المتن :
يقول الإمام رحمه الله :
كِتَابُ الأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ
364 - عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ، لا تَسْأَلْ الإِمَارَةَ، فَإِنَّكَ إنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِّلْتَ إلَيْهَا، وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا، وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْراً مِنْهَا فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ وَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ.
الشرح:
بسم الله الرحمن الرحيم و الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد :
قال الحافظ عبد الغني المقدسي رحمه الله في كتابه عمدة الأحكام
كتاب الأيمان والنذور
الحديث رواه الشيخان أبو خالد ومسلم رحمهم الله تعالى
والأيمان جمع يمين و أصل اليمين اليد و أطلقت على الحلف لأنهم كانوا إذا تحالفوا أخذ كل واحد بيمين صاحبه.
و النذور جمع نذر و أصله الإنذار وهو التخويف ، والنذر لغة : الإيجاب ، وشرعا : أن يلزم المكلف نفسه طاعة لم يوجبها الله عليه .
والإماره هي الولاية
والحديث اشتمل على مسألتين:
المسألة الأولى : سؤال الإ ماره .
والمسألة الثانية : الحلف على يمين .
أما المسألة الأولى : وهي الولاية ، الإمارة بالكسر (الولاية) ، أما الأمارة بالفتحة بمعنى (العلامة) والمراد هنا بالكسر ، والنبي ﷺ في هذه المسألة نهى عن سؤال الإمارة قال يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، لا تَسْأَلْ الإِمَارَةَ و الشريعة عامة ، النبي ﷺ خاطب عبد الرحمن بن سمرة و الشريعة عامه لكل احد ، الشريعة عامه قاعدة إذا أمر النبي ﷺ واحدا فأمره عام لجميع ألامه كلها ، لما قال النبي ﷺ لابن عباس يَا غُلامُ، احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ هذا عام للامه كلها ليس خاصا بابن عباس ولما قال لابن عمر كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ هذا عام للامه كلها إلا ما خصه الدليل إلا ما دل الدليل على التخصيص فهذا يكون خاص كما قال النبي ﷺ لـ خال البراء بن عازب (...) لما ضحى بالجدع قال تَجزِيكَ وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ هذه الخصوصية هذا دل على الخصوص وإلا فالقاعدة عامة النبي ﷺ قال لا تَسْأَلْ الإِمَارَةَ، فَإِنَّكَ إنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِّلْتَ إلَيْهَا، وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا.
الحديث فيه دليل على انه لا ينبغي سؤال الولاية لأن سؤال الولاية يدل على الإنسان غير مهتم و غير معتني و أنه متسائل فلهذا سأل الإمارة بخلاف ما إذا أبى وامتنع فهذا يدل على أنه يخشى عنده ورع و يخشى ألا يقوم بحقوق الولاية فالذي يسألها دليل على انه متساهل إما الذي يأباها دليل على انه متورع خائف من إلا يقوم بالحقوق ولهذا قال النبي ﷺ لا تَسْأَلْ الإِمَارَةَ ثم قال النبي ﷺ فَإِنَّكَ إنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِّلْتَ إلَيْهَا، وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا.
يعني إذا سألت الولاية فإنك توكل إليها لأن هذا يدل على تساهلك و عدم ورعك فإذا طلبتها ثم أعطيتها فإنك توكل إلى نفسك ولا حول ولا قوة إلا بالله ومن وكل خذل ، وإن أعطيتها بغير مسألة وليت بها فإنه حري أن يعينك الله.
فهذا فيه دليل على إن من سأل الإمارة فإنه يخذل لان سؤاله يدل على تساهله وأما من بلي بها وامتنع ثم ألزم بها فإنه حري أن يعينه الله عليها ، ويستثنى من سؤال الإمارة أو الولاية إذا كان الإنسان عنده قدرة وأهلية بالقيام بالولاية وليس هناك أحد يقوم مقامه ، هذا لا بأس أن يسألها ، كما سأل يوسف عليه الصلاة والسلام العزيز ملك مصر أن يجعله على خزائن الأرض قال : اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ و كذلك عثمان ابن أبي العاص سأل الإمامة في الصلاة قال ( يا رسول الله اجعلني إمام قومي قال أنت إمامهم واقتدي بأضعفهم ) فأخذ العلماء من هذا انه لا بأس بسؤال الولاية في حالة خاصة وهي إذا ما كان الإنسان عنده أهلية و عنده قدرة ويرى من نفسه أنه أمثل من غيره وليس هناك من يقوم مقامه وأنه يعلم نفسه أنه ينصح وانه يخفف من الظلم الذي تمكن على هذه الولاية أو ظلم الناس ويسهل عليهم فلا بأس أن يسأل الولاية كما سأل يوسف قال : اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ .
وأما إذا لم يكن كذلك فإنه لا يسأل في هذا الحديث يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، لا تَسْأَلْ الإِمَارَةَ، فَإِنَّكَ إنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِّلْتَ إلَيْهَا، وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا دليل على أنه يكره على الإنسان سؤال الإمارة والأصل في النواهي التحريم هذا هو الأصل إلا بصارف يصرفه
المسألة الثانية : الحلف على يمين قال وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْراً مِنْهَا فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ وَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ. إذا حلف الإنسان على يمين ثم رأى أن غير اليمين خير منها فإنه يحنث في يمينه فيكفر عن يمينه ويفعل الخير فاليمين لا تمنع من فعل الخير إذا حلف على شيء ثم رأى أن الخير في عدم الاستمرار على الحلف فإنه يحنث في يمنه ويكفر والحمد لله ويفعل الخير ، اليمين لا تمنع من فعل الخير.
مثل بعض الناس يحلف على أن لا يزور جاره أو لا يأكل طعامه أو لا يدخل بيته أو لا يزور قريبه فإنه في هذه الحال ينبغي على الإنسان أن يحنث في يمنه و أن يزور قريبه ويأكل من طعامه ويدخل بيته وبعض العامة من جهله يلج في يمنه فيحلف مثلا بعض العامة ألا يزور بيت فلان بيت جاره أو قريبه ثم يلج في يمينه فيقال له يا فلان ادخل بيت جارك فيقول لا أنا علي يمين ، حلفت ما أدخل بيته ، فنقول اليمين لا تمنع من فعل الخير كفر عن يمينك وأتي الذي هو خير و الحمد لله.
و سواء قدمت الكفارة أو أخرتها ، ما جاء يدل على هذا وهذا كما في هذا الحديث والحديث الذي بعده ، هنا في هذا الحديث قال فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ وَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ. قدم الكفارة هنا ، قدم الكفارة كفر عن يمينك إذا كنت عازما على الحنث ، كفر أولا ثم افعل الذي فيه الخير و يجوز أن تحنث أولا كما في الحديث الآخر ، يقول النبي ﷺ إِنِّي وَاللَّهِ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ - لاَ أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ، فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، إِلَّا كَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي وَأَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وفي لفظ وَتَحَلَّلْتُهَا فيجوز تقديم الكفارة على الحنث ويجوز تأخيرها.
والكفارة كما هو معلوم إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو عتق رقبة فإن عجز عن واحدة من الثلاثة صام ثلاثة أيام لقول الله تعالى لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ.
المتن :
الشرح :
هذا الحديث رواه البخاري وهذا الحديث فيه دليل على جواز تأخير الكفارة قال إلاَّ أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَتَحَلَّلْتُهَا. تحللتها يعني تحللتها بالكفارة والحديث الذي قبله فيه فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ وَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ. فالحديث الأول فيه تقديم الكفارة على الحنث وهذا الحديث حديث موسى فيه تقديم الحنث على الكفارة قال إلاَّ أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ يحنث في يمينه وأصل الحنث الإثم ومعنى يحنث يعني يفعل الشئ الذي حلف على تركه ، أو يترك الشئ الذي حلف على فعله سواء قدمت الكفارة أو أخرتها ففي الحديث الأول حديث عبد الرحمن بن سمرة فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ وَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ. قدم الكفارة وفي حديث أبي موسى إلاَّ أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَتَحَلَّلْتُهَا. يعني كفرت عنها قدم الفعل على الكفارة
وفي الحديث أنه ينبغي على الإنسان أن يراعي المصلحة العامة من الوفاء باليمين أو تركه فإذا رأى المصلحة العامة في الاستمرار على اليمين استمر وإذا رأى أن المصلحة في عدم الاستمرار في اليمين حنث وكفر عن يمينه.
وفيه دليل على أن الأيمان ينبغي تعظيمها والعناية بها وان اليمين لابد أن يحفظها الإنسان كما قال الله تعالى وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ معنى أحفظوها عن كثره الحلف وقيل أحفظوها عن الحنث وكذلك احفظوها عن الإكثار من الحلف فمن حفظ اليمين التكفير ، يكفر الإنسان عن يمينه ، قال الله تعالى وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
المتن :
366 - عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ. وَلِمُسْلِمٍ: فَمَنْ كَانَ حَالِفاً فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُت.
وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ عُمَرُ «فَوَاَللَّهِ مَا حَلَفْتُ بِهَا مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَنْهَى عَنْهَا ذَاكِراً وَلا آثِراً»
(يعني: حاكياً عن غيري أَنه حلفَ بها).
الشرح :
هذا الحديث حديث عمر بن الخطاب أن النبي ﷺ قال إنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ. الحديث يدل على تحريم الحلف بالآباء وكانوا في الجاهلية يحلفون بآبائهم .
وثبت أن النبي ﷺ نادى عمر ناداه وكان يحلف يمينه فقال إنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ. كانوا في الجاهلية وفي أول الإسلام يحلفون بآبائهم ثم حرم الله الحلف بالآباء بل حرم الله الحلف بغير الله على لسان النبي ﷺ كما جاء في الحديث الصحيح ، في الحديث الآخر مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ فالحلف بغير الله شرك ، شرك أصغر وقد يكون شرك اكبر إذا اعتقد أن المحلوف به يجب تعظيمه كتعظيم الله أو أنه يستحق شيء من العبادة يكون الحلف هنا شرك أكبر وإلا فالأصل انه الشرك الأصغر ولكن قد يكون ما يجعله يرتقي إلا الشرك الأكبر إذا اعتقد أن المحلوف ينبغي أن يعظم كتعظيم الله أو اعتقد أن المحلوف يستحق شيء من العبادة ، المحلوف به .
إنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ. فيه تحريم الحلف بالآباء ولمسلم فَمَنْ كَانَ حَالِفاً فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُت. فيه أنه لا يجوز الحلف إلا بالله وأن الإنسان إما أن يحلف بالله أو يسكت ، يصمت يعني يسكت ، قال عمر (فـوالله ما حلفت بها منذ سمعت رسول الله ﷺ ينهى عنها ذاكرا ولا آثرا ) فيه فضل عمر ومبادرته إلا امتثال الأمر قال ( فـ والله ما حلفت بها ) يعني بغير الله (منذ سمعت رسول الله ﷺ ينهى عنها ذاكرا ولا آثرا ) يعني ذاكرا قائلا من قبل نفسه أو آثرا حاكيا عن غيره أنه حلف بها.
فيه فضل عمر يقول بعد ما سمعت الرسول ﷺ نهى عن الحلف بغير الله ، أقسم أنه ما حلف بغير الله لا ذاكرا يعني قائلا من قبل نفسه ولا حاكيا عن غيره أنه حلف بغير الله ولا يقول فلان قال كذا وكذا فلان حلف بأبيه وفلان قال بأبي ، هو لم يحلف بغير الله لا من قبل نفسه ولا من قبل حكايته عن غيره .
و الحديث فيه تحريم الحلف بغير الله وأنه لا يجوز الحلف إلا بالله و الحكمة من النهي أن الحلف يقتضي التعظيم و التعظيم لا نبغي أن يكون إلا لله .
المتن :
الشرح :
نعم وهذا الحديث فيه أن نبينا ﷺ اخبر عن سليمان ابن داوود وكان نبيا ملكا ، آتاه الله النبوة والملك وكذلك أبوه داود أتاه الله النبوة والملك قال سليمان بن داود عليه الصلاة والسلام لأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى سَبْعِينَ امْرَأَةً دليل على أن شريعة التوراة فيها توسع في التعدد في النساء ، شريعة التوراة فيها توسع في التعدد في النساء وسليمان وداود يحكمون بشريعة التوراة كل من جاء بعد موسى عليه الصلاة والسلام فإنه يحكم بشريعة التوراة حتى جاء عيسى ، قال الله تعالى إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ كل من جاء بعد موسى من بني إسرائيل من الأنبياء كلهم يحكمون بالتوراة ، داود و سليمان و زكريا ويحيى وأيوب وغيرهم حتى بعث الله عيسى فأنزل الله عليه الإنجيل فخفف بعض الأحكام قال الله تعالى وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ.
فالحديث فيه دليل على أن النساء أو إن الزواج في بني إسرائيل ليس مقتصرا على أربع نساء بخلاف هذه الشريعة شريعة نبينا محمد ﷺ فإن الله تعالى قصر الأمة على أربع نسوة قال تعالى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ الحد أربع ثبت عن النبي ﷺ لما أسلم غيلان وتحته عشر نسوة قال النبي ﷺ اختر منهن أربعا وفارق سائرهن فهذه الأمة مقصورة على أربع نسوة ونبينا ﷺ له خصوصية تسع نسوة وأما في شريعة التوراة فكان الإنسان يتزوج عددا من النساء فلهذا سليمان عنده تسعين امرأة وقال لأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى سَبْعِينَ امْرَأَةً يعني أجامعهن في ليلة واحده فتلد كل منهن غلاما يقاتل في سبيل الله انظر إلى همة سليمان همته ليس مراده الدنيا مراده الآخرة يقول لأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى سَبْعِينَ امْرَأَةً يعني زوجاته يجامعها فتحمل كل واحدة غلام تلد تسعين ولد تسعين ذكرا يقاتلون في سبيل الله ، هذه الهمة الهمة العالية ، للجهاد في سبيل الله ليس المراد الشهوة فقط ، مراده الآخرة ، مراده أن يولد له أولاد يعبدون الله و يوحدون الله ويقاتلون في سبيل الله قال: لأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى سَبْعِينَ امْرَأَةً تَلِدُ كُلُّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ غُلامًا يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقِيلَ لَهُ: قُلْ: إنْ شَاءَ اللَّهُ فلم يقل ما قال إن شاء الله ، وجاء في لفظ آخر أنه نسي ، نسي أن يقول إن شاء الله ، وهنا قيل له يعني قال له الملك ، قال له الملك : قل إن شاء الله ، فلم يقل ، فطاف بهن يعني جامع تسعين امرأة ، فلم تلد منهن إلا امرأة واحدة نصف إنسان ، طاف على تسعين امرأة ما ولدت منهن إلا امرأة واحدة ولدت شق إنسان ،ليس إنسان كامل نصف إنسان ، ولدت مولود نصف إنسان ، يعني سقط نصفه ، ما خلق لها إلا نصف إنسان مشوه ، فقال رسول الله ﷺ : لَوْ قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَحْنَثْ وَكَانَ دَرَكاً لِحَاجَتِهِ. الدرك : اللحاق وهو الوصول إلى الشيء و المعنى أنه لو قال إن شاء الله لحلت له حاجته ، فيه فضل على أنه ينبغي للإنسان أن يقيد ما سيفعله في المستقبل بالمشيئة ، قال الله تعالى وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ
وفيه دليل على أن الإنسان إذا قال إن شاء الله إذا حنث لا يحنث ، إذا قال والله لا أزور فلان إن شاء الله ثم لم يزره ما عليه كفارة ، لأن الله ما شاء أن يزوره ، فإذا قيد اليمين بالمشيئة هذا مخرج له ، ينبغي للإنسان أن يقيد اليمين بالمشيئة هذا مخرج له ( أي شيء ) تريد أن تحلف قل إن شاء الله وحينئذ لا تحنث ، لو قلت والله لأعطيك يا فلان كذا و كذا إن شاء الله فإذا لم تعطه ما عليك شيء ، سأزورك غدا إن شاء الله فإذا لم تزره ما عليك لأنك قيدته بالمشيئة ، سآتيك غدا إن شاء الله فإذا لم تأته ما عليك شيء لأنك قيدته بالمشيئة و الله تعالى وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ قال رسول اله ﷺ : لَوْ قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَحْنَثْ يعني لوقع ما تمناه و سأله وَكَانَ دَرَكاً لِحَاجَتِهِ. كانت المشيئة دركا لحاجته درك اللحاق و الوصول إلى الشئ و المعنى انه يحصل له ما أراد ولم يحنث.
الحديث فيه من الفوائد إثبات النبوة لداود وسليمان عليهما السلام وأنهما نبيين من أنبياء بني إسرائيل أتاهما الله النبوة الملك ، وفيه أن شريعة التوراة ليست مقصورة على أربع نسوة كالشريعة المحمدية.
وفيه فضل سليمان عليه الصلاة والسلام و عناية الأنبياء واهتمامهم بالآخرة لأمور الآخرة فإنه لم يقصد اللذة عندما يريد أن يطوف على تسعين امرأة لا يقصد اللذة الجنسية فقط وإنما يريد ، له همة عالية و هي يريد منهم أن تلد كل امرأة منهن غلام يوحد الله ويقاتل في سبيل الله.
وفيه التقييد بالمشيئة وأن الإنسان إذا قال شيئا فإن عليه أن يقيد بالمشيئة ، وفيه فضل المشيئة وبيان بركة تفويض الأمر إلى الله وأنه سبب لإدراك الحاجات ، وفيه دليل على أن إتباع اليمين بالمشيئة يرفع حكم اليمين ، إذا أتبع اليمين بالمشيئة رفع حكم اليمين .
المتن :
الشرح :
هذا الحديث فيه الوعيد الشديد على من اقتطع مال أخيه باليمين وأن هذا من كبائر الذنوب العظيمة حيث توعد بغضب الله ، فمن حلف على يمين صبرٍ ، والصبر الحبس ، يقال فلان قتل صبرا يعني قتل وهو لا يستطيع الدفاع عن نفسه ،الذي لا يستطيع الدفاع عن نفسه يقال قتل صبرا لأنه محبوس لا يدافع ، وهنا مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يعني يحلف على شخص أنه ليه له حق وهو ليس عنده بينة لأنه محبوس ، لأنه ظلوم ما عنده بينة فلهذا استغل هذه الفرصة حتى لا تكون عنده بينة ولا شهود فحلف فأكل ماله به فكأن الذي يؤخذ ماله باليمين وليس عنده شهود كأنه محبوس ، لأنه ليس له حيلة في أن يبين حقه ، ما عنده يمين ما عنده بينة فهذا الشخص انتهز هذه الفرصة ، فرصة كون المدعي ليس عنده بينة فحلف و أكل مال أخيه بغير حق ولذلك سمي صبرا والصبر هو الذي لا يستطيع الدفاع عن نفسه فالمدعي لا يستطيع الدفاع عن نفسه وليس عنده شهود وليس عنده بينة فجاء هذا وحلف فأخذ حقه وهو لا يستطيع الدفاع عن نفسه.
مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ هُوَ فِيهَا فَاجِرٌ يعني كاذب لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ فيه الوعيد الشديد على الحلف بغير الله لأكل مال المسلم وهو يعلم أنه كاذب و فاجر ، الفجور يلزم منه الكذب.
وفيه إثبات الغضب لله وان الله يغضب وانه وصف ليق بجلال الله وعظمته ليس كغضب المخلوق ، فالغضب غضب المخلوق غليان دم القلب لطلب الانتقام وأما غضب الرب فلا نكيفه ، نثبت أن الله يغب ويرضى ويحب و ينزل ويرى وكذلك الأسماء والصفات نثبتها لله على ما يليق بجلاله وعظمته.
و نزلت إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ يشترون يعني يعتاضون ، الشراء معناه العوض ، يعتاضون باليمين ثمنا قليلا والدنيا كلها ثمن قليل ، كلها ثمن قليل لو أعطي الدنيا كلها من أولها إلى آخرها فهي كلها ثمن قليل فالدنيا لا تساوي شيء بالنسبة للآخرة فإذا أعطي مالا ، فإذا أخذ المال عوضا عن يمينه مهما أعطي من المال فهو ثمن قليل لأنه باع آخرته بدنياه نسأل الله العافية فاعتاض عن دينه بالدنيا ولهذا قال تعالى إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا مهما كان هذا المال ، قليل أو كثير توعده الله بقوله أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ يعني لا نصيب ولاحظ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يعني لا يكلمهم كلام رضا وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ نظر رحمة وَلَا يُزَكِّيهِمْ لا يطهرهم من الذنوب والمعاصي وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ هذا وعيد شديد ، وعيد شديد على من اعتاض.
فيه دليل على الوعيد الشديد على من اعتاض باليمين التي يحلفها ثمنا قليل ، من اعتاض باليمين ثمن قليل من الدنيا مهما كان فعليه هذا الوعيد الشديد إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ يعتاضون بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ يعني لا حظ لهم وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ كلام رضا و تكريم وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ نظرة رحمة وَلَا يُزَكِّيهِمْ لا يطهرهم من الذنوب والمعاصي وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وعيد شديد على من اقتطع مال أخيه بغير حق و اعتاض على الدنيا بالدين ، والعهد يعني اليمين ، يشترون يعني يعتاضون كما سبق عَذَابٌ أَلِيمٌ يعني مؤلم موجع.
ذهذه الآية والحديث فيها الوعيد الشديد لمن حلف أيمانا كاذبة يأكل فيها مالا بالباطل ظلما وعدوانا لما في ذلك من الاستخفاف بحرمات الله .
المتن :
الشرح :
هذا الحديث حديث الأشعث بن قيس ذكر هذه القصة وأن الآية نزلت في ذلك . قال ( كان بيني وبين رجل خصومة في بئر ) يعني اختصموا في بئر كل واحد يقول هذا البئر لي ، قال ( فاختصمنا إلى رسول الله ﷺ فقال رسول الله ﷺ) للأشعث والبئر في يده شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ، إما أن تأتي بشاهدين يشهدون أن البئر لك وإلا فإنه يحلف ،( قلت يا رسول الله إذن يحلف ولا يبالي ) يحلف ولا يبالي مادام أنا ما عندي شاهدين ، ليس عندي شهود إذن يحلف ولا يبالي ويأخذ مالي ، وفي لفظ آخر ( إذن يأخذ مالي بغير حق ) فقال النبي ﷺ مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ هُوَ فِيهَا فَاجِرٌ يعني كاذب لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ. رواه البخاري وجاء في اللفظ الآخر أن نزلت هذه الآية في رجلين كانت بينهما خصومة في بئر فقال الأشعث أو رجل آخر ، قال له النبي ﷺ شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ، فقلت يا رسول الله إن الرجل فاجر لا يبالي على ما حلف عليه فقال النبي ﷺ مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ هُوَ فِيهَا فَاجِرٌ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ. فخاف كل منهما ، خاف كل من الشخصين وكل منهما قال هي له بصوت واحد فقال النبي ﷺ أَمَّا إِن فَعَلتُمَا ذَلِكَ فَاقتَسِمَا وَتَحَلَّلَا وَليُحَلِّل أَحدُكُمَا صَاحِبَهُ فاستفاد من موعظة النبي ﷺ وعظهم بهذا الحديث فقال : مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ صبر يعني ليس عنده بينة فكأنه مصبور كأنه محبوس كأنه مغلوب حينما يؤخذ ماله بغير حق ولا يستطيع أن يثبت الحق والحديث كما سبق فيه دليل على أن البينة على المدعي واليمين على من أنكر ، الحديث فيه توجيه للقضاة وأن القاضي إذا اختصم إليه شخصان فإنه يتوجه إلى المدعي ويطلب منه البينة فإن لم يكن عنده بينة فإنه يتوجه إلى المدعى عليه ويطلب منه اليمين فإذا حلف انتهي الدعوى ، انتهت القضية في الدنيا فإن كان هذا الحالف كاذب هناك خصومة بين يدي الله لكن في الدنيا تنتهي الخصومة وإن كان صادق فله حكم الصادقين.
الحديث فيه دليل عن أن البينة للمدعي واليمين على من أنكر.
وفيه الوعيد الشديد على من حلف يمينا كاذبة ليأكل بها مالا بالباطل.
وفيه إثبات الغضب لله
وفيه أن الحاكم يسمع الدعوى بين الخصوم ويسأل المدعي البينة وفيه أن الأحكام إنما تبنى على الظاهر.
وفيه أن الحاكم يعظ الخصوم ويخوفهم بالله .
المتن :
الشرح :
هذا الحديث اشتمل على مسائل و أحكام:
المسألة الأولى الحلف على يمين بملة غير الإسلام وفيه الوعيد الشديد على من حلف على يمين بملة غي الإسلام كاذبا متعمدا و أنه مرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب ، قوله مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الإِسْلامِ كَاذِباً مُتَعَمِّداً كأن يقول مثلا هم يهودي إن لم يفعل كذا وكذا ، هو نصراني إن لم يفعل كذا وكذا ، يختصم هو وشخص فيقول فلان أنت فعلت كذا فيقول هو يهودي إن لم يفعل ، هو نصراني إن لم يفعل ، هذا حلف بملة غي الإسلام.
هذا فيه الوعيد الشديد وأنه إذا حلف بملة غير الإسلام وكان كاذبا متعمدا فهو كما قال ظاهره أن يكفر ، أنه كما قال يعني قال هو يهودي يكون يهودي ، أو قال هو نصراني يكون نصراني لكن المراد الوعيد الشديد ، المراد أنه يرتكب كبيرة من كبائر الذنوب.
هذا الحديث يعد من باب الوعيد ، من باب الوعيد وليس المقصود أنه يكفر لكنه يدل على أنه مرتكب للكبيرة.
وفيه دليل على أن الإنسان لا يجوز أن يحلف بملة غير الإسلام هذا حرام عليه ، يقول هو يهودي إن لم يفعل كذا أو هو نصراني إن لم يفعل كذا أو هو مجوسي أن لم يفعل كذا أو وثني إن لم يفعل كذا هذا حرام عليه ، يحلف بالله كيف يحلف بملة غير الإسلام ، وملة الشريعة والدين فَهُوَ كَمَا قَالَ يعني يحكم عليه بالكفر إذا كان كاذبا متعمدا هذا ظاهر الحديث لكن ليس المراد أنه يكفر المراد أن هذا من باب الوعيد عند أهل العلم ، هذا من باب الوعيد.
وفيه تحريم الحلف بملة غير الإسلام وأن من فعل ذلك فقد ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب .
المسألة الثانية : قوله وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ هذا فيه دليل على تحريم قتل الإنسان لنفسه وأن قتل الإنسان لنفسه و هو الانتحار ينتحر من كبائر الذنوب وأن قتل الإنسان لنفسه مثل قتل غيره كبيرة من كبائر الذنوب لأن نفسك لا تلكها هي ملك لله كما أنه لا يجوز لك أن تقتل غيرك لا يجوز لك أن تقتل نفسك ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ و في لفظ آخر مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ، فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا وهكذا فالجزاء من جنس العمل ولا حول ولا قوة إلا بالله ، هذا جزاء العقوبة من جنس العمل، وهذا فيه الوعيد الشديد وان قتل النفس والانتحار من كبائر الذنوب .
والمسألة الثالثة قوله : وَلَيْسَ عَلَى رَجُلٍ نَذْرٌ فِيمَا لا يَمْلِكُ. رواه البخاري
يعني ليس على الإنسان نذر فيما لا يملك ، نذر مثلا إن شفى الله مريضي لأعتقن عبد فلان أو لأتصدقن ببستان فلان ، فلان لا تملكه ، ليس عليك النذر فيما لا تملك وهل يكفر كفارة يمين أو لا يكفر فيه خلاف ولو قيل بتكفير اليمين فله وجه في كونه يكفر كفارة يمين ولكنه لا يجوز له أن ينذر بشيء لا يملكه كأن ينذر أن يتصدق ببيت فلان أو بمال فلان ليس له ، وَلَيْسَ عَلَى رَجُلٍ نَذْرٌ فِيمَا لا يَمْلِكُ.
والمسألة الثانية : في قوله وفي رواية وَلَعْنُ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ. فيه دليل على أنه لا يجوز لعن المؤمن ، يقول لعنك الله ، وأن من لعنه كقتله ، في الحرمة والإثم لأن القتل فيه حرمان له من الدنيا حرمان له من العيش في الدنيا و اللعن طرد وإبعاد عن رحمة الله حرمان له من العيش في الآخرة فلعنه كقتله ، القتل إزالة له من الدنيا وحرمان له من الحياة في الدنيا ، واللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله ، فيه دليل على أن اللعن كالقتل فإذا لعنه كأنه قتله وَلَعْنُ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ. في الإثم يعني.
وفي رواية مَنِ ادَّعَى دَعْوَى كَاذِبَةً لِيَستَكثِرَ بِهَا وفي لفظ لِيَتَكَثَّرَ بِهَا لَمْ يَزِدْهُ اللَّهُ إلاَّ قِلَّةً. من ادعى دعوة كاذبة ليستكثر ها ، ادعى أن عنده فلان وأن عنده ملايين وأن عنده أراضي وهو كذاب يستكثر أمام الناس لا يزداد من الله إلا قلة ويشبه هذا الحديث حديث آخر أن المرأة إذا تشبعت بما لم تعطى كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ تشبع يقول إنا أعطيت كذا وكذا أو المرأة تقول أعطاني زوجي كذا وأعطاني زوجي كذا وهي كذابة حتى تغيظ مثلا جارتها أو غيرها هذا عليه الوعيد الشديد كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ مثل الذي يلبس ثوب زور ، هذا يقول عندي كذا وعندي كذا وهو كذاب وهذا ادعى دعوة كاذبة ليستكثر بها لم يزده الله إلا قلة يعامل بنقيض قصده ، الذي يدعي دعوى كاذبة ليتكثر بها يعامل بنقيض قصده ولا يزيد بها من الله إلا قلة ، وفيه المجانسة في العقوبة ، وأنه من قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة ، هذا مجانسة في العقوبة مَنِ ادَّعَى دَعْوَى كَاذِبَةً يَزِدْهُ اللَّهُ إلاَّ قِلَّةً.
، وفي الحديث من الفوائد تحريم الحلف بغير الله ، تحريم الحلف بملة غير دين الإسلام وأنه من كبائر الذنوب.
وفيه أن قتل الإنسان نفسه كقتل غيره فجنايته على نفسه كجنايته على غيره ، قال الله تعالى وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وقال وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ.
انتهى ...