| المتن |
فَصْلٌ
ذِكْرُ عَقِيدَةِ الرَّافِضَةِ
60- وَأَمَّا الرَّوَافِضُ فَأَقْوَالُهُمْ فِي فِرَقِهِمْ مُخْتَلِفَةٌ، وَأَشَرُّهُمُ الْغُلَاةُ، وَلَهُمْ مَسَائِلُ فَظِيعَةٌ، مِنْهَا أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَفْضَلُ مِنْ جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ، وَقَدْ أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى تَفْضِيلِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِ وَعَلَى سَائِرِ الصَّحَابَةِ قَبْلَ خَلْقِ الْمُخَالِفِ.
وَمِنْهَا أَنَّ عَلِيًّا عِنْدَهُمْ فِي السَّحَابِ يُقَاتِلُ أَعْدَاءَهُ، وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ جَسَدَهُ فِي الْقَبْرِ مَدْفُونٌ، وَمِنْهَا: أَنَّهُ عِنْدَهُمْ يَرْجِعُ آخِرَ الزَّمَانِ.
وَيَقُولُونَ: إِنَّ جِبْرِيلَ غَلِطَ بِالْوَحْيِ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَدَّعِي فِيهِ الْإِلَهِيَّةَ، وَعِنْدَهُمُ الْقُرْآنُ غُيِّرَ وَبُدِّلَ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْقَبَائِحِ.
| الشرح |
هذا فَصْلٌ عَقَده المؤلفُ -رحمه الله- في بيان الروافض ومخازيهم فقال: «وَأَمَّا الرَّوَافِضُ فَأَقْوَالُهُمْ فِي فِرَقِهِمْ مُخْتَلِفَةٌ، وَأَشَرُّهُمُ الْغُلَاةُ، وَلَهُمْ مَسَائِلُ فَظِيعَةٌ» وبهذا يكون المؤلفُ قد جعل الروافض فِرقًا مُتعددةً. والمعروف أن الشيعةَ فِرقٌ مُتعددة، وأن الروافض فِرقةٌ مِن فِرَق الشيعة.
والشيعةُ كما ذكر أصحاب الفِرَق كالبغدادي في الفرق وغيره ممن كتبوا في الفِرَق والمِلَل والنِّحَل، كابن حَزْم، والشَّهرستاني؛ أقول ذكروا أن الشيعةَ أربع وعشرون فِرقة، منهم الغالي ومنهم غير الغالي، ومنهم الكافر ومنهم المشرك؛ على حسب العقيدة، وأشد فرقهم غُلَاة النُّصَيْرِية.
والنُّصَيرية هؤلاء أشدُّ غُلَاة الشيعة فهم يقولون: إن الله حَلَّ في عَلِيٍّ، وإن عَليًّا هو الإله؛ وهؤلاء أكفر الناس.
ومنهم المُخَطِّئة الذين قالوا: إن جِبريل أخطأ في الرسالة، فالله -تعالى- أرسل جِبريلَ بالرسالة إلى عَلِيٍّ، ولكن جبريل خَان وأوصَلها إلى محمد، ويقولون قولتهم المشهورة: «خَانَ الأمينُ» يعني جبريل «وصَدَّهَا» يعني الرسالة «عن حَيْدَرَة» لَقبٌ لعَلِيٍّ. وهذا كُفْر وغُلو ما بعده غلو.
وتأتي الفِرقةُ الثالثة، وهُم الرَّوافضُ، وسُمُّوا رافضةً؛ لأنهم رَفَضوا زيدَ بنَ عَلِيٍّ لمَّا سألوه عن أبي بكر وعمر فترحَّم عليهما وقال: هما وزيرَا جَدي رسول الله. فرفضوه فقال: رَفَضْتموني رَفَضْتُموني؛ فسُمُّوا الرافضة.
وكانوا يُسمَّون بالخَشَبِية؛ لأنهم يُقاتلون بالخَشب، فليس عندهم قِتال بالسيف حتى يخرج المهدي المنتظر الذي دخل السِّرداب.
وبعد ذلك لما طال عليهم الأمدُ جعلوا الوصاية فقالوا: فلان وَصِي الله حتى يخرج المهدي المنتظر، وسُمِّيت وِصاية الفقيه.
ويُسمَّوْن أيضًا الإمامية، ويُسمَّون الاثنا عَشرية؛ لأنهم يقولون بإمامة اثني عشر إمامًا، أوَّلهم: عَلِيٌّ وآخرهم محمد بن الحسن الذي دخل سِرداب سامراء سنة ستين ومائتين، وهو من نَسل الحسينِ بن عَلِيٍّ.
ولديهم ثَلاثةُ أنواع من أنواع الكفر:
النوع الأول: أنهم يعبدون آل البيت ويتوسلون بهم؛ يعبدون عَليًّا وفاطمةَ والحسن والحسين من دون الله، يدعونهم ويقصدونهم بالعبادة.
النوع الثاني: أنَّهم كذَّبوا الله في تَزكِية الصحابة، فالله -تعالى- زكَّى الصحابة وعدَّلهم ووعدهم بالجنة، وهم يقولون عنهم: إنهم كُفَّار. فمَن كفَّر مَن زكَّى الله ووعده بالجنة فقد كَذَّب الله، ومَن كذَّب الله فقد كَفَر.
والصحابة أيضًا هم الذين حَمَلُوا الشريعةَ؛ فهم الذين نَقَلوا لنا القرآنَ والسُّنةَ، فإذا كانوا كفارًا فكيف ينقلون الدين؟ وهل يُوثَق بالدين الإسلامي إذا كان نَقَلَتُه كفارًا؟ فهم يقولون عن الصحابة: كلُّهم ارتدوا وكفروا بعد وفاة الرسول ﷺ، ولم يبق منهم إلا أربعة، هم الذين وافقوا عَلِيًّا، هم المِقدَاد وأبو ذر وجماعة، والباقون كفروا وارتدوا، وغيَّروا وبدَّلوا وأخْفَوا النصوص التي فيها أن الخليفة عَلِيٌّ، فوَلِي أبو بكر زُورًا وبُهتانًا، ثم وَلِي عُمر زورًا وبُهتانًا، ثم ولي عثمان زورًا وبُهتانًا، ثم وَصلت النَّوْبةُ إلى عَلِيٍّ الذي هو الخليفةُ الأول.
النوع الثالث: أنهم كذَّبوا الله في أن هذا القرآن محفوظ، فالله -تعالى- يقول: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر: 9] فقالوا: القرآن ليس بمحفوظ؛ فقد ضاع ثُلثَاه، ولم يبق إلا الثلثُ.
وهناك مُصحفٌ يُسمَّى مصحف فاطمة، يقولون: إنه يُعادِل المصحفَ الذي بين أيدكم ثلاثَ مرَّات؛ حتَّى كتَبَ بعضُ الشيعة كتابًا سمَّاه (فَصْل الخِطابِ في إثبات تَحْرِيف كتاب رَبِّ الأرباب) فأثبت فيه أن كتاب الله مُحرَّف.
هؤلاء هُم الروافض، وهناك أيضًا فِرَق أخرى مثل الزيدية الذين قدَّموا عَليًّا على عُثمان فهؤلاء مُبتدعة.
ومن هنا يتبين أن الشيعة طبقات وفِرَق، منهم الكافر ومنهم المبتدع على حسب العقيدة. ولكن المؤلف جَعَل الروافض فِرقًا؛ والمعروف أن الروافض فِرقة واحدة يقال لهم: الرافضة، ويقال لهم: الإمامية ويقال لهم: الاثنا عشرية.
ويقول المؤلف عن الروافض «وَلَهُمْ مَسَائِلُ فَظِيعَةٌ، مِنْهَا أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَفْضَلُ مِنْ جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ» نعم يقولون: إنه أفضل من جميع الأنبياء، بل يقولون: إنه يتصرف في الكون، بل إنهم يقولون: هو الإله المعبود والعياذ بالله.
ويرد عليهم المؤلف بقوله «وَقَدْ أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى تَفْضِيلِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِ وَعَلَى سَائِرِ الصَّحَابَةِ قَبْلَ خَلْقِ الْمُخَالِفِ».
ومن هذه الفظائع: «أَنَّ عَلِيًّا عِنْدَهُمْ فِي السَّحَابِ يُقَاتِلُ أَعْدَاءَهُ» أي يقاتل أعداءَ الله، فكيف يكون عَلِي في السحاب وقد مات ودُفِن؟ ويجيب المؤلف: «وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ جَسَدَهُ فِي الْقَبْرِ مَدْفُونٌ».
ومِن فَظائِعهم أيضًا: «أَنَّهُ عِنْدَهُمْ يَرْجِعُ آخِرَ الزَّمَانِ» أي إن عليًّا يرجع آخر الزمان حيًّا، كما يقولون: «إِنَّ جِبْرِيلَ غَلِطَ بِالْوَحْيِ عَلَى مُحَمَّدٍ» وقد ذَكرنَا ذَلكَ في كلامنا عن المُخطِّئة.
«وَمِنْهُمْ مَنْ يَدَّعِي فِيهِ الْإِلَهِيَّةَ» فمنهم من يقول صَرَاحة: عَلِيٌّ هو الإله. «وَعِنْدَهُمُ الْقُرْآنُ غُيِّرَ وَبُدِّلَ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْقَبَائِحِ».
ولا شك أن قبائح الرافضة كثيرة فهم أهل نِفاق وكَذِب وزُور، وقد نَشَر أهلُ العلم مخازيَهم في بعض كُتبِهم تَبْيِينًا وتحريرًا. ومن هؤلاء الأئمة والعلماء الخلَّال في (السنة) وكذلك (شرح اعتقاد أهل السُّنة) وغير ذلك من كتب العقائد التي ذَكَرت عقائد الرافضة.
| المتن |
فَصْلٌ
ذِكْرُ عَقِيدَةِ الْمُرْجِئَةِ
61- وَأَمَّا الْمُرْجِئَةُ فَقَالَ أَحْمَدُ: هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ: مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله، وَفَعَلَ سَائِرَ الْمَعَاصِي لَنْ يَدْخُلَ النَّارَ أَصْلًا.
| الشرح |
هؤلاء هم المُرجِئة؛ وهم الذين أخرجوا الأعمالَ عن مُسمَّى الإيمان، وذَكَر شيخُ الإسلام -رحمه الله- في الفتاوى ثلاثةَ أصناف فقال: صِنفٌ يقولون: الإيمانُ مُجرَّد ما في القلب، ثُمَّ مِن هؤلاء مَن يُدخل فيه أعمالَ القلوب وهم أكثر فِرَق المرجئة، ومنهم مَن لا يُدخِلها في الإيمان كجَهْم ومن اتَّبَعه.
وصِنفٌ يقولون: هو مُجرَّد قول اللسان. وهذا لا يُعرَف لأحد قبل الكَرَّامِية.
وصِنفٌ يقولون: هو تصديق القلب وقول اللسان. وهذا هو المشهور عن أهل الفقه والعبادة منهم.
سبق أن ذكرنا أن المُرجئة أربع فرق:
الفِرقةُ الأولى: الجَهميةُ الذين يقولون: الإيمان مَعرفةُ الرَّب بالقلب فقط، والكفرُ جَهْل الرب بالقلب، وهؤلاء هم الغُلَاة. وهذا أَفْسدُ قولٍ في تعريف الإيمان.
الفِرقة الثانية: الكَرَّامية الذين يقولون: الإيمان هو النطق باللسان، فإذا نَطقَ الإنسانُ باللسان وشهد أن لا إله إلا الله وأن مُحمدًا رَسولُ الله، فهُو مُؤمن ولو كان مُكذِّبا بقَلبه؛ ولَكنه يُخلَّد في النار فإذا نطق بالشهادة فهو مكتمل الإيمان، وإن كان مكذبا يخلد في النار، فيجب على قولهم التناقض؛ يكون مؤمنا كامل الإيمان ويُخلَّد في النار.
الفرقةُ الثالثة: الأَشْعرية والماتُريدية، ويقولون: الإيمانُ تصديق القَلب فَقط، وهذا الذي عليه الإمام أبو حنيفة وطائفةٌ من أصحابه.
الفرقة الرابعة: مُرجِئة الفقهاء الذين يقولون: الإيمان فِعلٌ وتصديق القلب وقول اللسان، وهذا مذهب الإمام أبي حنيفة، وعليه أكثر أصحابه، وهم طائفة من أهل السُّنة، يقولون: الأعمال كالصلاة والصيام والزكاة مطلوبة، والواجبات واجبات، والمحرمات محرمات؛ لكنها لا تدخل في مسمى الإيمان. والإنسان عليه واجبان: واجب الإيمان، وواجب العمل، فالعمل شيء والإيمان شيء.
أما أهل السُّنة فيقولون: العمل من الإيمان، فكل الأعمال داخلة في مسمى الإيمان.
ويقول المؤلف: «وَأَمَّا الْمُرْجِئَةُ فَقَالَ أَحْمَدُ: هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ: مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله، وَفَعَلَ سَائِرَ الْمَعَاصِي لَنْ يَدْخُلَ النَّارَ أَصْلًا». الجهمية يقولون: إذا صدَّق بقلبه دخل الجنة، ولا يَضرُّه لو فعل جميعَ المنكرات والكبائر؛ بل حتى لو فعل جميع أنواع الرِّدَّة فلن تُضرَّه ما دام أنه صدَّق بقلبه، وهو يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله. وهذا من أفسد ما قيل.
إذن هم أربع فِرق؛ والفِرقة الرابعة من أهل السُّنة الذين يقولون: الإيمان هو تصديق القلب ونطق باللسان.
| المتن |
فَصْلٌ فِي السَّالِمِيَّةِ
62- وَهِيَ إِلَى أَهْلِ السُّنَّةِ أَقْرَبُ؛ إِلَّا أَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ الله -تَعَالَى- كَانَ رَائِيًا لِلْخَلْقِ وَهُمْ فِي الْعَدَمِ كَمَا هُوَ رَاءٍ لَهُمْ بَعْدَ الْوُجُودِ.
وَعِنْدَنَا كَانَ عَالِمًا بِهِمْ، وَأَمَّا الرُّؤْيَةُ فَبَعْدَ الْخَلْقِ لَهُمْ كَمَا قَالَ -تَعَالَى-: الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ [الشعراء: 218].
وَقَالُوا: أَسَجَدَ إِبْلِيسُ لِآدَمَ فِي الْفَانِي؟ وَقَالُوا: لِلَّهِ سِرٌّ لَوْ أَظْهَرَهُ لَبَطَلَ التَّدْبِيرُ، وَكَذَلِكَ لِلْأَنْبِيَاءِ وَلِلْعُلَمَاءِ وَهَذَا كُفْرٌ، وَقَالُوا: إِبْلِيسُ مَا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَقَالُوا: الْكُفَّارُ يَرَوْنَ الله فِي الْآخِرَةِ وَيُحَاسِبُهُمْ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ أَفْرَدْتُ مَعَهُمْ.
| الشرح |
هذا مَذْهب السَّالِمية أتباع هِشام بن سَالم الجَوالِيقي، ويقول المؤلف: «وَهِيَ إِلَى أَهْلِ السُّنَّةِ أَقْرَبُ» كما ذَكَر شيخُ الإسلام -رحمه الله- قُرْبَهم من أهل السُّنة، فيقول: «السَّالِمِيَّةُ أَتْبَاعُ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ سَالِمٍ هُمْ فِي غَالِبِ أُصُولِهِمْ عَلَى قَوْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ لَكِنْ لَمَّا وَقَعَ فِي بَعْضِ أَقْوَالِهِمْ مِنَ الْخَطَاءِ زَادَ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ مَنْ صَنَّفَ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ، حَتَّى رَدَّ عَلَيْهِمْ قِطْعَةً مِمَّا قَالُوهُ مِنَ الْحَقِّ» ([1]).
يقول المؤلفُ: «وَهِيَ إِلَى أَهْلِ السُّنَّةِ أَقْرَبُ»؛ لأنهم يُثبتون الأسماءَ والصفاتِ؛ ثم يقول: «إِلَّا أَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ الله -تَعَالَى- كَانَ رَائِيًا لِلْخَلْقِ وَهُمْ فِي الْعَدَمِ» يقولون: إن الله يَرَى الخَلْق قَبل أن يَخلقهم كما هو راءٍ لهم بعد الوجود.
ثم يقول المؤلف: «وَعِنْدَنَا كَانَ عَالِمًا بِهِمْ» أي عالمٌ بهم قبل أن يخلقهم، «وَأَمَّا الرُّؤْيَةُ فَبَعْدَ الْخَلْقِ لَهُمْ؛ كَمَا قَالَ -تَعَالَى-: الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ [الشعراء: 218].
«وَقَالُوا: أَسَجَدَ إِبْلِيسُ لِآدَمَ فِي الْفَانِي؟» أي كيف سَجَد إبليسُ لآدمَ وهو لم يكن قد خُلِق بَعْدُ؟ قالوا ذلك مع أن إبليسَ امتنع عن السجود كما أخبر الله: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ [البقرة: 34] فهذا قول مُناقضٌ للنصوص، ولا يَستسيغه عقلٌ.
«وَقَالُوا: لِلَّهِ سِرٌّ لَوْ أَظْهَرَهُ لَبَطَلَ التَّدْبِيرُ، وَكَذَلِكَ لِلْأَنْبِيَاءِ وَلِلْعُلَمَاءِ».
ثم عَلَّق المؤلفُ على قولهم هذا قائلًا: «وَهَذَا كُفْرٌ». «وَقَالُوا: إِبْلِيسُ مَا دَخَلَ الْجَنَّةَ»، هذا مع صراحة نص القرآن فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ [البقرة:36] والحديث في الآية لآدم وإبليس أن اهبطوا من الجنة إلى الأرض بعضكم لبعض عدو.
«وَقَالُوا: الْكُفَّارُ يَرَوْنَ الله فِي الْآخِرَةِ وَيُحَاسِبُهُمْ» وهم بذلك يُنكِرون قول الله -تعالى-: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ [المطففين: 15].
| المتن |
فَصْلٌ
ذِكْرُ عَقِيدَةِ الْكَرَّامِيَّةِ
63- وَالْكَرَّامِيَّةُ قَرِيبَةٌ أَيْضًا إِلَى أَهْلِ السُّنَّةِ، وَلَهُمُ التَّشْبِيهُ، وَقَدْ أَفْرَدْتُ الْمَسَائِلَ مَعَهُمْ فِي كِتَابٍ.
| الشرح |
الكَرَّاميةُ أَتباعُ محمد بن كَرَّام؛ وهم - كما سبق - يقولون: «الإيمانُ النطقُ باللسان ولو كان مُكذِّبًا بقَلْبه، فإذا نطق بلِسانه فهو مؤمن كاملُ الإيمان، وإذا كان مكذبًا بقلبه فهو مُخلَّد في النار»، وعلي قولهم يمكن للمؤمن الكامل الإيمان أن يُخلَّد في النار.
وهُم عِندَهم من المُشبِّهة. ويقول المؤلف: «وَقَدْ أَفْرَدْتُ الْمَسَائِلَ مَعَهُمْ فِي كِتَابٍ».
ويقول شيخُ الإسلامِ ابن تيمية -رحمه الله-: «الْكُلَّابِيَة وَكَذَلِكَ الكَرَّامِيَة فِيهِمْ قُرْبٌ إلَى أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ وَإِنْ كَانَ فِي مَقَالَةِ كُلٍّ مِنْ الْأَقْوَالِ مَا يُخَالِفُ أَهْلَ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ»([2])؛ أي إنهم قريبون من أهل السُّنة في إثبات الأسماء والصفات؛ ولهم أقوال أخرى يوافقون فيها أهلَ السُّنة والجماعة، إلا إنهم يقولون: «إن الكلامَ والخَلْق كانا ممتنعين على الله، ثم انقلبا فجأةً فصارا ممكنين.
أي إنهم يُعطِّلون الربَّ -تعالى- فترةً عن الخَلْق والكلامِ، وهذا مخالفٌ لأهل السُّنة، فهم يقولون: للكلامِ بدايةٌ، وأهل السُّنة يقولون: إن الله لم يَزل مُتكلِّمًا ولم يزل خَالقًا؛ وهذه من العقائد التي خالف فيها الكَرَّاميةُ أهلَ السُّنة.
| المتن |
فَصْلٌ
ذِكْر عَقِيدَةِ الْإِسْمَاعِيَلِيَّةِ
64- وَالْإِسْمَاعِيلِيَّةُ يَعْتَقِدُونَ الْقَوْلَ بِقِدَمِ الْعَالَمِ، وَتَعْطِيلِ الصَّانِعِ، وَإِبْطَالِ النُّبُوَّةِ وَإِنْكَارِ الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ، وَإِبْطَالِ الْعِبَادَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
| الشرح |
ذَكَر شيخُ الإسلام -رحمه الله- أن الكَرَّامِية قَريبةٌ من أهل السُّنة، وأنَّهم في الصفات والقَدَر والوَعِيد أشبه في الكثير من طوائف أهل الكلام.
أما الإسماعيليةُ فيقول عنهم المؤلفُ -رحمه الله-: «يَعْتَقِدُونَ الْقَوْلَ بِقِدَمِ الْعَالَمِ»، والإسماعيلية ضَرْب من الباطنية، البعضُ يقول عنهم: إنَّهم مِن غُلَاة الرَّافِضة؛ وهم يُنكرون أن يكون الإمام إسماعيل بن جعفر بن محمد قد مات في حياة أبيه؛ لأنه في زَعْمهم لا يُمكن أن يموتَ حتى يملك؛ لأن أباه قد كان يُخبر أنه وَصِيُّه وأنه الإمامُ بعده.
وقد كَذَّبهم في هذه المقالة جميعُ أهلِ التواريخ لمَّا صحَّ عندهم موتُ إسماعيل قبل أبيه جعفر.
وللإسماعيلية ألقابٌ كثيرة؛ فهم يُسمَّون (البَاطِنية)، ويُسمَّون (القَرامِطة)، ويُسمَّون (المُلْحِدَة) وغير ذلك من المقالات والألقاب، وهم من غُلَاة الروافض.
ومعروفٌ أن نِسْبة الإسماعيلية إلى إسماعيل بن جعفر؛ ومن عقيدتهم القولُ بقِدَم العالم، وهم يوافقون في ذلك الفلاسفة.
ومعنى القَول بقِدَم العالمِ إنكارُ وجود الله، فكَوْن العالمِ قديمًا يَعني أنه ليس له أول وليس له بداية، ومعنى ذلك أن العالَمَ غيرُ حادثٍ، وأنه قديم كقِدَم الله، ومعنى هذا إنكارٌ لوجود الله –تعالى-.
والقولُ بقِدَم العالم يقوله الفلاسفة؛ مثل أَرسطو([3]) وأبو نَصْر الفارابي([4]) وأبو علي ابن سينا(1). وقد كان الفلاسفة القُدَامى يُثبتُون الربَّ ، والإلهيات، والميعاد، ويقولون: إن العالَم مُحدثٌ، ويُعظِّمون الشرائعَ والإلهيات في الجملة.
وقد كان آخرُ هؤلاء أفلاطون، فتتلمذ عليه أرسطو، ويقال له أرسطوطاليس فخالف التلميذُ شيخَه؛ فابتدع القول بقِدَم العالم، فهو أول من قال بأن العالم قديم، على عكس ما كان يرى شَيخُه أفلاطون من أن العالم حادثٌ، وكان مُشركًا يعبدُ الأوثانَ، وهو أول من ابتدع التعاليم المنطقية.
ثم جاء أبو نصر الفارابي الذي يُسمَّى المُعلِّم الثاني، وأرسطو المُعلِّم الأول، فأخرج هذه الفكرة إلى الساحة.
ثم جاء أبو علي بن سينا الذي كتب كتابًا في الطب، وحاول أن يُقدِّم فلسفةً من الإسلام وهي محاولة شديدة وصل فيها إلى ما لم تصل إليه الجهمية الغالية في التجهم، فالجَهميةُ الغاليةُ في التجهم أصحُّ مذهبًا من ابن سينا.
وكان ابن سينا يقول عن نفسه: أنا وأبي من دعوة الحاكم العُبَيْدي([5])، والحاكم العُبَيْدي رافِضيٌّ خَبِيثٌ لا يُؤمن بالله ولا مَلائكته ولا كُتبه ولا رُسُله ولا اليوم الآخر ولا القَدَر.
ومع كل ذلك بعض الناس وخصوصًا الكُتَّاب والصحفيون يقولون: أبو علي ابن سِينا فيلسوف الإسلام، مع أنه -والعياذُ بالله- فيلسوف مُلحِدٌ كغيره من الفلاسفة الذين يقولون بقِدَم العالم ويوافقهم في ذلك الإسماعيلية.
فالإسماعيلية باطنية وقَرَامِطة يقولون: العالَم قديمٌ، والذي يقول: العالَم قديمٌ، فمعناه إنكارُ وجود الله، فيعني أن هذا العالم ليس له مُحدِثٌ، ليس له أول؛ ليس له خالقٌ، وهذا الإنكار لوجود الله من عقيدتهم.
وكمال عقيدة الإسماعيلية في القول بقِدَم العالم، يقولون بتعطيل الصانع؛ فقد عطَّلوا الرب -تعالى- عن الخَلْق، بل قالوا: ليس بخالق.
كما أبطلوا النبوات؛ فهم ينكرون النبوة، وأنكروا البعثَ والنُّشُور، وأبْطَلوا العِباداتِ وغير ذلك. فماذا بَقِي من الشرع؟ لم يتركوا شيئًا من الشرع إلا وأنكروه، فهم يقولون: العالم قديم؛ فبذلك أنكروا وجود الله، وهذا كُفْر بَوَاح، وعطَّلوا الصانعَ مِن صفاته، وهذا كُفْر ثانٍ وأبطلوا النبوة، وهذا كُفْر ثالث، وأنكروا البعث، وهذا كُفْر رابع، وأبطلوا العباداتِ؛ فليس هناك صلاة ولا صيام ولا زكاة ولا حج، هذه خمسة أنواع من الكفر.
هؤلاء هم الإسماعيلية، ويقال لهم: باطنية، ويقال لهم: مُلحدة، ويقال لهم: غُلاة الرافضة. نسأل الله السلامة والعافية.
وأخبث الطوائف الباطنية؛ أخبث من الروافض، وأخبث من اليهود والنصارى؛ فنجد شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: «هؤلاء الباطنية الملاحدة أجمع المسلمون على أنهم أكفر من اليهود والنصارى»([6])، نسأل الله السلامة والعافية.
ومنهم -وهم الباطنية وهم بعض ملاحدة الإسماعيلية- مَن يُفسِّر العباداتِ بأهوائهم فيقولون: إن للعبادات باطنًا وظاهرًا؛ فللصلاة ظاهر وباطن؛ ظاهرها الصلوات الخمس التي يصليها المسلمون، وباطنها تَعدادُ خمسة أسماء هي: عَلِيٌّ وفَاطِمة وحَسَن وحُسَين ومُحسن.
ويقولون للصيام ظاهر وباطن؛ ظاهره صيامُ شهر رمضان كما يصومه المسلمون، هذا هو الظاهر، وبَاطنُه كِتمان سِرِّ المشايخ؛ فإذا كتمتَ سِرَّ الشيخ فأنت صائم.
والحج له ظاهر وباطن؛ ظاهره الحج إلى بيت الله الحرام كما يَحجُّه المسلمون، وباطنُه السَّفرُ إلى شيوخهم.
هذه عبادة هؤلاء الملاحدة، وهذه عقيدتهم، فأكفر الناس هم الباطنية أكفر من اليهود والنصارى، وأكفر من الوثنية؛ نسأل الله السلامة والعافية.
فإن قال قائل: هل يوجد الآن مِن الفِرَق المعاصرة مَن يقول بخَلْق القرآن؟
فنقول: نعم المعتزلة موجودون الآن في كل مكان، وكذلك الجَهْمية موجدون الآن في كل مكان الآن، وكذلك الأشاعرة موجودون؛ حتى إنك تجد بعض المدرسين في جامعاتنا فيهم معتزلة وأشاعرة؛ وتجد المعتزلة والأشاعرة موجودين في مصر وفي سوريا، وفي لبنان وفي ليبيا وفي الباكستان، وفي كل مكان كلهم موجودون.
كما يوجد الآن شِيعةٌ وباطنيةٌ وحُلوليةٌ أيضًا، ويوجد أهلُ وِحْدَة الوجود الذين يقولون الوجود واحد الخالق هو المخلوق والمخلوق هو الخالق، بل وهناك من يُدافع عنهم ويُنافِح، بل وتُطْبَع كُتبُهم وتُحقَّق، وتُنشَر في الأوراق الثقيلة الجيدة الفاخرة، كل هؤلاء موجودون في واقعنا المعاصر.
وإن قال قائل: هل صِفة النزول تُعارِض صِفةَ العلو، وكيف نَجْمَع بينهما؟
فنقول: أن صِفةَ النزول وصِفةَ العُلو صِفتان لله كما تليقان بالله ، فالله فوق العرش بذاته فوق المخلوقات، فهو ينزل كيف يشاء، فالنزولُ فِعل يَفعلُه؛ والنزول كما قال الإمام مالك: النزول معلومٌ في اللغة العربية، وأما كيفيةُ نُزول الرب فمجهولة، فهو ينزل كيف يشاء؛ فالله أعلم بكيفيته، وهو فوق العرش ينزل، وهو فوق العرش في سمائه؛ ولذا اختلف العلماء: هل يخلو العرش بالنزول أو لا يخلو؟
والأمر على ثلاثة أقوال: فمنهم من قال: يخلو، ومنهم من قال: لا يخلو، ومنهم من قال: نتوقف. ولكن بإثبات صحيح النزول، وأرجحه أنه لا يخلو العرش، فالله -تعالى- فوق العرش بذاته وهو ينزل كيف يشاء، أي إننا لا نُكيِّف النزولَ، فلا نقول: مثل نزول المخلوقِ الذي ينزل، بل هو نُزولٌ يَليق بجلاله؛ ولا نعلم كيف ينزل سبحانه، فهو فعل يفعله الله هو أعلم به.
وإن سأل سائل عن رأي الشرع في العلمانيين الموجودين في بلاد المسلمين وكيفية التعامل معهم؟
فنقول: التعامل معهم يكون مثلما تَعامَل الرسولُ ﷺ مع المنافقين في زمانه، فكما أرشدنا اللهُ ووجَّهنا فقال -تعالى-: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [التوبة: 73] فكيف يُجاهَد الكُفَّار والمنافقون؟ جِهادُ الكفَّار والمنافقين والعُصَاة معروف، ويكون بالدعوة والإرشاد والتخويف والمُناظَرة؛ تُجادِلهم إذا أظهروا شيئًا، أما إذا لم يُظهِروا شيئًا فيعامَلون معاملة المسلمين.
أي: أنهم إذا تَكلَّموا بالباطل رَدَدْنا عليهم؛ فمِن الجهاد، ومن الدعوة إلى الله الردُّ عليهم، فإذا تكَلَّم علماني بالباطل فنَردُّ عليه ونُجادله، ونناقشه ونبيِّن له ونرفع أمره إلى وُلاة الأمور؛ حتى يُحالَ إلى المحكمة، ليقام عليه الحد إذا لم يرتدع.
وإن قال قائل: ما هو الفَرْق بين التَّكْيِيف والتَّشْبِيه والتَّمْثِيل؟
فنقول: التشبيهُ أن يُشبَّه صفةُ الخالق بصفة المخلوق، فيُقال: نزول الخالق كنُزول المخلوق، والتمثيلُ قريبٌ من التشبيه، فيقال: صِفة الخالق كصفة المخلوق، والتكييف يقال: على كيفية كذا؛ كَيْفية صفةِ الخالق كذا، ثُم يُبين الكيفية، والكيفية تكون أنواعًا متعددة؛ فمثلًا كيفية المخلوق أن له طُولًا، وله عَرضًا، وله عُمقًا.
وأما التَّشْبيهُ فإنه يُشبِّه شيئًا بشيء، والتمثيل أن يُمثِّل شيئًا بشيء وهو يُمثِّل صفة الخالق بصفة المخلوق، أما الكيفية فيقول: كيفية صفة الخالق على كذا وكذا؛ على كيفية الآدمي، أو على كيفية الجَماد أو على كيفية كذا.
وإن قال قائل: ما الفَرْقُ بين الاتحاد والحلول؟
فنقول: كل منهما كُفر؛ الحُلولُية كفرة والاتحادية كَفَرة؛ لكن الاتحادية أشدُّ كُفرًا، فالحلولية يقولون الخالقُ حَلَّ في المخلوق، هناك شيئان أحدهما حَلَّ في الآخر، كالماء حَلَّ في الكوب، الماء شيء، والكوب شيء آخر؛ اثنان أحدهما حَلَّ في الآخر.
أما الاتحادية فيقولون: الذاتان اتحدتَا وامتزجتَا وصارتا شيئًا واحدًا، كما لو صَبَبْت اللبنَ على الماء فصارا ماءً، صارا ذاتًا واحدةً، ولهذا إذا قِيل عن الاتحادية إنهم حُلولِية؛ فيقولون: لا، نحن لسنا حُلولية!! فأنت ما عرفت سِرَّ المذهب، أنت محجوب عن سِر المذهب!! نحن لسنا اثنينية، فلا تَعدُّد عندنا.
أما الحلولية فعِندهم تعدد: اثنان حَلَّ أحدُّهما في الآخر، وأما الاتحادية: فلا اثنينية، ولا تعدد، بل الوجود واحد! الخالق هو المخلوق، وأنت الرب وأنت العبد، أنت الخالق وأنت المخلوق!!
الـرَّبُّ عَبْــــدٌ وَالْعَبْـــدُ رَبٌّ | يـَا لَيْتَ شِعْرِي مَـنِ الْمُكَلَّفْ؟ |
التبسَ عليه الأمرُ!
إِنْ قُلْــتَ عَبْـدٌ فَــذَاكَ مَيْــتٌ | أَوْ قُلْتَ رَبٌّ أَنَّـى يُكَلَّـفْ؟ |
هذا قول ابن عَرَبي رئيس طائفة الحلولية، ويقولون: رَبٌّ مَالِكٌ، وَعَبْدٌ هَالِكٌ، ومثل ذلك، والعبد فقط هو كلمة الله.
ويقول ابن عربي: سِرْ حَيْثُ شِئتَ فإن الله ثَمَّ، وقُلْ مَا شِئْتَ فَالوَاسِعُ اللهُ؛ سِرْ حَيْثُ شِئتَ فَكُلُّ مَا تَرَاهُ هُوَ اللهُ؛ نعوذ بالله؛ هذا الفرق بينهما.
إذن الاتحاديةُ يقولون: ما تراه هو الخالق وهو المخلوق؛ ليس هناك تَعددٌ، ليس هناك خالقٌ ومخلوقٌ، بل الخالق هو المخلوق، والمخلوق هو الخالق.
أمَّا الحُلوليةُ فيقولون: لا، هناك اثنان، أحدهما حَلَّ محل الآخر، الخالقُ حَلَّ في المخلوقات؛ مثل الماء إذا صببته في الكوب، فهذا ماء، وهذا كوب.
وكلا الفريقين كافرٌ؛ كلٌّ منهما، ولكن الاتحادية أشدُّ كُفرًا من الحلولية، ونعوذ بالله منهما.
وإن قال قائل: هل الجهمية والمعتزلة والأشاعرة كُفَّارٌ؛ حيث ظَاهرُ كلام الإمام أحمد أنه يُكَفِّرُهم، فهل هذا صحيح؟
قلنا: نَعَم، الإمام قد كفَّر الجهمية، وذكر ابن القيم -رحمه الله- في النونية([7]) أنه كفَّرهم خمسُمائة عالمٍ، قال:
وَلَقَـدْ تَقَلَّدَ كُفْرَهُمْ خَمْسُـونَ فِـي | عَشْــرٍ مِـنَ الْعُلَمَـاءِ فِـي الْبُلْـدَانِ |
وَاللَّالَكَـائِيُّ الْإِمَــامُ حَكَـاهُ عَنْــهُم | بَلْ قَدْ حَكَـاهُ قَبْلَهُ الطَّبَــرَانِي |
وكما ترى خمسمائة عالم كفَّروا الجهمية، ومن العلماءِ مَن قال: كُلُّهم كفَّارٌ، ومنهم مَن قال: في الأمر تفصيل؛ فغُلَاتُهُمْ كفار، وعامَّتُهُمْ مبتدعة.
وأمَّا المعتزلةُ فالجُمهورُ على أَنهم مُبتدعة، وبعضُ العلماء كَفَّرَهُمْ.
وأَمَّا الأشاعرة فلا نعلم أَنَّ أحدًا كَفَّرَهُمْ، وإنما هُم من المُبتدعة.
وإن قال قائل: هل يُثْبتُ أهلُ السُّنة الجسم لله –تعالى-؟
فنقول: أهلُ السُّنَّة يَقولون: لا يُثْبَتُ الجسم ولا يُنْفَى، فلا يقولون: إن الله جسم، ولا يقولون ليس بجسم؛ لأنه لم يَرِدْ في الكتاب ولا السنة، ولكن مَن قال: إن الله جسم، فيستفسرون منه، فيقولون له: ما مُرادُك بالجسم؟ فإذا قال: مرادي بالجسم أن الله مُتَّصف بالصِّفات، قالوا: هذا حقٌّ، ولكن لا تَقُلْ: جِسم؛ لأنه لم يَرِد. وإذا قال: مُرادي بالجسم أن الله يُشبُه المخلوقات، فنقول له: هذا باطلٌ، هذا باطلٌ في اللفظ والمعنى.
وأمَّا الجِسمُ فما يُثبِته أهلُ السُّنة، ولا يَنفُونه، فما يقولون: إن الله جِسم، ولا يقولون: إن الله له حَدٌّ، ولا ليس له حَدٌّ، ولا جِهَة، ولا أبعاض ولا أغراض، كل هذه ألفاظٌ مُبتدعَة، لا يُثبتها أهلُ السُّنة ولا ينفونها.
وإن قال قائل: ما حكم الشُّكوكُ والوساوسُ في الصِّفات والأسماء، هل هذا يَدُلُّ على فَساد عقيدتي؟
فنقول: لا، لا يدل هذا على فساد عقيدتك، ولكن عليك أن تُحَارِبَ هذه الوساوس وتُدَافِعَهَا؛ حارِبْ هذه الوساوس، ودافعها، واقطع التفكير، واسْتَعِذْ بالله من الشيطان، ولن تضرك هذه الوساوس إن شاء الله.
وقد شكَا الصحابة -رضوان الله عليهم- هذا إلى رسول الله ﷺ، وقالوا: «يا رَسولَ الله إِنَّ أحدَنا يَجد في نَفْسِه من الوساوس ما لأن يَخِرَّ من السماء خيرٌ له من أن يَتكَلَّم بها»؛ يود أن يسقط من السماء ولا يتكلم بالوساوس؛ لخبثها، وفي لفظ: «ما لأَنْ يَكونَ حُمَمَةً خيرٌ له أن يَتكَلَّم بها»؛ يعني: فَحْمَةً. فقال: وَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: ذَاكَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ. ([8]) يعني: كَتْم الوَسْوسة، ومحاربتها، ودفعها، واستعظام التكلُّم بها صريح الإيمان.
فتصير مُحارَبة الوساوس، ودفعها وكتمها، واستعظام التكلم بها هي صريح الإيمان؛ ولذلك قال النبي ﷺ لمَنْ وجد الوساوس؛ كما في حديث أبي هريرة: يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ مَنْ خَلَق كَذَا؟ حتَّى يَقُولَ: مَنْ خَلَقَ الله؟!! فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ فَلْيَنْتَهِ، وَيَقُولُ: آمَنْتُ بِالله وَرَسُولِهِ. ([9]) ، يقطع التفكير، ويقول: آمَنْتُ بِالله وَرَسُولِهِ. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فلتفعل ذلك.
إذن فاعْمَلْ بما أوصاك به النَّبي ﷺ فاستَعذْ بالله من الشيطان، وحَاربْ الوساوس، ودافِعْها، واقطع التفكير بها، واستعذْ بالله من الشيطان الرجيم، ولا تَضُرُّك، ولا تتكلم بها.
| المتن |
فَصْلٌ فِي الِاجْتِهَادِ
أَهْلُ الِانْحِرَافِ وَأَهْلُ الْكُفْرِ لَا يُسَمَّوْنَ مُجْتَهِدِينَ:
65- الْمُصِيبُ وَاحِدٌ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ فِي أُصُولِ الدِّيَانَاتِ، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ عَلَى تَكْفِيرِ جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُتَأَوِّلِينَ؛ كَالْقَائِلِينَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ، وَنَفْيِ الرُّؤْيَةِ، وَخَلْقِ الْأَفْعَالِ، وَهُمُ الْقَدَرِيَّةُ، وَالْمُعْتَزِلَةُ، والْجَهْمِيَّةُ، وَقَطَعَ أَيْضًا عَلَى كُفْرِ اللَّفْظِيَّةِ، وَأَمَّا الْمُرْجِئَةُ فَعَلَى تَفْصِيلٍ.
وَأَمَّا الْخَوَارِجُ فَمَنْ فَسَّقَ مِنْهُمْ عُثْمَانَ وعَلِيًّا، وَقَالُوا: غَيَّرَا وَبَدَّلَا فَهُمْ كُفَّارٌ، وَقَالَ النَّبِيُّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- فِيهِمُ: الْخَوَارِجُ كِلَابُ أَهْلِ النَّارِ. ([10])، والرَّوَافِضُ مِثْلُهُمْ لِمَا قَالُوهُ وَاعْتَقَدُوهُ.
وَقَدْ أَفْرَدْتُ كِتَابًا بِالاثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَمَذَاهِبِهِمْ، وَبَعْضِ أَدَلَّتِهِمْ، وَأَجَبْتُ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ بِحَمْدِ الله وَمَنِّهِ إِنْ شَاءَ اللهُ.
| الشرح |
هذا فَصْلٌ في الاجتهاد، والمراد بالاجتهاد: الاجتهادُ في أصول الدين، فهل هناك اجتهاد في أصول الدين؟ قال المؤلف -رحمه الله-: «الْمُصِيبُ وَاحِدٌ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ فِي أُصُولِ الدِّيَانَاتِ» ، وهم أهلُ الحقِّ الذين يَعملون بالنصوص من الكتاب والسنة، وهم أَهْلُ السنة والجماعةِ الذين يَعملون بالنصوص، ويعتقدون ما جاء في كتاب الله، وسُنَّةِ رسوله ﷺ ويؤمنون بالله، وملائكته، وكُتُبِهِ ورُسُله، واليوم الآخر، والقَدَر خَيرِّه وشَرِّه، ويُؤمنون بأن القرآن كلام الله؛ مُنزَّلٌ وغير مخلوق؛ هؤلاء هم الْمُصِيبون، ولهذا قال المؤلف -رحمه الله-: «الْمُصِيبُ وَاحِدٌ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ فِي أُصُولِ الدِّيَانَاتِ».
أما أهلُ الانحراف، وأهل الكفر فلا يُسَمَّوْن مجتهدين؛ فهم على ضلال، فلا يقال على المعتزلة إذا قالوا بخَلْق القرآن: إنهم مُجتهدون! ولا يُقال على الحُلُولية الذين يقولون: إن الله حالٌّ في كل مكان مجتهدون، فهم كفرة؛ لأنهم مُخالفون للنصوص، ولا يقال على الجهمية الذين أنكروا الأسماء والصفات مجتهدون.
ولهذا قال المؤلف -رحمه الله-: «الْمُصِيبُ وَاحِدٌ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ فِي أُصُولِ الدِّيَانَاتِ»؛ أي إن الاجتهاد إنما يكون في الأمور الفَرعِية، أَمَّا أصول الدين، فأدلتها قطعية واضحة فليست محل الاجتهاد؛ فكون الصلواتُ خمسًا في اليوم والليلة، فهذا ليس محله الاجتهاد؛ لأنه قَطْعِي.
كون اللهُ أوجب الصلوات الخمس، وأوجبَ صَوم رمضان، وأوجب الزكاة، وأوجب الحجَّ، وأوجب الإيمانَ بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، فكل هذا ليس محلَّ الاجتهاد، ولهذا كان المصيبُون هم أهل الحق المؤمنون.
ولكل هذا قال المؤلف -رحمه الله-: «الْمُصِيبُ وَاحِدٌ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ فِي أُصُولِ الدِّيَانَاتِ، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ عَلَى تَكْفِيرِ جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُتَأَوِّلِينَ؛ كَالْقَائِلِينَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ» أي الذين يقولون: القرآنُ مَخلوقٌ، «ونَفْيِ الرُّؤْيَةِ» الذين يقولون: إن الله لا يُرَى في الآخرة، فهؤلاء كَفَّرَهُمُ الأئمةُ «وَخَلْقِ الْأَفْعَالِ» الذين يقولون: إن العِبادَ خالقون لأفعالهم، «وَهُمُ الْقَدَرِيَّةُ، وَالْمُعْتَزِلَةُ، والْجَهْمِيَّةُ» فالمعتزلة يقولون: إن العَبدَ يخلق فِعلَ نفسه.
أما القَدَريةُ -عامَّةُ القَدَرية- فهؤلاء ليسوا كُفَّارًا، وإنما هم مُبتدِعة لهذه الشُّبَه التي حَصَلت لهم، ولكن القَدَرية الأولى الذين أنكروا عِلْمَ الله السابق، وقالوا: «إن الله لا يعلم الأشياء حتى تقع» فهؤلاء كَفَرة ولكنهم انقرضوا.
أما القدرية، عامة القدرية -المتوسطون والمتأخرون- الذين يقولون: العبد يخلق فعل نفسه، فهؤلاء قالوا هذا من باب الشُّبهة التي حصلت لهم، فلا يكفرون على الصحيح.
والذين خالفوا في «خَلْقِ الْأَفْعَالِ، وَهُمُ الْقَدَرِيَّةُ، وَالْمُعْتَزِلَةُ، والْجَهْمِيَّةُ»، فهناك فَرْق بينهم؛ فالجهمية كَفَّرَهُمْ خمسُمائة عالم كما سبق، أما القدرية والمعتزلة، فهم قَدَرية في الأفعال، معتزلة في الصفات. إذا كانوا ينفون الصفات ويُثبتُون الأسماء؛ فالجمهور على أنهم مبتدعة، ومن العلماء من كَفَّرهم.
ويقول المؤلف -رحمه الله- أيضا: «وَقَطَعَ أَيْضًا عَلَى كُفْرِ اللَّفْظِيَّةِ» قَطَع على كُفْر اللفظية الذين يقول أحدُهم: لفظي بالقرآن مخلوق؛ هؤلاء هم اللفظية.
ويقول: «وَأَمَّا الْمُرْجِئَةُ فَعَلَى تَفْصِيلٍ» المُرجئة أي الغلاة الذين يقولون: «الإيمان هو تصديقٌ بالقلب، أو معرفة بالقلب، والأعمال ليست واجبة وليست مطلوبة»؛ فهؤلاء كَفَرة، وهم الجهمية؛ جهمية المرجئة الذين يقولون: الإيمان مُجرَّد مَعرِفة الربِّ بالقلب، مُجرَّد تصديق القلب، والأعمال لا تدخل في مسمى الإيمان، وليست مطلوبة؛ فهؤلاء كفرة.
أما مُرجِئة الفقهاء، وهم أبو حنيفة وأصحابه، الذين يقولون: «إن الأعمال غير داخلة في مُسَمَّى الإيمان؛ لكنها مطلوبة»، فهؤلاء طائفة من أهل السُّنة، ولهذا قال المؤلف: «وَأَمَّا الْمُرْجِئَةُ فَعَلَى تَفْصِيلٍ».
ويقول: «وَأَمَّا الْخَوَارِجُ فَمَنْ فَسَّقَ مِنْهُمْ عُثْمَانَ وَعَلِيًّا، وَقَالُوا: غَيَّرَا وَبَدَّلَا فَهُمْ كُفَّارٌ» وذلك لأن الله زَكَّاهم، والنبي ﷺ وَعَدَهُمْ بالجنة؛ فهما من العشرة المبشرين بالجنة. فَمَنْ فسَّقهم، وقال: لقد غَيَّرا أو بدَّلا فقد كَذَّبَ النبيَّ ﷺ ومَنْ كَذَّبَ النبيَّ ﷺ فقد كَفَر.
وقال النَّبيُّ ﷺ: الْخَوَارِجُ كِلَابُ أَهْلِ النَّارِ. ([11])، هذا الحديث رواه الإمام أحمد، وابن ماجه، وابن أبي عاصم في السنة.
والجمهور على أن الخوارج مُبتدعة، ومن العلماء مَنْ كَفَّرَهُمْ، يعني: حَكَم بكفرهم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «الْخَوَارِجُ كَانُوا مِنْ أَظْهَرِ النَّاسِ بِدْعَةً وَقِتَالًا لِلْأُمَّةِ وَتَكْفِيرًا لَهَا وَلَمْ يَكُنْ فِي الصَّحَابَةِ مَنْ يُكَفِّرُهُمْ لَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَلَا غَيْرُهُ بَلْ حَكَمُوا فِيهِمْ بِحُكْمِهِمْ فِي الْمُسْلِمِينَ الظَّالِمِينَ الْمُعْتَدِينَ»([12]).
يقول المؤلف: «والرَّوَافِضُ مِثْلُهُمْ لِمَا قَالُوهُ وَاعْتَقَدُوهُ» أي: الرافضةُ مِثلُهم في الكفر إذا اعتقدوا تَكْفِير الصحابة؛ لِأَنَّ الله -تعالى- زَكَّاهم، وأثنى عليهم ووَعَدهم الجنةَ، فَمَنْ كَفَّرَهم فقد كَذَّبَ الله، ومَنْ كَذَّبَ الله كفر.
وثَبتَ أيضًا أنهم يعتقدون أن القُرآن غيرُ محفوظ؛ وأنه لم يَبْقَ منه إلا الثُّلُثُ، وهذا تكذيب لله في قوله: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر: 9] هذا نوع آخر من الكفر عند الرافضة.
وهناك نوع ثالث من الكُفر؛ وَصْفٌ ثالث من أوصاف الكفر، وهو: أنهم يعبدون آل البيت.
وقال المؤلف -رحمه الله-: «وَقَدْ أَفْرَدْتُ كِتَابًا بِالِاثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَمَذَاهِبِهِمْ، وَبَعْضِ أَدَلَّتِهِمْ، وَأَجَبْتُ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ بِحَمْدِ الله وَمَنِّهِ إِنْ شَاءَ اللهُ». يعني: أن له كِتابًا في عَدِّ الفِرَق الاثنتين والسبعين فِرقةً المبتدعة.
قوله: «إِنْ شَاءَ اللهُ» المؤلفُ دائمًا يقول: «إِنْ شَاءَ اللهُ» إذا دعَا وسبق أن ذكرنا أن «إِنْ شَاءَ اللهُ» استثناء، والاستثناء لا يكون في الدعاء، قال النبي ﷺ لَا يَقُلْ أَحَدُكُمُ: اللهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ، اللهُمَّ ارْحَمْنِي إِنْ شِئْتَ...([13])، إلا إذا كان من باب الخبر، مثل ما ورد: لَا بَأْسَ طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللهُ. ([14]).
| المتن |
فَصْــلٌ
بَرَاءَةُ أَهْلِ السُّنةِ وَالجَمَاعةِ مِن أَقوالِ الْمُبتدِعَة وأَفْعَالِهِمْ
66- وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَعَاذَ أَهْلَ السُّنَّةِ وَأَئِمَّتَهُمْ مِنْ هَذِهِ الْمَقَالَاتِ الْفَاسِدَةِ، وَالاعْتِقَادَاتِ الْوَاهِيَةِ، وَوَهَبَ لَهُمُ الِاعْتِصَامَ بِحَبْلِهِ الْمَتِينِ، وَكِتَابِهِ الْمُبِينِ، وَسُنَنِ رَسُولِهِ ﷺ النَّيِّرَةِ الْوَاضِحَةِ، وَجَنَّبَهُمُ الْأَقْوَالَ الْفَظِيعَةَ الْفَاضِحَةَ، فَأَقْوَالُهُمْ فِي أَهْلِ الْبِدَعِ مَسْمُوعَةٌ، وَأَقْوَالُ غَيْرِهِمْ فِيهِمْ فَبِالْحَقِّ مَدْفُوعَةٌ.
هُمُ الْمُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ مَا شَاءَ اللهُ كَانَ، وَمَا لَا يَشَاءُ لَا يَكُونُ، وَعَلَى أَنَّهُ خَلَقَ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ، وَعَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ الله غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَعَلَى أَنَّهُ يُرَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ يَرَاهُ الْمُؤْمِنُونَ، وَعَلَى تَقْدِيمِ الشَّيْخَيْنِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَعَلَى الْإِيمَانِ بِعَذَابِ الْقَبْرِ وَنَعِيمِهِ؛ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأُصُولِ، وَمَنْ فَارَقَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا نَابَذُوهُ وَبَاغَضُوهُ وَبَدَّعُوهُ، وَهَجَرُوهُ.
| الشرح |
يُبيِّن المؤلف -رحمه الله- في هذا الفصل أن الله -تعالى- برَّأ أهلَ السُّنة والجماعة من أقوال المُبتدعة وأفعالهم؛ برَّأهم من البِدَع، ونزَّههم وعَصَمهم ؛ ولهذا نجد المؤلفَ يحمد اللهُ على ذلك، فقال: «والَحْمَدُ لِلَّـهِ» و(ال) هنا للاستغراق، فهو مُستحقٌ للحَمد بجميع أنواعه.
قوله: «وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَعَاذَ أَهْلَ السُّنَّةِ وَأَئِمَّتَهُمْ» هذه نِعمةٌ عَظيمة يُحْمَدُ الله عليها، «مِنْ هَذِهِ الْمَقَالَاتِ الْفَاسِدَةِ» أي: مَقالَات أهلِ البِدَع، «وَالاعْتِقَادَاتِ الْوَاهِيَةِ» الله -تعالى- أعاذ أهلَ السُّنة من الأقوال البِدعية، ومن الاعتقادات البِدعية، وعَصَمهم؛ ولهذا قال: «وَوَهَبَ لَهُمُ الِاعْتِصَامَ بِحَبْلِهِ الْمَتِينِ، وَكِتَابِهِ الْمُبِينِ، وَسُنَنِ رَسُولِهِ ﷺ النَّيِّرَةِ الْوَاضِحَةِ» وهَبَهم الاعتصام بالقرآن، وسُنَّة الرسول -عليه الصلاة والسلام-.
ويقول المؤلفُ: «وَجَنَّبَهُمُ الْأَقْوَالَ الْفَظِيعَةَ الْفَاضِحَةَ» وهي أقوال أهل البِدع، «فَأَقْوَالُهُمْ -أي أقوال أهل السنة- فِي أَهْلِ الْبِدَعِ مَسْمُوعَةٌ، وَأَقْوَالُ غَيْرِهِمْ فِيهِمْ فَبِالْحَقِّ مَدْفُوعَةٌ».
ثم ذكر شَيْئًا من عَقيدة أهلِ السُّنة والجماعة، فقال: «هُمُ الْمُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ مَا شَاءَ اللهُ كَانَ، وَمَا لَا يَشَاءُ لَا يَكُونُ» فأهل السُّنة مُجمعون على هذا؛ خِلافًا للقَدَرية الذين يقولون: إن الله قد يشاء ما لا يكون!! ويَكونُ ما لا يشاء!! فالله يشاء للعبد أن يفعل الطاعة، ولكنَّ العبدَ -عندهم- هو الذي يفعل المعصية!! يقولون: إن الله ما شاء المعصية، العبد هو الذي شاءها!! والمعتزلة والقدرية لا يقولون: ما شاء الله كان، وما لم يشأ لا يكون؛ بل يقولون: قد يشاء اللهُ ما لا يكون، ويكون ما لا يشاءُ!! قد يشاء اللهُ للعبد أن يفعل الطاعة فيفعل المعصية؛ فتغلب مشيئة العبد مشيئة الله!! وقد يكون ما لا يشاء!! ويكون أي: يقع في الوجود معصيةٌ من العبد والله لم يُرِدْهَا ولم يَشَأْهَا!!
ويقول المؤلف: «وَعَلَى أَنَّهُ خَلَقَ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ» أي إن من عقيدة أهل السُّنة والجماعة أن الله خالق الخير والشر؛ لقوله -تعالى-: قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ [الرعد: 16]. أما المعتزلةُ فيقولون: الله لم يخلق الشر، بل العبد هو الذي يخلق الخير!! بل إنهم يقولون: إن العبد هو الذي يخلق الخير والشر؛ أي يخلق أفعاله!! فهو الذي يخلق الطاعات والمعاصي؛ حتى إذا خلق الطاعة فيكون مُستحقًّا للثواب على الله كما يستحق الأجير أجرته، وإذا فعل المعصية وجب على الله أن يُعَذِّبَهُ، ويُخلِّده في النار، وليس له أن يعفو عنه!! لأن الله لا يُخلفُ وعيدَه؛ هكذا يقول المعتزلة والقدرية.
ويقول المؤلف: «وَعَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ الله غَيْرُ مَخْلُوقٍ» فهذا مُعتقَد أهلِ السُّنة والجماعة خِلافًا للمعتزلة. «وَعَلَى أَنَّهُ يُرَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَرَاهُ الْمُؤْمِنُونَ» خِلافًا للمعتزلة والجهمية الذين أنْكرُوا رؤية الله.
«وَعَلَى تَقْدِيمِ الشَّيْخَيْنِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ» خِلافًا للرَّافضة الذين يُقدِّمون عَلِيًّا.
«وَعَلَى الْإِيمَانِ بِعَذَابِ الْقَبْرِ وَنَعِيمِهِ» خلافًا للمعتزلة الذين قالوا: إن النعيمَ والعذاب يكون للروح، وأما البدن فأنكروا نعيمَه وعذابَه.
ثم خَتَم المؤلف بقوله: «لَا يَخْتَلِفُونَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأُصُولِ. وَمَنْ فَارَقَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا نَابَذُوهُ وَبَاغَضُوهُ وَبَدَّعُوهُ، وَهَجَرُوهُ».
| المتن |
| الشرح |
نَقَل المؤلفُ رحمه الله بسَنَده عن شَيخه أبي الحسين علي بن محمد المعدِّل، إلى أن قال: «قَدِمَ عَلَيْنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُكَّاشَةَ الْكِرْمَانِيُّ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ؛ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: هَذَا مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ».
ثم نَقَل رحمه الله عقيدة أهل السُّنة والجماعة بالسَّنَد، وسَرَدَ عددًا مِن العلماء والأئمة كلُّهم يعتقدون هذه العقيدة؛ منهم سُفيان بن عُيَيْنة الإمام المعروف، ووَكِيع بن الجَرَّاح شيخُ الشافعي وأحمد؛ وغيرهم من أئمة أهل السنة والجماعة وبَيَّنَ عقيدتهم فقال: «الرِّضَا بِقَضَاءِ الله» فهم يَرضَوْن بقَضَاء الله وقَدَره، فلا يتسخطون منهما؛ «وَالتَّسْلِيمُ لِأَمْرِهِ» يُسلِّمون الأمرَ لله، «وَالصَّبْرُ لِحُكْمِهِ» يصبرون على حكم الله الكوني القَدَري؛ لعِلْمِهم أن الله عَلِيم حكيم.
«وَالْأَخْذُ بِمَا أَمَرَ اللهُ» أي: يمتثلون أوامر الله كإقامة الصلاة: وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ [البقرة: 43] وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا [البقرة: 278]. «وَالنَّهْيُ عَمَّا نَهَى اللهُ»: وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا [الإسراء: 32] لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً [آل: عمران 130] أي يَمتثلون الأوامر، ويجتنبون النواهيَ.
«وَإِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّـهِ» أي يُخلِصون أعمالَهم لله وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [البينة: 5] يُخْلِصُون أعمالهَم لله، يريدون بها وجهه. هذه عقيدة أهل السُّنة والجماعة.
«وَالْإِيمَانُ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ» أي يُؤمنون بِأَنَّ الله قَدَّرَ الأشياءَ -خيرَها وشرَّهَا- ما يَسُرُّهم وما يَسوؤُهم.
«وَتَرْكُ الْمِرَاءِ وَالْخُصُومَاتِ وَالْجِدَالِ فِي الدِّينِ» كذلك تَرْك الجِدال، والمُمَارَاة حتَّى التي توصل إلى الإغضاب؛ وتَرْك المِراء والجِدَال في الدين.
«وَالْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ» يعني: يرون ويعتقدون جَواز المسح على الْخُفَّيْن، والمَسح على الخُفَّين مَسألةٌ فَرعية تُكْتَبُ في مسائل الفروع، ولكنَّ العلماءَ يذكرونها في العقائد قصدًا للردِّ على الرَّافِضة؛ لأن الرافضةَ لا يرون المسح على الخُفَّين، ويقولون: مَنْ كان عليه خُفَّان وجب عليه خلعهما، ومَسَح ظهور قدميه، وإذا كانت الرِّجلان مكشوفتين وجب عليه أن يمسح ظهور القدمين فقط! فما يَغْسِلُ الرِّجلين، بل يَمسح؛ يَبُلُّ يدَيه بالماء، ثم يَمسح ظهورَ القدمين، كما يمسح الرأس. هذا إذا كانتا مكشوفتين، وإن كان فيهما خُفَّان وجب عليه أن يخلع الخفين، ويخلع الجوارب، ثم يمسح ظهور القدمين!!
هذه العقيدة الفاسدة جعلت العُلمَاء يذكرون عقيدة المسح على الخُفَّين في كتب العقائد، فَيقولون: ونرى المسح على الخفين؛ خلافًا للرافضة الذين لا يرون المسحَ على الخُفَّين.
والمسألة فَرعية ولها فروع مثل: متى يُمسَح؟ وكَمْ يمسحُ المُقيم؟ وشُروط المسح على الخُفين؟ وأنه لا بد فيهما من الطهارة، ولا بُد من سَتر المفروض. وهذه مسألة فَرعية، ولكن العُلماء يذكرونها في كُتُب العقائد للرَّدِّ على الرَّافِضة الذين يعتقدون أنه لا يُمْسَحُ على الخُفين، ولا تغسل الرجلان. ونسأل الله العافية!!
«وَالْجِهَادُ مَعَ الْخَلِيفَةِ؛ وَإِنْ عَمِلَ أَيَّ عَمَلٍ» كذلك من عقيدة أهل السُّنة والجماعة الجهاد مع ولي الأمر، وإن عمل أي عمل، يعني: ولو فَسَق، ولو جارَ، ولو ظَلَم.
«وَصَلَاةُ الْجُمُعَةِ خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ» إذا كان الذي يصلي صَلاةَ الجُمعة إمامُ المسلمين أو الأميرُ، أو كانت في بلد ليس فيها إلا جُمُعة واحدة، وكان الإمام فاسِقًا صَلَّى خَلفه؛ ما دام أنه مُسلم، وإن تَرك الصلاةَ خَلْفه، وصلَّى في البَيْت فهو مُبتدِع عند أهل العلم.
«وَالصَّلَاةُ عَلَى مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ سُنَّةٌ» ولو كان عاصيًا وفاسقًا؛ إلا إذا كَفَر؛ لقوله -تعالى-: وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ [التوبة: 84] أي إن مات على الكفر فلا يُصَلَّى عليه، وإن مات على الإيمان يُصَلَّى عليه، ولو كان عاصيًا؛ لكن أهل العلم والفضل يتركون الصلاةَ على مَن ارتكب بعضَ المعاصي رَدْعًا للأحياء؛ مثل قاتلِ نَفْسِه، ومِثل الْغَالِّ؛ لأن النبي ﷺ تَأخَّر عن الصلاة عليهم.
«وَالْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ» خلافًا للمرجئة الذين يقولون: الإيمان قول القلب فقط. «وَالْإِيمَانُ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ» أهل السُّنة والجماعة يقولون: الإيمان يزيد وينقص؛ أما المرجئة فيقولون: لا يزيد الإيمان ولا ينقص.
«وَالْقُرْآنُ كَلَامُ الله» خلافًا للمعتزلة الذين يقولون: القرآن ليس كلام الله. «وَالصَّبْرُ تَحْتَ لِوَاءِ السُّلْطَانِ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ مِنْ عَدْلٍ أَوْ جَوْرٍ» هذه عقيدةُ أهل السُّنة والجماعة؛ يصبرون على السلطان، ولا يخرجون عليه، ولو كان جائرًا، ولو كان ظالمًا؛ جَمْعًا للكلمة، ودفعًا للمَفاسد التي تَتَرَتَّبُ على الخروج عليه، والنصيحة المبذولة تكون من أهل الْحَلِّ والْعَقْدِ، فإن قَبِلُوا فالحمد لله، وإن لم يقبلوا فقد أَدَّى الناس ما عليهم، ولكن لا يجوز الخروج عليهم، والله هو الذي يُحاسِب الجميع.
والخروج ليس من عَقيدة أهل السُّنة والجماعة، لذلك قال المؤلف: «وَأَلَّا يُخْرَجَ عَلَى الْأُمَرَاءِ بِالسَّيْفِ وَإِنْ جَارُوا» خلافًا لأهل البدع، يعني: هذه عَقيدة أهل البدع؛ الخوارج والمعتزلة والرافضة هم الذين يخرجون على الإمام، ولا يرونه أن يكون عاصيًا، أمَّا أهل السُّنة والجماعة فلا يخرجون.
«وَلَا يُنْزِلَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ جَنَّةً وَلَا نَارًا» هذه هي عقيدة أهل السُّنة والجماعة، فأهل القبلة لا يُشهَد لهم بالجنة ولا بالنار، ولكن نرجو للمُحسن، ونعتذر عن المُسيء، إلا مَنْ شَهِدَ له الرسول ﷺ، ومَنْ شَهِدَتْ له النصوصُ.
«وَأَلَّا نُكَفِّرَ أَحَدًا، وَإِنْ عَمِلُوا بِالْكَبَائِرِ» كذلك لا نُكَفِّرُ أحدًا من أهل القِبلَة وإن عَمِل الكبائرَ، ولكنهم يَرجُون للمُحسِن الخيرَ، ويَخافون على المُسيء.
«وَالْكَفُّ عَنْ مَسَاوِئِ أَصْحَابِ رَسُولِ الله ﷺ» الكفُّ عمَّا صَدَر منهم؛ هذه عقيدة أهل السُّنة والجماعة، الكفُّ والسُّكوت عَمَّا حَصَل بينهم، واعتقاد أن لهم من الحسنات ما يُغَطِّي ما صَدَر عنهم من الهفوات. وسيأتي في آخر الرِّسالة فَصْلٌ خاصٌّ بالصحابة.
وقال المؤلف: «وَأَفْضَلُ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ الله أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ ثُمَّ عَلِيٌّ » فترتيبهم في الفضيلة، كترتيبهم في الخلافة؛ هذه عَقيدةُ أهلِ السُّنة والجماعة؛ خلافًا للخوارج والرافضة.
| المتن |
حَديثُ مَنِ اغْتَسَلَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ وَقَرَأَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ أَلْفَ مَرَّة:
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُكَّاشَةَ([15]): وَقَدْ كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَمَّادٍ الْكِرْمَانِيُّ حَدَّثَنَا عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: «مَنِ اغْتَسَلَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ يَقْرَأُ فِيهِمَا قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص: 1] أَلْفَ مَرَّةٍ رَأَى النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي مَنَامِهِ»([16]).
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُكَّاشَةَ: فَدُمْتُ عَلَيْهِ نَحْوًا مِنْ سَنَتَيْنِ؛ أَغْتَسِلُ كُلَّ لَيْلَةِ جُمُعَةٍ، وَأُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ أَقْرَأُ فِيهِمَا قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ أَلْفَ مَرَّةٍ طَمَعًا أَنْ أَرَى رَسُولَ الله، فَأَعْرِضَ عَلَيْهِ هَذِهِ الْأُصُولَ، قَالَ: فَأَتَتْ عَلَيَّ لَيْلَةٌ بَارِدَةٌ، اغْتَسَلْتُ طَمَعًا أَنْ أَرَى رَسُولَ الله ﷺ وَصَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ وَقَرَأْتُ فِيهِمَا قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ أَلْفَ مَرَّةٍ، فَلَمَّا أَخَذْتُ مَضْجَعِي أَصَابَنِي حُلْمٌ، فَقُمْتُ فِي الثَّانِيَةِ، فَاغْتَسَلْتُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ، وَقَرَأْتُ فِيهِمَا قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ أَلْفَ مَرَّةٍ، فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنْهَا كَانَ قَرِيبًا مِنَ السَّحَرِ؛ فَاسْتَنَدْتُ إِلَى الْحَائِطِ وَوَجْهِي إِلَى الْقِبْلَةِ، فَدَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى النَّعْتِ وَالصِّفَةِ، وَعَلَيْهِ بُرْدَتَانِ مِنْ هَذِهِ الْبُرُودِ الْيَمَانِيَةِ؛ قَدْ تَأَزَّرَ بِإِزَارٍ، وَارْتَدَى بِأُخْرَى، فَجَثَا مُسْتَوْفِزًا([17]) عَلَى رِجْلِهِ، ضَمَّ الْيُسْرَى وَأَقَامَ الْيُمْنَى.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُكَّاشَةَ: فَأَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ: حَيَّاكَ اللهُ يَا رَسُولَ الله! فَبَدَأَنِي فَقَالَ: حَيَّاكَ اللهُ! قَالَ: وَكُنْتُ أُحِبُّ أَنْ أَرَى رَبَاعِيَّتَهُ الْمَكْسُورَةَ، قَالَ: فَتَبَسَّمَ فَرَأَيْتُ رَبَاعِيَّتَهُ الْمَكْسُورَةَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله: الْفُقَهَاءُ قَدْ خَلَّطُوا عَلَيَّ فِي الِاخْتِلَافِ، وَعِنْدِي أُصَيْلَاتٌ مِنَ السُّنَّةِ أُحِبُّ أَنْ أَعْرِضَهَا عَلَيْكَ. قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: الرِّضَا بِقَضَاءِ الله، قَالَ: وَسَاقَ مَا تَقَدَّمَ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُكَّاشَةَ: فَوَقَفْتُ عِنْدَ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ كَأَنِّي هِبْتُ النَّبِيَّ ﷺ أَنْ أُفَضِّلَ عُثْمَانَ عَلَى عَلِيٍّ، وَقُلْتُ فِي نَفْسِي: عَلِيٌّ ابْنُ عَمِّهِ وَخَتَنُهُ([18]).
قَالَ: فَتَبَسَّمَ النَّبِيُّ ﷺ كَأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ، فَقَالَ: عُثْمَانُ ثُمَّ عَلِيٌّ، ثُمَّ قَالَ: هَذِهِ السُّنَّةُ فَتَمَسَّكْ بِهَا، وَضَمَّ أَصَابِعَهُ، وَعَقَدَ عَلَى ثَلَاثَةٍ وَتِسْعِينَ، وَحَوَّلَ الْإِبْهَامَ وَعَطَفَهَا عَلَى أَصَابِعِهِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُكَّاشَةَ: فَعَرَضْتُ هَذِهِ الْأُصُولَ عَلَيْهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ؛ فِي كُلِّ لَيْلَةِ جُمُعَةٍ أَقِفُ عَلَى عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، فَيَتَبَسَّمُ عِنْدَ قَوْلِي، كَأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ، ثُمَّ يَقُولُ: «عُثْمَانُ ثُمَّ عَلِيٌّ». وَكُنْتُ أَعْرِضُ عَلَيْهِ هَذِهِ الْأُصُولَ وَعَيْنَاهُ تَهْطِلَانِ، فَلَمَّا قُلْتُ: وَالْكَفُّ عَنْ مَسَاوِئِ أَصْحَابِكَ، انْتَحَبَ حَتَّى عَلَا صَوْتُهُ، وَوَجَدْتُ حَلَاوَةً فِي فَمِي وَقَلْبِي، فَمَكَثْتُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَا آكُلُ طَعَامًا، حَتَّى ضَعُفْتُ عَنْ صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ، فَلَمَّا أَكَلْتُ ذَهَبَتْ عَنِّي تِلْكَ الْحَلَاوَةُ.
| الشرح |
هذا حَديثٌ موضوعٌ، ومكذوبٌ على النبي ﷺ، ذكره ابنُ الجوزي في الأحاديث الموضوعة، وذكره العراقي في تنزيه الشريعة، والسيوطي في (اللآلئ المصنوعة).
وليتَ المؤلِّفُ نزَّه كتابَه عن مِثل هذا، فإن في الأحاديث الصحيحة غُنْيَةً عن مِثله. وكونُه يَقرَأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ألفَ مرة أمرٌ غريب، فكم يستغرق هذا؟ وهذا ليس مشروعًا، فالمشروع قراءتها بعد كل صلاة مَرَّة، وفي المساء ثلاث مرات، وفي الصباح ثلاث مرات، أما ألف مرَّة فليس لهذا أصل.
وسيأتي الكلام على محمد بن عُكَّاشة هذا، وأنه ممن يَضَع الحديث.
وهذا الحديث -كما سبق- مكذوب موضوع لا ينبغي أن نُعَوِّل عليه، وليتَ المؤلف رحمه الله نَزَّهَ كتابه عن مثل هذه المرائي التي ينقلها الكَذَّابون، وهذه القِصة رواها ابنُ عَسَاكر في تاريخ دمشق من طريقين، وهي كَذِبٌ؛ لأن مُحمد بن عُكَّاشة صاحبَ الرؤيا هذا كذَّابٌ، لا يُوثَق بكلامه كما بَيَّن العلماء، فقد كذبه غير واحد من أهل العلم.
قال عنه أبو زُرعَة الرازي: وكان كذَّابًا، وقال الدارقطني: بَصْرِيٌّ يضع الحديث؛ يعني: على رسول الله؛ ولهذا قال أبو سعيد عمرو البرذعي: قلت لأبي زُرْعَة: محمد بن عكاشة الكرماني؟ فحرَّك رأسَه وقال: قد رأيته، وكتبتُ عنه، وكان كذَّابا. قُلتُ: كَتبتَ عَنْه الرؤيا التي يَحكيها -يعني: هذه الرؤيا التي معنا- قال: نعم؛ كَتبتُ عنه، يَزعُم أنه عَرَض على رسول الله الإيمان قولٌ وعمل؛ يزيد وينقص. فقال: به، وعلى أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، فقال: به، الكذاب لا يُحْسِنُ أن يكذب.
وأشار ابنُ الجوزي في (الموضوعات) إلى قِصَّة ابنِ عُكَّاشة، ورؤياه للرسول ﷺ في المنام، ثم قال: ومحمد بن عُكَّاشة مِنْ أَكْذَبِ الناس! ثم نَقَلَ كلام أبي زُرْعَةَ، وكلام الدارقطني فيه.
وقال السُّيُوطي في (اللآلئ المصنوعة)([19]) لما ذكر هذه القصة: ابنُ عُكَّاشة كَذَّاب. فلا حَاجةَ إلى مثل هذه القِصة التي راويها كذَّاب، ثُمَّ إن فيها أنه عرض أصول الاعتقاد على النبي ﷺ في الرؤيا!! فأصول الاعتقاد قد بُيِّنَتْ في كتاب الله، وسُنَّة رسول الله ﷺ أَحْسنَ البيانِ وأَكْمَلَه، فلا يحتاج المسلمُ إلى مِثل هذه الرؤيا! فالرَّسولُ - عليه الصلاة والسلام - لم يَمُتْ حتَّى أكملَ اللهُ الشريعة.
قال اللهُ تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا [المائدة: 3] وبيَّن اللهُ -تعالى- في كتابه أصولَ الإيمان في قوله لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ [البقرة: 177] هذه خمسُ صفات، وقال: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر: 49].
وفي الحديث -حديث جبرائيل- لما سَأل النبيَّ ﷺ عن الإيمان؟ فقال: أَنْ تُؤْمِنَ بِالله، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ. ([20]). فالدينُ كاملٌ، وأُصول الدين وفروعُه كلُّها واضحةٌ في الكتاب والسُّنَّة، فلا حاجةَ إلى مِثل هذه القِصة المكذوبة؛ التي يرويها كذَّابٌ، ويسأل فيها النبيَّ ﷺ عن أصول الدين، ثم يُبَيِّنُهَا! فلا حاجة إلى المنامات والرؤى التي يرويها هؤلاء الْكَذَبة. فليت المؤلف رحمه الله نَزَّهَ الكتاب عن مثل هذا.
| المتن |
فَصْلٌ
68- ثُمَّ أَضَافَ الْمُبْتَدِعَةُ إِلَى أَهْلِ السُّنَّةِ وَأَصْحَابِ الْحَدِيثِ الْمُحَالَاتِ فِي أَخْبَارِ الصِّفَاتِ، وَوَضَعُوا أَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةً مِنَ الضَّلَالَاتِ، قَدْ أَعَاذَ اللهُ أَهْلَ السُّنَّةِ مِنْهَا.
وَمِنْ تِلْكَ الِاعْتِقَادَاتِ مِثْلُ قَوْلِهِمْ: أَنَّهُمْ رَوَوْا أَنَّ الله خَلَقَ نَفْسَهُ مِنْ عَرَقِ الْخَيْلِ!! وَالْمَلَائِكَةَ مِنْ زَغَبِ الذِّرَاعَيْنِ، وَمِنْ عِيَادَةِ الْمَلَائِكَةِ، وَأَشْيَاءُ أُجِلُّ عَظَمَةَ الله مِنْ ذِكْرِهَا، وَضَعُوهَا، وَالْوَيْلُ لَهُمْ! حَيْثُ يَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ.
ثُمَّ أَتَوْا إِلَى الْأَحَادِيثِ الصِّحَاحِ مِنْ ذَلِكَ، فَرَدُّوهَا وَتَأَوَّلُوهَا، وَأَئِمَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَوْجَبُوا الْأَخْذَ بِهَا، وَالْقَبُولَ بِهَا، وَأَلَّا تُرَدَّ وَلَا تُتَأَوَّلَ.
| الشرح |
بَيَّنَ المؤلفُ -رحمه الله- في هذا الفصل أن المبتدعة أضافوا إلى أهل السُّنة، وأصحاب الحديث في أخبار الصفات أحاديثَ مكذوبةً، ليُشوهوا بها مُعتقَد أهلِ السُّنة والجماعة؛ لأجل أن يَنبِذُوهم بالكذب؛ حتى يُضيفوا إليهم الكذبَ، فيقولون: إنهم مُشَبِّهَة، وإنهم يتكلمون بالمُحالات.
ومن هنا يقول المؤلفُ -رحمه الله-: «قَدْ أَعَاذَ اللهُ أَهْلَ السُّنَّةِ مِنْهَا» أي أَعاذَ اللهُ أهلَ السُّنة من التَّكلُّم بمثل هذا.
ومن الأقوال والأحاديث التي رواها أهل البدع، ونسبوها إلى أهل السُّنة حديث: «أَنَّ الله خَلَقَ نَفْسَهُ مِنْ عَرَقِ الْخَيْلِ!!» قبَّح اللهُ مَن وضع هذا الحديث.
والحديث الثاني: «أَنَّ الله خَلَقَ الْمَلَائِكَةَ مِنْ زَغَبِ الذِّرَاعَيْنِ» والزَّغَبُ: صِغارُ الشَّعْر أو الرِّيش، ولَيِّنُهُ، وأولُ ما يبدو منه، ويُطلَق على ما فِي رأس الشيخِ الكبير عند رِقة شَعَره. يقولون: خَلَق اللهُ الملائكةَ من شعر الذراعين اللَّيِّنُ!! فهَذانِ حديثان مكذوبان، وضعهما الزنادقة قبحهم الله!!
والحديث الثالث: «وَمِنْ عِيَادَةِ الْمَلَائِكَةِ»؛ يُشير إلى الحديث المكذوب الذي فيه: «إِنَّ الله رَمِدَ؛ أَصَابَهُ الرَّمَدُ فِي عَيْنَيْهِ حَتَّى عَادَهُ الْمَلَائِكَةُ»؛ أي صاروا يعودونه ويزورونه!! قبَّح اللهُ مَن وضعه!! مِثلما قالت اليَهودُ: «إِنَّ الله بَكَى حَتَّى رَمِدَتْ عَيْنَاهُ، ثُمَّ عَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ!!» قبَّح اللهُ الزنادقةَ الذين وضعوا مثل هذه الأحاديث.
قال ابن المبارك الإمام مشهور -رحمه الله-: هذه الأحاديث من وَضْع الزَّنادِقة، كحديث «عَرَق الخيل»، و«زَغَب الصَّدْر»، و«قَفَص الذَّهَب»، و«عِيَادَة الملائكة» قَبَّحَ اللهُ مَنْ وَضَعها!! وقد أعاذ الله -تعالى- أهلَ السُّنة من مثل هذه الأحاديث المكذوبة.
وهذه الأحاديث رواها ابنُ الجَوزي في الموضوعات، وقال: «هذا حَديثٌ لا يُشَك في وَضْعِه، وما وَضَع مِثْلَ هذا مُسْلِمٌ، وإنه لمن أَرَكِّ الموضوعات وأَدْبَرها؛ إذ هو مُستحيلٌ أن يُخْلَق، لأن الخالقَ لا يَخْلُقُ نفسَه»([21]).
وقد اتَّهم علماءُ الحديث محمدَ بنَ شُجَاع الثَّلْجي الجَهْمي بوضع هذا الحديث، وهو الكافر العنيد الذي رَدَّ عليه عثمانُ بنُ سعيد الدارمي في كتابه المشهور.
ومحمد بن شُجَاع الثلجي هذا مُتعصِّب كان يضع أحاديث التشبيه؛ ثُم يَنسبُها إلى أصحابِ الحديث يَكْذبُهُمْ بها، قبَّحه الله!!
ولما ذَكَر الذَّهَبيُّ تَرْجمةَ محمد بن شجاع في "الميزان"([22]) قال: قُلتُ: هذا مع كونه من أبين الكذب هو مِن وضع الجهمية ليذكروه في معرض الاحتجاج به على أن نفسه اسم لشيء من مخلوقاته، فكذلك إضافة كلامه إليه من هذا القبيل إضافة مِلك وتشريف، كبَيت الله، وناقة الله، ثم يقولون: إذا كان نفسه –تعالى- إضافة مِلك فكلامه بالأَوْلى. وبكل حال هذه الأحاديث كلها من وضع الزنادقة.
| الحواشي |
([1]) انظر: منهاج السنة النبوية (2/499) .
([2]) انظر: مجموع الفتاوى (6/55).
([3]) هو أرسطو طاليس بن نيقوماخس الفيثاغوري الجهراشني، وتفسير أرسطوطاليس تام الفضيلة وَكَانَ أرسطوطاليس تلميذ أفلاطون المتصدر بعده، ولازم أفلاطون ليتعلم منه مدة عشرين سنة وَكَانَ أفلاطون يؤثره عَلَى سائر تلاميذه ويسميه العقل، وإلى أرسطوطاليس انتهت فلسفة اليونانيي. انظر: أخبار العلماء بأخيار الحكماء، لجمال الدين القفطي (ص28).
([4]) هو شيخ الفلسفة أبو نصر محمد بن محمد بن طرخان الفارابي المنطقي، أحد الأذكياء، له تصانيف مشهورة، من ابتغى الهدى منها، ضل وحار منها. انظر: ترجمته في سير أعلام النبلاء (15/416).
(1) ابن سِينَا: هو الحسين بن عبد الله بن سينا، فيلسوف، له تصانيف في الطِّبِّ وغيره، كان مِن أهل دعوة الحاكم العُبَيْدِي، معروفًا بالإلحاد، وُلِد في إحدى قُرَى بُخَارَى (سنة 370)، وتوفي في سَفَرِه إلى هَمَدَانَ (سنة 428)، وكان يُلَقَّبُ المُعَلِّم الثالث للفلاسفة. انظر: ترجمته في سير أعلام النبلاء (17/531).
([5]) هو الحاكم بأمر الله منصور بن العزيز بن المعز صاحب مصر، العبيدي المصري الرافضي، بل الإسماعيلي الزنديق المدعي الربوبية. انظر: ترجمته في سير أعلام النبلاء (15/173).
([6]) انظر: التدمرية (ص 49).
([7]) انظر: نونية ابن القيم (ص 42).
([8]) أخرجه مسلم: كتاب الإيمان، رقم (132).
([9]) أخرجه البخاري: كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده، رقم (3276)، ومسلم: كتاب الإيمان، رقم (134).
([10]) أخرجه ابن ماجة :المقدمة ، بَابٌ فِي ذِكْرِ الْخَوَارِجِ ، رقم (176) .
([11]) تقدم تخريجه .
([12]) انظر: مجموع الفتاوى (7/217).
([13]) تقدم تخريجه.
([14]) أخرجه البخاري: كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، رقم (3616).
([15])قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: كَانَ كذابا ،وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: يضع الحَدِيث، انظر: الموضوعات (2/138)
([16]) أخرجه ابن الجوزي في الموضوعات (2/138) ، والسيوطي في اللآلي المصنوعة (2/55) .
([17]) المستوفز الذي يجلس على رجليه، ويرفع أليتيه؛ وعندنا في العامة يسمونه موفز، وهو مستوفز؛ والمراد به في الحديث أن النبي ﷺ أكل تمرات وهو مستوفز: يجلس على رجليه، ويرفع أليتيه. أي وهو مستعجل.
([18]) الختن: الصهر من جهة الرجال. والصهر من جهة النساء، يقال: الأحمى، ويقال: حمو. ويطلق على كل من الجانبين: الصهر، فَعَلِيٌّ ختن النبي؛ يعني: زوج ابنته، ويقال: حمو المرأة، يعني: قريب زوجها، ويقال: الصهر يشمل الأمرين، نعم.
([19]) انظر: اللآلئ المصنوعة (2/55).
([20]) أخرجه البخاري: كتاب الإيمان، باب سؤال جبريل النبي ﷺ، رقم (50)، ومسلم: كتاب الإيمان، رقم (9).
([21]) انظر: الموضوعات لابن الجوزي (1/105).
([22]) انظر: ميزان الاعتدال (3/577).