المقدمة
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضْلِل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أن سيِّدَنا ونبيِّنَا وإمامَنا محمدًا بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي القرشي العربي المكي ثم المدني، أشهد أنه خاتم النبيين، وأنه رسول الله إلى الثقلين الجن والإنس، من العرب والعجم، وأنه بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهادِه حتى أتاه من ربه اليقين، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى إخوانه من النبيين والمرسلين -عليهم السلام-، وعلى آله وعلى أصحابه ، وعلى أتباعه بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:
فإن أئمة أهل السنة وعلماء الأمة، لهم جهود كثيرة، وأنشطة في سبيل نشر العقيدة وتثبيتها وتصحيحها والذب عنها، وإبطال كل ما يخالفها ويضادها من أقوال فاسدة، وقد بذلوا أوقاتهم ونفوسهم في أداء هذا الواجب العظيم، كثرت المؤلفات وتنوعت، فمنها المخطوط، ومنها المطبوع.
وأغلب المؤلفين في كتب العقائد يذكرون معتقد أهل السنة والجماعة، ويستدلون له بالنصوص من الكتاب والسنة، ويذكرون مذهب المخالفين لأهل السنة والجماعة، (كالمعتزلة، والأشاعرة، والجهمية، والرافضة، والكرامية، والسالمية، والفلاسفة، والصوفية، والباطنية، وغيرهم) فيذكرون مذاهبهم الفاسدة، وأدلتهم العقلية الكاسدة، وتأويلهم للنصوص، ثم يردُّون عليهم.
ومن العلماء من يؤلف مؤلفات خاصة في معتقد أهل السنة والجماعة فقط، دون أن يذكر أدلة المخالفين.
ومنهم من يذكر أدلة المخالفين لأهل السنة والجماعة؛ كالكتب التي أُلِّفت في الفرق في عقيدة المعتزلة والأشاعرة والمرجئة والقدرية.
ومنهم من يجمع بين الأمرين.
وغالب كتب العقائد هو أن يكون الكتاب مُتضمِّنا لعقيدة أهل السنة والجماعة والاستدلال لهم، وعقيدة المخالفين لأهل السنة والرد عليهم.
هذه الرسالة: (المختار في أصول السنة) من تأليف الإمام أبي علي الحسن بن أحمد بن عبد الله بن البنا الحنبلي، المولود سنة ست وسبعين وثلاثمائة، والمتوفى سنة إحدى وسبعين وأربعمائة، فعمره خمس وسبعون سنة، وهو من علماء أهل السنة والجماعة في القرن الخامس الهجري، وهو حنبلي المذهب .
وقد لخص المؤلف رحمه الله الرسالة أو اختارها من ثلاثة كتب:
الكتاب الأول: كتاب الشريعة للآجري، وهو كتاب عظيم في معتقد أهل السنة والجماعة ينقل بالأسانيد.
الكتاب الثاني: كتاب التوحيد من صحيح الإمام البخاري –رحمه الله-.
الكتاب الثالث: مشكل الحديث لابن قتيبة –رحمه الله-.
والمؤلف –رحمه الله- ينقل عن هذه الكتب الثلاثة، لذا سمّى كتابه (المختار في أصول السنة) فهو عبارة عن اختصار لمواضع من هذه الكتب الثلاثة.
وفي الغالب يلتزم بعبارات المؤلف، وأحيانا يتصرف في النقل، وهو –رحمه الله- لم يلتزم نهجًا واحدًا في الاختصار، من حيث حذْف أسانيد الكتاب المختصرة أو إثباتها، فهو أحيانًا يذكر الحديث بإسناده، وأحيانًا يقتصر على راويه من الصحابة.
وفي اختصاره لكتاب الشريعة للآجري لا يورد أسانيد الآجُرِّيّ، وإنما يورد أسانيد يرويها من عنده هو، فيكون في هذا قوة للحديث، كما يفعل الإمام مسلم –رحمه الله- حينما يذكر طرق الحديث المتعددة، فيكون بمثابة المستخرج.
والمؤلف –رحمه الله- يذكر في هذا الكتاب معتقد أهل السنة والجماعة، ويرد على أهل البدع.
وفي نقله عن الإمام البخاري يذكر أحيانًا ترجمة الإمام البخاري، وأحيانًا لا يذكرها، وأحيانًا يذكر أسانيد البخاري، وأحيانًا لا يذكرها، وأحيانا يحذف بعض الأبواب، وأحيانا يذكرها.
وذكر في هذا الكتاب أصولًا في التعريف بالطوائف من أهل البدع كالجهمية والروافض الرافضة والمعتزلة والمرجئة، وذكر أنه أفرد كتابًا في بيان الاثنتين والسبعين فرقة ([1])، ومذاهبهم وأدلتهم والإجابة عنها.
وأطال المؤلف –رحمه الله- النَّفَسَ في مسألة القرآن، والرد على الطوائف المبتدعة في ذلك بأنواعهم، فردَّ على القائلين بخلق القرآن، وعلى القائلين بأن اللفظ في القرآن مخلوق، وعلى الواقفة، وبيّن كما بيّن غيرُه من أهل العلم أن من قال: (القرآن مخلوق) فهو كافر، كما حكم بذلك الإمام أحمد وغيره من أهل العلم، وهذا الحكم على العموم، أما الشخص المعين فلا بد من إقامة الحجة عليه، وكذلك مَن قال: (لفظي بالقرآن مخلوق) فهو مبتدع، وكذلك الواقف منهم، وهو من توقف وقال: (لا أقول مخلوق، ولا غير مخلوق)، فالواجب على المسلم أن يجزم بأن القرآن كلام الله، مُنزّل وأنه غير مخلوق([2]).
وقد يسر الله أن أتينا على هذا الكتاب بالشرح والبيان، والكلام على الأحاديث بما تيسر، وبيان الشاهد في المسألة، وكلام أهل العلم المحققين .
وأسأل الله أن يثبت الجميع على الهدى، صلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه
عبدالعزيز بن عبدالله الراجحي
...................................................
مقدمة في الحث على طلب العلم
إن طلب العلم وتعلُّمه وتعليمه من أفضل القربات وأَجَلِّ الطاعات، وهو ميراث الأنبياء -عليهم السلام-، ولهذا قال العلماء: إن طلب العلم أفضل من نوافل العبادة، يعني: إذا تعارض طلب العلم، وأن تأتي بنوافل الصلاة ونوافل الزكاة ونوافل الصيام ونوافل الحج؛ فإن طلب العلم مُقَدَّم.
وما ذاك إلا لأن المسلم إذا تعلَّم العلم تَبَصَّر وتَفقَّه في دِين الله؛ فأنقذ نفسه من الجهل، وأنقذ غيره.
والأصل في الإنسان أنه لا يعلم، كما قال الله –تعالى : وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا [النحل: 78].
وقال ﷺ: الْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، وإِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا، وَلا دِرْهَمًا، وَلَكِنَّهُمْ وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَ بِالْعِلْمِ فَقَدْ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ. ([3]).
وطالب العلم الذي يسلك السبيلَ إليه إنما يسلك السبيل إلى الجنة، كما ثبت في الحديث الصحيح أن النبي ﷺ قال: مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَبْتَغِيْ بِهِ عِلْمًا سَهل اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجنَّة. ([4]).
والذي يُفَقِّهُه الله في دين الله وفي شريعته قد أراد الله به خيرًا، كما ثبت في الصحيحين من حديث معاوية بن أبي سفيان أن النبي ﷺ قال: مَنْ يُرِدِ الله بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ. ([5]).
قال العلماء: هذا الحديث له منطوق وله مفهوم([6]).
فمنطوقه: أن من فَقَّهَه الله في الدين فقد أراد الله به خيرًا.
ومفهومه: أن من لم يرد الله به خيرًا لم يُفَقِّهْه في الدين.
وأهل العلم هم أهل الخشية الحقيقية؛ كما قال الله –تعالى- في كتابه العظيم: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر: 28]، يعني: الخشية الحقيقية، وإلا فكلُّ مؤمن عنده أصل الخشية.
والله –تعالى- أمر نبيه ﷺ أن يسأله الزيادةَ في العلم، فقال –سبحانه-: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا [طه: 114]، ولم يأمره أن يسأله الزيادةَ من المال أو الجاه.
والعلماء لهم مكانتهم، ولهم ميزتهم، فلا يساوون غيرهم؛ ولهذا قال الله : قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ [الزمر: 9].
ومِن شَرف أهل العلم أن الله –تعالى- قَرَن شهادة أهل العلم بشهادته وشهادةِ ملائكته على أجلِّ مشهود به، وهي الشهادة لله –تعالى- بالوحدانية؛ فقال في كتابه العظيم: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [آل عمران: 18].
والعلم إنما يشرف بشرف المعلوم، وأشرف العلوم هو علم التوحيد المأخوذ من كتاب الله ، وسنة رسول الله ﷺ.
وعلم التوحيد والعقيدة ينقسم إلى ثلاثة أقسام -كما هو معلوم عند أهل العلم:
توحيد الربوبية.
توحيد الألوهية.
توحيد الأسماء والصفات.
أما توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات فيتعلق بذات الرب ، وإثبات حقيقة ذات الرب وأسمائه وصفاته وأفعاله، وهذان النوعان من التوحيد وسيلةٌ إلى توحيد العبادة، وتوحيد الذات، وتوحيد الألوهية، وذلك أن الإنسان عليه
أولًا: أن يعرف معبودَه -يعني: يعرف ربه- بأسمائه وصفاته وأفعاله.
فإذا عرف ربه بأسمائه وصفاته وأفعاله، فعليه بعد ذلك علمٌ ثانٍ، وهو أن يعرف حق الله حتى يؤديه، وهو عبادته وأداء الواجبات وترك المحرمات، وامتثال الأوامر واجتناب النواهي.
ثم بعد ذلك هناك علمٌ ثالث، وهو العلم بالجزاء والثواب الذي أعدَّه الله للمؤمنين الموحِّدين؛ وما أعد لهم من الكرامة، وما يكون في يوم القيامة من البعث، والجزاء، والحساب، والميزان، والصراط، والجنة، والنار، وما أعده الله لأعدائه الكفرة من الجزاء والحساب، ودخولهم النار، نسأل الله السلامة والعافية.
فيكون العلم ثلاثةَ أقسام لا رابع لها:
القسم الأول: العلم الذي يتعلق بذات الرب وأسمائه وصفاته وأفعاله.
القسم الثاني: العلم الذي يتعلق بحق الرب؛ من الأوامر والنواهي.
القسم الثالث: العلم بالجزاء، وما يكون في الآخرة، وما أعده الله –تعالى- في الآخرة لمن وحَّد الله من الكرامة والنعيم، ولمن ترك التوحيد مِن الشقاء والعذاب.
كما قال العلامة ابن القيم –رحمه الله- في الكافية الشافية:
وَالْعِلْمُ أَقْسَامٌ ثَلَاثٌ مَا لَهَا | مِنْ رَابِعٍ، وَالْحَقُّ ذُو تِبْيانِ |
عِلْمٌ بِأَوْصَافِ الْإِلَهِ وَفِعْلِهِ | وَكذَلِكَ الْأَسْمَاءُ لِلرَّحْمَنِ |
وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ الذِي هُوَ دِيـنــهُ | وَجَزَاؤُهُ يوْمَ الْمَعَادِ الثَّانِي([7]) |
وعلى طالب العلم أن يُخْلِص عملَه لله، ولْيَعْلَمْ أنه في عبادة من أَجَلِّ القربات وأفضل الطاعات، فعليه أن يُخلص طلبه للعلم، وهو في عبادة أفضل من نوافل العبادات كلِّها، أفضل من نوافل الصلاة، وأفضل من نوافل الصيام، وأفضل من نوافل الصوم، وأفضل من نوافل الحج، وأفضل من نوافل الجهاد؛ فبالعلم -بعد توفيق الله يستطيع الإنسانُ أن يُنْقِذ نفسَه، ويُنْقِذ غيره من النار.
فلا بد أن يخلص الطالب نيته، ويصلح نيته بأن يرفع الجهلَ عن نفسه؛ فيتبصر، ويتفقه في دِين الله وفي شريعته، وفيما يجب عليه في حقه ، ثم بعد ذلك يُبَصِّر غيره، ويرفع الجهل عن غيره.
وطلب العلم بما أنه عبادة لا بد له من أمرين، هما الركنان الأساسان، اللذان لا تصح أي عبادة إلا بهما:
الركن الأول: أن يكون مقصود المتعبد وجه الله والدار الآخرة، لا يريد رياء ولا سمعة ولا الدنيا ولا حُطامها ولا الجَاه، إنما يريد وجه الله والدار الآخرة.
الركن الثاني: أن تكون هذه العبادة موافقة لشرع الله والصواب على دِينه.
فالركن الأول هو تحقيق شهادة أن لا إله الله وأن لا يعبد إلا الله، والركن الثاني هو تحقيق شهادة أن محمدا رسول الله، وإذا تخلف الأمر الأول حل محله الشرك، وإذا تخلف الأمر الثاني حلَّ محله البدع.
قال الله -تعالى- في كتابه العظيم: فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف: 110]. فقوله –تعالى-: فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا، هذا هو الصواب، هذا هو الأمر الثاني: وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا، هذا هو الإخلاص.
وقال : وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ [لقمان: 22]، فإسلام الوجه: إخلاص العمل لله، والإحسان: هو إتقان العمل، وكونه موافقًا للشرع، وقال : بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة: 112].
وقال ﷺ في الحديث الصحيح الذي رواه الشيخان: إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى. ([8]). هذا هو الأصل الأول.
وقال -عليه الصلاة والسلام- في الحديث الصحيح الذي رواه الشيخان عن عائشة –رضي الله عنها- أن النبي ﷺ قال: مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ، فَهُوَ رَدٌّ. ([9])، وفي لفظ لمسلم: مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا؛ فَهُوَ رَدٌّ. ([10]).
وعلى طالب العلم أن يترقى في العلم، فالمبتدئ عليه أن يبدأ أولًا برسائلَ صغيرةٍ في عقيدة السنة والجماعة في توحيد العبادة؛ كالأصول الثلاثة، والقواعد الأربع، وكشف الشبهات، وكتاب التوحيد، هذه الكتب الأربعة للإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب –رحمه الله-.
فيقرأ المبتدئ هذه الرسائل، وقد كان المبتدئون –فيما سبق- يحفظونها، ولا يزال العلماء يُدَرِّسونها للصغار وللكبار.
فالأصول الثلاثة: هي التي يُسأل عنها الإنسان إذا وضع في قبره: (من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟) رسالة عظيمة مختصرة يحفظها صغار الطلبة، وهي مفيدة لا يستغني عنها المنتهي.
ثم القواعد الأربع: وهي في التمييز بين أهل الشرك وأهل التوحيد.
ثم كشف الشبهات: وهي عبارة عن سلسلة من الشبهات لأهل الشرك والرد عليها.
ثم كتاب التوحيد: الذي هو الكتاب العظيم الذي لم يؤلَّف على مِثله، ولم يُنسَج على مِنواله؛ لأنه كتاب متخصص لتوحيد العبادة والإلهية؛ حتى فيما كتبه العلماء السابقون، مثل كتاب التوحيد للإمام البخاري في الأسماء والصفات، والسبب في ذلك أنه في زمانهم -رحمهم الله- كان الانحراف في الأسماء والصفات فلهذا ألَّفه، أما في زمان الإمام محمد –رحمه الله- كان الشرك في العبادة؛ فلهذا ألف هذا الكتاب الذي لم يُنسج على منواله، وليس له نظيرٌ فيما نعلم في كتاب توحيد العبادة، وهو فوق الستين بابًا في إثبات توحيد العبادة، وما يضاده من الشرك والبدع والشرك الأصغر، بيَّن الشرك الأصغر والشرك الأكبر، وهو على طريقة الإمام البخاري –رحمه الله- باعتراف المحققين، نَفَسُه نَفَسُ البخاري في التراجِم والاستدلال والآيات.
ثم بعد ذلك هناك كتب السنة وهي كثيرة، ومِن أهمها في توحيد الأسماء والصفات وتوحيد الربوبية مؤلفات الإمام المجدد العالم العلامة، البحر الفهامة تقي الدين شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، وأولها رسالة: العقيدة الواسطية، وهي رسالة عظيمة ينبغي أن يحفظها كل طالب عِلم، وهي رسالة مختصرة في بيان عقيدة أهل السنة والجماعة، والإشارة إلى إبطال ما خالفها، وهي مختصرة وصغيرة، كتبها -رحمه الله- في جلسة بعد العصر جوابًا عن سؤال.
ثم الفتوى الحموية الكبرى، ثم التدمرية، ثم العقيدة الطحاوية وغيرها.
ومن هذه الكتب كتاب أصول السنة للإمام أحمد بن حنبل، وكتاب السنة لابنه عبد الله، وكتاب السنة للخلال، وكتاب شرح السنة للبربهاري، وغيرها.
| المتن |
مقدمة المصنف
رَبِّ يَسِّرْ وَلَا تُعَسِّرْ، وَالْـحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْـعَالَمِينَ، وَالْـعَاقِبَةُ لِلْـمُتَّقِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ، وَآلِهِ الطَّاهِرِينَ.
وَبَعْدُ: فَجَعَلَنَا اللهُ وَإِيَّاكَ مِنَ الْـمُوَفَّقِينَ، وَأَلْـحَقَنَا بِدَرَجَاتِ الصَّادِقِينَ؛ فَإِنَّك سَأَلْتِنِي أَنْ أَخْتَصِرَ لَك مِنْ كِتَابِ الشَّرِيعَةِ لِأَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْآجُرِّيِّ –رحمه الله- ([11]) أُصُولًا فِي السُّنَّةِ، وَأَحْكِي كَلَامَهُ فِيهَا، فَأَجَبْتُكَ إِلَى ذَلِكَ إِذْ كَانَ إِمَامًا نَاصِحًا، وَوَرِعًا صَالِحًا، وَكَلَامُهُ نَيِّرًا وَاضِحًا، نَفَعَنَا اللهُ وَإِيَّاكَ بِهِ وَجَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ إِنْ شَاءَ اللهُ.
| الشرح |
بسم الله الرحمن الرحيم
افتتح المؤلف –رحمه الله- كتابه بـ«بسم الله الرحمن الرحيم»؛ تَأَسِّيًا بالكتاب العزيز؛ فقد افتتح الله كتابه بـ«بسم الله الرحمن الرحيم».
قوله: «رَبِّ يَسِّرْ وَلَا تُعَسِّرْ»، هذا دعاءٌ وسؤالٌ لله، وتوسلٌ بربوبيته، والتوسل بربوبية الله وأسمائه وصفاته مِن أسباب قَبول الدعاء، قال الله –تعالى- في كتابه العظيم: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف: 180].
فالمؤلف توسَّل بربوبية الله ، فهو الرب، وهو رب العالمين، وهو الذي ربَّى عباده بنعمه، فكل نعمة بالعباد فهي من الله ، فهو الذي خلقهم وأوجدهم مِن العَدم، وهو الذي مَنَّ على المؤمنين بالإيمان، الذي هو أعظم نعمةٍ أنعم الله بها عليهم، وخَذَل الكافرين عدلًا منه وحكمة.
فالمعنى: سؤال الله التيسير، وهذا دعاءٌ طيب.
قوله: «وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ»، وهذا افتتاح بالحمد لله رب العالمين؛ تأسيًا بالكتاب العزيز، فإن الله –تعالى- افتتح كتابَه بعد البسملة بالحمد لله رب العالمين. و«ال» في الحمد للاستغراق، والحمد هو الثناء على المحمود بصفاته الجميلة الاختيارية مع حبه وإجلاله وتعظيمه، والحمد أكمل من المدح، فإن المدح فيه الإخبار بالثناء، والإخبار بصفات الممدوح، هو أن تخبر بصفات الممدوح، وقد تكون هذه الصفات خِلقية ليست اختيارية؛ لا دخل له فيها، ولا يلزم من ذلك أن يكون معها محبةٌ، بخلاف الحمد.
فالحمد يفارق المدح من جهتين:
الجهة الأولى: أن الحمد ثناءٌ على الصفات الاختيارية التي يفعلها باختياره، والمدح ثناء عليه في الصفات التي هي موجودة فيه، وقد تكون اختيارية، وقد تكون خِلقية.
الجهة الثانية: أن الحمد إخبارٌ أو ثناءٌ على المحمود بصفات اختيارية مع حبه وإجلاله، وأما المدح فلا يلزم معه المحبة، فأنت تُثني على الأسد بأنه قوي؛ لأنه قويُّ العضلات، ولكن هذه صفات خِلقية ليس له دخل فيها، ولا تحبه ولا تعظمه، وكما تُثنى على الإنسان بأنه جميل، وبأنه طويل...إلخ، مما هو صفات خلقية، فهذا مدح.
لكن الصفات الاختيارية مثل الشجاعة والإقدام والكرم والإحسان والإيثار هذه صفات اختيارية.
فالله –تعالى- محمود على ما له من الصفات العظيمة، والصفات العُلى، والصفات الكاملة، والأسماء الحسنى البالغة في الحسن: وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى [النحل: 60]. ومحمود على نِعَمِه العظيمة وإحسانه العظيم على عباده، فهو الذي أوجدهم وخلقهم، ورزقهم، وهداهم ووفقهم، ولا وجود لأي مخلوق ولأي حي إلا بالله؛ فالله –تعالى- هو الحي القيوم، أي القائم بنفسه، المقيم لغيره.
وكذلك «ال» في الحمد للاستغراق؛ حيث إن جميع المحامد مِلك لله ، مِلْكًا واستحقاقًا.
ولفظ الجلالة «الله» هو أَعرَف المعارف، هو عَلَمٌ على الذات الإلهية، لا يُسَمَّى به إلا هو ، وما بعده من الأسماء تكون صفاتٍ له، تقول: (الحمد لله الرحمن الرحيم الملك القدوس)، فما بعد لفظ الجلالة صفاتٌ له.
و«الله» أصلها الإله، على وزن (فِعَال) من (أله)، فحُذِفت الهمزة التي هي فاء الكلمة، فالتقت اللام الزائدة الأولى واللام الثانية التي هي عين الكلمة، فشُدِّدت اللام فصارت الله، و«الله» هو المألوه، ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين.
وقولنا: (المألوه) أي: الذي تُأَلِّهُه القلوب مَحبةً وإجلالًا وتعظيمًا ورغبةً ورهبةً، وغير ذلك من معاني العبودية لله ؛ ولهذا قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: «اللهُ ذُو الإلهيةِ والعُبودية عَلَى خَلْقِهِ أَجْمَعِينَ»([12]).
قوله «رَبّ»: أي المربي، وهو الرب ، وهو رب العالمين، يعني: مُرَبِّيهم بنعمه .
و«الرب» حيث تكون مَعْرفة بالألف واللام لا يطلق إلا على الله، أما «رب» بدون ألف ولام فيُطلق على غيره، مثل: ربّ الدار، وربّ الإبل، وربّ الثوب.
أسماء الله وصفاته نوعان:
النوع الأول: خاص بالله لا يسمى به غيره، مثل: الله، والرحمن، ومالك الملك، والمعطي، والمانع، والضارّ، والنافع، ورب العالمين، وخالق الخلق.
النوع الثاني: مشترك، مثل: العزيز، والسميع، والبصير، والحي، والعلي، والقدير.
قوله: «العالمين»: كل ما سوى الله ، فكل ما سوى الله هو عالَم، ونحن من ذلك العالَم، فهو الله -تعالى- رب الجميع، مُرَبِّيهم وخالقهم ورازقهم ومُوجِدُهم ومحييهم ومميتهم.
قوله«وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ»: المتقين: جمع مُتَّقٍ، والمتَّقي هو الذي اتقى الله ، وجعل بينه وبين غضبه وسَخَطِه وِقَاية، فاتقى الشرك، واتقى البدع والمعاصي، فوحَّد الله وأخلص له العبادة.
والمؤمن قد اتقى الشرك، وهذا أصل التقوى، أما كمال التقوى فهو أن يتقي الشرك والبدع والمعاصي، فمن كمل تقاه لله دخل الجنة مِن أول وَهْلَة، ومن كان عنده أصل التقوى فوحَّد الله، ولكن أضعف هذه التقوى بالبدع والكبائر فهو على خطر عظيم، وهو تحت مشيئة الله ، قد يعفو عنه، وقد يُعَذَّب في قبره، وقد تصيبه أهوالٌ وشدائدُ في موقف القيامة، وقد يُشفع فيه، وقد يدخل النار، وإذا دخل النار فإنه يعذب على قدر جرائمه، ثم يخرج منها برحمة أرحم الراحمين، أو بشفاعة الشافعين، ولا يبقى في النار إلا الكفرة.
قوله: «وَصَلَّى اللهُ » أصح ما قيل في صلاة الله هو ما رواه البخاري عن أبي عالية أنه قال: "صَلَاةُ اللَّهِ: ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمَلَائِكَةِ"([13]).
قوله « عَلَى سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ » هو نبيُّنا محمد ﷺ سيد المرسلين، وسيد المؤمنين، وسيد المتقين، وسيد العالمين، قال ﷺ في الحديث الصحيح: أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا فَخْرَ. ([14]).
وقوله «الْمُرْسَلِينَ» الذين أرسلهم الله ، جمع مُرْسَل، وهو الذي أرسله الله، وأصح ما قيل في الرسول أنه: الذي أرسله الله إلى أمةٍ كافرةٍ فآمن به بعضهم، وكفَر به بعضهم.
وهم أهل الشرائع العظيمة، مثل نوح، وهود، وصالح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد -عليهم الصلاة والسلام-.
أما النبي فهو: الذي يُرْسَل إلى قوم مؤمنين، ويُكَلَّف بالعمل بشريعة سابقة، وقد يُوحى إليه وحيٌ خاص .
مثل أنبياء بني إسرائيل الذين جاءوا بعد موسى، كلهم كُلِّفُوا بالعمل بالتوراة؛ كداود، وسليمان، ويحيى، وزكريا، قال الله -تعالى-: إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا [المائدة: 44].
قوله: «محمد» عَلَمٌ على نبيِّنا ﷺ، واسمٌ من أسمائه، سُمِّي محمدًا؛ لكثرة محامده، ألهم اللهُ أهلَه أن يُسمُّوه محمدًا، وله أسماء كثيرة -عليه الصلاة والسلام- ومنها أحمد كما في الإنجيل، كما قال الله عن عيسى؛ أنه قال: وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [الصف: 6].
ومن أسمائه: الحاشر والمقفِّي والعاقب، والحاشر الذي يُحْشَر الناس على قدمه، والمقفِّي والعاقب الذي ليس بعده نبي([15]).
فله ﷺ أسماء كثيرةٌ، كما أن لله أسماء كثيرة، وكذلك القرآن له أسماء كثيرة منها: القرآن، والشفاء، والفرقان، وكذلك الفاتحة لها أسماء كثيرة.
بل حتى بعض المخلوقات لها أسماء كثيرة، فالسيف مثلا له أسماء كثيرة، منها: الـمُهَنَّد، والعَضْب، والصَّقِيل، حتى قيل: إن له مائة اسم.
وكذلك الأسد له أسماء كثيرة، منها: الهِزَبْر، والضِّرْغَام، والقَسْوَرَة، حتى قيل: إن له خمسمائة اسم.
قوله «مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ» فهو ﷺ نبيٌّ ورسولٌ.
قوله «وَآلِهِ»: أصح ما قيل في الآل، أنهم: أتباعه ﷺ على دِينه، وقيل: هم قرابته المؤمنون، والأصح أن الآل: هم كل من آمن به، ويدخل في ذلك دخولا أوليا أهل بيته وأقاربه المؤمنون: فاطمة، والحسن، والحسين، وعلي، والعباس، وحمزة، وكذلك زوجاته -عليه الصلاة والسلام-.
قوله: «الطَّاهِرِينَ» أي: الذين طهَّرهم الله من الشرك والبدع، قال الله : إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا [الأحزاب: 33]، وهذه الإرادة إرادةٌ شرعيَّةٌ دينيَّةٌ.
ولم يقل المؤلف: (وصحبه والتابعين)، ولو قال ذلك لكان أولى، لكن عذره في ذلك أنهم يدخلون في الآل، وإذا عطف الصحب على الآل صار مِن عطف الخاصِّ على العامِّ.
قوله«وَبَعْدُ»: تعبيرٌ عن الانتقال من شيء إلى شيء، ولو قال: (أما بعد) كان أحسن، فقد كان النبي ﷺ يأتي بها في خُطَبه وفي رسائله، وكان إذا خطب يوم الجمعة يقول: أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَإِنَّ أَفْضَلَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا. ([16]).
وفي كتبه ورسائله لما كتب إلى هرقل قال: مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ وَرَسُولِهِ، إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ، سَلَامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدَاعِيَةِ اللهِ –تَعَالَى- إِلَى الإِسْلامِ، وَأَسْلِمْ يُؤْتِكَ اللهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ. ([17]).
واختُلف في أولِ مَن قالها:
فقيل: أول من قالها داود -عليه الصلاة والسلام- .
وقيل: قُسُّ بن ساعِدة .
وقيل: غير ذلك ([18]).
والمقصود أن (أَمَّا بعدُ)، أو (وبعد) يُؤْتَى بها للانتقال من شيء إلى شيء، وهو هنا الانتقال من الخطبة إلى الدخول في صلب الموضوع.
قوله: «فَجَعَلَنَا اللهُ وَإِيَّاكَ مِنَ الْمُوَفَّقِينَ»، هذا من نُصح المؤلِّف؛ أنه يعلمك ويرشدك، ويدعو لك، وبذلك جمع بين أمرين: تعليم العلم، والدعاء لك، وهذا من صفات العلماء الناصحين، وإنَّ أنصحَ الناس للناس هم العلماء، ينصحون للناس في الحياة وبعد الممات.
ومثال ذلك صاحب (يس)، الذي نصح قومَه فقتلوه، فلما بعثه الله ورأى ما له من الثواب على إيمانه، تمنَّى أن يعلم قومُه حالَه ليتبعوه، فالله -تعالى- بلغ عنه: وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ [يس: 20 - 25]، هذا من نصحه نصح لهم في الحياة.
وبعد الممات: قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ [يس: 26]، أي: يعلمون أني على خير؛ حتى يعلموا ويستقيموا على طاعة الله، وحتى يوحدوا الله، فبلَّغ الله عنه: قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ [يس: 26- 27]. فأنصحُ الناسِ للناس هم الأنبياء والرسل –عليهم السلام-، ثم العلماء بعدهم، فالعالم يعلمك ويدعو لك.
فقوله: «فَجَعَلَنَا اللهُ وَإِيَّاكَ مِنَ الْمُوَفَّقِينَ» أي: جعلنا الله وإياك يا طالب العلم من الموفقين، والموفَّق: هو الذي وفَّقه الله وسدَّده، وقذف في قلبه محبةَ الحق، وقبولَه، والرضا به، واختيارَه.
قوله: «وَأَلْحَقَنَا بِدَرَجَاتِ الصَّادِقِينَ»، هذه دعوة ثانية، والصادقون هم الذين صدَّقوا إيمانَهم بأقوالهم وأعمالهم، آمنوا بالله وأحبوا الله ، وأقروا بألسنتهم، وعملوا بجوارحهم؛ فصارت أعمالهم تُصدِّق أقوالهم، وأعمالهم وأقوالهم تصدق ما في قلوبهم من الإيمان، فالقلب يصدق، واللسان ينطق، والجوارح تعمل، هذا هو المصدِّق، بخلاف الكاذبين المنافقين.
فالمنافقون قلوبهم تُكذِّب أعمالهم، وهم يعملون ويصلون ويصومون، ولكن قلوبهم مكذبة -نعوذ بالله-؛ فلذلك حبطت أعمالهم، قال الله : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ [البقرة: 8]، فهم يقولون: إنهم مؤمنون، باللسان؛ إلا أن قلوبَهم لا تحمل شيئًا منه، فما هم بمؤمنين حقًّا.
وقال : إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ [المنافقون: 1]. فهم كاذبون، يشهدون بألسنتِهم أنه رسولُ الله، وقلوبُهم مُكَذِّبةٌ.
والصادقون على درجات، والصدق إذا قوي صار المؤمن صدِّيقًا، والصدِّيق هو الذي قوي تصديقه، حتى إن إيمانه الصادق ليحرق الشبهات والشهوات؛ ولهذا صار الصدِّيق في مرتبة بعد مرتبة الأنبياء، وقبل مرتبة الشهداء، وأعظمهم وأعظم الناس صدِّيقية الصدِّيق الأكبر أبو بكر .
وقد ورد في القرآن والسنة الثناء على الصادقين، ووعدهم بالفوز العظيم:
قوله : قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [المائدة: 119].
قوله : إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا الأحزاب: ٣٥.
قوله -سبحانه-: الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ [آل عمران: 17].
قوله الله -تعالى-: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة: 119].
قوله -عليه الصلاة والسلام-: الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ قَالَ: حَتَّى يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا. ([19]).
قوله -عليه الصلاة والسلام-: وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ الله صِدِّيقًا. ([20]).
***
ثم قال المؤلف -رحمه الله-: «فَإِنَّك سَأَلْتِنِي أَنْ أَخْتَصِرَ لَك مِنْ كِتَابِ الشَّرِيعَةِ»، يتكلم كأنه يخاطب بعضَ تلاميذه، كأن هذا الكتاب جوابٌ عن سؤال؛ والسائل سأل المؤلف أن يكتب له مختصرًا من كتاب الشريعة للآجري؛ فأجابه إلى سؤاله.
قوله «لأبي بكر محمد بن الحسين الآجُرِّيّ»، هو الإمام أبو بكر محمد بن الحسين بن عبد الله الآجُرِّيّ المتوفى سنة ستين وثلاثمائة، قال الذهبي -رحمه الله-: «وله تصانيف حسنة، وكان من الأئمة»، وكتابه (الشريعة) من الكتب الحافلة المهمة في شرح وبيان عقيدة أهل السنة.
قوله: « أُصُولًا فِي السُّنَّةِ وَأَحْكِي كَلَامَهُ فِيهَا، فَأَجَبْتُك إِلَى ذَلِكَ»؛ فتبين بهذا أن هذه الرسالة وهذا الكتاب جواب عن سؤال، ولم يذكر اختصارَه لكتاب التوحيد من صحيح البخاري، ولا اختصارَه لكتاب مشكل الحديث لابن قتيبة؛ لأن أكثر ما نقل المؤلفُ هو من كتاب الشريعة، وإلا فهو نقل كما سيأتي من كتاب التوحيد للإمام البخاري، وكذلك نقل عن ابن قتيبة، إلا أن أكثرَ نقلِه كان من كتاب الشريعة؛ وهذا اختصار من المؤلف -رحمه الله-.
قوله: «إِذْ كَانَ إِمَامًا نَاصِحًا، وَوَرِعًا صَالِحًا، وَكَلَامُهُ نَيِّرًا وَاضِحًا» إذ ظرفية، يعني: حيث، أي: لأن الإمام الآجُرِّيّ -رحمه الله- إمامٌ ناصح للأمة في مؤلفاته؛ حيث نقل الأدلةَ من الكتاب والسنة وكلامِ أهل العلم، وبوَّبَ تبويبًا بديعًا، وردَّ على أهل البِدَع، فكان ناصحًا، فلهذه الأسباب أجابَ المؤلفُ السائلَ لطلبه.
قوله: «نَفَعَنَا اللهُ وَإِيَّاكَ بِهِ وَجَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ» أي: نفعنا الله وإياك أيها السائل وجميعَ المسلمين بما نقلته لك من كتاب الإمام الآجُرِّيّ في الشريعة.
قوله: «إِنْ شَاءَ اللهُ» ليس شكًّا، إذ ليس هذا من باب الاستثناء، فالدعاءُ لا ينبغي للإنسان أن يستثني فيه؛ ولهذا قال النبي ﷺ: إذا دَعَا أحَدُكُمْ فَلْيَعْزِم المَسْأَلَةَ، وَلا يَقُولَنَّ: اللهُمَّ إنْ شِئْتَ فَأَعْطِنِي، فَإنَّهُ لَا مُسْتَكْرِهَ لَهُ. ([21]).
فليس مقصود المؤلف -رحمه الله- هنا الاستثناء في الدعاء، وإنما مقصودُه مثل ما جاء في الحديث: طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللهُ. ([22]). فيكون هذا من باب الخبَرِ الذي لا يُقصَد به الاستثناء، أو هو من باب التبرُّك بذكر اسم الله .
| المتن |
بَابٌ فِي وُجُوبِ النَّصِيحَةِ وَلُزُومِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ
1- أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ السُّكَّرِيُّ –رحمه الله- قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّاسٌ التَّرْقُفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله ﷺ: إِنَّمَا الدِّينُ النَّصِيحَةُ، إِنَّمَا الدِّينُ النَّصِيحَةُ ثَلَاثًا، قَالَ: لِمَنْ؟ قَالَ: لِلَّهِ تَعَالَى، وَلِكِتَابِهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلِأَئِمَّةِ الْمُؤْمِنِينَ، وَعَامَّتِهِمْ. ([23]).
وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ فِي الْمُسْنَدِ: عَنْ سُفْيَانَ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ عَطَاءٍ ([24]).
وَرَوَاهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ وَوَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سُهَيْلٍ ([25]).
2ـ وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْبَادِي -رحمه الله-، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ مَانِعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ خِرَاشٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللِّيثِيِّ، وَذَكَرَهُ.
| الشرح |
هذا الباب الأول من أبواب هذا الكتاب. قال: «بَابٌ فِي وُجُوبِ النَّصِيحَةِ وَلُزُومِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ».
وهذه الترجمة تضمنت أمرين:
الأمر الأول: وجوب النصيحة: فالنصيحة واجبة على كل إنسان بحسبه.
الأمر الثاني: كذلك لزوم السُّنَّة والجماعة.
فإذا تخلف أيٌّ من الأمرين كان هناك نقص في اعتقاد المرء، فلو أهمل النصيحة صار الإنسان عنده خلل في عقيدته، وكذلك إذا لم يلزم السنة والجماعة؛ انحرف، وصار مع أهل البدع.
فالواجب على المسلم أن يلتزم بهذين الأمرين: النصيحة، وأن يلزم السنة والجماعة.
وذكر المؤلف رحمه الله تحت هذه الترجمة تسعة من الأحاديث والآثار، وأول حديث ذكره حديث تميم الداري ، وهو حديث مشهور، وهو من أحاديث الأربعين النووية، يحفظه كل إنسان، وهو أن النبي ﷺ قال: الدِّينُ النَّصِيحَةُ، الدِّينُ النَّصِيحَةُ، الدِّينُ النَّصِيحَةُ ثلاثا.
وذكر المؤلف رحمه الله لفظا آخر قال: إِنَّمَا الدِّينُ النَّصِيحَةُ، إِنَّمَا الدِّينُ النَّصِيحَةُ، إِنَّمَا الدِّينُ النَّصِيحَةُ. قال: لمن؟، وفي لفظ: قلنا لمن يا رسول الله؟ قال: لِلَّهِ تَعَالَى، وَلِكِتَابِهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلِأَئِمَّةِ الْمُؤْمِنِينَ، وَعَامَّتِهِمْ، وهذا الحديث رواه الإمام مسلم كما هو معروف، ورواه الإمام أحمد والنسائي والبيهقي في السنن.
والمؤلف رحمه الله ذكر سند الإمام أحمد، وطرق الحديث قال: رواه الإمام أبو عبد الله أحمد بن حنبل في المسند عن سفيان عن سهيل، ثم قال: ورواه عن عبد الرحمن بن مهدي، ثم قال: وأخبرنا أبو الحسن، وهذا الحديث حديث صحيح حديث ثابت، وهو من جوامع الكلم الذي أوتيه النبي ﷺ.
والنبي ﷺ أوتي جوامع الكلم، واختصرت له الحكمة اختصارا.
والنبي ﷺ حكيم، والأنبياء أفضل الحكماء، والحكيم هو الذي يأتي بألفاظ قليلة وتحتها معانٍ غزيرة؛ ولهذا فإن النبي ﷺ كان إذا خطب خطبة الجمعة يخطب بكلمات معدودة، لو عدها العادُّ لعدّها، لكن كل كلمة منها تحتها معانٍ غزيرة؛ ولهذا تحفظ خطبته ([26])، بخلاف بعض الخطباء الثرثارين، تجد الخطبة تستمر ساعة أو ساعتين، لكن يثرثر بألفاظ جوفاء، ليس فيها معانٍ، يكرر ويعيد.
وكان أحيانا يخطب بـ ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ [ق: ١]. حتى قالت أُخْتٌ لِعَمْرَةَ وهي إحدى الصحابيات: «أَخَذْتُ ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ مِنْ فِي رَسُولِ اللهِ ﷺ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَهُوَ يَقْرَأُ بِهَا عَلَى الْمِنْبَرِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ» ([27]).
ولهذا قال النبي ﷺ في الحديث الصحيح: إِنَّ طُولَ صَلَاةِ الرَّجُلِ وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ. ([28])، أي: علامة على فقهه.
وهذا الحديث داخل تحت الجزء الأول من الترجمة، وهو قوله: «باب وجوب النصيحة».
ففيه وجوب النصيحة.
وفيه أن النبي ﷺ جعل الدين كله نصيحة، قال ﷺ: الدِّينُ النَّصِيحَةُ، فالنصيحة هي الدين كله، لشمولها إياه، وهذا واضح من الحديث، فالنصيحة هي الدين كله، والدين كله هو النصيحة؛ ولهذا فسرها لما قيل: يا رسول الله لمن؟ قال: لِلَّهِ تَعَالَى، وَلِكِتَابِهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلِأَئِمَّةِ الْمُؤْمِنِينَ، وَعَامَّتِهِمْ.
فالنصيحة لله -تعالى-: هي توحيده، وإخلاص الدين له، وأداء حقه –سبحانه-، ومنها أن توحد الله بأسمائه وصفاته وأفعاله وألوهيته وعبادته، وأن تؤدي حقه، وأن تأتمر بأمره، وتنتهي عن نهيه، وتبتعد عن الشرك وعن المعاصي والكبائر.
والنصيحة لكتاب الله: هي أن تؤمن بكتاب الله، وأن تقرأه، وأن تتدبره وتتفهم معانيه، وتعمل بمحكمه، وتؤمن بمتشابهه، وتقف عند حدوده، وتتعظ بمواعظه، وتنزجر بزواجره، وتستفيد وتعتبر بأمثاله.
والنصيحة للرسولﷺ: هو أن تؤمن به -عليه الصلاة والسلام-، تؤمن بنبوته ورسالته، وتعتقد أن الرسل أفضل الناس، وأن تصدقه في أخباره، وتمتثل أوامره، وتجتنب نواهيه، وتتعبد لله بما شرع في كتابه، وعلى لسان رسوله ﷺ.
والنصيحة لأئمة المؤمنين: وفي لفظ: وَلِأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ. ([29])، هو السمع والطاعة لولاة الأمور في طاعة الله ، وموالاتهم ومحبة الخير لهم، وعدم الخروج عليهم، أو التأليب عليهم، ومناصحتهم فيما بينك وبينهم سرًّا فيما يناسبهم في الأوقات المناسبة، وبالعبارات المناسبة، والعمل المناسب.
وطاعتهم مقيدة بما فيه طاعة لله ، كما قال -عليه الصلاة والسلام-: لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ تعالى. ([30]). وقال-عليه الصلاة والسلام-: إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ. ([31]). لكن ليس معنى ذلك أن يتمرد الإنسان على ولي أمره، فالمعنى أنه: لا يطيعه في المعصية، لكن لا يتمرد عليه، ولا ينزع يد الطاعة، ولا يؤلب الناس عليه.
والوالد: إذا أمر ولده بالمعصية لا يطيعه، لكن ليس معنى ذلك أن يتمرد الابن على والده ويعصيه ويعقُّه، لكن المعنى لا يطيعه في المعصية.
والزوجة: لا تطيع زوجها في المعصية، لكن ليس معنى ذلك أن تتمرد على زوجها، وتخرج من طاعته، بل لا تطيعه في خصوص المعصية.
وكذلك العبد: لا يطيع سيده في معصية الله ، لكن ليس معنى ذلك أن يتمرد على سيده، بل معنى ذلك أنه لا يطيعه في خصوص المعصية.
وكذلك ولاة الأمور: يطاعون في طاعة الله وفي الأمور المباحة، ولا يجوز الخروج عليهم ولا منابذتهم، ولا تأليب الناس عليهم، وإنما النصيحة لهم على النحو المبيَّن سابقًا.
والنصيحة لعامة المسلمين: محبة الخير لهم وتعليمهم وإرشادهم ووعظ جاهلهم وإطعام جائعهم، وتوجيههم إلى الخير، وتحذيرهم من الشر، ومحبة الخير لهم؛ كما يحب الإنسان لنفسه، كما قال النبي ﷺ في الحديث الصحيح: لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيْهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ. ([32]).
وبهذا يتبين أن النصيحة هي الدين كله، نعم، هل بقي شيء بعد ذلك؟ ما بقي شيء، فالدين النصيحة.
فهذا الحديث -بالإضافة إلى دلالته على وجوب النصح ولزوم الجماعة- هو دليل أيضًا على صدق إخباره ﷺ أنه قد أوتي جوامع الكلم، فصلوات والله وسلامه عليه، وعلى آله، وعلى أصحابه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان.
| المتن |
أوصاف المحدثين ونقلة العلم والأخبار
3ـ وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْبَاقِي قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ نَجْدَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي قَبَيلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو وَأَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَا: قَالَ رَسُول الله ﷺ: يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ، يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ، وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ، وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ. ([33]).
وَهَذَا أَوَّلُ حَدِيثٍ فِي الشَّرِيعَةِ، رَوَاهُ الْآجُرِّيُّ عَنِ الْفِرْيَابِيِّ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْحِمْصِيِّ، عَنْ مُعَانِ بْنِ رِفَاعَةَ السَّلَامِيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعُذْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- وَذَكَرَهُ.
قَالَ مُهَنَّا: (سَأَلْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ رحمه الله عَنْ حَدِيثِ مُعَانِ بْنِ رِفَاعَةَ وَقُلْتُ: كَأَنَّهُ كَلَامٌ مَوْضُوعٌ، قَالَ: لَا، هُوَ صَحِيحٌ، وَمُعَانٌ لَا بَأْسَ بِهِ).
| الشرح |
هذا الحديث وهو قوله -عليه الصلاة والسلام-: يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ، يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ، وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ، وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ، يقول المؤلف رحمه الله : «هذا أول حديث في كتاب الشريعة للآجري»، رواه الآجُرِّيّ، عن الفريابي، عن قتيبة بن سعيد، عن سعيد بن عبد الجبار الحمصي، عن معان بن رفاعة السلامي، عن إبراهيم بن عبد الرحمن العذري، عن النبي ﷺ، وهذا مرسلٌ؛ لأن إبراهيم بن عبد الرحمن العذري ليس صحابيًّا، فيكون مرسلاً([34])، والمرسل ضعيف ([35]).
ولهذا فإن هذا الحديث ضعَّفه بعض أهل العلم؛ كما ذكر المحققون والمخرِّجون لهذا الحديث .[36]
والحديث له طرقٌ متعددةٌ، منها المرسل كما ذكره الآجُرِّيّ، لكن له طرق أخرى متصلة؛ ولهذا قال مُهنا: إنه سأل الإمام أحمد رحمه الله عن حديث معان بن رفاعة، قال له: كأنّه كلام موضوع؟ فقال الإمام أحمد: لا، هو صحيحٌ، ومعان لا بأس به ([37])، وصحح الحديث.
وقد جمع العلامة ابن القيم رحمه الله طرق الحديث في كتابه (مفتاح دار السعادة)([38])، في فصل وأطال، وقال: «هذا الحديث له طرق عديدة»، وذكر ما يقرب من عشرة طرق، وقال: «إنه صحيح وذكر له طرقا متعددة»، وقال: «إن هذا الحديث له معانٍ عظيمة».
وقال بعض المحققين: إن الحديث وإن كان له طرق متعددة إلا أن كلها ضعيفة لا يثبت منها شيء، وقال البُلْقِيني: «الحديث لم يصح».
فاجتمع من أقول العلماء في حكم هذا الحديث رأيان:
الأول: أنه لم يصح، كقول البلقيني .
الثاني: أنه صحيح، كما قال الإمام أحمد، والعلامة ابن القيم، والحديث روي مرسلا وروي مرفوعا، وابن القيم رحمه الله اعتمده، وهو أيضا من المحققين ومن أهل الحديث.
وإن كان كثيرٌ من المحققين والمؤلفين ضعّفوا الحديث، فيكون الحديث مختلفًا في تصحيحه وتضعيفه، والصّواب مع من صححه؛ لأن الإمام أحمد -إمام أهل السنة والجماعة- من المتوسطين في التجريح والتعديل.
وهذا الحديث دليلٌ على تزكية أهل الحديث، وهم نقلة الحديث ونقاده، فهم عُدول بنص حديث رسول الله -ﷺ، لقوله: يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ.
قوله ﷺ: يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ، العلم الذي جاء به رسول الله ﷺ السنة، وإلا فالقرآن محفوظ لا إشكال فيه، يحفظه كل أحد، لكن السنة النبوية يحملها نقاد الحديث ونقلة الأخبار، وهم عدول بنص الحديث، وهذا تعديل وتوثيق من رسول الله ﷺ للمحدثين ونقلة الأخبار والنقاد.
قوله: مِنْ كُلِّ خَلَفٍ، والخلَف، هو الذي يأتي بعد السابق، فالسابق يسمى: سلف ([39])، والذي يأتي بعده يكون خلف، وهو العقب الصالح الذي يأتي بعد السلف الصالح، بخلاف الخَلْف -بإسكان اللام- فهو العقب الفاسد، كما قال : فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ [مريم: ٥٩]، أما العقب الصالح يقال له خلف فيقال: خير خلف لخير سلف.
والنبي ﷺقال: يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ.
وقد ذكر ﷺ في هذا الحديث أوصاف المحدثين ونقلة العلم والأخبار الذين عدَّلهم النبي ﷺوزكاهم وهي ثلاثة أوصاف:
الوصف الأول: أنهم يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ، والغالون جمع (غال)، والغالي هو الذي تجاوز الحد.
مثال ذلك: الخوارج الذين غلوا في النصوص؛ فيستدلون بما جاء من النصوص في المعاصي ويجعلونها حجة على التكفير، وذلك بأنهم عمدوا إلى أحاديث نزلت في الكفار فجعلوها في عصاة المسلمين؛ فمثلا إذا قرءوا قول الله -تعالى-: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا [النساء: ١٠]. حكموا على آكل مال اليتم بالكفر، قالوا: التخليد في النار.
وكذلك أيضا حديث: إذَا قَالَ الرَّجُلُ لأَخِيهِ: يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ ([40]) بِهَا أَحَدُهُمَا، فَإنْ كانَ كَمَا قَالَ وَإلَّا رَجَعَتْ عَلَيْهِ ([41]). جعلوه في الكفر الأكبر، ولم يجمعوا بين النصوص.
وكذلك قوله -تعالى- : وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء: ٩٣]. قالوا: إن هذا مخلد في النار، ولم ينظروا إلى الآية الأخرى: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ [البقرة: ١٧٨]. فهم أهل زيغ وضلال، بما غَلَوْا وعمدوا إلى بعض النصوص وأولوها على غير تأويلها، كما أنهم بفعلهم هذا أخذوا ببعض النصوص وتركوا النصوص من الجانبين.
فأهل العلم وأهل الحديث ينفون عن الحديث تحريف الغالين، -كالخوارج، والمعتزلة، والقدرية، والروافض، والجهمية، والمعتزلة، والمرجئة، وغيرهم من أهل البدع- ، ويبينون معاني النصوص، ويضعونها في مواضعها، ويجمعون بين النصوص.
الوصف الثاني: أنهم ينفون عن الدين انْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ؛ والمبطلون الذين ينتحلون النصوص، ويستدلون بها على باطلهم، فيبينون هذا الانتحال وهذا الانتساب، وبعض المبطلين (وهم من الطوائف المنحرفة) يأخذ بعض النصوص ويستدل بها على باطله، فيحذف؛ أو يبتر النصوص عما قبلها وما بعدها، كمن يقرأ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ [الماعون: ٤]، ولا يقرأ ما بعدها، فينتحل هذه النصوص ويستدل بها على باطله، فالعلماء والمحدثون يبينون انتحال المبطلين، ويبينون معاني النصوص.
الوصف الثالث: أنهم ينفون عن الدين تَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ: والجهال هم الذين ليس لهم عِلم ولا بصيرة، ولا فقه في شريعة الله ، ويتأولون النصوص على غير تأويلها بسبب جهلهم وقلة علمهم وقلة بصيرتهم.
فلهذه الأوصاف العظيمة زكَّاهم النبي ﷺ وعدَّلهم، فقال:يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ، يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ، وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ، وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ، وهذه المعاني العظيمة ولأجل هذه المعاني العظيمة، ولكون الحديث له طرق متعددة صححه الإمام أحمد والعلامة ابن القيم وغيرهم من أهل العلم، وإن كان بعضهم قد ضعفه.
| الحواشي |
([1]) حديث افتراق الأمة إلى اثنتين وسبعين فرقة أخرجه أبو داود: كتاب السنة، باب شرح السنة، رقم (4596)، والترمذي: كتاب الإيمان، باب افتراق الأمة، رقم (2640) وقال: حسن صحيح. وابن ماجه: كتاب الفتن، باب افتراق الأمم، رقم (3991).
([2]) انظر: شرح الطحاوية في العقيدة السلفية، لابن أبي العز (1 / 342).
([3]) أخرجه أبو داود: كتاب العلم، باب الحث على طلب العلم، رقم (3641)، والترمذي: كتاب العلم، باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة، رقم (2682) ، وابن ماجه: كتاب المقدمة، باب فضل العلماء والحث على طلب العلم، رقم (223).
([4]) أخرجه مسلم: كتاب الذكر والدعاء، رقم (2699).
([5]) أخرجه البخاري: كتاب العلم، باب من يرد الله به خيرًا يفقه في الدين، رقم (71)، ومسلم: كتاب الزكاة، رقم (1037).
([6]) انظر: اختلاف الأئمة العلماء (1/18)، ومجموع الفتاوى (20/212).
([7]) انظر: متن القصيدة النونية (1/ 266).
[8]- أخرجه البخاري: كتاب بدء الوحي، كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله ﷺ؟ رقم (1)، ومسلم: كتاب الإمارة، رقم (1907).
([9]) أخرجه البخاري:كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود، رقم (2697)، ومسلم: كتاب الأقضية ، رقم (1718).
([10]) أخرجه مسلم: كتاب الأقضية، رقم (1718).
([11]) هو الإمام أبو بكر محمد بن الحسين بن عبد الله الآجُرِّيّ، ت 360 هـ، قال الذهبي: «وله تصانيف حسنة، وكان من الأئمة». انظر: تذكرة الحفاظ (3/936/856), وشذرات الذهب (3/35), ووفيات الأعيان (1/488)، وكتابه الشريعة من الكتب الحافلة المهمة في شرح وبيان عقيدة أهل السنة.
([12]) أخرجه ابن جرير في تفسير البسملة. انظر: تفسير الطبري: (1/123) .
[13]- أخرجه البخاري تعليقا: كتاب تفسير القرآن، بَابُ قَوْلِهِ: إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا [الأحزاب: 55].
([14]) أخرجه مسلم: كتاب الفضائل، رقم (2278).
[15]- يعني قوله ﷺ: إِنَّ لِي أَسْمَاءً، أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَنَا أَحْمَدُ، وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللهُ بِيَ الْكُفْرَ، وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمَيَّ، وَأَنَا الْعَاقِبُ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ أَحَدٌ، وَقَدْ سَمَّاهُ اللهُ رَءُوفًا رَحِيمًا. أخرجه البخاري: كتاب المناقب، باب ما جاء في أسماء رسول الله ﷺ، رقم (4896)، ومسلم: كتاب الفضائل، رقم (2354).
[16]- أخرجه مسلم: كتاب الجمعة، رقم (867).
[17]- أخرجه البخاري: كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله ﷺ، رقم (7)، ومسلم: كتاب الجهاد والسير، رقم (1773).
[18]- قال العجلوني في كشف الخفاء (1 / 194): «اختلف في أول من نطق بأما بعد على أقوال: فقيل آدم، وقيل يعقوب، وقيل يعرب بن قحطان، وقيل سحبان بن وائل، وقيل كعب بن لؤي، وقيل قس بن ساعدة، وقيل داود وهو أقربها، وقد نظم ذلك بعضهم فقال: جرى الخلف (أما بعد) من كان ناطقا.... بها عد أقوال وداود أقرب». انتهى.
([19]) أخرجه البخاري: كتاب البيوع، باب إذا بين البيعان ولم يكتما ونصحا، رقم (2079)، ومسلم: كتاب البيوع، رقم (1532).
([20]) أخرجه مسلم: كتاب البر والصلة والآداب، رقم (2607).
([21]) أخرجه البخاري: كتاب الدعوات، باب ليعزم المسألة، فإنه لا مكره له، رقم (6338)، ومسلم: كتاب الذكر والدعاء والتوبة، رقم (2678).
([22]) أخرجه البخاري: كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، رقم (3616).
([23]) أخرجه مسلم : كتاب الإيمان : رقم(55) .
([24]) أخرجه أحمد في المسند : رقم (16940).
([25])أخرجه أحمد في المسند : رقم (16947).
([26])عن عائشة : «أن النبي ﷺكان يُحَدِّثُ حَدِيثًا لَوْ عَدَّهُ العَادُّ لَأَحْصَاهُ» ، أخرجه البخاري : كِتَابُ المَنَاقِبِ ، بَابُ صِفَةِ النَّبِيِّ ﷺ ، رقم (3567)، ومسلم: كتاب فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، رقم (2493).
([27])أخرجه مسلم : كتاب الجمعة ، رقم (872).
([28]) أخرجه مسلم: كتاب الجمعة، رقم (869).
([29]) أخرجه مسلم: كتاب الإيمان، رقم (55).
([30]) أخرجه أحمد في المسند : رقم (1095).
([31]) أخرجه البخاري: كتاب الأحكام، باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية، رقم (7145)، ومسلم: كتاب الإمارة، رقم (1840).
([32]) أخرجه البخاري: كتاب الإيمان، باب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، رقم (13)، ومسلم: كتاب الإيمان، رقم (45).
([33]) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى :كتاب الشهادات ، بَابُ: الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ يُسْأَلُ عَنِ الرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ ، رقم (20911) ، وابن وضاح في البدع : بَابُ مَا يَكُونُ بِدْعَةً، رقم (1) .
([34]) تعريف الحديث المرسل: «هو ما سقط من آخره من بعد التابعي». وقال: «وصورته: أن يقول التابعيُّ -سواء كان كبيرًا أو صغيرًا-: قال رسول الله ﷺ كذا، أو فعل كذا، أو فُعِلَ بحضرته كذا، أو نحو ذلك». قال: «وهذا الذي عليه جمهور الْـمُحَدِّثِين». وانظر: نزهة النظر (1/101) ، والنكت على ابن الصلاح: (2/543).
([35]) قال ابن حجر في نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر ( 1 / 220): «إنْ عُرِفَ مِن عادةِ التابعي أنه لا يُرْسِل إلا عن ثقةٍ، فذهب جمهور المحدثين إلى التوقف؛ لبقاء الاحتمال، وهو أحَدُ قَوْلَي أحمد، وثانيهما -وهو قول المالكيِّين والكوفيين-: يُقْبَلُ مطلقًا، وقال الشافعي: يُقْبَلُ إن اعْتَضَد بمجيئه مِن وجهٍ آخرَ يُبايِنُ الطريقَ الأُولى، مسنَدًا أو مرسَلًا، لِيَرْجَحَ احتمالُ كونِ المحذوفِ ثقةً في نفسِ الأمر. ونَقل أبو بكر الرازي من الحنفية، وأبو الوليد الباجي من المالكية: أن الراوي إذا كان يُرْسِل عن الثقات وغيرهم لا يُقْبَلُ مُرْسَلُه اتّفاقًا».
[36] - كالشيخ الدكتور عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر، فقد ذكر تخريج هذا الحديث، وأنه رواه البزار كما في كشف الأستار، والعقيلي في الضعفاء، وابن عبد البر، كلهم من طريق خالد بن عمرو؛ وقال البزار: «خالد بن عمرو هذا منكر الحديث»، والحديث له طرق أيضًا ذكرها العلماء في الكامل، وفي الضعفاء، وفي شرف أصحاب الحديث للخطيب البغدادي.
([37]) انظر: شرف أصحاب الحديث ( 1 / 29)، وتاريخ مدينة دمشق ( 7 / 39)، والنكت على مقدمة ابن الصلاح ( 3 / 333)، ولسان الميزان ( 1 / 77).
([38]) انظر: مفتاح دار السعادة ( 1 / 48).
([39]) السلف هم العلماء العدول الوارثون عن رسول الله الحقائق والمعارف والعقائد ويمكن أن يقال هم السادة الأخيار إلى نهاية المائة الثالثة من الهجرة النبوية الشريفة المباركة.
انظر: إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل ـ بدر الدين بن جماعة: ( 1 / 40).
([40]) باءَ: رجع، والمراد: اتصف بالكفر. انظر: القاموس المحيط (1/ 34) .
([41]) أخرجه البخاري: كتاب الأدب، باب من كفر أخاه بغير تأويل فهو كما قال، رقم (6104)، ومسلم: كتاب الإيمان، رقم (60).