( المتن)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا والمشايخ ولوالديه يا رب العالمين.
قال الإمام عبد الغني المقدسي -رحمه الله تعالى-:
(الشرح)
هذا في حديث عقبة بن الحارث رواه البخاري ولم يخرجه مسلم، وفيه أن عقبة بن الحارث تزوج أم يحيى بنة أبي إيهاب فجاءت أمة سوداء فأخبرته أنها قد أرضعته وأرضعت زوجته وأنهما أخوان من الرضاعة، فذكر للنبي ﷺ قولها وكأنه شاكّ في ذلك وأنها كاذبة في دعواها، فقال النبي ﷺ لم ينكر عليه رغبته في البقاء معها مع شهادة هذه الأمة كيف لك بذلك وقد قالت هذه المرأة ما قالت فشهدت بما علمت.
والرضاع: بفتح الراء وكسرها من رضع ورضاع، أصل الرضع الثدي إذا مصّه.
وتعريفه شرعا: ومصّ لبن تابع عن حمل أو شربه.
وحكم الرضاعة ثابت بالكتاب والسنة والإجماع.
ولهذا كره العلماء استرضاع الكافرة والفاسقة وسيئة الخُلق ومن بها مرض معدي لأنه قد يسيء إلى الولد.
ويُستحب أن تختار المرضعة الحسنة الخَلق والخُلق لأن الرضاع يغير الطباع.
والأفضل والأحسن ألا يرضعه إلا أمه لأنها أنفع وأحسن عاقبة.
وهذا الحديث فيه أنّ هذه الأمة السوداء جاءت لعقبة وقالت أنها قد أرضعته وزوجه وأنهما أخوان، لكنه لم يصدقها، وجاء في لفظ آخر قال: ما علمت ولا أخبرتني يعني ما أخبرتني أولاً ، فجاء إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله إنما أخبرتني وزعمت، فالنبي ﷺ أعرض عنه وتنحى فذكر ذلك له فقال: له كيف وقد زعمت أنها قد أرضعتكما، وفيه أنه إذا ثبت الرضاعة المحرمة للزوجين فسخ نكاحهما وفيه أن الرضاع يثبت وتترتب أحكامه بشهادة امرأة واحدة، وفيه قبول شهادة الرقيق إذا كان عدلاً، وفيه الاحتياط للفروج لأنه قال: كَيْفَ؟ وَقَدْ زَعَمَتْ أَنْ قَدْ أَرْضَعَتْكُمَا. يعني: أنها شهدت بذلك كيف تستمر معها وكيف تحاول أن تكذّبها.
وفيه دليل على شهادة المرضعة قبول شهادة المرضعة وحدها لأن هذا من اختصاصها ما يتعلق بالثيوبة والبكارة يُقبل بشهادة امرأة ثقة.
وفيه أن وطء الشبهة لا يوجب شيئاً لأنها وطأها أولاً بشبهة صاحبه معذور فلا يُقام عليه الحد.
وشهادة ثبوت الرضاعة فيه خلاف بين أهل العلم منهم قالوا لا بد من أربع نسوة والصواب: أنه يكفي امرأة واحدة كما في هذا الحديث.
( المتن)
(الشرح)
هذا الحديث عن براء رواه البخاري ولم يخرجه مسلم، وفيه أن النبي ﷺ لما خرج من مكة تبعتهم ابنة حمزة بن عبد المطلب تنادي يا عم يا عم، فتناولها علي فأخذ بيدها وقال: لفاطمة بنت النبي ﷺ وهي زوجه دونكِ ابنة عمكِ يعني خذيها فاحتملتها، فاختصم فيها ثلاثة علي بن أبي طالب وجعفر بن أبي طالب وزيد بن الحارثة، فقال علي: أنا أحق بها وهي ابنة عمي ابنة عمي أنا أحق بها وقال لزوجته خذيها، وقال: جعفر ابنة عمي وخالتها تحتي هذه ميزة، وقال زيد: ابنة أخي لأن النبي ﷺ آخا بينهما فقضى لها رسول الله فقضى لخالتها وقال: الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الأُمِّ، وأرضى عليا قال: لعلي أَنْتَ مِنِّي، وَأَنَا مِنْك، وقال لجعفر أَشْبَهَتْ خَلْقِي وَخُلُقِي، وقال لزيد: أَنْتَ أَخُونَا وَمَوْلانَا. عليه الصلاة والسلام، ما أكرم خُلقه وما أعظم خُلقه ، فأرضى الثلاثة كلهم وقضى بالحضانة لخالتها، دلّ على أنها الأَولى قال: الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الأُمِّ، والبنت لحمزة بن عبد المطلب وزيد بن قبيلة كلب.
مراد الأخوّة أَنْتَ أَخُونَا وَمَوْلانَا. يعني: الأخوّة التي آخا النبي ﷺ بين المهاجرين الذين هاجروا إلى المدينة، وقوله أَنْتَ أَخُونَا وَمَوْلانَا. يعني عتيقنا فالمولى يطلق على السيد ويطلق على العتيق.
وهذه القصة أن النبي ﷺ لما خرج من مكة تبعتهم ابنة حمزة بن عبد المطلب تنادي يا عم يا عم تناولها ابن عمها علي بن أبي طالب وأخذ بيدها، ثم حكم النبي ﷺ بأن الحضانة تكون للخالة.
يؤخذ من الحديث أن فوائد تكون الحضانة من حق الصغير والمعتوه بحفظه وصيانته والقيام بشؤونه، تكون الحضانة للصغير وتكون أيضاً للمعتوه ضعيف العقل السفيه كلهم يحتاج إلى حضانة.
وفيه دليل على أن الأصل من لهم أصل في الحضانة إذا لم يوجد من هو أحق منهم، فإن النبي ﷺ أقرّ كل من علي وجعفر في حضانة ابنة عمهم ولم ينكر عليهم.
وفيه مفاد أنّ الأم مقدّمة بالحضانة على كل أحد فإنه لم يعطها الخالة في هذه القصة إلا لأنها بمنزلة الأم، دلّ على أن الأم أحقّ من غيرها لكمال شفقتها وبرها.
وفيه أن الخالة تلي الأم في الحضانة فهي بمنزلتها بالحنون والشفقة، فيه أنه يُطلب في الحضانة تحقق الشفقة والرحمة في هذا الصغير أو العاجز، ويدل على أن المرأة المتزوجة لا تستحق حضانتها إذا رفض زوجها فإنّ جعفر زوجها رضي بحضانتها فلذلك جعل الحضانة لها وإن كانت متزوجه، فإن لم يرض فإن الحضانة تكون لغيرها تنتقل إلى غيرها.
وهذا من حسن خلق النبي ﷺ ولطفه حيث حكم لواحد من الثلاثة وأرضى الجميع بما طيّب نفوسهم عليه الصلاة والسلام.
وفق الله الجميع.