بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد: ...
(المتن)
(الشرح)
بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله وعلى آله و صحبه و من والاه، أما بعد:
يقول المؤلف رحمه الله تعالى: (المسألة الخامسة: وما رأيتُ فيهم أَحَدًا يتناول أصحابَ محمد ﷺ) وما رأيت فيهم يعني: في أهل السنة والجماعة وهؤلاء الشيوخ الذين لقيهم أكثر من ألف شيخ، قال: ما رأيتُ فيهم أحدًا يتناول أصحاب محمد ﷺ، وفي نسخة: (وما رأيت منهم أحدًا يتناول أصحاب محمد ﷺ) والمعنى: ما رأيت في مشايخي الذين لقيتهم وأخذت عنهم ما رأيت أحدًا منهم يتكلم في الصحابة بعيبهم وذمهم ولمزهم.
(قالت عائشةُ رضي الله عنها: أُمِروا أن يَسْتَغْفِروا لهم وذلك قولُ الله تعالى: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ [الحشر/10]).
وجه الدلالة أنه قال: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ [الحشر/10]. سألوا المغفرة لهم ولإخوانهم الذين سبقوهم بالإيمان، والذين سبقوا منهم هم الصحابة، هم الصحابة والتابعون وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ [الحشر/10].
وهذا فيه الرد على الرافضة الذين يسبون أصحاب النبي ﷺ ويتنقصونهم ويعيبونهم بل ويفسقونهم ويكفرونهم، وسبق أن هذا والعياذ بالله أن سب الصحابة أو تكفير الصحابة جميعًا هذا كفر وردة.
سبق أن قلنا في الأسئلة التي ألقيت اليوم بعد الظهر ذكرنا أن الرافضة وقعوا في خمسة أنواع من الكفر أو ستة أنواع من الكفر:
النوع الأول هذا، أنهم يكفرون أصحاب النبي ﷺ ويفسقونهم والله تعالى قد زكاهم وعدلهم ورضي عنهم ووعدهم بالجنة.
فمن كفرهم فقد كذب الله ومن كذب الله كفر، الله تعالى يزكيهم ويعدلهم ويعدهم بالجنة وهذا يكفرهم هذا مكذب لله ومن كذب الله كفر.
النوع الثاني من الكفر أنهم: يعتقدون أن القرآن غير محفوظ وأنه ما بقي منه إلا الثلث وهذا تكذيب لله في قوله تعالى: إنَّا نَحْنُ نَزَّلنَا الذِّكرَ و إنَّا لهُ لحَافِظُونَ [الحجر/9] و هذا نوع من الكفر.
النوع الثالث: أنهم يعبدن آل البيت، يعبدون آل البيت من دون الله وهذا شرك علي وفاطمة والحسن والحسين.
النوع الرابع: أنهم يرمون عائشة بما برأها الله به و هذا ردة تكذيب لله ومن كذب الله كفر.
النوع الخامس: أنهم يألهون عليًا يعتقدون أنه هو الإله، يقولون: يا علي يا منزل السحاب يا منزل المطر وتسمعون في الأشرطة التي سجلت بأصواتهم كذا ينادون علي.
النوع السادس: اعتقادهم أن أئمتهم يتصرفون في الكون، وهذا شرك في الربوبية اعتقادهم أن أئمتهم يتصرفون في الكون.
قال الخميني في كتابه الحكومة الإسلامية: إن لأئمتنا مقامًا لا يصل إليه ملك مقرب ولا نبي مرسل.
هذه أنواع الكفر وقع فيها الرافضة.
والرافضة هم الطائفة الثالثة من طبقات الشيعة:
الشيعة طبقات:
أعلى طبقة فيهم النصيرية، النصيرية الذين يعتقدون أن الله حل في علي وأن علي هو الإله، حكام سوريا بشار وأضرابه هؤلاء نصيرية أعلى طبقات الشيعة.
ثم يليهم المخطئة الذين خطئوا جبريل وقالوا: إن جبريل أخطأ في الرسالة وإن الله أرسله إلى علي ولكنه أخطأ وخان فأعطى الرسالة لمحمد، ويقولون قولتهم المشهورة: خان الأمين، جبريل خان، وصدها يعني الرسالة عن حيدرة لقب علي وهذا كفر بإجماع المسلمين.
الطائفة الثالثة: الرافضة الذين وقعوا في هذه الأنواع التي سمعتم من الكفر، وهناك طبقات للشيعة لا يصلون للكفر كالزيدية الذين يفضلون علي على عثمان فهؤلاء مبتدعة.
فالشيعة طبقات منهم الكافر ومنهم المبتدع على حسب العقيدة.
فإذا قيل: ما حكم الشيعة هل هم كفار؟ تقول: طبقات على حسب العقيدة، منهم المؤمن ومنهم الكافر، فالنصيرية والمخطئة والرافضة كفار، ومن لم يصل إلى درجة الكفر ليس بكافر.
وكذلك الخوارج طبقات يخطئ بعض الناس يقول الشيعة مبتدعة أو الشيعة كفار لا، التعميم ما يصلح في هذا؛ لأنهم طبقات أربع وعشرين فرقة كما ذكر أصحاب الفرق، الشهرستاني في الملل والنحل وغيره ممن كتب في الملل ذكروا أنهم أربعة وعشرين فرقة وكذلك الخوارج، فيهم الكافر وفيهم المبتدع على حسب العقيدة.
والبخاري رحمه الله يقول: ما رأيت فيهم في شيوخه أهل السنة والجماعة أ كثر من ألف شيخ أحدًا يتناول أصحاب محمد ﷺ لا يتناولونهم بالسب ولا بالعيب ولا بالذم ولا بالنقص.
بل يترضون عنهم ويترحمون عليهم ويعتقدون أنهم خيار الناس، والصحابة خيار الناس لا كان ولا يكون مثلهم، اصطفاهم الله لصحبة نبيه ﷺ فهم أفضل الناس بعد الأنبياء وليس الواحد منهم معصوم لا، بل الواحد منهم قد تقع منه كبيرة كما حصل من حاطب بن أبي بلتعة حينما أخبر بخبر النبي ﷺ أخبر الكفار بخبر النبي ﷺ لشبهة عرضت له وكما حصل من مسطح بن أثاثة حينما تكلم في عائشة جلده النبي ﷺ حدًا، فطره الله بهذا الحد، وكذلك حسان بن ثابت.
وأهل السنة والجماعة يعتقدون أن الصحابة أفضل الناس وخير الناس، وأنه لا كان ولا يكون مثلهم لكن ليسوا معصومين، قد يقع الواحد منهم في صغار في كبائر الذنوب أو في صغارها، ولكن هذه الأخبار التي تُروى في الصحابة كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في العقيدة والواسطية أقسام:
منها من هذه الأخبار ما هو كذب لا أساس لها من الصحة، يكذبون على الصحابة منه ما هو كذب لا أساس له من الصحة ومنه ما له أصل ولكن زيد فيه ونقص وغير عن وجهه، ومنه ما هو صحيح والصحيح هم فيه ما بين مصيب له أجران ومخطئٍ خطأه مغفور وله أجر على الاجتهاد.
ثم الذنوب المحققة التي تقع من الصحابة، منها ما يطهر منه في الدنيا إما بإقامة الحد وإما بالتوبة يوفقه الله للتوبة وإما بحسنات ماحية وإما بشافعة النبي ﷺ والذين هم أولى الناس بها.
ومعتقد أهل السنة والجماعة أنه لا يجوز الخوض في الصحابة ولا نشر مثالبهم ومعايبهم، بل يجب نشر محاسنهم واعتقاد أنهم خير الناس و أفضل الناس بعد الأنبياء، صَحِبوا النبي ﷺ وجاهدوا معه وحضروا القرآن و شاهدوا القرآن وهو ينزل، وسألوا النبي ﷺ عما أشكل عليهم وجاهدوا مع رسول الله ﷺ .
فلا يمكن أن يكون أحدٌ مثلهم، نقلوا إلينا الشريعة، إذا كان الشريعة كما يقول الرافضة، الرافضة يقولون أن الصحابة كفروا وارتدوا بعد وفاة النبي ﷺ ولم يبق منهم على الإسلام إلا نفر قليل علي وثلاث أو أشباههم، إذا كان الصحابة الذين نقلوا إلينا الشريعة كفار كيف يوثق بدين يحمله كفار؟ طعنهم طعنٌ في الدين والإسلام، من الذي نقل إلينا الشريعة؟ وحمل إلينا الشريعة؟ أليس الصحابة؟ إذا كانوا كفار كيف يوثق بدين حمله كفار؟! نسأل الله السلامة والعافية.
وقد استنبط الإمام مالك رحمه الله من آية الفتح كفر الرافضة من قوله تعالى في آخر آية من سورة الفتح حينما ذكر الله تعالى الصحابة قال: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً [الفتح/29] .
قال: أخبر الله أن الصحابة يغيظون الكفار قال: لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ [الفتح/29] فمن غاظه الصحابة فهو كافر، والرافضة يغيظهم الصحابة فهم كفار، هذا استنباط الإمام مالك رحمه الله، استنبط من الآية كفر الرافضة فقال: لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ [الفتح/29] والرافضة يغيظهم الصحابة فهم كفار.
وكذلك أيضًا استنبط العلماء من آية سورة الحشر أن الله تعالى جعل الفيء لثلاثة أصناف، قال: مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ [الحشر/7] .
ثم قال: من هم أهل الفيء ؟ للفقراء المهاجرين، ثم قال: ؟ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ [الحشر/8] ، هذا الصف الثاني وهم الأنصار.
ثم الصنف الثالث: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ [الحشر/10] .
فهذه ثلاثة أصناف أهل الفيء أهل الإسلام ثلاثة أصناف وهم أهل الفيء: المهاجرون والأنصار ومن جاء بعدهم يستغفرون الله لهم، والرافضة ليسوا من المهاجرين ولا من الأنصار ولا من الذين جاءوا من بعدهم يستغفرون لهم بل يسبونهم ويلعنونهم، فليسوا منهم فدل على أنهم ليسوا من أهل الإسلام هذا استنباط آخر ايضاً في الرافضة نسأل الله السلامة والعافية.
اقرأ الحاشية، قال البخاري في صحيحه:
(الحاشية)
قال البخاري في صحيحه: باب المعاصي من أمر الجاهلية ولا يكفر صاحبها بارتكابها إلا بشرك لقول النبي ﷺ: إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ.
(الشرح)
أي لا يكفر صاحبها إلا بالشرك لا يكفر يعني بالمعاصي كما يفعل الخوارج.
(الحاشية)
وقول الله تعالى: إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ [النساء/48] .
عقد الإمام البخاري كتابًا حافلاً في صحيحه لفضائل الصحابة ومناقبهم رضوان الله عليهم أجمعين، ومما روى فيه حديث أبي سعيد الخدري مرفوعًا: لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلاَ نَصِيفَهُ.
(الشرح)
وهذا الحديث قاله النبي ﷺ لخالد بن الوليد، لما حصل بينه وبين عبد الرحمن بن عوف سوء تفاهم، حصل خلاف وهم بشر كما يحصل اختلاف في الرأي فسب خالد عبد الرحمن بن عوف، فعبد الرحمن بن عوف من السابقين الأولين الذين أسلموا قبل صلح الحديبية، وخالد ممن أسلم بعد صلح الحديبية وقبل الفتح، قبل فتح مكة.
فالصحابة طبقات:
الطبقة الأولى: الذين أسلموا قبل الفتح و المراد بالفتح صلح الحديبية إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا [الفتح/1] . أي صلح الحديبية، فصلح الحديبية فتح وفتح مكة فتح، سمي صلح الحديبية فتح لما جعل الله بعد صلح الحديبية من الأمر العظيم والفضائل العظيمة التي حصلت حينما وضعت الحرب أوزارها وعقد النبي صلحًا مع المشركين فاختلط المشركون بالمسلمين وأسلم عدد كثير من المسلمين، انتهت الحرب ما في حرب صار أهل مكة يأتون إلى المدينة ويسمعون القرآن ويسلمون، وتفرغ النبي ﷺ لفتح خيبر وغيرها، ثم نقض المشركون العهد بعد سنتين فغزاهم النبي ﷺ في عقر دارهم، فسماه الله فتحًا.
فالصواب أن السابقين الأولين هم الذين أسلموا قبل صلح الحديبية حدٌ فاصل، فمن أسلم قبل صلح الحديبية فهو من السابقين الأولين ومن أسلم بعد صلح الحديبية فليس من السابقين الأولين. قال الله تعالى: لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ [الحديد/10] من قبل الفتح صلح الحديبية أُولَٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا [الحديد/10].
وقال بعض العلماء: السابقون الأولون الذين صلوا إلى القبلتين بيت المقدس والكعبة ولكن هذا قول مرجوح؛ لأن الصلاة إلى القبلة المنسوخة ليس فيه فضيلة لم يدل عليه دليل على أنها فضيلة؛ ولأن العدد قليل في السنة الأولى، النبي ﷺ لما هاجر إلى المدينة وُجه إلى بيت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهرًا ثم حولت القبلة إلى الكعبة، فالعدد قليل.
لكن بعد صلح الحديبية، صلح الحديبية في السنة السادسة من الهجرة أسلم جمعٌ غفير، فعبد الرحمن بن عوف من السابقين الأولين، وخالد أسلم بعد صلح الحديبية وهناك طبقة ثالثة ايضاً وهم الذين أسلموا بعد فتح مكة و يقال لهم: مسلمة الفتح، ومنهم أبو سفيان صخر بن حرب وابناه معاوية ويزيد.
فخالد أسلم بعد صلح الحديبية وعبد الرحمن قبله وحصل بينهم سوء تفاهم فسب خالد عبد الرحمن فقال النبي ﷺ مخاطبًا لخالد: لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي، وخالد من أصحابه لكن المراد أصحابي المتقدمين، فالصحبة صحبتان:
صحبة متقدمة.وصحبة متأخرة.يقول لخالد: لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي، المتقدمين فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَو أَنَّ أَحَدَكُمْ يعني أيها المـتأخرون في الإسلام كخالد أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلاَ نَصِيفَهُ.
شوفوا الفرق وهم صحابة كلهم، فلو أنفق خالد بن الوليد مثل أحدٍ ذهب وأنفق خالد مد ملء الكف أو نصف الكف ما وصل إليه خالد، تفاوت عظيم بين الصحابة أنفسهم، فكيف التفاوت بين الصحابة ومن بعدهم؟ أعظم وأعظم.
لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَو أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلاَ نَصِيفَهُ.
(المتن)
(الشرح)
هذه المسألة السادسة كانوا أهل السنة والجماعة وكذلك شيوخ البخاري الذين لقيهم ينهون عن البدع ما لم يكن عليه النبي ﷺ، والبدع جمع بدعة والبدعة هي الحدث في الدين، كل حدث في الدين يسمى بدعة، قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح الذي رواه الشيخان عن عائشة رضي الله عنها: مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ، فَهُوَ رَدٌّ. وفي لفظٍ لمسلم: مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ.
فالبدعة هي الحدث في الدين كل حدث في الدين يسمى بدعة، وعلى هذا الحدث في الدنيا ما يسمى بدعة، في الأمور الدنيوية ما يسمى بدعة، هذا في الدين كأن يبتدع صلاة خاصة في وقت مخصوص، يبتدع أذكار خاصة يبتدع صيام خاص يبتدع قيام ليل خاص مثل ما يحصل في رجب، بعض الناس يبتدع الصلاة الألفية في النصف من شبعان والصلاة الرجبية وكذلك أيضًا بالعمرة عمرة خاصة في رجب احتفالات خاصة وأذكار خاصة في ليلة سبع وعشرين من شهر رجب في بعض البلدان العربية والإسلامية يقرؤون سورة يس بعد المغرب وأذكار كل هذه من البدع، البدع هذه في الدين، وكذلك قبل صلاة الجمعة يكون في واحد مذكر أو يقرأ القرآن بصوت مرتفع والناس يسكتون كل هذا من الحدث في الدين، البدع هي المحدثات في الدين.
وكذلك سرد الأشهر الثلاثة رجب وشعبان ورمضان كل هذا ليس له أصل، إذاً البدعة هي الحدث في الدين.
والبدعة أحب إلى الشيطان من الكبيرة؛ لأن صاحب الكبيرة يعترف ويعتقد أنه على باطل وأنه عاصي فهو حريٌ أن يتوب لكن صاحب البدعة يظن أنه على حق فلا يفكر في التوبة، فلهذا كانت البدعة تلي الشرك وهي أحب إلى الشيطان من الكبيرة.
كذلك ابتداع أذكار خاصة وكون الإنسان يقول: نويت أن أصلي صلاة العشاء خلف هذا الإمام أربع ركعات، نويت أن أصوم هذا اليوم من طلوع الفجر إلى غروب الشمس التلفظ بالنية بدعة.
كذلك بدعة المولد بدعة مولد النبي ﷺ ويجعلون فيه أذكار خاصة في يوم الثاني عشر من ربيع الأول و احتفالات، مع أنه مختلف في مولد النبي ﷺ ولو عُرف مولده لا يجوز تخصيصه بشيء من العبادات.
كان أهل السنة ينهون عن البدع ما لم يكن عليه النبي ﷺ وأصحابه، البدع هي ما خالف ما كان عليه النبي ﷺ قال عليه الصلاة والسلام: عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِن بَعدِي، وعلى هذا فما يفعله الصحابة ليس من البدع، ولاسيما سنة الخلفاء الراشدين، مثال ذلك: إحداث الخليفة الراشد عثمان الأذان الأول في صلاة الجمعة هذا ما كان موجود على عهد النبي ﷺ وعلى عهد أبي بكر ولا على عهد عمر، لما كثر الناس في المدينة شاور عثمان الصحابة في أن يوجد أذان ينبه الناس، فأمر رجلاً يؤذن على الزوراء مكان لا يشترط أن يكون في المسجد، حتى يعلم الناس أن اليوم الجمعة ويستعدون للصلاة ويتهيئون، فهذه سنة خليفة راشد ما يقال إنها بدعة.
كذلك من المصالح المرسلة جمع المصحف، جُمِع مرتين في عهد أبي بكر وفي عهد عثمان رضي الله عنهما.
المقصود أن البدعة هي الحدث في الدين أما ما فعله الصحابة وفعله الخلفاء الراشدون وسنَّه الخلفاء الراشدون فليس من البدع.
كانوا ينهون عن البدع وهي الحدث في الدين وتعريف البدعة: ما لم يكن عليه النبي ﷺ وأصحابه، كل شيء خالف ما عليه النبي ﷺ وأصحابه وهو من الدين فهو من البدع.
أما أمور الدنيا فليست داخلة في هذا، أمور الدنيا في أمورهم الخاصة التي لا تتعلق بالدين لا تدخل في هذا.
كانوا ينهون عن البدع وعرَّف المؤلف البدع قال: (ما لم يكن عليه النبي ﷺ وأصحابه) هذه بدعة، شيء لم يكن عليه النبي ﷺ وأصحابه من الدين فهو بدعة.
واستدل بقوله تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا [آل عمران/103] . حبل الله هو دين الله وهو الكتاب والسنة وهو الإسلام، هذا حبل الله، اعتصموا بحبل الله بالكتاب والسنة جميعًا ولا تفرقوا.
وقول الله تعالى: وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا [النور/54] يعني الرسول ﷺ إن تطيعوه تهتدوا.
و قال سبحانه: فَالذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ ونَصَرُوهُ واتبَعُوا النُورَ الذي أنزِلَ مَعَهُ اولئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ [الأعراف/157] عليه الصلاة و السلام.
وسواء كانت البدعة هذه في الأقوال أو في الأفعال أو في غيرها، بدعة في الأذكار بدعة في الأقوال بدعة في الأذكار بدعة في المولد بدعة في الأذكار في النطق بالنية وما أشبه ذلك.
احتفالات خاصة أدعية خاصة أذكار خاصة عبادات خاصة، كل هذا من البدع مثل تخصيص رجب بالصوم تخصيصه بعمرة خاصة تخصيصه بقيام ليال خاصة، تخصيص ليلة النصف من شبعان بصلاة خاصة، أو تخصيص يومها بالصيام، والصلاة الألفية يصلي ألف ركعة، يقرأ مائة ركعة في كل ركعة يقرأ الفاتحة عشر مرات، فتكون ألف يسمونها صلاة الألفية في ليلة النصف من شعبان هذه من البدع، وصلاة الرغائب أول جمعة من رجب تصلي هذه الصلاة ثلاثة عشر ركعة بصفة خاصة ويصوم يومها هذا من البدع.
ورد عن أنس خارج الصلاة أنه يجمع أهله ويدعو بدعاء، أما داخل الصلاة فلم يرد، وذكر صاحب المغنى أن فيه قولان لأهل العلم منهم من قال بالجواز ومنهم من قال بالمنع والإمام إذا اختار أحد القولين فأنت تبعٌ له، أنت تبع للإمام إذا اختار أحد القولين.
(الحاشية)
عقد البخاري كتابًا حافلاً في صحيحه في الاعتصام بالكتاب والسنة ومما قال فيه: باب ما يكره من التعمق والتنازع في العلم والغلو في الدين والبدع لقوله تعالى: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ [النساء/171] .
وقال: باب إثم من دعا إلى ضلالة أوسن سنةً سيئة لقول الله تعالى: وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ [النحل/25] .
وأكثر النقول في كتابه خلق أفعال العباد في ذم أهل البدع، وذكر أن له كتابًا مفردًا في الاعتصام بالكتاب والسنة.
(الشرح)
نعم هكذا كما ذكر المعلق وفقه الله أن البخاري عقد كتابًا في صحيحه في الاعتصام قال: " باب الاعتصام بالكتاب والسنة " وقال: باب ما يكره من التعمق والتنازع في العلم والغلو في الدين والبدع، واستدل بالآية يقول الله تعالى: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ [النساء/171] .
قال: باب إثم من دعا إلى ضلالة وسن سنة سيئة لقول الله تعالى: لِيحمِلُوا أوزَارَهُم كامِلَةً يومَ القيامَة وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ [النحل/25] .
وأكثر كتاب خلق أفعال العباد وهو كتاب خاص في ذم أهل البدع، والبدع جمع بدعة و البدعة كما سبق هي الحدث في الدين، كما عرفها المؤلف ما لم يكن عليه النبي ﷺ وأصحابه.
(المتن)
(الشرح)
هذه المسألة السابعة أنهم يحثون على ما كان عليه النبي ﷺ وأتباعه يعني: أهل السنة والجماعة والشيوخ الذين لقيهم البخاري رحمه الله كلهم يحثون على العمل بما كان عليه النبي ﷺ وأتباعه، ويسلكون سبيلهم.
لقول الله تعالى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ. [الأنعام/153].
ووحد السبيل؛ لأن سبيل الحق واحد لا يتعدد، وجمع السبل لأن سبل الباطل متعددة ومتفرقة قال: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ[الأنعام/153] .
فسبيل الحق واحد لا يتغير فلهذا وحد السبيل وسبل الباطل متعددة فلهذا جمع فقال: وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ [الأنعام/153] .
قال تعالى: اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ [الأعراف/3] ، قال تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر/7] . قال تعالى: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا [المائدة/92] . قال تعالى: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ.
كل هذه الأدلة فيها الحث على لزوم الكتاب والسنة والعمل بما جاء في كتاب الله وبما جاء في سنة النبي ﷺ.
(الحاشية)
قال البخاري في صحيحه: باب الاقتداء بسنن رسول الله ﷺ وقول الله تعالى: وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا [الفرقان/74] .
قال: أئمةً نقتدي بمن قبلنا ويقتدي بنا من بعدنا.
وقال ابن عون: ثلاثٌ أحبهن لنفسي ولإخواني هذه السنة أن يتعلموها ويسألوا عنها والقرآن أن يتفهموه ويسألوا عنه ويدعوا الناس إلا من خير.
(الشرح)
و يدعوا يعني ويتركوا، يعني يتركوا الناس إلا من خير.
(الحاشية)
وقال: باب الاقتداء بأفعال النبي ﷺ، وقال: باب ما ذكر النبي ﷺ وحض على اتفاق أهل العلم وما أجمع عليه الحرمان مكة والمدينة، إلى آخره.
وقال: باب قوله تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا [البقرة/143] .
وما أمر النبي ﷺ بلزوم الجماعة وهم أهل العلم.
(الشرح)
الجماعة هم أهل العلم وهذا فيه الحث على لزوم الكتاب والسنة وما عليه الصحابة والتابعون.
(المتن)
(الشرح)
هذه المسألة الثامنة قال: (وأن لا يُنازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ) يعني: أن لا ينازع المسلم الأمر أهله، ويصلح أن لا ينازَعَ الأمر أهلُهُ بالبناء للمجهول، وأن لا ينازِعَ الأمرُ أهلَه أو أن لا ينازِعَ يعني الشخص الواحد من المسلمين لا ينازعَ الأمر أهلَه، يعني: لا يختلف على ولاة الأمور، والمراد بالأمر هنا الولاية على المسلمين، لا ينازعَ الأمر في الولاية والإمارة والملك والسلطان والخلافة والرئاسة لا ينازع أهله، من وُلِّي على المسلمين واستتب له الأمر وخضع له الناس فهو بذلك تمت له البيعة وصار إمام المسلمين وحينئذٍ لا يجوز الخروج عليه.
لأن الخروج على ولي الأمر وولاة الأمور يترتب عليه مفاسد من إراقة الدماء واختلال الأمن وغير ذلك من اختلال أحوال الناس واختلال الأمن و اختلال الاقتصاد والزراعة والتجارة إلى آخره، وتأتي بذلك فتن تقضي على الأخضر واليابس، هذه كلها الفتن بسبب الخروج على ولاة الأمور.
حتى ولو حصل منهم جور أو أظلم، ولهذا من عقيدة أهل السنة والجماعة أنه لا يجوز الخروج على ولاة الأمور وإن جاروا وإن ظلموا و في الحديث الآخر: اسْمَعْ وَأَطِعْ، وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ، وَأُخِذَ مَالُكَ، يعني لو حصل ظلم على بعض الناس سُجن بعض الناس بغير حق، قُتل بعض الناس بغير حق أو أُخذ مال بعضهم بغير حق، هذه مفسدة صغرى تُرتَكب.
لكن المفسدة الكبرى التي تحصل بالخروج على ولاة الأمور، إذا خرج جماعة على ولاة الأمور صار نزاع وشقاق وصار الناس قسمين فريقين وصار الدماء تراق ويختل الأمن، وصار الناس لا يأمنون على دمائهم ولا على أموالهم ولا على أنفسهم، وتعطلت المصالح العظيمة، هذه مفاسد عظيمة هذا يعني تدرأ هذه المفاسد وترتكب المفسدة الصغرى.
القاعدة عند أهل العلم إذا اجتمعت مفسدتان صغرى وكبرى لا يمكن تركهما فإنها ترتكب المفسدة الصغرى لدفع الكبرى، فعندنا مفسدتان الصغرى واحدة أنه ولي الأمر ظلم بعض الناس، أخذ مال بعض الناس، سجن بعض الناس بغير حق، قتل بعض الناس بغير حق، هذه مفسدة.
والمفسدة الثانية: الخروج عليه وقتاله ومنازعته أيهما أشد مفسدة على المسلمين؟ الخروج أشد، هذه مفسدة صغرى ضرت بعض الناس ولكن الأمن مستتب والأحوال مستقيمة لكن الخروج هذا فساد، فساد للدين والدنيا، فوضى عامة لا يأمن الناس على دماءهم ولا على أموالهم ولا على أعراضهم، يحصل اختلال الأمن.
ولهذا يقول العلماء: ستون ليلة بإمام ظالم خير من ليلة واحدة بلا إمام، ستون سنة بإمام ظالم أحسن من ليلة واحدة، لو قيل: ليلة واحدة كلٌ يفعل ما يشاء ايش يحصل من إراقة الدماء؟ كلٌ يقتل وكلٌ يزني وكلٌ يسرق وكلٌ يعمل ما يشاء ايش يحصل فيها؟ يحصل فيها من المفاسد ما الله به عليم، لكن كون هناك إمام ظالم يصبر على ظلمه هذه من المصائب التي يصبر عليها الناس، وهم ما سلطوا على الناس إلا سبب تقصير الناس، ما سلطوا علينا الظلمة إنما يسلطون بسبب أفعال الناس، كما قال تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [ الشورى/30] .
فهذه من جنس المصائب من جنس الأمراض التي تصيب الناس كذلك تسلط عليهم الأمراض بذنوبهم يسلط عليهم الأمراض يسلط عليهم الأعداء يسلط عليهم السلطان، وفي حديث وَمَا تَرَكَ قَومٌ زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ، وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ، وما لم يوفوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ، وَجَوْرِ السُّلْطَانِ.
فهذه جور السلطان وظلم السلطان وتسليط الأعداء وحبس القطر من السماء كله بأسباب ذنوب العباد، فعلى الناس أن يتوبوا إلى الله ويصلحوا أحوالهم حتى يصلح الله لهم ولاة أمورهم وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [ الشورى/30] .
إذًا عقيدة أهل السنة والجماعة أنه لا يجوز منازعة ولاة الأمور حقهم ولا يجوز الخروج على ولي الأمر وقتاله إلا بشروط خمس.
الشروط الخمسة كتبناها في رسالة أو في بيان المنع من المظاهرات وفي دروس مضت:
الشرط الأول: أن يفعل ولي الأمر كفرًا لا فسقًا ولا معصية، فإن فعل فسقًا ومعصية فلا، يفعل كفر ما يفعل فسقاً و معصية .
الشرط الثاني: أن يكون الكفر واضحًا لا لبس فيه، فإن كان فيه شك فلا، يصير كفر واضح ما فيه إشكال، فإن كان فيه شك هل هو بدعة ولا فسق ولا معصية فلا.
الأمر الثالث: أن يكون دليل هذا الكفر واضح من الكتاب والسنة.
وهذه الشروط الثالثة دليلها قول النبي ﷺ في الحديث الصحيح: إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا، عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ كفر بواح عنكم من الله فيه برهان.
الشرط الرابع: وجود البديل المسلم الذي يحل محله، أما أن يزال كافر ويحل محله كافر ما حصل المقصود نبقى على الكافر الأول، إذا كان ما في بديل يحل محل هذا الكافر يقيم شرع الله ودينه فلا يجوز الخروج.
و الأمر الخامس: الاستطاعة لقول الله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن/16] .
إذا وجدت هذه الشروط الخمسة جاز الخروج على ولي الأمر وإلا فلا يجوز.
وولاية الأمر تحصل على الناس بأمورٍ ثلاثة:
يحصل يعني الولاية والسلطان ووجوب الطاعة تحصل بأمور ثلاثة:
الأمر الأول: الاختيار والانتخاب من أهل الحل والعقد ما هو بالأصوات اختيار بالأصوات، الاختيار بالأصوات الآن ينتخبون بالأصوات أصوات النساء والأطفال والمجانين كلهم أصواتهم، تجمع الأصوات، لا، ما هي بالأصوات، أهل الحل والعقد رؤساء القبائل والعشائر والعقلاء هم اللي يختارون أفراد معينة والباقي تبع.
أما أصوات المجانين وأصوات ضعفاء البصائر وأصوات النساء والأطفال وأصوات مكذوبة يجمعونها ويكون فيها أرضًا رشوة ودفع أموال من أجل الأصوات هذه ليست شرعية انتخابات ليست شرعية.
في الشرع الاختيار والانتخاب و هذا كما اختار الناس أبي بكر للخلافة، اختاره أهل الحل والعقد وكما اختاروا أيضًا عثمان للخلافة، وكذلك اختاروا علي بأكثر أهل الحل والعقد، ثبتت الخلافة لأبي بكر بالاختيار والانتخاب، وثبتت الخلافة لعثمان بالاختيار والانتخاب، اختيار أهل الحل والعقد.
وثبتت الخلافة لعلي باختيار أكثر أهل الحل والعقد ونازع في ذلك أهل الشام ومعاوية؛ لا لأن علي لا يستحق الخلافة بل لأمر يطالبون به وهو دم عثمان فحصل خلاف في قتلة عثمان.
والأمر الثاني: تحصل الخلافة بولاية العهد من الخليفة السابق، كما حصلت الخلافة لعمر بولاية العهد من أبي بكر الصديق.
والأمر الثالث: تحصل الخلافة بالقوة والغلبة، إذا غلب الناس بقوته وسلطانه واستتب له الأمر هذا خلاص ثبتت له الخلافة وإلا فلأصل الاختيار والانتخاب ولو كان الاختيار والانتخاب يكون من قريش تكون الخلافة من قريش إذا كان فيهم من يقيم شرع الله، كما في الحديث: لاَ يَزَالُ هَذَا الأَمْرُ فِي قُرَيْشٍ مَا بَقِيَ مِنْهُمُ اثْنَانِ مَا أَقَامُوا الدِّينَ.
شرط مَا أَقَامُوا الدِّينَ، فإن كان فيهم من لم يقيم الدين فيكون من غيرهم، أما إذا غلب الناس بقوته وسلطانه فإنه تثبت له الخلافة ولو كان بعيد ولو كان من الحبشة، كما قال: اسْمَعْ وَأَطِعْ وَإِنْ تَأمَّرَ عَلَيْكَ عَبدٌ حَبَشِيٌّ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ.
هذا معناه غلب لو كان بالاختيار نختار عبد حبشي؟ ما نختار العبد الحبشي نختار من قريش، لكن بالقوة والغلبة خلاص تمت له البيعة.
ووجب السمع والطاعة حقنًا لدماء المسلمين، ولم تثبت الخلافة بالاختيار والانتخاب من عهد الصحابة إلى يومنا هذا، إلا لأبي بكر ولعثمان ولعلي، والباقي كلها إما بولاية العهد أو بالقوة والغلبة، خلفاء بني أمية وخلفاء بني العباس إلى يومنا هذا، في الغالب أنها ثبتت بأي شيء؟ إما بولاية العهد من الخليفة السابق أو بالقوة والغلبة هذا هو الغالب، والاختيار بالانتخاب هذا نادرٌ قليل، الاختيار يكون من أهل الحل والعقد.
أما ما تسمعون اختيار و الانتخابات الآن هذه هل هي شرعية الآن؟ يجمعون الأصوات أصوات ما هب ودب كلها، يجمعون هذه الأصوات وأيضًا ليست صحيحة يدخلها تزوير وكذا والكذب والزيادة والنقصان والرشوة حتى تجمع الأصوات وفي الداخل والخارج تجمعون أصوات، أصوات الذين ليس عندهم نظر ولا أهليه ما الفائدة من صوته؟!.
إذًا من عقيدة أهل السنة والجماعة: ألا ينازع الأمر أهله، لقولِ النبيِّ ﷺ: ثَلاثٌ لا يُغَلُّ عليهنَّ قَلْبُ امرىءٍ مُسْلِمٍ: إخلاصُ العملِ لله، وطاعةُ وُلاةِ الأَمْرِ، ولزومُ جماعَتِهِم يعني هذه الأمور الثلاثة لا يخفيها المسلم بل عليه أنه يبرزها ويحققها إخلاص العمل لله هذا واحد، وطاعة ولاة الأمر يعني في طاعة الله، والثالث لزوم جماعتهم فإنَّ دَعْوَتَهمْ تُحيطُ مِنْ وَرَائِهِم ثُمَّ أَكَّدَ في قوله فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ [النساء/59].
قال العلماء: أعاد الفعل في الرسول ولم يعده في ولي الأمر لماذا؟ ولم يقل: وأطيعوا ولي الأمر؛ لأن طاعة الرسول من طاعة الله، لأنه معصوم، الرسول معصوم فلا يأمر إلا بطاعة الله فطاعته من طاعة الله، قال تعالى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء/80] .
وأما ولي الأمر فليس بمعصوم، فإن أمر بطاعة الله فإنه يطاع وإن أمر بمعصية الله فلا يطاع، لقول النبي ﷺ: لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الخَالِقِ. وقال : إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي المَعْرُوفِ.
فإذا أمر ولي الأمر بمعصية فلا يطاع، لكن هل نخرج عليه؟ هل يجوز الخروج عليه؟ لا، المعنى لا يطاع في خصوص المعصية ولكن لا تخرج عليه ولا تقاتل الناس ولا تتمرد عليه، أمرك ولي الأمر بشرب الخمر لا تطيعه لا سمع و لا طاعة، لكن هل تخرج عليه وتقاتله؟ لا، أمرك بأن تقتل شخص بغير حق لا تطيعه، ما أحد يطاع في المعاصي، ولي الأمر ما يطاع في المعاصي الأمير لا يطاع في المعاصي الأب لا يطاع في المعاصي، إذا أمر الأب ابنه بمعصية قال: اشرب الخمر لا يطيعه، أو قال: اشترى من البقالة دخانا ما يطيعه ابنه لكن لا يتمرد عليه، بل يتلطف يقول: يا والدي هذا لا يجوز وهذا معصية وما يجوز أن أطيعك في المعصية، لا يطيعه ولكن لا يتمرد عليه، الزوجة إذا أمرها زوجها بالمعصية لا تطيعه، لكن لا تتمرد عليه بس في خصوص المعصية لا تطيعه، العبد إذا أمره سيده بالمعصية لا يطيعه لكن لا يتمرد عليه هذا العبد ويعصيه في كل شيء لا، بس خصوص المعصية هي التي لا يطاع فيها من دون تمرد ومن دون ترك لطاعته فيما سوى هذا الأمر.
(الحاشية)
ساق البخاري أحاديث في هذا المعنى في كتاب الأحكام وقال: أوله باب قول الله تعالى: وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ [النساء/59] .
أورد فيه حديث أبي هريرة مرفوعًا: مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ، وَمَنْ يُطِعِ الأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ يَعْصِ الأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي.
وفيه باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية.
(المتن)
(الشرح)
يعني من عقيدة أهل السنة والجماعة ألا يرى السيف على أمة محمد ﷺ، يعني لا يُقَاتَل المسلمون ولا يجوز إراقة الدماء فيما بينهم والقتال الذي يحصل بين المسلمين هذا قتال فتنة وهو من الأعمال الكفرية، قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ.
فسمى قتال المسلمين كفر، لكن كفر دون الكفر كفر أصغر لا يخرج من الملة إلا إذا استحله، إذا رأى أن قتل المسلمين حلال هذا ردة، لكن إذا كان طاعة للهوى والشيطان فهذا يكون معصية من الأعمال الكفرية، فلا يجوز القتال بين المسلمين، قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، أَلَا هَل بَلَّغتُ؟ قالوا: نعم، قال: اللَّهُمَّ اشْهَدْ فجعل يرفع إصبعه إلى السماء وينكبها إلى الناس في حجة الوداع عليه الصلاة و السلام، وفي رواية أخرى: إِنَّ دِمَاءَكُم وَأَموَالَكُم وَأبشَارَكُم، البشر البشرة الجلد عليكم حرام.
وقال عليه الصلاة والسلام: كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ مَالُهُ، وَعِرْضُهُ، ولا يجوز للإنسان أن يدخل في القتال الذي يحصل بين المسلمين، بل عليه أن يعتزل وأن يتجنب هذه الفتنة وألا يدخل في إراقة الدماء.
قال عليه الصلاة والسلام: لَنْ يَزَالَ الْمَرْءُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ، مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا، قال عليه الصلاة والسلام: لَزَوَالُ الدُّنْيَا بِأَسرِهَا أَهْوَنُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ.
قال تعالى: مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا [المائدة/32] .
قال تعالى: وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا [النساء/29] . يعني: لا يقتل بعضكم بعضًا، فسمى نفس المسلم كنفسك أنت؛ لأن المسلمين جسد واحد كالجسد الواحد، وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ يعني يسلم بعضكم على بعض؛ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ لأن المسلمين كالجسد الواحد، قال ﷺ: المُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا وقال عليه الصلاة و السلام: مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى.
(الحاشية)
قال البخاري في صحيحه: باب قتل الخوارج والملحد بعد إقامة الحجة عليهم وقول الله تعالى: وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ [التوبة/115] .
وكان ابن عمر يراهم شرار خلق الله وقال: إنهم انطلقوا إلى آياتٍ نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين.
وقال البخاري: باب قول النبي ﷺ: لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ.
(الشرح)
هذه في الخوارج، الخوارج قال ابن عمر فيهم: انهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها في المؤمنين، الآيات التي نزلت في الكفار جعلوها في المؤمنين، كفروا المسلمين بالمعاصي وقاتلوهم وهذا من جهلهم وضلالهم، سوء الفهم.
(المتن)
عاشرًا: وقال الفُضيل: لو كانت لي دعوةٌ مستجابةٌ لم أَجْعَلْها إلا في إمامٍ؛ لأنه إذا صَلَحَ الإمام أَمِنَ البلادُ والعِباد.
قال ابنُ الـمُبارَك: يا مُعَلِّمَّ الخيرِ مَنْ يجترئُ على هذا غيرُك؟
هذا آخر المنقول عن الإمام البخاري رحمه الله وإيانا والمسلمين.
(الشرح)
هذه المسألة العاشرة قال الفضيل: (لو كانت لي دعوةٌ مستجابةٌ لم أَجْعَلْها إلا في إمامٍ؛ لأنه إذا صَلَحَ الإمام أَمِنَ البلادُ والعِباد).
وأظن يُروى مثل هذا عن الإمام أحمد أنه قال: لو كان لي دعوة صالحة لصرفتها للسلطان؛ لأن بصلاحه تصلح الرعية، يعني هذا فيه مشروعية الدعوة لولاة الأمور إذا كانوا مسلمين.
بعض الناس الآن يُنَفر من هذا وينهى عن الدعاء لولاة الأمور، ويقولون: إن هذا الذي يدعو إلى ولاة الأمور هذا مداهن، أو بعضهم يقول: منافق، الدعوة لولاة الأمور هذه دعوة للمسلمين جميعًا، تدعو له لأنه هو الذي يقيم الحدود وهو الذي يقيم شرع الله، بصلاحه تصلح الرعية، وبفساده تفسد الرعية، ولهذا قال الفضيل: (لو كانت لي دعوةٌ مستجابةٌ لم أَجْعَلْها إلا في إمامٍ) والمراد إمام المسلمين الأعظم و هو السلطان وولي الأمر وهو الملك أو الرئيس (لو كانت لي دعوةٌ مستجابةٌ لم أَجْعَلْها إلا في إمامٍ) شوف التعليل (لأنه إذا صَلَحَ الإمام أَمِنَ البلادُ والعِباد) المصلحة مصلحة عظيمة.
( وقال ابنُ الـمُبارَك: يا مُعَلِّمَّ الخيرِ مَنْ يجترئُ على هذا غيرُك؟) ما معنى هذه العبارة من ابن المبارك؟ (يا مُعَلِّمَّ الخيرِ مَنْ يجترئُ على هذا غيرُك؟)
يجترئ على هذا الإشارة ترجع إلى أي شيء؟
الطالب: القول على الله
الشيخ : القول على الله ؟ أين القول على الله ؟
الطالب : على الفضيل يا شيخ ؟
الشيخ : كيف على الفضيل ؟ الفضيل من يجترئ على هذا غيرك ؟
قول المبارك : يا معلم الخير من يجترئ على هذا غيرك ؟ الإشارة تعود إلى أي شيء ؟ من يجترئ على الخير غيرك ؟ لا ، ما وجه كونه على الفضيل ؟ من يجترئ على هذا غيرك ؟
الطالب : لأنه إذا صلح الإمام أمن البلاد و العباد
الشيخ : طيب الظاهر أنه منكر عليه يقول من يجترئ جرأة هذه ، كيف يتجرأ على هذا غيرك ؟ يا معلم الخير من يجترئ على هذا غيرك ؟ هذه الإشارة تعود على أي شيء ؟
من يجترئ على مناصحة ولي الأمر غيرك ؟ والمناصحة سبق لها ذكر حتى يرجع إليها الإشارة؟
الطالب : كونه يظن الاستجابة
الشيخ : كونه يظن استجابة الدعاء ؟ لا يقول لو كان لي دعاء مستجاب لاخترت أن اجعله لإمام .
الطالب: لأن الحاكم هو الذي يجترئ على الخير.
الشيخ: الحاكم يجترئ على الخير ؟ هو يخاطب يا معلم الخير من هو معلم الخير؟ هو العالم الذي يعلم الناس الخير، معلم الناس الخير تستغفر له الحيتان في البحر ، يا معلم الخير من يجترئ على هذا غيرك .
الطالب: حث العالم أو الدعاة
الشيخ: ما وجه الحث ؟ من يجترئ على هذا ؟
الطالب: يعني من يجترئ على هذا القول على قوله أن لو كان لي دعاءً مستجاباً لجعلته لإمام
الشيخ : غيره ؟
الطالب : قوله لو كان لي دعوة مستجابة لا يصرفها لنفسه بل يصرفها لولي الأمر من يجترئ على هذا غيرك ؟ لأن الدعوة المستجابة الأولى بالإنسان أن يصرفها لنفسه و هذا صرفها لولي الأمر لأن المصلحة أعظم .
الشيخ : إذاً تقول أنها تعود للفضيل بن عياض ؟
الطالب : نعم
الشيخ : ظاهر هذا أن الأولى أن الذي يدعو لولي الأمر هو معلم الناس الخير العلماء، من يجترئ على هذا غيرهم؟ العلماء هم الذين عليهم أن يدعوا لولاة الأمر، هم قدوة الناس، والناس تبعٌ لهم.
يا معلم الخير من يجترئ على هذا غيرك أنت الأولى أن تدعو لولي الأمر، فهي مبنية على قول الفضيل ابن عياض: لو كانت لي دعوةٌ مستجابةٌ لم أَجْعَلْها إلا في إمام، قال ابنُ الـمُبارَك: يا مُعَلِّمَّ الخيرِ أنت أولى بهذا أنت أولى بالدعاء لولاة الأمور وغيرك تبعٌ لهم، وغير أهل العلم تبعٌ لهم، هذا هو الأقرب والله أعلم، وأنا في الأول ما تبين لي معناها حتى سمعت كلامكم الآن، لما سمعت كلامكم تبين لي معناها، كان في إشكال .
المعنى يقول ابن المبارك: يا معلم الخير، أيها المعلم الناس الخير طالب العلم والمعلم أنت أولى بالدعوة للسلطان من غيرك لأنك قدوة، وغيرك من العوام تبع، العوام تبعٌ للعلماء، أهل العلم هم القدوة، كأنه يقول: أنت القدوة يا معلم الخير ابدأ فادعوا لولاة الأمور حتى يتبعك الناس، إذا ربطتها مع كلام الفضيل، الفضيل يقول: (لو كانت لي دعوةٌ مستجابةٌ لم أَجْعَلْها إلا في إمامٍ).
قال ابنُ الـمُبارَك: يا مُعَلِّمَّ الخيرِ ابدأ بنفسك ابدأ أنت ادعوا للسلطان حتى يتبعك الناس، من يجترئ على هذا غيرك؟ هذا هو الأقرب والله أعلم.
بهذا نكون انتهينا من هذه الرسالة المباركة ونسأل الله للجميع العلم النافع والعمل الصالح وأن يثبت الجميع على الهدى.