المتن
كِتَابُ الْعِتْقِ
427 - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَنْ أَعْتَقَ شِرْكاً لَهُ فِي عَبْدٍ، فَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ، فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُم ، وَعَتَقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ، وَإِلاَّ فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ.
الشرح :
هذا في كتاب العتق ، والعتق في اللغة الخلوص ، وشرعا : تحرير الرقبة و تخليصها من الرق ، العتق في اللغة : الخلوص ، و شرعا : تحرير الرقبة و تخليصها من الرق .
و العبيد إنما يوجدون ، الآن لا يوجد عبيد وجود العبيد يدل على قوة المسلمين و عدم وجود العبيد يدل على ضعفهم لأن العبيد إنما يوجدون بسبب الجهاد في سبيل الله و المسلمون إذا جاهدوا في سبيل الله و قاتلوا الأعداء سبوا (...) ونساءهم صاروا عبيد و صاروا يباعون و انتشر العبيد ، ثم الإسلام فتح باب الرق لا كن إذا لم يكن في عبيد يدل على أن ما في جهاد في سبيل الله و إذا ما في جهاد في سبيل الله يد على ضعف المسلمين ، المسلمون ليس لديهم قدرة على قتال الأعداء بل صار الأعداء يغزونهم الآن. الآن الأعداء هم الذين يغزون المسلمين ، غزي السلمون في عقر دارهم ، من لم يغزوا غزي.
ولهذا في الحديث مَا تَرَكَ قَومٌ المُجَاهَدَةَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إلَّا ذَلُّوا فترك الجهاد في سبيل الله ذل مَا تَرَكَ قَومٌ المُجَاهَدَةَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إلَّا ذَلُّوا و لهذا في الحديث مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ، وَلَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ بِالْغَزْوِ مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ رواه مسلم في الصحيح.
فوجود الرق و العبيد يدل على قوة المسلمين و عدم وجودهم يدل على ضعفهم ، الآن ما في عبيد ، ما في عبيد لأن المسلمين ضعفاء لا يقاتلون الأعداء و لا يجاهدون.
فهذا الباب وضعه المؤلف للعتق إذا وجد العبيد ، الإسلام فتح باب العتق كيف يعتقون ، كفارات كالقتل له كفارة عتق رقبة ، اليمين كفارته عتق رقبة ، الظهار كفارته عتق رقبة ، حث الإسلام على إعتاق الرقاب تطوعا ، فتح باب العتق ، و في الحديث الآخر مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُسْلِمَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنَ النَّارِ، حَتَّى فَرْجَهُ بِفَرْجِهِ، هذا فيه فضل عظيم في العتق و الإسلام يتشوف إلى تحرير الرق العبيد من الرق .
في هذا الحديث حديث عبد الله بن عمر يقول النبي ﷺ مَنْ أَعْتَقَ شِرْكاً لَهُ فِي عَبْدٍ، فَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ، فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُم ، وَعَتَقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ وَإِلاَّ فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ. قوله : مَنْ أَعْتَقَ شِرْكاً لَهُ فِي عَبْدٍ يعني من كان له نصيب من العبد و معنى الحديث أن العبد إذا كان له سيدان أو ثلاثة أسياد ، عبد مشترك بين ثلاثة كل واحد له الثلث ، ثلاثة أشخاص عبد هذا له الثلث و هذا له الثلث و هذا له الثلث و العبد يساوي مثلا ثلاثين ألف فإذا أعتق أحدهم نصيبه قال أنا أعتقت نصيبي الثلث ، يلزمه الإسلام أن يشتري نصيب شريكيه و يعتقه إذا كان له مال ، نقول فإذا كان شخص له ثلث عبد فأعتق ثلثه و بفي الثلثان نقول له ننظر إن كان عنده مال يستطيع أن يشتري الثلثين يلزم شرعا يشتري الثلثين و يعتقه ، إذا كان شخص غني عنده العشرين ألف نلزمه و إن كان فقير ليس عنده شيء فإنه يبقى مبعض ، فيصير العبد ثلثه حر و ثلثيه رقيق .
يستسعى العبد أحيانا يستسعى كما سيأتي في الحديث الذي بعده يقال له : اشتغل للعبد ، اشتغل و اعمل وسدد بقية قيمتك حتى تعتق و هذا غير مكاتب ، المكاتب الذي يكاتبه سيده يعني يتفق معه سيده على أنه يشتغل ، يعطيه مال كل سنة يعطيه كذا ، أقساط شهرية أو سنوية ، مثلا العبد يشتري نفسه من سيده بثلاثين ألف مقسطة كل شهر يدفع له ألف أو كل شهر يدفع له ألفين أو كل ستة أشهر يدفع له كذا هذا يسمى مكاتب ، هذا المكاتب إذا سدد ما عليه عتق و إذا لم يسدد يبقى و له أن يعجز نفسه فيبقى رقيق عند سيده .
و أما هذا الذي أعتق سيده جزءا منه فإنه إن كان يستطيع أن يشتري بقية ، عنده قيمة ما يشتري به من شركائه ألزم بذلك و إلا فإن العبد يبقى مبعض و يستسعى العبد يقال اسعى أنت و اشتغل حتى تحرر نفسك .
هذا معنى قوله : مَنْ أَعْتَقَ شِرْكاً لَهُ فِي عَبْدٍ، فَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ، يعني يقوم عليه بقيمة تساويه لا يزيد عليه و لا ينقص ، لا ينقص منه يعني لا يزاد من قيمته و لا ينقص ، فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ ، نقول مثلا إذا كان عنده عشرين ألف تعطي هذا عشرة و تعطي هذا عشرة و يعتق العبد و إذا كان فقير ليس عند شيء يبقى العبد مبعض و لهذا قال : وَإِلاَّ فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ.
و الحديث في من الفوائد الحث على العتق و تشوف الشارع إلى تتميم عتق المبعض ليكون حرا كاملا نافذ التصرف.
و فيه أن الغني و الموفر إذا اعتق نصيبه من المملوك فإنه يعتق كله عليه بدون اختياره يلزم بأن يعتق بقيته و هذا فيه دليل على أن الشارع يتشوف إلى العتق .
المتن :
الشرح :
في النسخة الثانية ثُمَّ اُسْتُسْعِيَ الْعَبْدُ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ.
و هذا الحديث فيه دليل على أن من اعتق نصيبه من المملوك المبعض فعليه خلاصه من ماله ، له شقص ، يعني نصيب قليلا كان أو كثيرا ، الشقص النصيب ، و قوله اُسْتُسْعِيَ يعني ألزم العبد باكتساب ما قوم به من قيمة نصيب الشريك ليفك بقية رقبته من الرق.
وقوله غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ. غير مكلف لما لا طاقة له في الاكتساب إذا عجز .
و هذا الحديث فيه دليل على أن من أعتق نصيبا له من العبد فعليه خلاصه من ماله إن كان مستطيعا فإن لم يكن له مال قوم المملوك قيمة عدل ، يقوم مثلا شخص يملك نصف ، يملك النصف اعتق نصفه بقي النصف يقوم ، كم النصف ! ، قال النصف مثلا عشرين ألف نقول للعبد اشتغل حتى تحصل عشرين ألف سلمها لسيدك الثاني حتى تعتق ، هذا معنى استسعي ، استسعي يعني ألزم العبد بالاكتساب ما قوم به من قيمة نصيب الشريك حتى يفك رقبته .
الحديث فيه دليل على أن عتق العبد يكون بإعتاق مالك الحصة و أما حصة الشريك فإنها تعتق بالسعاية بعد دفع ما عليه و يكون حكمه حكم المكاتب إن دفع بقية ما عليه عتق و إلا بقي رقيقا .
المتن :
بابُ بيعِ المُدَبَّرِ
429 - عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ: دَبَّرَ رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ غُلاماً لَهُ.
430 - وَفِي لَفْظٍ: بَلَغَ النَّبِيَّ ﷺ: أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِهِ أَعْتَقَ غُلاماً لَهُ عنْ دُبُرٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ فَبَاعَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ أَرْسَلَ ثَمَنَهُ إلَيْهِ.
الشرح :
و بوب بعضهم على هذا الباب باب بيع المدبر.
المدبر هو العبد و الرقيق الذي علق سيده عتقه بموته ، يقول مثلا شخص عنده عبد يملكه و يقول إن مت فعبدي حر ، هذا يسمى مدبر ، لماذا سمي دبر لأن مالكه دبر دنياه و دبر آخرته ، دبر دنياه باستمراره و انتفاعه بخدمة عبده و دبر آخرته بتحصيل ثواب العتق ، أو يسمى مدبر لأنه إنما يعتق دبر حياة سيده ، إذا أدبرت حياته و جاء موته عتق العبد فسمي مدبر يعتق إذا مات سيده ، إذا مات السيد عتق ، يقول للعبد أنت مدبر إذا مت فأنت حر ، هذا يسمى مدبر .
و هذا ينظر أيضا ، يكون حكمه حكم الوصية ، إن كان خرج من الثلث و إلا فلا يعتق إلا بمقدار الثلث .
و هذا الحديث حديث جابر قَالَ: دَبَّرَ رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ غُلاماً لَهُ.
وَفِي لَفْظٍ: أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِ النبي ﷺ أَعْتَقَ غُلاماً لَهُ عنْ دُبُرٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ
ما عنده مال غيره فباعه رسول الله ﷺ بثمانمائة درهم ثم أرسل بثمنه إليه و ذلك لأن هذا الرجل مدين ، عليه دين و لا قضا دينه و أعتق العبد فالنبي ﷺ ما نفذ العتق و إنما باعه و أخذ ثمنه و أعطاه إياه و قال : اقضِ دَينَكَ بِثَمَنِهِ.
فيه دليل على أنه لا يجوز للإنسان أن يعتق و عليه دين ، يعتق العبد و عليه دين ، اقضِ دَينَكَ هذه حقوق الناس أولا ، تريد أن تتصدق تعتق و أنت مدين على الناس ، العتق سنة مستحب و قضاء الدين واجب فلهذا ما نفذ النبي ﷺ تدبير هذا الرجل و إنما باعه .
و في قصة أخرى : أن رجلا أعتق عدد من العبيد ليس له مال غيرهم ، أعتقهم كلهم ، ستة عبيد ، قال لهم أنتم أحرار بعد موتي ، فالنبي ﷺ أرق أربعة و نفذ عتق اثنين لأنه من الثلث و الإنسان لا يملك إلا الثلث بعد موته فنفذ عتق أثنين و أرق أربعة ، جعلهم رقا يورثون ، فالإنسان إذا أعتق عن دبر هذا يكون حكمه حكم الوصية ، إن خرج من الثلث نفذ ، و إلا ما ينفذ إلا الثلث إلا إذا جازه الورثة و كان كل الورثة بالغين أما إذا كان فيهم قصار فلا ينفذ إلا من نصيب البالغين و أما القصار فإنه يبقى حقهم .
والمدبر هو الرقيق الذي علق عتقه بموت مالكه.
قوله دَبَّرَ رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ غُلاماً لَهُ يعني قال له : أنت حر بعد موتي ، سمي هذا تدبير لأنه يحصل العتق دبر الحياة و هذا الرجل يسمى أبو مذكور و الغلام الذي دبره يسمى يعقوب .
و قوله أَعْتَقَ غُلاماً لَهُ عنْ دُبُرٍ يعني يعتق بعدما يدبر سيده و يموت و قد باعه النبي ﷺ في دين كان عليه ، على سيده .
جاء في رواية النسائي أن النبي ﷺ قال له اقضِ دَينَكَ ودفع إليه ثمنه ليقض به دينه .
و في هذا الحديث دليل على جواز بيع المدبر لقضاء دين على مالكه أو للمنفعة.
و كذلك أيضا فيه دليل على أنه لا ينفذ من التدبير إلا بمقدار الثلث لأن حكمه حكم الوصية.
و الله أعلم ، وفق الله الجميع إلى طاعته .
و صلى الله و سلم على نبينا محمد .
انتهى .