنع جاره من وضع الخشبة، اللهم إلا إن كان الجدار لا يتحمل وفيه إلى السقوط هذا مستثنى من نصوص أخرى ، وإلا فالأصل أنه لا يمنعه، هذا من حق الجار على جاره، والنهي أصل النهي للتحريم.

فيه دليل على أنه يحرم على الجار أن يمنع جاره من أن يغرز خشبة على جداره، النهي للتحريم إلا بصارف، ولا صارف يصرفه عن التحريم إلى التنزيه، ثم يقول أبو هريرة : ( مالي أراكم عنها معرضين) يعني: عن هذه السنة، سنة وهي حق الجار ، ( والله لأضربنَّ بها بين أكتافكم) -وفي لفظ- ( والله لأرمينَّ بها بين أكتافكم) في رواية : والله لأضربنَّ، وفي رواية أخرى:( والله لأرمينَّ بها بين أكتافكم ) ، يعني السنة ، هذه السنة سوف أنشرها بينكم، لأرمينَّ بها بين "أكتافكم" : جمع كتف، والمعنى لأوجعنَّكم بالتقريع والتوبيخ، كما يضرب الإنسان بالشيء بين كتفيه ليستيقظ ويتنبه، وأبو هريرة أنكر على جماعة أو على ... ، كأن هذا قاله بعد وفاة النبي ﷺ، قالها لي بعض التابعين ، بأنه رأى منهم من لا يعتني بالجار، ويؤدي حق الجار، فوجد جماعة يتهاونون بحق الجار ، ويمنع أحدهم جاره، وشاع بينهم أنهم يمنعون الجار من أن يضع الخشبة على جداره، فلذلك وبخهم أبو هريرة، وقال "مالي أراكم عنها معرضين" عن هذه السنة، والله لأضربنَّ بها بين أكتافكم ، أو -في لفظ آخر- {لأرمينَّ بها بين أكتافكم}يعني هذه السنة  حتى تستيقظوا، وحتى تعملوا بالسنة وحتى تأدوا حق الجار، { مالي أراكم عنها معرضين}

وفي الحديث من فوائد: فيه بيان حق الجار وأن لا يجوز للجار أنه يمنع جاره من أن يستفيد من الجدار ويغرز الخشبة، يقاس عليه كل ما يفيد الجار، ينبغي للإنسان ......

ملاحظة :(31:51) هذا الجزء من المادة الصوتية محذوف.. ولهذا جرى التنبيه.

له أن لا يمنع الجار من شيء يستفيد منه وهو لا يتضرر منه ، وينبغي على الجار أن يحسن على جاره  ويعيره ما يحتاج إلى اعارته، يكون هناك تبادل بين الجيران ، تبادل منافع ، حتى تسود المحبة والألفة، وهذا من علامة الإيمان ، ولهذا قال النبي ﷺ في الحديث الآخر ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، قالوا: من يا رسول الله؟! قال: مَن لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ بوائقه: غوائله و شره،  الذي لا يأمن جاره دليل على ضعف الإيمان، دليل على أن هذا الجار ضعيف الإيمان، حيث أن جاره لا يأمن شره ولا يأمن غوائله.

والجار الجار الملاصق، ويطلق الجار أيضا البعيد، وجاء ما يدل على أن الجيران أيضا قد يكون الجار بعيدا، رغم المسافة وتكون المسافة أبيات.

والحديث يدل على تحريم منع الجار من أيضع الخشبة على جداره.

 وفيه دليل على نسج السنة ، وفيه دليل على وتقريع المخاطبين وتوبيخهم، إذا كان ما يعملون بالسنة ، ولهذا وبخهم أبو هريرة قال: مالي أراكم عنها معرضين عن هذه السنة، ( والله لأضربنَّ بها بين أكتافكم) يعني: لأنشرها بينكم وأبلغكم إياها، وأوبخكم على عدم العمل بها ، حتى تعملوا بالسنة، فالحديث فيه مراعاة حق الجار وفيه تقديم حق الشرع على حفظ النفس، والإنسان يقدم الشرع على حفظ نفسه، النفس تميل على أنه ينفرد بهذا الجدار ويمنع جاره ، لكن حق الشرع مقدم على حفظ النفس وهي ينبغي للإنسان أن يقبل حكم الله وحكم رسوله ﷺ، وإن كرهته النفس وينشرح له صدره .

وفيه أنه ينبغي للإنسان المبادرة بالسنة.

وفيه وجوب إظهار العلم والتكلم به ، وإظهاره بين الناس، سواء عمل به أو لم يعمل به.

وفيه أنه على العالم إذا فهم من بعض أصحابه إعراضا عن السنة ،أن يعلمهم ويفهمهم.

وفيه إقامة الحجة على المخالفين وإظهارها لهم براءة للذمة.

(المتن )

298 - عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَنْ ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ مِنْ الأَرْضِ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ.

(الشرح)

 هذا الحديث فيه تحريم الظلم ، حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله ﷺ قال : مَنْ ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ مِنْ الأَرْضِ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ يَومَ القِيَامَةِ.

والظلم هو وضع الشيء في غير موضعه ، في اللغة : الظلم: وضع الشيء في غير موضعه، كأن يعتدي على شخص ويأخذ مال يستحق، أو يمنعه حقه، يمنعه من حقه الذي عليه، وهذا الحديث فيه الوعيد على ظلم الأرض وأن ظلم الأرض من كبائر الذنوب، حيث توعد بهذا الوعيد، مَنْ ظَلَمَ مِنْ الأَرْضِ قِيدَ شِبْرٍ يعني: مقدار شبر ، طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ يَومَ القِيَامَةِ.

 فيه دليل على تحريم الظلم مطلقا، والظلم هو العدوان، العدوان على الغير، بأخذ حقه أو بمنعه حقه الذي عنده  بمنع الحق الذي عنده، كأن ينكر الدين الذي عليه، أو يأخذ مال يستحقه، ومن ذلك إذا كان جار له في الأرض أن يأخذ شيء من الأرض، يقدم المراسيم فيتقدم يأخذ متر أو مترين أو ثلاثة أمتار هذا من الظلم  فيه تحريم الظلم وتحريم الظلم في الأرض، وأنه من كبائر الذنوب.

وفي إثبات يوم القيامة، والحساب والجزاء، ولهذا قال: طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ.

وفيه إثبات أن الأرض سبع أراضين كما أن السماء سبع سماوات ، أما كون السماوات سبع فهذا نص القرآن، قال الله تعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ هذا صريح بأن السماوات سبع وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ وهذا يحتمل ومن الأرض مثلهن في العدد أو مثلهن في الكيفية ، ومن الأرض مثلهن، اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ في العدد سبع سموات ، وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ  مثلهن في العدد أو مثلهن في الكيفية، مثلهن في العدد ، لأن الأرض ليست مثل السماء، تختلف كيفية الأرض غير كيفية السماء . فالمثلية إما في الكيفية أو في العدد، فلما تعذر أن تكون المثلية في الكيفية، دل أن المراد مثلها في العدد، ويؤيد هذا الحديث. اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يعني سبع أراضين، ويؤيده هذا الحديث طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ يَومَ القِيَامَةِ.

فالحديث على أن الأراضين سبع، وهل هي متلاصقة أو بينها فاصل، فهذا محتمل المهم أنها سبعة أراضين، والجيولوجيون أهل الجلولوجيا والذين يتعلمون طبقات الأرض يقولون أن الأرض يعني: ثلاثة أطباق ، القشرة واللب وكذا وهذا لا ينافي أن الأرض سبع ، فتكون اللب والقشرة مقسمة إلى أربعة أقسام ، المقصود على أن الحديث دل على أن الأرضين سبع.

وقد حصلت قصة في هذا أن سعيد بن زيد من الصحابة في المدينة ظلمته امرأة وقالت أنه أخذ شيئا من أرضي ، فقال أنا آخذ شيئا من أرضها وقد سمعت النبي ﷺ حيث قال : مَنْ ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ مِنْ الأَرْضِ طُوِّقَهُ يوم القيامة مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ. فدعا عليها وقال اللهم إن كانت كاذبة فأعمي بصرها واقتلها في دارها فعميت أصابتها دعوة سعيد لأنها ظالمة وهو مظلوم، فعميت في آخر عمرها، وبينما هي تلتمس الجدر وتمشي في دارها سقطت في بئر في دارها فماتت، في أرضها فماتت، فأصابتها دعوة سعد لأن دعوة المظلوم مجابة،  استجاب الله دعاءه.

وهذا الحديث فيه تحريم الظلم، وفيه تحريم الظلم في الأرض، وأنه من كبائر الذنوب.

وفيه إثبات يوم القيامة.

وفيه إثبات أن الأرضين سبع، والحديث على ظاهره، مَنْ ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ يطوقه يجعل طوقا في عنقه يوم القيامة مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ​​​​​​​. والله على كل شيء قدير هذه عقوبة مؤجلة.

والظالم والكافر يعظم خلقه، جاء كما ثبت في الأحاديث في صحيح  مسلم وغيره، أن الكافر تعظم في خلقه يوم القيامة ، وأن ضرس الكافر يم القيامة مثل جبل أحد، يعظم ويوسع جلده حتى يتحمل العذاب -نسأل الله السلامة والعافية-.

وفيه الوعيد الشديد لمن غصب الأرض.

(المتن)

بابُ اللُّقَطَةِ

299 - عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ لُقَطَةِ الذَّهَبِ أَوْ الْوَرِقِ؟ فَقَالَ: اعْرِفْ وِكَاءَهَا وَعِفَاصَهَا، ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ لَمْ تُعْرَفْ فَاسْتَنْفِقْهَا، وَلْتَكُنْ وَدِيعَةً عِنْدَكَ، فَإِنْ جَاءَ طَالِبُهَا يَوْماً مِنْ الدَّهْرِ فَأَدِّهَا إلَيْهِ، وَسَأَلَهُ عَنْ ضَالَّةِ الإِبِلِ؟ فَقَالَ: مَا لَك وَلَهَا؟ دَعْهَا؛ فَإِنَّ مَعَهَا حِذَاءَهَا وَسِقَاءَهَا، تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَجِدَهَا رَبُّهَا. وَسَأَلَهُ عَنْ الشَّاةِ؟ فَقَالَ: خُذْهَا فَإِنَّمَا هِيَ لَكَ أَوْ لأَخِيك أَوْ لِلذِّئْبِ.

(الشرح)

هذا الباب باب اللقطة : واللقطة في اللغة : الشيء الملقوط .

 وشرعا : ما وجد من حق الضائع غير محرز ولا ممتنع ولا يعرف الواجد مستحقه ، الشيء الضائع الحق الضائع الذي ليس في حرز ولا يمتنع لقوته ولا يعرف واجده، وليس عليه علامات الجاهلية.

 أما ما وجد في دفن الجاهلية فهذا الركاز ، ما وجد في دفن الجاهلية من الذهب أومن الفضة وغيره وعليه علامات أهل الجاهلية هذا يسمى الركاز، هذا يكون لواجده إذا وجده وعليه يخرج الخمس زكاة ، يخرج الخمس ، قال عليه الصلاة والسلام: وَفِي الرِّكَازِ الخُمُسُ فهذا المال المدفون الذي موجود في دفن الجاهلية وعليه علامات الجاهلية هذا ليس من اللقطة وإنما هو ركاز، يأخذه واجده ويدفع الخمس في الحال، لأنه أخذ بدون تعب زكاة، أما ما وجد الشيء الضائع الذي ضاع من المسلمين ، ليس عليه علامات الجاهلية من الأمتعة أو غيرها فهذا يسمى لقطة.

وهذا بين النبي ﷺ في الحديث أنه يعرف، لمدة سنة يعرف لمدة سنة يعرفه، بعد أن يعرف وِكَاءَهَا قال: اعْرِفْ وِكَاءَهَا الوكاء: الحبل الي تربط به، إذا كان في كيس ولها رباط، وَعِفَاصَهَا عفاصها : الكيس الذي الموجودة فيه كيس، يسجل عنده مثلا رباطها كذا كيسها كذا، عددها كذلك العدد، عددها إذا كانت دراهم من فئة المئة من فئة الخمس مئة من فئة المئتين من فئة المئة من فئة العشرات، يسجلها يسجل عددها، اعْرِفْ وِكَاءَهَا وَعِفَاصَهَا وكاءها الرباط الذي تربط به، العفاص الكيس الذي فيه، وعددها ثم يعرفها سنة، يعرفها سنة بأي مكان؟ في الأسواق وأبواب المساجد ومجامع الناس، يعرفها لمدة سنة، ولا يكون التعريف في المساجد، في المساجد لا يجوز التعريف فيها، ولهذا قال النبي ﷺ في الحديث: مَن أَنشَدَ ضَالَّتَهُ فِي المَسجِدِ فَقُولُوا: لَا رَدَّهَا اللهُ عَلَيْكَ، وَمَن وَجَدتُمُوهُ يَبِيعُ وَيَشتَرِي فِي المَسجِدِ فَقُولُوا: لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ​​​​​​​، عقوبة له ، الشخص قال: ضاعت لي كذا، ضاعت لي الساعة ضاعت كذا، حينها يقال: لا ردها الله عليك، عقوبة له ، لا يجوز السؤال في المسجد، أو يبيع ويشتري في المسجد يقال: لا أربح الله تجارتك، أو قال: من أنشد ضالته، قال: لا وجدت لا ردها الله عليك، المساجد لم تبن للإنشاد الضالة ولا للبيع والشراء، وإنما يخرج عند أبواب المساجد، أبواب الجوامع والمساجد وكذلك أيضا الأسواق ويعلن عنها في الصحف أوفي الإذاعة لمدة سنة، يعلن عنها في كل أسبوع مرة، ثم في الأشهر الأولى كل أسبوع ثم في كل شهر وهكذا، ويتحرى الأوقات التي المناسبة لتعريفها.

فإذا مضت سنة ولم يأتِ أحد فهي له، ينفقها ويستعملها على أنه لو جاء طالبها يوما من الدهر دفعها إليه، لأن أوصافها مضبوطة، يسجل الكيس عفاصها ويسجل الرباط ويسجل العدد ويبقها عنده فإن جاء طالبها يوما من الدهر دفعها إليه، وإن لم يأت أحد فهي له، هذه هي اللقطة إذا كانت من الأمتعة، أو من النقود أو غيرها.

أما إذا كانت اللقطة من الغنم فإنه بين أحد أمرين : قال النبي ﷺ: فَإِنَّمَا هِيَ لَكَ أَوْ لأَخِيك أَوْ لِلذِّئْبِ. لأن ما تمتنع الشاة من السباع، فالشاة إذا وجدها يلتقطها، لأنه إذا تركها إما يأخذها هو أو يأخذها أخوه أو تأكلها السباع، فيأخذها.

وفي هذه الحالة له أحوال: إما أن يبقيها معه إذا كان عنده غنم ترعى في ذلك الوقت وقت ربيع ترعى من البر، أو ترعى مع غنمه يتركها، أو يبيعها ويبقي ثمنها، أو يأكلها ويقدر ثمنها.

يختار واحد من ثلاثة أمور: إما أن يبقيها مع غنمه إذا كان لا يشق عليه أو يعرفها حتى يأتي ربها، أو يبيعها ويمسك ثمنها لصاحبها، أو يأكلها ويقدر ثمنها، فإذا جاء طالبها يوما من الدهر دفعها إليه، وإذا مضت سنة بعد التاريخ ولم يأت أحد فهي له فإن جاء طلبها يوما من الدهر وعرف الأوصاف دفعها إليه.

أما ضالة الإبل : فالنبي ﷺ قال: مَا لَك وَلَهَا؟ يعني لا تأخذها، دَعْهَا وفي اللفظ الآخر النبي ﷺ احمر وجه لما قال : ضالة الإبل ، قال: احمر وجهه قال : مَا لَك وَلَهَا؟ دَعْهَااتركها، فَإِنَّ مَعَهَا حِذَاءَهَا وَسِقَاءَهَا ترد الحجر والشجر، ضالة الإبل ما تؤخذ كونها تبقى في البراري أولى من كونك تأخذها، إذا أخذتها أخفيتها، لكن إذا كانت في البراري طلبها صاحبها فوجدها، وقد تأتي هي إلى صاحبها، أيضا معها حذاؤها وهي الخف، الخف خف قوي يتحمل المشي ويتحمل الشوك، ومعها سقاؤها هو بطنها تشرب الماء وتخزن الماء في جوفها، وتمتنع مدة طويله قد تجلس أسبوع ما تحتاج إلى الماء تخزن في جوفها الماء وكذلك الطعام وتهتدي أيضا إلى الماء بنفسها تمشي لو مسافة يومين أو ثلاثة حتى تجد الماء وتشربه، فلا داعي لأخذها، ولهذا قال: فَإِنَّ مَعَهَا حِذَاءَهَا وهي الخف وَسِقَاءَهَا وهو جوفها تخزن في الماء، ترد الماء وتعرف ترد الماء ولو بعد مسافة وتأكل الشجر فلا حاجة إلى أخذها ، وتمتنع من السباع أيضا وهي تمتنع من السباع وإذا جاءها سبع تخبطه فهي تمتنع منها السباع، وتخزن الماء في جوفها وخفها أيضا قوي وترد الماء فلا حاجة إلى أخذها.

قال العلماء: اللهم إلا تكون في حالة واحدة، إذا وجدها في أرض مسبعة، تجتمع عليها السباع وخشي أن تفترس هذه السباع لكثرتها ، فإنه ينقلها من هذه الأرض المسبعة إلى أرض آمنة، ولكن لا يأخذها ينقلها من هذه الأرض التي يخشى من أن تفترسها السباع إلى أرض أخرى تأمن فيها ، وهذا مأخوذ من النصوص الأخرى.

وفي هذا يتلخص أن اللقطة ثلاثة أحوال :

إذا كانت من الذهب أو الفضة أو الأمتعة فإنه يعرفها سنة في مجامع الناس وأبواب المساجد ويسجل وعاءها الكيس الذي هي فيه والرباط والعدد ويعرفها سنة فإذا مضت سنة فإنه يتملكها. وإذا جاء طالبها يوما من الدهر دفعها إليه،

وأما ضالة الغنم فإنه يأخذها ، وله ثلاث حالات : إما يبقيها مع غنمه، أو يبيعها ويبقي ثمنها، أو يأكلها ويقدر ثمنها، وإن جاء طالبها بعد السنة دفعها إليه وإلا فهي له.

وأما ضالة الإبل فهو يتركها ولا يأخذها.

وأما ضالة البقر: فهل تلحق البقرة بالإبل فتترك أو تلحق بالغنم فتأخذ؟

الأقرب أنها تلحق بالإبل لأنها في الغالب أنها تمتنع إلا إذا خشي عليها إذا يكون في حالة خاصة، ولأن البقرة مثل الإبل تكون في الأضحية عن سبعة، ولها قرون تمتنع من السباع وقد تفترس السباع فالأقرب أنها مثل الإبل  اللهم إلا في حالة خاصة أن تكون ضعيفة أو خشي عليها المقصود أنها تكون مثل الإبل.

والله ولي التوفيق .

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد