شعار الموقع

شرح كتاب الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان_11 من بيان أن الأنبياء أفضل الأولياء إلى الرد على الفلاسفة في صفات الملائكة

00:00
00:00
تحميل
134

(الشيخ)

تفرقاً معصوما وألا يجعل فينا ولا منا شقياً ولا محروماً، كما أسأله أن يرزقنا جميعاً العلم النافع والعمل الصالح وأن يجعل جمعنا هذا جمع خير وعلم ورحمة تنزل عليه السكينة وتغشاه الرحمة وتحفه الملائكة ويذكره الله فيمن عنده.

فقد ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي ﷺ قال : مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ تَعَالَى، يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ فهذه فضائل مجالس الذكر تنزل عليه السكينة وتغشاه الرحمة وتحفه الملائكة ويذكرها الله فيمن عنده وما ذلك إلا لأن مجالس الذكر يتعلم فيها كلام الله وكلام رسوله ﷺ، الله تعالى أنزل كتابه العظيم هداية للناس ونوراً وضياء يستضيئون به يترسمون خطى نبيهم ﷺ ويعملون بكتاب ربهم وسنة نبيهم محمد ﷺ، يصدقون الأخبار وينفذون الأحكام وهذا هو معنى إعلاء كلمة الله.

الله تعالى فرض الجهاد لإعلاء كلمة الله ، كلمة الله إما خبر وإما أمر، فالخبر يصدق والأمر ينفذ، فما أخبر الله به عن نفسه من أسمائه وصفاته وأفعاله وما أخبر به عن رسله وأنبيائه السابقين وما أخبر به عن خلق السماوات والأرض وما أخبر به فيما يكون في آخر الزمان في كتابه وعلى لسان رسوله ﷺ وما أخبر به مما يكون في يوم القيامة وفي البرزخ من عذاب القبر ونعيمه وسؤال منكر ونكير ومن البعث والحشر والنشر والصراط والميزان والحوض والجنة والنار كل هذه أخبار تصدق يجب علينا أن نصدقها، وما جاء من الأوامر والنواهي فإن الإنسان فإن المسلم ينفذها في هذا يكون الإنسان مسلماً أن يصدق خبر الله أن يصدق الأخبار وينفذ الأحكام.

وبهذا تميز العلماء، فصاروا العلماء لهم ميزة على غيرهم لأنهم تعلموا كتاب الله وسنة رسوله ﷺ وعملوا به وعلموه الناس فصاروا من أسماء الرسل من أئمة الهدى فالأنبياء هم قدوة الناس والعلماء وهم أعلم الناس بالله، والعلماء يتبعون الأنبياء ويقتدون بهم ويترسمون خطاهم فهم، خير الناس خير الناس العلماء العاملون لأنهم يضيئون للناس الطريق وإن كان الناس يؤثرون عليهم ويؤذون كثيرا منهم لكن أثرهم على الناس طيب وأثر الناس عليهم سيء كما قال الإمام أحمد رحمه الله في قدوة كتابه: (ما أحسن أثرهم على الناس) يعني العلماء (وما أقبح  أثر الناس عليهم) ما أحسن أثرهم على الناس ينصحون الناس ويرشدونهم ويدلونهم على الطريق ويبينون لهم ما شرع الله في كتابه وعلى لسان الرسول ﷺ والناس يؤذونهم ويسبونهم وقد يقتلونهم حتى الأنبياء قال الله تعالى: فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ قال عن بني إسرائيل: فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ. قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ.

 فلذلك ينبغي للمسلم أن يحرص على تعلم العلم وعلى طلب العلم مادام في زمنهم هذا وفي وقت الشباب حتى يكون من هؤلاء السادة وهؤلاء العلماء الأفاضل من أتباع الرسل فإنهم على الصراط المستقيم الذي أمر الله بسلوكه وأمر كل مسلم أن يسأل الله أن يهديه الصراط المستقيم  صراط المنعم عليهم هو المنعم عليهم  الذين منَ الله عليهم  بالعلم والعمل، أما المغضوب عليهم هم الذين تعلموا ولكن لم يعملوا كاليهود وأشباههم  وأما الضالون فهم الذين يتعبدون على جهل وضلال ولهذا قسم الله تعالى في سورة الفاتحة.

الناس ثلاث طوائف: منعم عليهم ومغضوب عليهم وضالون، وأُمر المسلم أن يدعو الله بهذا الدعاء العظيم الذي هو أعظم دعاء وأنفع دعاء  وأجمع دعاء وحاجة الإنسان إليه أعظم من حاجته إلى الطعام والشراب بل أعظم من حاجته إلى النفس الذي تتردد بين جنبي الإنسان لأن الإنسان إذا فقد الطعام والشراب والنفس مات، مات الجسد والموت لا بد منه عاجلاً أو آجلاً  ولا يضر الإنسان الموت إذا مات على التوحيد وعلى الاستقامة وعلى الطاعة، لكن إذا فقد الهداية مات روحه وجسده وصار إلى النار.

ومن هنا شدة حاجتنا إلى هذا الدعاء أمرنا ربنا سبحانه أن ندعو بهذا الدعاء في كل يوم في اليوم والليلة سبع عشرة مرة في الفرائض عدا النوافل اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ۝ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ.

والنبي ﷺ كان يستفتح بهذا الاستفتاح في صلاة الليل كما في حديث عائشة كما ثبت في صحيح مسلم أن النبي ﷺ كان إذا صلى من الليل استفتح بهذا الاستفتاح: اللهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ، وَمِيكَائِيلَ، وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ نسأل الله أن يهدينا الصراط المستقيم وأن يدلنا على الصراط المستقيم وأن يثبتنا على الصراط المستقيم  حتى الممات  وهو القادر عليه نبدأ الدرس.

(الطالب)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا والسامعين، قال.

(الشيخ)

وقفنا العام الماضي على ما يقارب الصفحة نتقدم قبلها بصفحتين أو ثلاث من أول فصل أو أربع حتى يكون الكلام مرتبط ببعضه البعض صفحة مائتين وثلاثة بالطبعة عندي بعنوان الأنبياء أفضل من الأولياء الذين ليسوا بأنبياء صفحة 203 في الطبعة هذه التي عندي طبعة تحقيق فاروق حسن التركي بعنوان الفصل : ( الأنبياء أفضل من الأولياء الذين ليسوا بأنبياء) نعم.

(المتن)

قال رحمه الله تعالى:
 

فَصْلٌ:

وَقَدْ اتَّفَقَ سَلَفُ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا وَسَائِرُ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ أَفْضَلُ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ الَّذِينَ لَيْسُوا بأنبياء وَقَدْ رَتَّبَ اللَّهُ عِبَادَهُ السُّعَدَاءَ الْمُنْعَمَ عَلَيْهِمْ " أَرْبَعَ مَرَاتِبَ " فَقَالَ تَعَالَى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا.

(الشرح)

فالأولياء عام كل مؤمن تقي فهو ولي لله كل مؤمن فهو من أولياء الله والناس يتفاوتون في الولاية بحسب تحقيق الإيمان والتقوى وفي مقدمة الأولياء الأنبياء والرسل فالرسل أفضل الأولياء فالرسول أفضل من الولي الذي ينسب إلى الرسول.

والناس أربع مراتب رتبهم الله كما في سورة النساء الأنبياء ثم الصديقون ثم الشهداء ثم الصالحون هذه أربع مراتب فالأنبياء الذين اختارهم الله واجتباهم بالنبوة والرسالة ثم الصديقون الصديق جمع صديق وهو فعيل وهو الذي قوي إيمانه وتصديقه حتى أحرق الشبهات والشهوات فلا يصر على معصية وفي مقدمة الصديقين والأكبر أبو بكر  ثم الشهداء جمع شهيد وهو المقتول في المعركة لإعلاء كلمة الله باع نفسه لله أغلى ما يملكه روحه التي بين جنبيه باعها لله ثم الصالحون على تفاوت فيما بينهم، نعم.

(المتن)

قال رحمنا الله وإياه:
 

وَفِي الْحَدِيثِ: مَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ وَلَا غَرَبَتْ عَلَى أَحَدٍ بَعْدَ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ أَفْضَلَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ.

وَأَفْضَلُ الْأُمَمِ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ ﷺ.

(الشرح)

لأنه صديق هذه الأمة وأفضل الصديقين، صديق هذه الأمة أبو بكر وهذا يدل على مرتبة الصديق أفضل من مرتبة الشهيد، نعم.

(المتن)

وَأَفْضَلُ الْأُمَمِ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ ﷺ. قَالَ تَعَالَى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، وَقَالَ تَعَالَى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا، وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي فِي الْمُسْنَدِ أَنْتُمْ تُوَفُّونَ سَبْعِينَ أُمَّةً أَنْتُمْ خَيْرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ.

(الشرح)

وهذا من فضل الله تعالى وإحسانه على هذه الأمة أفضل الأمم أمة محمد ﷺ والآية صريحة في كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ.

وأما ما جاء من تفضيل بني إسرائيل وأنهم أفضل الناس فالمراد في زمانهم قبل بعثة محمد ﷺ، وقال تعالى: وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ يعني المراد على عالم زمانهم، فبنو إسرائيل فضلوا على العالمين على عالم زمانهم قبل مجيء هذه الأمة فلما جاءت هذه الأمة صارت أفضل من بني إسرائيل قول الله تعالى في القرآن: وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ بني إسرائيل وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ  يعني على عالم زمانهم على عالم زمانهم قبل مجيء محمد وأمته فلما جاء محمد وأمته صارت هذه الأمة أفضل الأمم وأفضل من بني إسرائيل والحمد لله على ذلك، ولهذا قال النبي: أَنْتُمْ تُوَفُّونَ سَبْعِينَ أُمَّةً أَنْتُمْ خَيْرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ.

وقال: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا هذا الاصطفاء، الذين اصطفاهم الله ثلاثة أصنافهم: ظالم لنفسه ومقتصد وسابق بالخيرات.

فالسابق بالخيرات هو الذي يؤدي الواجبات والمستحبات ويترك المحرمات والمكروهات والتوسع في المباحات.

والمقتصد والثاني المقتصدون هم الذين أدوا الواجبات فقط ولم يكن لهم نشاط في فعل المستحبات والنوافل وتركوا المحرمات فقط ولم يكن لهم نشاط في ترك المكروهات كراهة التنزيه قد يفعلونها ويتوسعوا في المباحات وكل من الصنفين يدخل الجنة من أول وهلة.

والصنف الثالث: الظالمون لأنفسهم الذين قصروا في بعض الواجبات وفعلوا بعض المحرمات هؤلاء موحدون ماتوا على التوحيد لكن عندهم نقص فلهذا منهم من يعذب ومنهم من يعفى عنه ومنهم من يصيبه الأهوال والشدائد يوم القيامة ومنهم من يشفع فيه ولكن مآلهم إلى الجنة والسلامة وهم من المصطفين اصطفاهم الله فلم يقعوا في الشرك اصطفاهم الله فكانوا من أهل التوحيد.

فالذين اصطفاهم الله ثلاثة أصناف ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ۖ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ. نعم.

(المتن)

قال رحمه الله تعالى:

وَأَفْضَلُ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ الْقَرْنُ الْأَوَّلُ. وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أَنَّهُ قَالَ: خَيْرُ الْقُرُونِ الْقَرْنُ الَّذِي بُعِثْت فِيهِ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ وَهَذَا ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا عَنْهُ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ.

(الشرح)

نعم هذا فيه بيان فضيلة أمة محمد ﷺ وأن أفضلها القرون الثلاثة المفضلة القرون الثلاثة القرن الأول وهم الذين بعثوا مع النبي ﷺ ثم القرن الذين يلونهم القرن التابعين ثم الذين يلونهم وهم قرن التابع التابعين، هؤلاء القرون الثلاثة هم أفضل قرون هذه الأمة والخير فيهم كثير وإن كان وجد بعض الشر وبعض البدع إلا أنها مغمورة والقوة لأهل السنة ولأهل الحق والخلافة فيها قوية  ثم بعد ذلك حصل النقص والضعف بعد هذه القرون الثلاثة ولهذا ثبت في هذا الحديث : خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ فالقرون المفضلة ثلاثة.

وأما قول النبي ﷺ : لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ. فهذا فيه بيان فضل الصحابة فالقرن الأول أفضل القرون الثلاثة وهم الصحابة وهذا الخطاب في قوله ﷺ : لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي خطاب لبعض الصحابة ممن تأخرت صحبته فهو خطاب لخالد بن الوليد وذلك أنه حصل بين خالد بن الوليد وعبد الرحمن بن عوف سوء تفاهم في الكلام وعبد الرحمن بن عوف من السابقين الأولين الذين أسلموا قبل صلح الحديبية.

فالصواب أن الحد الفاصل بين السابقين الأولين هو صلح الحديبية  فمن أسلم قبل صلح الحديبية فهو من السابقين الأولين، ومن أسلم بعدها فهو ليس منهم.

فخالد بن الوليد أسلم بعد صلح الحديبية وعبد الرحمن بن عوف من السابقين الأولين فلما حصل سوء تفاهم بينهما النبي ﷺ خاطب خالد بن الوليد وقال له: لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي  يعني لا تسبوا أصحابي الذين تقدمت صحبتهم وإلا فخالد صحابي لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي. الذين تقدمت صحبتهم فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ يعني أيها المتأخرون من الصحابة نفقة صدقة مثل أحد تصدق بها وأنفق المتقدم كعبد الرحمن بن عوف مدّ وهو ملء الكف ملء كف الرجل المتوسط أو نصف الكف ما لحقه لو أنفق عبد الرحمن بن عوف كف مثل كف أو نصفه وأنفق خالد مثل أحد ما لحق خالد عبد الرحمن بن عوف  التفاضل بين ماذا ؟ بين الصحابة أنفسهم فكيف بمن بعدهم؟

 لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ أيها المتأخرون صحبة مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ. والمد ملء كف الرجل المتوسط و النصيف يعني نصف المد فما الفرق بين التابعي والصحابي  وما الفرق بين التابعي ومن بعدهم ولهذا مزية الصحبة هذه ميزة عظيمة خاصة بالصحابة لا يلحقهم من بعدهم إلى يوم القيامة.

ولهذا لما أراد بعض  الناس أن يقارن بين عمر بن عبد العزيز ومعاوية بن أبي سفيان، عمر بن عبد العزيز معروف ورعه ومعاوية صحابي فقال صحيح عبد الرحمن عمر عادل ورع ولكن لكن معاوية صحابي فالغبار الذي دخل في أنف معاوية في جهاده مع النبي ﷺ يعدل بورع عمر عبد العزيز وعدله يعني أن المعنى أن ميزة الصحبة لا يلحقهم من بعدهم وإن كان بعض المتأخرين من الصحابة قد يزيد أو يفوق بعض الصحابة في العبادة أو في الطاعة لكن مزية الصحبة ما أحد يلحق لا أحد يلحق الصحابة في جهادهم مع رسول الله ﷺ  وكونهم صحبوا النبي ﷺ وشاهدوه وشاهدوا القرآن ينزل والنبي ﷺ بين أنظرهم يفسر لهم ويسألوه عما أشكل عليهم  وجاهدوا مع رسول الله ونشروا دين الله في مشارق الأرض ومغاربها فأفلحوا ونجحوا هذه مزايا وفضائل لا يلحق الصحابة من بعدهم، نعم.

(المتن)

قال رحمه الله تعالى:

وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ أَفْضَلُ مِنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ قَالَ تَعَالَى: لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَقَالَ تَعَالَى: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلُوا وَالْمُرَادُ بِالْفَتْحِ صُلْحُ الْحُدَيْبِيَةِ فَإِنَّهُ كَانَ أَوَّلَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَفِيهِ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى إنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا ۝ لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَفَتْحٌ هُوَ قَالَ: نَعَمْ.

(الشرح)

نعم هذا السابقون الأولون هم الذين أنفقوا من قبل الفتح.

والفتح فتحان:

الفتح الأول صلح الحديبية سماه الله فتحاً أنزل فيه: إنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا وذلك لما يعقبه من نصر لأنه بعد صلح الحديبية وضعت الحرب أوزارها واختلط الكفار بالمسلمين وسمعوا القرآن وأسلم جم غفير وتفرغ النبي ﷺ للكتابة لأمراء القبائل و العشائر  ومصالحة اليهود وحصل خير كثير ثم نقض بعد سنتين نقض المشركون العهد فغزاهم النبي ﷺ في عقر دارهم في مكة.

فلما فتحت مكة جاء الفتح الثاني قال تعالى وأنزل الله تعالى : إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ هذا فتح مكة وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا ۝ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ ۚ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا.

 فالفتح فتحان الفتح الأول صلح الحديبية نزل فيه : إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا والفتح الثاني فتح مكة أنزل الله فيه إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ.

ولهذا لما سئل النبي ﷺ في صلح الحديبية قالوا: أوفتح هو؟ قال: نَعَمْ. لما يعقبه من النصر والخير العظيم من دخول الناس في دين الله ومن سماع الناس للقرآن ومن وضع الحرب أوزارها ومن تفرغ النبي ﷺ للغزو والجهاد ومصالحة اليهود.

وقيل المراد بالسابقين الأولين الذين صلوا إلى القبلتين وهذا قول ضعيف الذين صلوا إلى القبلتين لأنه لأمرين الأمر الأول أنه ليس هنالك دليل يدل على أن هناك فضل لمن صلى إلى القبلة المنسوخة والأمر الثاني وعلى هذا يكون السابقون الأولون قلة عدد قليل لأن النبي ﷺ توجه لما هاجر إلى المدينة وجهه الله إلى بيت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً ثم وُجه إلى الكعبة فيكون العدد قليل لكن الصواب أن المراد بالسابقين الأولين الذين أسلموا بعد صلح الحديبية أنفقوا قبل الفتح وقاتلوا نعم قبل صلح الحديبية نعم.

(المتن)

قال رحمه الله تعالى:

وَأَفْضَلُ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ " الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ " وَأَفْضَلُهُمْ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ وَأَئِمَّةِ الْأُمَّةِ وَجَمَاهِيرِهَا وَقَدْ دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ دَلَائِلُ بَسَطْنَاهَا فِي " مِنْهَاجِ أَهْلِ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ فِي نَقْضِ كَلَامِ أَهْلِ الشِّيعَةِ وَالْقَدَرِيَّةِ ".

(الشرح)

نعم أفضل السابقين الأولين الخلفاء الأربعة أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، هذا هو الصواب الذي عليه الجماهير وأن ترتيبهم في الفضيلة كترتيبهم في الخلافة هذا هو الصواب ثم يليهم بقية العشرة المبشرين بالجنة ستة ثم يليهم أهل بدر ثم يليهم أهل بيعة الرضوان وأهل أحد على خلاف بين العلماء في الترتيب، نعم.

(المتن)

قال رحمه الله:

وَبِالْجُمْلَةِ اتَّفَقَتْ طَوَائِفُ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ عَلَى أَنَّ أَفْضَلَ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا وَاحِدٌ مِنْ الْخُلَفَاءِ وَلَا يَكُونُ مِنْ بَعْدِ الصَّحَابَةِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَأَفْضَلُ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَعْظَمُهُمْ مَعْرِفَةً بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ ﷺ وَاتِّبَاعًا لَهُ كَالصَّحَابَةِ الَّذِينَ هُمْ أَكْمَلُ الْأُمَّةِ فِي مَعْرِفَةِ دِينِهِ وَاتِّبَاعِهِ وَأَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ أَكْمَلُ مَعْرِفَةً بِمَا جَاءَ بِهِ وَعَمَلًا بِهِ فَهُوَ أَفْضَلُ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ إذْ كَانَتْ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ ﷺ أَفْضَلَ الْأُمَمِ وَأَفْضَلُهَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ ﷺ وَأَفْضَلُهُمْ أَبُو بَكْرٍ .

(الشرح)

نعم هذا متفق عليه كما ذكر المؤلف أفضل الأمة بعد نبيها هؤلاء الأربعة وأفضلهم وهم أفضل أولياء الله لأنهم أعظم معرفة بالله واتباعاً له وأكملهم في هذا الإيمان والاتباع أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي فهم أفضل أولياء الله، نعم.

(المتن)

قال رحمه الله تعالى:

وَقَدْ ظَنَّ طَائِفَةٌ غالطة أَنَّ " خَاتَمَ الْأَوْلِيَاءِ " أَفْضَلُ الْأَوْلِيَاءِ قِيَاسًا عَلَى خَاتَمِ الْأَنْبِيَاءِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ أَحَدٌ مِنْ الْمَشَايِخِ الْمُتَقَدِّمِينَ بِخَاتَمِ الْأَوْلِيَاءِ إلَّا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ فَإِنَّهُ صَنَّفَ مُصَنَّفًا غَلِطَ فِيهِ فِي مَوَاضِعَ ثُمَّ صَارَ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ يَزْعُمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ خَاتَمُ الْأَوْلِيَاءِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَدَّعِي أَنَّ خَاتَمَ الْأَوْلِيَاءِ أَفْضَلُ مِنْ خَاتَمِ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ جِهَةِ الْعِلْمِ بِاَللَّهِ وَأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ يَسْتَفِيدُونَ الْعِلْمَ بِاَللَّهِ مِنْ جِهَتِهِ كَمَا يَزْعُمُ ذَلِكَ ابْنُ عَرَبِيٍّ صَاحِبُ " كِتَابِ الْفُتُوحَاتِ الْمَكِّيَّةِ " وَ " كِتَابِ الْفُصُوصِ " فَخَالَفَ الشَّرْعَ وَالْعَقْلَ مَعَ مُخَالَفَةِ جَمِيعِ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَوْلِيَائِهِ كَمَا يُقَالُ لِمَنْ قَالَ: فَخَرَّ عَلَيْهِمْ السَّقْفُ مِنْ تَحْتِهِمْ لَا عَقْلَ وَلَا قُرْآنَ.

(الشرح)

نعم، المؤلف بين أن غلط طائفة من الصوفية  زعموا أن خاتم الأولياء أفضل من خاتم  أن خاتم الأنبياء يكون أفضل الأولياء وقال الأولياء لهم خاتم كما أن الأنبياء لهم خاتم وتكلم في هذا محمد بن علي الحكيم الترمذي صنف كتاباً بيّن فيه هذا.

وكذلك أيضاً ابن عربي رئيس وحدة الوجود ادعى أنه خاتم الأولياء كما أن محمداً خاتم الأنبياء وقال إن خاتم الأنبياء يستفيد من خاتم الأولياء في الباطن أفضل يعني خاتم الأنبياء أفضل من خاتم الأنبياء في الظاهر وخاتم الأولياء أفضل من خاتم الأنبياء في الباطن وزعم أن خاتم الأنبياء يستفيد من خاتم الأولياء وقال إن خاتم الأنبياء يأخذ العلم عن الله بواسطة جبريل وأما خاتم الأولياء خاتم الأنبياء يعني نفسه فلا يحتاج إلى واسطة بل يأخذ من المعدن الذي يأخذ منه جبريل وهذا كفر وضلال لأن ابن عربي رئيس وحدة الوجود يدعي أنه خاتم الأولياء وأنه أفضل من محمد ﷺ وهذا كفر وضلال هذا كفر وضلال.

وله كتاب فصوص الحكم وكتاب الفتوحات المكية ويعارض القرآن ويأتي بالقصص القرآني يقول فص قصة ( ... 26:26) وهكذا ويعارضها ويعارض القرآن معارضة كفرية نسأل الله السلامة والعافية.

فهذا ابن عربي رئيس وحدة الوجود هكذا يزعم أنه أفضل من خاتم الأنبياء وقال: إن خاتم الأنبياء تابع لخاتم الأولياء في الباطن وخاتم الأولياء تابع لخاتم الأنبياء في الظاهر وقال إن النبي ﷺ لما قال في الحديث الصحيح: مَثَلِي وَمَثَلَ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي، كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بَيْتًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ، إِلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ، وَيَعْجَبُونَ لَهُ، وَيَقُولُونَ هَلَّا وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ؟ قَالَ: فَأَنَا اللَّبِنَةُ وَأَنَا خَاتِمُ النَّبِيِّينَ. قال إن خاتم الأولياء لا بد أن يرى مثل هذه الرؤية ويرى أن هذا البيت مكون من لبنتين لبنة فضة ولبنة ذهب وأنه يرى نفسه تنطبع في اللبنة الذهبية كما أن خاتم الأنبياء تنطبع نفسه في اللبنة الفضية وهكذا معارضة نسأل الله العافية.

وهذا كفر وضلال ابن عربي معروف أنه رئيس وحدة الوجود ابن عربي الطائي نعم فهذا يقال يقول المؤلف كلام ابن عربي مخالف للشرع والعقل ومخالف لجميع الأنبياء كما يقال لمن قال: فخر عليهم السقف من تحتهم قال لا عقل ولا نقل لا عقل ولا قرآن خلص القرآن وخلص العقل ما عندك عقل، كيف السقف يخر من تحت أم من فوق؟ السقف من فوق هذا معروف في العقل  فيقول خر عليهم السقف من تحتهم هذا خالف العقل وخالف النقل فكذلك ابن عربي خالف العقل والنقل، نعم.

(المتن)

قال رحمه الله تعالى:

ذَلِكَ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ أَفْضَلُ فِي الزَّمَانِ مِنْ أَوْلِيَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَالْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمْ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ أَفْضَلُ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ فَكَيْفَ الْأَنْبِيَاءُ كُلُّهُمْ؟ وَالْأَوْلِيَاءُ إنَّمَا يَسْتَفِيدُونَ مَعْرِفَةَ اللَّهِ مِمَّنْ يَأْتِي بَعْدَهُمْ وَيَدَّعِي أَنَّهُ خَاتَمُ الْأَوْلِيَاءِ وَلَيْسَ آخِرُ الْأَوْلِيَاءِ أَفْضَلَهُمْ كَمَا أَنَّ آخِرَ الْأَنْبِيَاءِ أَفْضَلُهُمْ؛ فَإِنَّ فَضْلَ مُحَمَّدٍ ﷺ ثَبَتَ بِالنُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ كَقَوْلِهِ ﷺ أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلَا فَخْرَ. وَقَوْلِهِ: آتِي بَابَ الْجَنَّةِ فَأَسْتَفْتِحُ، فَيَقُولُ الْخَازِنُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَأَقُولُ مُحَمَّدٌ، فَيَقُولُ بِك أُمِرْت أَنْ لَا أَفْتَحَ لِأَحَدِ قَبْلَك. وَ " لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ " رَفَعَ اللَّهُ دَرَجَتَهُ فَوْقَ الْأَنْبِيَاءِ كُلِّهِمْ فَكَانَ أَحَقَّهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ. إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الدَّلَائِلِ.

(الشرح)

يعني يقول مما يدل على فساد قول ابن عربي إن الأنبياء يستفيدون من الأولياء يقول الأنبياء سبقوا ابن عربي سبقوه قبل أن يوجد ابن عربي فكيف الأنبياء يستفيدون منه وهو عدم هو عدم كان في حيز العدم والأنبياء موجودون ابن عربي متأخر، الأنبياء الرسل آدم و نوح وهود وصالح وشعيب وإبراهيم وموسى عليهم السلام كلهم موجودون قبل ابن عربي كيف يستفيدون منه؟ كيف يستفيدون منه؟ أين العقل هذا يدل على فساد قوله وكفره وضلاله بخلاء وليس هناك دليل يدل على أنه آخر الأولياء ويزعم أنه آخر الأولياء يقول خاتم الأولياء لا يوجد دليل أما خاتم الأنبياء وهو محمد ﷺ الأدلة واضحة  كما ذكر المؤلف أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلَا فَخْرَ. أَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ لَا نَبِيَّ بَعْدِي وفي القرآن وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ نعم.

(المتن)

قال رحمه الله تعالى:

والأنبياء كُلٌّ مِنْهُمْ يَأْتِيه الْوَحْيُ مِنْ اللَّهِ لَا سِيَّمَا مُحَمَّدٌ ﷺ لَمْ يَكُنْ فِي نُبُوَّتِهِ مُحْتَاجًا إلَى غَيْرِهِ فَلَمْ تَحْتَجْ شَرِيعَتُهُ إلَى سَابِقٍ وَلَا إلَى لَاحِقٍ؛ بِخِلَافِ الْمَسِيحِ أَحَالَهُمْ فِي أَكْثَرِ الشَّرِيعَةِ عَلَى التَّوْرَاةِ وَجَاءَ الْمَسِيحُ فَكَمَّلَهَا.

وَلِهَذَا كَانَ النَّصَارَى مُحْتَاجِينَ إلَى النُّبُوَّاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى الْمَسِيحِ: كَالتَّوْرَاةِ وَالزَّبُورِ وَتَمَامِ الْأَرْبَعِ وَعِشْرِينَ نُبُوَّةً وَكَانَ الْأُمَمُ قَبْلَنَا مُحْتَاجِينَ إلَى مُحَدَّثِينَ؛ بِخِلَافِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ فَإِنَّ اللَّهَ أَغْنَاهُمْ بِهِ فَلَمْ يَحْتَاجُوا مَعَهُ إلَى نَبِيٍّ وَلَا إلَى مُحَدَّثٍ؛ بَلْ جُمِعَ لَهُ مِنْ الْفَضَائِلِ وَالْمَعَارِفِ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ مَا فَرَّقَهُ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ؛ فَكَانَ مَا فَضَّلَهُ اللَّهُ بِهِ مِنْ اللَّهِ بِمَا أَنْزَلَهُ إلَيْهِ وَأَرْسَلَهُ إلَيْهِ لَا بِتَوَسُّطِ بَشَرٍ.

وَهَذَا بِخِلَافِ " الْأَوْلِيَاءِ " فَإِنَّ كُلَّ مَنْ بَلَغَهُ رِسَالَةُ مُحَمَّدٍ ﷺ لَا يَكُونُ وَلِيًّا لِلَّهِ إلَّا بِاتِّبَاعِ مُحَمَّدٍ ﷺ وَكُلُّ مَا حَصَلَ لَهُ مِنْ الْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ هُوَ بِتَوَسُّطِ مُحَمَّدٍ ﷺ وَكَذَلِكَ مَنْ بَلَغَهُ رِسَالَةُ رَسُولٍ إلَيْهِ لَا يَكُونُ وَلِيًّا لِلَّهِ إلَّا إذَا اتَّبَعَ ذَلِكَ الرَّسُولَ الَّذِي أُرْسِلَ إلَيْهِ.

وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ

(الشرح)

نعم، هذا فيه بيان أن شريعة محمد ﷺ شريعة كاملة لا تحتاج إلى شريعة سابقة ولا إلى شريعة لاحقة بخلاف شريعة الإنجيل كتاب الإنجيل فإنه محتاج تكملة للتوراة وكذلك التوراة كُمّلت بالإنجيل فهذه الأمة لا تحتاج إلى نبوة سابقة ولا تحتاج أيضاً إلى محدثين، كان الأمم السابقة فيهم محدثين والمحدث هو الملهم الذي يلهم فهذه الشريعة ليس فيها .. كاملة شريعة نبينا محمد ﷺ لا تحتاج إلى شريعة سابقة ولا إلى شريعة لاحقة ولا تحتاج إلى محدث وملهم بخلاف الشرائع السابقة فإنها محتاجة إلى قد تكون مثلاً إلى ما قبلها أو إلى ما بعدها محتاجة إلى محدثين أما هذه الشريعة فهي كاملة ونبينا ﷺ أعطاه الله من الفضائل ما فاق به جميع البشر فضله على سائر الأنبياء والمرسلين، نعم.

وأما الأولياء السابقين فلا يكون وكذلك الأولياء من أهل الأمة لا يكون لا يمكن أن يكون ولياً إلا إذا اتبع النبي ﷺ  من لم يتبع الرسول فليس بولي بل هو كافر من لم يتبع الرسول وخالف النبي ﷺ وعاداه هذا لا يكون ولياً فلا يكون ولياً إلا من اتبع النبي ﷺ لأن الطرق سدت الموصلة إلى الله إلا من طريق النبي ﷺ ، نعم.

(المتن)

قال رحمه الله تعالى:

وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ الَّذِينَ بَلَغَتْهُمْ رِسَالَةُ مُحَمَّدٍ ﷺ مَنْ لَهُ طَرِيقٌ إلَى اللَّهِ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى مُحَمَّدٍ فَهَذَا كَافِرٌ مُلْحِدٌ وَإِذَا قَالَ: أَنَا مُحْتَاجٌ إلَى مُحَمَّدٍ فِي عِلْمِ الظَّاهِرِ دُونَ عِلْمِ الْبَاطِنِ أَوْ فِي عِلْمِ الشَّرِيعَةِ دُونَ عِلْمِ الْحَقِيقَةِ؛ فَهُوَ شَرٌّ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الَّذِينَ قَالُوا: إنَّ مُحَمَّدًا رَسُولٌ إلَى الْأُمِّيِّينَ دُونَ أَهْلِ الْكِتَابِ. فَإِنَّ أُولَئِكَ آمَنُوا بِبَعْضِ وَكَفَرُوا بِبَعْضِ فَكَانُوا كُفَّارًا بِذَلِكَ.

وَكَذَلِكَ هَذَا الَّذِي يَقُولُ إنَّ مُحَمَّدًا بُعِثَ بِعِلْمِ الظَّاهِرِ دُونَ عِلْمِ الْبَاطِنِ آمَنَ بِبَعْضِ مَا جَاءَ بِهِ وَكَفَرَ بِبَعْضِ فَهُوَ كَافِرٌ وَهُوَ أَكْفَرُ مِنْ أُولَئِكَ؛ لِأَنَّ عِلْمَ الْبَاطِنِ الَّذِي هُوَ عِلْمُ إيمَانِ الْقُلُوبِ وَمَعَارِفِهَا وَأَحْوَالِهَا هُوَ عِلْمٌ بِحَقَائِقِ الْإِيمَانِ الْبَاطِنَةِ وَهَذَا أَشْرَفُ مِنْ الْعِلْمِ بِمُجَرَّدِ أَعْمَالِ الْإِسْلَامِ الظَّاهِرَةِ.

فَإِذَا ادَّعَى الْمُدَّعِي أَنَّ مُحَمَّدًا ﷺ إنَّمَا عَلِمَ هَذِهِ الْأُمُورَ الظَّاهِرَةَ دُونَ حَقَائِقِ الْإِيمَانِ؛ وَأَنَّهُ لَا يَأْخُذُ هَذِهِ الْحَقَائِقَ عَنْ الْكِتَاب وَالسُّنَّةِ فَقَدْ ادَّعَى أَنَّ بَعْضَ الَّذِي آمَنَ بِهِ مِمَّا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ دُونَ الْبَعْضِ الْآخَرِ وَهَذَا شَرٌّ مِمَّنْ يَقُولُ: أُؤْمِنُ بِبَعْضِ وَأَكْفُرُ بِبَعْضِ وَلَا يَدَّعِي أَنَّ هَذَا الْبَعْضَ الَّذِي آمَنَ بِهِ أَدْنَى الْقِسْمَيْنِ.

(الشرح)

نعم يعني يقول المؤلف رحمه الله : إن من زعم أن له طريق يوصله إلى الله عن طريق النبي ﷺ فهذا كافر بإجماع المسلمين لأن شريعة النبي ﷺ عامة وليس لأحد الخروج عن شريعة النبي ﷺ بخلاف موسى فإن الخضر وسعه أن يخرج عن شريعة موسى لأنه موسى ليس مرسلاً إليه موسى ليس عام رسالة عامة وإنما خاصة ببني إسرائيل وأما رسالة النبي ﷺ فهي عامة، فمن زعم أنه يسعه الخروج عن شريعة محمد ﷺ كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى فقد كفر، في فرق لأن شريعة موسى ليست عامة بل خاصة ببني إسرائيل والخضر ليس مكلفاً باتباع موسى بخلاف شريعة النبي ﷺ فهي عامة وكل واحد مكلف باتباع شريعة النبي ﷺ.

ومن قال إنه يحتاج من الصوفية يحتاج إلى محمد في علم الظاهر دون علم الباطن فهو أكفر من اليهود الذين يقولون إن رسالة محمد خاصة بالعرب لماذا لأن الذي يقول محتاج إلى محمد ﷺ  في علم الظاهر معناه علم الباطن أشرف من علم الظاهر فجعل محتاج إلى النبي في أدنى القسمين، وأعلى القسمين غير محتاج إليه، فصار كفره أشد من كفر من يقول إن شريعة محمد خاصة بالعرب دون غيرهم، نعم.

(المتن)

قال رحمه الله تعالى:

وَهَؤُلَاءِ الْمَلَاحِدَةُ يَدَّعُونَ أَنَّ " الْوِلَايَةَ " أَفْضَلُ مِنْ " النُّبُوَّةِ "

(الشرح)

الوَلاية بالفتحة أحسن فتح الواو الوَلاية بالفتح  المحبة والنصرة وأما الوِلاية بالكسر فهي الإمارة والوظيفة على ولاية هذا أفصح هذا الأفصح  

(المتن)

أحسن الله إليكم، قال :

وَهَؤُلَاءِ الْمَلَاحِدَةُ يَدَّعُونَ أَنَّ " الْوِلَايَةَ " أَفْضَلُ مِنْ " النُّبُوَّةِ " وَيُلَبِّسُونَ عَلَى النَّاسِ فَيَقُولُونَ: وِلَايَتُهُ أَفْضَلُ مِنْ نُبُوَّتِهِ وَيُنْشِدُونَ:

مَقَامُ النُّبُوَّةِ فِي بَرْزَخٍ فُوَيْقَ الرَّسُولِ وَدُونَ الْوَلِيّ

(الشرح)

نعم هذا الصوفية ابن عربي وغيرهم يزعمون أن المراتب أن مرتبة الولاية أفضل من مرتبة النبوة ومرتبة النبوة أفضل من مرتبة الرسالة، يجعلون الناس أعلى شيء مرتبة الولاية ثم يليه مرتبة النبوة ثم يليه مرتبة الرسالة جعلوا الرسول آخر شيء، الرسول أقل المراتب وفوقه مرتبة النبوة وفوقه مرتبة الولاية ويدعي ابن عربي أنه له مرتبة الولاية أنه له مرتبة الولاية ويقول ينشد هذا البيت:

مقام النبوة في برزخ -البرزخ الفاصل-

مَقَامُ النُّبُوَّةِ فِي بَرْزَخٍ فُوَيْقَ الرَّسُولِ وَدُونَ الْوَلِيّ

مقام النبوة فوق الرسول وأقل من الولي، فويق ، فويق تصغير فوق، مقام النبوة فوق ماذا؟ فوق الرسول أعلى من الرسول وأقل من الولي فصار الترتيب هكذا الولاية أعلى شيء ثم النبوة ثم الرسالة على العكس هذا معكوسة قلوبهم منكوسة نسأل الله السلامة والعافية، نعم.

الصواب أن الرسالة أعلى شيء الرسول أعلى شيء والنبي الذي يسبق الرسول يليه ثم الولي  من غير الأنبياء أقل لا يمكن أن يكون ولي أفضل من الرسول، نعم.

(المتن)

قال رحمه الله تعالى:

وَيَقُولُونَ نَحْنُ شَارَكْنَاهُ فِي وِلَايَتِهِ الَّتِي هِيَ أَعْظَمُ مِنْ رِسَالَتِهِ وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ ضَلَالِهِمْ فَإِنَّ وِلَايَةَ مُحَمَّدٍ لَمْ يُمَاثِلْهُ فِيهَا أَحَدٌ لَا إبْرَاهِيمُ وَلَا مُوسَى فَضْلًا عَنْ أَنْ يُمَاثِلَهُ هَؤُلَاءِ الْمُلْحِدُونَ. وَكُلُّ رَسُولٍ نَبِيٍّ وَلِيٌّ فَالرَّسُولُ نَبِيٌّ وَلِيٌّ. وَرِسَالَتُهُ مُتَضَمِّنَةٌ لِنُبُوَّتِهِ وَنُبُوَّتُهُ مُتَضَمِّنَةٌ لِوِلَايَتِهِ وَإِذَا قَدَّرُوا مُجَرَّدَ إنْبَاءِ اللَّهِ إيَّاهُ بِدُونِ وِلَايَتِهِ لِلَّهِ فَهَذَا تَقْدِيرٌ مُمْتَنِعٌ فَإِنَّهُ حَالَ إنْبَائِهِ إيَّاهُ مُمْتَنِعٌ أَنْ يَكُونَ إلَّا وَلِيًّا لِلَّهِ وَلَا تَكُونُ مُجَرَّدَةً عَنْ وِلَايَتِهِ وَلَوْ قُدِّرَتْ مُجَرَّدَةً لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مُمَاثِلًا لِلرَّسُولِ فِي وِلَايَتِهِ.

(الشرح)

نعم، الملاحدة يقولون نحن شاركنا محمد في الولاية التي أعظم من رسالته وهذا من جهلهم وضلالهم، إن ولاية النبي ﷺ  لا يماثله فيها أحد حتى الأنبياء ما وصلوا مثل ولايته لأنه أعظم الأولياء، وكل رسول نبي وكل نبي ولي كل رسول فهو نبي وكل نبي فهو ولي لله، والعكس فالرسول نبي وولي والرسالة داخلة في ظلها النبوة والنبوة داخلة في ضمنها الولاية فكيف تكون الولاية التي داخلة في النبوة أفضل من النبوة الداخلة في الولاية، وكل نبي لا بد أن يكون ولياً لله ، ما يمكن أن يكون نبي وليس ولياً لله، ولا يمكن أن يقال أن النبي ليس بولي هذا ممتنع مستحيل  تقديره مستحيل لأن حال إنباء الله له وإرساله إياه لابد أن يكون ولياً لله فلا يمكن أن تكون النبوة مجردة عن الولاية، نعم.

 لو قدرت مجردة فلا يكون أحد مماثل للرسول في ولايته لله، نعم.

(المتن)

فال رحمه الله تعالى:

وَهَؤُلَاءِ قَدْ يَقُولُونَ - كَمَا يَقُولُ صَاحِبُ " الْفُصُوصِ " ابْنُ عَرَبِيٍّ -: إنَّهُمْ يَأْخُذُونَ مِنْ الْمَعْدِنِ الَّذِي يَأْخُذُ مِنْهُ الْمَلَكُ الَّذِي يُوحَى بِهِ إلَى الرَّسُولِ؛ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ اعْتَقَدُوا " عَقِيدَةَ الْمُتَفَلْسِفَةِ " ثُمَّ أَخْرَجُوهَا فِي قَالَبِ " الْمُكَاشَفَةِ "

(الشرح)

يعني ابن عربي صاحب الفصوص الكتاب اسمه فصوص الحكم يقول إن الولي لا يحتاج يأخذ بواسطة مثل محمد النبي يأخذ بواسطة جبريل يأخذ الوحي أما الولي  لا يحتاج واسطة يأخذ من المعدن الذي يأخذ منه جبريل يأخذ عن الله مباشرة أو عن اللوح المحفوظ هكذا يقول، يقول الولي لا يحتاج مثلما يحتاج النبي، النبي يأخذ بواسطة يأخذ الوحي بواسطة جبريل وأما الولي لا يحتاج لواسطة يأخذ من المعدن الذي يأخذ منه جبريل، ما هو المعدن؟ يقول إما عن الله مباشرة أو عن اللوح المحفوظ ولا يحتاج إلى أحد، هكذا يزعمون هذا كفر وضلال، نسأل الله العافية، نعم.

