شعار الموقع

شرح كتاب الأيمان والنذور من عمدة الأحكام_3 تابع باب القضاء

00:00
00:00
تحميل
110

بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

 اللهم اغفر لنا ولشيخنا ولمشايخه ولوالديه يا رب العالمين.

(المتن)

قال المصنّف -رحمه الله تعالى-:

379 - عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنهما قَالَ: كَتَبَ أَبِي - أَوْ كَتَبْتُ لَهُ - إلَى ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ وَهُوَ قَاضٍ بِسِجِسْتَانَ: أَنْ لا تَحْكُمْ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَأَنْتَ غَضْبَانُ؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: لا يَحْكُمْ أَحَدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ.

(الشرح)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله رسولنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.....

قال المؤلف -رحمه الله تعالى- في كتابه القضاء: عن عبد الرحمن بن أبي بكرة قال: كتب أبي وكتبت له إلى ابنه عبد الله بن أبي بكرة وهو قاضٍ بسجستان ألّا تحكم بين اثنين وأنت غضبان فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول لا يَحْكُمْ أَحَدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ. -وفي رواية- لا يَقْضِيَنَّ حَكَمٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ.

وهذا الحديث فيه نصح عبد الرحمن بن بكرة حيث كتب إلى ابنه عبد الله بن أبي بكرة وهو قاضي من سجستان ألا تحكم بين اثنين وأنت غضبان فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول: لا يَحْكُمْ أَحَدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ. -وفي رواية أخرى- لا يَقْضِيَنَّ حَكَمٌ يعني هو القاضي بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ.

هذا الحديث فيه نهي الحاكم الشرعي القاضي بأن يحكم بين اثنين في أي حكومة أو خصومة وهو غضبان وهو يفيد تحريم حكم القاضي وهو غضبان وذلك لأن الغضب يشوّش على القاضي ذهنه فيمنعه من تصوّر الدعوى وسداد النظر فيها.

وألحق العلماء بالغضب كل ما يمنع القاضي من تشوّش ذهنه، قالوا مثل الجوع المفرط أو الشباع المفرط أو هم مزعج أو برد شديد أو حر شديد أو انشغال شديد، هذه الأمور كلها في معنى الغضب لأنها تمنع القاضي من تصوّر المسألة وتصوّر الدعوى وتمنعه من استقامة الحال والسداد فيها.

لكن قال العلماء: لو حكم في هذه الحالة وأصاب الحق صحّ حكمه ونفذ.

وفي هذا الحديث نصح المسلمين ولاسيما ولاة الأمر فإن عبد الرحمن كتب إلى ابنه ألا تحكم بين اثنين وأنت غضبان وهذا من النصح لولاة الأمر لأن القاضي نائب عن ولي الأمر في هذا فهو ولي للأمر.

ففيه النصح للمسلمين وولاة الأمر مع الدعاء لهم، نصحهم بالطريق المناسب والوسائل التي تكون فيها مصلحة للوالي.

(المتن)

380 - عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ - ثَلاثَاً - قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: الإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَكَانَ مُتَّكِئاً فَجَلَسَ، وَقَالَ: أَلا وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ، فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ.

(الشرح)

وهذا الحديث حديث أبي بكرة قال: قال رسول الله ﷺ أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ ثلاثاً، كررها لتفهم عن الحادثة قلنا بلى يا رسول الله قال الإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وكان متكئاً فجلس قال أَلا وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ، فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت، الحديث رواه الشيخان البخاري ومسلم _رحمهما الله_.

فيه أن النبي ﷺ وعظ أمته ونصحها بهذا الحديث وبيّن لهم مهلكات الذنوب وموبقات المعاصي وبيّن أعظمها.

وفيه من الفوائد أن الشرك بالله أعظم الكبائر.

وفيه من الفوائد تقسيم الذنوب إلى كبائر وصغائر كما قال الله تعالى: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ يعني الصغائر، قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه البخاري وأخرجه مسلم في صحيحه الْصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَالْجُمُعُةِ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَرَمَضَانِ إِلَى رَمَضَانَ مُكفِّرَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ يفيد على تقسيم الذنوب إلى كبائر وصغائر.

واختلف العلماء في تحديد الكبيرة على أقوال متعددة أرجحها أن الكبيرة كل ذنب وجب فيه حد في الدنيا أو وُعيد في الآخرة بالنار أو اللعنة أو الغضب وألحق بعضهم إذا نُفي عن صاحب الإيمان وقال فيهم النبي ﷺ لَيْسَ مِنَّا وتبرأ منهم النبي ﷺ كما تبرأ من الصالقة والحالقة والشاقة.

فيه عظم حق الله لأن حق الله أعظم الحقوق ولذلك صار الشرك من أعظم الذنوب.

وفيه عظم حق الوالدين ولذلك صار عقوق الوالدين يلي الإشراك بالله .

وفيه خطر شهادة الزور أو قول الزور وأنه محرّم والنبي ﷺ اهتم بشهادة الزور كان متكئاً فجلس، قال: أَلا وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ، من المعلوم أن الشرك بالله أعظم. كذلك عقوق الوالدين.

ولكن كون النبي ﷺ غيّر هيأته كان متكئاً فجلس لما قال أَلا وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ، جعل يكررها؛ لأن الناس يتساهلون فيها ويتجرؤون عليها أكثر ما يتجرؤون على غيرها، كأن يشهد على فلان أنه متزوج وليس متزوج، يشهد أن فلان ابن فلان وليس كذلك، يشهد على فلان أنه فقير وليس كذلك، إما لأنه يريد أن ينفعه أو لغير ذلك من مقاصد، وعقوق الوالدين كل ما يؤذي الوالدين من الأقوال والأفعال.

وفيه نصح النبي ﷺ وشفقة لأمته وحسن تعليمه عليه الصلاة والسلام.

(المتن)

381 - عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ، وَلَكِنْ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ.

(الشرح)

هذا الحديث حديث عن ابن عباس قول النبي ﷺ قال: لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ، وَلَكِنْ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. بيّن فيه النبي ﷺ أن من ادّعى على أحد شيئاً فعليه البيّنة لإثبات دعواه، فإن لم يكن لديه البيّنة فإن على المدّعى عليه اليمين لنفي ما ادُّعي عليه.

وبيّن النبي ﷺ الحكمة في ذلك أنه لو أُعطي كل من ادّعى شيئاً لا ادّعى من لا يراقب الله ولا يخشى عقابه على الأبرياء دماءً وأموالاً ظلماً وعدواناً، ولكن الله جعل حدوداً وأحكاماً ليقِلَّ الظلم والفساد.

فيه في الحديث من الأحكام أنه لا يوجد حكم إلا بالشرع وإن غلب على الظن صدق المدّعي.

ومن الفوائد أن اليمين على المدّعى عليه، وكون اليمين في جانب المدّعى عليه لأنه أقوى لأن الأصل براءة ذمته.

والحكمة في عدم قبول دعوة المدّعي إلا بالبيّنة والاكتفاء من المدعى عليه باليمين أنه لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ، بهذا تبيّن من هذا الحديث قاعدة عظيمة من قواعد القضاء وعليها تدور غالب الأحكام وبيّن اسماً لكل ما أبان الحق وأظهره سواء كان شهود وقرائن الحال ونص المدّعى.

يعني البيّنة هي كل ما أبان الحق أو أظهره سواء من الشهود ومن قرائن الأحوال، قال الحافظ ابن رجب: كل عين لم يدّعها صاحب اليد فمن جاء فوصف بأوصافها الخفية فهي له.

انتهى وبالله التوفيق.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد