المتن :
كِتَابُ الأَطْعِمَةِ
382 - عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ - وَأَهْوَى النُّعْمَانُ بِإِصْبَعَيْهِ إلَى أُذُنَيْهِ -: إنَّ الْحَلالَ بَيِّنٌ، وَالْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ، أَلا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ، أَلا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ.
الشرح :
كتاب الأطعمة ، الكتاب هو الذي يجمع أبواب و الأبواب تجمع فصول في الغالب فكتاب الأطعمة تحته أبواب متعددة ، يدخل في الأطعمة الصيد و الذبائح و الأضاحي و غيرها .و لهذا قال المؤلف : كتاب الأطعمة.
و الأطعمة جمع طعام و هو كل ما يؤكل و الأشربة جمع شراب وهو كل ما يشرب.
و هذا الحديث رواه النعمان بن بشير قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ - وَأَهْوَى النُّعْمَانُ بِإِصْبَعَيْهِ إلَى أُذُنَيْهِ أهوى النعمان بإصبعيه إلى أذنيه للتأكيد ، يؤكد أني سمعت النبي ﷺ و أني متأكد ليس عندي شك ، أهوى بإصبعيه إلى أذنيه ليؤكد أنه متأكد و أنه ليس عنده إشكال ، يعني سمعت النبي ﷺ بأذني يقول : إنَّ الْحَلالَ بَيِّنٌ، وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ بين معناه ظاهر، فالحلال ما دل الدليل على حله و الحرام ما دل الدليل على تحريمه .
إنَّ الْحَلالَ بَيِّنٌ معناه واضح لا لبس فيه و هو ما دل القران و السنة على إباحته كالأطعمة و الأشربة قال الله تعالى هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فالأصل في الأشياء الحل حتى يأتي الدليل على تحريمه لقول الله تعالى هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فجميع الأطعمة و الأشربة كلها حلال .
(...)
و كل ذي ناب من السباع و كل ذي مخلب من الطير هذه مستثناة من الأدلة.
و كذلك الأشربة كلها حلال إلا ما دل الدليل على تحريمه كالمسكر و النجاسات و المخدرات و غير ذلك مما استثني و لهذا قال النبي ﷺ إنَّ الْحَلالَ بَيِّنٌ، وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ و هذه قاعدة ، قاعدة عامة ، إنَّ الْحَلالَ بَيِّنٌ، وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ فالحلال ما دل الدليل على حله و الحرام ما دل الدليل على تحريمه، و هو بين و واضح ، فالحلال بين و الحرام بين.
وَبَيْنَهُمَا أمور مُشْتَبِهَاتٌ لا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ بين الحلال و الحرام أمور مشتبهات و الأمر المشتبه هو الذي لم يتضح أمره لا يعرف أنه حلال و لا يعرف أنه حرام ، لم يتضح للإنسان دليل التحريم ولا دليل التحليل ففي هذه الحالة يتوقف و يمسك ولهذا قال وَبَيْنَهُمَا أمور مُشْتَبِهَاتٌ ما موقف المسلم ، الأمور ثلاثة ، حلال بين و حرام بين و مشتبه ، موقف المسلم ، الحلال البين يتناوله و الحرام البين يجتنبه و المشتبه ماذا يعمل ، يتوقف أيضا ، يتوقف و يمسك حتى يتبين له حله فيقدم عليه أو حرمته فيمسك، والورع أن يمسك الإنسان عن المشتبه لأن المشتبه برزخ بين الحلال و الحرام فإذا أقدم الإنسان على المشتبه تجرأ على الحرام و إذا أمسك عن المشتبه صار بينه و بين الحرام حاجز و لهذا قال النبي ﷺ ، فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ. يريد البراءة لدينه و عرضه يجتنب المتشابهات.
والمتشابه كل أمر يشكل لا تعرف حله و لا حرمته قال النبي ﷺ في الحديث الصحيح حسن دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيبُكَ، يعني دع ما تشك فيه إلى ما لا تشك فيه و المشتبه يريب الإنسان دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيبُكَ.
فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ يعني توقاها اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ. يعني طلب البراءة ، الهمزة والسين و التاء للطلب ، من اتقى الشبهات طلب البراءة لدينه و عرضه وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ: وَقَعَ فِي الْحَرَامِ من وقع في الشبهات معناه تجرأ صار عنده جرأة ، صار عنده إقدام و لم يسلك مسلم الورع فحينئذن لابد أن يصل إلى الحرام ، يمشي ، لأنه لا يقف عند هذا الحد .
إذا وقع في الشبهات لابد أن يقع في الحرام لأنه صار ملاصق للحرام ليس بينه وبينه فاصل ولا برزخ ولهذا قال النبي ﷺ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ: وَقَعَ فِي الْحَرَامِ.
ثم ضرب النبي ﷺ مثل ، و الأمثال ينتقل بها الإنسان من الأمر الحسي إلى الأمر المعنوي ، قال الله تعالى وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ الأمثال ينتقل فيها الذهن من الأمر الحسي إلى الأمر المعنوي ، قال النبي ﷺ كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ.
كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى، إذا كان هناك حمى الملك أو الأمير أو الغني جعل حماية حول مزرعته و حول بيته ، جعل شق و حماية و قال هذا لا يأتي إليه أحد ، الذي يأتي حول الحمى هذا سيعاقب ، عليه عقوبة ، حد حمى حماية لمزرعته ، و مزرعته معروف حدودها ، ولكن جعل حماية من وراء المزرعة لا يأتي إليها أحد ، من يأتي يعاقب .
فالراعي الذي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه ، الراعي الذي يرعى حول الحمى يوشك أن يدخل ، بخلاف الراعي البعيد هذا يسلم ، كالراعي يرعى حول الحمى ، فالذي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع في الحمى فيعاقب فتأتيه العقوبة ، أما الراعي الذي يرعى بعيد هذا سالم .
فكذلك الإنسان الذي يتجرأ على المشتبهات يقع في الحرام بخلاف الذي يتورع عن المتشابهات هذا يكون بعيد فلا يقع في الحرام لأن بينه و بينه برزخ ، الرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ. يرتع يعني يرعى ، يرعى دوابه.
ثم قال النبي ﷺ أَلا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى كل ملك من ملوك الدنيا له حماية ، حماية شيء يحميه ، قال أَلا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ حمى الله المحارم أَلا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ فالمحارم حمى ولهذه الحمى وراءها متشابهات، فحمى الله محارمه و كل ملك له حمى و حمى الله محارمه.
ثم قال النبي ﷺ : أَلا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ. المضغة القلب سماه مضغة لأن القلب قطعة لحم بقدر ما يمضغه الإنسان في فمه ،قطعة مثل القطعة التي يمضغه الإنسان في فمه ، و منه تخليق الجنين ، الجنين حينما يكون في بطن أمه يتطور ، يكون نطفة ثم يكون علقة ثم يكون مضغة يعني في الأول يكون نطفة قطرة ماء ، ماء مني فإذا مضى عليها أربعين يوما صارت علقة قطعة دم ، تحولت إلى قطعة دم فإذا مضى أربعين يوما تحولت إلى قطعة لحم ، قطعة مضغة بقدر ما يمضغه الإنسان في فمه ، وكذلك القلب هنا سمي مضغة لأنه قطعة لحم بقدر ما يمضغه الإنسان في فمه ، أَلا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ.
و الحديث فيه دليل على أن القلب هو أمير الأعضاء وملك الأعضاء ، القلب هو ملك لأعضاء ، والأعضاء كلها خدم له ، فإذا صلح الراعي صلحت الرعية ، والناس على دين ملوكهم و المرأة على دين زوجها و الجسد تابع للقلب فإذا صلح القلب و استقر فيه الإيمان صلحت الجوارح و انبعثت على طاعة الله و إذا فسد القلب و استقر فيه النفاق أو محبة الشر و الفساد انبعثت الجوارح على الفساد ولا حول و لا قوة إلا بالله و لهذا قال النبي ﷺ أَلا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ.
و قوله اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ. العرض هو موضع المدح و الذم في الإنسان يقال له عرض و المعنى أنه يبرأ دينه من النقص و يبرأ عرضه من الطعن فيه ، إذا ترك المتشابهات استبرأ لدينه و عرضه ، يعني برأ دينه من النقص و برأ عرضه من الطعن فيه لأن من لم يعرف الشبهات لا يسلم من قول يطعن فيه .
الحديث فيه من الفوائد أن الأشياء ثلاثة أقسام ، حلال بين و حرام بين و مشتبهات.
وفيه من الفوائد و الأحكام أن المسلم عليه أن يتناول الحلال.
فيه الحث على طلب الحلال.
و فيه من الفوائد أنه يجب على المسلم ترك الحرام ، يجب على المسلم ترك الحرام و يعتقد حرمته و يجب على المسلم أن يعتقد حل الحلال و له أن يتناول منه لكن يجب علي أن يعتقد حله و يجب أن يعتقد حرمة الحرام.
و في الحديث من الفوائد الإمساك عن الشبهات و أن الورع اتقاء الشبهات والإمساك عنها وأنها برزخ بين الحلال و الحرام.
و فيه من الفوائد أنه يشرع للمسلم أن يحطات لدينه و عرضه و أن عليه أن لا يتعاطى الأمور الموجبة لذمه و سوء الظن به.
و فيه مشروعية الأخذ بالورع و العمل به.
و فيه من الفوائد حث الإنسان على تعلم العلم ، حتى يعلم الحلال و الحرام و فضل العلم ، حث على فضل العلم و مزية العلم و العلماء و فيه من الفوائد مشروعية ضرب الأمثال للتقريب ، ضرب الأمثال لتقريب الأشياء المعنوية بالأشياء الحسية.
و فيه أنه ينبغي للمسلم أن يعظم ربه ،و أن يبتعد عن محارمه فإن الرب له محارم يجب على الإنسان أن يبتعد عنها.
وفيه منزلة القلب من الجسد و أنه ملكها و والمسير لها و صلاحها بصلاحه و فسادها بفساده .
و استدل به بعضهم على أن أعمال القلوب أفضل من أعمال البدن و هذا في الجملة فالأغلب أن أعمال القلوب أفضل من أعمال البدن في الغالب كالخوف و الرجاء و النية و الإخلاص و الصدق و المحبة كل هذه من أعمال القلوب و لكن قد تكون أعمال الجسد أفضل كالصلاة و الصدقات كما أن أعمال القلوب السيئة أخبث من أعمال الجسد السيئة فالقلب له أعمال له حسنات عظيمة مثل النية والصدق و الإخلاص و المحبة و الخوف و الرجاء و التوكل .
و له أعمال خبيثة ، كبائر ، من أعظم الكبائر كالعجب و الكبر و الحسد و الرياء و الاحتقار ، احتقار الناس و ازدرائهم و رد الحق ، كل هذه من أعمال القلوب الخبيثة فالواجب على المسلم أن يجتنبها ويجاهد نفسه على تركها .
المتن :
الشرح :
هذا الحديث استدل به المؤلف رحمه الله على حل الأرنب و أن الأرنب حلال لأن الكتاب كتاب الأطعمة.
وهذا الحديث فيه دليل على أن الأرنب حلال لأن النبي ﷺ أكل منها و أقرها و أقر أنس و أبا طلحة على صيد الأرنب فالأرنب حلال .
و الأصل في الصيد كلها حلال إلا ما دل الدليل على تحريمه كالسباع التي لها ناب و المستخبثات من الحيات و غيرها و الكلاب و غيرها، هذا مستخبثات و السبع ، كل السباع التي لها ناب ، السباع التي لها ناب و المستخبثات كالحيات و العقارب و الكلاب هذه حرام و الكلاب لها ناب الكلب له ناب ، الكلب و الذئب و الأسد و النمر كلها لها أنياب ، ويستثنى من هذا الضبع لها ناب إلا أنها حلال ، و كذلك كل ذي مخلب من الطير .
فالأصل حل الحيوانات إلا ما دل الدليل على تحريمه و من ذلك الأرنب ، الأرنب حلال.
في الحديث دليل على حل الأرنب.
و فيه دليل على أن الإنسان إذا صاد شيء فهو حقه ، إذا صاد أرنب فهو أحق به من غيره لأن ليس لها مالك إذا كان في البرية أو صاد أرنب أو شيء من الطيور المباحة فهو أحق به.
و في هذا الحديث يقول أنس أَنْفَجْنَا أَرْنَباً بِمَرِّ الظَّهْرَانِ أنفجنا يعني أثرناه و ذعرناه فَسَعَى الْقَوْمُ فَلَغَبُوا ، وَأَدْرَكْتُهَا فَأَخَذْتُهَا في عدد يتبعون الأرنب أثاروها و الأرنب سريعة الجري فجرى و رائها ناس ، وجرى ورائها عدد من الشبان ، من الشباب فتعب القوم ، تعبوا و وقفوا و أنس استمر حتى أدركها و أخذها فصارت له ولذلك قال أنس فَسَعَى الْقَوْمُ فَلَغَبُوا ، تعبوا من الركض خلف الأرنب أتعبتهم فتركوها و أنس استمر ، استمر حتى أدركها ، فَسَعَى الْقَوْمُ فَلَغَبُوا ، تعبوا ، وَأَدْرَكْتُهَا فَأَخَذْتُهَا . فَأَتَيْتُ بِهَا أَبَا طَلْحَةَ، أبا طلحة زوج أمه، فَذَبَحَهَا وَبَعَثَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِوَرِكِهَا وَفَخِذَيْهَا. فَقَبِلَها النبي ﷺ .
و مر الظهران هذا مكان ، اسم موضع و هو قريب من مكة يسمى بوادي فاطمة الآن
و الحديث فيه من الفوائد حل الأرنب و جواز أكلها.
و فيه أن آخذ الصيد يملكه و لا يشاركه فيه من أثاره من صاده فهو أحق به.
و فيه أن ولي الصبي يتصرف فيما يملكه الصبي فإن أنس صغير صبي و وليه أبو طلحة و هو زوج أمه فأعطى الأرنب لأبي طلحة حتى يتصرف و أهدى للنبي ﷺ وركها و فخذيها.
و فيه قبول الهدية ، مشروعية قبول الهدية فإن النبي ﷺ قبل الهدية من أبي طلحة لما أهدى له ورك الأرنب و النبي ﷺ قبلها ليبين له حلها أيضا.
و فيه مشروع قبول الهدية و استحباب الهدية و استحباب قبولها .
المتن :
الشرح :
هذا الحديث فيه دليل على حل الخيل و أن الخيل حلال أكلها بخلاف البغل و هو المتولد من الخيل و الحمر فهو حرام يغلب جانب التحريم فالبغل أبوه فرس و أمه حمارة فإذا نزل الفرس على الحمارة المتولد منهما يسمى بغل فالبغل محرم لأنه يغلب جانب التحريم لأن أمه حرام وهي الحمارة فيغلب جانب التحريم بخلاف الخيل ، أبوه و أمه من الخيل فهذا حلال.
فالحديث فيه دليل على حل الخيل ، بدليل أن النبي ﷺ أكلها ، قالت أسماء : نحرنا ، يعني ذبحنا، على عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَرَسًا فَأَكَلْنَاهُ . وَفِي رِوَايَةٍ وَنَحْنُ بِالْمَدِينَةِ .رواه البخاري.
و قوله في المدينة فيه فوائد على أن نحرها بعد فرض الجهاد.
و فيه الرد على من منع أكلها ، بعض العلماء منع أكل الخيل و قال إنها لا تؤكل لأنها من آلات الجهاد لو أكلت لتعطلت آلات الجهاد .
و قوله : ونحن في المدينة يعني بعد فرضية الجهاد فدل على إباحتها.
و الحديث فيه دليل على حل الخيل و أنه حلال قبل فرضية الجهاد و بعد فرضية الجهاد و الله تعالى امتن على عباده بقوله وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ.
المتن:
385 - عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ، وَأَذِنَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ.
وَلِمُسْلِمٍ وَحْدَهُ قَالَ: أَكَلْنَا زَمَنَ خَيْبَرَ الْخَيْلَ وَحُمُرَ الْوَحْشِ، وَنَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنْ الْحِمَارِ الأَهْلِيِّ.
الشرح :
هذا حديث جابر فيه أن النبي ﷺ نهى عن لحوم الحمر الأهلية و النهي يفيد التحريم ، والحمر جمع حمار و الأهلية يعني المتأهلة و يقال لها الحمر الإنسية التي تعيش في البلد ، سميت إنسية لأنها تأنس بالناس و سميت أهلية لأنها متأهلة بخلاف الحمر الوحشية التي توحشت و هي في البرية فهذه صيد و لهذا فإن الحمر الوحشية صيد المتوحشة التي في البر أما الحمر الأهلية فهي حرام ولهذا في هذا الحديث نهى النبي ﷺ عن لحوم الحمر الأهلية و أذن في لحوم الخيل و لمسلم (أَكَلْنَا زَمَنَ خَيْبَرَ الْخَيْلَ وَحُمُرَ الْوَحْشِ) ونهى النبي ﷺ عن الحمر الأهلية
و حمار الوحش معروف يشبه الحمار و هو مخطط و هو موجود في حديقة الحيوانات ترونه عليه خطوط هذا صيد حلال بخلاف الحمار الأهلي.
و الحديث فيه من الفوائد تحريم لحوم الحمر الأهلية و يقال لها الإنسية و أنها حرام لا يجوز أكلها.
و فيه من الفوائد جواز أكل لحم الخيل.
و فيه جواز أكل لحم الحمار الوحشي الذي يعيش في البرية .
المتن :
386 - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: أَصَابَتْنَا مَجَاعَةٌ لَيَالِيَ خَيْبَرَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ وَقَعْنَا فِي الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ، فَانْتَحَرْنَاهَا، فَلَمَّا غَلَتْ بِهَا الْقُدُورُ نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: أَنْ أَكْفِئُوا الْقُدُورَ، وَرُبَّمَا قَالَ: وَلا تَأْكُلُوا مِنْ لُحُومِ الْحُمُرِ شَيْئاً.
387 - عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ قَالَ: حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لُحُومَ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ.
الشرح :
رواه البخاري .
هذان الحديثان في لحوم الحمر الأهلية الحديث الأول حديث عبد الله بن أبي الأوفى : أَصَابَتْنَا مَجَاعَةٌ لَيَالِيَ خَيْبَرَ ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ يعني في الليالي التي كانوا يحاصرون أهل خيبر ، اليهود كانوا في خيبر حاصرهم النبي ﷺ لما نقضوا العهد ليالي و غزاهم ، فأصابتهم في بعض الأيام الطويلة مجاعة ، أصابهم جوع فاستعجلوا و ذبحوا لحوم الحمر أهلية و طبخوها في القدور من شدة الجوع الذي أصابهم و كانت قبل ذلك مباحة ، وجاء في الحديث الآخر أن النبي ﷺ رأى القدور قال مَا هَذِهِ القُدُورُ قالوا : قدور تطبخ ، قال : عَلَى أَيِّ شَيءٍ تُطبَخُ قالوا : لحوم ، قال : أَيُّ لَحمٍ ، قالوا : لحوم الحمر الإنسية ، ولم يستأذنوا النبي ﷺ من شدة الجوع ذبحوا الحمر و طبخوها ، فأمر النبي ﷺ مناديا ينادي أَلَا إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ جعل ينادي بأعلى صوته و يدور على الجيش أَلَا إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ فأكفئت القدور أكفأوها كلها أكفأوها و هي تفور و تغلي و تطبخ باللحوم فأكفأوها كلها ، جيش قدور كثيرة ، الجيش مسافات مد البصر كلها قدور تغلي بلحوم الحمر الأهلية فلما سمعوا منادي رسول الله ﷺ أَلَا إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ
قالوا سمعا و طاعة لله و لرسوله فأكفئوا القدور و في لفظ آخر ( و أكفئت القدور و إنها لتفور ) هنا قال أَصَابَتْنَا مَجَاعَةٌ لَيَالِيَ خَيْبَرَ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ: وَقَعْنَا فِي الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ ، فَانْتَحَرْنَاهَا فَلَمَّا غَلَتْ بِهَا الْقُدُورُ: نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنْ أَكْفِئُوا الْقُدُورَ ، وَرُبَّمَا قَالَ: وَلا تَأْكُلُوا مِنْ لُحُومِ الْحُمُرِ شَيْئاً .
و عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ قَالَ: حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لُحُومَ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ .
رواه البخاري
اختلف العلماء في الحكمة من تحريم لحوم الحمر الأهلية و لحوم الحمر الأهلية أجمع العلماء إجماع على أنها محرمة و خالف في ذلك عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فأباح لحوم الحر الأهلية و لما جاء رجل يستفتيه ، قال: ليس عندي ما أطعم أهلي إلى من سمين حمري قال : أَطْعِمْ أَهْلَكَ مِنْ سَمِينِ حُمُرِكَ و هذا إجهاد منه و روي عنه أنه رجع رجع عن ذلك و تبين له و لكنه كان إجماع من أهل العلم على أن لحوم الحمر الأهلية حرام .
و اختلف العلماء في حكمة التحريم فقال بعض لعلماء الحكمة في تحريمها أنها حمولة الناس ، حمولة الناس يركبونها و يستعملونها فلو أبيح أكلها لتضرر الناس ، يرتحلونها و يحملون عليها في المزارع و في الأسفار و في غيرها فلو أبيح أكلها لتضرر الناس و لتعطلت مصالحهم.
وقال آخرون من أهل العلم سبب تحريمها أنها تأكل الجيف و تأكل القذر و تأكل النجاسات .فلهذا حرم أكلها و قال آخرون من أهل العلم أنها حرمت لأن الناس أسرعوا و بادروا و ذبحوها قبل سؤال النبي ﷺ.
و الصواب أن الحكمة في تحريمها نجاستها ، أنها نجس و الدليل على ذلك ما جاء في أحاديث عن النبي ﷺ أنه قال أَلَا إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ هذا هو الصواب ، الصواب أن العلة في تحريمها ليس أنه حمولة الناس و ليس لأنها تأكل النجاسات و ليس لأنهم بادروا ولكن العلة أنها رجس أنها رجس لما فيها من النجاسة الحسية و هذه العلة نص عليها النبي ﷺ أَلَا إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ؛ فإِنَّهَا رِجسٌ و الحديث فيه دليل على تحريم الحمر الأهلية لأنها رجس.
و قوله ( غلت بها القدور ) معروف يعني طبخوها
و فيه من الفوائد أن الذكاة لا تحل المحرم ، المحرم لا تحل ذكاته كالحمار والسباع إذا ذبح الإنسان السبع ما يحله الذكاة لا تحلها ، الذكاة لا تحل إلا مأكول اللحم مثل بهيمة الأنعام و الإبل و الغنم تحلها الذكاة فلو قطعت منها قطعة لحم و هي حية ما تحل حتى تذبحا ، فالذكاة تحلها فالذكاة تحل بهيمة الأنعام أما المحرمات فلا تحلها الذكاة فالسباع و الكلاب و النمور و الحمر لا تحلها الذكاة .
و أما الجلد جلد الميتة فهل يحل أو لا يحل اختلف العلماء في جلد الميتة فقال بعض العلماء جلد الميتة إذا دبغ فهو حلال يستعمل في كل شيء و قال بعضهم يستعمل في اليابسات دون المائعات و ذهب جمهور العلماء إلى أن جلد الميتة إنما يباح إذا كان جلد مأكول اللحم ، إذا كانت الميتة مأكولة اللحم كالإبل و البقر و الغنم فإذا سلخت الميتة و دبغ جلدها حل .
لما ورد في حديث أم سلمة أنه ماتت شاة لأم سلمة فقال النبي ﷺ : لَو أَخَذتُم إِهَابِهَا فقالوا : يا رسول الله إنها ميتة قال: يُطَّهِرُهَا الدِّبَاغُ فالدباغ يطهر الجلد كما أن الذكاة تطهر المذبوح ، كما أن الذكاة تحل مأكول اللحم و تطهرها فكذلك الجلد يطهر مأكول اللحم
أما جلد ما لا يؤكل لحمه ، فلو سلخ جلد حمار أو جلد نمر أو أسد فلا يحلها الدباغ ، لأن الدباغ إنما يحل جلد مأكول اللحم فهو بمثابة الذكاة كما أن الذكاة تحل مأكول اللحم فجلد مأكول اللحم يحله الدباغ.
و قال آخرون من أهل العلم أنها حتى أن الدباغ يحل كل جلد ميتة لعموم حديث أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ وذهب إلى هذا البخاري وجماعة وهو قول قوي.
و على هذا فتكون ، مثلا الحيات ، الحيات في أماكن في أفريقيا و غيرها حيات ضخمة يسلخ جلدها و تكون نعال و حذاء ، يستعملونها الآن فعلى هذا يكون القول بأنها تحلها الدباغ فهي حلال ، و على القول بأنها لا تحلها فهي حرام .
انتهى .................