(متن)
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا والسامعين.
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في كتابه الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان:
فَصْلٌ:
وَإِذَا كَانَ " أَوْلِيَاءُ اللَّهِ " هُمْ الْمُؤْمِنُونَ الْمُتَّقُونَ. وَالنَّاسُ يَتَفَاضَلُونَ فِي الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى فَهُمْ مُتَفَاضِلُونَ فِي وِلَايَةِ اللَّهِ بِحَسَبِ ذَلِكَ كَمَا أَنَّهُمْ لَمَّا كَانُوا مُتَفَاضِلِينَ فِي الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ كَانُوا مُتَفَاضِلِينَ فِي عَدَاوَةِ اللَّهِ بِحَسَبِ ذَلِكَ.
وَأَصْلُ الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى: الْإِيمَانُ بِرُسُلِ اللَّهِ وَجِمَاعُ ذَلِكَ: الْإِيمَانُ بِخَاتَمِ الرُّسُلِ مُحَمَّدٍ ﷺ فَالْإِيمَانُ بِهِ يَتَضَمَّنُ الْإِيمَانَ بِجَمِيعِ كُتُبِ اللَّهِ وَرُسُلِهِ.
وَأَصْلُ الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ هُوَ الْكُفْرُ بِالرُّسُلِ وَبِمَا جَاءُوا بِهِ فَإِنَّ هَذَا هُوَ الْكُفْرُ الَّذِي يَسْتَحِقُّ صَاحِبُهُ الْعَذَابَ فِي الْآخِرَةِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ فِي كِتَابِهِ أَنَّهُ لَا يُعَذِّبُ أَحَدًا إلَّا بَعْدَ بُلُوغِ الرِّسَالَةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا.
وَقَالَ تَعَالَى إنَّا أَوْحَيْنَا إلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إلَى إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ.
وَقَالَ تَعَالَى عَنْ أَهْلِ النَّارِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إنْ أَنْتُمْ إلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِي النَّارِ فَوْجٌ أَقَرُّوا بِأَنَّهُمْ جَاءَهُمْ النَّذِيرُ فَكَذَّبُوهُ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُلْقَى فِيهَا فَوْجٌ إلَّا مَنْ كَذَّبَ النَّذِيرَ.
وَقَالَ تَعَالَى فِي خِطَابِهِ لإبليس لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ. فَأَخْبَرَ أَنَّهُ يَمْلَؤُهَا بإبليس وَمَنْ اتَّبَعَهُ؛ فَإِذَا مُلِئَتْ بِهِمْ لَمْ يَدْخُلْهَا غَيْرُهُمْ. فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ النَّارَ إلَّا مَنْ تَبِعَ الشَّيْطَانَ.
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُهَا مَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ فَإِنَّهُ مِمَّنْ لَمْ يَتَّبِعْ الشَّيْطَانَ وَلَمْ يَكُنْ مُذْنِبًا وَمَا تَقَدَّمَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُهَا إلَّا مَنْ قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ بِالرُّسُلِ.
(شرح)
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على رسول الله محمد وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد:
فهذا الفاصل في بيان تفاضل الناس في ولاية الله وتفاضلهم في عداوة الله، تفاضل المؤمنين في ولاية الله وتفاضل الكفار في عداوة الله وأن التفاضل يكون بحسب الإيمان والتقوى وتفاضل المؤمنين أن تفاضل المؤمنين يكون بحسب إيمانهم وتقواهم وتفاضل الكفار بحسب عداوتهم وكفرهم ونفاقهم تفاضل الكفار بحسب كفرهم ونفاقهم.
قال المؤلف رحمه الله وإذا كان أولياء الله هم المؤمنون والمتقون والناس يتفاضلون في الإيمان والتقوى فهم متفاضلون في ولاية الله بحسب ذلك إذاً المؤمنون ليسو على مرتبةٍ واحدة في الإيمان وليسو على مرتبةٍ واحدة في ولاية الله فهم متفاضلون في الأمرين لكن تفاضلهم في الولاية في ولاية الله مبني على تفاضلهم في الإيمان والتقوى، الأصل التفاضل في الإيمان والتقوى ثم ينشأ عنه ويتفرع عنه وينبني عليه تفاضلهم في ولاية الله وكلما كان الإنسان أشد إيماناً وتقوى لله كان أولى ولاية كان أفضل ولاية من غيره وأعلى ولاية من غيره فالناس يتفاضلون فمثلاً ولاية الله تعالى للرسل أعلى وأعظم من ولايته لغيرهم ولاية الله للصدّيق هؤلاء وأعظم من ولايته لغيره وهكذا ولاية الله للصحابة أعلى وأعظم من ولايته لغيرهم لأن إيمانهم أقوى وهكذا.
فالمؤمنون يتفاضلون في الإيمان ثم يتفاضلون في الإيمان والتقوى التقوى يعني الأعمال الصالحة أصل التقوى هي توحيد الله يتفاضلون في الإيمان ويتفاضلون في تقوى الله يتفاضلون في الإيمان والأعمال و الأعمال داخلة في مسمى الإيمان ثم يتفاضلون في ولاية الله.
وكذلك الكفار يتفاضلون في الكفر ويتفاضلون في عداوة الله فاليهود والنصارى هؤلاء كفار وهم أعداء لله والمنافقون كفار وهم أعداء لله لكن كفر المنافقين أعظم وأشد من كفر اليهود والنصارى فتكون عداوتهم لله أشد وأعظم وهكذا.
فإن الناس يتفاضلون في ولاية الله بحسب تفاضلهم في إيمانهم وتقواهم والكفار يتفاضلون في عداوة الله بحسب تفاضلهم في الكفر والنفاق.
وأما المؤمن العاصي فهو له قسط من ولاية الله بحسب إيمانه وتقواه وله قسط من عداوة الله بحسب معاصيه ومخالفته لما جاءت به الرسل.
وهذا هو الصواب الذي عليه الجماهير وعليه أهل السنة أن الناس ثلاث أقسام:
قسم ولي لله كامل الولاية وهؤلاء هم المؤمنون وإن كانوا يتفاضلون.
وقسم عدوٌ لله كامل العداوة وإن كانوا يتفاضلون وهم الكفار.
وقسم فيه ولي لله من وجه وعدوٌ لله من وجه وهو المؤمن العاصي فهو ولي لله بحسب ما فيه من الإيمان والطاعات وهو عدوٌ لله بحسب ما فيه من المعاصي وشُعب الكفر والنفاق.
وهذا ما يقوله المؤلف وإذا كان أولياء الله عز وجل هم المؤمنون المتقون والناس يتفاضلون في الإيمان والتقوى فهم متفاضلون في ولاية الله بحسب ذلك كما أنهم لما كانوا متفاضلين في الكفر والنفاق كانوا متفاضلين في عداوة الله بحسب ذلك.
وأصل الإيمان التقوى وأصل الإيمان والتقوى هو الإيمان برسل الله هذا هو الأصل لأن الرسل أوحى الله عليهم فمن آمن بالرسل آمن بجميع ما جاؤوا به مما أخبر الله به مما كان في الماضي ومما يكون في المستقبل يؤمن بالبعث والجزاء والحساب والجنة والنار لأن أصل الإيمان والتقوى هو الإيمان بالرسل.
وجماعُ ذلك الإيمان بخاتم الرسل محمد ﷺ فالإيمان به يتضمن الإيمان بجميع كتب الله ورسله من آمن بمحمد ﷺ ففي ضمن ذلك أنه آمن بالرسل السابقين وآمن بكتب الله لأن نبينا ﷺ جاء بالإيمان بكتب الله وبالرسل فإن أصل الإيمان التقوى والإيمان بالرسل وجماعُ ذلك الإيمان بخاتم الرسل محمد ﷺ فالإيمان بمحمد ﷺ يتضمن الإيمان بجميع كتب الله ورسله لأن ما أوحى الله به إليه من الكتاب والسنة.
فيه الأمر بالإيمان بجميع كتب الله ورسله.
وأصل الكفر والنفاق هو الكفر بالرسل هذا هو الأصل، أصل الكفر والنفاق هو الكفر بالرسل وبما جاؤوا به لأن الكافر يستحق صاحبه الخلود في النار.
والله تعالى أخبر في كتابه أنه لا يعذب أحداً إلا بعد بلوغ الرسالة يعني في قوله تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا. وقال وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ. وقال تعالى: إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا. هذه الآيات فيها أن الله تعالى أوحى إلى نوح وأوحى إلى النبيين من بعده فمن آمن بالرسل فهذا هو أصل التقوى لأنه يؤمن بجميع ما جاؤوا به ومن كفر بالرسل فهذا أصل الكفر والنفاق لأنه يكفر ويجحد بجميع ما جاؤوا به.
وقال تعالى عن أهل النار تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ.
قال المؤلف فأخبر أنه كلما ألقي في النار فوج أقرّوا بأنهم جاءهم النذير والنذير هم الرسل فكذّبوه فدل ذلك على أنه لا يلقى في النار إلا من كذب النذير من كذب الرسل لأن أصل الكفر تكذيب الرسل وأصل الإيمان الإيمان بالرسل قال تعالى في خطابه لإبليس لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ.
قال المؤلف فأخبر أنه يملؤها بإبليس ومن اتّبعه وإذا مُلئت بهم النار لم يدخلها غيرهم إذاً النار وعد الله بملئِها وأنّ مَن يملؤُها إبليس وأتباعه قال لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ. فإذاً النار تمتلئ بإبليس ومن اتبعه فإذا امتلأت فلا يدخلها غيرهم فالذي ليس له ذنب - و لا يتّبع الشيطان لا يكون مذنباً والذي لا يكون مذنباً لا يدخل النار.
ودلت النصوص على أنه لا يدخل النار إلا من قامت عليه الحجة بالرسل وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا.
(متن)
قال رحمنا الله وإياه:
فَصْلٌ:
وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُؤْمِنُ بِالرُّسُلِ إيمَانًا مُجْمَلًا وَأَمَّا الْإِيمَانُ الْمُفَصَّلُ فَيَكُونُ قَدْ بَلَغَهُ كَثِيرٌ مِمَّا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ وَلَمْ يَبْلُغْهُ بَعْضُ ذَلِكَ فَيُؤْمِنُ بِمَا بَلَغَهُ عَنْ الرُّسُلِ وَمَا لَمْ يَبْلُغْهُ لَمْ يَعْرِفْهُ وَلَوْ بَلَغَهُ لَآمَنَ بِهِ؛ وَلَكِنْ آمَنَ بِمَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ إيمَانًا مُجْمَلًا فَهَذَا إذَا عَمِلَ بِمَا عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَهُ بِهِ مَعَ إيمَانِهِ وَتَقْوَاهُ فَهُوَ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ مِنْ وِلَايَةِ اللَّهِ بِحَسَبِ إيمَانِهِ وَتَقْوَاهُ وَمَا لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُكَلِّفْهُ مَعْرِفَتَهُ وَالْإِيمَانُ الْمُفَصَّلُ بِهِ فَلَا يُعَذِّبُهُ عَلَى تَرْكِهِ؛ لَكِنْ يَفُوتُهُ مِنْ كَمَالِ وِلَايَةِ اللَّهِ بِحَسَبِ مَا فَاتَهُ مِنْ ذَلِكَ فَمَنْ عَلِمَ بِمَا جَاءَ بِهِ الرُّسُلُ وَآمَنَ بِهِ إيمَانًا مُفَصَّلًا وَعَمِلَ بِهِ فَهُوَ أَكْمَلُ إيمَانًا وَوِلَايَةً لِلَّهِ مِمَّنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ مُفَصَّلًا وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ؛ وَكِلَاهُمَا وَلِيٌّ لِلَّهِ تَعَالَى.
وَالْجَنَّةُ دَرَجَاتٌ مُتَفَاضِلَةٌ تَفَاضُلًا عَظِيمًا وَأَوْلِيَاءُ اللَّهِ الْمُؤْمِنُونَ الْمُتَّقُونَ فِي تِلْكَ الدَّرَجَاتِ بِحَسَبِ إيمَانِهِمْ وَتَقْوَاهُمْ. قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا.
فَبَيَّنَ اللَّهُ أَنَّهُ يَمُدُّ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ مِنْ عَطَائِهِ وَأَنَّ عَطَاءَهُ مَا كَانَ مَحْظُورًا مِنْ بَرٍّ وَلَا فَاجِرٍ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا. فَبَيَّنَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنَّ أَهْلَ الْآخِرَةِ يَتَفَاضَلُونَ فِيهَا أَكْثَرُ مِمَّا يَتَفَاضَلُ النَّاسُ فِي الدُّنْيَا وَأَنَّ دَرَجَاتِهَا أَكْبَرُ مِنْ دَرَجَاتِ الدُّنْيَا وَقَدْ بَيَّنَ تَفَاضُلَ أَنْبِيَائِهِ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ كَتَفَاضُلِ سَائِرِ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ تَعَالَى: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَقَالَ تَعَالَى: وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا.
(شرح)
هذا الفصل كما قال المؤلف رحمه الله الإيمان المفصل والإيمان المجمل قال ومن الناس من يؤمن بالرسل إيماناً عاماً مجملاً وهذا لا بد منه الإيمان المجمل لا يُعذر فيه أحد كل أحد كل مؤمن يجب عليه أن يؤمن بالرسل إيماناً مجملاً يعني تقول أنا آمنتُ كما قال الإمام الشافعي (آمنت بالله وبما جاء عن الله على مراد الله وآمنت برسول الله وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله) فأنا أؤمن بكل ما جاء به الرسل عليهم السلام لكن ما علم منه يؤمن به إيماناً مفصلاً يجب عليه أن يؤمن مثلاً بالصلاة وجوب الصلاة وجوب الزكاة وجوب الحج وجوب .. مثلاً بر الوالدين صلة الأرحام يؤمن بأن قطيعة الرحم من الكبائر وأن الزنا من الكبائر وأن .. وهكذا.. هذا إيمان مفصّل ما علمه يجب عليه أن يؤمن به يؤمن بأن هذا واجب أوجبه الله تقول أن هذا محرم وهكذا، بأن هذا سنة، بأن هذا مكروه، بأن هذا حرام ،ما بلغه يجب عليه أن يؤمن به إيماناً مفصلاً وما لم يبلغه يؤمن به إيماناً مجملاً فيكون الإيمان المجمل هذا لا يُعذر منه أحد كل المؤمنين يجب عليهم أن يؤمنوا إيماناً مجملاً معنى الإيمان المجمل يقول آمنت بكل ما جاء عن الله على مراد الله وآمنت برسول الله بكل ما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله فتؤمن بما جاءت به الرسل مجملاً بأن تصدّق بكل ما جاؤوا به، وأما الإيمان المفصّل فهذا على حسب ما يبلغك،الناس يتفاوتون فيه فإذا بلغك شيء عن الله وعن رسوله يجب عليك أن تؤمن به بلغك أن هذا واجب تؤمن به وتعتقد أنه واجب بلغك بأن هذا محرم تؤمن به وتعتقد أن هذا محرم بلغك أن هذا مستحب تؤمن وتعتقد أن هذا مستحب بلغك أن هذا مكروه تؤمن وتعتقد أن هذا مكروه بلغك أن هذا مباح تؤمن وتعتقد أن هذا مباح وهكذا.
والناس يتفاوتون في هذا حسب ما أعطاهم الله من العلم،العلماء يعلمون من تفاصيل الشريعة مالا يعلمه غيرهم، العلماء يتوسعون يعلمون من التفاصيل والدقائق في الواجبات والمحرمات والمكروهات ما لم يعلمه عامة الناس ومنهم من يعلم أقل ومنهم من يعرف أقل وهكذا.. حتى يصل ذلك إلى العامي الذي لا يعرف شيء يعني فيؤمن إيماناً مجملاً.
وكذلك ما أشكل عليه يسأل عنه أهل العلم ويؤمن به يقول تعالى فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ.
فلهذا قال المؤلف ومن الناس من يؤمن بالرسل إيماناً مجملاً يعني هذا لابد منه وأما الإيمان المفصّل فيكون قد بلغه كثير مما جاءت به الرسل ولم يبلغه بعض ذلك فيؤمن بما بلغه عن الرسل وما لم يبلغه لم يعرفه ولو بلغه لآمن به لكن آمن بما جاءت به الرسل إيماناً مجملاً فهذا إذا عمل بما علم أن الله أمره به مع إيمانه فهو من أولياء الله له من ولاية الله بحسب إيمانه وتقواه وما لم تقم عليه الحجة به فإن الله تعالى لم يكلّفه لم يكلّفه معرفته،الشيء الذي ما قامت عليه الحجة، والإيمان المفصّل لأن الله تعالى لم يكلفه معرفته هو الإيمان المفصل به فلا يعذّبه على تركه لأنه ما بلغه لكن يفوته من كمال ولاية الله تعالى بحسب ما فاته من ذلك يعني الشيء الذي لم يبلغه الإنسان ما يلام عليه وإنما يكلّف بما بلغه والذي لم يبلغك لا تكلف به لكن يفوتك من ولاية الله بحسب ما فاتك من هذا الشيء الذي لم تعلمه والذي علمه (...) في ولاية الله وفي الإيمان.
قال المؤلف فمن علم بما جاء به الرسول ﷺ وآمن به إيماناً مفصلاً وعمل به فهو أكمل إيماناً وولايةً لله تعالى ممن لم يعلم بذلك مفصلاً ولم يعمل به وكلاهما ولي لله كلاهما ولي لله لكن يتفاضون فمن علم مثلاً شخص علم بتفاصيل البيع وتفاصيل الصلح وتفاصيل أحكام الإجارة هذا يجب عليه أن يؤمن إيماناً به مفصّلاً وشخص آخر ما يعرف هذه الأحكام لا يجب عليه لأنه يؤمن به إيماناً مجملاً لكن هذا الذي علم أحكام الإجارة وأحكام الصلح أفضل ممن لم يعلم وله ولاية ولايته في الله تزيد على ولاية الأول الذي لا يعلم وكل منهما ولي لله هذا ولي لله وهذا ولي لله لكن ولاية هذا الذي علم التفاصيل في البيع والشراء أكمل بولاية الله من هذا لأنه أكمل إيماناً وأكمل ولايةً لله من الشخص الذي لا يعلم وهذا ولي لله وهذا ولي لله لكن ولاية هذا أكمل من ولاية هذا.
هذا معنى القول يقول المؤلف فمن علم ما جاء به الرسول ﷺ وآمن به إيماناً مفصّلاً وعمل به فهو أكمل إيماناً وولايةً لله تعالى ممن لم يعلم ذلك مفصّلاً ولم يعمل به وكلاهما وليٌ لله تعالى.
قال المؤلف والجنة درجاتٌ متفاضلة تفاضلاً عظيماً الجنة درجاتٌ متفاضلة تفاضلاً عظيماً وأولياء الله تعالى المؤمنون والمتقون في تلك الدرجات بحسب إيمانهم وتقواهم، إذاً الجنة درجات كل درجة عليا أعظم بنعيمها من الدرجة التي تحتها، كيف ينزلها المؤمن؟المؤمنون يدخلون الجنة برحمة الله كلهم لكن يتقاسمون الدرجات بحسب الإيمان والتقوى فمن كان أكثر إيماناً وعملاً صالحاً وتقوى نال الدرجة العالية ومن كان أقل نال الدرجة التي بعدها كلهم يدخلون برحمة الله قال النبي ﷺ لَن يَدخُلَ أَحَدُكُم الجَنَّةَ بِعَمِلِهِ قالوا ولا أنت يا رسول الله قال وَلَا أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ يدخلون الجنة برحمة الله ثم المنازل والدرجات يتقاسمونها بحسب الإيمان والتقوى والعمل الصالح.
ولهذا كانت درجة نبينا ﷺ هي الوسيلة أعلى درجات الفردوس هي منزل نبينا ﷺ ولهذا قال النبي في الحديث الصحيح إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ، فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ وقولوا اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ ثم قال ذلك فإن الوسيلة مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ، لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتي، الوسيلة هي منزل نبي الله ﷺ أعلى الدرجات أعلى درجات الفردوس لأنه عليه الصلاة والسلام أكمل الناس إيماناً وأكمل الناس تقوى وأكمل الناس عملاً وأعبد الناس وأتقى الناس وأبر الناس عليه الصلاة والسلام وأحسن الناس خلقاً فلهذا نال هذه الدرجة العظيمة في الجنة فهي الوسيلة.
آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ بعض العامة يزيد والدرجة الرفيعة الدرجة الرفيعة هي الوسيلة فلا حاجة إلى الزيادة آت محمداً الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة الدرجة الرفيعة هي الوسيلة هي زيادة على ما جاء به النص.
قال المؤلف والجنة درجات متفاضلة تفاضلاً عظيماً وأولياء الله تعالى المؤمنون والمتقون في تلك الدرجات بحسب إيمانهم وتقواهم يعني يتقاسمونها بإيمانهم وتقواهم قال الله تعالى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ العاجلة هي الدنيا من كان يريد الدنيا يعطيه الله منها ما يريد يعطيه ما يشاء لمن يريد هذا قيد وفي آية أخرى في آية هود مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ وفي آية الشورى مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا في سورة هود يؤته منها وكذلك في سورة الشورى أخبر الله من يريد الدنيا يعطيه هذا مطلق لكن في آية الإسراء مقيدة لمن يريد والإطلاق في الآيتين في السورتين تقيد بهذا القيد والمعنى من أراد الدنيا قد يعطيه الله وقد أعطاه لمن يريد قال لمن يريد من أراد الله أن يعطيه أعطاه ومن لم يرد أن يعطيه لا يعطيه فلا يعطه الدنيا ولا الآخرة ولا حول ولا قوة إلا بالله من يريد الدنيا فلا يعطى الدنيا ولا يعطى الآخرة مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ فيبقى فقيراً مثل فقراء النصارى واليهود مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا نعوذ بالله! لأنه أراد الدنيا ولم يؤمن بالله ورسله وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا.
إذاً في شروط الأول أن يريد الآخرة الثاني أن يسعى لها سعيها و سعيها هو الإيمان والعمل الصالح الثالث أن يكون مؤمناً.
ثلاث شروط: الشرط الأول أن يكون مؤمناً الشرط الثاني أن يريد الآخرة الشرط الثالث أن يسعى لها سعيها يعمل لها عملها فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا. قال كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ كلاً نمد من أراد الدنيا أمده الله ومن أراد الآخرة أمده الله كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا.
ثم قال انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ في الدنيا متفاضلون هذا فقير وهذا غني وثم الفقراء يتفاضلون هذا فقره شديد أشد من غيره وهذا غني غني أكثر من غيره متفاضلون كما أنهم متفاضلون في عقولهم وفي أجسامهم وفي أموالهم وفي تصرفاتهم وفي أعمالهم هم متفاضلون تفاضل عظيم في عقولهم هل الناس عقولهم واحدة؟لا. هل الناس أموالهم واحدة؟ لا. هل الناس أجسامهم واحدة؟ لا. هل الناس أفهامهم واحدة؟ لا متفاوتون قال الله تعالى: وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا إذا كان تفاضل في الدنيا في تفاضل الآن هذا وزير وهذا ملك وهذا مدير وهذا عالم وهذا جاهل وهذا عامّي وهذا عامل وهذا عاقل وهذا غير عاقل يتفاضلون انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ قال الله وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا إذا كان في تفاضل في الدنيا فالآخرة أعظم وأعظم في التفاضل.
قال المؤلف رحمه الله فبين الله سبحانه أنه يمد من يريد الدنيا ومن يريد الآخرة كل يمد من يريد الدنيا أمده الله ومن أراد الآخرة أمده الله من عطائه وأنّ عطاءَه ما كان محظورا من برٍ أو فاجر إذاً عطاء الله ليس محظورا لا من بر ولا من فاجرفي الدنيا أما الآخرة قال تعالى انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ في الدنيا وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا فبين الله تعالى أن أهل الآخرة يتفاضلون فيها أكثر مما يتفاضل الناس في الدنيا وأن درجاتها أكثر من درجات الدنيا وقد بيّن تفاضل أنبيائه عليهم السلام كتفاضل سائر عباده يعني المؤمنون متفاضلون وكذلك الأنبياء متفاضلون هل الأنبياء مرتبتهم واحدة؟ لا. الرسول أفضل من النبي وأولو العزم أفضل من غيرهم والخليلان إبراهيم ومحمد أكمل من غيرهم ونبينا محمد ﷺ أكمل من خليله وقد بين تعالى تفاضل أنبيائه قال تعالى تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ، وقال تعالى: وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا. فالأنبياء متفاضلون والمؤمنون متفاضلون والكفار متفاضلون أيضاً في عداوة الله.
(متن)
قال رحمه الله تعالى:
(شرح)
هذا الحديث في صحيح مسلم فيه بيان تفاضل الناس تفاضل المؤمنين قال الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ كلهم اشتركوا بالإيمان لكن المؤمن القوي خير، المؤمن القوي المراد بالمؤمن القوي هو الذي يتعدى نفعه إلى الآخرين يعني يتعدى نفعه ينفع الناس في ماله في الصدقات والإحسان أو بعلمه أو بجاهه وشفاعته أو ببدنه يحمل لهم هذا المؤمن القوي والمؤمن الضعيف الذي نفعه مقتصر على نفسه هذا هو المؤمن الضعيف ولو كان قوي الجسم ليس القوة بالجسم فقط قد يكون قوي جسم وهو ضعيف لأنه ما ينفع إلا نفسه هذا مؤمن ضعيف ولو كان يحمل الكيس أما المؤمن القوي فالذي يتعدى نفعه للآخرين ولو كان على فراشه لو كان على فراشه مؤمن قوي ولو كان مريض يتصل بالهاتف ويأمر وينهى ويشفع ويتصدّق وهو على فراشه هذا يسمى مؤمن قوي لأنه تعدى نفعه للآخرين والأول الذي يحمل الكيس ما ينفع أحد لأن نفعه على نفسه هو المؤمن الضعيف الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ. كلهم مشتركون في أصل الإيمان هذا فيه دليل على التفاضل.
ثم قال النبي احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُك، وَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ وَلَا تَعْجِزَن، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُك حتى تكون مؤمناً قوياً يتعدى نفعك للآخرين وَإِنْ أَصَابَك شَيْءٌ فلا تعترض على القدر ولا تتحسر لَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْت لَكَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ هذا قدر الله قدر هذا قدر الله ويحتمل أنه قدّر الله بعده ولكن قدر الله أولى ولكن قدر الله خبر لمبتدأ محذوف تقديره هذا قدر الله إذا أصابك تقول ولكن قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ؛ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ. متى؟ إذا كانت اعتراض على القدر تتحسر على القدر مثلاً أصابه مرض قال لو فعلت كذا لو ذهبتُ إلى المستشفى ما أصابني المرض هذا اعتراض على الله لو فلان فعل كذا ما حصل عليه الحادث هذه تفتح عمل الشيطان لكن إذا كانت في فعل الخير فلا مانع منها مثل قولي لو علمت درساً في المسجد لحضرته هذه فعل الخير هذه ليست داخلة في هذا قول النبي (32:29) هذا في تمني الخير إنما متى تكون تفتح عمل الشيطان إذا كان في اعتراض على القدر تحسر على القدر.
(متن)
(شرح)
في هذا الحديث حديث صحيح وفيه قول النبي إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ. إذاً تفاضلوا، الحاكم القاضي مثلاً إذا اجتهد في مسألة هذا اجتهد وأصاب فله أجران وهذا اجتهد وأخطأ فله أجر يتفاضلوا ولا ما يتفاضلوا؟ يتفاضلوا. هذا له أجرين ثوابه أكثر والثاني أصاب أجر واحد هذا عن التفاضل تفاضل الحكام والقضاة.
(متن)
(شرح)
وكلاً وعد الله الحسنى في الجنة هذا في تفاضل الصحابة الصحابة يتفاضلون قال لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ الصواب أن المراد أصح القولين أن المراد من الفتح صلح الحديبية هو الحد الفاصل لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا هذا في تفاضل الصحابة رضوان الله عليهم فالذي أنفق قبل صلح الحديبية وقاتل مع النبي ﷺ أجره أعظم ومن السابقين الأولين ومن أنفق بعد صلح الحديبية وأسلم بعد صلح الحديبية فليس من السابقين الأولين وقيل السابقون الأولون من صلى إلى القبلتين لكن هذا قول مرجوح الصواب أنّ السابقين الأولين هم الذين أسلموا قبل صلح الحديبية حد فاصل فمن أسلم قبل صلح الحديبية فهو من السابقين الأولين ومن أسلم بعد صلح الحديبية فليس منهم مثل خالد بن الوليد أسلم بعد صلح الحديبية.
وهناك أيضاً مرتبة ثالثة الذين أسلموا بعد فتح مكة يسمّون مسلمة الفتح ومنهم أبو سفيان وابناه يزيد ومعاوية.
فعبد الرحمن بن عوف من السابقين الأولين أسلم قبل الفتح وخالد بن الوليد أسلم بعد صلح الحديبية وقبل فتح مكة وهو من المرتبة الثانية وأبو سفيان ومعاوية وابنه يزيد أسلموا بعد فتح مكة مراتب تفاوت وتفاوت عظيم حتى الصحابة.
ولهذا لما حصل بعض الكلام بين عبد الرحمن بن عوف وخالد بن الوليد حصل سوء تفاهم وحصل_يعني لأنهم بشر_ تكلّم خالد بن الوليد على عبد الرحمن بن عوف النبي ﷺ يخاطب خالد قال لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي هم كلهم أصحابه لكن قال لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي الذين تقدمت صحبتهم يقول لخالد لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلاَ نَصِيفَهُ الخطاب لخالد كلهم صحابه تفاضل فالنبي ﷺ يقول يا خالد لا تسب أصحابي الذين تقدم لصحبتهم عبد الرحمن قال لو أنفقت مثل أُحدٍ ذهباً وأنفق عبد الرحمن مد أو نصف المد لكان عبد الرحمن أفضل فهذا المد يعدل بمثل أُحد الذي أنفقه خالد فلو أنفق خالد بمثل جبل أُحد وأنفق عبد الرحمن ملء الكف أو نصف الكف لسبق عبد الرحمن خالد هذا تفاوت بين الصحابة فكيف بغيرهم.
خالد أيضاً أفضل من أبو سفيان الذي أسلم بعد الفتح وهكذا فهذا تفاضل الصحابة وكذلك من بعدهم من التابعين يتفاضلون وهكذا إلى يوم القيامة والناس يتفاضلون في الإيمان والتقوى ويتفاضلون في ولاية الله.
ويقول الله تعالى لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ أي صلح الحديبية أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ . الذين أنفقوا وأسلموا قبل صلح الحديبية أعظم درجة ثم قال الله تعالى وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى. الجنة كلهم موعودون بالجنة كلهم موعودون بالجنة لكن أولئك الذين قبل صلح الحديبية أفضل بدرجات والذين أسلموا من بعد صلح الحديبية لهم أجرهم وكل منهما موعود بالجنة لكن يتفاضلون فيها.
(متن)
(شرح)
وهذا تفاضل بين المجاهدين وغير المجاهدين وكلهم موعودون بالجنة مؤمن جالس في بلده لا يجاهد ومؤمن يجاهد في سبيل الله هل يستوون؟ لا يستوون، قال الله لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ القاعدون الذين قعدوا في بلادهم وتركوا الجهاد استثنى الله غير أولي الضرر هذه الآية لما نزلت والنبي ﷺ أمر بكتابتها جاء عبد الله بن مكتوم قال يا رسول الله أنا ضرير البصر لو أستطيع لجاهدت فأنزل الله غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ على من؟ عَلَى الْقَاعِدِينَ في بلدهم دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى كل من المجاهد والقاعد المؤمن كل موعود بالجنة.
ثم قال وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً كل هذه زيادة على المؤمن الجالس دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا.
(متن)
(شرح)
هذا تفاضل الناس في الأعمال الآية التي قبلها تفاضل الناس في الجهاد وقبلها تفاضل الصحابة وقبلها تفاضل الأنبياء وتفاضل الحكام والقضاة وهذه في تفاضل عامة الناس قال الله تعالى أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ لا يستوون يعني عمارة المسجد الحرام وسقاية الحجاج عمل صالح لكن أفضل منه الإيمان بالله واليوم الآخر والجهاد في سبيل الله الإيجاد مقاتلة الأعداء ودحرهم أمام الأعداء يخاطر بنفسه ليس مثل إنسان يتعبّد في المسجد الحرام.
ولهذا كتب عبد الله بن مبارك وكان مجاهد في الثغور و فضيل بن عياظ وكان متعبدا في المسجد الحرام قال:
يَا عَابِدَ الحَرَمَيْنِ لَوْ أَبْصَرْتَنَا | لَعَلِمْتَ أَنَّكَ فِي العِبَادَةِ تَلْعَبُ |
مَنْ كانَ يَخْضِبُ خَدَّهُ بِدُمُوْعِهِ | فَنَحُوُرُنَا بِدِمَائِنَا تَتَخَضَّبُ |
يعني أنتم الآن تبكون وتتعبدون وتخضّبون وجوهكم بالدمع لكن نحن نخضّب أجسامنا بالدماء وقال أنتم وذكر في البيت الذي بعده وقال أنتم تتطيبون بالطيب ونحن غبار طيبنا الغبار أبيض فلما وصل إليه الكتاب الذي كتب إليه بكى.
وقال صدق رحمه الله فالناس يتفاضلون هذه الآيات فيها تفاضل فالذي يسقي الحجاج ويعمر المسجد الحرام هذا عمل صالح لكن أعظم منه الجهاد في سبيل الله ولذلك قال لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ.
ثم قال سبحانه مبيناً التفاوت الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ، من الجالسين وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ المجاهدون يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ. هذا في فضل المجاهدين.
(متن)
(شرح)
كذلك هذه الآية فيها تفاوت بين أهل العلم الذين يعلمون ما جاءت به النصوص من الأجر والثواب على الأعمال الصالحة ثم يعملون ليس كغيرهم أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا قانت، القانت المنيب في الطاعة والعبادة قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يراوح بين الجبهة بين جبهته وقدميه يصلي لله يرجو ثواب الله يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ هل يستوون مع من كان نائماً على فراشه؟ لا يستويانقُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ.
(متن)
(شرح)
وهذا في التفاضل بالعلم يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ على من؟ على من لم يكن من أهل العلم يرفع الله أهل الإيمان والعلم على من لم يكن كذلك وإن كانوا كلهم في الجنة لكن أهل العلم العاملون بعلمهم يرفعهم الله درجات يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ هذا فيه تفاوت، تفاوت المؤمنين في العلم تفاوتهم في الجهاد تفاوتهم في الأعمال تفاوتهم في الصحابة تفاوتهم في الأنبياء تفاوت.
(متن)
قال رحمه الله تعالى:
فصلٌ
وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ لَا يَكُونُ وَلِيًّا لِلَّهِ إلَّا إذَا كَانَ مُؤْمِنًا تَقِيًّا لِقَوْلِهِ تَعَالَى أَلَا إنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ.
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ الْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ - وَقَدْ تَقَدَّمَ - يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيهِ: وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ.
وَلَا يَكُونُ مُؤْمِنًا تَقِيًّا حَتَّى يَتَقَرَّبَ إلَى اللَّهِ بِالْفَرَائِضِ فَيَكُونُ مِنْ الْأَبْرَارِ أَهْلِ الْيَمِينِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَزَالُ يَتَقَرَّبُ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى يَكُونَ مِنْ السَّابِقِينَ الْمُقَرَّبِينَ فَمَعْلُومٌ أَنَّ أَحَدًا مِنْ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ لَا يَكُونُ وَلِيًّا لِلَّهِ.
وَكَذَلِكَ مَنْ لَا يَصِحُّ إيمَانُهُ وَعِبَادَاتُهُ وَإِنْ قَدَرَ أَنَّهُ لَا إثْمَ عَلَيْهِ مِثْلُ أَطْفَالِ الْكُفَّارِ وَمَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ - وَإِنْ قِيلَ إنَّهُمْ لَا يُعَذَّبُونَ حَتَّى يُرْسَلَ إلَيْهِمْ رَسُولٌ - فَلَا يَكُونُونَ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ إلَّا إذَا كَانُوا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّقِينَ؛ فَمَنْ لَمْ يَتَقَرَّبْ إلَى اللَّهِ لَا بِفِعْلِ الْحَسَنَاتِ وَلَا بِتَرْكِ السَّيِّئَاتِ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ.
وَكَذَلِكَ الْمَجَانِينُ وَالْأَطْفَالُ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ. وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. وَاتَّفَقَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ عَلَى تَلَقِّيهِ بِالْقَبُولِ.
لَكِنَّ الصَّبِيَّ الْمُمَيِّزَ تَصِحُّ عِبَادَاتُهُ وَيُثَابُ عَلَيْهَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ.
وَأَمَّا الْمَجْنُونُ الَّذِي رُفِعَ عَنْهُ الْقَلَمُ فَلَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْ عِبَادَاتِهِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ. وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ إيمَانٌ وَلَا كُفْرٌ وَلَا صَلَاةٌ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْعِبَادَاتِ؛ بَلْ لَا يَصْلُحُ هُوَ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُقَلَاءِ لِأُمُورِ الدُّنْيَا كَالتِّجَارَةِ وَالصِّنَاعَةِ. فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ بَزَّازًا وَلَا عَطَّارًا وَلَا حَدَّادًا وَلَا نَجَّارًا وَلَا تَصِحُّ عُقُودُهُ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ. فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَلَا شِرَاؤُهُ وَلَا نِكَاحُهُ وَلَا طَلَاقُهُ وَلَا إقْرَارُهُ وَلَا شَهَادَتُهُ. وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَقْوَالِهِ بَلْ أَقْوَالُهُ كُلُّهَا لَغْوٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ وَلَا ثَوَابٌ وَلَا عِقَابٌ.
بِخِلَافِ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ فَإِنَّ لَهُ أَقْوَالًا مُعْتَبَرَةً فِي مَوَاضِعَ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ وَفِي مَوَاضِعَ فِيهَا نِزَاعٌ.
(شرح)
يقول المؤلف رحمه الله يبين أيضاً تفاضل الناس وأنّ من لم يكن له نية وعمل فإنه لا يحصل على ما يحصل عليه من له نية وعمل.
يقول المؤلف إذا كان العبد لا يكون ولياً لله إلا إذا كان مؤمناً تقياً دليله قوله تعالى أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ إذا كان العبد لا يكون ولياً لله إلا إذا كان مؤمناً تقياً كما دلت عليه الآية.
قال وفي صحيح البخاري الحديث المشهور حديث الأولياء السابق وقد تقدّم يقول الله تعالى لأنه حديث قدسي وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ.
ولا يكون مؤمناً تقياً حتى يتقرب إلى الله تعالى بالفرائض فالذي يترك الفرائض لا يكون مؤمناً تقياً ولا يكون ولياً لله هذا لابد منه أداء الفرائض لابد منه لا يكون مؤمناً تقياً حتى يتقرب إلى الله بالفرائض والذين يتقربون من الفرائض كان من الأبرار أهل اليمين كان من الأبرار أهل اليمين ثم بعد ذلك لا يزال يتقرب إلى الله تعالى بالنوافل يعني بعد الفرائض حتى يكون من السابقين المقرّبين فإذاً المؤمن لا يكون مؤمناً تقياً حتى يتقرب إلى الله بالفرائض ولا يكون من السابقين المقرّبين حتى يتقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض، أما الكفار والمنافقون ما أدّوا الفرائض ولا النوافل والنوافل لا تصح منهم فليسو من ماذا؟ ليسو من أولياء الله لا يكونوا من أولياء الله، أولياء الله هم الذين يتقربون إلى الله بالفرائض وأعلى منهم الذين يتقربون إلى الله بالفرائض والنوافل، والكفار لا هذا ولا هذا وعلى هذا فالكفار لا يكونوا من أولياء الله.
ولذلك قال المؤلف فمعلومٌ أن أحداً من الكفار والمنافقين لا يكون ولياً لله وكذلك من لا يصح إيمانه وعبادته هل يقال أنه ولي لله كالمجانين والصبيان، الصوفية يقولون أن بعض المجانين أولياء الله وهذا مجنون مجاذيب انجذب قلبه وبعضهم يقولون أن بعض المجانين يتصرف في الكون، الصوفية يقول المجانين يتصرفون في الكون!؟ والعياذ بالله إذا أحد، لا تدري هذا المجذوب المرمي في الزبالة وأظافره طويلة وشعرهم كذا وثيابهم مخرّقة ومرمي على الزبالة يقول لك هذا ولي يتصرف هذا قطب من الأقطاب هذا من تخريف الصوفية خرافات ما تدري هذا المرمي بالزبالة ولا عنده عقل ويريدون بعض الأحاديث المكذوبة (اطلعت على أهل الجنة فرأيت أكثر أهلها البله) ضعيف العقل هذا باطل.
يقول المؤلف معلومٌ أن أحداً من الكفار والمنافقين لا يكون ولياً لله وكذلك من لا يصح إيمانه وعبادته وإن قدّر أنه لا إثم عليه مثل أطفال الكفار هل يقال أنهم أولياء لله؟ ككفار لا تصح منهم عبادة وإن كان فيه خلاف وإن كانوا يقولون أن أطفالهم في الجنة وكذلك من لم تبلغه الدعوة هل يقال أنه ولي لله(50:55) ولكنه معذور لكن هل يقال أنهم أولياء لله هؤلاء لهم فضيلة على غيرهم لا،خسارة أنه معذور وإن قيل أنهم لا يعذّبون يعني من لم تبلغه الدعوة وأطفال الكفار حتى يوصل إليهم رسول الله فلا يكونون من أولياء الله إلا إن كانوا من المؤمنين والمتقين وهؤلاء ما تقربوا إلى الله بالفرائض والنوافل يعني من لم تبلغهم الدعوة والمجانين والأطفال هل تقربوا إلى الله بالفرائض؟ لا. هل تقربوا إلى الله بالنوافل؟ لا. الولاية والإيمان والتقوى إنما تكون لمن تقرب إلى الله بالفرائض ثم النوافل.
قال المؤلف فلا يكونون من أولياء الله يعني المجانين الأطفال ومن لم تبلغهم الدعوة إلا إن كانوا من المؤمنين والمتقين ومن لم يتقرب إلى الله لا بفعل الحسنات ولا بترك السيئات لم يكن ولياً لله، من لم يكن ولياً لله وكذلك المجانين والأطفال هؤلاء مرفوع عنهم القلم لا يتقربون إلى الله بشيء فإن النبي ﷺ قال رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ.
قال المؤلف هذا الحديث قد رواهُ أهل السنن من حديث علي رضي الله عنه وعائشة رضي الله عنها واتفق أهل المعرفة على تلقّيه بالقبول الحديث يُرفع القلم عن ثلاثة عن المجنون وعن الصبي وعن النائم.
لكن هناك فرق بين المجنون وبين الصبي لكن الصبي تصح عباداته ويُثاب عليها عند جمهور العلماء الصبي قبل البلوغ إذا صلى ابن سبع سنين أو عشر أو صام تصح عبادته ويُثاب عليها كذلك إذا حج قبل البلوغ يُثاب والحج دون البلوغ له ووليه له أجر العون والثواب بعض العامة هذا يقول أنه حج لوالده أو لجده أو لجدته هذا لا أصل له الثواب أجره له وأنت أيها الولي لك أجرٌ آخر هو أجر الإعانة لكن الصبي تصح عبادته ويُثاب عليها عند جمهور العلماء.
وأما المجنون الذي رُفع عنه القلم فلا يصح شيءٌ من عبادته باتفاق العلماء ولا يصح له إيمانٌ ولا كفر ولا صلاة ولا غير ذلك من العبادات الفرق بين الصبي المميز تصح عبادته ويُثاب عليها المجنون المرفوع عنه القلم لا تصح عبادته باتفاق العلماء ولا يصح منه الإيمان ولا الكفر ولا الصلاة ولا غير ذلك لأن ما عنده عقل.
قال المؤلف بل لا يصلح عند عامة العقلاء لأمور الدنيا، من لا يصلح لأمور الدنيا فأمور الدين من باب أولى ،المجنون هذا يولّى عمل؟ ما يولّى عمل، عمل كتابي أو حسابي أو نجارة أو حدادة ما عنده عقل فكذلك الدين ما عنده إيمان قال بل لا يصلحُ عند عامةِ العقلاءِ لأمور الدنيا كالتجارةِ والصناعة فلا يصح أن يكون بزّازاً ولا عطّاراً ولا حداداً ولا نجاراً ولا تصح العقود باتفاق العلماء لو باع أو اشترى ما يصح ولا يصح بيعه ولا شراؤه و لا نكاحه ولا طلاقه ولا إقراره ولا شهادته النكاح إذا زُوّج يقبل النكاح وليه يقول قبلت هذا الزواج عن فلان لا يصح نكاحه ولا طلاقه وإذا كان معه زوجة وطلق ما ينفذ طلاقه لأن ما معه عقل وإذا أقر بأن له على فلان دين ما ينفذ لأنه ما عنده عقل وإذا شهد على فلان وقال كذا ما ينفذ ولا غير ذلك من أقوال، بل أقواله كلها لغو كل أقواله لغو لا يتعلق بها حكمٌ شرعي لاغية لا يتعلق بها حكم شرعي ولا ثوابٌ ولا عقاب.
بخلاف الصبي المميز فإن له أقوال معتبرة بمواضع بالنص والإجماع قد تُقبل شهادة الصبي وأعماله صحيحة وفي مواضع فيها نزاع يقول البعض فيها نزاع.
(متن)
قال رحمه الله تعالى:
وَإِذَا كَانَ الْمَجْنُونُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ الْإِيمَانُ وَلَا التَّقْوَى وَلَا التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ بِالْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ وَامْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ وَلِيًّا فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدِ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهُ وَلِيٌّ لِلَّهِ؛ لَا سِيَّمَا أَنْ تَكُونَ حُجَّتُهُ عَلَى ذَلِكَ إمَّا مُكَاشَفَةُ سَمْعِهَا مِنْهُ أَوْ نَوْعٌ مِنْ تَصَرُّفٍ مِثْلِ أَنْ يَرَاهُ قَدْ أَشَارَ إلَى وَاحِدٍ فَمَاتَ أَوْ صُرِعَ.
فَإِنَّهُ قَدْ عُلِمَ أَنَّ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ - مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ - لَهُمْ مُكَاشَفَاتٌ وَتَصَرُّفَاتٌ شَيْطَانِيَّةٌ كَالْكُهَّانِ وَالسَّحَرَةِ وَعُبَّادِ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ.
فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدِ أَنْ يَسْتَدِلَّ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ عَلَى كَوْنِ الشَّخْصِ وَلِيًّا لِلَّهِ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ مَا يُنَاقِضُ وِلَايَةَ اللَّهِ فَكَيْفَ إذَا عُلِمَ مِنْهُ مَا يُنَاقِضُ وِلَايَةَ اللَّهِ مِثْلُ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُ وُجُوبَ اتِّبَاعِ النَّبِيِّ ﷺ بَاطِنًا وَظَاهِرًا؛ بَلْ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ يَتَّبِعُ الشَّرْعَ الظَّاهِرَ دُونَ الْحَقِيقَةِ الْبَاطِنَةِ. أَوْ يَعْتَقِدُ أَنَّ لِأَوْلِيَاءِ اللَّهِ طَرِيقًا إلَى اللَّهِ غَيْرَ طَرِيقِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ. أَوْ يَقُولُ: إنَّ الْأَنْبِيَاءَ ضَيَّقُوا الطَّرِيقَ أَوْ هُمْ عَلَى قُدْوَةِ الْعَامَّةِ دُونَ الْخَاصَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَقُولُهُ بَعْضُ مَنْ يَدَّعِي الْوِلَايَةَ فَهَؤُلَاءِ فِيهِمْ مِنْ الْكُفْرِ مَا يُنَاقِضُ الْإِيمَانَ. فَضْلًا عَنْ وِلَايَةِ اللَّهِ .
فَمَنْ احْتَجَّ بِمَا يَصْدُرُ عَنْ أَحَدِهِمْ مِنْ خَرْقِ عَادَةٍ عَلَى وِلَايَتِهِمْ كَانَ أَضَلَّ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى.
وَكَذَلِكَ الْمَجْنُونُ؛ فَإِنَّ كَوْنَهُ مَجْنُونًا يُنَاقِضُ أَنْ يَصِحَّ مِنْهُ الْإِيمَانُ وَالْعِبَادَاتُ الَّتِي هِيَ شَرْطٌ فِي وِلَايَةِ اللَّهِ وَمَنْ كَانَ يَجُنُّ أَحْيَانًا وَيُفِيقُ أَحْيَانًا. إذَا كَانَ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ مُؤْمِنًا بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ وَيُؤَدِّي الْفَرَائِضَ وَيَجْتَنِبُ الْمَحَارِمَ؛ فَهَذَا إذَا جُنَّ لَمْ يَكُنْ جُنُونُهُ مَانِعًا مِنْ أَنْ يُثِيبَهُ اللَّهُ عَلَى إيمَانِهِ وَتَقْوَاهُ الَّذِي أَتَى بِهِ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ وَيَكُونُ لَهُ مِنْ وِلَايَةِ اللَّهِ بِحَسَبِ ذَلِكَ.
وَكَذَلِكَ مَنْ طَرَأَ عَلَيْهِ الْجُنُونُ بَعْدَ إيمَانِهِ وَتَقْوَاهُ؛ فَإِنَّ اللَّهَ يُثِيبُهُ وَيَأْجُرُهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ إيمَانِهِ وَتَقْوَاهُ. وَلَا يُحْبِطُهُ بِالْجُنُونِ الَّذِي اُبْتُلِيَ بِهِ مِنْ غَيْرِ ذَنْبٍ فَعَلَهُ وَالْقَلَمُ مَرْفُوعٌ عَنْهُ فِي حَالِ جُنُونِهِ.
فَعَلَى هَذَا فَمَنْ أَظْهَرَ الْوِلَايَةَ وَهُوَ لَا يُؤَدِّي الْفَرَائِضَ وَلَا يَجْتَنِبُ الْمَحَارِمَ بَلْ قَدْ يَأْتِي بِمَا يُنَاقِضُ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِ أَنْ يَقُولَ هَذَا وَلِيٌّ لِلَّهِ فَإِنَّ هَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ مَجْنُونًا؛ بَلْ كَانَ مُتَوَلِّهًا مِنْ غَيْرِ جُنُونٍ أَوْ كَانَ يَغِيبُ عَقْلُهُ بِالْجُنُونِ تَارَةً وَيُفِيقُ أُخْرَى وَهُوَ لَا يَقُومُ بِالْفَرَائِضِ بَلْ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ اتِّبَاعُ الرَّسُولِ ﷺ فَهُوَ كَافِرٌ وَإِنْ كَانَ مَجْنُونًا بَاطِنًا وَظَاهِرًا قَدْ ارْتَفَعَ عَنْهُ الْقَلَمُ؛ فَهَذَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَاقَبًا عُقُوبَةَ الْكَافِرِينَ فَلَيْسَ هُوَ مُسْتَحِقًّا لِمَا يَسْتَحِقُّهُ أَهْلُ الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى مِنْ كَرَامَةِ اللَّهِ فَلَا يَجُوزُ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ أَنْ يَعْتَقِدَ فِيهِ أَحَدٌ أَنَّهُ وَلِيٌّ لِلَّهِ وَلَكِنْ إنْ كَانَ لَهُ حَالَةٌ فِي إفَاقَتِهِ كَانَ فِيهَا مُؤْمِنًا بِاَللَّهِ مُتَّقِيًا كَانَ لَهُ مِنْ وِلَايَةِ اللَّهِ بِحَسَبِ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ لَهُ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ فِيهِ كُفْرٌ أَوْ نِفَاقٌ أَوْ كَانَ كَافِرًا أَوْ مُنَافِقًا ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ الْجُنُونُ فَهَذَا فِيهِ مِنْ الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ مَا يُعَاقَبُ عَلَيْهِ وَجُنُونُهُ لَا يُحْبِطُ عَنْهُ مَا يَحْصُلُ مِنْهُ حَالَ إفَاقَتِهِ مِنْ كُفْرٍ أَوْ نِفَاقٍ.
(شرح)
الوالي رحمه الله بيّن أن الولاية فرع عن الإيمان والتقوى وأن من كان عنده إيمان وعمل صالح فهو وليّ لله وأن من فُقد منه الإيمان والعمل بسبب فقد عقله فإنه لا يُقال أنه وليٌ لله ولا يُقال له أفضل من غيره كما ادّعى الصوفية يعظّمون المجانين وفاقد العقل ويقولون أن هؤلاء أولياء هذا جهل وضلال.
قال وإذا كان المجنون لا يصح منه الإيمان ولا التقوى لماذا لأنه لا عقل له ولا التقرب إلى الله بالفرائض ولا النوافل امتنع أن يكون ولياً لله إذاً المجنون لا يكون ولياً لله لماذا؟ لأنه لا يصح منه الإيمان والتقوى ولا يصح منه التقرب إلى الله بالفرائض ولا يصح منه التقرب إلى الله بالنوافل إذاً لا يكون ولياً والصوفية الذين يقولون أن هذا المجنون الذي ما عنده إيمان ولا تقوى ولا عمل أنه ولي لله وأنه متصرف في الكون هذا جهل وكفر وضلال قال فلا يجوز لأحد أن يعتقد أنه ولي لله لاسيما وأن تكون حجته مكاشفةً سمعها منه أو نوع تصرف أو يُكشف عن شيء يعني خارق عادة يُكشف عن شيء أو عنده تصرف مثل أن يراه قد أشار إلى أحد فمات أو صُرع فإنه قد عُلم أن الكفار والمنافقين من المشركين وأهل الكتاب لهم مكاشفات وتصرفات شيطانية كالكهان والسحرة وعبّاد المشركين فأهل الكتاب لهم مكاشفات وتصرفات شيطانية مثل الكهان والسحرة وعباد المشركين وأهل الكتاب.
فلا يجوز لأحد أن يستدل بمجرد ذلك على كون الشخص ولياً لله وإن لم يعلم منه ما يناقض ولاية الله فكيف إذا علم منه ما يناقض ولاية الله يعني لا يجوز أن يُعتقد أن هذا الشخص ولياً لله من دون عمل ومن دون إيمان حتى ولو لم يُعلم أنه فعل ناقضا من نواقض الإسلام فكيف إذا عُلم أنه فعل ناقضا من نواقض الإسلام فهذا من باب أولى إذا كان الذي ليس عنده عمل كالمجنون والصبي لا يقال أنه ولي لله لأنه ما عنده إيمان ولا تقوى فكيف يقال وحتى ولو لم يفعل ما يناقض ولاية الله فكيف يُقال بمن يفعل ما يناقض الإسلام أن هذا ولي لله هذا عدو لله.
يقول أهل الكتاب لا يجوز لأحد أن يستدل بمجرد ذلك على كون الشخص ولياً لله وإن لم يعلم منه ما يناقض ولاية الله فكيف إذا عُلم منه ما يناقض ولاية الله مثل أن يعلم أنه لا يعتقد وجوب اتباع النبي ﷺ باطناً وظاهراً بل يعتقد أنه يتبع الشرع الظاهر دون الحقيقة الباطنة هذا عدو لله إذا عُلم أن الشخص لا يعتقد بوجود الرسول في الباطن وفي الظاهر فيقول يجب اتباع الرسول في الظاهر وأما الباطن لا،نتبع غيره هذا حكمه ماذا؟ كافر ولا يكون ولياً لله وكذلك أو يعتقد أن لأولياء الله طريقاً إلى الله غير طريق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يعني يعتقد أن الأولياء لهم طريق إلى الله غير طريق الرسول كما يقول بعضهم يأخذ الله عن اللوح المحفوظ يأخذ الله مباشرة ولا يحتاج إلى جبريل يقول هذا الولي أفضل الصوفية يقول الولي أفضل من النبي، النبي يحتاج إلى وساطة جبريل لكن الولي يأخذ عن الله مباشرة يأخذ من اللوح المحفوظ يأخذ من المعدن الذي يأخذ منه جبريل فالولي أفضل من ماذا؟ من النبي هذا كلام الصوفية الباطني ولهم أبيات ابن عربي يقول:
مَقَامُ النُّبُوَّةِ فِي بَرْزَخٍ | فُوَيْقَ الرَّسُولِ وَدُونَ الْوَلِي |
عندهم المراتب الولي ثم النبي ثم الرسول آخر مرتبة من جهلهم وضلالهم.
مَقَامُ النُّبُوَّةِ فِي بَرْزَخٍ | فُوَيْقَ الرَّسُولِ وَدُونَ الْوَلِي |
برزخ فوق الرسول و أقل من الولي مقام النبوة في برزخ فويق الرسول ودون الولي هكذا قال ابن العرب.
هذا من جهلهم وضلالهم عكسوا الرسل أفضل الأولياء أفضل الأولياء هم الرسل ثم يليهم الأنبياء ثم الأولياء غير الرسل هم عكسوا هؤلاء يعتقدون أن للأولياء طريقاً إلى الله غير طريق الأنبياء أو يقول إن الأنبياء ضيّقوا الطريق ضيّقوا الطريق على الناس حاصروا الناس فيه واجبات ومحرمات وله أن يفعل ما يشاء لم يضيق الطريق على الناس الاتحادية يحصرونهم يقولون هذا محرم وهذا حلال لا ما في حصر هذا من الاتحادية هؤلاء من أكفر الناس أو يعتقد أن الأنبياء ضيّقوا على الناس أو هم قدوة العامة دون الخاصة يقولون لا يقتدر في أمور العامة ولا يقتدر في أمور الباطن الخاصة هذا كفر وضلال ونحو ذلك مما يقوله بعض من يدّعي الولاية.
فهؤلاء فيهم من الكفر ما يناقض الإيمان فضلاً عن ولاية الله هؤلاء كفار فكيف يُقال أنهم أولياء بل هم أعداء الله.
فمن احتج بما يصدر عن أحدهم من خرق عادة على ولايتهم كان أضل من اليهود والنصارى بعض الناس يتخذه ولي لأنه حصل خرق عادة يخالف العادات حتى الساحر قد يطير في الهواء وقد يقيس البحار هل يلزم أنه ولي فمن احتج بما يصدر من خرق عادة على ولايتهم فهو أضل من اليهود والنصارى.
قال وكذلك المجنون فإن كونه مجنوناً يناقض أن يصح منه الإيمان والعبادات التي هي شرطٌ في ولاية الله المجنون ما عنده إيمان ولا عنده عبادة فكيف يُقال أنه ولي لله ومن كان يُجن أحياناً ويفيق أحياناً إذا كان في حال إفاقته مؤمناً بالله ورسوله ويؤدي الفرائض ويجتنب المحارم فهذا إذا جُن لم يكن جنونه مانعاً من أن يثيبه الله على إيمانه وتقواه الذي أتى به في حال إفاقته ويكون له من ولاية الله بحسب ذلك وكذلك من طرأ عليه الجنون بعد إيمانه وتقواه فإن الله يثيبه ويأجره على ما تقدم من إيمانه وتقواه ولا يحبطه بالجنون الذي ابتلي به من غير ذنبٍ فعله والقلم مرفوع عنه في حال جنونه يعني يقول المجنون الذي يُجن أحياناً ويفيق أحياناً فهذا يُثاب على العمل الصالح الذي يعمله في حال إفاقته ويكون له من ولاية الله بحسب ذلك وكذلك من طرأ عليه الجنون بعد إيمانه وتقواه فإن الله يثيبه ويأجره على ما تقدم من إيمانه وتقواه ولا يحبطه بالجنون الذي ابتلي به من غير ذنبٍ فعله يعني إذا كان الإنسان يعمل الأعمال الصالحة فهو ولي لله ثم طرأ عليه الجنون هذا لا يحبط أعماله السابقة.
فقال المؤلف وعلى هذا فمن أظهر الولاية لله وهو لا يؤدي الفرائض ولا يجتنب المحارم بل قد يأتي بما يناقض ذلك لم يكن لأحد أن يقول إن هذا ولي لله من أظهر الولاية شخص يقول أنه ولي لله لكنه لا يؤدي الفرائض ولا يجتنب المحارم هذا ينبغي ماذا إذا كان لا يؤدي الفرائض فكيف يسمى ولياً لله وهو لا يؤدي الفرائض ولا يجتنب المحارم بل قد يأتي بما يناقض ذلك هذا لا يكون ولياً لله إلا إذا كان مجنوناً من كان متولّهاً من غير جنون أو كان يغيب عقله من جنون تارة ويفيق أخرى ولا يقوم بالفرائض بل يعتقد أنه لا يجب عليه اتباع الرسول فهذا كافر إذا لم يكن مجنوناً لكنه متولّه ويغيب عقله بالجنون تارةً ويفيق أخرى وهو لا يقوم بالفرائض بل يعتقد أنه لا يجب عليه اتباع الرسول فهذا كافر إذا كان متولّه من غير جنون أو كان يغيب عقله وهو لا يقوم بالفرائض بل يعتقد أنه لا يجب عليه اتباع الرسول فهذا كافر ومن اعتقد أن هذا ولي لله فهو كافر شخص يغيب عقله ولا يقوم بالفرائض ولا يعتقد أنه يجب عليه اتباع الرسول هذا كفر ومن قال أنه مؤمن فهو كافر من اعتقد أن هذا ولي لله فهو كافر وإن كان مجنوناً باطناً وظاهراً قد رُفع عنه القلم فهذا المجنون باطناً وظاهراً رُفع عنه القلم فهذا وإن لم يكن معاقباً عقوبة الكافرين فليس هو مستحقاً لما يستحقه أهل الإيمان نعم هذا لا يعاقب لكن أيضاً لا يستحق ما يستحقه أهل الإيمان والتقوى من كرامة الله تعالى فلا يجوز على التقديرين أن يعتقد فيه أحد أنه ولي لله على التقديرين لا يجب أن يُعتقد فيه أحد أنه ولي لله بحسب ذلك وإذا كان له حالة في إفاقته كفر أو نفاق أو كان كافراً أو منافقاً ثم طرأ عليه الجنون فهذا فيه من الكفر والنفاق ما يعاقَب عليه وجنونه لا يُحبط عنه ما يحصل منه حال إفاقته من كفر يقول إذا كان الإنسان مجنون ولكن يفيق أحياناً وإذا أفاق عمل الأعمال الصالحة هذا مؤمن تقي وله من ولاية الله بحسب ذلك وإن كان له حالة إفاقة فيها كفر ونفاق أو كان كافراً أو منافقاً ثم طرأ عليه الجنون فهذا فيه من الكفر والنفاق ما يعاقب وجوباً ولا يحصل له ما حصل في حالة إفاقته من كفر ونفاق بأن يقول الشخص الذي يُجن لكنه يفيق ويعمل العمل الصالح يكون مؤمن تقي ويكون ولياً لله وإن كان إذا أفاق فعل الكفر والنفاق كان كافراً منافقاً ثم طرأ عليه الجنون فهذا يقال له كافر منافق فيه من النفاق ما يُعاقب عليه وجنونه لا يحبط عنه ما يحصل منه في حالة إفاقته من كفر أو نفاق يعني العبرة بالإيمان والتقوى والمجنون الذي لا يصح منه الإيمان والتقوى فلا يقال أنه ولي لله وإذا كان في حال إفاقته يعمل أعمالاً صالحة فهذا مؤمن تقي وإذا كان يعمل في حال إفاقته كفر ونفاق فهذا له ما أراده وجنونه لا يحُبط عنه ما يحصل من حال إفاقته من كفر ونفاق فالمدار على الإيمان والعمل الصالح.
(متن)
قال رحمه الله تعالى:
فَصْلٌ:
وَلَيْسَ لِأَوْلِيَاءِ اللَّهِ شَيْءٌ يَتَمَيَّزُونَ بِهِ عَنْ النَّاسِ فِي الظَّاهِرِ مِنْ الْأُمُورِ الْمُبَاحَاتِ فَلَا يَتَمَيَّزُونَ بِلِبَاسِ دُونَ لِبَاسٍ إذَا كَانَ كِلَاهُمَا مُبَاحًا وَلَا بِحَلْقِ شَعْرٍ أَوْ تَقْصِيرِهِ أَوْ ظَفْرِهِ إذَا كَانَ مُبَاحًا كَمَا قِيلَ: كَمْ مِنْ صِدِّيقٍ فِي قَبَاءٍ وَكَمْ مِنْ زِنْدِيقٍ فِي عَبَاءٍ؛ بَلْ يُوجَدُونَ فِي جَمِيعِ أَصْنَافِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ إذَا لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ الظَّاهِرَةِ وَالْفُجُورِ فَيُوجَدُونَ فِي أَهْلِ الْقُرْآنِ وَأَهْلِ الْعِلْمِ وَيُوجَدُونَ فِي أَهْلِ الْجِهَادِ وَالسَّيْفِ وَيُوجَدُونَ فِي التُّجَّارِ وَالصُّنَّاعِ وَالزُّرَّاعِ.
وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ أَصْنَافَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ فِي قَوْله تَعَالَى إنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ.
وَكَانَ السَّلَفُ يُسَمُّونَ أَهْلَ الدِّينِ وَالْعِلْمِ " الْقُرَّاءَ " فَيَدْخُلُ فِيهِمْ الْعُلَمَاءُ وَالنُّسَّاكُ
الشرح:
هنا هذا الفصل عقده المؤلف ليبين أن أولياء الله لا يتميزون عن غيرهم بلباس ولا بحالة فهم مندمجون مع الناس مع المؤمنين لباسهم مثل لباسهم وحالتهم مثل حالتهم يتعبدّون يصلّون معهم في الجماعة بخلاف الصوفية، الصوفية يميزون يكون له لباس خاص وعلى رأسه أيضاً لباس خاص وكذلك ولا يختلط بالناس ويتعبد في أماكن خفية في الغارات وفي الجبال وفي أماكن، هؤلاء ليسو من أولياء الله وليس لأولياء الله شيء يتميزون به عن الناس في الظاهر من الأمور المباحات فلا يتميزون بلباس دون لباس إذا كان كلاهما مباحاً يعني أولياء الله كغيرهم لا يلبسون بلباس خاص وليس لهم لباس على رأس خاص ولا يتميزون بحلق شعر ولا يتميزون بتقصير شعر أو ظفره إذا كان مباحاً هم لا يتميزون عن الناس وكم متميز عن الناس وهو حية رقشاء متميز عن الناس لكن في بلا ولهذا قال كم من صدّيق في قباء وكم من زنديق في عباء،كم من صدّيق في قباء يعني ثوب القباء ثوب حياة عادي وكم من زنديق في عباء زنديق عليه عباءة ومظهر وهالة عباءة خاصة مخصصة لرؤساء الصوفية فهو زنديق زنديق في عباء وكم من صدّيق صيغة مبالغة.
والزنديق أصلاً كلمة فارسية عرّبت ومعناها الزنديق هو الذي تحلّم هو الذي لم يلتزم بدينه لا يلتزم بالدين هذا يُسمى زنديق ويطلق الزنديق على المنافق الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر يُقال له زنديق وكان في عهد النبي ﷺ المنافق يسمى منافق لأنه يُظهر الإسلام ويبطن الكفر له باطن وهو الكفر وظاهر وهو الإيمان مثل مأخوذ من اليربوع الذي يحفر الأرض له جحران جحر خفي وجحر ظاهر الجحر الظاهر يدخل معه لكن يجعل جحر آخر من جهة أخرى يحفر الجحر حتى إذا رقّ التراب ويبقى التراب فقط تركه فهذا جحر خفي فإذا أتاه أحد من الجحر الذي يدخل معه دفع التراب برأسه فخرج فهذا الجحر الخفي يُقال له النافقاء والجحر الواضح يٌقال له القاصعاء هذا النافقاء له ظاهر وباطن ظاهره أنه تراب وباطنه حفر فكذلك المنافق ظاهره الإيمان وباطنه الكفر هذا الأصل مأخوذ من هذا، هذا الجحر ظاهره تراب لكن باطنه حفر وكذلك المنافق ظاهره إيمان وباطنه كفر هذا المنافق.
ثم صار بعد عصر النبوة يسمى زنديق ثم صار في زمن علماني العلماني هو المنافق والعلمانيون منافقون اصطلاح العلماني هو المنافق الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر ويختفون ويظهرون في أوقات الفتن وينشرون الشر والفساد.
يقول كم من صدّيق في قباء وكم من زنديق في عباء زنديق له هيبة وكذا وله مظهر عليه عباء ولباس خاص وعباءة خاصة هو زنديق.
بل يوجدون في جميع أصناف أمة محمد ﷺ إذا لم يكونوا من أهل البدع الظاهرة والفجور يعني أولياء الله يوجدون في جميع أصناف الناس قد يكون ولي لله وهو مزارع قد يكون ولي لله وهو حدّاد أو نجّار أو جزّار أو بنّاء أو سبّاك أو كهربائي هو من أولياء الله إذا لم يكن عنده بدعة ولا فجور لكن مقدمة أولياء الله هم العلماء العلماء في المقدمة.
لذلك قال النووي رحمه الله قال قد يكون الولي قد يكون في مهنة من المهن فلا يمنع هذا له أعمال ولي لله ومزارع أو نجار أو حداد أو كهربائي أو بنّاء أو يبيع ويشتري أو مزارع هم من أولياء الله وهم من الطائفة المنصورة كما ذكر النووي الطائفة المنصورة لكن مقدمتهم العلماء لهذا قال الإمام إن لم يكونوا من أهل الحديث فلا أدري من هم يعني في مقدمتهم لكن أيضاً يكونوا من غير العلماء ومن الطائفة المنصورة مؤمن ومستقيم على طاعة الله وبنّاء أو جزّار أو سبّاك أو كهربائي هم من أولياء الله ومن الطائفة المنصورة.
ولهذا قال المؤلف رحمه الله بل يوجدون في جميع أصناف أمة محمد ﷺ مثل الأصناف التي ذكرتها لكم بنائين مزارعين إذا لم يكونوا من أهل البدع الظاهرة والفجور فيوجدون في أهل القرآن وأهل العلم ويوجدون في أهل الجهاد والسيف ويوجدون في التجّار والصنّاع والزرّاع يعني الأولياء والطائفة المنصورة يوجدون في أهل القرآن وأهل العلم العلماء أولياء الله العلماء يوجدون في أهل العلم وهذا في المقدمة وكذلك الطائفة المنصورة ويوجدون في أهل الجهاد والسيف المجاهدين أيضاً ويوجدون في التجار تاجر هم من أولياء الله وهم أيضاً من الطائفة المنصورة والصنّاع والزرّاع جميع أنواع الصناعات.
قال المؤلف وقد ذكر الله أصناف أمة محمد ﷺ في قوله تعالى إنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ. يعني صلّوا ما تيسر من الليل هذا الصنف الأول المصلون الصنف الأول الذين يصلون، يصلون الليل عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى هذا الصنف الثاني مرضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ هؤلاء المجاهدون صنف ثالث يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ.
فبين أن هؤلاء قد يكونوا من المؤمنين قد يكونوا من أولياء الله وهو مريض أو يصلي أو مجاهد.
وكان السلف يسمّون أهل الدين والعلم القرّاء يسمونهم القرّاء لأنهم كانوا على عهد النبي ﷺ يتعلمون القرآن ويتعلمون معانيه كما قال عبد الرحمن السرّي حدثّنا الذين يقرؤون القرآن عبد الله بن مسعود وعثمان بن عفان أنهم كانوا إذا تعلّموا من النبي ﷺ عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا معانيها ويتعاملوا بها قالوا فتعلّمنا العلم والعمل جميعاً، فكان أهل السلف يسمّون أهل الدين والعلم القرّاء.
وفق الله الجميع