شعار الموقع

شرح كتاب البيوع من عمدة الأحكام_8 بابُ الوصايا وبابُ الفَرَائِضِ

00:00
00:00
تحميل
92

المتن:

بابُ الوصايا

300 - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إلاَّ وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ.
زَادَ مُسْلِمٌ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَا مَرَّتْ عَلَيَّ لَيْلَةٌ مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ ذَلِكَ إلاَّ وَعِنْدِي وَصِيَّتِي .

الشرح:

إذا الوصية في اللغة: تطلق على فعل موصي وعلى ما يوصى به من مال أو عهد أو ونحوه .

وفي شرعا : الأمر بالتصرف بعد الموت أو التبرع بالمال بعد الموت .

 وهذا الحديث حديث ابن عمر يقول فيه النبي ﷺ : مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إلاَّ وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ.

زاد مسلم قال ابن عمر : فو الله ما مرت علي ليلة منذ سمعت رسول الله ﷺ يقول ذلك إلا وصيتي عندي.

هذا الحديث فيه مشروعية التأهب للموت والاحتراز قبل الفوت لأن الإنسان لا يدري متى يفجأه الموت.

وفيه دليل على مشروعية الوصية ولكن إن كان له أو عليه حقوق للناس فإن الوصية واجبة يجب عليه أن يوصي بماله وما عليه، إذا كان له ديون للناس أو مستلزمات أو مستحقات ، يجب عليه أن يوصي وأن يكتب وصيته وأن يشهد على ذلك حتى لا تضيع الحقوق ،وكذلك إذا كان له حقوق على الناس يقول لي عند فلان كذا، حتى يأخذها الورثة وإذا كان الإنسان له حقوق على الناس، فإن الوصية واجبة .

الحالة الثانية أن لا تكون له أو عليه حقوق للناس فإن الوصية في هذه الحالة مستحبة .

يستحب للإنسان أن يوصي بشيء من ماله يكون في أعمال البر ، يستحب أن يوصي من ينظر في أولاده ويلا يحظهم ويقوم بتربيتهم أو يقبض أموالهم وينميها، فالوصية تكون واجبة إذا كان له أو عليه حقوق للناس،  وتكون مستحبة إذا لم يكن له أو عليه حقوق للناس.

وفيه أن ينبغي للإنسان أن يتأهب للموت ويحترز، ولهذا قال: مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ وقوله: لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ دل على من ليس له شيء فلا وصية، إذا كان الإنسان ليس عنده شيء، إذا كان الإنسان ليس له مال وليس له أولاد وليس له حقوق ولا مستلزمات للناس فلا يوصي، في هذ الحالة لأنه ليس له شيء يوصي فيه، والنبي ﷺ يقول: مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ فالذي ليس له شيء لا عنده مال وليس عنده أولاد وليس له شيء يوصي فيه وليس له ولا عليه حقوق للناس فلا وصية حينئذ

أما من له شيء يوصي فيه  فإن من الحزم والاحتياط أن يكتب وصيته، يَبِيتُ لَيلَةً لَيْلَتَيْنِ إلاَّ وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَ رَأْسِهِ.

وقوله مَكْتُوبَةٌ عِنْدَ رَأْسِهِ، فيه جواز الاعتماد على الكتابة والخط، فيه اعتماد على الكتابة والخط، لأنه يعمل بها، لولا أنه يعمل بالكتابة والخط، لما قال النبي ﷺ: إلاَّ وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَ رَأْسِهِ، دل على أنه يعتمد على الكتابة والخط.

وفيه أنه ينبغي للإنسان أن يضبط الأشياء المهمة ويقيدها بالكتابة، لأن الكتابة أضبط من الحفظ، لأن الإنسان ينبغي له أن يقيد ويكتب الأمور المهمة، إذا كان له حقوق على الناس عليه حقوق للناس يضبطها ، وكذلك أيضا وكذلك أيضا يقيد العلم حتى لا يضيع بالكتابة، لأن الذاكرة قد تخون الإنسان، فإذا حصل الإنسان على فائدة علمية فإنه يقيدها حتى لا ينساها.

ولهذا يقول الشاعر:

العِلمُ صَيدٌ والكِتابةُ قَيدُهُ قَيِّدْ صيودكَ بالحِبالِ الواثِقَة

لهذا ينبغي للإنسان أن يقيد ويكتب الأشياء المهمة حتى لا تضيع، سواء كانت ديون أو حقوق للناس أو مسائل علمية.

وفي الحديث الحث والحض على الوصية وأنها تنفذ وإن كانت عند صاحبها، لقوله : إلاَّ وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَ رَأْسِهِ، دليل على أن الوصية تنفذ ويعمل بالخط ولو كانت عند صاحبها، ولو لم يجعلها عند غيره، وكذلك لو جعلها عند غيره لو عرف الخط ولا سيما لو كان أشهد على ذلك.

وفيه دليل على فضل ابن عمر رضي الله عنهما للمبادرة في امتثال الأمر والمواظبة على ذلك، حيث أن يقول: "فو الله ما مرت عليَّ ليلة منذ سمعت رسول الله ﷺ يقول ذلك إلا ووصيتي عندي" هكذا ينبغي للمسلم أن يبادر وأن يمتثل للشرع أوامر الله وأوامر رسوله ﷺ.

(المتن)

301 - عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: جَاءَني رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَعُودُنِي عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بِي فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ بَلَغَ بِي مِنْ الْوَجَعِ مَا تَرَى، وَأَنَا ذُو مَالٍ، وَلا يَرِثُنِي إلاَّ ابْنَةٌ؛ أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟ قَالَ: لا، قُلْتُ: فَالشَّطْرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لا، قُلْت: فَالثُّلُثُ قَالَ: الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ ورَثَتَكَ أَغنياءَ خيرٌ منْ أَنْ تَذَرَهمْ عالَةً يَتَكَفَّفونَ النَّاسَ، وإنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إلاَّ أُجِرْتَ بِهَا، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِكَ. قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُخَلَّفُ بَعْدَ أَصْحَابِي؟ قَالَ: إنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ فَتَعْمَلَ عَمَلاً تَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ إلاَّ ازْدَدْت بِهِ دَرَجَةً وَرِفْعَةً، وَلَعَلَّكَ أَنْ تُخَلَّفَ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ وَيُضَرُّ بِكَ آخَرُونَ، اللَّهُمَّ أَمْضِ لأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ وَلا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ، لَكِنِ الْبَائِسُ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ يَرْثِي لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ مَاتَ بِمَكَّةَ.

(الشرح)

نعم هذا الحديث حديث سعد بن أبي وقاص ، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة ، مرض في مكة بعام حجة الوداع في السنة الثامنة من الهجرة مرض مرضا شديدا أشفى فيه على الموت حتى خشي عليه أن يموت من شدة المرض، فجاءه النبي ﷺ يعوده ومعه بعض أصحابه الصديق وجماعة ، جاؤوا يعودون إليه ، جاؤوا يعودونه وهو مريض قد اشتد به المرض، ففيه مشروعية عيادة المريض وزيارته، وأنها من الأعمال العظيمة في زيارة المريض وعيادته فضل عظيم وأجر كبير ، في الحديث يقول النبي ﷺ مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الْجَنَّةِ يعني: في ثمرها وجناها ،

 وفي الحديث الآخر أن النبي ﷺ قال: مَنْ عَادَ مَرِيضًا صَلَّى عَلَيهِ مِن المَلَائِكَةِ كَذَا وَكَذَا آلاف من الملائكة، من عاده صباحا أو مساء.

وفي الحديث الآخر يقول النبي ﷺ: حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ... أَن يَعُودَهُ إِذَا مَرِضَ هي من السنن المستحبة ومن حق المسلم على أخيه أن يعوده إذا مرض وذلك لما في عيادة المريض من المصالح العظيمة ، منها تأنيس المريض وجبر خاطره وتقوية نفسه وقلبه ، حيث يرى اخوانه المسلمين يعودونه ويواسونه، وفيه أيضا كون المسلمين كالجسد الواحد.

فيه اشعار للمريض ولأهل المريض بأن المسلمين كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.

وفيه أيضا تأنيس لأهل المريض وجبر لخاطرهم.

وفيه من المصالح أن المريض قد يكون محتاجا إلى شيء، قد يكون محتاجا فيوصي من يعوده بأن يقضي له حاجته أو حاجة لأولاده، أو غير ذلك من المصالح.

فلذلك صارت عيادة المريض من المستحبات ومن السنن العظيمة التي يعظم الله فيه الأجر.

قال سعد :( جاءني الرسول ﷺ عام حجة الوداع ، يعود لعام حجة الوداع وهي السنة الثامنة من الهجرة، وسميت حجة الوداع لأن النبي ﷺ ودع الناس، وقال: خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُم، لَعَلِّي لَا أَلقَاكُم بَعْدَ عَامِي هَذَا وهي حجة واحدة لم يحج قبلها ولا بعدها عليه الصلاة والسلام ، ودع فيها الناس وسميت حجة الوداع ،قال:( من وجع اشتد بي) وفي حديث آخر قد (أشفيت به على الموت) ظن أنه يموت من مرضه، لكنه لم يمت شفي من مرضه (فقلت: يا رسول الله قد بلغ بي من الوجع) يعني: الألم ( ما ترى وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة) ما له إلا ابنة في ذلك الوقت ثم بعد ذلك شفاه الله ورزقه الله أولاد ، لكن في ذلك الوقت ليس له إلا بنت إلا ابنة قال : ( يا رسول الله قد بلغ بي من الوجع ما ترى وأن ذو مال) يعني: ذو مال جزيل ذو مال كثير ولا يرثني إلا ابنة لي، أفأتصدق بثلثي مالي) مادام ليس لدي إلا ابنة أريد أن أتصدق بثلثي مالي أجعله صدقة في أعمال البر، فقال له النبي ﷺ: قال:  لَا، قلت : فالشطر يا رسول الله) نصف المال أتصدق بنصف المال،( قال: لَا، قلت : فالثلث، قال: الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ 

احتج به أهل العلم على أن المريض في مرض الموت ليس له أن يوصي بأكثر من الثلث، لا يملك أكثر من الثلث، ما زاد عن الثلث فلا ينفذ إلا إذا جازه الورثة، لو أوصى بنصف ماله لا ينفذ إلا الثلث إلا إذا أنفذه الورثة وكانوا كلهم كبارا وأنفذوا، فإن كانوا كبار وصغار وأنفذه الكبار فإنه يخرج حق الصغار، فيما زاد عن الثلث وينفذ نصيب الكبار، لأن الصغير ليس لوليه أن يتبرع به ولا أن يوافق إنما هذا للكبار ، قال له النبي ﷺ: الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إِنَّكَ إنْ تَذَرَ ورَثَتَكَ وروي إِنَّكَ أنْ تَذَرَ ورَثَتَكَ إنك "أن" تذر مصدر، تشبك أن المصرية مع الفعل يعني: تذر يعني: تترك، يعني كونك تترك ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يعني : فقرا يتكففون الناس، {وتصلح "إن" "إنك إن" تكون شرطية، إِنَّكَ إِنْ تَذَرَ ورَثَتَكَ أَغنياءَ خيرٌ منْ أَنْ تَذَرَهمْ عالَةً يَتَكَفَّفونَ النَّاسَ، يعني: قال له النبي ﷺ: لا توصِ بأكثر من الثلث، كونك تبقي هذا المال لورثتك يغنيهم هذا المال عن سؤال الناس ، هذا أولى من كونك تتركهم فقراء، ( يتكففون الناس) يعني يسألون الناس بأكفهم يشحذون فدل هذا على أن الأقربين أولى بالبر من غيرهم أولى من الأبعدين.

فالنبي ﷺ يقول: لا توصِ بأكثر من الثلث لأنك  إذا أوصيت بأكثر من الثلث تضر بورثتك، وورثتك هم أقاربك وهم أولى الناس ببرك فكونك تترك المال لهم وتترك المال جزيلا يقتسمونه فيما بينهم على قسمة الله خير لك من أن توصي بشيء كثير يضر بالورثة ثم بعد ذلك يحتاجون إلى غيرهم مكن الناس ويتكففون الناس يسألون الناس بأكفهم يشحذون.

وفيه دليل على أن الصدقة على الأقارب أولى من الصدقة على الأباعد، ودلَّ على هذا نصوص كثيرة منها : قول الله تعالى : وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى بدأ بالقرابة وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ بدأ بالأقربين قبل غيرهم، الأقربون مقدمون، وكذلك قوله تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ثم قال وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ فبدأ بذي القرابة ، وغير ذلك من النصوص التي تدل على أن الأقربين أولى ، وفي الحديث : الصَّدَقَةُ عَلَى القَرِيبِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ وأيضا دل على ذلك حديث: دِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي رَقَبَةٍ، وَدِينَارٌ تَصَدَّقْتَ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ، أَعْظَمُهَا أَجْرًا الَّذِي أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ دل على أن الصدقة على القريب والأهل والأولاد أولى من غيرهم لأن نفقتهم عليه واجبة، الإنسان ينفقوا على أهله وأولاده واجب ، وما زاد على ذلك ينفقه على سبل الخيرات وعلى الأباعد ، أما أن ينفق ويتصدق على الأباعد ويترك أولاده وأهله يحتاجون فهذا لا يجوز له، لأن النفقة واجبة عليهم، وأما غير الأقربين فالنفقة عليهم مستحبة .

ثم قال النبي ﷺ : وإنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إلاَّ أُجِرْتَ بِهَا، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِكَ. هذا فيه دليل على الإخلاص في العبادة وأنه لابد من الإخلاص في العبادة  وهو ابتغاء وجه ولهذا قال : وإنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إلا أجرت عليها يعني إلا أُثبت عليها ، فيه دليل على أن الإخلاص شرط في صحة الأعمال حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِكَ. يعني حتى ما تنفقه على أهلك.

فيه دليل على إن الإنسان يؤجر على النفقة على أهله والنفقة على زوجه والنفقة على أولاده، بشرط الإخلاص وهو يقصد وجه الله والدار الآخرة، وإذا أنفق الإنسان على أهله فهو مأجور ، مأجور إذا أدى الواجب لكن إذا استشعر الإخلاص فكان ثوابه أعظم فكان ثوابه ثواب آخر، وإذا غفل عن الإخلاص لكن لم يقصد رياء ولا سمعة، وإنما أدى الواجب فإذا أدى الواجب يأجره الله ويثيبه الله، لكن إذا استشعر الإخلاص واستشعر إرادة وجه الله واستشعر أنه يريد الثواب والأجر من الله كان ثوابه أعظم و أجره أكبر.

وفيه دليل على أن الإنسان يؤجر على النفقة التي ينفقها على زوجته وأولاده، حتى اللقمة التي يضعها في فم امرأته حَتَّى مَا تَضَعُهُ فِي فِي امْرَأَتِكَ. يعني في فم امرأتك    

قال بعض العلماء حتى أيضا عند المداعبة، حتى عند المداعبة إذا كان الإنسان يداعب زوجته وأخذ اللقمة ووضعها في فمها من باب المداعبة يؤجر على ذلك أخذا من هذا الحديث.  

قال يعني: سعد بن أبي وقاص:( فقلت يا رسول الله أخلف بعد أصحابي)، يعني هل أتأخر بعد أصحابي؟ ، "أخلف بعد أصحابي؟" قال: إنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ فَتَعْمَلَ عَمَلاً تَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ إلاَّ ازْدَدْت بِهِ دَرَجَةً وَرِفْعَةً يعني إذا تخلفت بأصحابك ، مخلف يعني، أأتخلف بمكة بعد أصحابي؟ المنصرفين معك إلى المدينة، يعني: أأتخلف بعد أصحابي هل يعني: تطول بي الحياة وأتخلف؟ فقال النبي ﷺ إن طالت بك وتخلفت بعد أصحابك، وطال عمرك فإنك أيا عمل تعمله تبتغي به وجه الله تزداد به درجة ورفعة، أي عمل تعمله ها عام سواء كانت عبادة : كالصلاة والصيام والزكاة والحج، أو نفقة في الجهاد في سبيل الله أو على الأقارب أو غيرهم، أو دعوة إلى الله وتبليغ لشريعة الله أو غير ذلك من الأعمال، أو الأمر بالمعروف أو نهي عن المنكر.

دل هذا على أن الإنسان إذا تعبد لله بعبادة وعمل عملا صالحا وكان قصده وجه الله والدار الآخرة فإنه يزداد بذلك درجة ورفعة، ففي هذين الموضعين اشترط النبي ﷺ الإخلاص، فالأول قال: إنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إلاَّ أُجِرْتَ بِهَا، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِكَ. هذا الإخلاص، تبتغي بها وجه الله، وفي المرة الثانية لما قال:  يا رسول الله أأخلف بعد أصحابي؟ هل أتخلف؟ هل يطول عمري؟ فقال :له إنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ فَتَعْمَلَ عَمَلاً تَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ إلاَّ ازْدَدْت بِهِ دَرَجَةً وَرِفْعَةً تبتغي به وجه الله : هذا الإخلاص.

 ثم قال النبي ﷺ: وَلَعَلَّكَ أَنْ تُخَلَّفَ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ وَيُضَرُّ بِكَ آخَرُونَ هذا فيه علم من أعلام النبوة فيه من دلائل النبوة النبي أخبر أنه يتخلف وأنه يطول عمره وأنه لا يموت في هذا المرض، فوقع كما أخبر، فدل هذا على نبوة النبي ﷺ، هذا يقول العلماء: من دلائل النبوة ومن علامات النبوة، حيث أخبر أن سيخلف ويطول عمره وينتفع به أقوام ويضر به آخرون، فكان كما أخبر النبي ﷺ ، طال عمره وشفي من مرضه وطال عمره، وانتفع به المسلمون في فتح فارس والروم ، وبالغنائم التي فتحها الله على يديه من بلاد الشرك، وضر به اخرون ماتوا على الشرك والكفر، فوقع كما أخبر حيث طال عمره، قال : حق ذلك لسعد، فكان سعد قائد حروب القادسية، كان هذا من علامات النبوة، ورزقه الله اولاد صار له أولاد بعد ذلك صار له عدد من الأولاد، لأنه لما كان في مكة كان ليس له إلا بنت ابنة واحده، ثم شفي من مرضه، ورزقه الله أولاد، وقاد حروب القادسية وفتح الله به بلاد كثير ، فمات أناس على الشرك تضرروا به وانتفع به أقوام أسلموا على يديه، وكذلك أيضا ما حصل للمسلمين من الغنائم التي فتح الله على يديه من بلاد الشرك، فوقع كما أخبر.

ففيه دليل من دلائل النبوة وعلامات من علامات النبوة، حيث أخبر بطول عمر سعد وأنه سيفتح الله على يديه البلاد وينتفع به قوم اسلموا على يديه وينتفع به السلمون بما حصل من الغنائم ويضر به آخرون ماتوا على الشرك والكفر.

ثم قال النبي ﷺ: اللَّهُمَّ أَمْضِ لأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ وَلا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ.

اللَّهُمَّ أَمْضِ لأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ هذا دعاء من النبي ﷺ أن يمضي الله لأصحابه هجرتهم ولا يردهم على أعقابهم، المؤمنون الذين هاجروا من مكة إلى المدينة، الهجرة أمرها عظيم، وهي من الأعمال العظيمة التي حصل بها رفعة عظيمة للصحابة، للمهاجرين، حتى أن المهاجرين الذين هاجروا من مكة إلى المدينة أفضل من الأنصار لأنهم تركوا ديارهم وأموالهم لله، كل واحد ترك أولاده وأهله وماله وهاجر إلى المدينة، وبقي ليس معه شيء، والأنصار تلقوا إخوانهم المهاجرين وشاطروهم أموالهم، والنبي ﷺ ربط كل واحد من المهاجرين بأخ له من الأنصار فصارت بينهم أخوة كانوا في أول الهجرة يتوارثون بها حتى أن الأنصاري يعطي إخوانه المهاجرين نصف ماله، وإذا كان له زوجتين يقول :يا أخي أتنازل لك عن إحدى زوجتيَّ ، انظر إحدى زوجتيَّ ترغب فيها  أطلقها فإذا اعتدت وخرجت من العدة تزوجها.

ومن ذلك أن عبد الرحمن بن عوف  آخا النبي ﷺ، بينه وبين سعد بن الربيع فقال له أخوه سعد بن الربيع الأنصاري : يا أخي ، أنت أخي الآن، ربط النبي ﷺ بيني وبينك أخوة، أرثك وترثني، سأعطيك نصف مالي أقسمه بيني وبينك، ولي زوجتان انظر أيهما تعجبك أطلقها فإذا اعتدت تزوجها .

فقال عبد الرحمن بن عوف : بارك الله لك في أهلك ومالك ، لا أريد أهلك يبقون معك ومالك لا أريد دلوني السوق؛ -غريب ما يعرف المدينة-، أين السوق؟ فدلوه للسوق، فجعل يبيع ويشتري ويتابع الغدو حتى رزقه الله مالا ثم تزوج، ولقيه النبي ﷺ  وعليه أثر صفرة فقال له ميهم؟ قال :  تزوجت  امرأة من الأنصار، فقال: ما أصدقتها ؟ قال :وزن نواة من ذهب، ثم جعل يتابع الغدو حتى صار من الأغنياء الكبار فجعل ينفق أمواله في سبيل الله .

فالنبي ﷺ يدعو للمهاجرين بأن يتموا الله لهم هجرتهم ولا يردوا على أعقابهم .

فكان الواحد من الصحابة إذا حج أو اعتمر ما يبقى أكثر من ثلاثة أيام بعد الحج، رخص النبي ﷺ للمهاجري أن يبقى بعد الصدر من الحج ثلاثة أيام فقط، ثم يذهب إلى لمدينة ولا يبقى فيها أكثر من ثلاثة أيام ، لماذا؟ لأنه ترك مكة لله .. هاجر فلا يبقى فيها، فلا يريد البلد التي تركها لله لا يريد أن يبقى فيها، حتى أنه بعض الصحابة يشق عليهم أن يبقى فيها.

ومن ذلك سعد بن خولة، سعد بن خولة مرض ومات بمكة فتألم وشقَّ عليه ذلك، ورثى له النبي ﷺ وتوجع له ، حيث أنه مات في البلد الذي هاجر منها. ولهذا قال في الحديث: لَكِنِ الْبَائِسُ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ يَرْثِي لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ مَاتَ بِمَكَّةَ. يتوجع، يرثي له النبي ﷺ ويتوجع ويرق له، لكونه مات  بمكة وقد تركها لله، ولم يمت بمهاجره بالمدينة فكان هذا يشق عليه ، والصحابة كان يشق عليهم البقاء في مكة، لهذا دعا لهم النبي ﷺ فقال: اللَّهُمَّ أَمْضِ لأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ اجعلها تمضي تستمر وَلا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ. فيرجعون إلى البلد التي تركوها لله، لَكِنِ الْبَائِسُ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ رثى له النبي ﷺ وتوجع له حيث مات بمكة في البلد التي هاجر منها.

والحديث فيه -كما سبق- من الفوائد: مشروعية عيادة المريض، ومشروعية لإمام وللعلماء والأعيان فإن النبي ﷺ خير الناس وأفضل الناس وهو إمام المسلمين وإمام المتقين ومع ذلك زار سعد بن أبي وقاص لما مرض ، دلّ على مشروعية زيارة المريض للأكابر وللإمام ولغيرهم.

وفيه أن الإنسان إذا قال أنا مريض ولا يريد الشكوى ، فلا بأس بذلك ، إذا سئل عن حاله سأله الطبيب عن حاله قال أنا مريض أو سئل عن حاله وجعل يخبر أصحابه يقول أنا أحس بكذا بوجع بكذا، من باب الإخبار لا من باب الشكوى، هذا لا حرج فيه .

ولهذا قال الشاعر:

ولا بُدَّ من شَكْوَى إِلى ذي مُروءَة يُوَاسِيكَ أَوْ يُسْلِيكَ أو يَتَوَجَّع

فإذا أخبرت عن حالك وقلت أنا أحس بكذا أو أخبرت الطبيب، أو أخبرت بعض أولادك أو بعض اخوانك الذين يزورونك أحس بكذا وأنت لا تريد الشكوى وإنما تريد الإخبار من باب الإخبار، أو حتى يخبروك بدواء أو بعلاج أو يخبروك بما ينفعك، أو من باب الخبر تخبرهم لما سألوك، فهذا لا حرج، أما كون الإنسان يتشكى يشكو ربه فهذا لا يجوز، هذا لا يجوز للإنسان يشكو ربه، ولا يتألم ويتضجر، أنا كذا انا مريض أنا لماذا مرضت، لماذا الناس ما مرضوا ، هذا شكوى، يشكو ربه، لا يجوز له هذا، ينبغي للإنسان أن يحتسب، ويعلم أن الله تعالى أن ربه حكيم عليم، وأنه ابتلاه بالمرض ليكفر عن سيئاته ويرفع درجاته، كما جاء في الحديث: إِنَّ الحُمَّى تَحَطُّ خَطَايَا المَرِيضِ كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا. وفي الحديث : مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى، شوْكَةٌ فَمَا فوْقَهَا إلاَّ كَفَّر اللَّه بهَا مِن خَطَايَاهُ.

فلا ينبغي للإنسان أن يتشكى وأن يشكو ربه وأن يتضجر وأن يتألم ، لكن إذا كان هذا من باب الإخبار لا من باب الشكوى، إذا اخوانه سألوه أو اخوانه سألوه ، أو الطبيب سأله، فلا باس، أما أن يتضجر ويتشكى فلا.

ولهذا لما قيل للإمام أحمد لما مرض أن الأنين من الشكوى أمسك الإمام أحمد عن الأنين، والصواب أن الأنين ليس من الشكوى لكن  من ورع الإمام أحمد لما قيل له أن الأنين من الشكوى أمسك عن الأنين فجعل لا يئن . أ.أ.أ.أ.) أنين هذا أنين، هل الأنين من الشكوى؟ لا ليس من الشكوى، ولكن من باب الورع، هذا كون الإنسان يئن وكذلك كون الإنسان يخبر.

ويدل على ذلك كون الإنسان يخبر بما يجد أنه ليس من الشكوى، أن عائشة رضي الله عنها لما قالت وارأساه فقال النبي بَلْ أَنَا وَارَأْسَاهْ. "وارأساه" هذا من باب الإخبار، وارأساه يعني : يخبر عما في رأسه من الألم.

وفيه دليل على أن المريض له أن يوصي أو المسلم له أن يوصي بالثلث فأقل، أما في الحياة له أن يتصدق بماله لو تصدق بماله كله لا بأس، إذا كان له مكسب يكسبه يومي لأولاده، أما إذا لم يكن له مكسب فلا يجوز له يتصدق بماله ويترك أولاده يحتاجون لكن ما زاد عن حاجته وتصدق به، لو وَقَفَ وَقْفا في حياته لا بأس، يوقف بيت أو بيتين أو أراضي، ولو كانت أكثر من الثلث ينفذها في الحياة، لا باس في زمن الصحة، لكن إذا كان في مرض الموت ليس له أن يتصدق وليس له أن ينفق اكثر من الثلث، وكذلك لو كان أوصى بعد  موته ليس له أن يوصي بأكثر من الثلث، أما في زمن الحياة وفي زمن الصحة، له أن يتصدق له أن ينفق له أن يحسن له أن يتبرع ولو بأكثر من الثلث مادام في حال صحته، وينفذ في حالة صحته وفي حال حياته، لكن الشيء الذي يوصي به بعد موته لا يجوز أن أكثر من الثلث، وكذلك إذا مرض مرض الموت وخاف من الموت ليس له أن يتصدق ولا ينفق بأكثر من الثلث.

ملاحظة: (29:48) هنا جزء من المادة الصوتية محذوف.. ولهذا جرى التنبيه.

وفيه دليل على أن الإنفاق والأعمال الصالحة مشروط قبولها بصحة النية، لقوله: وإنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ أنه لابد من الإخلاص في العمل في النفقة والأعمال.

واستنبط بعض العلماء من هذا الحديث : عدم مشروعية نقل الميت من بلد إلى بلد ، لأن سعد ابن خولة لما مات في مكة ما أمر النبي ﷺ نقله إلى المدينة البلد التي هاجر فيها فدل على أنه لا ينقل ، وإذا أوصى الميت بأن ينقل فلا تنفذ الوصية لا يجب تنفيذها إذا كان في بلد الإسلام، أما إذا كان في بلد غير بلد الإسلام فلا بأس، لكن إذا كان في بلد الإسلام وأوصى أن ينقل من بلد إلى بلد والبلد الذي مات فيها بلد الإسلام فلا يجب تنفيذها لما فيه من المشقة ولا حاجة إلى نقلها، والميت مرهون بعمله في أي مكان.

وفيه تعظيم أمر الهجرة وأن أمرها عظيم.

وفي الحث على صلة الأرحام والإحسان إلى الأقارب والشفقة على الورثة ، لقوله إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ ورَثَتَكَ أَغنياءَ خيرٌ منْ أَنْ تَذَرَهمْ عالَةً يَتَكَفَّفونَ النَّاسَ.

وفيه أن صلة الأقارب أفضل من الأباعد، وفيه معجزة النبي ﷺ، العلامة من علامات نبوته حيث أخبر بطول عمر سعد ، وأنه سينتفع به أقوام ويضر به آخرون.

(المتن)

302 - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: لَوْ أَنَّ النَّاسَ غَضُّوا مِنْ الثُّلُثِ إلَى الرُّبْعِ؟ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ.

(الشرح)

هذا الحديث من كلام ابن عباس من تفقه في النص قال : لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع : يعني (في وصاياهم )، لو أن الموصي إذا يوصي نقص من الثلث إلى الربع كان عندي أفضل واستدل بقول النبي ﷺ :الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ.

فاستنبط ابن عباس من فقه وتفقهه في النص أن الأفضل أن تنقص الوصية عن الثلث، فتكون ربع ، من أين أخذ هذا ابن عباس من قول النبي ﷺ: الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ. فقوله : وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ. قال ابن عباس: هذا يدل على أن الأفضل أقل من الثلث ،فيقول ابن عباس: "لو أن الناس غضوا" يعني : لو أن الناس حينما يوصون في وصاياهم، (لو أن الناس غضوا ونقصوا من الثلث إلى الربع في وصاياهم كان أولى) .

قال العلماء: إذا كان المال جزيل وكثير فنبغي للإنسان أن يغض أيضا من الثلث إلى الربع .

كان بعض السلف كالصديق وغيره وبعضهم أوصى بالسدس وبعض السلف أوصى بالخمس ولكن لا بأس بالوصية بالثلث ، الثلث جائز .

ولكن استنبط ابن عباس أنه من الأفضل أن يكون أقل من الثلث تكون الوصية أقل من الثلث حتى يترك المال للورثة يستفيدون، والورثة هم أقاربه وأولى ببره من الأباعد .

في هذا الحديث استحباب في نقص الوصية من الثلث إلى الربع .

(المتن)

بابُ الفَرَائِضِ

303 - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ.
وَفِي رِوَايَةٍ: اقْسِمُوا الْمَالَ بَيْنَ أَهْلِ الْفَرَائِضِ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ، فَمَا تَرَكَتْ فَلأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ.

(الشرح)

الفرائض : جمع فريضة بمعنى: مفروضة فعيلة: بمعنى مفعولة، مأخوذة من الفرض، والفرض هو القطع في اللغة ، الفرض هو القطع يطلق على معاني : منها: الحز والقطع ويطلق على التقدير.  

والفريضة شرعا: نصيب مقدر شرعا لوارث مخصوص . هذه الفريضة.

وفي اللغة الفرائض: جمع فريضة بمعنى: مفروضة مأخوذ من الفرض وهو القطع، وفي اللغة يطلق الفرض على معاني، ومنها الحز ومنها القطع ومنها التقدير.

وشرعا: نصيب مقدر شرعا لوارث مخصوص

مثل الربع يكون للزوج إذا كانت الزوجة لها أولاد، ويكون لزوجه إذا كان لم يكن لزوجها أولاد، والنصف يكون لزوج إذا ماتت زوجته وليس لها أولاد، فرع وارث، والثمن يكون لزوجة إذا كان له أولاد، هذا نصيب مقدر شرعا، والثلث يكون للإخوة للأم وللأم في حالات ، والسدس له يكون للأب ويكون للجد في حالات ،فهذه أنصبة مقدرة شرعا .

هو نصيب مقدر شرعا لوارث مخصوص. هذا الفرض.

وقوله : فَلأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ. يعني أقرب، أَوْلَى بمعنى : أقرب رجل لك، مأخوذ من الولي وهو القرب.

ومعنى الحديث قوله: أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ. فسر بالكلام الذي يأتي بعدها قال: اقسموا المال بين أهل الفرائض على كتاب الله، المعنى:  اقسموا المال بين أهل الفرائض على كتاب الله، فما تركت الفرائض فلأولى رجل ذكر، يعني يقسموا المال على أهل الفروض، فما بقي بعد الفروض فيكون للعصبة، لأقرب عصبة، وما بقي من المال بعد أصحاب الفروض يصرف إلى أقرب رجل،  ودل الحديث على أن الفرائض تقسم الفرائض وتكون بالبداءة لأهل الفرائض وما بقي بعد ذلك يكون للعصبة.

فمثلا :إذا توفيت امرأة عن زوج وابن ، زوجها من الفرائض : الزوج له الربع والباقي للابن ، لأنه أقرب رجل ذكر ، فإن لم يكن ابن وكان هناك أخ أيضا يأخذ المال لأنه أقرب، فإن لم يكون ابن ولا أخ ووجد عم كذلك يكون له العصبة، فإن ما وجد عم ووجد ابن عم يكون هو أيضا من العصبة فإن ما وجد ابن عم ووجد ابن ابن ابن عم يكون من العصبة أيضا.

وكذلك أيضا الأب من العصبة إذا وجد للميت أبناء يرث السدس والباقي للابن، فإن كانت بنت فتأخذ نصيبها والجد يأخذ نصيبه والأب يأخذ نصيبه، ثم الباقي يكون للأب يعصب

وهكذا، كذلك الجد يرث المال إذا عدم الأب والأخ كذلك أيضا مقدم على العم وابن العم ، ولا يشترط في العاصب أن يكون بالغا، العاصب الأبن أو الأخ أو العم  أو غيره حتى ولو كان في المهد يرث بل حتى الحمل في البطن يترك له،يترك له الحظ من إرث ذكرين أو أنثيين .

فالحديث دل على أنه إذا مات الميت فإنه يقسم المال بين أهل الفرائض، الذي له فريضة مثل الزوج من الفرائض الزوجة من الفرائض البنت من الفرائض إذا لم يكن معها أخ ، وبنت البنت كذلك، الأخت الشقيقة إذا لم يكن معها لها معصب وكذلك الأخت لأب والأب والجد مع الأبناء يكونوا من أصحاب الفروض، وهكذا، فأصحاب الفروض مقدمون، يعطى أصحاب الفروض حقهم فإن بقي شيء فيكون لأقرب رجل ذكر أقرب عاصب، فإن لم يبق شيء سقط العاصب، يبدأ بأهل الفروض، أحيانا تنتهي  تنتهي المسألة مثلا لا يبقى شيء،

أو قال أحيانا تعود المسألة فإذا ماتت امرأة عن زوجها وأختيها الشقيقتين وعم وليس لها أولاد : يكون الزوج له النصف والأختان الشقيقتان لهما الثلثان والعم يسقط ليس له شيء انتهت. بل زادت الأنصبة ثلثان ونصف ما بقى شيء فالعاصب إذا لم يبق شيء يسقط  لكن هناك بعض الأعصبة لا يسقطون المقدرة الأب لا يمكن أن يسقط بحال والابن هؤلاء لا يسقطون.

فالحديث دل على أنه إذا مات الميت يقسم المال على أصحاب الفروض  على كتاب الله والفروض المقدرة على كتاب الله هي: النصف والربع والثمن والثلثان والثلث والسدس، هذه الأنصبة المقدرة في كتاب الله، ستة: النصف ونصفه ونصف نصفه، النصف ونصفه الربع ونصف نصفه الثمن ، والثلثان ونصفهما ونصف نصفهما، الثلثان والثلث والسدس، النصف والربع والثمن، والثلثان والثلث والسدس .

وهناك فرض اجتهد فيه عمر ثبت في الاجتهاد وهما ثلث الباقي في العمريتين وهما زوج وأم وأب ، أو زوجة وأم وأب .

اجتهد عمر وأعطى الأم ثلث الباقي حتى لا ترث أكثر من الأب .

وهذا يكون إنما عند دراسة الفرائض توسع في هذا.

فالحديث دل على أنه يُبدأ بأهل الفروض ويعطون حقوقهم ويقسم المال بينهم على كتاب الله فإن بقي شيء فيكون لأقرب رجل ذكر فالابن أقرب من ابن الابن، فإذا وجد الابن وابن الابن فيكون لابن الابن  المال للعاصب، وإذا فقد الابن يكون لابن الابن، وابن الابن يكون مقدم على الأخ، والأخ مقدم على ابن الأخ ، أولى أقرب منه، وابن الأخ مقدم على العم ، والعم الشقيق مقدم على العم لأب، والعم مقدم على ابن العم، وابن العم الشقيق مقدم على ابن العم لأب، وهكذا.

فتلحق الفروض ويقسم ما بينهم، فما بقي يكون لأقرب رجل ذكر.

قوله: أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لأَوْلَى يعني: أقرب رَجُلٍ ذَكَرٍ.

(المتن)

304 - عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنهما قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَنْزِلُ غَداً فِي دَارِكَ بِمَكَّةَ؟ قَالَ: وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رِبَاعٍ؟ ثُمَّ قَالَ: لا يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ وَلا الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ.

(الشرح )

هذا حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما مولى النبي ﷺ ، وزيد هو مولى النبي ﷺ وحبه ، وأسامة ابن حبه .

قال : قلت يا رسول الله - وهذا في حجة الوداع - أتنزل غدا في دارك بمكة ؟ لما فتحت مكة، فقال : وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رِبَاعٍ أَو دُورٍ؟ ثم قال لا يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ وَلا الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ. الرباع: جمع ربع وهو منزل المشتمل على مساكن ، وقوله : وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رِبَاعٍ؟أن عم النبي ﷺ أبا طالب مات على الشرك كما هو معلوم ودعاه النبي ﷺ لما اشتد به مرضه، كان يدافع عن النبي ﷺ ودعاه فقال: أَيْ عَمِّ، قُلْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ وكان عنده عبدالله بن أبي وأبو جهل قرناء السوء ، فذكراه الحجة الملعونة قالوا له:  أترغب عن ملة أبيك عبد المطلب ؟ عيب عليك عيب عليك تترك ملة أبيك فأعاد عليه النبي ﷺ وأعاد عليه ، فكان آخر ما قال: أنه على ملة عبد المطلب ، فمات على الشرك .

ولما مات على الشرك وكان له أربعة أولاد : علي وجعفر مسلمين ، وعقيل وطالب ماتا على الشرك ، من الذي ورثه ؟ ورثه عقيل وطالب لأنه مات على الشرك فلا يرثه المسلمون ، والنبي ﷺ قال: لا يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ وَلا الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ. فوارثاه ابناه الكافران، منهما : عقيل وطالب، ولم يرثه علي وجعفر، فلهذا لما قال أسامة للنبي ﷺ: هل تنزل غدا في دارك بمكة يا رسول الله؟ قال: ما ترك لنا عقيل من رباع، عقيل وطالب يرثوا أبا طالب ، ما تركوا لنا شيء، ورثوا أبا طالب لأنهم على دينه فورثاه فليس لنا شيء، فليس لنا من رباع أو دور، الدور والرباع ورثاها من ؟ عقيل وطالب ثم قال النبي ﷺ : لا يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ وَلا الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ. فلا يرث علي وجعفر أباهما لأنه كافر وهما مسلمين، والمسلم ما يرث كافر ولا الكافر مسلم، هذا من أحكام الفرائض أنه لا توارث بين المسلمين والكفار، فلا يرث المسلم الكافر ولا الكافر مسلم، المسلم يرث مسلم والكافر يرث الكافر.

وهل الكفر ملة واحدة أو ملل، فيتوارث اليهود والنصارى أو لا يتوارثون؟! على خلاف بين أهل العلم، من العلماء من قال لا يتوارثون ، واستدلوا بحديث لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ، وقيل الكفر ملة واحدة فيتوارثون.

وقوله: أتنزل غداً في دارك بمكة ؟ قوله : " دارك" أضاف الدار إليه، استدل به بعض العلماء على أن دور مكة تباع وتورث وتوهب، وهو مذهب الشافعي -رحمه الله- ، استدلوا من بهذا الحديث على أن مكة، وقوله أن مكة فتحت صلحا، فلذلك أجاز الشافعي بيع دور مكة وإجارتها ورهنها وهبتها والوصية بها وسائر التصرفات لأنها فتحت صلحا .

وذهب آخرون من أهل العلم كالإمام أحمد إلى أن مكة فتحت عنوة بالقوة ، وهذا هو الصواب ، النبي ﷺ دخل بالقوة وفتح بالقوة، وقال: مَنْ دَخَلَ دَارًا فَهُوَ آمِنٌ، ومَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، ولما أراد بعضهم أن يقف في وجوه المؤمنين قال النبي ﷺ : اُحْصُدُوهُمْ حَصْدًا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الصَّفَا، كل من وقف في وجههم يحصد يقتل، من لم يستسلم ، من استسلم ودخل داره ودخل دار أبي سفيان، ومن وقف وعارض فإنه يقتل، لأنه فتح مكة.

ولهذا ذهب بعض العلماء  على أن دور مكة لا تباع ولا تؤجر ولا توهب، وقالوا إنها تبقى سوائد، كانت على عهد عمر تسمى سوائد  من احتاج نزل ومن لم يحتج فلا ينزل ، وتوسط أخر من أهل العلم وقالوا: تؤجر بيوت مكة ولا تباع .

والمسألة في خلاف بين أهل العلم، وهو مبني هل مكة فتحت صلحا أو فتحت عنوة، فمن قال فتحت عنوه قال لا تباع، ومنهم  قال: أن النبي ﷺ ، وإن فتحتها عنوة إلا أنه ترك بيوتهم لأهلها، فالمسألة فيها خلاف طويل خلاف قوي بين أهل العلم، وأشكل على بعضها لعل في هذا التصرف في بيوت مكة .

ومن ذلك كان الشيخ محمد بن عثيمين -رحمه الله- أشكل عليه الأمر في هذا قال إن المسألة فيها اشكال عندي، وذكر خلاف أهل العلم، ومنهم الشافعي يقول يجوز  التصرف فيها بيعها ،واجارتها ورهنا وجميع التصرفات كما هو الواقع في الحال لأنها فتحت صلحا ،  و آخرون من أهل العلم قالوا لا يجوز بيعها ولا رهنها لأنها وقف، وقف للمسلمين كلهم ،ولا ينبغي أن تكون فيها أبواب وتكون عامة للمسلمين، وتوسط آخرون فقالوا: يجوز اجارتها ولا يجوز بيعها.

والشيخ محمد بن عثيمين -يرحمه الله-  قال: أنا متوقف في هذا وعندي اشكال  والأولى لأصحاب الأموال الذين عندهم أموال أن يشتروا أموال وعقارات في غير مكة، لأن فيها عين اشكال ، -رحمه الله-.

المقصود أن المسألة فيها خلاف ، والعمل الآن على مذهب الشافعي. كما ترون الآن ، بيوت مكة تباع وتؤجر يعمل بها جميع التصرفات، لأن الشافعي يرى أنها فتحت صلحا لكن الصواب أنها فتحت عنوة، هل وقفها النبي ﷺ أو تركها لأهلها؟ ، فلهذا استنبط بعض العلماء من قوله: "دارك": أضاف الدار  إلى مكة ولم يقل ليس لي دار، قال أخذها عقيل، قوله دارك وأقره النبي ﷺ على قوله "دارك" فدل على جواز بيع دور مكة ورباعها واجارتها ورهنها والوصية بها وجميع التصرفات،

والحكم الثاني دل الحديث على أنه لا توارث بين المسلمين الكفار، لقوله: لا يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ وَلا الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ.، وإنما يكون التوارث بين المسلمين والتوارث بين الكفار.

(المتن)

305 - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْوَلاءِ وَعَنْ هِبَتِهِ .

(الشرح)

حديث ابن عمر نهى النبي ﷺ عن بيع الولاء وهبته .

 الولاء في اللغة : العصوبة ، وشرعا : عصوبة سببها نعمة المعتق على رقيقه بالعتق .

وهو حق يثبت بهذا الوصف.

 الولاء عصوبة في اللغة: العصوبة، وشرعا: عصوبة سببها نعمة المعتق على رقيقه بالعتق.

 فإذا أعتق شخص عبدا له أو مولاً له أو أمة ، صار الولاء له.

وما هو الولاء ؟ عصوبة ، صار ينسب إليه، والولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع  ولا يوهب ولا يورث .

كما أن هل الإنسان يستطيع أن يبيع نسبه ؟ ما يستطيع ، ما يستطيع الإنسان يبيع نسبه، ولا ينتقل كونه من بني تميم إلى أن يكون من مزينه أو يكون من كذا أو يكون من سبيع ،لا. ولا ينتسب لغير آبائه وأجداده، بل هذا من الكبائر، كذلك العبد إذا أعتقه سيده لا ينتسب إلى غيره، بل الولاء يكون له والعصوبة تكون له، ولا يمكن أن نبيع العصوبة، هل العصوبة يتوارث بها؟ يرثها السيد فإذا مات عبد إذا كان له أولاد يكون الإرث لأولاده، إذا كان له أب يكون الإرث لأبيه، إذا كان له أخ يكون لأخيه، إذا كان له أعمام يكون لهم، إذا لم يكن له أبناء ولا أباء ولا أعمام ولا أبناء اعمام من الذي يرثه؟ سيده، بماذا ورثه سيده؟ بالولاء، لأنه أعتقه بالعصوبة هذه ، ورثه بها، وإذا مات سيده ، ورثه أقارب السيد، ابن السيد سيده الذي أعتقه يرثه بهذه العصوبة.

إذا الولاء في معناه في اللغة: العصوبة ، وشرعا: عصوبة سببها نعمة المعتق على رقيقه بالعتق.

فهل الولاء يباع؟ هل يستطيع الإنسان يبيع الولاء؟ أنا أعتقت العبد هذا اعتقته ، لكن أريد أبيع ولائي على شخص على " زيد" ما يجوز ما يباع ، لماذا؟ هذه عصوبة وصف أنت الذي اتصفت بهذا الوصف وهو العتق، فلا يمكن أن تبيع هذا الوصف، الوصف لازم لك، كما أنه لا تبيع نسبك فلا تبع الولاء.

ولهذا في حديث ابن عمر قال: نهى النبي ﷺ عن بيع الولاء وهبته، الولاء لا يباع ولا يوهب لكن يورث، مثلا يرثه أبناؤه ممكن يحلون محله  السيد ، يرثون العبد، نهى النبي ﷺ عن بيع الولاء وهبته.

الحديث فيه دليل على أن الولاء لا يورث وإنما يورث به.

وفيه دليل على أن الولاء كالنسب لحمته كلحمة النسب ، لا يباع ولا يوهب ، ولهذا: نهى النبي ﷺ عن بيع الولاء ، والنهي للتحريم، ومعناه أنه حرم بيع الولاء وهبته.

(المتن)

306 - عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَتْ فِي بَرِيرَةَ ثَلاثُ سُنَنٍ خُيِّرَتْ عَلَى زَوْجِهَا حِينَ عَتَقَتْ، وَأُهْدِيَ لَهَا لَحْمٌ، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَالْبُرْمَةُ عَلَى النَّارِ، فَدَعَا بِطَعَامٍ فَأُتِيَ بِخُبْزٍ وَأُدْمٍ مِنْ أُدْمِ الْبَيْتِ فَقَالَ: أَلَمْ أَرَ الْبُرْمَةَ عَلَى النَّارِ فِيهَا لَحْمٌ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، ذَلِكَ لَحْمٌ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ فَكَرِهْنَا أَنْ نُطْعِمَكَ مِنْهُ، فَقَالَ: هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ وَهُوَ مِنْهَا لَنَا هَدِيَّةٌ، وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ فِيهَا: إنَّمَا الْوَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ.

(الشرح )

هذا الحديث حديث عائشة في بريرة هذه أمة أعتقتها عائشة رضي الله عنها، وبريرة هذه كانت أمة لقوم من الأنصار واشترت نفسها من أسيادها، اشترت نفسها  على تسع أواق كل سنة تدفع أوقية، والأوقية أربعون درهما منجمة على تسع سنوات.

وهذا فيه دليل على أن العبد له أن يشتري نفسه من سيده، أو الأمة، كيف يشتري نفسه من سيده ؟ يتفق مع سيده على أنه يشتري نفسه بكذا مبلغ من النقود ومن الدراهم ومن الفضة ، والسيد يخلي بينه وبين العمل يعمل ويشتغل، يدفع له الأقساط ، فإذا تم دفع الأقساط تحرر ، هذه تسمى كتابة .

والله تعالى يقول : وَأَنكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ۚ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ۝ وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۗ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا. فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا.، أمر بالكتابة هذا إذا كان العبد يستطيع، يستطيع يخير بين أمرين ، أما إذا كان لا يستطيع فكان يضيع أو لا يستطيع فلا ينبغي لسيد أن يكاتبه، لقوله تعالى: فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا. إن كان عاجز أو ضعيف ما يستطيع ما...............

فبريرة هذه أمة اشترت نفسها من أسيادها بتسع أواق منجمة على تسع سنوات، كل سنة تدفع قسط، فجاءت إلى عائشة رضي الله عنها، فقالت يا أم المؤمنين أعينيني، أنا مدينة لأهلي اشتريت نفسي، فقالت عائشة رضي الله عنها اذهبي إلى أهلك وقولي لهم إن شاءوا أصبها لهم صبا، فذلك الوقت كان عندها دراهم، كانت عائشة رضي الله عنها أحيانا ما يكون عندها دراهم، أحيانا كما في الحديث: أتت امرأة تسألها فلم تجد فيها إلا تمرة ، تمرة قسمتها بين ابنتيها، وبعض الأحيان يكون عندها مال يأتيها مال وتوزعه وتصدقه، وتتصدق به ، كانت رضي الله عنها كريمة، أتها مال جزيل فوزعته في الحال، وكانت صائمة ولم تترك شيئا للإفطار، فقالت مولاة لها : يا أم المؤمنين ما بقي شيء لإفطار، قالت لو ذكرتني أبقيت، ما ذكرتني، فتصدقت به ولم تبقي شيء للإفطار، في هذه الحال عندها الثمن، قالت : إن شاء أهلك صبيتها لهم صبا، ويكون الولاء لي أنا السيدة، فقال  أهلها: لا ، قولي  لعائشة إن كانت تريد أن تشتريك لوجه الله والولاء لنا وإلا فلا ، لا نريد، الولاء نريد يكون لنا ، فالنبي ﷺ قال لهم خُذِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الوَلاَءَ، فالشرط باطل ، الولاء لك الولاء لمن أعتق،

ملاحظة هنا قطع الشيخ الدرس للصلاة، ثم عاد إلى الدرس فحمد الله وشكر وأثنى وصلى وسلم على نبينا محمد عليه أضل الصلاة والسلام.. وأكمل الشرح..

اكمال الشيخ لشرح الحديث:

قلنا إن بريرة هذه أمة وأنها اشترت نفسها من أسيادها، وكاتبتهم على تسع أواق، اتفقت معهم على تسع أواق من الفضة منجمة على تسع سنين في كل سنة تدفع أوقية، والكتابة معلومة في الشرع، وهو أن العبد له أن يكاتب سيده ، وله أن سيده يكاتبه إذا كان له القدرة على الكسب، فإنه يمكنه من الكسب ويعمل ويسلم ما اتفق معه عليه من المال، ثم بعد ذلك إذا سلم ما عليه تحرر، يعني: يكاتب العبد مثلا سيده على خمسة الاف ستة الاف سبعة الاف عشرة الاف منجمة، في كل شهر نجم أو في كل سنة نجم، على حسب ما يتفقون عليه، ثم يمكنه سيده من العمل فيعمل فيؤدي النجوم التي عليه، وإذا أدى النجوم التي عليه فإنه يكون حرا.

قال الله وَأَنكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ۚ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ وقال سبحانه: فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا فكاتبوهم ، وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا  وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الذين يريدون المكاتبة، يعني شراء أنفسهم، فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا، إذا كان عنده استطاعة وقدرة على الكسب فلا بأس، أما إذا كان ما يستطيع ويضيع وتحرر فالأولى أن يبقى عند سيده.

 فهذه بريرة مولاة أمة أناس من الأنصار اشترت نفسها وكاتبت أسيادها على تسع أواق من الفضة منجمة على تسع سنين، كل سنة تدفع أوقية، فلما كاتبتهم جاءت إلى أم المؤمنين رضي الله عنها، تستعينها فكتابتها ، فقالت: يا أم المؤمنين أعينيني فإني كاتبت أهلي على تسع أواق من الفضة، وعائشة رضي الله عنها قالت لها: إن شاء أهلك أن أصبها لهم صبا ويكون ولاؤك لي، يعني: استأذني أهلك إن أرادوا أن يكون الولاء لي فإني اشتريك وأصبها صبا التسع أواق في الحال، وهذا يدل على أن عائشة كان عندها مال، في هذا الوقت، يعني قد يكون في عندها مال ، وفي بعض الأحيان ما يكون عندها شيء، في بعض الأحين يأتي السائل ولا تجد ما تعطيه، جاءتها امرأة تشحذ معها ابنتان فلم تجد إلا تمرة واحدة، في بيت النبي ﷺ، وكانت مريضة رضي الله عنها في ذلك الوقت، فجاءها مال تنفقه، يأتيها المال الجزيل فتنفقه في الحال، ولا تبقي شيئا، وجاءها مرة مال فأنفقته في الحال ، وهي كانت صائمة، فقالت مولاتها: يا أم المؤمنين ما تركت لنا شيئا نفطر به مابقي شيء للإفطار، فقالت لو ذكرتيني لأبقيت، فأنفقت ما عندها ولم تبقي شيئا للإفطار، وفي هذه المرة كان عندها شيء ، عندها نقود، فقالت : إن شاء أهلك أصبها لهم صبا، يعني أسلمها غي الحال تسع أواق وتكوني عتيقة لي، ويكون الولاء لي.

والولاء سبق أن بيناه قلنا هو : العصوبة، وشرعا : عصوبة سببها نعمة المعتق على رقيقه بالعتق، الولاء يكون للمعتق، فإذا أعتق الإنسان عبد أو أمة صار ولاءه له، بمعنى أنه ينسب إليه ، يقال عتيق فلان، وكذلك أيضا يرثه إذا لم يكن له أقارب، فالعبد إذا مات وله أولاد يكون إرثه لأولاده، وكذلك لو كان له أب أو جد أو زوجة، يكون إرثه لهم، وكذلك إذا لم يكن له أخ يكون لأخوته وأبماء أخوته، وأعمامه وابن أعمامه، فإذا مات عبد وليس له أجدا ولا أباء ولا أمهات ولا أبناء ولا بنات ولا زوجه ولا أعمام ولا أبناء عم من يرثه؟ سيده الذي أعتقه، يرثه بأي شيء ؟ يرثه بالولاء ، فإن لم يكن سيده موجود يرثه أبناء سيده، وهكذا.

فالولاء لا يباع ولا يوهب ولا يورث كما سبق في الحديث السابق ، أن النبي ﷺ نهى عن بيع الولاء وهبته، لا يستطيع الإنسان أن يبيع الولاء، ولا ينتقل الولاء، إلا إذا اشترى شخص عبد فإن الولاء يكون له، ولا يقول يا فلان أن أريد أن أبيعك ولائي، أبيع ولائي على فلان أو أهبه، ما يباع، مثل النسب كما أن النسب لا يباع فالولاء لا يباع، هل يستطيع الإنسان ينتسب إلى غير آبائه وأجداده، يكون من بني تميم ثم ينتقل إلى مزينة أو إلى سبيع ، لا  ، ما ينتقل، النسب ما يباع ولا ينتقل الإنسان من نسبه إلى نسب غيره، كذلك الولاء، ما يباع ولا يوهب، من أعتق فله الولاء ولا يستطيع أن يبيع هذا الولاء على غيره ولا أن يهبه ، يبقى، فلما قالت عائشة رضي الله عنها لبريرة: قولي لأهلك إن أرادوا أصبها لهم صبا ويكون الولاء لي فعلت، فقالت لهم فقالوا : لا إن كانت عائشة تشتريك لوجه الله وتحتسب لوجه الله ويكون ولاؤك لنا وإلا فلا، نحن نريد أن يكون لنا الولاء، النبي ﷺ أبطل هذا الشرط قال اشْتَرِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلَاءَ، فَإِنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ.

كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، فهذا الشرط يبطل لأن الولاء لا يكون إلا للمعتق، وإذا اشترتها عائشة رضي الله عنها وأعتقتها صار الولاء لها، حتى لو أشترط أسيادهم السابقون الولاء  لا يكون لهم الولاء، يصح البيع ويبطل الشرط. خذيها واشترطي عليهم الولاء لأنه لا يكون لهم الولاء، لأن الولاء لا يكون إلا للمعتق، واعتقتها فصار ولاءها لها.

وهذا الحديث حديث بريرة فيه فوائد عظيمة ، استنبط بعض العلماء منه أكثر من مئة فائدة، وعائشة رضي الله عنها تقول في هذا الحديث: كانت في بريرة ثلاث سنن ثلاث أحكام، ذكرت ثلاث أحكام في بريرة.

كان في بريرة ثلاث سنن، ما هي السنن؟ الأحكام يعني:

الحكم الأول : خيرت على زوجها حين عتقت، هذا الحكم الأول: أن الأمة إذا أعتقت وزوجها عبد فلها أن تخير إن شاءت بقيت معه وإن شاءت فسخت نفسها لأنها صارت حرة ، وهو عبد صارت أعلى منه، فالنبي ﷺ خيرها وزوجها عبد اسمه مغيث ، فخيرها النبي ﷺ قال: إِن شِئتِ يَا بَرِيرَةَ تَبقَينَ مَعَ زَوجِكِ وَإِن شِئتِ فاختارت نفسك ، لأنك صرت حرة وهو عبد، فاختارت نفسها فقالت: لا  لا أريده وكان زوجها مغيث يحبها كثيرا ، حتى أنه كان يمشي في الأسواق ودموعه تجري على خديه يريدها وهي لا تريده ، فرق له النبي ﷺ وشفع عند بريرة ، فقال يَا بَرِيرَةَ، لَو رَاجَعتِيهِ، وكانت بريرة فقيهة ، فقالت يا رسول الله : هل تأمرني أو تشفع ؟ إن كان الأمر أمر الله ورسوله ﷺ مالي خيرة سمعا لله ولرسوله ﷺ، وإن كنت تشفع فلي رأي آخر ، فقال : لَا، إِنَّمَا أَنَا شَافِعٌ، فقالت : لا حاجة لي فيه . ففارقته .

 وفي فرق بين الشفاعة وبين الأمر : الأمر لا يجوز لها مخالفة الأمر وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ. فاختارت نفسها. هذه السنة الأولى. اختارت نفسها ، أن الأمة إذا اعتقت تحت عبد فلها الخيار: إن شاءت بقيت معه وإن شاءت فاختارت نفسها. هذه السنة الأولى.

والثانية : أهدي لها لحم فدخل عليا النبي ﷺ والبرمة على النار) البرمة : القدر فيه لحم ،( والبرمة على النار فدعا بطعام وأوتي بخبز وأُدم من أُدم البيت، فقال:أَلَمْ أَرَ الْبُرْمَةَ عَلَى النَّارِ فِيهَا لَحْمٌ؟ فقالو بلى يا رسول الله، ذاك لم تصد به على بريرة فكرهنا أن نطعمك منه، فقال هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ وَهُوَ مِنْهَا لَنَا هَدِيَّةٌ، بريرة لما أعتقتها عائشة كانت تأتي إلى عائشة، فجاءت إلى عائشة رضي الله عنها ، فتصدق بعض الناس لبريرة بلحم، أعطوها لحم لأنها فقيرة، وهي في بيت عائشة وعائشة طبخت هذا اللحم على القدر، فجاء النبي ﷺ ودعا بطعام، فأتت له عائشة بأدم وخبز ما في لحم، قال القدر فيه لحم لماذا لا تعطينا من هذا اللحم، قالت : يا رسول الله هذا لحم صدقة وأنت ما تأكل الصدقة هذا صدقة على بريرة، هذه فقيرة مسكينة تصدق عليه بعض الناس، والرسول ﷺ ما يأكل الصدقة، الصدقة محرمة على محمد وعلى آل محمد، قال: لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةَ لِمُحَمَّدٍ وَلَا آلِ مُحَمَّدٍ، إِنَّمَا هِيَ أَوْسَاخ النَّاسِ، فالرسول ﷺ وبنو هاشم وبنو عبد المطلب لا يأكلون من الزكاة، من الصدقات، قال إِنَّمَا هِيَ أَوْسَاخ النَّاسِ.

فقالوا يا رسول الله هذه صدقة وأنت ما تأكل الصدقة، فقال النبي ﷺ: تغيرت حاله ، صدقة عليها وهدية منها ، هو صدقة لما أعطيت، لما وصل إليها أهدت لنا منه صار هدية، تغيرت حاله، هذه السنة الثانية. أن الغني له أن يأكل من مال الفقير، ولو كان مال الفقير زكاة إذا فأكله النبي ﷺ لأنه صار هدية، هذه السنة الثانية أن الفقير إذا تصدق عليه بشيء وأعطي شيء من الزكاة، ثم دعا الغني فله أن يأكل من طعامه ولا يحرم عليه ذلك لأنه صار هدية، في هذه الحال ولذلك أكل النبي ﷺ من الطعام وهو من اللحم الذي تصدق به على بريرة، ولذلك قالت:" ذاك لحم تصدق به على بريرة فكرهنا أن نطعمك منه فقال: هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ وَهُوَ مِنْهَا لَنَا هَدِيَّةٌ، تغيرت حاله، هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ وَهُوَ مِنْهَا لَنَا هَدِيَّةٌ.

السنة الثالثة : وقال النبي ﷺ إنَّمَا الْوَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ. هذه السنة الثالثة الحكم الثالث:  الولاء لمن أعتق ، فبريرة أعتقتها عائشة رضي الله عنها واشترط أهلها أن يكون لهم الولاء، فلم يكن لهم الولاء كان الولاء لمن أعتق وهي عائشة، دل على أن من أعتقد كان له الولاء حتى لو اشترط الذي باع أن يكون له الولاء لا يكون له الولاء، الولاء يكون للمعتق. قاعدة، فإذا اشترط البائع أن يكون له الولاء فالبيع صحيح والشرط باطل ، يبطل الشرط ويصح البيع، ولهذا قال النبي ﷺ : الْوَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ، والولاء عصوبة، سببها نعمة المعتق على رقيقه بالعتق، والأمة إذا اعتقت تحت العبد فهي تخير: إن شاءت بقيت وإن شاءت لم تبقَ، ولا يعتبر عتقها طلاقا ولا فسخا ، ما يعتبر، ما تعتبر طلقت، تعتبر مخيرة الآن، تخير لها الخيار إن شاءت بقيت معه وإن شاءت اختارت نفسها.

وفيه جواز أكل الغني مما تصدق به على الفقير.

وفيه دليل على أن من حرمة عليه الصدقة، له أن يأكل من الصدقة إذا تغير حكمها. 

وفيها من الأحكام أن الشارع يعتبر الكفاءة في الحرية ويسقطها بالرضا فبريرة صارت أكفأ من مغيث، لما عتقت لكن إذا رضيت سقطت الكفاءة.

وفيه سؤال الإنسان عن أحوال أهله، فأن النبي ﷺ سأل: قال أَلَمْ أَرَ الْبُرْمَةَ عَلَى النَّارِ فِيهَا لَحْمٌ؟ يسأل الإنسان عن أهله وعن أحوالهم وعما يوجد في منزله، ليطلع على حقائقه.

والله ولي التوفيق

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد