المتن :
كتابُ الجِهادِ
407 - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ الَّتِي لَقِيَ فِيهَا الْعَدُوَّ انْتَظَرَ، حَتَّى إذَا مَالَتِ الشَّمْسُ قَامَ فِيهِمْ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، لا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ، وَاسْأَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلالِ السُّيُوفِ ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ، وَمُجْرِيَ السَّحَابِ، وَهَازِمَ الأَحْزَابِ اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ.
الشرح:
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، و صلى الله و بارك على عبد الله و رسوله نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين ، أما بعد :
قال الحافظ عبد الغني المقدسي رحمه الله في كتابه عمدة الأحكام ، كتاب الجهاد .
الجهاد في اللغة : المشقة ، و شرعا : بذل الجهد في قتال الكفار و المرتدين و العصاة و الفساق و المنافقين ، هذا هو الجهاد ، الجهاد في اللغة المشقة و شرعا بذل الجهد في قتال الكفار و العصاة و المنافقين.
والجهاد أنواع:
النوع الأول : جهاد النفس ، وجهاد النفس أيضا أنواع ، الجهاد أنواع ، جهاد النفس و جهاد الشيطان و جهاد الكفار و جهاد المنافقين و جهاد الفساق .
هذه أنواع الجهاد ، جهاد النفس و جهاد الشيطان و جهاد الكفار و جهاد المنافقين و جهاد العصاة و الفساق .
النوع الأول : جهاد النفس.
و جهاد النفس أربعة أنواع:
النوع الأول جهاد النفس حتى تتعلم دينها ، تتعلم ما أوجب الله عليها من الأوامر و النواهي ، يجاهد الإنسان نفسه حتى يتعلم و يتبصر و يتفقه في آيات الله ، فيعلم ما أمر الله به و يعلم ما نهى الله عنه .
النوع الثاني جهاد على العمل ، إذا جهاد الإنسان على نفسه حتى تعمل تمتثل أوامر الله و تجتنب نواهيه ، كم من إنسان يعلم و لا يعمل يعلم أن هذا حق ولا يتبعه و يعلم أن هذا باطل و لا يجتنبه فيجاهده على العمل.
النوع الثالث جهادها على الدعوة و التبليغ إذا جاهد الإنسان نفسه حتى تعلم و تبصر و جاهدها على العمل و من الله عليه بالعمل يجاهدها على تعليم الغير و الدعوة حتى يعلم الناس و يدعوهم إلى هذا الخير الذي وفقه الله له.
و النوع الرابع جهادها على الصبر على الصبر على الأذى لأن الذي يدعوا الناس و ينصح الناس و يعظهم و يأمرهم و ينهاهم لابد أن يؤذوه إما بقول أو فعل فلا بد أن يصبر فإن لم يصبر انقطع ، و بذلك يكون الإنسان من الرابحين ، يكون من الرابحين ، قال الله تعالى في كتابه العظيم وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ.
النوع الثاني : جهاد الشيطان في دفع وساوسه ، جهاد الشيطان في دفع وساوسه التي يوسوس بها الإنسان حتى يترك ما أوجب الله عليه أو حتى يفعل ما حرم الله عليه ، فيجاهد الشيطان ولا يطيعه . قال تعالى أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ.
أَنْ لَا تَعْبُدُوا يعني ألا تطيعوه ، العبادة بمعنى الطاعة
جهاد الشيطان حتى لا يقبل وساوسه في تزيين الباطل و فعله و في ترك الحق .
و النوع الثالث : جهاد الكفار ، جهاد الكفار لإعلاء كلمة الله الذين بلغتهم دعوة الإسلام فلم يقبلوا الإسلام فلابد من جهادهم و يكون هناك راية للمسلمين يقيمها إمام المسلمين فيقاتل تحت الراية ، يقاتل الكفار لإعلاء كلمة الله و هذا من أفضل القربات و أجل الطاعات .
و جهاد الكفار يكون بالمال و يكون بالنفس ، الجهاد بالنفس يحمل السلاح و يقاتل ، و الجهاد بالمال يدفع المال ، يدفع المال فيشترى بهذا المال السلاح و عتاد و ينفق به على أسر المجاهدين.
و لهذا فإن الجهاد بالمال أوسع من الجهاد بالنفس و الله تعالى يقدم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس لأنه أوسع وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فالجهاد بالمال مقدم لأن الإنسان قد لا يستطيع الجهاد بنفسه لكن يستطيع الجهاد بماله و لأن المال يشترى به العتاد و السلاح و لأن المال ينفق به على المجاهدين و لأن المال ينفق به على أسر المجاهدين .
و النوع الرابع : جهاد المنافقين : بدعوتهم و تخويفهم بالله و دعوتهم إلى الإسلام فإن المنافقين كفار في الباطن مسلمون في الظاهر ، يظهرون الإسلام و يبطنون الكفر فهم بذلك أسفل من في النار ، نجاهدهم ، قال الله تعالى يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ فجهاد المنافقين يكون بالنصيحة و التخويف و التحذير و الأمر و النهي .
و النوع الخامس : جهاد الفساق و العصاة كذلك ، نجاهدهم بدعوتهم إلى الله و تحذيرهم مما حرم الله و بيان عاقبة المعاصي و شرها و شؤمها و بيان ما يترتب عليه من المفاسد .
و في هذا الحديث حديث عبد الله ابن أبي أوفى -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ الَّتِي لَقِيَ فِيهَا الْعَدُوَّ في بعض أيامه يعني في بعض مغازيه ، في بعض مغازيه التي لقي فيها العدو انْتَظَرَ ، حَتَّى مَالَتِ الشَّمْسُ يعني حتى مالت إلى جهة الغروب ، مالت إلى جهة الغروب و حينئذ يبرد الجو و تهب الرياح .
و جاء في الحديث الآخر أن النبي ﷺ كان يقاتل أول النهار فإن لم يقاتل أول النهار انتظر حتى زالت الشمس ، حتى تزول الشمس و تهب الرياح و تفتح أبواب السماء و ينزل النصر .
كان عليه الصلاة و السلام إما أن يقاتل أول النهار و إن لم يقاتل في أول النهار لم يقاتل في وسط النهار ينتظر حتى تزول الشمس و يبرد الجو و تهب الرياح و ينزل النصر .
و لهذا في هذا الحديث أن النبي ﷺ في بعض أيامه التي لقي فيه العدو ، العدو الكفار انتظر فلم يقاتل في الضحى ، حتى إذا مالت الشمس ، مالت إلى جهة الغروب ، قام فيهم قام فيهم خطيبا: أَيُّهَا النَّاسُ، لا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ لا تتمنوا لقاء العدو لأن الإنسان في عافية و لا يدري ماذا يحصل له و لا يدري ما العاقبة فلا يتمنى لقاء العدو وَاسْأَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ، العافية لا يعدلها شيء فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا فاصبروا ولا تفروا لكن قبل ذلك لا تتمنوا لقاء العدو وَاسْأَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا الصبر التحمل و عدم الفرار وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلالِ السُّيُوفِ الظلال جمع ظل و المعنى أن الصبر على قتال الأعداء و مقارعتهم بالسيوف سبب لدخول الجنة ، الصبر على قتال الكفار و مقارعتهم بالسيوف سبب لدخول الجنة .
ثم قال النبي ﷺ اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ الله تعالى هو الذي أنزل الكتاب ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا و المراد بالكتاب القران ، القران العظيم الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا و هو القران وَمُجْرِيَ السَّحَابِ هو الذي أجراها وَهَازِمَ الأَحْزَابِ و هم الكفار الذين تحزبوا و تجمعوا و أحاطوا بالمدينة للقضاء على الإسلام و المسلمين في السنة الخامسة من الهجرة فهزمهم الله ، قذف في قلوبهم الرعب و أرسل ملائكة ترعبهم و أرسل رياحا تقلع خيامهم و تكفأ قدورهم و تزلزلهم فرجعوا خائبين .هو الذي هزم الأحزاب وحده : اهْزِمْهُمْ ، وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ.
هذا الحديث فيه من الفوائد مشروعية الجهاد ، مشروعية جهاد الكفار في سبيل الله إذا أبو الدخول في الإسلام فإنه يشرع قتالهم ، الكفار أولا يدعون إلى الإسلام فإن دخلوا في الإسلام الحمد لله و إن لم يقبلوا الإسلام خيروا إن كانوا من أهل الكتاب من اليهود و النصارى خيروا من بين ثلاثة أمور ، إما الإسلام و إما الجزية و إما القتال و إن كانوا وثنيين خيروا بين أمرين إما الإسلام و إما القتال .
و في هذا الحديث أن النبي ﷺ - فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ الَّتِي لَقِيَ فِيهَا الْعَدُوَّ - انْتَظَرَ ، حَتَّى إذَا مَالَتِ الشَّمْسُ فيه مشروعية قتال الأعداء ، مشروعية الجهاد في سبيل الله.
و فيه استحباب تأخير القتال إلى بعد زوال الشمس إذا لم يقاتل أول النهار.
فيه استحباب أن يكون القتال إما أو النهار أو بعد زوال الشمس.
و فيه مشروعية الخطبة خطبة الإمام أو نائبه للناس و حثهم على الجهاد في سبيل الله و لهذا خاطب النبي ﷺ قال : أَيُّهَا النَّاسُ، لا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ.
و فيه أنه لا ينبغي للإنسان أن يتمنى لقاء العدو لأنه لا يدري ما العاقبة و لأن تمنيه قد يشعر بأنه غير مهتم بخلاف ما إذا لم يتمنى ثم يستعين بالله فإن الله يعينه لا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ، وَاسْأَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ العافية لا يعدلها شيء فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا فيه وجوب الصبر عند لقاء العدو و عدم الفرار.
و فيه أن قتال الأعداء و الجهاد في سبيل الله سبب لدخول الجنة ، قتال الأعداء و مقاومتهم بالسيوف سبب لدخول الجنة و فيه مشروعية الدعاء عند لقاء العدو كما فعل النبي ﷺ حيث قال : اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ، وَمُجْرِيَ السَّحَابِ، وَهَازِمَ الأَحْزَابِ، اهْزِمْهُمْ ، وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ.
فالمسلم يجمع بين العدتين ، بين الإيمان و بين الأدعية ، يعد العدة و يعد السلاح المناسب في كل عصر ، كل ما يناسبه ثم يضرع إلى الله و يتوجه إليه و يسأله النصر ، كما فعل النبي ﷺ يوم بدر فإنه صف المسلمين و عين أماكنهم و استعدوا بالسلاح ثم جعل يدعو الله ، جعل يدعو الله و يناشد الله و قال اللهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ و هو رافع يديه و يبالغ في الدعاء حتى سقط رداءه من خلفه عليه إزار و رداء فجاء أبو بكر و وضع رداءه عليه و قال كفاك مناشدتك ربك يا رسول الله فإن الله سينجز لك ما وعدك فأنجز الله ما وعده .
ففي هذا الحديث ، فيه هذه الأحكام و هذه الفوائد.
و استدل بعض العلماء بقول لا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ النهي عن تمني الموت لضر نزل به ، وهذا جاء في الحديث الآخر لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ فَإِنَّ عُمُرَ المُؤمِنِ لَا يَزِيدُهُ إِلَّا خَيراً.
و فيه مشروعية الدعاء عند اللقاء و في وصية المقاتلين و وعظهم.
وفيه التوسل إلى الله في الدعاء بنعمه سبحانه قوله االلَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ، وَمُجْرِيَ السَّحَابِ، وَهَازِمَ الأَحْزَابِ، اهْزِمْهُمْ ، وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ.
في قول النبي ﷺ لا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ جاءت الأدلة بمشروعية طلب الشهادة ، الإنسان يطلب الشهادة و الصحابة طلبوا الشهادة و حرصوا على الشهادة و على الموت فكيف الجمع بينه وبين الحديث لا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ و بين طلب الشهادة !
طلب الشهادة إنما هو بالعمل ، لا يتمنى لقاء العدو لكنه يجاهد في سبيل الله و يقاتل الأعداء طلبا للأجر و الشهادة لكنه لا يتمنى لقاء العدو.
و قد يقال أن هذا خاص و هذا عام لا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ هذا عام و لكن يخصص هذا ، طلب الشهادة فإن الشهادة منزلة عالية يتمناها المسلم و يطلبها و لهذا كان الصحابة يطلبون الشهادة ، أنس أبن النضر لما تخلف عن غزوة بدر قال : تخلفت عن أول لقاء لقي النبي ﷺ فيه العدو فإن أشهدني الله لقاء آخر ليرين الله ما أصنع و لم يقل كلمة غيرها فلما كان يوم أحد جاء و لما كانت المعركة أولها للمسلمين ثم لما أخل الرماة بالموقف حصلت الهزيمة ففر الناس فجاء أنس أبن النضر و معه تمرات في قرنه ، قال : اللهم إني أبرأ إليك مما فعل هؤلاء و أشار للمشركين و أعتذر إليك مما صنع هؤلاء يعني أصحابه ثم أخرج ثمراته في قرنه و جعل يأكل منها و قال : إن بقيت حتى آكل هذه التمرات إنها لحياة طويلة ثم رمى بالتمرات و دخل في العدو و قاتل حتى قتل ، فالأعداء بادروه بالضربات فالضربات في جسمه زادت على السبعين ضربة ما بين طعنة برمح و ضربة بسيف و اختلط بالدماء و لم يعرفه أحد إلا أخته عرفته ببنانه بأصبعه و أرضاه .فهذا من تمني الشهادة .
المتن :
الشرح :
هذا الحديث حديث سهل بن سعد فيه ثلاثة أحكام: الحكم الأول : حكم الرباط و الحكم الثاني : موضع السوط من الجنة و منزلته و الحكم الثالث : الروحة و الغدوة .
الرباط هو الملازمة ، ملازمة الثغور التي بين المسلمين و الكفار لحراسة المسلمين هذا يقال له الرباط ، الرباط الحراسة ، الحراسة في الثغور على الحدود ، حدود الدولة الإسلامية بينهم و بين الكفار هذا يقال له الرباط ، ملازمة الثغور التي بين المسلمين و الكفار لحراسة المسلمين .
و الروحة : الخروج للجهاد في سبيل الله في أول النهار يقال لها روحة ، من الصباح إلى الزوال ، و الغدوة : السير للجهاد في آخر النهار ، من الزوال إلى الليل هذه الروحة و الغدوة من الصبح إلى الزوال .
الحديث فيه فضل الجهاد في سبيل الله ، فيه فضل الرباط رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا يعني إذا رابط المسلم و جلس في الثغور يحرس المسلمين على حدود الدولة الإسلامية رباط يوم ، يوم واحد خير من الدنيا و ما عليها ، وَمَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ من الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا موضع الصوت موضع العصا في الجنة خير مكن الدنيا و ما عليها لأن الدنيا زائلة فانية و الآخرة باقية و موضع السوط هذا باقي إلى أبد الآباد و الدنيا زائلة و لو كانت ما كانت و لهذا قال بعض السلف لو كانت الدنيا ذهبا يفنى و الآخرة خزفا يبقى لكان للعاقل أن يقدم الخزف الذي يبقى على الذهب الذي يفنى فكيف و الآخرة ذهب يبقى و الدنيا خزف يفنى .
و الحديث فيه من الفوائد مشروعية الرباط ، تعظيم أمر الجهاد في سبيل الله و مشروعية الرباط في سبيل الله و أن رباط يوم يعدل أجره الدنيا و ما عليها.
و فيه من الأحكام فضل الجنة و أن موضع سوط المسلم في الجنة خير كن الدنيا و ما عليها و فيه فضل الروحة و الغدوة في سبيل الله و أن الروحة و الغدوة خير من الدنيا و ما عليها .
الروحة : المرة الواحدة في أول النهار ، الذهاب إلى الجهاد ، و الغدوة : المرة الواحدة ، الذهاب في آخر النهار ، فإذا ذهب الإنسان للجهاد في أول النهار إلى الزوال هذا خير من الدنيا و ما فيها ، و إذا ذهب إلى الجهاد من الزوال إلى الغروب هذا خير من الدنيا و ما عليها ، فالدنيا لا تساوي شيء و لهذا في الحديث لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ أَبَدًا.
فيه إثبات الجنة و النار ، إثبات البعث و الجزاء و الحساب و أن الدنيا مخلوقة
المتن :
409 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: انْتَدَبَ اللَّهُ وَلِمُسْلِمٍ: تَضَمُّنَ اللَّهُ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ لا يُخْرِجُهُ إلاَّ جِهَادٌ فِي سَبِيلِي وَإِيمَانٌ بِي وَتَصْدِيقٌ بِرُسُلِي فَهُوَ عَلِيّ ضَامِنٌ أَنْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ أُرْجِعَهُ إلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ ، نَائِلاً مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ.
410 - وَلِمُسْلِمٍ: مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ - كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ، وَتَوَكَّلَ اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِهِ إنْ تَوَفَّاهُ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ يُرْجِعَهُ سَالِماً مَعَ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ.
الشرح :
هذا الحديث حديث أبي هريرة عن النبي ﷺ أنه قال انْتَدَبَ اللَّهُ وَلِمُسْلِمٍ: تَضَمُّنَ اللَّهُ انتدب ، تضمن بمعنى ضمن الله له هذا الأمر ضمن الله المجاهد في سبيله ، والمعنى أنه لا بد أن يتحقق هذا الموعود ، انتدب الله أو تضمن الله بمعنى واحد ، بمعنى أن الله تعالى ضمن له هذا الوعد ، أنه إذا خرج في سبيله بهذا القيد لا يُخْرِجُهُ إلاَّ جِهَادٌ فِي سَبِيلِي، وَإِيمَانٌ بِي، وَتَصْدِيقٌ بِرُسُلِي فَهُوَ عَلِيّ ضَامِنٌ أَنْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ أُرْجِعَهُ إلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ نَائِلاً مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ.
فيه أن الله تعالى ضمن للمسلم الذي خرج في سبيل الله بهذه القيود الثلاثة:
القيد الأول أنه لا يخرجه إلا جهاد في سبيل الله.
و الثاني : أن يكون عن إيمان بالله.
و الثالث : أن يكون عن تصديق برسوله.
إذا خرج للجهاد في سبيل الله لا يخرجه إلا هذه الأمور الثلاثة ، جهاد في سبيل الله و إيمان بالله و تصديق برسوله فهو على الله ضامن أن يدخله الجنة إن قتل أو يرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلا ما نال من أجر أو غنيمة ، إن استشهد أدخله الله الجنة و إن لم يقتل رجع إلى مسكنه نائلا الأجر و الغنيمة .
قال : مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ - ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ - كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ مثل المجاهد في سبيل الله و الله أعلم بمن جاهد في سبيله ، هذه جملة معترضة ، يعني ليس كل من خرج للجهاد في سبيل الله فهو مجاهد في سبيل الله ، الله أعلم بالمخلص و الصادق ، ليس كل أحد مخلص ، لابد من الإخلاص ولابد من المتابعة للنبي ﷺ.
العبادة لا تصح و لا تكون مقبولة ولا تكون نافعة حتى يتحقق فيها الأصلان:
الأصل الأول : أن تكون لله ، مرادا بها وجه الله و الدار الآخرة.
و الأصل الثاني : أن تكون موافقة لشرع الله و صوابا على هدي رسول الله ﷺ .
قال الله تعالى فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا شرطان ، الشرط الأول : فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا، هذا المتابعة للنبي ﷺ ، وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا، هذا العمل الخالص الذي ليس فيه شرك ، قال الله تعالى وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى إسلام الوجه هو الإخلاص لله ، وَهُوَ مُحْسِنٌ الإحسان هو أن يكون العمل موافقا للشريعة .
و هنا كذلك يقول لنبي ﷺ مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ - ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ الله أعلم بالنيات ، الله أعلم بمن يجاهد في سبيله لإعلاء كلمة الله و لنصر دينه لا للرياء و لا للسمعة و لا للمباهاة و لا للعصبية و لا للدم ولا لأي مقصدة ، إنما لإعلاء كلمة الله .
كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ كمثل الصائم لا يفطر و القائم لا يفتر ، مثله كمثل الصائم الذي لا يفطر و القائم الذي لا يفتر.
قال وَتَوَكَّلَ اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِهِ بمعنى ضمن من الله ، توكل بمعنى ضمن ، ضمن الله المجاهد في سبيله إنْ تَوَفَّاهُ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ يُرْجِعَهُ سَالِماً مَعَ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ. كما سبق ، يعني ضمن الله للمجاهد في سبيله المخلص ، فهو بين أحد أمرين ، إن توفاه الله أدخله الجنة و إن لم يتوفاه أرجعه إلى أهله سالما مع الأجر و الغنيمة .
هذا الحديث فيه فضل الجهاد في سبيل الله.
و فيه أنه لا بد من الإخلاص في سبيل الله.
و فيه أن ثواب الجهاد لا بد فيه من الإيمان بالله و رسوله و تصديق النبي ﷺ و الإخلاص لله
و فيه أن المجاهد موعود بأحد أمرين ، إما دخول الجنة إن توفاه الله و إما الرجوع بالأجر و الغنيمة إن بقي.
و فيه أن أجر المجاهد كأجر الصائم الذي لا يفطر و القائم الذي لا يفتر.
و هذا الحديث فيه الترغيب للجهاد في سبيل الله.
و فيه وجوب الإخلاص.
و فيه فضيلة بذل النفس في سبيل الله .
المتن :
الشرح :
هذا الحديث حديث أبي هريرة قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَا مِنْ مَكْلُومٍ يعني مجروح يُكْلَمُ يجرح في سبيل الله مَا مِنْ مَكْلُومٍ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يعني ما من مجروح يجرح في سبيل الله إلاَّ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَكَلْمُهُ يَدْمَى يعني جرحه يثعب يوم القيامة لكن اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ. مكلوم الكلم الجرح ، يكلم يجرح ، يدمى يسيل منه الدم .
هذا الحديث فيه فضيلة الجهاد في سبيل الله و أن المجاهد يظهر الله شرفه على رؤوس الأشهاد يأتي يوم القيامة جرحه يدمى يثعب لونه لون الدم و ريحه ريح المسك.
وهذا فيه إظهار لشرفه على رؤوس الأشهاد بين الخلائق ، وتنويههم بفضله و هذا يدل على عظم ثوابه عند الله و أن الله نوه به و أظهره على رؤوس الأشهاد فيحمده أهل الموقف .
و فيه فضل الجهاد و الترغيب في الإخلاص و أن المجاهد يكافئه الله بأن يظهر شرفه على رؤوس الأشهاد .
المتن :
الشرح :
الحديث أخرجه مسلم ، عن أبي أيوب الأنصاري ، والغدوة سبق أن الغدوة الخروج للجهاد في سبيل الله من أول النهار إلى انتصافه ، و الروحة : الخروج من الرواح و هو الخروج من بعد زوال الشمس إلى الغروب ، فالجهاد في سبيل الله إما أن يكون في أول النهار هذا يسمى غدوة من طلوع الشمس أو من طلوع الفجر إلى الظهر ، أو يكون في آخر النهار روحة من زوال الشمس من الظهر إلى غروب الشمس .
الحديث فيه تعظيم أمر الجهاد.
و فيه تهوين أمر الدنيا و التزهيد فيها.
و فيه أن الروحة الواحدة ، الخروج للجهاد في سبيل الله في أول النهار غدوة ، أو في آخر النهار روحة خير من الدنيا و ما فيها لأن الدنيا فانية.
و فيه عظم أجر الجهاد في سبيل الله .
المتن :
الشرح :
هذا الحديث أخرجه البخاري و الذي قبله أخرجه مسلم و المعنى واحد ، الحديث واحد في فضل الغدوة و الروحة في سبيل الله ، يعني قوله غَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ رَوْحَةٌ يعني لخرجة واحدة للجهاد من أول النهار أو آخره خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا يعني ثواب ذلك الزمن القليل في الجنة خير من الدنيا و ما اشتملت عليه.
وهذا فيه تزهيد في الدنيا و ترغيب في الجهاد ، ينبغي أن يغتبط صاحب الغدوة و الروحة لغدوته و روحته أكثر مما يغتبط لو حصلت له الدنيا بحذافيرها.
في الحديث تهوين أمر الدنيا و فيه تعظيم أمر الجهاد في سبيل الله .
المتن :
الشرح :
هذا الحديث حديث أبي قتادة فيه أن النبي ﷺ كان يشجع بعض أفراد الجيش و يعطيهم جوائز تشجيعا لهم على الجهاد في سبيل الله .
فيقول مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً من الكفار فَلَهُ سَلَبُهُ، له عليه بينة فله سلبه ، و السلب ما يكون مع المقتول من سلاح و ثياب و أمتعة و سيف و فرس يأخذه ، فالنبي ﷺ يقول : من قتل واحدا من الكفار و أتى ببينة نعطيه السلب ، نعطيه سلبه ، سلبه ما وجد معه.
و هذا الحديث : خَرَجْنَا مَعَ رَسُول اللَّه ﷺ إلَى حُنَيْنٍ حنين في غزوة هوازن و كانت بعد فتح مكة و الحديث له قصة ، الحديث في قصة ، حديث أبي قتادة فيه قصة : و كان أبو قتادة فارس من فرسان الصحابة ، المؤلف اختصر الحديث ، الحديث فيه قصة وهي أن أبا قتادة أخبر عن نفسه و قال : كنت في غزوة حنين في أثناء المعركة أتيت رجلا من الكفار فضربته ضربة بحبله و كان رجلا ضخما ، فضربته ضربة فالتفت إلي و ضمني ضمة وجدت منها ريح الموت ثم أصابه الموت فأطلقني ، يعني في الأول من شدة الضربة لما ضربه التفت عليه و ضمه ضمة شديدة و كان رجلا قويا قبل أن يصل إلى الموت من شدة الحرارة ثم أدركه الموت فأطلقه فمات من ضربة أبي قتادة
و كان هذا الكافر له سلب ، له سلاح أخذه رجل من الأنصار فلما انتهت المعركة قال النبي ﷺ مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ فقام أبا قتادة فقال من يشهد لي ، من يشهد لي أني قتلت فلان و فلان فلم يقم أحد ، ثم قال رسول الله ﷺ مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ ، فقال أبو قتادة : من يشهد لي ، يريد بينة فلم يقم أحد ، ثم قال في المرة الثالثة مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ قال أبو قتادة من يشهد لي ، فقام رجل من الأنصار فقال يا رسول الله صدق إنه قتله و عندي سلبه فأقضه عني ، يعني أعطني السلب و أرضه عني ، فقال أبو بكر : لا الله ، يعطيك سلب أسد من أسود الله يقاتل مع الله و رسوله ، فقال النبي ﷺ : صَدَقَ أَبُو بَكْرٍ؛ أَعطِهِ سَلَبَهُ، فأعطاه سلبه ، قال : و كان سلاح ، فاشتريت به مخرفا ، بستان ، اشترى بثمن السلاح هذا بستان فهو أول مال تأثلته في الإسلام ، أول مال حصله في الإسلام بهذا السلاح الذي أخذه أشترى به حديقة بستان .
فهذا السلب كان النبي ﷺ يعطيه الصحابة تشجيعا لهم زيادة على قسمة الغنيمة ، الغنيمة إذا انتهت المعركة و جمعت الغنائم ، يؤخذ الخمس و يقسم خمسة أخماس ، خمس لله و للرسول و لذي القربى و اليتامى و المساكين و ابن السبيل ، و أربعة أخماس تقسم على الغانمين و لكن هذا السلب زيادة و أحيانا ينفل قائد الجيش أو الإمام ينفل أيضا أفراد الجيش زيادة من الخمس أيضا ، زيادة على نصيبهم ، فهذا السلب أخذه أبو قتادة ، هذا معنى الحديث .
الحديث مختصر قال: خَرَجْنَا مَعَ رَسُول اللَّه ﷺ إلَى حُنَيْنٍ - وَذَكَرَ قِصَّةً هذه القصة . فقال رسول الله ﷺ مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ قَالَهَا ثَلاثاً. ثلاث مرات فشهد له الأنصاري فأعطاه النبي ﷺ سلبه.
و فيه أنه لابد من البينة ولهذا قال : لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ.
المتن :
فِي رِوَايَةٍ فَقَالَ: مَنْ قَتَلَ الرَّجُلَ؟ فَقَالُوا: ابْنُ الأَكْوَعِ فَقَالَ: لَهُ سَلَبُهُ أَجْمَعُ.
الشرح :
هذا الحديث حديث سلمة الأكوع قال أَتَى النَّبِيَّ ﷺ عَيْنٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ عين يعني جاسوسا ، جاسوس المشركين و سمي الجاسوس عينا لأن عمله بعينه أو لشدة اهتمامه بالرؤية و استغراقه فيها كأن جميع بدنه صار عينا و هو في سفر.
و هذا في غزوة هوازن ، و الغزوة هي التي حضرها الرسول ﷺ بنفسه ، عدد غزواته سبع و عشرون.
فانفتل يعني رجع ، رجع إلى قومه.
قوله فَنَفَّلَنِي سَلَبَهُ يعني أعطاني ما معه من ثياب و سلاح و سمي تنفيل لأنه زيادة على نصيبه من الغنيمة.
هذا الحديث فيه أنه أتى النبي ﷺ جاسوس من المشركين و في رواية أخرى أنه جاء جاسوس و جاء إلى الصحابة و جعل يتغدى ، يتغدى معهم و هو يتغدى ينظر ، ينظر يمين و شمال ينظر في أحوال المسلمين و في إبلهم و ينظر فيهم ضعف . فنظر فيهم فعرف أنه عندهم ضعف و عندهم كذا و قلة الراحلة ثم ركب راحلته و مشى ليخبر قومه ، يقول : محمد و أصحابه ضعفاء ما عندهم شيء ، فقال : النبي ﷺ : اُطْلُبُوهُ وَاقْتُلُوهُ. و كان سلمة ابن الأكوع شجاعا فلحقه فلما وصل إليه قتله ، قتله و أتى به إلى النبي ﷺ .
قال النبي ﷺ : اُطْلُبُوهُ وَاقْتُلُوهُ. قال : فقتلته ، يعني سلمة ابن الأكوع ، فَنَفَّلَنِي سَلَبَهُ .
و فِي رِوَايَةٍ فَقَالَ: مَنْ قَتَلَ الرَّجُلَ؟ فَقَالُوا: ابْنُ الأَكْوَعِ فَقَالَ: لَهُ سَلَبُهُ أَجْمَعُ . قتله ابن الأكوع فله سلبه أجمع .
الحديث فيه دليل على مشروعية قتل الجاسوس و أن الجاسوس الذي يتجسس على المسلمين يقتل ، جاسوس من الكفار يقتل ، فيه دليل على جواز قتل الجاسوس الحربي الكافر و من يشبهه و من ليس له أمان أما الكفار الذي يدخل بلاد المسلمين بأمان و كفالة و عهد هذا معصوم الدم و المال ، لكن الجاسوس الذي يدخل محارب للمسلمين يقتل.
و فيه أن القاتل يستحق سلب المقتول و سلبه كل ما مع المقتول من ثياب و سلاح و دابة و راحلة و إن كان معه سيارة تؤخذ ، كل ما معه يعطى للقاتل من الأمتعة و الثياب و السلاح و الدابة و السيارة و غيرها .
المتن:
الشرح :
هذا الحديث حديث ابن عمر ، قال بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ سَرِيَّةً إلَى نَجْدٍ
السرية الطائفة من الجيش تخرج و ليس فيها النبي ﷺ يقال لها سرية و إذا كان فيها النبي ﷺ تسمى غزوة ، الجيش الذي يخرج فيه الرسول ﷺ يسمى غزوة و الذي لا يخرج فيه يسمى سرية ، فهذه السرية قطعة طائفة من الجيش يقال يبلغ أقصاها أربع مائة في حدود الأربع مائة تبعث إلى العدو ، بعثها قبل نجد قال : فَخَرَجنا فِيهَا ، فَأَصَبْنَا إبِلاً وَغَنَماً ، فَبَلَغَتْ سُهْمَانُنَا يعني نصيب كل واحد منهم ، غنموا من العدو إبل و غنم فكان الواحد منهم ، بلغ كل واحد من الجيش اثنا عشر بعير ، كل واحد أتاه نصيب اثنا عشر بعير ، ثم نفلهم رسول الله ﷺ زيادة ، بعير بعير ، كل واحد له ثلاثة عشر ، التنفيل هذا من الخمس ، تخصيص ، و أحيانا يكون التخصيص لمن له أثر في الحرب يعطى ومن لا أثر له لا يعطى.
والحديث فيه مشروعية بعث السرايا في الجهاد.
وفيه أن للإمام تفضيل بعض الجيش وإعطاءه زيادة على نصيبه من الخمس
المتن :
الشيخ :
الغادر هو الذي ينكث العهد الذي قطعه على نفسه واللواء الراية والمعنى أن الغادر يشهر به يوم القيامة يجعل له علامة يشتهر بها عند الناس فضيحة يفضح على رؤوس الأشهاد . ومعروف أن اللواء هو الراية التي يمسكها قائد الجيش فيكون علامة يعرفها الجيش فهذا الغادر يجعل له علامة يعرف بها فيعاقب بالفضيحة لأن أخفى غدره فعوقب بنقيضه وهو شهرته على رؤوس الأشهاد
فالحديث فيه تحريم الغدر وأن الغدر حرام
وفيه الوعيد الشديد في حق الغادر وأنه يفضح يوم القيامة على رؤوس الأشهاد وفيه أن الجزاء من جنس العمل
المتن
الشيخ
المغازي جمع غزوة وهي التي يخرج فيها النبي ﷺ للجهاد الحرب التي حضرها النبي ﷺ فالحديث فيه تحريم قتل النساء والصبيان في الحروب إلا إذا قاتل الصبي أو المرأة فإنهم يقتلون أو للضرورة كأن يبيتون فإذا بيت الكفار وقتلوا جميعا والنساء والصبيان مختلطون فيقتلون للضرورة وكان النبي ﷺ يوصي أمراءه إذا بعثهم للقتال قال اغْزُوا بِسْمِ اللَّهِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا وَلَا امرَأَةٌ وَلَا شَيخاٌ وَلَا رَاهِباً أي المتعبد في صومعته وهذا من عدل الإسلام بخلاف الكفرة الآن فهم يقاتلون ولا يبالون فلا يقاتل إلا القاتل الذي يقدر على القتال ويشارك
المتن
الشيخ
رخص النبي ﷺ لهما ذلك وهو لبس الحرير بسبب الحكة التي أصابتهما وسبق في كتاب اللباس أن الحرير لا يجوز لبسه للرجال والنبي ﷺ قال مَنْ لَبِسَ الحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا فَلَنْ يَلْبَسَهُ فِي الآخِرَةِ ولم يرخص لبسه للرجل إلا مقدار إصبع أو إصبعين إلى أربع يكون في أطراف الثوب أو في أطراف الأكمام أو الأزارير.
وهذا الحديث فيه أنه يستثنى من ذلك ما دعت الضرورة إليه كأن يكون بالإنسان حكة في جسده تؤلمه فيرخص له في لبس الحرير وذلك لأن الحرير بارد بخلاف الثوب العادي فإنه يزيد الحكة أما غير ذلك فهو ممنوع لما فيه من الخيلاء والتشبه بالكفار أما هنا فالخيلاء مفقودة لأنهما لبساه من أجل الضرورة
انتهى ..................