(المتن)

قال رحمه الله تعالى:

وَذَلِكَ أَنَّ الْمُتَفَلْسِفَةَ الَّذِينَ قَالُوا إنَّ الْأَفْلَاكَ قَدِيمَةٌ أَزَلِيَّةٌ لَهَا عِلَّةٌ تَتَشَبَّهُ بِهَا كَمَا يَقُولُهُ أَرِسْطُو وَأَتْبَاعُهُ؛ أَوْ لَهَا مُوجَبٌ بِذَاتِهِ كَمَا يَقُولُهُ مُتَأَخِّرُوهُمْ: كَابْنِ سِينَا وَأَمْثَالِهِ وَلَا يَقُولُونَ إنَّهَا لِرَبِّ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَلَا خَلَقَ الْأَشْيَاءَ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَلَا يَعْلَمُ الْجُزْئِيَّاتِ؛ بَلْ إمَّا أَنْ يُنْكِرُوا عِلْمَهُ مُطْلَقًا كَقَوْلِ أَرِسْطُو؛ أَوْ يَقُولُوا إنَّمَا يَعْلَمُ فِي الْأُمُورِ الْمُتَغَيِّرَةِ كُلِّيَّاتُهَا 

(الشرح)

يقال أرسطو أو أرسطاطاليس أرسطو أو أرسطاطاليس هذا اسمه أرسطو ويقال أرسطاطاليس أرسطو نعم.

(المتن)

أَوْ يَقُولُوا إنَّمَا يَعْلَمُ فِي الْأُمُورِ الْمُتَغَيِّرَةِ كُلِّيَّاتُهَا كَمَا يَقُولُهُ ابْنُ سِينَا وَحَقِيقَةُ هَذَا الْقَوْلِ إنْكَارُ عِلْمِهِ بِهَا؛ فَإِنَّ كُلَّ مَوْجُودٍ فِي الْخَارِجِ فَهُوَ مُعَيَّنٌ جُزْئِيٌّ: الْأَفْلَاكُ كُلُّ مُعَيَّنٍ مِنْهَا جُزْئِيٌّ وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْأَعْيَانِ وَصِفَاتُهَا وَأَفْعَالُهَا فَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ إلَّا الْكُلِّيَّاتِ لَمْ يَعْلَمْ شَيْئًا مِنْ الْمَوْجُودَاتِ وَالْكُلِّيَّاتُ إنَّمَا تُوجَدُ كُلِّيَّاتٍ فِي الْأَذْهَانِ لَا فِي الْأَعْيَانِ.

(الشرح)

نعم المؤلف رحمه الله يبين أن هؤلاء الصوفية اعتقدوا عقيدة المتفلسفة الملاحدة وأخرجوا هذه العقيدة في قالب المكاشفة وذلك أن الفلاسفة يقولون إن الأفلاك قديمة أزلية  يعني السماوات والأرضين  والبحار والأنهار يقول هذه قديمة أزلية قديمة بمعنى أنها لم يخلقها الله بمشيئته وقدرته بل قديمة كقدم الرب فأنكروا أن الله خالق السماوات والأرض وأن الله يخلق بقدرته ومشيئته وقالوا إن هذه الأفلاك السماوات والأرضين والشمس والقمر وغيرها من الأفلاك قديمة أزلية، ما معنى أزلية؟ يعني لا بداية لأولها وهذا باطل معناه أن الله لم يخلقها بقدرته ومشيئته يقول ليس لها بداية قديمة أزلية  القديم الأزلي الذي لا بداية لأوله هذا باطل، القديم الأزلي الذي لا بداية له هو الله هو الأول بذاته لا بداية له وما عداه فهو مخلوق هذا من كفرهم وضلالهم. قال أوله موجب بذاته.

وهذا يقوله ابن سينا لأن أرسطو هو المعلم الأول من الفلاسفة اليونان المتأخرين يقال لهم المشاؤون لأنهم يدرسون عقائدهم وهم يمشون سموا الفلاسفة المشاؤون، أولهم أرسطو هذا المعلم الأول ثم أبو نصر الفارابي هو المعلم الثاني ثم المعلم الثالث أبو علي ابن سينا وكان طبيباً وأبو علي ابن سينا حاول أن يقرب الفلسفة من دين الإسلام وفي محاولته الشديدة ما وصل إلى ما وصلت إليه الجهمية الغالية في اتجاههم فالجهمية الغالية في اتجاههم أحسن حالاً وأسد مذهباً من مذهبه ابن سينا، ومن تخريطاته أنه أنكر علم الله تعالى قال أن الله لا يعلم قال أنه ما خلق السماوات والأرض في ستة أيام لماذا ؟ لأنها قديمة أزلية ولا خلق الأنبياء بمشيئته وقدرته وقالوا ولا يعلم الجزئيات هذا كلام ابن سينا هذا من تخريطه ومحاولة تقريبه للإسلام  وإلا المعلم الأول لا يحسن شيء أبداً من هذا، قال يقول ابن سينا إن الله يعلم الكليات ولا يعلم الجزئيات الكليات هي الأمور العقلية، وإذا قيل إذا قيل يعلم النجوم؟ قال لا هذه جزئية، يعلم البشر؟ لا هذه جزئية، ماذا يعلم؟ يعلم المخلوقات بالعموم فقط لكن يعلم الجزئيات يعلم الأفلاك وعدد البشر والأمور هذه جزئيات لا يعلمها فهذا كفر وضلال والعياذ بالله.

ولهذا قال لا يعلم الجزئيات بل إما أن ينكر علمه مطلقاً أو يقول إنما يعلم الأمور المتغيرة حقيقة يقولها المؤلف إنكار علمه كل موجود  في الخارج معين جزئي ما هي الأمور الكلية؟ الأمور الكلية يتصورها الإنسان في ذهنه الأمور الكلية هي تصور في الذهن مثل الحيوانية الآن والإنسانية، الإنسانية أمر كلي في الذهن لكن أفرداها عمر ومحمد وخالد وبكر هذه أفرادها، أفرادها موجودة أمامك لكن ما هي الإنسانية؟ أمر ذهني تصورها في نفسك وكذلك الحيوانية أمر ذهني أفرادها موجودة وهي الإبل والبقر والغنم والأسد هذه أفرادها فهو يقول إن الله لا يعلم الجزئيات لا يعلم الإنسان إنما يعلم الأمر الكلي يعلم الإنسانية يعلم الحيوانية يعلم الأمور الذهنية ولا يعلم الأمور المحسوسة الواقعة هذا كفر وضلال نسأل الله السلامة والعافية.

نعم الكليات إنما توجد الكليات في الأذهان لا في الأعيان، في العام لا يوجد إلا الأمور الجزئيات وهو لا يعلمها عندهم، نعم.

(المتن)

قال رحمه الله تعالى:

وَالْكَلَامُ عَلَى هَؤُلَاءِ مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فِي " رَدِّ تَعَارُضِ الْعَقْلِ وَالنَّقْلِ " وَغَيْرِهِ. فَإِنَّ كُفْرَ هَؤُلَاءِ أَعْظَمُ مِنْ كُفْرِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بَلْ وَمُشْرِكِي الْعَرَبِ فَإِنَّ جَمِيعَ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ إنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَإِنَّهُ خَلَقَ الْمَخْلُوقَاتِ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَأَرِسْطُو وَنَحْوُهُ مِنْ الْمُتَفَلْسِفَةِ وَالْيُونَانِ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ وَالْأَصْنَامَ وَهُمْ لَا يَعْرِفُونَ الْمَلَائِكَةَ وَالْأَنْبِيَاءَ وَلَيْسَ فِي كُتُبِ أَرِسْطُو ذِكْرُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا غَالِبُ عُلُومِ الْقَوْمِ الْأُمُورُ الطَّبِيعِيَّةُ وَأَمَّا الْأُمُورُ الْإِلَهِيَّةُ فَكُلٌّ مِنْهُمْ فِيهَا قَلِيلُ الصَّوَابِ كَثِيرُ الْخَطَأِ وَالْيَهُودُ وَالنَّصَارَى بَعْدَ النَّسْخِ وَالتَّبْدِيلِ أَعْلَمُ بِالْإِلَهِيَّاتِ مِنْهُمْ بِكَثِيرِ؛ وَلَكِنْ مُتَأَخِّرُوهُمْ كَابْنِ سِينَا أَرَادُوا أَنْ يُلَفِّقُوا بَيْنَ كَلَامِ أُولَئِكَ وَبَيْنَ مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ؛ فَأَخَذُوا أَشْيَاءَ مِنْ أُصُولِ الْجَهْمِيَّة وَالْمُعْتَزِلَةِ وَرَكَّبُوا مَذْهَبًا قَدْ يَعْتَزِي إلَيْهِ مُتَفَلْسِفَةُ أَهْلِ الْمِلَلِ؛ وَفِيهِ مِنْ الْفَسَادِ وَالتَّنَاقُضِ مَا قَدْ نَبَّهْنَا عَلَى بَعْضِهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.

(الشرح)

نعم وهذا المؤلف رحمه الله قال إن أرسطو ونحوه من فلاسفة اليونان وهم المتأخرون ويسموا المشاؤون كانوا يعبدون الكواكب فهم وثنيون والأصنام ولا يعرفون الملائكة ولا يعرفون الأنبياء وليس في كتب أرسطو شيئاً من ذلك وإنما يبحث في الأمور الطبيعية، الأمور الإلهية لا يتكلمون فيها لا يعرفونها ولهذا يقول المؤلف اليهود والنصارى دين اليهود والنصارى بعد النسخ والتعديل بعد النسخ والتبديل أحسن من مذهب الفلاسفة، طيب مذهب اليهود والنصارى فاسد بعد النسخ والتبديل مع فساده أحسن من مذهب الفلاسفة، أعلم بالإلهيات منهم لكن ابن سينا أراد أن لما جاء متأخر أراد أن يجمع بين الفلسفة والإسلام يلفق يجمع بينهما وفي محاولته التلفيق والتشديد والتوفيق ما وصل إلى ما وصل إليه الجهمية الغالية في التجهم أخذ شيئاً من أصول الجهمية والمعتزلة وركبه وجعله مذهباً قد يعتزي إليه ينتسب إليه بعض المتفلسفة المتأخرون، نعم.

(المتن)

قال رحمه الله تعالى:

وَهَؤُلَاءِ لَمَّا رَأَوْا أَمْرَ الرُّسُلِ كَمُوسَى وَعِيسَى وَمُحَمَّدٍ ﷺ قَدْ بَهَرَ الْعَالَمَ وَاعْتَرَفُوا بِأَنَّ النَّامُوسَ الَّذِي بُعِثَ بِهِ مُحَمَّدٌ ﷺ أَعْظَمُ نَامُوسٍ طَرَقَ الْعَالَمَ وَوَجَدُوا الْأَنْبِيَاءَ قَدْ ذَكَرُوا الْمَلَائِكَةَ وَالْجِنَّ أَرَادُوا أَنْ يَجْمَعُوا بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ أَقْوَالِ سَلَفِهِمْ الْيُونَانِ الَّذِينَ هُمْ أَبْعَدُ الْخَلْقِ عَنْ مَعْرِفَةِ اللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأُولَئِكَ قَدْ أَثْبَتُوا عُقُولًا عَشَرَةً يُسَمُّونَهَا " الْمُجَرَّدَاتِ " " وَالْمُفَارَقَاتِ ".

وَأَصْلُ ذَلِكَ مَأْخُوذٌ مِنْ مُفَارَقَةِ النَّفْسِ لِلْبَدَنِ وَسَمَّوْا تِلْكَ " الْمُفَارَقَاتِ " لِمُفَارَقَتِهَا الْمَادَّةَ وَتَجَرُّدِهَا عَنْهَا. وَأَثْبَتُوا الْأَفْلَاكَ لِكُلِّ فَلَكٍ نَفْسًا وَأَكْثَرُهُمْ جَعَلُوهَا أَعْرَاضًا وَبَعْضُهُمْ جَعَلَهَا جَوَاهِرَ.

وَهَذِهِ " الْمُجَرَّدَاتُ " الَّتِي أَثْبَتُوهَا تَرْجِعُ عِنْدَ التَّحْقِيقِ إلَى أُمُورٍ مَوْجُودَةٍ فِي الْأَذْهَانِ لَا فِي الْأَعْيَانِ كَمَا أَثْبَتَ أَصْحَابُ أَفْلَاطُونَ " الْأَمْثَالَ الأفلاطونية الْمُجَرَّدَةَ " أَثْبَتُوا هَيُولَى مُجَرَّدَةً عَنْ الصُّورَةِ وَمُدَّةً وَخَلَاءً مُجَرَّدَيْنِ وَقَدْ اعْتَرَفَ حُذَّاقُهُمْ بِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِي الْأَذْهَانِ لَا فِي الْأَعْيَانِ؛ فَلَمَّا أَرَادَ هَؤُلَاءِ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْهُمْ كَابْنِ سِينَا أَنْ يُثْبِتَ أَمْرَ النُّبُوَّاتِ عَلَى أُصُولِهِمْ الْفَاسِدَةِ وَزَعَمُوا أَنَّ النُّبُوَّةَ لَهَا خَصَائِصُ ثَلَاثَةً.

(الشرح)

يعني المؤلف رحمه الله بين حال هؤلاء الفلاسفة وأنهم لما رأوا أمر الرسل كموسى ومحمد وعيسى ومحمد عليهم السلام بهروا العالم واعترفوا بأن موسى الذي بعث بمحمد ﷺ والوحي وجبريل أعظم ناموس طرق العالم ووجدوا أن الأنبياء قد ذكروا الملائكة والجن أراد هؤلاء الفلاسفة أن يجمعوا بين ذلك وبين أقوال اليونان كابن سينا وغيره من المتأخرين.

ابن سينا الذي هو من أكفر الخلق وتسمى باسمه المدارس ما ينبغي أن تسمى باسم ابن سينا المدارس وهو ملحد زنديق يقول: أنا وأبي من دعوة الحاتم العبيدي، الحاتم العبيدي كافر لا يؤمن بالله ولا برسله ولا بآياته ولا بالأنبياء، أرادوا أن يجمعوا يلفقوا بين كلام الرسل وبين اليونان، واليونان أبعد الخلق عن معرفة الله وملائكته.

وأصل ذلك يتكلمون في المفارقات، مفارقات النفس والمفارقات والمجردات وأثبتوا الأفلاك، أثبتوا لكل فلك نفساً وجعلوها أعراضاً وهذه المجردات التي ترجع إلى أمور في الذهن ليس هناك شيء في الأعيان المشاهد، كما أسس فيثاغورس هذا أيضاً فيلسوف وكذلك أفلاطون وهو فيلسوف سابق لأرسطو بل هو يعني تتلمذ على يده أرسطو وهو أحسن أفلاطون أحسن من أرسطو يسموه المثل الأفلاطونية وأثبتوا هيولى مجردة عن الصورة والمادة، الهيولى يقول أن الجسم مركب من هيولى ومادة، من هيولى وصورة يعني أن الفلاسفة الهيولى الشكل والمادة الذات مثل الخاتم يقول مركب من هيولى وصورة مثلاً الصورة أو الهيولى أو المادة مثلاً من ذهب أو من فضة والشكل كونه مدور فيقول الجسم مكون من هيولى ومادة، أو من هيولى وصورة فالمادة مثلاً من ذهب أو من فضة والهيولى أو الصورة الشكل هكذا يزعمون، واعترف حذاقهم إنما يتحقق في الذهن لا في الأعيان.

وزعم هؤلاء ابن سينا في تلفيقه بين الفلسفة والإسلام أن النبوة لها ثلاث خصائص من اتصف بها فهو نبي ولو لم يرسله الله بزعمهم هذه خصائص النبوة عند ابن سينا، نعم. وزعموا أن النبوة لها ثلاث خصائص.

(المتن)

فَلَمَّا أَرَادَ هَؤُلَاءِ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْهُمْ كَابْنِ سِينَا أَنْ يُثْبِتَ أَمْرَ النُّبُوَّاتِ عَلَى أُصُولِهِمْ الْفَاسِدَةِ وَزَعَمُوا أَنَّ النُّبُوَّةَ لَهَا خَصَائِصُ ثَلَاثَةً مَنْ اتَّصَفَ بِهَا فَهُوَ نَبِيٌّ.

الْأَوَّلُ: أَنْ تَكُونَ لَهُ قُوَّةٌ عِلْمِيَّةٌ يُسَمُّونَهَا الْقُوَّةَ الْقُدْسِيَّةَ يَنَالُ بِهَا مِنْ الْعِلْمِ بِلَا تَعَلُّمٍ.
الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ لَهُ قُوَّةٌ تَخَيُّلِيَّةٌ تُخَيِّلُ لَهُ مَا يَعْقِلُ فِي نَفْسِهِ بِحَيْثُ يَرَى فِي نَفْسِهِ صُوَرًا أَوْ يَسْمَعُ فِي نَفْسِهِ أَصْوَاتًا كَمَا يَرَاهُ النَّائِمُ وَيَسْمَعُهُ وَلَا يَكُونُ لَهَا وُجُودٌ فِي الْخَارِجِ وَزَعَمُوا أَنَّ تِلْكَ الصُّوَرَ هِيَ مَلَائِكَةُ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَصْوَاتُ هِيَ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى.
الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ لَهُ قُوَّةٌ فَعَّالَةٌ يُؤَثِّرُ بِهَا فِي هَيُولَى الْعَالَمِ وَجَعَلُوا مُعْجِزَاتِ الْأَنْبِيَاءِ وَكَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ وَخَوَارِقِ السَّحَرَةِ هِيَ قُوَى النَّفْسِ فَأَقَرُّوا مِنْ ذَلِكَ بِمَا يُوَافِقُ أُصُولَهُمْ مِنْ قَلْبِ الْعَصَا حَيَّةً دُونَ انْشِقَاقِ الْقَمَرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ فَإِنَّهُمْ يُنْكِرُونَ وُجُودَ هَذَا.

وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَى هَؤُلَاءِ فِي مَوَاضِعَ. وَبَيَّنَّا أَنَّ كَلَامَهُمْ هَذَا أَفْسَدُ الْكَلَامِ وَأَنَّ هَذَا الَّذِي جَعَلُوهُ مِنْ الْخَصَائِصِ يَحْصُلُ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ لِآحَادِ الْعَامَّةِ وَلِأَتْبَاعِ الْأَنْبِيَاءِ وَأَنَّ الْمَلَائِكَةَ الَّتِي أَخْبَرَتْ بِهَا الرُّسُلُ أَحْيَاءٌ نَاطِقُونَ أَعْظَمُ مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ وَهُمْ كَثِيرُونَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إلَّا هُوَ وَلَيْسُوا عَشْرَةً وَلَيْسُوا أَعْرَاضًا

(الشرح)

 نعم ليسوا عشرة يعني عددهم يعني هكذا ابن سينا يقول إن هذه الصفات الخصائص الثلاث من توفرت فيه فهو نبي أن يكون له قوة علمية ينال بها العلم بلا تعلم ويكون له قوة تخيلية يتخيل الملائكة في صورة أشخاص وأصوات وقوة فعالة يؤثر بها في العالم هذه الصفات الثلاث يقول من وجدت فيه فهو نبي ولهذا بعضهم يقول إن النبوة بعض الفلاسفة يقول النبوة منزلة ليست عالية هناك أعلى منها الفلسفة أعلى من النبوة ويقول إن النبوة هذه فلسفة العامة، والفلسفة نبوة الخاصة، ونبوة الخاصة أعظم من نبوة العامة، الفلسفة نبوة الخاصة والنبي هذا نبي العامة فلهذا هود وأغرابه يتطلعون إلى إلى ما هو أعلى ويقولون أنهم أعلى مما عليه محمد ﷺ.

وكفر هؤلاء فوق كفر الذين قالوا: لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ كفرهم أعظم من هذا الذين قالوا: لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ  كفروا هذا يقول أعظم يقول أوتينا أكثر مما أوتي رسول الله فكفرهم أعظم والعياذ بالله نسأل الله السلامة والعافية.

المؤلف يقول بسط الكلام على هذا في كتبه في دار التعاون في منهج السنة وبين أن كلامه هذا فاسد وأن الذي جعله من خصائص النبي ﷺ يحصل لآحاد العامة وأن الأنبياء الذي أخبر بهم الرسل أحياء ناطقون كثيرون وهم يقولون لا الأنبياء الملائكة عبارة عن أرواح بعضهم يقول أن الأنبياء يعني أمور عقلية ليست أمور محسوسة  يقول الأنبياء الفلاسفة من هم الملائكة؟ الأنبياء هي الأمور العقلية أما علوية تبعث على الخير والإيثار والشجاعة والقوة والشياطين هي القوة الرديئة التي تبعث على  الظلم والعدوان وإلا  ما في ملائكة ولا شياطين إنما أمور  عقلية يتصورها الإنسان في نفسك ما يدعوك إلى الخير هذا الملائكة وفي نفسك ما يدعو إلى الشر هذا الشياطين.

والمؤلف يقول هذا باطل الأنبياء أحياء ناطقون ويتكلمون وعددهم كثير ليسوا عشرة بل إنه لا يحصيهم إلا الله وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إلَّا هُوَ  وليسوا أعراضاً بل هم أشخاص وذوات محسوسة تنزل وتصعد وتذهب وتُرى وتجيء ومن أنكر الملائكة فقد كفر كافر لأن الملائكة الإيمان بالملائكة هو الركن الثاني من أركان الإيمان أن يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره فهؤلاء الفلاسفة لا يؤمنون بالملائكة يقولون هي أمور معنوية ليست ذوات ولا أشخاص بل هي أمور عقلية في النفس تدعو إلى الخير وإلى البر كما أن الشياطين أمور رديئة عقلية تدعو إلى الظلم والإيذاء والعدوان، نعم.

(المتن)

قال رحمنا الله وإياه:

وليسوا عشرة، وليسوا أعراضاً، لاسيما وهؤلاء يزعمون أن الصادر الأول هو العقل الأول، وعنه صدر كل ما سواه، فهو عندهم رب كل ما سوى الله وكذلك كل عقل رب كل ما دونه والعقل الفعال العاشر، رب كل ما تحت فلك القمر.

(الشرح)

هكذا تقسيمهم الباطل يزعمون أن الصادر الأول هو العقل الأول ويصدر عنه كل ما سواه وكل عقل رب لكل ما دونه والعقل الفعال هو العاشر، رب كل ما تحت فلك القمر نعم هذا كله من هذيانهم وتخليقهم وكفرهم وضلالهم، نعم.

(المتن)

قال رحمه الله:
 

وَهَذَا كُلُّهُ يُعْلَمُ فَسَادُهُ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الرُّسُلِ فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ مُبْدِعٌ لِكُلِّ مَا سِوَى اللَّهِ

وَهَؤُلَاءِ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ الْعَقْلُ الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثٍ يُرْوَى "أَنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْعَقْلَ، فَقَالَ لَهُ: أَقْبِلْ. فَأَقْبَلَ، فَقَالَ لَهُ: أَدْبِرْ فَأَدْبَرَ، فَقَالَ: وَعِزَّتِي مَا خَلَقْت خَلْقًا أَكْرَمَ عَلَيَّ مِنْك فَبِك آخِذُ وَبِك أُعْطِي وَلَك الثَّوَابُ وَعَلَيْك الْعِقَابُ".

وَيُسَمُّونَهُ أَيْضًا " الْقَلَمَ " لِمَا رُوِيَ إنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ الْحَدِيثَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(الشرح)

نعم، هذا المؤلف يقول هذا معلم من معالم فسادهم  (01:02:41) من دين الرسل وأنه ليس أحد من الملائكة مبدعاً لكل ما سوى الله هم يقولون الفلك هذا المبدع العقل الأول يصدر عنه ما سواه  وكل عقل يكون يصدر عنه ما سواه يعني يقول موجد العقل يصدر عنه العقل وهذا العقل الثاني يوجِد ما تحته من المخلوقات هذا باطل يعني تعدد المخلوقين.

المؤلف يقول ليس الملائكة مبدعة لكل ما سوى الله الملائكة ليسوا يخلقون كما يزعم هؤلاء، الملائكة ليس أحد من الملائكة مبدعاً يعني خالقاً لكل ما سواه وهؤلاء يزعمون أن العقل الأول العقل الأول هو المذكور في هذا الحديث ( إن أول ما خلق الله العقل)  هذا حديث باطل كما سينبه المؤلف لا يصح حديث باطل كما ذكر الشارع وكما سينبه المؤلف هذا الحديث باطل حديث العقل ( أول ما خلق الله العقل قال له: أقبل فأقبل، فقال له: أدبر فأدبر ، فقال: وعزتي ما خلقت خلقاً أكرم علي منك فبك آخذ، وبك أعطي، و لك الثواب وعليك العقاب) هذا حديث باطل لا يصح كما ذكر المؤلف كما سيرد عن المؤلف، ابن الجوزي ذكر هذا الحديث في الموضوعات، موضوع مكذوب عن النبي ﷺ نعم، ويسمون أيضاً القلم لما رأوا الحديث إنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ​​​​​​​  قالوا هذا المراد القلم هو العقل وهذا من  (الصوت منقطع من الثانية(01:04:15) إلى الثانية (01:04:35) ) النبي ﷺ نعم،.

(المتن)

وَالْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرُوهُ فِي الْعَقْلِ كَذِبٌ مَوْضُوعٌ عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو حَاتِمٍ البستي وَالدَّارَقُطْنِي وَابْنُ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُمْ. وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ دَوَاوِينِ الْحَدِيثِ الَّتِي يُعْتَمَدُ عَلَيْهَا وَمَعَ هَذَا فَلَفْظُهُ لَوْ كَانَ ثَابِتًا حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ؛ فَإِنَّ لَفْظَهُ "أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى الْعَقْلَ قَالَ لَهُ - وَيُرْوَى - لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْعَقْلَ قَالَ لَهُ" فَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ خَاطَبَهُ فِي أَوَّلِ أَوْقَاتِ خَلْقِهِ؛ لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَوَّلُ الْمَخْلُوقَاتِ وَ " أَوَّلُ " مَنْصُوبٍ عَلَى الظَّرْفِ كَمَا فِي اللَّفْظِ الْآخَرِ لَمَّا وَتَمَامُ الْحَدِيثِ " مَا خَلَقْت خَلْقًا أَكْرَمَ عَلَيَّ مِنْك"

(الشرح)

على هذا يكون الحديث يقول المؤلف باطل ، باطل سنداً ومتناً ولو صح لو صح لكان حجة عليهم لأن ما يدل على أن العقل هو أول المخلوقات أول ما خلق الله القلم أول ما خلق الله العقل قال له يعني قال له عند أول خلقه ولا يدل أنه أول المخلوقات فالحديث باطل سنداً ومتناً ولو صح فهو حجة عليهم لا لهم لو صح لكنه لا يصح، نعم.

(المتن)

فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ خَلَقَ قَبْلَهُ غَيْرَهُ ثُمَّ قَالَ "فَبِك آخُذُ وَبِك أُعْطِي وَلَك الثَّوَابُ وَعَلَيْك الْعِقَابُ"

فَذَكَرَ أَرْبَعَةَ أَنْوَاعٍ مِنْ الْأَعْرَاضِ وَعِنْدَهُمْ أَنَّ جَمِيعَ جَوَاهِرِ الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ وَالسُّفْلِيِّ صَدَرَ عَنْ ذَلِكَ الْعَقْلِ. فَأَيْنَ هَذَا مِنْ هَذَا.

(الشرح)

نعم، قال هذا يقتضي أنه خلق قبله خلق قال: (ما خلقت خلقاً أكرم علي منك)  سبق خلق ما هو أول المخلوقات يقول: (وبك آخذ، وبك أعطي، ولك الثواب العقاب)  لك أربعة أنواع  وعند الفلاسفة جميع الجواهر جواهر العالم العلوي والسفلي صدر عن ذلك العقل، فأين هذا من هذا؟ يعني هو الآن ذكر أربعة أشياء فقط ( فبك آخذ وبك أعطي ولك الثواب وعليك العقاب) وهم ذكروا أن جميع الجواهر كلها صدرت عن العقل،نعم وهذا من أبطل الباطل الحديث أنه خلق خلقاً أكرم من هذا لو صح هذا قبله وأن له ذكر له أربعة أنواع من الأعراض (بك آخذ وبك أعطي ولك الثواب وعليك العقاب) وهم يقولون جميع الجواهر العالم العلوي والسفلي كلها صدرت عنه، نعم هذا مناقض للحديث لو صح لكن الحديث لا يصح، نعم.

(المتن)

قال رحمنا الله وإياه:
 

وَسَبَبُ غَلَطِهِمْ أَنَّ لَفْظَ " الْعَقْلِ " فِي لُغَةِ الْمُسْلِمِينَ لَيْسَ هُوَ لَفْظُ الْعَقْلِ فِي لُغَةِ هَؤُلَاءِ الْيُونَانِ فَإِنَّ " الْعَقْلَ " فِي لُغَةِ الْمُسْلِمِينَ مَصْدَرُ عَقَلَ يَعْقِلُ عَقْلًا كَمَا فِي الْقُرْآنِ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ إنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا​​​​​​​ وَيُرَادُ " بِالْعَقْلِ " الْغَرِيزَةُ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي الْإِنْسَانِ يَعْقِلُ بِهَا.

وَأَمَّا أُولَئِكَ فَ " الْعَقْلُ " عِنْدَهُمْ جَوْهَرٌ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ كَالْعَاقِلِ وَلَيْسَ هَذَا مُطَابِقًا لِلُغَةِ الرُّسُلِ وَالْقُرْآنِ.

وَعَالَمُ الْخَلْقِ عِنْدَهُمْ كَمَا يَذْكُرُهُ أَبُو حَامِدٍ عَالَمُ الْأَجْسَامِ الْعَقْلُ وَالنُّفُوسُ فَيُسَمِّيهَا عَالَمَ الْأَمْرِ وَقَدْ يُسَمَّى " الْعَقْلُ " عَالَمَ الْجَبَرُوتِ " وَالنُّفُوسُ " عَالَمَ الْمَلَكُوتِ؛ وَ " الْأَجْسَامُ " عَالَمَ الْمَلِكِ وَيَظُنُّ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ لُغَةَ الرُّسُلِ وَلَمْ يَعْرِفْ مَعْنَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَنَّ مَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ ذِكْرِ الْمُلْكِ وَالْمَلَكُوتِ وَالْجَبَرُوتِ مُوَافِقٌ لِهَذَا وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ.

(الشرح)

نعم هذا المؤلف يبين أن  سبب غلطهم أن لفظ العقل عندهم له اصطلاحه الخاص غير العقل عند المسلمين، العقل عند الفلاسفة يختلف عن العقل عند المسلمين، العقل عند المسلمين مصدر عقل يعقل عقلاً، وهو ما يعقله الإنسان ويفهمه كما قال تعالى: وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ  يعني ما يتعقله الإنسان ويفهمه إنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا هذا العقل عند المسلمين ويراد أيضاً بالعقل الغريزة التي جعلها الله في الإنسان يعقل بها، وأما الفلاسفة فالعقل عندهم جوهر، جوهر قائم بنفسه ذات  يعني العقل عند المسلمين ما يعقله في ذهنه ويفهمه أما الفلاسفة الجوهر عندهم جسم قائم جسم قائم بنفسه فهذا يقول المؤلف ليس مطابقاً للغة الرسول والعقول والنفوس عند الفلاسفة يسمونها عالم الأمر يسمونها عالم الجبروت والنفوس وعالم الملكوت وبهذا من لم يعرف يقول المؤلف من لم يعرف لغة الرسول ومعنى الكتاب يظن أن ما في القرآن والسنة من ذكر الملك والملكوت والجبروت يوافق ما عند الفلاسفة وهذا باطل لأنه مختلف فالجاهل ما يدري إذا سمع الملكوت والجبروت في القرآن والفلاسفة ظن أن شيئاً واحد وهما شيئان، الفلاسفة لهم اصطلاح والقرآن له معاني تختلف عن اصطلاح هؤلاء، نعم.

(المتن)

قال رحمه الله تعالى:

وَهَؤُلَاءِ يُلَبِّسُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ تَلْبِيسًا كَثِيرًا كَإِطْلَاقِهِمْ أَنَّ " الْفَلَكَ " مُحْدَثٌ: أَيُّ مَعْلُولٍ مَعَ إنَّهُ قَدِيمٌ عِنْدَهُمْ وَالْمُحْدَثُ لَا يَكُونُ إلَّا مَسْبُوقًا بِالْعَدَمِ لَيْسَ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ وَلَا فِي لُغَةِ أَحَدٍ أَنَّهُ يُسَمَّى الْقَدِيمُ الْأَزَلِيُّ مُحْدَثًا وَاَللَّهُ قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَكُلُّ مَخْلُوقٍ فَهُوَ مُحْدَثٌ وَكُلُّ مُحْدَثٍ كَائِنٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ؛ لَكِنْ نَاظَرَهُمْ أَهْلُ الْكَلَامِ مِنْ الْجَهْمِيَّة وَالْمُعْتَزِلَةِ مُنَاظَرَةً قَاصِرَةً لَمْ يُعْرَفُوا بِهَا مَا أَخْبَرَتْ بِهِ الرُّسُلُ وَلَا أَحْكَمُوا فِيهَا قَضَايَا الْعُقُولِ فَلَا لِلْإِسْلَامِ نَصَرُوا وَلَا لِلْأَعْدَاءِ كَسَرُوا وَشَارَكُوا أُولَئِكَ فِي بَعْضِ قَضَايَاهُمْ الْفَاسِدَةِ وَنَازَعُوهُمْ فِي بَعْضِ الْمَعْقُولَاتِ الصَّحِيحَةِ فَصَارَ قُصُورُ هَؤُلَاءِ فِي الْعُلُومِ السَّمْعِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ مِنْ أَسْبَابِ قُوَّةِ ضَلَالِ أُولَئِكَ كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.

(الشرح)

نعم يبين المؤلف رحمه الله أن هؤلاء الفلاسفة يسلكون مسلك التلبيس في الانطلاقات، إطلاقهم الملك المحدث يعني معلول  مع أنه قديم  وأن المحدث لا يكون إلا مسبوقاً بالعدم وليس في لغة العرب أنه يسمى القديم المحدث أزلي أبداً القديم الأزلي ما يسمى محدثاً، القديم الأزلي هو الذي لا بداية له، فالله تعالى أخبر أنه خالق كل شيء وأن كل مخلوق فهو محدث قال الله خالق كل شي وخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا وكل محدث فهو كائن بعد أن لم يكن ولكن ناظر الفلاسفة الجهمية ناظروهم للرد عليهم ولكن ما استفادوا، لأن الجهمية  ليسوا أهلاً للمناظرة، فلما ناظرهم الجهمية انتصروا عليهم، فالجهمية لا للإسلام نصروا ولا للأعداء كسروا ما نصروا الإسلام ولا ردوا على الفلاسفة رداً يفيد لأنهم ليسوا متأهلين للرد هم عندهم قصور عندهم نقص كبير عندهم خلل في العقائد فكيف يناظرونهم وهم عندهم خلل وهم يحتاجون إلى إصلاح عقائدهم فلهذا لا للإسلام نصروا ولا للأعداء كسروا، وهم يشاركون الفلاسفة في بعض القضايا الفاسدة فلما كان الجهمية عندهم قصور في العلوم الشرعية والعلوم العقلية صاروا سبباً في قوة ضلال هؤلاء الفلاسفة، نعم.

(المتن)

قال رحمه الله تعالى:
 

وَهَؤُلَاءِ الْمُتَفَلْسِفَةُ قَدْ يَجْعَلُونَ " جِبْرِيلَ " هُوَ الْخَيَالُ الَّذِي يَتَشَكَّلُ فِي نَفْسِ النَّبِيِّ ﷺ وَالْخَيَالُ تَابِعٌ لِلْعَقْلِ فَجَاءَ الْمَلَاحِدَةُ الَّذِينَ شَارَكُوا هَؤُلَاءِ الْمَلَاحِدَةَ الْمُتَفَلْسِفَةَ وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ " أَوْلِيَاءُ اللَّهِ " وَأَنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ أَفْضَلُ مِنْ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ وَأَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ عَنْ اللَّهِ بِلَا وَاسِطَةٍ كَابْنِ عَرَبِيٍّ صَاحِبِ " الْفُتُوحَاتِ " وَ " الْفُصُوصِ " 

فقال: إنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ الْمَعْدِنِ الَّذِي أَخَذَ مِنْهُ الْمَلَكُ الَّذِي يُوحِي بِهِ إلَى الرَّسُولِ وَ " الْمَعْدِنُ " عِنْدَهُ هُوَ الْعَقْلُ وَ " الْمَلَكُ " هُوَ الْخَيَالُ وَ " الْخَيَالُ " تَابِعٌ لِلْعَقْلِ وَهُوَ بِزَعْمِهِ يَأْخُذُ عَنْ الَّذِي هُوَ أَصْلُ الْخَيَالِ وَالرَّسُولُ يَأْخُذُ عَنْ الْخَيَالِ؛ فَلِهَذَا صَارَ عِنْدَ نَفْسِهِ فَوْقَ النَّبِيِّ وَلَوْ كَانَ خَاصَّةُ النَّبِيِّ مَا ذَكَرُوهُ لَمْ يَكُنْ هُوَ مِنْ جِنْسِهِ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ فَوْقَهُ فَكَيْفَ وَمَا ذَكَرُوهُ يَحْصُلُ لِآحَادِ الْمُؤْمِنِينَ وَالنُّبُوَّةُ أَمْرٌ وَرَاءَ ذَلِكَ.

فَإِنَّ ابْنَ عَرَبِيٍّ وَأَمْثَالَهُ وَإِنْ ادَّعَوْا أَنَّهُمْ مَنَّ الصُّوفِيَّةِ فَهُمْ مِنْ صُوفِيَّةِ الْمَلَاحِدَةِ الْفَلَاسِفَةِ لَيْسُوا مِنْ صُوفِيَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونُوا مِنْ مَشَايِخِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، كالْفُضَيْل بْنِ عِيَاضٍ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ وَأَبِي سُلَيْمَانَ الداراني وَمَعْرُوفٍ الْكَرْخِي والْجُنَيْد بْنِ مُحَمَّدٍ وَسَهْلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ التستري وَأَمْثَالِهِمْ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ.

(الشرح)

إذن المؤلف رحمه الله يقول: هؤلاء الفلاسفة يجعلون جبريل هو الخيال الذي يتشكل في نفس النبي ﷺ لأن الملائكة خيال عندهم ليست حقائق ولا ذوات فالخيال يتشكل في نفس الرسول عليه الصلاة والسلام يتشكل في نفسه هذا الخيال وهذا هو جبريل ويقول الخيال تابع للعقل ثم جاء الملاحدة المتصوفة كابن عربي وغيره وشاركوا الفلاسفة الملاحدة الفلاسفة وزعموا أنهم أولياء الله وأن الولي أفضل من النبي وأنه يأخذ عن الله بلا واسطة يأخذ من المعدن الذي يأخذ منه جبريل والمعدن عندهم هو الأخذ  والملك عندهم هو الخيال والخيال تابع للعقل وهو بزعمه يأخذ عن العقل الذي هو أصل الخيال والرسول يأخذ عن الخيال فلهذا صار عند نفسه فوق النبي يرى أنه ابن عربي فوق النبي ولو كان خاصة بما ذكروه فلهذا كان ابن عربي وأمثاله ومن يدعون أنهم من الصوفية أنهم من صوفية الملاحدة الفلاسفة وليسوا من صوفية أهل الكلام فهم لا يصلون إلى ما وصل إليه من ينسب إلى الزهد وإلى العلم كالفضيل بن عياض وإبراهيم بن أدهم وأبي سليمان الداراني ومعروف الكرخي والجنيد وسهل بن عبد الله التستري وأمثالهم، نعم.

(المتن)

قال رحمه الله تعالى:

وَاَللَّهُ قَدْ وَصَفَ الْمَلَائِكَةَ فِي كِتَابِهِ بِصِفَاتِ تُبَايِنُ قَوْلَ هَؤُلَاءِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَٰنُ وَلَدًا ۗ سُبْحَانَهُ ۚ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ ۝ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ۝ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ۝ وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَٰهٌ مِّن دُونِهِ فَذَٰلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ وَقَالَ تَعَالَى: وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى وقال تعالى: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ ۖ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ ۝ وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ۚ حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ ۖ قَالُوا الْحَقَّ ۖ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ وقال تعالى: وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَمَنْ عِندَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ ۝ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ.

وَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ جَاءَتْ لِإِبْرَاهِيمَ فِي صُورَةِ الْبَشَرِ وَأَنَّ الْمَلَكَ تَمَثَّلَ لِمَرْيَمَ بَشَرًا سَوِيًّا وَكَانَ جِبْرِيلُ يَأْتِي النَّبِيَّ ﷺ فِي صُورَةِ دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ وَفِي صُورَةِ أَعْرَابِيٍّ وَيَرَاهُمْ النَّاسُ كَذَلِكَ.

وقد وصف الله تعالى جبريل بأنه ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ ۝ مُطَاعٍ ثَمَّ  أَمِينٍ.

وأن محمداً ﷺ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ ووصفه بأنه شَدِيدُ الْقُوَىٰ ۝ ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَىٰ ۝ وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَىٰ ۝ ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ ۝ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ ۝ فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ ۝ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ ۝ أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ ۝ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ ۝ عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَىٰ ۝ عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَىٰ ۝ إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ ۝ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ ۝ لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَىٰ.

وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ ﷺ إنَّهُ لَمْ يَرَ جِبْرِيلَ فِي صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا غَيْرَ مَرَّتَيْنِ. يَعْنِي الْمَرَّةَ الْأُولَى بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى وَالنَّزْلَةَ الْأُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى

وَوَصَفَ جِبْرِيلَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِأَنَّهُ الرُّوحُ الْأَمِينُ وَأَنَّهُ رُوحُ الْقُدُسِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الصِّفَاتِ الَّتِي تُبَيِّنُ أَنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ تَعَالَى الْأَحْيَاءِ الْعُقَلَاءِ وَأَنَّهُ جَوْهَرٌ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ لَيْسَ خَيَالًا فِي نَفْسِ النَّبِيِّ كَمَا زَعَمَ هَؤُلَاءِ الْمَلَاحِدَةُ الْمُتَفَلْسِفَةُ وَالْمُدَّعُونَ وِلَايَةَ اللَّهِ وَأَنَّهُمْ أَعْلَمُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ.

(الشرح)

نعم هذا من النصوص التي ذكرها المؤلف في الرد على الفلاسفة الذين يزعمون أن الملائكة أمور خيالية يقول النصوص  كلها دلت على أنهم أشخاص وذوات محسوسة تنزل وتصعد وتذهب وتُرى وتخاطب الرسول ﷺ والملائكة بصفات  قال: بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ ۝ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ ۖ لَا يَمْلِكُونَ. وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَمَنْ عِندَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ.

 والملائكة جاؤوا إلى إبراهيم في صورة شباب أضياء ضيوف وجاؤوا إلى لوط كذلك والملك تمثل لمريم بشراً سوياً وجاء الملك إلى النبي ﷺ  في صورة دحية الكلبي وبصورة أعرابي ورآه الصحابة جاء وسأل النبي ﷺ عن الإسلام ثم عن الإيمان ثم عن الإحسان ثم عن الساعة ثم عن أشراطها.

وكذلك النبي ﷺ رأى محمد رأى جبريل رآه بالأفق المبين ورآه على الصورة التي خلق عليها مرتين مرة في الأرض ومرة في السماء كل هذا رد على هؤلاء الفلاسفة الذين يزعمون أن الملائكة خيال قال : رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ​​​​​​​ يعني مرة أخرى  ووصف الله جبريل بأنه الروح الأمين ووصفه بأنه روح القدس  وهذه الصفات تبين أن الملائكة من أعظم مخلوقات الله الأحياء الناطقون العقلاء وأنهم  جوهر  يعني أجسام وذوات جوهر قائم بنفسه ليس خيالاً في نفس النبي كما يزعم هؤلاء الملاحدة هؤلاء هذا من كفرهم وضلالهم  من قال إنهم خيال وإنهم كذا فهذا من كفرهم وضلالهم.

- نقف على قوله ..

وفق الله الجميع لطاعته وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم،...

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد