المتن :
كِتَابُ الأَشْرِبَةِ
398 - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ عُمَرَ قَالَ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّهُ نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ، وَهِيَ مِنْ خَمْسَةٍ: مِنْ الْعِنَبِ، وَالتَّمْرِ، وَالْعَسَلِ، وَالْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ. وَالْخَمْرُ: مَا خَامَرَ الْعَقْلَ، ثَلاثٌ وَدِدْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ عَهِدَ إلَيْنَا فِيهَا عَهْداً نَنْتَهِي إلَيْهِ: الْجَدُّ، وَالْكَلالَةُ، وَأَبْوَابٌ مِنْ الرِّبَا.
الشرح :
كتاب الأشربة ، الأشربة جمع شراب بعد أن انتهى المؤلف من كتاب الأطعمة بدأ بكتاب الأشربة و هذا مناسب أن يكون الشراب بعد الطعام لأن الإنسان إذا أكل يحتاج إلى الشراب فلهذا ناسب أن يكون كتاب الأشربة بعد كتاب الأطعمة .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ عُمَرَ قَالَ - عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَمَّا بَعْدُ فيه مشروعية : أما بعد ، في الخطب و الرسائل كان النبي ﷺ في خطبه إذا خطب الناس يوم الجمعة يقول أَمَّا بَعدُ، فإِنَّ أَحْسَنَ الحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيرَ الهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ و كذلك في رسائله لما كتب لهرقل عظيم الروم قال : أَمَّا بَعْدُ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ يؤتى بها للانتقال من شيء إلى شيء.
مختلف في أول من قالها فقيل أول من قالها داود عليه الصلاة و السلام و هي فصل الخطاب ، وقيل أول من قالها قس بن ساعدة الإيادي و قيل غير ذلك .
و هي خير من قول وبعد .
أَمَّا بَعْدُ ، أَيُّهَا النَّاسُ ، إنَّهُ نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ وَهِيَ مِنْ خَمْسَةٍ: مِنْ الْعِنَبِ ، وَالتَّمْرِ ، وَالْعَسَلِ ، وَالْحِنْطَةِ ، وَالشَّعِيرِ. مقصد عمر أن الخمر تؤخذ من هذه الخمسة في زمنه في زمانهم كانت الخمر تؤخذ من العنب و من التمر و من العسل و من الحنطة و من الشعير و إلا فليس المراد أنها محصورة في هذه الخمس .
الخمر يؤخذ من كل شيء ليس خاصا بهذه الخمس لكن هذه الخمس هي التي يعصر منها العنب في زمانهم ، في زمان النبي ﷺ و ذلك أن العنب يعصر فيكون عصيرا يشرب منه فإذا مضى عليه ثلاثة أيام في شدة الحر قذف بالزبد وصار خمرا و كذلك التمر يؤخذ منه الماء و يسمى المريس ، التمر يوضع عليه ماء حتى يحلي الماء.
و منه أن النبي ﷺ كان في بعض أسفاره ، قال لبعض أصحابه اجْدَحْ لَنَا يعني اخلط التمر بالماء ، قال : إن عليك نهارا و هو صائم .
و كذلك العسل ، فهذه يستخرج منها ، و كذلك الحنطة و الشعير يستخرج منها العصير و يشرب منه .
و كان النبي ﷺ ينبذ له النبيذ فيشرب منه اليوم و الغد فإذا كان في اليوم الثالث سقاه الخادم أو صبه خشية أن يتخمر لأنه في الغالب مع شدة الحر يتخمر بعد ثلاثة أيام .
أما إذا وضع في الثلاجة هذا لا يتخمر يجلس مدة في الثلاجة في البراد لكن الحر ، وعلامته أنه يقذف بالزبد ، كان النبي ﷺ في أول الأمر ، في أول الإسلام لما نهاهم عن الخمر، الأسقية الجلد ، نهاهم أن لا ينتبذوا إلا في الأسقية نهاهم أن ينتبذوا في الأشياء الصلبة مثل الجذع و المقير لأن يتخمر و لا يعلمون ، ولكن إذا تخمر و هو في الأسقية في الجلد تشقق الجلد ، إذا تخمر تعرفوا أنه خمر ، ثم لم استقر الإسلام أمرهم النبي ﷺ أن ينتبذوا في كل وعاء و أن يجتنبوا الخمر .
فعمر قال : إنَّهُ نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ وَهِيَ مِنْ خَمْسَةٍ. يعني في زمانهم ، يعني الخمر تؤخذ من خمسة من العنب فإذا عصر العنب يوم يومين ثلاثة ، في اليوم الثالث أو الرابع أو الخامس يتخمر يصير خمر يقذق بالزبد.
و كذلك التمر إذا مرسه بالماء حتى يكون حلو ، يكون شراب حلو ليوم و يومين وفي اليوم الثالث يتخمر ، إلا إذا وضع في الثلاجة ، لأنه ما كان عندهم ثلاجات في ذلك الوقت ما في ثلاجات و كذلك العسل و كذلك الحنطة و الشعير .
فهي من الخمسة في زمانهم و إلا فالخمر تؤخذ من كل شيء الآن من التفاح و من البرتقال و من كل شيء ، وجدت الآن أنواع من الأشربة و الخمور لا حصر لها .
و القاعدة : مثل ما قال عمر . وَالْخَمْرُ: مَا خَامَرَ الْعَقْلَ هذا الخمر ما خامر العقل و غطاه خمر من أي شيء كان سواء كان مأكولا أو مشروبا أو مشموما ، قد يكون حبوب تؤكل ، قد يكون شيء يشم فيسكر كل ما خامر العقل وغطاه فهو خمر ، الخمر : ما خامر العقل و غطاه عام ، من أي شيء كان سواء كان من عصير العنب أو العسل أو التمر أو الحنطة أو الشعير أو البرتقال أو التفاح أو غيره أو مأخوذ من السكر أومن غيره ، الخمر كل ما خامر العقل و غطاه ، في الحديث الآخر كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ.
هذه قاعدة ، يقول النبي عليه الصلاة والسلام كل مسكر خمر كل ما أسكر يسمى خمر و كل خمر حرام قاعدة ، كل صيغة للعموم كل ما يسكر فهو خمر و كل خمر حرام .
ثم قال عمر : الْعَقْلَ ثَلاثٌ وَدِدْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ عَهِدَ إلَيْنَا فِيهَا عَهْداً نَنْتَهِي إلَيْهِ: الْجَدُّ ، وَالْكَلالَةُ ، وَأَبْوَابٌ مِنْ الرِّبَا . هذه الثلاثة أشكلت على عمر مع جلالة قدره ، مع أنها واضحة ، الجد هو أب الأب ، ولكن أشكل على عمر ، هل يسقط الأخوة في الميراث أم يكون واحد منهم ، و الصواب أنه يسقط الأخوة ، الصواب الذي عليه المحققون و هو اختيار جمع من المحققين و هو مذهب أبي حنيفة و هو اختيار الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله و اختيار شيخنا سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله و جمع من المحققين أنه أب و أنه يسقط الإخوة جميعا و لا يرثون معه ، كالأب ، لأن الله تعالى سماه أبا قال الله تعالى عن يوسف وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ. فسمى إسحاق و هو جده و يعقوب سماهم آباء ، فدل على أن الجد أب يسقط الإخوة و ذهب جمع من أهل العلم إلى أن الجد حكمه حكم الأخ و أنه يقاسم الإخوة و يأخذ الأحظ و هو اختيار زيد بن ثابت و جماعة فهذا أشكل على عمر
و كذلك الكلالة ، الكلالة أشكلت على عمر ، و الكلالة واضحة في القران ، الكلالة هو من لا ولد له ولا والد ، إذا مات شخص و ليس له أب ولا ولد يسمى كلالة و الله تعالى بين هذا في آخر سورة النساء . قال تعالى : يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ يعني ولا والد بدليل أن الأخت ورثت و الأخت لا ترث مع الوالد يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ . فلما ورثت الأخت دل على أنه ليس له والد لأن الوالد يسقط الإخوة ذكورا و إناثا ، فدل على أن الكلالة هو الذي يموت و ليس له ولد ولا والد و لهذا يرث الإخوة ، يرثه الإخوة .
لكن أشكل هذا على عمر مع جلالة قدره ، فيه دليل على أن العالم الكبير قد يخفى عليه شيء من العلم ، وقد يعلمه من هو دونه .
و كذلك أبواب من أبواب الربا ، ولهذا قال : (ثلاث) ، يعني ثلاث من المسائل ( وددت ) يعني تمنيت أن رسول الله ﷺ عَهِدَ إلَيْنَا فِيهَا عَهْداً نَنْتَهِي إلَيْهِ يعني يبين لنا حكا نصير إليها ، الجد هل يحجب الأخ فيكون أبا أو يقاسم الأخ فيكون أخا ، و الكلالة من هو ! أشكل عليه و هو من لا ولد له ولا والد أشكلت على عمر ولكن لم تشكل على غيره و أبواب من أبواب الربا ، ربا الفضل يعني ، أشكل عليه أما ربا النسيء فهو متفق عليه .
و الحديث فيه فوائد ، فيه تحريم الخمر و أن الخمر حرام و جاءت الأدلة على أنه من كبائر الذنوب.
و فيه دليل على أن الخمر هو كل ما خامر العقل و غطاه من أي نوع كان.
و فيه دليل على أن الخمر كانت تعصر في عهد النبي ﷺ من خمسة ، كما قال عمر : من العنب و من التمر و من العسل و الحنطة الشعير و قد تكون من غيرها .
و فيه فضل عمر حيث خطب الناس و نصحهم و فيه أن قد يخفى على كثير من العلم ما يعلمه من هو دونه فهذه المسائل قد أشكلت عل عمر و قد علمها من هو أقل منه لأن العلم مشاع ، قد يكون عند الصغير ما ليس عند الكبير .
و في الحديث دليل على شرف العقل و فضله لأن الخمر يزيل العقل.
و فيه تمني الخير لأن عمر تمنى قال وَدِدْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ عَهِدَ إلَيْنَا فِيهَا عَهْداً و أن قول الإنسان وددت أو لو في تمني الخير لا محذور فيه ، لو في تمني الخير لا محذور فيها ، كأن تقول لو علمت درسا في المسجد لحضرت لا بأس بـ لو في تمني الخير و إنما تمنع لو في التحسر على القدر ، في الاعتراض على القدر ، التحسر على ما مضى كقول المنافقين لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا.
و فيه مشروعية تنبيه العلماء للناس عن الأحكام في المنابر حتى يفهموها و يعقلوها فإن عمر أشاع هذه الأحكام على المنبر على منبر رسول الله ﷺ .
المتن:
الشرح
هذا الحديث حديث عائشة فيه أن النبي ﷺ سئل عن البتع و هو نبيذ العسل يعني هل هو حلال أو حرام ، يعني إذا عصرت العسل أو إذا أخرجت شراب من العسل هل هو حرام فالنبي ﷺ أتى بقاعدة عامة فقال : كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ. يعني إذا أخذت نبيذ العسل و وصل إلى حد الإسكار فهو حرام و إن كان لم يصل للإسكار فهو حلال هذه القاعدة .
فالنبي ﷺ سئل عن نبيذ العسل فقال : هو حرام أو حلال فقال النبي ﷺ كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ.
المعنى : إن كان نبيذ العسل يسكر فهو حرام و إن كان لم يصل لحد الإسكار فهو عصير ، شراب طيب .
و الحديث فيه من الفوائد تحريم المسكر من أي نوع كان.
و فيه أن النبي ﷺ أوتي جوامع الكلم.
وفيه جواز القياس باطراد العلة و على هذا فتحرم جميع الأنبذة المسكرة لقول النبي ﷺ كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ
و فيه أن النبي ﷺ أوتي جوامع الكلم و لهذا قال هذه القاعدة العامة كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ هذه من جوامع الكلم التي أوتيها ﷺ .
المتن :
الشرح :
هذا الحديث حديث ابن عباس فيه أن عمر بلغه أن فلانا باع خمرا ، جاء تسميته بأنه سمرة بن جندب كما ورد مصرحا به في رواية مسلم أنه سمرة بن جندب كأنه لم يعلم بالحكم أو تأول أو اجتهد فقال : قاتل الله فلانا هذا دعاء عليه لأنه فعل المنكر و قد يكون معذور ، قد يكون معذور لأنه لم يعلم بالحكم أو لأنه تأول لأنه صحابي لكن عمر دعا عليه من أجل الفعل قال : قَاتَلَ اللَّهُ فُلاناً ، أَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ، حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ فَجَمَلُوهَا فَبَاعُوهَا؟
المعنى أن عمر قال أنكر على سمرة بن جندب عندما باع الخمر لأن الخمر حرا و الله تعال إذا حرم شيئا حرم ثمنه ، استدل بأن اليهود لما حرم الله عليهم الشحوم جملوها يعني أذابوها ، أذابوها ثم باعوها ، فحينئذ اعتبر بأن هذا من الحيلة على المحرم ، هذا من الحيلة على المحرم النبي ﷺ - قَالَ: قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ، حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ فَجَمَلُوهَا
فتحيلوا ، جملوها يعني أذابوها فصارت دهن ، فقالوا إنا بعنا دهنا دهن ، ما أكلنا الشحم ، الله حرم علينا الشحم و هذا دهن و كذلك أيضا لما تحيلوا أصحاب السبت على اصطياد الحوت في يوم السبت ، الله حرم عليهم اصطياد الحوت في يوم السبت و من ابتلاء الله لهم صارت الحوت لا تأتي إلا يوم السبت بقية الأيام ما تأتي فاشتهوا السمك و صارت تأتي في يوم السبت ، ثم بقية الأيام لا تأتي ، فتحيلوا فنصبوا الشراك يوم الجمعة فتصيد الشراك يوم السبت فيأخذونها يوم الأحد ، قالوا : نحن ما صدنا يوم السبت فعند ذلك مسخهم الله قردة و خنازير لأنهم تحيلوا الحيل باطلة.
فكذلك تحيلوا لما حرم الله عليهم الشحوم ، أذابوا الشحوم حتى صارت دهنا و باعوها و قالوا : نحن لم نأكل الشحوم .
عمر أنكر على سمرة حين باع الخمر ، لأن الله حرم الخمر و الله إذا حرم شيء حرم ثمنه ، مدام الخمر حرام ، حرام شرابها و كذلك حرام بيعها، كل ما يحرم شربه يحر بيعه .
الحديث فيه من الفوائد تحريم بيع الخمر لأن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه.
و فيه من الفوائد أنما حرم لعينه فإنه يحرم بيعه إلا ما استثني مثل الذهب فإنه حرام على الرجال و ليس حرام أن يبيعوه ، أواني الذب و الفضة حرام استعمالها و لكن يجوز بيعها.
و فيه من الفوائد أن ما حرم بيعه يحرم ثمنه.
و فيه من الفوائد تحريم الحيل إبطال الحيل و تحريمها.
و أن الحيلة لا تبيح المحرم و الوسائل المحرمة حرام.
و فيه استعمال الأقيسة فإن عمر قاس ، وفيه استعمال الأقيسة في كل الأمور عند اطراد العلة فإن عمر استدل على تحريم بيع الخمر بتحريم بيع اليهود للشحوم إذا أذابوها.
و فيه إقالة ذوي العثرات ، الزلاتةفإن عمر لم يعاقب سمرة بل اكتفى بقوله قاتل الله فلانا فدل على إقالة ذوي العثرات عثراتهم .
انتهى .................