بسم الله الرحمن الرحيم
وسوف نبدأ إن شاء الله في هذا اليوم في هذه الدورة في رسالة هذه الرسالة التي أسميت بـ " اعتقاد أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري في جماعة من السلف الذين روى عنهم " مع حاشية مجموعة من كلام الإمام البخاري، اعتنى بها محمد زياد بن عمر تكله وفقه الله فنحن الآن نريد نقرأ الآن هذه الرسالة وأيضًا مقدمة المحقق وما فيها من تعليقات مفيدة رجاء الفائدة.
(المتن)
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على خاتَمِ النَّبيين، وعلى آله وصَحْبِه ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد:
فهذا جزءٌ لطيفٌ في الاعتقاد لأمير المؤمنين في الحديثِ الإمامِ محمد بن إسماعيل البُخاريِّ رحمه الله تعالى، اقتصر فيه على بضع مسائل من أصول السُّنَّة، وهو من أواخر الآثار المنقولة عنه، إن لم يكن آخرَها، فقد أملاه قبيل وفاته، في السنة السادسة و الخمسين بعد المئتين، وراويه عنه من أواخر تلامذته وفاةً، فقد توفي سنة ثلاثمائة و ثلاث و عشرين.
وأفاد البخاريُّ فيه فوائدَ جَليلة، أهمُّها نقلُ اتفاقِ مشايخه الكثيرين في الأمصار على هذا الاعتقاد، وسمى منهم جماعةً من الأئمة والحفاظ، فكان حكايةً عن اعتقادِ السَّلَفِ أهلِ الحديث في البُلدان، وإجماعِهم عليه، رحمهم الله جميعًا.
وفي الحاشية، قال: لأن البخاري يقول فيه: إنه لقي العلماء من أ كثر من ستٍ وأربعين سنة، ومعلوم أنَّ بدء رحلته كان في السنة العاشرة بعد المئتين كما هو ثابتٌ عنه، فتعين التحديد سنة مئتين وست وخمسين وفيها توفي رحمه الله والله أعلم.
ومنها الإفادة عن مجمل رحلاته بين خُراسان ومِصْر، ومشيخته، والنص أنهم جاوزوا الألف! سمّى منهم خمسة وأربعين من أعيانهم في البلدان، وأفاد عن تكرار رحلته لبعض البلاد.
(الشرح)
لأن مشايخ البخاري زادوا على الألف كلهم على هذه العقيدة التي سيذكرها، ألف عالم هذه عقيدتهم، يعني عقيدة أهل السنة والجماعة متواترة معروفة، وعقيدة أهل البدع من الأشاعرة والمعتزلة شاذة، جاءوا بعد إجماع أهل السنة والجماعة، جاءوا وشذوا واخترعوا هذه العقائد الفاسدة المنحرفة.
(المتن)
والجزء لصغر حجمه وسهولة استعراضه لا يستدعي الإطالة في وصفه، وهذا الاعتقاد رواه الحافظ محمد بن أحمد البخاري الملقب -غُنْجار- رواه في تاريخ بُخارى كما في سير أعلام النبلاء، ومن طريقه اللَّالكَائي في السنّة وابن عساكر في تاريخ دمشق .
وساق صدره الذهبي في السير، وبعضه ابن الجوزي في صفة الصفوة وذكر ابن حجر في فتح الباري بعد أن ساق مطلعه مختصرًا: أن سند اللالكائي صحيحٌ إلى البخاري.
وقد ذكر اللالكائيُّ البخاريَّ في باب سياق ذِكر من رُسِمَ بالإمامة في السنة والدعوة والهداية إلى طريق الاستقامة بعد رسول الله ﷺ إمام الأئمة.
والأقوال التي ذكرها البخاري معروفةٌ عنه وعن مجمل من نقل عنه، كما يظهر للناظر في كتابيه: الجامع الصحيح، وخَلْق أفعال العباد، وكذلك في السنة للّالكائي وغيره من كتب عقائد السَّلَف، وهذا مما يؤكدُ الثبوت ويعضدُه، بل يمكن القول إن مجمل ما جاء في هذا الجزء ثابتٌ نصًّا أو معنًى عن البخاري في كتبه الأخرى وما نُقل عنه، فلم أُطل النقول في التوثيقات مراعاةً لحجم الرسالة، واقتصرتُ غالبًا على كلام البخاري نفسه كحاشيةٍ على النص، ولم أَرَى ضرورةً لإيراد ترجمةٍ للإمام البخاري للغَرَض نفسه، ولإطباق شهرته، رحمه الله رحمة واسعة، وجزاه عن المسلمين خير الجزاء.
(الشرح)
يعني هذا توثيق نسبة الرسالة إلى البخاري، يقول: هذا معروف وكذلك أيضًا لا أحتاج ترجمة للبخاري لشهرته أمام معروف عند جميع أهل السنة.
(المتن)
واعتمدتُ في ضبط النص على سياق اللالكائي، لكونه أقدم مصدرٍ وقفتُ عليه للاعتقاد كاملًا، وراجعتُه على ثلاث نسخٍ خطية لكتابه السُّنَّة لِـما عُرف من ضعف تحقيق المطبوع منه مع المقابلة بسياق ابن عساكر من مطبوعة تاريخه.
والنسخ المشار إليها لكتاب الإمام اللَّالكَائي هي:أولاً: نسخة المكتبة العُمَرية ضمن الظاهرية.
ثانياً: نسخة الظاهرية أيضا، التي ضمَّنها الإمامُ ابنُ عُرْوَة الحَنْبَلي في كتابه النفيس المسمى: الكواكب الدراري .
ثالثاً: نسخة مكتبة لايبزيج في ألمانيا.
واجتهدتُ في ضبط النص قدر الإمكان، وعلّقتُ وخرَّجتُ بإيجاز.
(الشرح)
وذكر ايضاً رحمه الله أنه أثبت الفروق مع المطبوع لمن أراد أن يصحح نسخته.
(المتن)
الإسناد إلى الجزء:
قال محمد زياد بن عمر التُّكْلَة عفا الله عنه: قرأته على غير واحد، و قرأته على سماحة الشيخ عبد الله بن عبد العزيز العَقيل رحمه الله في منزله بالرياض، عن عبد الحق بن عبد الواحد الهاشمي، عن أحمد بن عبد الله بن سالم البغدادي، عن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ، عن جده محمد بن عبد الوهاب، عن عبد الله بن سيف الفرضي، عن أبي المواهب محمد البَعْلي، عن محمد بن بدر الدين البَلْباني، عن الشهابين أحمد بن علي الوَفائي وأحمد بن يونس العَيْثاوي، كلاهما عن الشمس محمد بن طُولون، عن أمة الخالق العقبية وغيرها، عن عائشة بنت عبد الهادي، عن زينب بنت الكمال المقدسية، عن عبد الرحمن بن مكي بن الحاسب، أخبرنا أبو طاهر السِّلَفي، أخبرنا أحمد بن علي الطُّرَيْثيثي، أخبرنا هبة الله بن الحسن اللالكائي.
قال رحمه الله: أخبرنا أحمد بن محمد بن حفص الهَـرَوي، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن محمد بن سلمة، قال: حدثنا أبو الحسين محمد بن عِمْران بن موسى الجُرْجاني، قال: سمعت أبا محمد عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن البُخاري بالشّاش يقول: سمعتُ أبا عبد الله محمد بن إسماعيل البُخاريَّ يقول: لَقيتُ أكثر من أَلْفِ رَجُلٍ من أهل العِلْم: أهل الحجاز، ومكة، والمدينة، والكوفة، والبصرة، وواسِط، وبَغْداد، والشام، ومِصْر.
(الشرح)
انظر أكثر من ألف رجل من أهل العلم لقيهم، شيوخ في أمصار متعددة، الحجاز ومكة، والمدينة، والكوفة، والبصرة، وواسِط، وبَغْداد، والشام، ومِصْر، كلهم على عقيدة أهل السنة والجماعة كما أسلف، كلهم على هذه العقيدة، وهذا يدل على أن عقائد المعتزلة والأشاعرة والجهمية كلها حادثة مخالفة لعقيدة أهل العلم والمحدثين أهل القرون المفضلة الأولى، وأنهم حَدَثوا بعد ذلك فتكون حادثة لا يعول عليها.
بل يعول على ما عليه أهل العلم وما عليه المحدثون وعليه أهل السنة والجماعة في الاعتقاد، أما هؤلاء الذين انحرفوا وشذوا وجاءوا متأخرين فلا عبرة بعقيدتهم.
(المتن)
قال رحمه الله: لَقيتُ أكثر من أَلْفِ رَجُلٍ من أهل العِلْم: أهل الحجاز، ومكة، والمدينة، والكوفة، والبصرة، وواسِط، وبَغْداد، والشام، ومِصْر، لقيتُهم كَرّاتٍ، قَرْنًا بعد قرنٍ، ثم قرنًا بعد قرن، أدركتُهم وهم متوافرون منذُ أكثر من ستٍّ وأربعين سنة، أهل الشام ومِصْر والجزيرة مرتين، والبَصْرة أربع مراتٍ في سنين ذوي عَدَدٍ، وبالحجاز ستة أعوام.
ولا أُحصي كم دخلتُ الكُوفة وبَغْداد مع محدِّثي أهلِ خُراسان، منهم: الـمَكّيُّ بنُ إبراهيم، ويحيى بنُ يحيى، وعليُّ بنُ الحسنِ بنِ شَقيق، وقُتيبةُ بنُ سَعيد، وشِهابُ بنُ مُعَمَّر.
وبالشام: محمدَ بنَ يوسُفَ الفِرْيابيَّ، وأبا مُسْهِر عبدَ الأعلى بنَ مُسْهِر، وأبا المغيرة عبدَ القُدّوس بنَ الـحَجّاج، وأبا اليَمان الـحَكَم بنَ نافع، ومَنْ بعدَهم عدّةٌ كثيرة.
(الشرح)
ذكر في الحاشية أن القرن بمعنى الطبقة من أهل العلم، قال الزجاج في معاني القرآن في تفسير قوله تعالى: أَلَم يَرواْ كَم أهلَكنا قبْلَهُم من قَرنٍ [الأنعام/6].
قال: هو الذي يقع عندي والله أعلم أن القرن أهل مدة كان فيها نبي أو كان فيها طبقة من أهل العلم قلَّت السنون أو كثرت، والدليل على هذا قول النبي ﷺ: خَيْرُكُمْ قَرْنِي، أي أصحابي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ يعني التابعين ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ يعني الذين أخذوا عن التابعين.
فالقرن الأول قرن الصحابة و النبي ﷺ، والقرن الثاني قرن التابعين والقرن الثالث قرن تابعي التابعين، هذا على القول المختار وإلا فيه أقوال أخرى.
(المتن)
وبمِصْر: يحيى بنَ بُكَير، وأبا صالح كاتِبَ اللَّيثِ بنِ سَعْد، وسَعيدَ بنَ أبي مَرْيم، وأَصْبَغَ بنَ الفَرَج، ونُعَيمَ بنَ حَمّاد.
وبمَكّة: عبدَ الله بنَ يَزيد الـمُقْرئَ، والـحُمَيديَّ، وسُليمانَ بنَ حَرْب قاضي مكة، وأحمدَ بنَ محمد الأَزْرَقيَّ.
وبالمدينة: إسماعيل بنَ أبي أُوَيس، ومُطَرِّفَ بنَ عبد الله، وعبدَ الله بنَ نافع الزُّبَيْريَّ، وأحمدَ بنَ أبي بكر أبا مُصعب الزُّهْرِيَّ، وإبراهيمَ بنَ حَمْزة الزُّبَيْريَّ، وإبراهيمَ بن الـمُنْذِرَ الحِزَاميَّ.
وبالبَصْرة: أبا عاصِم الضَّحّاكَ بنَ مَـخْلَد الشَّيْبانيَّ، وأبا الوَليد هشامَ بنَ عبدِ الملك، والحَجّاجَ بنَ الـمِنْهال، وعليَّ بنَ عبدِ الله بنِ جَعْفر الـمَدِينيَّ.
وبالكُوفة: أبا نُعَيم الفَضْلَ بنَ دُكَين، وعُبيدَ الله بنَ موسى، وأحمدَ بنَ يونُس، وقَبِيصَةَ بنَ عُقْبَة، وابنَ نُمَيْرٍ، وعبدَ الله، وعثمان ابن أبي شَيْبة.
وببَغْداد: أحمدَ بنَ حَنْبَل، ويحيى بنَ مَعين، وأبا مَعْمَر، وأبا خَيْثَمة، وأبا عُبيدٍ القاسمَ بنَ سَلَّام.
ومن أهل الجَزيرة: عَمْرو بنَ خالد الحَرّانيَّ.
وبِواسِط: عَمْرو بنَ عَون، وعاصمَ بنَ علي بنِ عاصم.
وبمَرْو: صَدَقة بنَ الفَضْل، وإسحاقَ بنَ إبراهيم الحَنْظَليَّ.
واكتفينا بتسمية هؤلاء كي يكون مختَصرًا، وأن لا يطول ذلك، فما رأيتُ واحدًا منهم يختلف في هذه الأشياء.
(الشرح)
انظر الآن شيوخ البخاري، إذًا هذا العلم ما حصل بالراحة لا يحصل العلم براحة الجسد هذا تعب، وأيضًا يقول لك: كثيرًا لقيهم، لقي أكثر من ألف شيخ أخذ عنهم، الطبراني في معجمه، معاجمه الصغير والكبير والأوسط روى عن شيوخه أكثر من ألف شيخ كل شيخ يروي عنه حديث، بعضهم يروي أكثر من حديث.
الشيوخ كثيرون فيدل على مدى التعب الذي بذلوه، العلم لا يستطاع براحة الجسد ولهذا الإمام مسلم رحمه الله لما ساق الأحاديث وأسانيدها ورأى أن فيها يعني أنَّ هذه الأسانيد يعني جيدة وأنه ما حصلت إلا بالتعب ساق بإسناده إن العلم لا يستطاع براحة الجسد.
قال العلماء: إنه حس رحمه الله بأنه حينما جمع هذه الطرق وهذه الأسانيد أنه ما حصلها إلا بالتعب، ليبين لطالب العلم أن العلم لابد فيه من التعب ما يحصل العلم بالنوم والراحة والكسل.
لابد من تعب لابد من بكور ولابد من نصب ولابد من حرص، ولابد قبل ذلك من إخلاص النية لله ، وأن يعلم أن هذه عبادة، ويقصد بعلمه وجه الله والدار الآخرة وبذلك يوفق.
ويحذر من الحسد الذي يكون بين الأقران أو من إخفاء العلم، الآن كل هذا السند وأيضًا كلام البخاري رحمه الله فيمن لقي بعد ذلك يبدأ الآن، كلهم ما اختلفوا في هذه الأشياء، ما هي هذه الأشياء؟.
أولًا: الدين قولٌ وعمل.
ثانيًا: القرآن كلام الله غير مخلوق.
ثالثًا: الخير والشر بقدر.
رابعًا: أنهم لم يكونوا يكفرون أحدًا من أهل القبلة بالذنب.
خامسًا: ليس فيهم أحد يتناول أصحاب النبي ﷺ.
سادسًا: كانوا ينهون عن البدع.
سابعًا: كانوا يحثون على اتباع النبي ﷺ.
كم صارت المسائل الآن ؟ سبع مسائل ،هذه السبع المسائل التي سنتكلم عليها والتي فيها هذه الرسالة، وهذه هي مجمل أصول الديانة عامة شاملة.
أولًا: الدين قولٌ وعمل.
ثانيًا: القرآن كلام الله غير مخلوق.
ثالثًا: الخير والشر بقدر.
كلٌ له أدلة وكل مسألة تذكر أدلتها ويبين مذاهب المخالفين.
رابعًا: لم يكونوا يكفرون أحدًا من أهل القبلة بالذنب.
خامسًا: كانوا لا يتناولون أصحاب النبي ﷺ بشيء يسوئهم.
سادسًا: كانوا ينهون عن البدع.
سابعًا: كانوا يحثون على اتباع سنة النبي ﷺ.
ثامنًا: أنهم كانوا لا ينازعون الأمر أهله، يعني: لا يخرجون على ولاة الأمور.
تاسعًا: أنهم كانوا لا يرون السيف على أمة محمد ﷺ، يعني: لا يقاتلون أحد ولا يخرجون بالسيف.
فتكون عاشرًا: كانوا يدعون لمن؟ لولاة الأمور، لولي الأمر.
كما رقَّمها المحقق رحمه الله، فتكون عشرة آخرها الدعوة، هذه عشر مسائل، وهذه أمور يعني مسائل عظيمة تشمل مسائل الدين كلها نعم، نبدأ بالمسألة الأولى.
(المتن)
(الشرح)
بسم الله ، و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و على آله وصحبه ومن والاه أما بعد : فهذه المسألة الأولى من المسائل التي اتفق عليها أهل السنة والجماعة والتي لقي المؤلف البخاري رحمه الله، أكثر من ألف شيخ كلهم اتفقوا على هذا فدل على أن هذه عقيدة أهل السنة والجماعة، أكثر من ألف شيخ كلهم روى عنهم البخاري هذا، أن الدين قولٌ وعمل.
الدين، إذا أطلق اسم الدين والإيمان والإسلام والهدى والتقى كلها بمعنى واحد تشمل القول والفعل، فالدين يكون بالقول والفعل، بالقول كالدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقراءة القرآن والتسبيح والتقديس هذا قول.
والعمل كالصلاة والصيام والزكاة والحج وبر الوالدين وصلة الأرحام هذا عمل، إذًا الدين يشمل الأمرين لابد من الأمرين فالدين يشملُ الأمرين قولٌ وعمل، فمن قال: إن الدين هو القول فقط والعمل ليس من الدين فقد خرج عن معتقد أهل السنة والجماعة.
وكلمة الدين هي مثل كلمة الإيمان، ومثل كلمة الإسلام، ومثل كلمة الهدى، ومثل كلم البر ومثل كلمة التقى المعنى واحد، البر يكون قول وعمل، الإيمان يكون قول وعمل، الدين يكون قول وعمل، وخالف في ذلك المرجئة، فقالوا: الدين والإيمان لا يكون إلا بالقول.
الإيمان هو القول وأما العمل شيء آخر، هؤلاء خالفوا أهل السنة والجماعة، المرجئة سموا مرجئة من الإرجاء وهو التأخير، والمعنى أنهم أرجئوا وأخروا الأعمال فلم يدخلوها في مسمى الدين ولا في مسمى الإيمان، قالوا: إن الإيمان هو التصديق بالقلب فقط، يكفي أما العمل و الصلاة والصيام هذه ليست من الدين وليست من الإيمان.
وهذه المرجئة أربعة طوائف:
الطائفة الأولى: طائفة الجهمية، قالوا: إن الدين والإيمان هو معرفة الرب بالقلب، إذا عرفت ربك بقلبك يكفي، عندك دين وعندك إيمان إذا ما عرفت ربك بالقلب فليس عندك دين ولا إيمان.
إذًا الدين والإيمان هو أن تعرف ربك بقلبك، فالإيمان هو معرفة الرب بالقلب، والكفر هو جهل الرب بالقلب، هذا أخبث قول في تعريف الإيمان هو قول الجهمية، و وافقهم على هذا أبو الحسين الصالحي من القدرية، قال: الإيمان معرفة الرب بالقلب والكفر هو جهل الرب بالقلب.
على هذا ما يكون هناك كافر إلا من جهل ربه، فعلى هذا يكون إبليس مؤمن؛ لأنه عرف ربه بقلبه قَالَ ربِّ أَنْظِرْنِي [الأعراف/14] .
وفرعون مؤمن لأنه يعرف ربه بقلبه، قال تعالى: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا [النمل/14] .
واليهود مؤمنون الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ [البقرة/146] .
وأبو طالب مؤمن قد مات على الشرك وقال:
وَلَقَدْ عَلِمْتُ بِأَنَّ دِينَ مُحَمَّدٍ | مِنْ خَيْرِ أَدْيَانِ البَرِيَّةِ دِينَا |
لَوْلاَ المَلامَةُ أَو حَذَارِ مَسَبَّةٍ | لَوَجَدْتَني سَمْحاً بِذَاكَ مُبِينَا |
إذًا ما في كافر على مذهب الجهم إلا من جهل ربه بقلبه، بل إن بعض العلماء كفره بهذا التعريف بتعريفه هو، قالوا: هو كافر هو جاهل بربه، ومن أجهل بربه من ينكر الأعمال الشرعية للإسلام.
فهو كافر بربه في تعريف من تعريفه، هذا أخبث قول في تعريف الإيمان، والدين والإيمان شيء واحد، جبريل لما سأل النبي عن الإسلام ثم عن الإيمان، ثم عن الإحسان، قال: النبي ﷺ: هذا جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ.
هذا من أوضح الرد على هؤلاء أن جبريل لما سأل النبي ﷺ عن الإسلام قال: الْإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ...، إلى آخره خمسة أركان. والإيمان قال: الْإِيمَانِ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ، إلى آخره ستة أركان، الْإِحْسَانِ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، والساعة قال: مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا، بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ. والأمارات ثم قال النبي ﷺ: أَتدرُونَ مَنِ السَّائِلُ؟ قال: هذا جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ.
فجعل الدين من هذه المراتب الثلاثة: الإيمان. والإسلام. والإحسان.فالذي يقول: إن الدين قول بدون عمل كالمرجئة معناه شرائع الإسلام ليست من الدين، وما في من الدين إلا فقط ما يكون بالقلب، ومع ذلك أعمال وشرائع الإسلام كلها ليست من الدين، وهذا من أبطل الباطل، فهذه الطائفة الأولى الجهمية أخبث القول.
القول الثاني أو الطائفة الثانية: الكرامية، الذين يقولون: الإيمان مجرد النطق باللسان، إذا نطق الانسان بلسانه وشهد أن لا إله إلا الله فهو مؤمن، ولو كان مكذبًا بقلبه، يقولون هكذا.
فيقولون: ولو كان مكذبًا بقلبه فعلى هذا المنافق يكون مؤمن عند الكرامية؛ لأنه نطق بلسانه ولكنه مخلد في النار لأنه كذب بقلبه، فيجمعون بين أمرين متناقضين، فيقولون: إن المنافق مؤمن كامل الإيمان لأنه نطلق بلسانه، ومخلد في النار لأنه مكذب بقلبه، كيف مؤمن وكامل الإيمان ويخلد في النار؟! هذا يلي المذهب الثاني في الفساد.
الطائفة الثالثة: الأشاعرة و الماتوريدية الذين يقولون: إن الإيمان هو التصديق بالقلب فقط.
الطائفة الأولى: الإيمان معرفة القلب.
الطائفة الثانية: مع الإيمان النطق باللسان.
الطائفة الثالثة: الأشاعرة و الماتوريدية الإيمان التصديق بالقلب.
وعلى هذا فإذا صدق بقلبه فهو مؤمن، وهذا رواية عن الإمام أبي حنيفة، وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: ليس هناك فرقٌ بين التصديق المجرد والمعرفة، يقول: ما تستطيع أن تفرق بين التصديق في القلب إذا كان مجرد ما معه شيء ما معه محبة ولا عمل.
فالتصنيف على هذا يكون مذهب الماتوريدية لا فرق بينه وبين مذهب الجهمية التصديق هو المعرفة والمعرفة هو التصديق، معناه تصديق مجرد.
الطائفة الرابعة: مرجئة الفقهاء، وهم أبو حنيفة وأصحابه، وهم طائفة من أهل السنة يقولون: الإيمان شيئان:
التصديق بالقلب.والنطق باللسان.فقط، وأما أعمال الجوارح ليست من الإيمان وإن كانت مطلوبة، يقولون: مطلوبة؛ لأنه من السنة أبو حنيفة وأصحابه، يقولون: مطلوبة الأعمال الصالحة الصلاة والصيام والزكاة ما نسميها إيمان، نسميها ايش؟ بر وتقوى.
وجمهور أهل السنة يقولون: الإيمان قولٌ باللسان وتصديق بالقلب وعملٌ بالقلب وعملٌ بالجوارح، إذًا مرجئة الفقهاء من هم؟ أبو حنيفة وأصحابه أهل الكوفة، يقول: الإيمان شيئان: تصديق بالقلب.وإقرار باللسان.وعمل الجوارح مطلوب لكن ليس من الإيمان، لما قالوا: إنه ليس من الإيمان فتحوا الباب للمرجئة المحضة، قالوا: ما دام ليس من الإيمان إذًا ليس بمطلوب، فدخل معها المرجئة المحضة، هذه أربع طوائف المرجئة، لكن الطائفة الرابعة من أهل السنة.
وأبو حنيفة رحمه الله له روايتان في هذا:
الرواية الأولى: هي مذهب الماتوريدية الإيمان تصديق فقط، والإقرار باللسان يقول: ركنٌ زائد، ليس من الايمان مطلوب ولكن ليس من الإيمان.
الرواية الثانية: التي عليها جمهور أصحاب الإمام أبي حنيفة: أن الإيمان شيئان تصديق بالقلب وإقرار باللسان.
أما أهل السنة جمهور أهل السنة فالإيمان عندهم مكون من أربعة أشياء:
الأول: تصديق بالقلب وهو الإقرار والاعتراف.
الثاني: عمل القلب و النية الإخلاص المحبة أعمال القلوب.
الثالث: الإقرار باللسان النطق باللسان.
الرابع: عمل الجوارح.
ولهذا يقول العلماء: الإيمان قولٌ باللسان وتصديق بالجنان وعملٌ بالأركان، يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان، يزيد وينقص.
ولهذا يقول أهل السنة: الإيمان قولٌ وعمل، والقول قسمان: قول القلب وهو التصديق، وقول اللسان وهو النطق.
والعمل قسمان: أعمال القلوب وأعمال الجوارح.
ومنهم من يقول: عملٌ وقولٌ ونية.
ومن أهل السنة من يقول: عملٌ وقولٌ ونيةٌ وسنة.
وبذلك يكون أهل السنة جماعة أهل السنة انفصلوا عن جميع ا لطوائف في إدخالهم أعمال الجوارح في الدين والإيمان، وكذلك أيضًا عند الطوائف كلها الأربعة الإيمان لا يزيد ولا ينقص، عند الجهمية والكرامية والماترودية ومرجئة الفقهاء، الإيمان شيء واحد لا يزيد ولا ينقص.
وأهل السنة والجماعة يقولون: الإيمان يزيد وينقص ويقوى ويضعف.
ويتفرع على هذا مسألة الاستثناء في الإيمان، أنا مؤمن إن شاء الله، هل يجوز أن تستثني أو لا يجوز؟ عند الطوائف الأربعة لا يجوز.
عند الجهمية والكرامية و الماتوريدية ومرجئة الفقهاء، لا يجوز أن تقول: أنا مؤمن إن شاء الله، يقول: تشك في إيمانك، أنت تعلم أنك مؤمن وأنك مصدق، شيء واحد التصديق لا يزيد و ينقص، تعلم أنك مصدق كما تعلم أنك تحب الرسول ﷺ وتعلم أنك تبغض اليهود، فإذا قلت: أنا مؤمن إن شاء الله فأنت تشك في إيمانك، يسمون أهل السنة الشكاكة، يقولون: أنتم شكاكة تشكون في إيمانكم.
وأما أهل السنة والجماعة قالوا: في تفصيل، فيجوز الاستثناء فيه أحيانًا ولا يجوز أحيانًا، إذا قصدت الشك في أصل إيمانك هذا ممنوع، أما إذا قصدت التبرك بذكر اسم الله فلا بأس، أو أردت بذلك العاقبة وأنك لا تعلم العاقبة فلا بأس أن تستثني.
وكذلك إذا أردت أن أعمال الجوارح متعددة صلاة وصيام وزكاة وحج وغيره ولا تزكي نفسك لا تجزم بأنك أديت ما عليك فأنت تستثني لأجل أن الأعمال متعددة وأنت لا تزكي نفسك ولا تدري أنك أديت ما عليك فتقول: أنا مؤمن إن شاء الله فهذا لا بأس به.
المؤلف رحمه الله استدل على هذا بأي شيء؟ استدل على أن الدين قول وعمل قال: وذلك قول الله تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [البينة/5] .
وجه الدلالة أنه ذكر العبادة التوحيد وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ثم قال: وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [البينة/5] فسمى الجميع دين سمى الصلاة والزكاة وعبادة الله دين، فدل على أن الدين يشمل القول ويشمل العمل.
طيب هذا كتاب الله وهؤلاء خالفوا كتاب الله ،الذين قالوا: إن الدين خارجة عن الأعمال، والدين والإيمان شيء واحد، فالدين هو الإيمان والإيمان هو الدين، هذه المسألة الأولى نعم .
(المتن)
قال: الثاني: وأنَّ القرآنَ كلامُ الله غيرُ مخلوقٍ، لقوله: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ [الأعراف/54] .
قال أبو عبد الله محمد بن إسماعيل: قال ابنُ عُيَيْنَة: فبَيَّنَ اللهُ الخَلْقَ مِنَ الأَمْرِ، لقوله: أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [الأعراف/54] ..
(الشرح)
هذه المسألة الثانية والأصل الثاني من أصول أهل السنة أن القرآن كلام الله غير مخلوق هذه عقيدة أهل السنة والجماعة التي لقي عليها البخاري أكثر من ألف شيخ، أكثر من ألف شيخ كلهم يقولون يعتقدون أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق.
الدليل استدل المؤلف رحمه الله هنا بآية، وليس المراد الحصر بل الأدلة كثيرة.
كما أن المسألة الأولى وهي أن الدين قول وعمل هذا يعني استدل بآية ولكن المقصود المثال دليل واحد وإلا الأدلة كثيرة، مثل قوله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا [الأنفال/1-4] .
فهم مؤمنون بهذه الأعمال وهذه الأعمال منها ما هو من أعمال القلوب، مثل وجل القلب عند ذكر الله وزيادة الإيمان عند تلاوة القران، ومنها ما هو من أعمال الجوارح كالصلاة والصيام، وهنا استدل بآية آية الأعراف: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ [الأعراف/54] .
قال أبو عبد الله نقلاً عن ابن عيينة سفيان بن عيينة وبيان وجه الاستدلال من الآية، ما وجه الاستدلال من الآية، قال بن عيينة و سفيان ابن عيينة امام معروف: بيّن الله الخلق من الأمر في قوله: أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [الأعراف/54].
وجه الدلالة أن الله تعالى فصل بين الخلق والأمر، فقال: تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [الأعراف/54]. والأمر كلام الله إذًا الخلق غير الكلام، الأمر هو كلام إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس/82] . فالله تعالى عطف الأمر على الخلق فدل على أنهما شيئان، وأن الخلق غير الأمر، وكلام الله من أمره، فهذا دليل على ايش؟ على أن كلام الله غير مخلوق، منزل غير مخلوق.
ومن الأدلة الدالة على أن القرآن منزل قال تعالى: قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ [النحل/102] . وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي [السجدة/13] . تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ [الزمر/1] . تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [فصلت/2] . والنزول إنما يكون من أعلى إلى أسفل فهو تنزيل تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت/42] . فهو منزل غير مخلوق.
وهذه الآية التي استدل بها المؤلف فيها أن الله فصل بين الخلق والأمر، وعطف أحدهما على الآخر فدل على أنهما شيئان وأن الخلق غير الأمر، وكلام الله من أمره، هذه هي عقيدة أهل السنة والجماعة، وهذه هي العقيدة التي لقي عليها البخاري أكثر من ألف شيخ، وخالف أهل البدع من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة فقالوا: القرآن مخلوق.
الجهمية والمعتزلة قالوا: القرآن لفظه ومعناه مخلوق، واستدلوا بأدلة استدلوا على ذلك بأدلة من هذه الأدلة قول الله تعالى: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ [الزمر/62] . وقال سبحانه: وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا [الفرقان/2] .
فقالوا: القرآن شيء من الأشياء فهو مخلوق، الله خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ والقرآن شيء من الأشياء فيكون داخلاً في الخلق، واضح هذا ؟
أهل السنة أجابوا عن هذا بأن الله تعالى هو الخالق بذاته وأسمائه وصفاته وما سواه مخلوق، الله هو الخالق بذاته وأسمائه وصفاته ولو قالوا: إن صفات الله غير الله، فصفات الله وأسماؤه ليست غير الله، الله هو الخالق بذاته وأسماه وصفاته وما سواه مخلوق.
فلا يقال: إن كلام الله مخلوق؛ لأن كلام الله ليس سوى الله، ما سوى الله مخلوق، خلق كل شيء والله تعالى هو الخالق.
ومن الأجوبة: أن كلمة كل قالوا داخل في عموم كل، وكل عامة ويقال لهم: إن عموم كل بحسبه، بمعنى الله خالق كل شيء مخلوق، ولما قال الله تعالى عن الريح التي دمرت عاد تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا و قال فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ [الأحقاف/25] . المساكن ما دمرت والسموات ما دمرت وهي داخلة في عموم كل، والمعنى دمرت كل شيء يصلح للتدمير أو يستحق التدمير، ولهذا مساكنهم ما دمرت والسموات والأرض ما دمرت.
وكذلك قول الله تعالى عن ملكة سبأ: وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ [النمل/23] . قول الهدهد عن بلقيس: وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ [النمل/23] .
هل المراد كل شيء عندها؟ كل شيء في الدنيا عندها؟ لا، المعنى وأوتيت من كل شيء يصلح للملوك، فكذلك الله خالق كل شيء، المراد كل شيء مخلوق، ولا يدخل في ذلك كلام الله.
ومن العجائب أن المعتزلة قالوا: القرآن مخلوق داخل في عموم كل، وأخرجوا أفعال العباد قالوا: ليست مخلوقة، أفعال العباد قالوا: ما خلقها الله، من الذي خلقها؟ العبد، طيب ما الذي أخرجها من عموم كل؟ الهوى.
كيف تخرجون أفعال العباد من عموم كل؟ وهي مخلوقة وتدخلون فيه كلام الله الذي هو صفة من صفاته؟! هذا يدل على الهوى.
الجهمية والمعتزلة قالوا: القرآن مخلوق لفظه ومعناه، والأشاعرة مذبذبون قالوا: القرآن شيئان قالوا القران لفظ ومعنى، فاللفظ مخلوق والمعنى غير مخلوق، فاللفظ مخلوق كما قال المعتزلة والمعنى غير مخلوق كما قال أهل السنة.
فوضعوا يد مع أهل السنة ووضعوا يد مع المعتزلة؛ لأنهم مذبذبون لأنهم في ذبذبة في جميع في غالب معتقداتهم، الرؤية كذلك، أثبتوا الرؤية لله ونفوا الجهة، والمعتزلة نفوا الجهة ونفوا الرؤية، وأهل السنة أثبتوا الرؤية والجهة، وهؤلاء مذبذبين صار الرؤية أثبتوها مع أهل السنة والرؤية نفوها كما كانوا مع المعتزلة.
فكذلك هنا قالوا: القرآن اللفظ غير مخلوق ولا يسمى كلامًا، الكلام إنما هو وصف للمعنى، واستدلوا بقول الأخطل النصراني:
إنَّ الْكَلَامَ لَفِي الْفُؤَادِ وَإِنَّمَا | جُعِلَ اللِّسَانُ عَلَى الْفُؤَادِ دَلِيلًا |
قالوا: هذا شاعر يقول الكلام في القلب، إذًا دليل، هل هو عربي؟ متأخر هذا الأخطل نصراني والنصارى ضلوا في معنى الكلام كيف يستدلوا به؟!.
النصارى أنفسهم ضلوا في معنى الكلام فقالوا: إن عيسى كلمة الله وقالوا: إن عسى جزء من الله، وضلوا في نفس الكلام، فكيف تستدل بقول النصارى على مسألة في محل النزاع؟! هم أخطئوا في الكلام وقالوا كفرًا فكفروا بذلك فتستدل بكفرهم على مسألة أخطئوا فيها وكفروا فيها!.
إذًا الأشاعرة ماذا قالوا؟ الأشاعرة أكثر أهل الفرق وأتى وقت طبق أهل الأرض مذهب الأشاعرة وكانوا يسمونهم أهل السنة، ومع ذلك هم مخالفون لأهل السنة، أثبتوا سبع صفات الحياة والكلام والبصر والسمع والعلم والقدرة والإرادة، والباقي قالوا مخلوق، فهم مخالفون لأهل السنة.
القرآن قالوا أو الكلام: نصفه مخلوق وهو اللفظ ونصف غير مخلوق وهو المعنى، طيب فإذا قيل لهم: القرآن كلام الله و أهل السنة يقولون كلام الله، قالوا: هذا من باب المجاز، يقال: القرآن كلام الله مجازًا وإلا فحقيقةً فإن اللفظ ليس كلام الله.
ولكن يسمى كلام الله مجازًا لأنه تأدى به كلام الله، القرآن يقولون ليس كلام الله ولكن تأدى به كلام الله، فسمي كلام الله لأنه تأدى به كلام الله.
طيب كيف؟ قالوا: جبريل ما سمع من الله ولا كلمة واحدة، قالوا: لو قلنا إن القرآن كلام الله وأن الله تكلم شوف شبهتهم تكلم وسمعه جبريل لصار الله محل للحوادث، الكلام حادث فالله ليس محل للحوادث تحل فيه الحوادث، الكلام يحدث في الذات والله ليس حادث حتى تحدث فيه الكلام، فالصوت والحروف هذه كلها حادثة، ففراراً من هذا قالوا: هو معنى قائم بالنفس، مثل العلم كما أن العلم قائم بالنفس فالكلام قائم بالنفس لا فرق بين العلم والكلام.
طيب كيف جبريل كيف من أين جاءنا هذا القرآن؟ جعلوا الرب أبكم لا يتكلم نعوذ بالله ما يستطيع، قالوا: لا يستطيع أن يتكلم، جعلوا الرب أبكم نعوذ بالله لا يستطيع الكلام.
طيب كيف جاءنا هذا القرآن؟ قالوا: الله تعالى اضطر جبريل اضطرارًا ففهم المعنى القائم بالنفس فعبر بهذا القرآن، جبريل عبر ليش عبر؟ لأنه اضطره الله اضطرارًا ففهم المعنى القائم من نفسه فعبر بهذا القرآن، فالقرآن عبر به جبريل، ومنهم من قال عبر به محمد عليه الصلاة و السلام .
واستدل الأولون بقوله تعالى: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ [التكوير/19-21] . هذا جبريل.
واستدل الآخرون بأنه الذي عبر به محمد إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ [الحاقة/40-42] .
طيب أيهم الذي قال القرآن محمد ولا جبريل؟ تتناقضون أنتم؟ إن قلتم: جبريل فالآية تدل على أن الذي قاله محمد وإن قلتم محمد فالآية الأخرى تدل على أن الذي قاله جبريل.
فمن الذي قاله؟ ومن هم من قال: إن جبريل أخذ القرآن من اللوح المحفوظ ولم يسمع من الله كلمة واحدة، هذه طائفة أخرى قالوا هذا، وقالوا: إن هذا القران المصحف الآن ما فيه كلام الله عندهم، ولا يحترمون القرآن، بعضهم بعض الجهم ما يحترمون القران يقولون: لو ترميه برجلك ما يضر لأنه ما فيه كلام الله نعوذ بالله.
عبارة عن كلام الله وكلام الله في نفسه قائم بنفسه، هذا كله بسبب الانحراف ومجاراة أهل الباطل، القرآن كلام الله والقرآن يضاف إلى من قاله مبتدأً أما قوله: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ [الحاقة/40] .
فهو مبلغ جبريل مبلغ نسب إليه، نُسب إليه قوله تبليغًا كما نسب إلى محمد، جبريل بلغه محمد ومحمد بلغه الأمة، فالقول ينسب إلى من قاله مبتدأً لا من قاله مبلغًا، فأنت حينما تقرأ قصيدة امرؤ القيس: قفا نبكي من ذكرى حبيب ومنزل تقول: هذه قصيد امرؤ القيس، ثم يأتي واحد ويقرأ القصيدة فيقال هذا القول لمن؟ لمن قرأه ولا لمن ابتدأه؟ قال: هذا قرأ قصيدة امرؤ القيس، فالقصيدة نسبت إلى امرؤ القيس لأنه ابتدأها وأنت لا تنسب إليك لأنك بلغت وقرأت.
فالمقصود أن هذا من أبطل الباطل قول الأشاعرة هذا، قول الأشاعرة من أبطل الباطل ومن جهة أخرى يكون قول المعتزلة أحسن من جهة أنهم لم يتناقضوا، قالوا: القرآن اللفظ المعنى كله مخلوق، عندهم كله اللفظ والمعنى مخلوق.
وهؤلاء تناقصوا: يقولون اللفظ مخلوق والمعنى غير مخلوق ايش معنى هذا؟ هذا تناقض لا تتذبذبوا إما تقولوا اللفظ والمعنى مخلوق حت تكونوا مع المعتزلة، وإما تقولوا اللفظ والمعنى كلام الله حتى تكونوا من أهل السنة، أما تكونوا مذبذبين لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء فهذا وصف المنافقين نسأل الله السلامة والعافية.
إذًا عقيدة أهل السنة والجماعة أن القرآن كلام الله منزلٌ غير مخلوق، ولهذا يقول أهل السنة والجماعة في عقائدهم: القرآن كلام الله منزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود.
معنى منه بدأ لأن الله تعالى هو الذي تكلم به ابتداءً وإليه يعود في آخر الزمان، في آخر الزمان حينما يرفع القرآن وهو من أشراط الساعة الكبار والعياذ بالله، وذلك إذا ترك الناس العمل بالقرآن رفع والعياذ بالله في آخر الزمان اذا ترك الناس العمل بالقران يُرفع، يسرى به في ليلة فيصبح الناس لا يجدون في صدورهم آية ولا في المصاحف آية.
ينزع القرآن من الصدور ومن المصاحف، وهذا من أشراط الساعة الكبار في آخر الزمان، أشراط الساعة الكبار التي تتوالى وهي مشبهة بالعقد الذي إذا قطع تتابعت الخرز، وهي عشر، عشر علامات لم يخرج منها شيء نحن الآن في أشراط الساعة الصغرى، ولا تزال وهي موجودة من أولها بعثة النبي ﷺ هو نبي الساعة ومنها موته .
ومنها فتح بيت المقدس ومنها إضاعة الصلوات و إضاعة الأمانة، ومنها تقارب الأسواق، ومنها ما هو موجود في هذا الزمان ظهور القينات والمعازف واضاعة الأمانة واضاعة الصلوات إلى غيرها، ولا تزال هذه تتكاثر.
لكن أشراط الساعة الكبار عشر ما خرج منها شيء أولها خروج المهدي وهو رجل من آل النبي ﷺ من سلالة فاطمة اسمه كاسم النبي وكنيته كنتيه، محمد بن عبد الله المهدي.
يخرج في آخر الزمان ويبايع في له بين الكعبة والركن في وقت ليس للناس فيه إمام، المهدي ما يقاتل الناس وإنما يبايع في وقتٍ ليس للناس فيه إمام، ويلزم بذلك وهو لا يريد، وتحصل للناس الفتن كما جاءت في الأحاديث إلى الشام، وتحصل في زمانه حروبٌ طاحنة بين النصارى والمسلمين، ومن آخرها فتح القسطنطينية.
وبعد أن تفتح القسطنطينية يخرج الدجال وهو رجلٌ من بني آدم يدعي الصلاح أولًا ثم يدعي النبوة ثم يدعي الربوبية يخرج في زمن المهدي، ثم يخرج ثم ينزل عيسى بن مريم في زمن الدجال ويقتل الدجال، يقتل مسيح الهدى مسيح الضلالة، ثم يخرج يأجوج ومأجوج في زمن عسى، هذه أربع متوالية مرتبة هذه أولها المهدي، ثم الدجال، ثم عيسى ثم يأجوج ومأجوج.
ثم تتابع أشراط الساعة ومنها نزع القرآن من الصدور ومنها الدخان الذي يملأ ما بين السماء والأرض، ومنها طلوع الشمس من مغربها وهي من آخرها، ومنها الدابة التي تسم الناس في جباههم.
وآخرها نارٌ تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر، تبيت معهم إذا باتوا تقف في وقت النوم حتى ينام الناس، ثم تسوقهم وإذا جاءت القيلولة تقف ثم تسوقهم، ومن تخلف أكلته، وتأتي قبل ذلك ريحٌ طيبة تقبض أرواح المؤمنين فلا يبقى إلى الكفرة فعليهم تقوم الساعة.
تقوم الساعة على الكفار حينما لا يوجد في الأرض إيمان ولا توحيد، لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله، نسأل الله السلامة والعافية.
فالقرآن ينزع من صدور الرجال والمصاحف في آخر الزمان إذا ترك الناس العمل به، عقيدة أهل السنة أن القرآن كلام الله منزلٌ غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود.
نعم ، المسألة الثالثة.
(المتن)
(الشرح)
نعم، المسألة الثالثة أن الخير والشر بقدر عقيدة أهل السنة والجماعة أن الخير والشر مقدران، يعني قدر كل شيء، ومن أدلة ذلك قول الله تعالى: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ [الزمر/62] . وقال: وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا [الفرقان/2] . يشمل الخير والشر.
وكذلك الأدلة التي استدل بها المؤلف: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ [الفلق/1-2] ما من صيغ العموم تشمل الخير والشر، "ما" من صيغ العموم
ولقوله تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [الصافات/96] . يعني: والذي تعملون من خير أو شر، الذي يعمله العباد خير و شر طاعات و معاص.
ولقوله تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر/49] . هذه الأدلة تدل على ايش؟ أن الخير والشر والطاعات والمعاصي والكفر الإيمان كلها ايش؟ خلقها الله.
وهذا فيه الرد على المعتزلة يعني هذه عقيدة أهل السنة أجمع عليها أكثر من ألف شيخ رحمهم والله المعتزلة خالفوا في هذا فقالوا: الخير مقدر والشر غير مقدر، الطاعات والإيمان مقدر والكفر والمعاصي غير مقدر.
قالوا: ايش؟ لئلا ينسب الشر إلى الله و لئلا تنسب المعصية إلى الله، قالوا: ننسبها إلى العبد، ومنهم من قال: أفعال العباد كلها غير مقدرة خير أو شر، كل أفعال العباد خلقها العبد نفسه، العبد هو الذي خلق الخير والشر، وخلق الطاعة والمعصية وخلق الإيمان والكفر.
لماذا قالوا هذا؟ قالوا: حتى ننزه الله عن الظلم بزعمهم، قالوا: لو قلنا: إن الله خلق المعصية وعذب عليها، خلق الكفر وعذب عليه، خلق الشر وعذب عليه صار ظالمًاً، والله تعالى عادل لا يجور.
المعتزلة سموا معتزلة في الصفات قدرية في الأفعال، هم في الصفات يسمون معتزلة وفي الأفعال يسمون قدرية، هم طائفة واحدة، قالوا: الطاعات والمعاصي من الذي خلقها؟ العبد، حتى إذا فعل الطاعة يستحق الثواب عليه من الله، وحتى إذا خلق المعصية يستحق العقوبة من الله.
ولهذا يقولون: إن العبد يستحق على الله الثواب كما يستحق الأجير أجرته، كأنهم يقولون: ليس لله فضل في أن يعطي العبد الثواب هذا عرق جبينه وهذا عمله، يجب على الله عقلاً عندهم أن يثيب المطيع وأن يعاقب العاصي، أما المطيع فهذا عرق جبينه وهذا عمله، يجب على الله أن يعطيه أجرته كما يعطى الأجير أجرته.
صار يتعامل مع الله كما يتعامل الأجير مع أجرته، وأما المعصية فيجب على الله أن يعذبه وليس له أن يعفو عنه أو يرحمه؛ لأن الله توعده والله لا يخلف الميعاد، أوجبوا هذا قالوا: يجب على الله أن يفعل الأصلح والصلاح، هذا المعتزلة والقدرية مذهبهم.
الطاعة خلقها العبد ويجب على الله أن يثبته وليس له فضل في ذلك؛ لأن هذا عمله بجهده، نعوذ بالله، والمعصية يجب على الله أن يعذب وليس لله أن يعفو عنه؛ لأن الله لا يخلف الميعاد هكذا.
وأما أهل السنة فإنهم يقولون و يستدلون بقول الله تعالى ،يستدلون بأي شيء على هذا؟ يستدلون بالأدلة التي فيها أن الإنسان يعمل و مؤاخذ بعمله، والأدلة التي فيها أن الثواب يكون بالعمل: تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [الأعراف/43] . ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [النحل/32] .
أهل السنة يقولون: إن الله تعالى إن أفعال العباد مخلوقة من خير أو شر من طاعة أو معصية، لعموم الأدلة التي فيها أن الله خالق كل شيء كما في هذه الآية، ولكن يقولون: إن الشر لا يُنسب إلى الله من باب التنزيه، كما قال الله تعالى في هذه الآية: مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ [الفلق/2] . عمومًا، ولم ينسب الشر إليه وانما الشر نسبه إلى الخلق تنزيهًا لله وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [الصافات/96] . تدخل في العموم.
ومن ذلك قول الجن مؤمنو الجن لما قال الله عنهم أنهم قالوا: وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا [الجن/10] .
فالرشد نسبوه إلى الله والشر أتو بصيغة المجهول، وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ ولم يقولوا: أراد الله، مع أن الله أراده ولكن من باب التنزيه. وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ [الجن/10] . وأما الخير قالوا: أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا [الجن/10] . فهذا من باب التنزيه.
أو في العموم مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ [الفلق/2] . وإلا فالله تعالى خالق الخير والشر.
وأما هذه الشبهة التي قالها المعتزلة فهي شبهة داحضة، نقول لهم: أما خلق الخير فهذا فضل من الله ونعمة، وأما الشر والمعاصي فالله تعالى له حكمة بالغة في خلق المعاصي والشر والكفر الحكم متعددة، منها من هذه الحكم: ظهور آثار قدرة الله على خلق المتقابلات، فالخير يقابل الشر، كما أن الليل يقابل النهار، وكما أن الكفر يقابل الإيمان، والحلو يقابله الحامض، والحر يقابله البرد، و الملاسة تقابلها اليبوسة والرطوبة تقابلها اليبوسة وهكذا، ففي ذلك ظهور قدرة الله على وجود المتقابلات.
وثانيًا: ظهور آثار أسماء الله القهرية، لولا خلق الله للكفر والمعاصي لما ظهرت آثار أسماء الله الجبار والقهار والمنتقم، والقاهر.
ثالثًا: ظهور آثار أسماء الله ، ظهور آثار أسماء الرحمة آثار أسماء الرحيم والتواب والغفور، لولا خلق الله للمعاصي أين ظهور آثار أسماء الله التواب الغفور الرحيم اللطيف!.
فإذًا نقول: إن المعاصي خلقها الله ولكنه خلقها لحكم وأسرار، ولكنه لا يريدها لا يحبها دينًا وشرعًا، وإن كان يريدها قضاءً وقدرًا، يريدها قضاءً وقدرًا لما يترتب عليها من الحكم والأسرار، ولا يريدها دينًا وشرعًا لأن الله نهى عن المعاصي ونهى عن الكفر ولا يرضى لعباده الكفر والله لا يحب الفساد.
وشرع وأرسل الرسل وأنزل الكتب كل هذا لبيان للنهي عن المعاصي والكفر، ولكنه أرادها كونًا وقدرًا لما يترتب عليها من ايش؟ من الحكم والأسرار، فهي مرادةٌ لا لذاتها بل لما يترتب عليها من الحكم.
فالطاعة مرادة لذاتها والمعصية مرادة لما يترتب عليها لا لذاتها، ذاتها مكروهة لا يريدها الله ولكن يريد ما يترتب عليها، ولله المثل الأعلى.
فالطبيب الذي يأمر المريض أن يشرب دواءً مرًا علقماً ويقولون: إن عافيته في شرب هذا الدواء المر العلقم، فالمريض حينما يُقدم على شرب الدواء المر العلقم هل يريده لذاته؟ هل هذا؟ هل الدواء محبوب له؟ لا، مكروه ولكنه يتجرعه ويأخذه باختياره ليش؟ لما يترتب عليه من المصلحة فيه عافية.
فالله تعالى إنما أراد وقوع المعاصي والكفر لما فيه من الحكم لا لذاتها، فهي مقصودة لما يترتب عليها من الحكم لا لذاتها، أما الطاعة فهي مقصودة لذاتها.
والقدرية محجوجون، ويقال لهم أيضًا في الرد عليهم: أنتم حينما تقولون أن الله خلق المعاصي وأن المعصية ما خلقها الله وإنما خلقها العبد وأوجدها، قالوا: الله يريد من العبد الطاعة ولكن العبد هو يريد المعاصي.
طيب يلزم من ذلك أن الله يريد الطاعة من العبد والعبد يريد المعصية، فتغلب مشيئة العبد مشيئة الله، وهذا أمر عظيم، إذًا العبد يريد المعصية والله يريد الطاعة، فتغلب إرادة العبد إرادة الله.
وهذا فيه أيضًا فيه أمر عظيم أن إرادة العبد تغلب إرادة الله وفيه أن العبد يوقع في ملك الله ما لا يريد، كيف تجيبون على هذا الأمر العظيم؟ والله تعالى يقول: وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ [البقرة/253] . وَلَكِنَّ اللَّهَ يَحكُمُ مَا يُرِيدُ [المائدة/1] . فهل يمكن أن يقع في ملك الله ما لا يريده؟ لا، هل يمكن أن تغلب إرادة العبد إرادة الله؟ تعالى الله هذا أمر عظيم، أما كون الله تعالى قدر هذا لحكم فكما سمعتم، هذه الحكم وهذه الأسرار.
وتسلمون من ايش؟ من هذه المآخذ، وهم محجوجون القدرية محجوجون حتى عند خصومهم، حتى خصومهم الكفار خاصموهم، التقي قدري ومجوسي، فأراد القدري أن ينصح المجوسي وأن يدعوه إلى الإسلام، فقال القدري للمجوسي: أسلم يا مجوسي تب إلى الله أسلم وادخل في الإسلام، فقال المجوسي: حتى يريد الله، إذا أراد أن أسلم أسلمت، فقال القدري: الله يريد ولكن الشيطان هو الذي لا يريد.
فقال المجوسي: هذا الشيطان قوي، غلبت إرادته إرادة الله، الشيطان قوي لا يريد وهو مع الشيطان، والله يريد ولم تقع إرادة الله، فغُلب بذلك القدري.
فقال القدري: الله يريد ولكن الشيطان هو الذي لا يريد، وفي رواية الامام مالك القدري قال: أنا مع القوي منهما، خليهم يتخاصمان ويتغالبان والقوي منهم أنا أصير معه.
إذا كان الشيطان يريد والله لا يريد وتقع إرادة الشيطان إذًا صار الشيطان قوي غلبت إرادته إرادة الله، وفي رواية أنه قال: أنا مع القوي منهما، فغُلب بذلك القدري وانهزم.
دل على أنهم مهزومون حتى من خصومهم.
السائل: وجه دلالة المعتزلة من قولهم الـ "ما" هنا مصدرية ، ما وجه الدلالة أننا فسرناها مصدرية أو بمعنى الذي ؟
الشيخ: الله خلقكم وعملكم المعنى واحد، يعني الله خلقكم وعملكم وهو الله خلقكم وما تعملون، يعني هل المعتزلة استدلوا بالمصدرية ؟
السائل: (1:01:19 )
الشيخ: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ما يظهر لي الآن أن هناك فرق كله فيه الرد عليهم، وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ، ما أدري هل هناك توجيه آخر؟ فما أذكر أنه في توجيهين، طيب نقرأ الحاشية نشوف الحاشية في الصفحة التي قبل هذه، صفحة تسعة قال البخاري في صحيحه أول كتاب الإيمان.
(الحاشية)
(الشرح)
كل هذا فيه زيادة الإيمان، وهذا قول أهل السنة والجماعة: أن الإيمان يزيد وينقص، وكل شيء يزيد فهو ينقص، وهذا لم يقل به أحد من المرجئة، جميع طوائف المرجئة لا يقولون إنه يزيد وينقص، يقولون شيء واحد لا يزيد ولا ينقص.
وكذلك الكفر يزيد وينقص كما في الآيات التي بعدها، الإيمان يزيد وينقص والكفر يزيد وينقص، قال الله تعالى، ويزداد عذابهم قال الله تعالى عن الكفار: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ [النحل/88] .
فالكافر الذي يصد عن سبيل الله أشد إثم من الكافر الذي لا يصد عن سبيل هذا أشد وأعظم إثم، إذًا أيهما أشد كفر؟ كافر يصد الناس عن دينهم أهل الأخدود الذين أوقدوا الناس وفتنوا الناس عن الدين وقالوا من لم يؤمن ألقيناه في النار، وكافر ما يؤذي المؤمنين أيهما أشد؟ الذي يؤذي المؤمنين أشد، إذًا أشد كفر وأشد عذاب فالكفر يزيد وينقص وكذلك الإيمان يزيد وينقص.
(المتن)
(الشرح)
وفي آخر الآية: فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ [التوبة/125] . هذا في زيادة الكفر، فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا لو ذكر الآية التي بعدها فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا، وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ. فدل على أن الكفر يزيد وينقص.
(المتن)
(الشرح)
هذا كله كلام البخاري نقله في صحيحه.
(المتن)
(الشرح)
الحب في الله والبغض في الله هذا من أعمال القلوب الحب في الله والبغض في الله، فدل على أن أعمال القلوب داخلة في مسمى الإيمان.
(المتن)
(الشرح)
إبراهيم النبي خليل الله
(المتن)
(الشرح)
وهذا كما ذكر الله تعالى في القرآن الكريم وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي [البقرة/260] .
أراد إبراهيم هل إبراهيم عنده شك؟ ليس عنده شك، وفي الحديث الصحيح يقول النبي: نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي المَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ. المعنى أن إبراهيم لم يشك ونحن لا نشك، لكن جعل الانتقال من درجة إلى درجة في اليقين سماها شكًا، إبراهيم أراد أن ينتقل من مرتبة إلى مرتبة عليا.
اليقين ثلاث مراتب:
المرتبة الأولى: مرتبة العلم، وهذه تحصل بالأخبار الصادقة.
الثاني: مرتبة عين اليقين، وهذه تحصل بالرؤية.
الثالثة: مرتبة حق اليقين وهذه تحصل بالمباشرة.
فمرتبة علم اليقين تحصل بالأخبار الصادقة فنحن الآن نصدق بأخبار الله وأخبار رسوله والمؤمنون مصدقون، مصدقون بأخبار الجنة والنار، هذا حصل بالأخبار الصادقة.
ثم مرتبة عين اليقين تحصل بالرؤيا والمشاهدة، إذا شاهد المؤمنون الجنة ورأوها واجتازوا الصراط والميزان هذا انتقل من علم اليقين إلى عين اليقين.
ثم مرتبة حق اليقين إذا دخل الجنة دخل المؤمنون الجنة وباشروا أعمالها فهذا حق اليقين.
فاليقين ثلاث مراتب: علم اليقين يحصل بالأخبار الصادقة.عين اليقين يحصل بالمشاهدة.حق اليقين يحصل بالمباشرة.مثلاً الوادي الآن عندكم الوادي الآن ما هو الوادي المشهور عندكم هنا؟ طيب وادي وجد أنت الآن هنا ما رحت أبد جاءك رجل صادق وقال: سال الوادي، هو صادق تعرف أنه صادق تصدقه ولا ما تصدقه؟ تصدقه، ثم لقيك اثنان فقالوا: سال الوادي، فزاد التصديق، ثم لقيك عشرة فقالوا: سال الوادي، ثم لقيك مائة فقالوا: سال الوادي، هل تشك؟ ما تشك، هذا حصل عندك علم اليقين. ثم ذهبت بنفسك ورأيت الوادي يسيل رأيته بعينك، انتقلت من مرتبة علم اليقين إلى عين اليقين، ثم نزلت في الوادي وشربت منه، باشرت هذا حصل لك حق اليقين.
إبراهيم أراد أن ينتقل من مرتبة علم اليقين إلى عين اليقين المشاهد، قال الله تعالى: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي [البقرة/260] قال الله قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.
قال العلماء في تفسير هذا: إن الله تعالى أمر إبراهيم فأخذ أربعة طيور وقطعها وأخذ رؤوسها بيده وجعل على الجبال جثتها ثم ناداها، فيأتي الجثة ويريد أن يركب الرأس عليه، فإذا الرأس غير الجثة يمتنع، حتى تأتي الجثة الموافقة له، ثم يركب الرأس عليه، ثم يأتي الطير الثاني ويأتي إليه ويركب الرأس معه، إذا كان الرأس لغيره امتنع حتى يأتي بالرأس المناسبة رأسه في الحقيقة فيركب، ثم أتى إلى الرأس الثالثة وجاءته الجثة الثالثة فإذا كانت لغير الرأس امتنع، حتى يأتي بالرأس ويركب وهكذا، فشاهدها بعينه، فانتقل من مرتبة علم اليقين إلى عين اليقين.
(المتن)
وقال معاذ ابن جبل : اجلس بنا نؤمن ساعة.
وقال ابن مسعود : اليقين الإيمان كله .
وقال ابن عمر رضي الله عنهما: لا يبلغ العبد حقيقة التقوى حتى يدع ما حاك في الصدر.
وقال مجاهد رحمه الله: شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ [الشورى/13] .أوصيناك يا محمد وإياه دينًا واحدًا.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا [المائدة/48] .سبيلاً وسنة.
(الشرح)
هذا كله في صحيح البخاري نعم في كتاب الإيمان نعم .
(المتن)
وقال في صحيحه أيضًا: باب من قال إن الإيمان هو العمل لقول الله تعالى: وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [الزخرف/72] .
وقال عدةٌ من أهل العلم في قوله تعالى: فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْن عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الحجر/93] . عن قول لا إله إلا الله.
وقال: لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ [الصافات/61] .
قال: باب زيادة الإيمان ونقصانه.
(الشرح)
وقصد البخاري من هذا الرد على المرجئة الذين يخرجون الأعمال عن مسمى الإيمان ويقولون: إن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، قال: باب زيادة الإيمان ونقصانه، وكذلك الأدلة التي سبقت كلها تبين أن الإيمان قولٌ وعمل، قال: وهو قولٌ وعمل ويزيد وينقص واستدل بالآيات، وقال ابن عباس وآثار الصحابة "الايمان اليقين كله " وقال ابن عمر "لا يبلغ" كل هذا أراد به الرد على المرجئة الذين يخرجون الأعمال من مسمى الإيمان.
وكذلك قال: (باب زيادة الإيمان ونقصانه) رد على المرجئة الذين يقولون: الإيمان لا يزيد ولا ينقص بل هو شيء واحد.
(المتن)
وقول الله تعالى: وَزِدْنَاهُمْ هُدًى [الكهف/13] . وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى [مريم/76] .وقال أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة/3] .
فإذا ترك شيء من الكمال فهو ناقص.
(الشرح)
إذا ترك شيئاً من الكمال فهو ناقص أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة/3] إذًا الإيمان يزيد ونقص.
(الحاشية)
وقال الحاكم في تاريخ نيسابور سمعت أبا الوليد حسان بن محمد الفقيه يقول: سمعت محمد بن نعيم يقول: سألت محمد بن إسماعيل لما وقع في شأنهم في ما وقع عن الإيمان فقال: قولٌ وعمل ويزيد وينقص والقرآن كلام الله غير مخلوق وأفضل أصحاب رسول الله ﷺ أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، على هذا حييت وعليه أموت وعليه أبعث إن شاء الله، نقله ابن القيم في " الصواعق المرسلة " وابن حجر في عدد من كتبه منها "التغليق" و "هداية الساري" قلت: وهذا في أواخر حياة البخاري رحمه الله وسنده صحيح ومحمد بن نعيم ترجمته عزيزة وقال فيه الحاكم: من أعيان المحدثين الثقات الأثبات كما في تلخيص تاريخ نيسابور، زاد في نسخة الكواكب تبارك وتعالى.
الطالب: هذا في الحاشية .
(الشرح)
في الحاشية ولا في الصفحة الثانية على أي شيء ؟ القرآن كلام الله نعم ، الحاشية التي بعدها .
(المتن)
(الشرح)
خلق أفعال العباد هذا غير الصحيح، كانت رسالة للإمام البخاري سماه كتاب خلق أفعال العباد مطبوعة غير كتابه الصحيح، غير الصحيح رسالة مستقلة سماها " خلق أفعال العباد " .
(المتن)
قال البخاري في خلق أفعال العباد: والقرآن كلام الله غير مخلوق لقول الله : إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ [الأعراف/54] .
فبين أن الخلائق والطلب الحثيث والمسخرات بأمره كقوله: أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [الأعراف/54] .
قال ابن عيينة: قد بين الله الخلق من الأمر بقوله: أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ [الأعراف/54] .
فالخلق بأمره كقوله.
(الشرح)
الخلق بأمره الخلق يكون بأمره والأمر هو القول، بماذا يكون الخلق؟ بأمره إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس/82] .
فكيف يقال: إن الأمر هو الخلق؟ الخلق ما يكون إلا بالأمر الخلق يكون بالأمر إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس/82] .
فكيف يقال إنه شيءٌ واحد أن الأمر هو الخلق؟ كيف يقال إن القرآن مخلوق والأمر هو الكلام؟ والله تعالى يخلق بالكلام، فكيف يقال: إن الكلام والخلق شيء واحد؟!.
(المتن)
قال ابن عيينة: قد بين الله الخلق من الأمر بقوله: أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ [الأعراف/54] .
فالخلق بأمره كقوله: لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ [الروم/4] .
وكقوله: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونَ [يس/82] .
وكقوله: وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاء وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ [الروم/25] ، ولم يقل بخلقه.
(الشرح)
أن تقوم السماء بأمره نعم
وأثر ابن عيينة علقه البخاري في صحيحه أيضًا بصيغة الجزم، وذكر ابن حجر في " التغليق " أن ابن أبي حاتم وصله في كتاب الرد على الجهمية من طريق بشار بن موسى عن ابن عيينة ومن طريق نعيم بن حماد عن ابن عيينة بمعناه.
(المتن)
رابعًا: ولم يكونوا يكفِّرونَ أَحَدًا من أهل القِبْلةِ بالذَّنْبِ، لقوله: إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء [النساء/48] .
(الشرح)
هذه المسألة الرابعة و الأصل الرابع من أصول أهل السنة أنهم لا يكفرون أحدًا من أهل القبلة بذنب، الذنوب لا يكفر بها العبد، الذنب غير الكفر، الكفر هو الذي يكفر به، والدليل قول الله تعالى: إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء [النساء/48] .
وجه الدلالة من الآية أن الله تعالى فرق بين الشرك وما دونه، فأخبر أن الشرك لا يغفر وأن ما دونه تحت المشيئة، فدل على أن الشرك هذا لا يغفر أبدًا وما دونه هذا تحت المشيئة.
وهذا فيه الرد على الخوارج والمعتزلة، هذا عقيدة أهل السنة التي لقي البخاري فيها أكثر من ألف شيخ، خالف في ذلك الخوارج والمعتزلة، فالخوارج قالوا: يكفر المسلم بالذنب بالكبيرة، إذا ارتكب كبيرة فإنه يكفر، وقالوا: الزاني كافر إذا زنى كفر إذا سرق كفر، إذا عق والديه كفر، وإذا تعامل بالربا كفر وإذا أخذ الرشوة كفر، يكفرونه ويستحلون دمه وماله ويخلدونه في النار نعوذ بالله.
وهؤلاء ظهروا في أواخر عصر الصحابة وقاتلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب حتى قتل منهم مقتلة عظيمة، ناظرهم ابن عباس ورجع منهم عدد والباقي قتلهم علي ، والمعتزلة يوافقون الخوارج في أن مرتكب الكبيرة يخرج من الإيمان، لكن يقولون: لا يدخل في الكفر.
قالوا: خرج من الإيمان ولم يدخل في الكفر فصار في منزلة بين الإيمان والكفر لا يسمى مؤمن ولا كافر يسمى فساق، لا مؤمن ولا كافر وفي الآخرة يخلدونه في النار موافقةً للخوارج، واضح هذا؟
وعلى هذا هل هناك فرق بين مذهب المعتزلة ومذهب الخوارج؟ في الدنيا، في الدنيا الخوارج يقولون: خرج من الإيمان ودخل في الكفر فيستحلون دمه وماله، والمعتزلة يقولون: خرج من الإيمان ولم يدخل في الكفر فلا يستحلون دمه وماله في الدنيا، لكن يخلدونه في النار.
والمعتزلة عندهم أصول خمسة بدلًا من أصول أهل السنة الخمسة، أهل السنة أصول الدين عندهم خمسة أو ستة، الإيمان بالله ومنهم من يدخل في الإيمان بالله قضائه وقدره هذا واحد.
ثانيًا: الإيمان بالملائكة.
ثالثًا: الإيمان بالكتب المنزلة.
رابعًا: الإيمان بالرسل والإيمان باليوم الآخر.
المعتزلة بدلوا هذه الأصول بأصول فاسدة، فقالوا: عندنا أصول خمسة، التوحيد والعدل والمنزلة بين المنزلتين وإنفاذ الوعيد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وكل أصل من هذه الأصول الخمسة ستروا تحتها معنى باطلاً، فستروا تحت القول بالتوحيد انكار الصفات نفي الصفات والقول بأن القرآن مخلوق وأن الله لا يُرى في الآخرة، سموا هذا التوحيد، فمن أثبت لله صفةً فهو مشبه وليس بموحد، ومن نفى الصفة فهو الموحد عندهم.
والعدل ستروا تحتها القول بأن العباد بأن بإنكار القدر وأن الله لا يقدر أن يهدي ضالًا ولا أن يضل مهتديًا، والقول بأن العباد هم خالقون لأفعالهم، وقالوا: إن هذا هو العدل، قالوا: إن الله عادل لا يجور، ولو كان يخلق المعاصي ويعذب عليها لم يكن عادلًا.
والمنزلة بين المنزلتين ستروا تحتها القول بأن العاصي إذا فعل الكبيرة خرج من الإيمان ولم يدخل في الكفر، بل يكون في منزلة بين الإيمان وبين الكفر.
وإنفاذ الوعيد ستروا تحتها القول بخلود العصاة في النار أنه يجب على الله أن يخلدهم في النار ولا يعفوا عنهم، والأمر بالمعروف ستروا تحته القول بوجوب العمل باجتهاداتهم الباطلة، لما قالوا القرآن مخلوق يوجبون على الناس العمل.
ولهذا لما تولى المعتزلة في زمن المأمون وصار رئيس القضاة واحداً منهم ألزموا الناس بالقول بخلق القرآن، وألزموا الإمام أحمد حتى ضُرب الإمام أحمد وسحب وجر وأغمي عليه، فهذا كله تنفيذًا لهذا الأصل.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ستروا تحتها الخروج على ولاة الأمور بالمعاصي، إذا فعل المعصية يجب الخروج عليه وسموا هذا النهي عن المنكر .
هذه أصول المعتزلة الخمسة فأهل السنة لا يكفرون أحدًا من أهل القبلة بذنب لا يكفرونهم بالذنب و إنما يكفرونهم بالمعاصي لا يكفرون بالمعاصي وإنما يكفرون بالكفر، المعاصي ولو عظمت لا تخرج الإنسان من الإيمان، ولا تدخله في الكفر ولا يخلد في النار، بل يبقى شيء من الإيمان يخرج به من النار، ولهذا العصاة الذين دخلوا النار يقولون النبي ﷺ يشفع فيهم فيقول الله له في آخر مرة: أَخْرِجْ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى أَدْنَى أَدْنَى مِثْقَالِ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ.
فهذا البقية الباقية خرج بها من النار، دل على أن المؤمن لابد يبقى معه شيء من الإيمان ولو عظمت الذنوب ولو كثرت.
متى ينتهي الإيمان؟ إذا جاء الكفر الأكبر أو النفاق الأكبر أو الفسق الأكبر أو الظلم الأكبر الذي يخرج من الملة أو الشرك الأكبر أو النفاق الأكبر هذا يخرج من الإيمان وما عدا ذلك فإنه يبقى على أصل الإيمان، هذه عقيدة أهل السنة والجماعة، لا يكفرون أحدٌ من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله، أما الخوارج يقولون: يخرج من الإيمان بالذنب ومنهم من يقول بكل ذنب ومنهم من يقول بالذنب الكبير أي الكبائر.
وأما أهل السنة فيقولون: المعاصي تضعف الإيمان وتنقص الإيمان ولكنها لا تخرج الإنسان من الإيمان أبدًا، ولو عظمت الذنوب ولو كثرت، ولا يخلد في النار، لا يكفر في الدنيا ولا يخلد في النار.
والإيمان نوعان: إيمانٌ كامل، وإيمانٌ ناقص.إيمان مطلق ومطلق الإيمان، فالعاصي لا يعطى ايش؟ المطيع يقال: مؤمن بإطلاق، والكافر يقال: ليس مؤمن بإطلاق، أما العاصي فلا يعطى مطلق الإيمان، فلا يعطى الإيمان المطلق ولا يسلب عنه مطلق الإيمان، لا يسلب عنه الإيمان المطلق وهو الإيمان الكامل، ولا يعطي أصل الإيمان، فلا يقال عن العاصي: إنه مؤمن بإطلاق، ولا يقال: إنه ليس بمؤمن بإطلاق، لماذا؟ لأنك إذا قلت عن العاصي مؤمن بإطلاق وافقت المرجئة اللي يعطونه الإيمان الكامل.
وإذا قلت: ليس بمؤمن بإطلاق وافقت الخوارج والمعتزلة، إذًا ما الحيلة؟ تقيد في النفي والإثبات، فتقول في الايمان في الإطلاق: ليس بمؤمن حقًا، ليس بصادق الإيمان، هذا بالنفي، وفي الإثبات تقول: مؤمنٌ ناقص الإيمان، أو مؤمن ضعيف الإيمان، أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، فلا تعطيه الإيمان المطلق ولا تنفي عنه مطلق الإيمان، واضح هذا؟
إذا قلت عن العاصي مرتكب الكبيرة مؤمن بإطلاق، تكون غلطان عند أهل السنة، وإذا قلت: ليس بمؤمن تكون غلطان أيضًا، إذا قلت: عن العاصي مؤمن وسكت غلطت، وإذا قلت ليس بمؤمن وسكت غلطت، إذًا ما الحيلة؟ قيد يا أخي قيد في الإثبات، مؤمنٌ ناقص الإيمان، مؤمنٌ ضعيف الإيمان، مؤمنٌ بإيمانه فاسق بكبيرته.
في النفي لا تقول: ليس بمؤمن إذا قلت: ليس بمؤمن وافقت الخوارج، قل: ليس بمؤمن حقًا، ليس بصادق الإيمان ،واضح هذا؟
إذاً المؤلف يقول: (ولم يكونوا يكفِّرونَ أَحَدًا من أهل القِبْلةِ بالذَّنْبِ، لقول الله تعالى: إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء [النساء/48] ) ، في حاشية عندك ؟
(المتن)
قال البخاري في صحيحه: باب المعاصي من أمر الجاهلية، ولا يكفر صاحبها بارتكابها إلا بالشرك لقول النبي ﷺ: إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ.
وقول الله تعالى: إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ [النساء/48] .
(الشرح)
نعم المعاصي من أمر الجاهلية و لا يكفر صاحبها بارتكابها إلا بالشرك، لقول النبي: إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ. قالها لأبي ذر، وأبي ذر من خيار المؤمنين مع ذلك خاصمه النبي، لأنه عيّر غلامه قال: يا ابن السوداء، فقال له النبي ﷺ: أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ؟ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ، قال: يا رسول الله على كبري؟ قال: نَعَمٌ.
فدل على أنه قد يكون فيه شيء من خصال الجاهلية، في الحديث يقول النبي ﷺ: أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، لَا يَتْرُكُونَهُنَّ: الْفَخْرُ فِي الْأَحْسَابِ، وَالطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ، وَالْاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ، وَالنِّيَاحَةُ عَلَى المَيِّتِ.
يعني أنها موجودة في هذه الأمة وفيه التحذير منها، والخوارج كما هو معروف مذهبهم ورد فيهم أحاديث في الصحيح ما يقرب من عشرة في الصحيحين، كلها صحيحة، وهم مبتدعة عاملهم الصحابة معاملة المبتدعة كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية.
ومن العلماء من كفرهم أخذاً بالأحاديث الصحيحة، قال النبي ﷺ فيهم: يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ.
إذاً لما ترمي الصيد وتخرج بسرعة فهذا معناه خروج وفي الرواية الأخرى: يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ ثُمَّ لاَ يَعُودُونَ فِيهِ، وفي رواية: سَبَقَ الفَرْثَ وَالدَّمَ، من السرعة، من سرعة السهم حينما يدخل يخرج ما فيه فرث ولا دم من القوة والسرعة، فهؤلاء يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية.
فاستدل به بعض العلماء على كفرهم وقال عليه الصلاة والسلام: لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ، وقوم عاد قوم كفار، شبههم بهم فدل على أنهم كفار.
لكن جمهور العلماء على أنهم مبتدعة والصحابة عاملهم معاملة المبتدعة؛ لأنهم متأولون كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية.
وسئل عنهم علي بن أبي طالب أهم كفار؟ قال: من الكفر فروا، دل على أنهم مبتدعة.
(المتن)
(الشرح)
لعلنا نقف على هذا إن شاء الله ونكمل بعد المغرب، عشان في الاستراحة الآن وفي ايضاً ساعة الاستجابة فنتوقف الآن هنا من أجل أن نتأهب ونتوضأ للمغرب وبعد المغرب إن شاء الله نكمل بقية المباحث.
وفق الله الجميع لطاعته وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم.