شعار الموقع

شرح كتاب المختار في أصول السنة لابن البناء_10 تابع النقل عن البخاري من صحيحة من كتاب التوحيد

00:00
00:00
تحميل
131

| المتن |

97- وَقَالَ: «بَابُ مَا يُذْكَرُ فِي الذَّاتِ وَالنُّعُوتِ وَأَسَامِي الله .

وَقَالَ خُبَيْبٌ: وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الْإِلَهِ، فذَكَرَ الذَّاتَ بِاسْمِهِ([1]).

ورَوَى حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ الله ﷺ عَشَرةً مِنْهُمْ: خُبَيْبٌ الْأَنْصَارِيُّ، وَأَنْشَدَ حِينَ أَرَادُوا قَتْلَهُ:

وَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًـا  عَلَى أَيِّ شِقٍّ كَانَ لِلَّهِ مَصْرَعِـي
وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ  يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ

فَقَتَلَهُ ابْنُ الْحَارِثِ، وَأَخْبَرَ النَّبِيُّ أَصْحَابَهُ خَبَرَهُمْ يَوْمَ أُصِيبُوا»([2]).

| الشرح |

هَذَا الْبَابُ الَّذِي ذَكَرَهُ الإمامُ البُخَارِيُّ في الذَّاتِ وَالنُّعُوتِ وأَسَامِي الله.

 قَالَ: «وَقَالَ: بَابُ». يَعْنِي: وقَالَ الإمامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ، في كِتَابِ التَّوْحِيدِ فقال: «بَابُ مَا يُذْكَرُ فِي الذَّاتِ وَالنُّعُوتِ وَأَسَامِي الله ».

فهَذَا البابُ عَقَدَهُ لِثَلَاثَةِ أُمُورٍ:

الأَمْرُ الأَوَّلُ: مَا يُذْكَرُ في ذَاتِهِ .

والأمْرُ الثَّانِي: نُعُوتُ الرَّبِّ، يعنِي: صِفَاتِهِ.

والأمْرُ الثَّالِثُ: أَسَامِي الرَّبِّ، يعني: أسماءَ الرَّبِّ.

هذا الباب يكون فيه الذَّاتُ والنُّعُوتُ والأسَامِي.

والمؤلف ابنُ البَنَّاءِ يَخْتَصِرُ كُلَّ ما ذَكَرَ.

ذَكَرَ البخاريُّ حَدِيثَ خُبَيْبٍ، «وَقَالَ خُبَيْبٌ: وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الْإِلَهِ». فذكرَ الذَّاتَ باسْمِهِ، فَأَخْبَرَ عن الله بأن لَهُ ذَاتًا، وهَذَا من بابِ الخبر.

فالأسماءُ الَّتِي سَمَّىَ بِهَا الله نَوْعَانِ:

النَّوْعُ الأَوَّلُ: ما يُخْبِرُ عَنْهُ من بَابِ الخَبَرِ؛ كأنْ يُخْبِرَ عَنْهُ بأنَّهُ إله، وأنَّهُ مَوْجُودٌ، وأنَّهُ شَيْءٌ، وأنه شَخْصٌ، وأَنَّهُ الصَّانِعُ، وبابُ الخَبَرِ أوسعُ من بابِ الاسمِ.

النَّوعُ الثَّانِي: الأسماءُ الَّتِي سَمَّى بِهَا نَفْسَهُ، كالسَّمِيعِ، والعَلِيمِ، والبَصِيرِ، والحَكِيمِ.

فالذاتُ جاءت في حَدِيثِ قِصَّةِ خُبَيْبٍ ([3]) لمَّا أَرَادَ المشْرِكُونَ قَتْلَهُ، قال: «دَعُونِي أُصَلِّى رَكْعَتَيْنِ فَتَرَكُوهُ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ» ([4]) . ثم أَنْشَدَ هَذَيْنِ البيتَيْنِ، ولهذا ذَكَرَ المؤلفُ حَدِيثَهُ قال: «وَرَوَى حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ الله ﷺ عَشَرةً مِنْهُمْ: خُبَيْبٌ الْأَنْصَارِيُّ، وَأَنْشَدَ حِينَ أَرَادُوا قَتْلَهُ:

وَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًـا  عَلَى أَيِّ شِقٍّ كَانَ لِلَّهِ مَصْرَعِـي
وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ  يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ

الشاهد قوله: «وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الإِلَهِ». فَأَثْبَتَ للَّهِ ذَاتًا، والحُجَّةُ لَيْسَتْ في قَوْلِ خُبَيْبٍ، ولكنَّ الحُجَّةَ في إقْرَارِ النَّبِيِّ ﷺ لَهُ، فالنَّبِيُّ ﷺ بَلَغَهُ ذَلِكَ ولم يُنْكِرْ عَلَيْه.

ومن الْأَدِلَّةِ على إِثْبَاتِ الذَّاتِ للَّهِ ، ولم يَذْكُرْهُ المُؤَلِّفُ- حَدِيثُ الإسراءِ والمِعْرَاجِ الطَّوِيلِ، لما ذَكَرَ قِصَّةَ إبْرَاهِيم وقال: لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهيِمُ إِلَّا ثَلَاثَ كَذَبَاتٍ: ثِنْتَيْنِ مِنْهُنَّ فِي ذَاتِ اللهِ ([5]). وقال فيها: «وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الإِلَهِ»فأثبت الذَّاتَ في هَذَا الحَدِيثِ للَّهِ لا تُشْبِهُ الذَّوَاتِ ، يُخْبِرُ عن الله أَنَّهُ مَوْجُودٌ، وأَنَّهُ شيء، وأَنَّهُ شَخْصٌ، كما في الحديث: لا شَخْصَ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ. ([6]). ولا يقال: مِنْ أَسمَائِهِ الذَّاتُ، ولا من أَسْمَائِهِ المَوْجُودُ، ولا من أسْمَائِهِ الشَّيءُ.

| المتن |

98- وَقَالَ: بَابُ قَوْلِ الله: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ

وَقَوْلِهِ: تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ.

وَرَوَىَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: لَمَّا خَلَقَ اللهُ الْخَلْقَ، كَتَبَ فِي كِتَابِهِ، هُوَ يَكْتُبُ عَلَى نَفْسِهِ، وَهُوَ وَضَعَهُ عِنْدَهُ عَلَى الْعَرْشِ: إِنَّ رَحْمَتِى تَغْلِبُ غَضَبِي. ([7]).

قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ.

وَرَوَىَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِى وَإِنْ ذَكَرَنِى فِي مَلأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ. الخَبَرَ([8]).

| الشرح |

قَالَ المُصَنِّفُ: قالَ الإمامُ البُخَارِيُّ: «بَابُ قَوْلِ الله: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ.

هذا البَابُ عَقَدَهُ لإثْبَاتِ النَّفْسِ للَّهِ . قال بعضُ العُلَمَاءِ: إنَّ النَّفْسَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ الله. وليس بظاهرٍ، فالنَّفْسُ والذَّاتُ بِمَعْنًى واحِدٍ، النَّفْسُ للَّهِ مَوْصُوفَةٌ بصِفَاتِ الكَمَالِ.

الله له نَفْسٌ، ولَهُ ذَاتٌ مَوْصُوفَةٌ بالصِّفَاتِ، ولهَذَا بَوَّبَ البُخَارِيُّ قَالَ: «بَابُ قَوْلِ الله: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ. هَذِهِ الآيةُ فِيهَا إِثْبَاتُ النَّفْسِ لِلَّهِ .

«وَقَوْلِهِ: تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ..

وأَثْبَتَ النَّبِيُّ ﷺ لِلَّهِ نَفْسًا في حَدِيثِ أبِي هُرَيْرَةَ لَمَّا خَلَقَ اللهُ الْخَلْقَ، كَتَبَ فِي كِتَابِهِ، هُوَ يَكْتُبُ عَلَى نَفْسِهِ. أَثْبَتَ لِلَّهِ نَفْسًا ووَضَعَهُ عِنْدَهُ عَلَى الْعَرْشِ: إِنَّ رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبِي.

 هذَا الحَدِيثُ فِيهِ إِثْبَاتُ عِدَّةِ صِفَاتٍ، ففي قوله: لَمَّا خَلَقَ اللهُ الْخَلْقَ. إِثْبَاتُ صفةِ الخَلْقِ للَّهِ. وفيهِ إِثْبَاتُ صِفَةِ الكِتَابَةِ، وإِثْبَاتُ صِفَةِ النَّفْسِ للَّهِ، وإثْبَاتُ العُلُوِّ، في قوله: وَضَعَهُ عِنْدَهُ عَلَى الْعَرْشِ، وفيهِ إِثْبَاتُ الرَّحْمَةِ، وفيهِ إِثْبَاتُ الغَضَبِ، خمسُ صِفَاتٍ عَنِ النَّفْسِ.

 وقال -تعالى-:كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ، فيه إِثْبَاتُ النَّفْسِ للَّهِ .

في حديثِ أبِي هُرَيْرَةَ قال: قال رسول الله ﷺ قال الله هذا الحديث قدسي من كلام الله لفظا ومعنى، قال الله: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ.... الخَبَرَ إلى آخر الحديث.

والشَّاهِدُ قَوْلُهُ: فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي. فَأَثْبَتَ الرَّبُّ لَهُ نَفْسًا.

| المتن |

99- قَالَ: بَابُ قَوْلِ الله -تَعَالَى-: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ

وَرَوَى عَنْ جَابِرٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: أَعُوذُ بِوَجْهِكَ. فَقَالَ: أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ. فَقَالَ النَّبِيُّ: أَعُوذُ بِوَجْهِكَ. قَالَ: أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ. فَقَالَ النَّبِيُّ: أَيْسَرُ. ([9]).

| الشرح |

قالَ البخَارِيُّ في هذا الباب: «بَابُ قَوْلِ الله -تَعَالَى-: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ. المَقْصُودُ مِنْهُ: إِثْبَاتُ الوَجْهِ للَّهِ .

وقَدْ ذَكَرَ حَدِيثَ جَابِرٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ [الأنعام :65]، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: أَعُوذُ بِوَجْهِكَ. أَثْبَتَ لِلَّهِ وَجْهًا. أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ[الأنعام :65]. قالَ النَّبِيُّ: أَعُوذُ بِوَجْهِكَ. قَالَ: أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ[الأنعام :65]. قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: أَيْسَرُ. هَذَا فِيهِ دَلِيلٌ على إثبات الوجه.

وجاءَ فِي الحَدِيثِ الآخَرِ، أن النَّبِيَّ ﷺ قالَ: سَأَلْتُ رَبِّي ثَلَاثًا، فَأَعْطَانِي ثِنْتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً، سَأَلْتُ رَبِّي: أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالسَّنَةِ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالْغَرَقِ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ فَمَنَعَنِيهَا ([10]).

قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ [الأنعام :65]، هذا العَذَابُ مِنْ فَوْق، بالنَّارِ أو بالصَّوَاعِقِ، أو عَذَاب عام، أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ، بِالخَسْفِ، أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ[الأنعام :65]، هَذِهِ مُنِعَهَا.

وهذا دَلِيلٌ على أنَّهُ لا بُدَّ أن يحصلَ بَيْنَ الأُمَّةِ قِتَالٌ، وتَكُونُ شِيَعًا وأَحْزَابًا.

وأَدِلَّةُ الوَجْهِ كَثِيرَةٌ من ذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ: أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظُّلُمَاتُ، وَصَلَحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، أَنْ تُنْزِلَ بِي غَضَبَكَ أَوْ تُحِلَّ عَلَيَّ سَخَطَكَ (1) .

| المتن |

100- وَقَالَ: بَابُ قَوْلِ الله: وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي.

وَقَوْلِهِ: تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا

وَرَوَى حَدِيثَ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: ذُكِرَ الدَّجَّالُ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: إِنَّ الله لَا يَخْفَى عَلَيْكُمْ، إِنَّ الله لَيْسَ بِأَعْوَرَ -وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى عَيْنِهِ- وَإِنَّ المَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ العَيْنِ اليُمْنَى، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ.([11]).

وَحَدِيثَ أَنْسٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: مَا بَعَثَ اللهُ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَنْذَرَ قَوْمَهُ الأَعْوَرَ الكَذَّابَ، إِنَّهُ أَعْوَرُ، وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ. ([12]).

| الشرح |

هَذَا البابُ عَقَدَهُ الإمامُ البُخَارِيُّ لإِثْبَاتِ العَيْنَيْنِ للَّهِ ﷺ، وقال: بابُ قَوْلِ الله -تَعَالَى: وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي[طه :39]. وَقَالَ: تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا[القمر :14].

الآيَةُ الأُولَى: وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي[طه :39] فِيهِ إِفْرَادُ العَيْنِ، وأَضَافَهُ لِنَفْسِهِ، والمرَادُ جِنْسُ العَيْنِ.

الآية الثانية: تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا[القمر :14]، يَعْنِي: بِمَرْأًى مِنَّا، وفي حِفْظِنَا، وكَلئنَا، وفِيهَا إِثْبَاتُ جِنْسِ العَيْنِ.

أما إثباتُ العَيْنَيْنِ للَّهِ فيؤخذُ من حديثِ الدَّجَّالِ، فقد ذُكِرَ الدَّجَّالُ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ؛ فقال: إِنَّ الله لَا يَخْفَى عَلَيْكُمْ، إِنَّ الله لَيْسَ بِأَعْوَرَ -وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى عَيْنِهِ-.

فالمراد في الحديث: تَحْقِيقُ الصِّفَةِ وليسَ المرادُ التشبيه؛ يعني: عَيْنًا حَقِيقِيَّة. وَإِنَّ المَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ العَيْنِ اليُمْنَى، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ.

فحَدِيثُ الدَّجَّالِ اسْتَدَلَّ بِهِ أَهْلُ العِلْمِ على إِثْبَاتِ العَيْنِ للهِ، وكذلك أن الدَّجَّالَ أَعْوَرُ، والأعور هو: الذي ليس له إلا عَيْنٌ واحِدَةٌ، واللهُ ليسَ بأعورَ؛ بل له عينَانِ سَلِيمَتَانِ.

 فحديث الدجال هو الدَّلِيلُ الوَحِيدُ على إِثْبَاتِ العَيْنِ لله، أما قوله: وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي[طه :39]. أو: تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا[القمر :14].، فَفِيهِ إثباتُ جِنْسِ العَيْنِ، ليس فيه إثبات للعَيْنَيْنِ، فإثبات العَيْنَيْنِ يؤخذ من هذا الحديث.

وحديث أنس: مَا بَعَثَ اللهُ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَنْذَرَ قَوْمَهُ الأَعْوَرَ الكَذَّابَ، إِنَّهُ أَعْوَرُ، وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ. وفي لفظ: مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَ فَ رَ ([13])- مُهَجَّاةٌ –" يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ كَاتِبٌ، وَغَيْرُ كَاتِبٍ.([14])  . وهذا من فَضْلِ الله -تعالى- وَإِحْسَانِهِ، جَعَلَ عَلَامَةً وَاضِحَةً عَلَى الدَّجَّالِ.

إنَّ الدَّجَّالَ رَجُلٌ من بَنِي آدَمَ، يَخْرُجُ في آخِرِ الزَّمَانِ، في زَمَنِ المَهْدِيِّ، يَدَّعِي الصَّلَاحَ أولًا، ثُمَّ يَدَّعِي النُّبُوَّةَ، ثم يَدِّعِي الرُّبُوبِيَّةَ -والعياذُ بالله-، وعَلَامَاتُ النَّقْصِ عَلَيْهِ ظَاهِرَةٌ، لو كان يَسْتَطِيعُ أن يفعلَ شَيْئًا لأَزَالَ العَيْبَ عن نَفْسِهِ، كيف يَدَّعِي الرُّبُوبِيَّةَ وهوَ أَعْوَرُ؟

الرَّبُّ كَامِلٌ في ذَاتِهِ، وأَسْمَائِهِ وصِفَاتِهِ، لَهُ الكَمَالُ، ولَهُ الإنْعَامُ، والإفْضالُ على عباده.

لهذا جاء في الحديث: مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ، فَوَاللهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَأْتِيهِ وَهُوَ يَحْسِبُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ فَيَتَّبِعُهُ، مِمَّا يُبْعَثُ بِهِ مِنَ الشُّبُهَاتِ ([15]). يَسْمَعُهُ نَاسٌ يعلمُونَ أنَّهُ كَذَّابٌ؛ لكن يقولون: حَتَّى نَعِيشَ عِيشَةً رَغِيدَةً؛ لأنَّهُ يُبْتَلَي الإنسانُ، فإنه من يَتَّبِعُهُ يُبْتَلَى بالفقر، نسألُ اللهَ السَّلَامَةَ والعافية.

قد يقول قائل: في حَدِيثِ النَّبِيِّ ﷺ «وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى عَيْنِهِ». أَلَا يُوهِما تشبِيهًا؟ وهل لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَضَعَ يَدَيْهِ على عَيْنَيْهِ؟

فنقول: مِنْ بابِ أَنَّهَا صِفَةٌ حَقِيقَةٌ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الآخَرِ: «أن النبي ﷺ لمَّا قَرَأ: إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا [النساء :58]، وَضَعَ إِصْبَعَهُ الدُّعَاءَ وَإِبْهَامٌ عَلَى عَيْنِهِ وَأُذُنِهِ يَعْنِي أَنَّهُ سَمِيعٌ بِسَمْعٍ بَصِيرٌ بِبَصَرٍ»([16]). إِثبَاتُ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ. قالَ العُلَمَاءُ: هَذَا مِنْ بَابِ تَحْقِيقِ الصِّفَةِ؛ وليسَ مِنْ بابِ التَّشْبِيهِ.

| المتن |

 101- وَقَالَ: بَابُ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ

وَرَوَى حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ أَنَّهُمْ أَصَابُوا سَبَايَا، فَأَرَادُوا أَنْ يَسْتَمْتِعُوا بِهِنَّ، وَلا يَحْمِلْنَ، فَسَأَلُوا رَسُولَ عَنِ العَزْلِ، فَقَالَ: مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا، فَإِنَّ الله قَدْ كَتَبَ مَنْ هُوَ خَالِقٌ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ، عَنْ قَزَعَةَ، سَأَلْتُ أَبَا سَعِيدٍ فَقَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: لَيْسَتْ نَفْسٌ مَخْلُوقَةٌ إِلَّا اللهُ خَالِقُهَا. ([17]).

| الشرح |

قَالَ البُخَارِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: بَابُ قَوْلِ الله: هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ [الحشر :24]. فِيهِ إِثْبَاتُ أَسْمَاءِ الله.

الاسمُ الأَوَّلُ: اللهُ لَفْظُ الجَلَالَةِ، وهو أَعْرَفُ المَعَارِفِ، ولا يُسَمَّى بِهِ غَيْرُهُ، الله هو الإله المعبودُ، الذِي تَأْلَهُهُ القُلُوبُ، مَحَبَّةً وإِجْلَالًا، وتَقْدِيرًا.

والخالقُ: اسْمٌ من أسْمَائِهِ. والبَارِئُ: اسمٌ من أسْمَائِهِ.

والاسمُ مُشْتَمِلٌ على صِفَةٍ، أسْمَاءُ الله ليستْ جَامِدَةً؛ بل هِيَ مُشْتَقَّةٌ مُشْتَمِلَةٌ على الصِّفَاتِ، فاللهُ مُشْتَمِلٌ على صِفَةِ الأُلُوهِيَّةِ، والخَالِقُ مُشْتَمِلٌ على صِفَةِ الخَلْقِ، والبَارِئُ مشتمل على صِفَةِ البَرْءِ، يعني: برأ البَرِيَّةِ.

ذَكَرَ حَدِيثَ أبِي سَعِيدٍ في العَزْلِ؛ لمَّا سَأَلُوا عَنِ العَزْلِ، فَقَالَ: مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا، فَإِنَّ الله قَدْ كَتَبَ مَنْ هُوَ خَالِقٌ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ. العَزْلُ: هو إذَا جَامَعَ الإنسانُ زَوْجَتَهُ؛ وأَرَادَ أَنْ يُنْزِلَ، يُخْرِجُ ذَكَرَهْ ويُنْزِلُ خَارِجًا؛ حتَّى لا تَحْمِلَ، إِذَا أَرَادَ اللهُ أَنْ يَخْلُقَ نَفْسًا لَا بُدَّ أَنْ يَسْبِقَهُ الماءُ؛ فيَخْلُقَهُ اللهُ.

والشاهدُ قوله: فَإِنَّ الله قَدْ كَتَبَ مَنْ هُوَ خَالِقٌ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ. ففيه إِثْبَاتُ الخَلْقِ للَّهِ .

وكَذَلِكَ الحديثُ الَّذِي بَعْدَهُ: لَيْسَتْ نَفْسٌ مَخْلُوقَةٌ إِلَّا اللهُ خَالِقُهَا. فيه إِثْبَاتُ صِفَةِ الخَلْقِ للَّهِ ، وأنَّهُ الخَالِقُ لِكُلِّ شَيء.

| المتن |

 102- وَقَالَ: بَابُ قَوْلِ الله –تَعَالَى-: لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص: 75].

قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: يَجْمَعُ اللهُ المُؤْمِنِينَ يَوْمَ القِيَامَةِ كَذَلِكَ، فَيَقُولُونَ: لَوِ اسْتَشْفَعْنَا إِلَى رَبِّنَا حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا، فَيَأْتُونَ آدَمَ، فَيَقُولُونَ: يَا آدَمُ، أَمَا تَرَى النَّاسَ خَلَقَكَ اللهُ بِيَدِهِ، وَأَسْجَدَ لَكَ مَلائِكَتَهُ، وَعَلَّمَكَ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّنَا. وَذَكَرَ الْخَبَرَ بِطُولِهِ إِلَى قَوْلِهِ: يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الخَيْرِ مَا يَزِنُ شَعِيرَةً. ثُمَّ مَا يَزِنُ مِنَ الخَيْرِ ذَرَّةً. ([18]).

قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ الله ﷺ، قَالَ: يَدُ الله مَلْأَى لَا يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ. وَقَالَ: أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَدِهِ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ، وَبِيَدِهِ الأُخْرَى المِيزَانُ، يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ. ([19]).

قَالَ: حَدَّثَنَا مُقَدَّمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي القَاسِمُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ الله، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، عَنْ رَسُولِ الله ﷺ، أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ الله يَقْبِضُ يَوْمَ القِيَامَةِ الأَرْضَ، وَتَكُونُ السَّمَوَاتُ بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا المَلِكُ. ([20]).

قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، سَمِعَ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنِي مَنْصُورٌ، وَسُلَيْمَانُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَبْدِ الله: «أَنَّ يَهُودِيًّا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ الله يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالجِبَالَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالخَلائِقَ عَلَى إِصْبَعٍ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا المَلِكُ. فَضَحِكَ رَسُولُ الله ﷺ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ ثُمَّ قَرَأَ: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ،وَفِي لَفْظٍ آخَرَ: «فَضِحَكَ تَعَجُّبًا وَتَصْدِيقًا لَهُ»([21]).

| الشرح |

هَذَا البَابُ عَقَدَهُ الإمامُ البخاريُّ-رحمه الله- في إِثْبَاتِ اليَدَيْنِ والأَصَابِعِ للَّهِ قَالَ: «بَابُ قَوْلِ الله -تَعَالَى-: لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ، هَذِهِ الآيَةُ فِيهَا إِثْبَاتُ اليَدَيْنِ للَّهِ؛ لأنَّ الله -تعالى- أضافَ الْيَدَيْنِ إِلَيْهِ -إلى نَفْسِهِ الكَرِيمَةِ- بِصِيغَةِ الإفْرَادِ، وثَنَّى عَلَى اليَدَيْنِ قال: لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص: 75].

أمَّا قَوْلُهُ -تَعَالَى-: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا [يس: 71]. لَيْسَ فِيهِ إِثْبَاتُ صِفَةِ الْيَدِّ؛ لأنَّهُ جَمْعُ الأيْدِي، وأضافَ إلى ضَمِير الجَمْعِ، وليست من آيات الصفات.

ففي البابِ منَ الفَوَائِدِ:

1- إثْبَاتُ اليَدَيْنِ للَّهِ ، وَقَدْ أَنْكَرَهَا أهلُ البِدَعِ من الجَهْمِيَّةِ والمُعْتَزِلَةِ والأَشَاعِرَةِ، وقالوا: المراد باليَدَيْنِ: القُدْرَةُ أو النِّعْمَةُ.

ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ أَنَسٍ: يَجْمَعُ اللهُ المُؤْمِنِينَ يَوْمَ القِيَامَةِ كَذَلِكَ، فَيَقُولُونَ: لَوِ اسْتَشْفَعْنَا إِلَى رَبِّنَا حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا، فَيَأْتُونَ آدَمَ، فَيَقُولُونَ: يَا آدَمُ، أَمَا تَرَى النَّاسَ خَلَقَكَ اللهُ بِيَدِهِ، وَأَسْجَدَ لَكَ مَلائِكَتَهُ، وَعَلَّمَكَ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّنَا.

والشاهد قوله: خَلَقَكَ اللهُ بِيَدِهِ. فأَثْبَتَ اليَدَ للَّهِ ، المُرَادُ جِنْسُ اليَدِ.

 2- أنَّهُ يَخْرُجُ من النَّارِ من قَالَ: لا إله إلا الله، وكانَ فِي قَلْبِهِ من الخَيْرِ مَا يَزِنُ شَعِيرَةً.

3- إثْبَاتُ دُخُولِ العُصَاةُ النَّارَ، وأنهم مُوَحِّدُونَ مع جرائمهم ومعاصِيهِمْ.

4- أنَّ أصْحَابَ الكَبَائِرِ والمعاصي يَخْرُجُونَ منَ النَّارِ، ولا يُخَلَّدُونَ فيها.

وفي حَدِيثِ أبِي هُرَيْرَةَ: يَدُ الله مَلْأَى لَا يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ. إِثْبَاتُ اليَدِ للَّهِ. لا يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ. أي: لا يَنْقُصُهَا. سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ. سَحَّاءُ: صِفَةُ الصَّبِّ، تَصُبُّ الخَيْرَ لَيْلَ نَهَارَ.

وقال: أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ؟ فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَدِهِ. قوله: فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَدِهِ. أى: يَنْقُصْ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ وَبِيَدِهِ الأُخْرَى المِيزَانُ، يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ.

ففي هذا الحديث من الفوائد:

 1- إِثْبَاتُ اليَدِ الْأُخْرَى، وأنَّ للَّهِ يَدَيْنِ.

2- أنَّ الله يَخْفِضُ ويَرْفَعُ ويَخْلُقُ، وكل هذه من صِفَاتِهِ .

وفي حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-: إِنَّ الله يَقْبِضُ يَوْمَ القِيَامَةِ الأَرْضَ، وَتَكُونُ السَّمَوَاتُ بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا المَلِكُ.

فوائد منها:

1- إثباتُ صِفَةِ القَبْضِ للَّهِ.

2- إِثْبَاتُ اليَمِينِ للَّهِ.

3- إثبات صِفَةِ المُلْكِ، وأنَّهُ من أَسْمَائِهِ الحُسْنَى.

في حديث عبد الله بن مسعود : «أَنَّ يَهُودِيًّا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ الله يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالجِبَالَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالخَلائِقَ عَلَى إِصْبَعٍ». أي: خمسة أصابع، ففيه: إثبات خمسة أصابع لله .

«ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا المَلِكُ». فيه إثبات اسم المَلِكِ لله.

«فَضَحِكَ رَسُولُ الله ﷺ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ ثُمَّ قَرَأَ: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ، وَفِي لَفْظٍ آخَرَ: «فَضِحَكَ تَعَجُّبًا وَتَصْدِيقًا لَهُ».

وفي هذا الحديث أيضا: قَبَولُ الحَقِّ مِمَّنْ جَاءَ بِهِ؛ ولو كانَ كَافِرًا؛ فالنَّبِيُّ ﷺ قَبِلَ الحَقَّ مِنَ الكَافِرِ؛ حتَّى مِنَ الشَّيْطَانِ لما عَلَّمَ أبَا هُرَيْرَةَ قال: «إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الكُرْسِيِّ». قال النبيﷺ: صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ. ([22]).

| المتن |

103- وَقَالَ: بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: لا شَخْصَ أَغْيَرُ مِنَ الله.

وَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ: لا شَخْصَ أَغْيَرُ مِنَ الله. الحديث ([23]).

| الشرح |

هذا البابُ ذَكَرَهُ البخَارِيُّ تَعْلِيقًا، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ، وفِيهِ إِثْبَاتُ أنَّ الله شَخْصٌ، وهذا أَسْماء اللهِ -كما سبق- لا يُسَمَّى بِهِ عَامٌّ، بل من باب الخَبَرِ.

| المتن |

104- وَقَالَ: بَابُ قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً. فَسَمَّى اللهُ –تَعَالَى- نَفْسَهُ شَيْئًا قُلِ اللَّهُ، وَسَمَّى النَّبِيُّ ﷺ القُرْآنَ شَيْئًا، وهو مِنْ صِفَاتِ الله وَقَال: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ.

قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِرَجُلٍ: أَمَعَكَ مِنَ القُرْآنِ شَيْءٌ؟. قَالَ: نَعَمْ، سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا، لِسُوَرٍ سَمَّاهَا([24]).

| الشرح |

هَذَا البابُ فِيهِ إثْبَاتُ أنه يُخْبِرُ عَنِ الله، أنَّهُ شَيءٌ.

قال: قال البخاري: «بَابٌ قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً. فَسَمَّى اللهُ –تَعَالَى- نَفْسَهُ شَيْئًا قُلِ اللَّهُ[الأنعام: 19]، فَسَمَّى اللهُ تَعَالَى نَفْسَهُ شَيْئًا».

قَالَ: قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً. [الأنعام: 19]. فسَمَّى نَفْسَهُ شَيْئًا.

 «وَسَمَّى النَّبِيُّ ﷺ القُرْآنَ شَيْئًا، وهو مِنْ صِفَاتِ الله وَقَالَ: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ، فَسَمَّى الله شَيْئًا.

ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أن النَّبِيُّ ﷺ قَالَ لِرَجُلٍ: أَمَعَكَ مِنَ القُرْآنِ شَيْءٌ؟. قَالَ: نَعَمْ، سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا، لِسُوَرٍ سَمَّاهَا. فَسَمَّى القُرْآنَ شَيْئًا، وهُوَ صِفَةٌ من صِفَاتِهِ، وهذا مِنْ بَابِ الخَبَرِ.

| المتن |

105- وَقَالَ: بَابُ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ [هود: 7]، وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ [التوبة: 129].

وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ: ارْتَفَعَ، فَسَوَّاهُنَّ: خَلَقَهُنَّ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: اسْتَوَى: عَلَا عَلَى الْعَرْشِ.

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْمَجِيدُ: الْكَرِيمُ، وَالْوَدُودُ: الْحَبِيبُ، يُقَالُ: حَمِيدٌ مَجِيدٌ، كَأَنَّهُ فَعِيلٌ مِنْ مَاجِدٍ، مَحْمُودٌ مِنْ حَمِيدٍ([25]).

وَرَوَى حَدِيثَ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ كَانَ اللهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلَهُ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ، ثُمَّ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ. الْخَبَرَ ([26]).

قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الوَلِيدِ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ ﷺ عَنْ قَوْلِهِ -تَعَالَى-: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا. قَالَ: مُسْتَقَرُّهَا تَحْتَ العَرْشِ. ([27]).

| الشرح |

هَذَا البَابُ فِيهِ إِثْبَاتُ العَرْشِ، وهُوَ سَقْفُ المخْلُوقَاتِ.

قَالَ: «بَابُ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ [هود: 7]»، العَرْشُ في اللغة هو: سَرِيرُ المُلْكِ، اللهُ -تَعَالَى- قَالَ عَنْ بِلْقِيس: وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ [النمل: 23]. يَعْنِي: سَرِيرٌ، والمُرَادُ بالعَرْشِ هُنَا: عَرْشُ الرَّحْمَن ِالذِي خَلَقَهُ، وهُوَ مَخْلُوقٌ عَظِيمٌ، جَعَلَهُ اللهُ كَالْقُبَّةِ على العَالَمِ، وهو سَقْفُ هَذِه المَخْلُوقَاتِ، اسْتَوَى عَلَيْهِ الرَّبُّ اسْتِوَاءً يَلِيقُ بجَلَالِهِ وعَظَمَتِهِ، والعَرْشُ على الماءِ يَعْنِي: تَحْتَهُ المَاءُ، والجَنَّةُ سَقْفُهَا عَرْشُ الرَّحْمَنِ، والماءُ، قال الله: وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ [هود: 7].

كَيْفَ نجْمعُ بَيْنَ الآية والحديث؟ ففي الحديثِ أنَّ الجَنَّةَ سَقْفُهَا العَرْشُ، والآيةُ دَلَّتْ على أنَّ العَرْشَ على الماءِ.

والجواب: أن العرش واسعٌ، طَرَفٌ مِنْهُ على الماءِ، وطَرَفٌ مِنْهُ سَقْفٌ للجَنَّةِ، العَرْشُ مُقَبَّبٌ على العالمِ، سَقْفِ العَالمِ كُلِّهِ، وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ.

فِيهِ إِثْبَاتُ عَرْشِ الرَّحْمَنِ وأنَّهُ على الماءِ، وهُوَ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ، وهو الرَّبُّ .

وفيه: إِثْبَاتُ الرُّبُوبِيَّةِ لله، رَبُّ العَرْشِ العَظِيمُ وَصَفَ العَرْشَ بِأَنَّه عَظِيمٌ.

«قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ: ارْتَفَعَ». استوى لها أربعة معان في اللغة: اسْتَوَى: عَلَا، واسْتَقَرَّ، وصَعِدَ، وارْتَفَعَ.

أَمَّا كَيْفِيَّةُ الاسْتِوَاءِ، فهَذَا يَلِيقُ بالله، اسْتَوَى عليه اسْتِوَاءً يليقُ بِجَلَالِهِ وعَظَمَتِهِ.

 «وَقَالَ مُجَاهِدٌ: اسْتَوَى: عَلَا عَلَى الْعَرْشِ»، ارْتَفَعَ وَعَلَا، كُلُّ هَذِهِ مِنْ مَعَانِيهِ. «وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْمَجِيدُ -العرش المجيد-: الْكَرِيمُ»، إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ ۝ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ ۝ وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ۝ ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ [البروج: 12-15]، «وَالْوَدُودُ» مِنْ أسماءِ الله أي: «الْحَبِيبُ».

«يُقَالُ: حَمِيدٌ مَجِيدٌ، فمنْ أسماءِ الله: الحَمِيدُ والمَجِيدُ، «كَأَنَّهُ فَعِيلٌ مِنْ مَاجِدٍ، مَحْمُودٌ مِنْ حَمِيدٍ».

ثم ذكر حديثَ عِمْران بن الحصين: كَانَ اللهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلَهُ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ. هذا الشاهد، ثُمَّ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ. الذِّكْرُ: اللَّوْحُ المحْفُوظُ، كَتَبَ فِيهِ كُلَّ شَيْءٍ، والعَرْشُ على الماءِ، ثم خلقَ السَّمَواتِ والأرْضَ بعد كِتَابَةِ المَقَادِيرِ بِخَمْسِمِائَةِ عامٍ.

ثُمَّ ذَكَرَ حديث أبي ذر قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ ﷺ عَنْ قَوْلِهِ -تَعَالَى-: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا[يس: 38]، قَالَ: مُسْتَقَرُّهَا تَحْتَ العَرْشِ. الشَّاهِدُ إِثْبَاتُ العَرْشِ.

 وفيه: الرَّدُّ على من أَنْكَرَ العَرْشَ من أَهْلِ البِدَعِ فإنَّهُمْ قالوا: إِنَّمَا المُرَادُ بالعَرْشِ: المُلْكِ، قالوا: اسْتَوَى على المُلْكِ، يعني: أنه هو المالك.

| المتن |

106- وَقَالَ: «بَابُ قَوْلِ الله –تَعَالَى-: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ۝ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ.

قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، وَهُشَيْمٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ جَرِيرٍ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ إِذْ نَظَرَ إِلَى القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ قَالَ: إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا القَمَرَ، لَا تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَصَلاةٍ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَافْعَلُوا. ([28]).

وَسَاقَ لَهُ ثَلَاثَ طُرُقٍ.

وَرَوَى حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ النَّاسَ قَالُوا: يَا رَسُولَ الله، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ القِيَامَةِ؟». وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، وَفِيهِ: فَيَأْتِيهِمُ اللهُ فِي صُورَتِهِ الَّتِي يَعْرِفُونَ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ. ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ إِلَى قَوْلِهِ: فَيَضْحَكُ اللهُ مِنْهُ، فَإِذَا ضَحِكَ مِنْهُ، قَالَ لَهُ: ادْخُلِ الجَنَّةَ.

قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الله، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ النَّاسَ قَالُوا»([29]).

قَالَ: وحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلالٍ، عَنْ زَيْدٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ: قُلْنَا يَا رَسُولَ الله هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ القِيَامَةِ؟ قَالَ: هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ وَالقَمَرِ إِذَا كَانَتْ صَحْوًا؟، قُلْنَا: لا، قَالَ: فَإِنَّكُمْ لَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ يَوْمَئِذ.

وَسَاقَ الْحَدِيثَ؛ فَيَأْتِيهِمُ الجَبَّارُ فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا، فَلا يُكَلِّمُهُ إِلَّا الأَنْبِيَاءُ، فَيَقُولُ: هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ آيَةٌ تَعْرِفُونَهُ؟ فَيَقُولُونَ: السَّاقُ، فَيَكْشِفُ عَنْ سَاقِهِ، فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ. وَذَكَرَهُ بِطُولِهِ([30]).

وَقَالَ حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: يُحْبَسُ المُؤْمِنُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. قال: فَيَأْتُونِي، فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي فِي دَارِهِ فَيُؤْذَنُ لِي عَلَيْهِ، فَإِذَا رَأَيْتُهُ وَقَعْتُ سَاجِدًا. إِلَى أَنْ قَالَ: فَأُخْرِجُهُمْ مِنَ النَّارِ، وَأُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ، فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي فِي دَارِهِ، فَيُؤْذَنُ لِي عَلَيْهِ، فَإِذَا رَأَيْتُهُ وَقَعْتُ سَاجِدًا. وَذَكَرَ كَالْأَوَّلِ قَالَ: ثُمَّ أَعُودُ الثَّالِثَةَ: فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي فِي دَارِهِ، فَيُؤْذَنُ لِي عَلَيْهِ، فَإِذَا رَأَيْتُهُ وَقَعْتُ سَاجِدًا. الْحَدِيثَ ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الآيَةَ: عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا. قَالَ: وَهَذَا المَقَامُ المَحْمُودُ الَّذِي وُعِدَهُ نَبِيُّكُمْ ﷺ([31]).

قَالَ: وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنِي عَمِّي، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ الله ﷺ أَرْسَلَ إِلَى الأَنْصَارِ، فَجَمَعَهُمْ فِي قُبَّةٍ وَقَالَ لَهُمُ: اصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوُا اللهَ وَرَسُولَهُ، فَإِنِّي عَلَى الحَوْضِ. ([32]).

وَرَوَى حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا تَهَجَّدَ مِنَ اللَّيْلِ قَالَ: اللهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الحَمْدُ. الْحَدِيثَ إِلَى قَوْلِهِ: أَنْتَ الحَقُّ، وَقَوْلُكَ الحَقُّ، وَوَعْدُكَ الحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ الحَقُّ، وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ. ([33]).

قَالَ: وَحَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنِي الأَعْمَشُ، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ، وَلا حِجَابٌ يَحْجُبُهُ. ([34]).

قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الله، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ، آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ، آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَمَا بَيْنَ القَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلَّا رِدَاءُ الكِبْرِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ. ([35]).

وَرَوَى حَدِيثَ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: مَنِ اقْتَطَعَ مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينٍ كَاذِبَةٍ، لَقِيَ الله وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ. الْحَدِيثَ([36]).

وَحَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: ثَلاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ: رَجُلٌ حَلَفَ عَلَى سِلْعَةٍ لَقَدْ أَعْطَى بِهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَى. الْحَدِيثَ([37]).

وَرَوَى حَدِيثَ أَبِي بَكْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: الزَّمَانُ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ. الْحَدِيثَ([38]).

| الشرح|

هَذَا البَابُ عَقَدَهُ البُخَارِيُّ -رحمه الله- لإثباتِ رُؤْيَةِ الله في الآخِرَةِ، والرُؤْيَةُ مِنَ الصِّفَاتِ التي اشْتَدَّ النِّزَاعُ فِيهَا بينَ أهلِ السُّنَّةِ، وبينَ أهلِ البِدَعِ، فالرُؤْيَةُ والكَلَامُ والعُلُوُّ هَذِهِ الصِّفَاتُ الثَّلَاثُ اشْتَدَّ فيهَا النِّزَاعُ بينَ أهلِ السُّنَّةِ وأهلِ البِدَعِ؛ فَمَنْ أَثْبَتَهَا فَهُو مِنْ أهْلِ السُّنَّةِ، ومَنْ نَفَاهَا فَهُو مِنْ أَهْلِ البِدْعِ.

فأَهْلُ البِدَعِ من الخَوَارِجِ والمعْتَزِلَةِ والأشاعرةِ كُلُّهُمْ يَنْفُونَ الرُّؤْيَةَ.

 لكنَّ الأَشَاعِرَةَ يُثْبِتُونَهَا من غَيْرِ مُقَابَلَةٍ؛ فتَقُولُ لَهُمْ: كيفَ يُرَى الرَّبُّ؟ مِنْ فَوْق؟ يقولون: لَا. مِنْ تَحْت؟ لا. يَمِين؟ لا. شِمَال؟ لا. أمَام؟ لا. خَلْف؟ لا. أين يُرَى؟ يقولون: الله في جِهَةٍ. هَذَا غَيْرُ مَعْقُولٍ! هذا غَيْرُ مَعْقُولٍ؛ لأن المَرْئِيَّ لا بُدَّ أن يكونَ في جِهَةٍ من الرَائِي.

وأَمَّا المُعْتَزِلَةُ والجَهْمِيَّةُ فقد أَنْكَرُوهَا، وكَذَلَكَ العُلُوُّ أنْكَرَهُ الأشاعرةُ والمعْتَزِلَةُ والجَهْمِيَّةُ، وأنكر المعتزلة والجهمية الكَلَامَ، والأشاعرة أثبتوها على غَيْرِ وَجْهِهَا، قالوا: الكَلَامُ مَعْنًى قَائِمٌ بالنَّفْسِ.

البُخَارِيُّ -رحمه الله- قَالَ: «بَابُ قَوْلِ الله –تَعَالَى-: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ۝ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ، وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ . الأُولَى بالضَّادِ أُخْتِ الصَّادِ من النَضْرَةِ، وهي البَهَاءُ والحُسْنُ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ. الثانية بالظَّاءِ، أُخْتِ الطاء، والمُرَادُ بِهَا النَّظَرُ بالعَيْنِ المُجَرَّدَةِ.

فمعنى الآية: وُجُوهُهُمْ فيها بَهَاءٌ وحُسْنٌ، وهِيَ تَنْظُرُ إلى رَبِّهَا.

ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ جَرِيرٍ: إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا القَمَرَ، لَا تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ. وفِيهِ: إِثْبَاتٌ لِرُؤْيَةِ المُؤْمِنِينَ لِرَبِّهِمْ يومَ القِيامَةِ، كَمَا يُرَى القَمَرُ؛ فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ. يَعْنِي بِهَا صَلَاةَ الفَجْرِ، وَصَلاةٍ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَافْعَلُوا. فالمعنى: أنَّ المُحَافِظَ على هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ -الفجْرِ والعَصْرِ- مِنْ أَسْبَابِ رُؤْيَةِ الله .

أمَّا المُعْتَزِلَةُ فَفَسَّرُوا الرُؤْيَةَ هُنَا بالْعِلْمِ، قالوا: معنى قوله: إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا القَمَرَ. إِنَّكُمْ سَتَعْلَمُونَ رَبَّكُمْ كَمَا تَعْلَمُونَ أنَّ القَمَرَ قَمَرٌ. وهذا معنى فاسد.

ثم ذَكَرَ حَدِيثَ أبي هُرَيْرَةَ أَنَّهُمْ سَأَلُوا: «هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ القِيَامَةِ؟». وَسَاقَ الحَدِيثَ.

قَالَ: فَيَأْتِيهِمُ اللهُ فِي صُورَتِهِ الَّتِي يَعْرِفُونَ. فِيهِ: إِثْبَاتُ الصُّورَةِ لِلَّهِ ، كُلُّ مَوْجُودٍ لَهُ صُورَةٌ.

 ثُمَّ ذَكَرَ الحَدِيثَ إِلَى قَوْلِهِ: فَيَضْحَكُ اللهُ مِنْهُ. فِيهِ: إِثْبَاتُ الضَّحِكِ لِلَّهِ . فَإِذَا ضَحِكَ مِنْهُ، قَالَ لَهُ: ادْخُلِ الجَنَّةَ.

ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ: «قُلْنَا يَا رَسُولَ الله هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ القِيَامَةِ؟ قَالَ: هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ وَالقَمَرِ إِذَا كَانَتْ صَحْوًا؟، قُلْنَا: لا، قَالَ: فَإِنَّكُمْ لَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ يَوْمَئِذ. فيه: إِثْبَاتُ الرُّؤْيَةِ. أي: لا يَحْصُلُ لَكُمْ ضَرَرٌ ولَا رَيْبَ، وساقَ الحديثَ.

فَيَأْتِيهِمُ الجَبَّارُ فِيهِ: إِثْبَاتُ صِفَةِ الإتْيَانِ لِلَّهِ ، وفيه: إِثْبَاتُ اسْمِ الجَبَّارِ لِلَّهِ

وفيه قال: فَيَقُولُ: هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ آيَةٌ تَعْرِفُونَهُ؟ فَيَقُولُونَ: السَّاقُ، فَيَكْشِفُ عَنْ سَاقِهِ. فِيهِ: إِثْبَاتُ السَّاقِ لِلَّهِ ، وهُي العَلَامَةُ بَيْنَ المُؤْمِنِينَ، وبينَ رَبِّهِمْ.

ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ أَنَسٍ قالَ: يُحْبَسُ المُؤْمِنُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ. إِلَى أَنْ قَالَ: فَإِذَا رَأَيْتُهُ وَقَعْتُ سَاجِدًا. هَذَا الشَّاهِدُ في إِثْبَاتِ الرُّؤْيَةِ، وأنَّ النَّبِيَّ ﷺ سَيَرَى رَبَّهُ.

فَأُخْرِجُهُمْ مِنَ النَّارِ. فيه: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ جَعَلَ لَهُ عَلَامَةً يَشْفَعُ في قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ مِنَ العصاةِ يخرجون، ثم قال: فَإِذَا رَأَيْتُهُ وَقَعْتُ سَاجِدًا. ثُمَّ قَالَ فِي المَرَّةِ الثَّالِثَةِ: فَإِذَا رَأَيْتُهُ وَقَعْتُ سَاجِدًا. يَشْفَعُ فِي الخَلَائِقِ يومَ القِيَامَةِ الشَّفَاعَةَ العُظْمَى، ويَشْفَعُ فِي عُصَاةِ أهْلِ النَّارِ.

«ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الآيَةَ: عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا. نَبِيُّكُمْ ﷺ». فيه: الشَّفَاعَةُ العُظْمَى، وفِيهِ القِيَامَةُ.

ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ أَنَسٍ أنَّ رَسُولَ الله ﷺ قَالَ لِلأَنْصَارِ: اصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوُا الله وَرَسُولَهُ، فَإِنِّي عَلَى الحَوْضِ.

فيه: إِثْباتُ اللقِاءِ لله، وأَنَّهُمْ سَيَلْقَوْنَ الله، قيل: ويَثْبُتُ مِنْهُ الرُّؤْيَةُ.

ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ ابنِ عَبَّاسٍ في التَّهَجُّدِ، إِذَا تَهَجَّدَ مِنَ اللَّيْلِ قَالَ: اللهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الحَمْد، أَنْتَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، لَكَ الحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، لَكَ الحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، قَوْلُكَ الحَقُّ، وَوَعْدُكَ الحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ.

وفيه: إِثْبَاتُ اسمِ الله الحق، فمِنْ أسماءِ الله الحَقُّ.

ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ عَدِيٍّ: مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ، وَلا حِجَابٌ يَحْجُبُهُ.

وفيه من الفَوَائِدِ:

1- إِثْبَاتُ الرُّؤْيَةِ، يَرَى الله ليسَ بَيْنَهُ حِجَابٌ ولَا تَرْجُمان.

2- إِثْبَاتُ الكَلَامِ للَّهِ .

3- إِثْبَاتُ الحِسَابِ.

 ثم ذكر حديث أبي موسى الأشعري قال: جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ، آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ، آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَمَا بَيْنَ القَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلَّا رِدَاءُ الكِبْرِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ.

فيه من الفَوَائِدِ:

إِثْبَاتُ الكِبْرِ والرِّدَاءِ للَّهِ ، فهما من صِفَاتِ الله كما يليقُ بجلالِهِ وعظَمَتِه، لقوله ﷺ: الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي، وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا، قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ. ([39]). والعَظَمَةُ صِفَةٌ للَّهِ, كما بين شيخ الإسلام ابن تيمية([40]) في هذا الحديث أن الإزار والرداء وصفان يليقان بالله.

إِثْبَاتُ الرُّؤْيَةِ، وأنَّ المُؤْمِنِينَ يَرَوْنَ رَبَّهُمْ، وهَذَا فِي قَوْلِهِ: وَمَا بَيْنَ القَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ.

ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ عَبْدِ الله: مَنِ اقْتَطَعَ مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينٍ كَاذِبَةٍ، لَقِيَ الله وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ. وفيه: إِثْبَاتُ اللِّقَاءِ، قِيلَ: يَلْزَمُ مِنَ اللِّقَاءِ الرُّؤْيَةُ.

فإن قال قائل: في قول المؤلف: مَنِ اقْتَطَعَ مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينٍ كَاذِبَةٍ، لَقِيَ الله وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ. هل في ذلك إثبات اللقاء مع الله، واللقاء يلزم الرؤيا؟

نقول: فِيهِ إِثْبَاتُ اللِّقَاءِ؛ لكنْ هَلْ يَلْزَمُهُ الرُّؤْيَةُ؟ قال بعضُ العُلَماءِ: يَلْزَمُهُ الرُّؤْيَةُ، ونَقَلُوا -واللهُ أَعْلَمُ- أنَّ اللِّقَاءَ قد يكونُ مَعَهُ رَؤْيَةٌ، وقدْ لا يَكُونُ معه رُؤْيَةٌ. وهذا اللِّقَاءُ في الحَدِيثِ لا يكونُ مَعَهُ رؤيةٌ.

 ورُؤْيَةُ الله في مَوْقِفِ القِيَامَةِ فيها ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ لِأَهْلِ العِلْمِ:

القول الأول: أنَّهُ يَرَاهُ أَهْلُ المَوَاقِفِ مُؤْمِنُهُمْ وكَافِرُهُمْ، ثم يَحْتَجِبُ عن الكَفَرَةِ.

القول الثاني: لا يَرَاهُ إلَّا المُؤْمِنُونَ والمُنَافِقُونَ على ما جاءَ في الحَدِيثِ: حَتَّى يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الله مِنْ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ... فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ، وَيَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ لِلَّهِ رِيَاءً وَسُمْعَةً، فَيَذْهَبُ كَيْمَا يَسْجُدَ، فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقًا وَاحِدًا. ([41]).

القول الثالث: لَا يَرَاهُ إلَّا المُؤْمِنُونَ فَقَط.

 وقال: ثَلاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ: رَجُلٌ حَلَفَ عَلَى سِلْعَةٍ لَقَدْ أَعْطَى بِهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَى. ومَعْنَى: حَلَفَ عَلَى سِلْعَةٍ لَقَدْ أَعْطَى بِهَا. أي: اشْتَرَاهَا بِأَكْثَرَ مِنْ نَصِيبِهِ، وهُو كَاذِبٌ.

وَقَوْلُهُ: ثَلاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ. إِثْبَاتُ الكَلَامِ لِلَّهِ، فهؤلاء الثلاثَةُ لا يَكَلِّمُهُمْ كَلَامَ تَكْرِيمٍ؛ لكن يُكَلِّمُ غَيْرَهُمْ.

ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي بَكْرَةَ: الزَّمَانُ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ. والحديثُ يُثْبِتُ خَلْقَ الله .

| المتن |

 107- وَقَالَ: بَابُ مَا جَاءَ فِي قَوْلِ الله: إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ.

ورَوَى حَدِيثَ أُسَامَةَ قَالَ: «كَانَ ابْنٌ لِبَعْضِ بَنَاتِ النَّبِيِّ ﷺ يَقْضِي، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ». الحَدِيثَ إِلَى قَوْلِهِ: إِنَّمَا يَرْحَمُ اللهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ. ([42]).

وَرَوَى حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ: اخْتَصَمَتِ الجَنَّةُ وَالنَّارُ إِلَى رَبّهِمَا. الحَدِيثَ إِلَى قَوْلِهِ: فَقَالَ لِلْجَنَّةِ: أَنْتِ رَحْمَتِي، وَقَالَ لِلنَّارِ: أَنْتِ عَذَابِي. إِلَى قَوْلِهِ: وتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ، ثَلاثًا، حَتَّى يَضَعَ فِيهَا قَدَمَهُ فَتَمْتَلِئَ، وَيُرَدَّ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، وَتَقُولُ: قَطْ قَطْ قَطْ. ([43]).

| الشرح |

قال: «وَقَالَ البُخَارِيُّ -رحمه الله-: بَابُ مَا جَاءَ فِي قَوْلِ الله: إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ. فِيهِ إِثْبَاتُ الرَّحْمَةِ لِلَّهِ .

ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ أُسَامَةَ عن النَّبِيِّ ﷺ قالَ: إِنَّمَا يَرْحَمُ اللهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ.

فيه: إِثْبَاتُ الرَّحْمَةِ.

في حديث أبي هريرة: اخْتَصَمَتِ الجَنَّةُ وَالنَّارُ... فَقَالَ لِلْجَنَّةِ: أَنْتِ رَحْمَتِي. هَذِهِ الرَّحْمَةُ المَخْلُوقَةُ، فالرَّحْمَةُ رَحْمَتَانِ، رَحْمَةٌ مَخْلُوقَةٌ، ورَحْمَةٌ هِيَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ الله. فَالجَنَّةُ رَحْمَةٌ مَخْلُوقَةٌ، وهِيَ أَثَرٌ من رَحْمَةِ الله التِي هِي صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ. وَقَالَ لِلنَّارِ: أَنْتِ عَذَابِي.

يقول: حَتَّى يَضَعَ فِيهَا قَدَمَهُ. فِيهِ: إِثْبَاتُ القَدَمِ لِلَّهِ ، كَمَا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ وعَظَمَتِهِ.

| المتن |

 108- قَالَ: بَابُ قَوْلِ الله: إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا

وَذَكَرَ حَدِيثَ عَبْدِ الله، قَالَ: «جَاءَ حَبْرٌ إِلَى رَسُولِ الله ﷺ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ الله يَضَعُ السَّمَاءَ عَلَى إِصْبَعٍ». الحَدِيثَ([44]).

| الشرح |

هَذَا البَابُ فِيهِ إثْبَاتُ الأَصَابِعِ لِلَّهِ ، وإِثْبَاتُ اليَدِ لِلَّهِ.

«قال: بَابُ قَوْلِ الله: إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا، فِيهِ: إِثْبَاتُ أن الله يُمْسِكُ السَّمَواتِ والأَرْضَ.

وذكر حديثَ عبدِ الله بنِ مسعودٍ، قال: «جَاءَ حَبْرٌ إِلَى رَسُولِ الله ﷺ». يَعْنِي: عَالِمٌ، يُقَالُ: حَبْرٌ وحِبْرٌ.

«فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ الله يَضَعُ السَّمَاءَ عَلَى إِصْبَعٍ». فِيهِ: إِثْبَاتُ الأَصَابِعِ لِلَّهِ كَمَا جَاءَ في بَعْضِ الرِّوَايَاتِ.

| المتن |

109- وَقَالَ: بَابُ مَا جَاءَ فِي تَخْلِيقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَغَيْرِهَا مِنَ الخَلائِقِ، وَهُوَ فِعْلُ الرَّبِّ وَأَمْرُهُ، فَالرَّبُّ بِصِفَاتِهِ وَفِعْلِهِ وَأَمْرِهِ، وَهُوَ الخَالِقُ المُكَوِّنُ، غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَمَا كَانَ بِفِعْلِهِ وَأَمْرِهِ وَتَخْلِيقِهِ وَتَكْوِينِهِ، فَهُوَ مَفْعُولٌ مَخْلُوقٌ مُكَوَّنٌ.

وَذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ: «بِتُّ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ لَيْلَةً، وَالنَّبِيُّ عِنْدَهَا». إِلَى قَوْلِهِ: «فَقَرَأَ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ...، الْآيَةَ وَالْحَدِيثَ([45]).

| الشرح |

قَالَ الإمامُ البُخَارِيُّ: «بَابُ مَا جَاءَ فِي تَخْلِيقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَغَيْرِهَا مِنَ الخَلائِقِ، وَهُوَ فِعْلُ الرَّبِّ». يَعْنِي: التَّخْلِيقَ فِعْلُ الرَّبِّ. «وَأَمْرُهُ، فَالرَّبُّ بِصِفَاتِهِ وَفِعْلِهِ وَأَمْرِهِ، وَهُوَ الخَالِقُ المُكَوِّنُ، غَيْرُ مَخْلُوقٍ». بِصِفَاتِهِ، ومِنْ صِفَاتِهِ الفِعْلُ، ومِنْ صِفَاتِهِ التَّخْلِيقُ، هَذَا فِعْلُهُ، وأَمْرُهُ: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ.

والأمر نوعان: أَمْرٌ كَوْنِيٌّ، وأمرٌ شَرْعِيٌّ.

 يَقُولُ المُؤَلِّفُ: «فَالرَّبُّ بِصِفَاتِهِ وَفِعْلِهِ وَأَمْرِهِ، وَهُوَ الخَالِقُ المُكَوِّنُ، غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَمَا كَانَ بِفِعْلِهِ وَأَمْرِهِ وَتَخْلِيقِهِ وَتَكْوِينِهِ، فَهُوَ مَفْعُولٌ مَخْلُوقٌ مُكَوَّنٌ». فَاللهُ -تَعَالَى- خَلَقَ السمواتِ والأَرْضَ، والسمواتُ مَخْلُوقَةٌ، وهُمَا أَثَرٌ من تَخْلِيقِهِ وفِعْلِهِ وهو الخَلْقُ، والله -تَعَالى- إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ. والأَمْرُ كَلَامُهُ، وما كان بأَمْرِهِ فَهُوَ مَخْلُوقٌ، إذا أراد شيئا، قَالَ: كَنْ فَكَان تَخْلِيقُهُ وتَكْويِنُهُ، فالسَّمَواتُ مَفْعُولٌ مَخْلُوقٌ مُكَوَّنٌ.

ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ ابنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- وَفِيهِ: «بِتُّ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ لَيْلَةً، وَالنَّبِيُّ عِنْدَهَا». قَامَ فِي آخِرِ اللَّيْلِ، وقَرَأَ الآياتِ العَشْرَ من آخِرِ سُورَةِ آلِ عِمْرَان إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ....

والشَّاهِدُ قَوْلُهُ –تَعَالَى-: إِنَّ فِي خَلْقِ. فالخَلْقُ وَصْفُهُ -سبحانه-، والسَّمَوَاتُ والأَرْضُ مَخْلُوقَاتُهُ، وهُمَا أَثَرٌ من صِفَاتِهِ.

| المتن |

110- وَقَالَ: بَابُ وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ.

قَالَ: «حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ الله بْنَ مَسْعُودٍ، حَدَّثَنَا رَسُولُ الله ﷺ وَهُوَ الصَّادِقُ المَصْدُوقُ». وَسَاقَ الْحَدِيثَ ([46]).

| الشرح |

قَالَ البُخَارِيُّ: «بَابُ: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ. [الصافات: 171]».

الشاهد: قوله -تعالى-: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا، فِيهِ: إِثْبَاتُ الكَلَامِ لِلَّهِ، وأنَّهُ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ.

ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ خَلْقَ أَحَدِكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَهُ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَهُ، ثُمَّ يُبْعَثُ إِلَيْهِ المَلَكُ فَيُؤْذَنُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ، فَيَكْتُبُ: رِزْقَهُ، وَأَجَلَهُ. وهُوَ يُؤْمَرُ، والآمِرُ هُوَ اللهُ، فالأَمْرُ كَلَامُهُ ، فَهَذَا الحَدِيثُ فِيهِ: إِثْبَاتُ الأمْرِ والكَلَامِ لِلَّهِ ، وأن كَلَامَ الله صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ.

| المتن |

 111- وَقَالَ: بَابُ قَوْلِ الله: إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ [النحل آية: 40 ].

قَالَ: حَدَّثَنَا شِهَابُ بْنُ عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: لا يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي قَوْمٌ ظَاهِرِينَ عَلَى النَّاسِ، حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ الله ([47]).

وَرَوَى حَدِيثَ مُعَاوِيَةَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا([48]).

| الشرح |

وَقَالَ البُخَارِيُّ -رحمه الله-: «بَابُ قَوْلِ الله -تَعَالَى-: إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [النحل: 40]». فهَذِهِ الآية فيها إِثْبَاتُ القَوْلِ في قوله: إِذَا أَرَدْنَاهُ، وإثباتُ الإِرَادَةِ لِلَّهِ في قوله: إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ، وأَنَّهُمَا صِفَتَانِ.

ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ المُغِيرَةِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: لا يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي قَوْمٌ ظَاهِرِينَ عَلَى النَّاسِ، حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ الله. الشاهد فيه: يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ الله. إِثْبَاتُ الْأَمْرِ، وهُوَ صِفَةٌ من صِفَاتِهِ، وهو نَوْعٌ مِنَ الكَلَامِ.

| المتن |

 112- وَقَالَ: بَابُ قَوْلِ الله -تَعَالَى-: قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي... الْآيَةَ، وَقَوْلِهِ: وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ... الْآيَةَ.

وَرَوَى حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: تَكَفَّلَ اللهُ لِمَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ.... الْحَدِيثَ»([49]).

| الشرح |

هَذَا البَابُ أَيْضًا لإثْبَاتِ صِفَةِ الكَلَامِ لِلَّهِ ، وأنَّ كَلَامَ الله لا يَنْتَهِي.

قال: «بَابُ قَوْلِ الله -تَعَالَى-: قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا [الكهف :109]»، هَذِهِ آيَةُ سُورَةِ الكَهْفِ، وفي آيَةِ لُقْمَانَ: وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ [لقمان :27]، إِثْبَاتُ الكَلَامِ لِلَّهِ في الآيَتَيْنِ، وأنَّ كَلَامَ الله لا يَنْتَهِي، وأنَّهُ لَوْ كَانَتِ الْأَشْجَارُ التِي في الأَرْضِ أَقْلَامًا يُكْتَبُ بِهَا، والبِحَارُ حِبْرًا يُكْتَبُ بِهِ؛ لتَكَسَّرَتِ الْأَقْلَامُ، ونَفِدَتْ مِيَاهُ البِحَارِ، ومَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ الله.

وَالآيَةُ الأُخْرَى، آيَةُ الكَهْفِ: قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي، أي: حِبْرًا يُكْتَبُ بِهِ كَلَامُ الله لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا ، فَلَوْ مُدَّ بِمِثْلِهِ مَدَدًا انْتَهَى المِدَادُ ومَا تَنْفَدُ كَلِمَاتُ الله.

وَذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ: تَكَفَّلَ اللهُ لِمَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ، لَا يُخْرِجُهُ مِنْ بَيْتِهِ إِلَّا الجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ وَتَصْدِيقُ كَلِمَتِهِ. هَذَا هو الشَّاهِدُ: وَتَصْدِيقُ كَلِمَتِهِ. فِيهِ: إِثْبَاتُ الكَلَامِ لِلَّهِ .

| المتن |

113- وَقَالَ: بَابُ قَوْلِهِ: تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ.

قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: إِذَا دَعَوْتُمُ الله فَاعْزِمُوا فِي الدُّعَاءِ، وَلا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ إِنْ شِئْتَ فَأَعْطِنِي، فَإِنَّ الله لَا مُسْتَكْرِهَ لَهُ. ([50]).

وَرَوَى حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: مَثَلُ المُؤْمِنِ كَمَثَلِ الْخَامَةِ مِنَ الزَّرْعِ. الْحَدِيثَ([51]).

وَرَوَى حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: إِنَّمَا بَقَاؤُكُمْ فِيمَا سَلَفَ قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَمِ، كَمَا بَيْنَ صَلاةِ العَصْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ([52]).

وَرَوَى حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ نَبِيَّ الله سُلَيْمَانَ كَانَ لَهُ سِتُّونَ امْرَأَةً. ([53]). الْحَدِيثَ.

وَرَوَى حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ: «اسْتَبَّ رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِينَ وَرَجُلٌ مِنَ اليَهُودِ». إِلَى قَوْلِهِ: فَإِنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ، فَإِذَا مُوسَى بَاطِشٌ بِجَانِبِ العَرْشِ، فَلا أَدْرِي أَكَانَ فِيمَنْ صَعِقَ فَأَفَاقَ قَبْلِي، أَوْ كَانَ مِمَّنِ اسْتَثْنَى اللهُ -تَعَالَى-. ([54]).

وَسَاقَ فِيهِ أَحَادِيثَ فِي المَشِيئَةِ والاسْتِثْنَاءِ.

| الشرح |

قول البخاري: «بَابُ قَوْلِهِ: تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ..

فِيهِ: إِثْبَاتُ المَشِيئَةِ لِلَّهِ .

ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ أَنَسٍ بَعْدَهُ: إِذَا دَعَوْتُمُ الله فَاعْزِمُوا فِي الدُّعَاءِ، وَلا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ إِنْ شِئْتَ فَأَعْطِنِي، فَإِنَّ الله لَا مُسْتَكْرِهَ لَهُ. فِيهِ: إِثْبَاتُ المَشِيئَةِ في قوله: إِنْ شِئْتَ. ([55]).

ثم ذكر حديث أبي هريرة: مَثَلُ المُؤْمِنِ كَمَثَلِ الْخَامَةِ مِنَ الزَّرْعِ. الحَدِيثَ. وبقيته: يَفِيءُ وَرَقُهُ مِنْ حَيْثُ أَتَتْهَا الرِّيحُ تُكَفِّئُهَا، فَإِذَا سَكَنَتِ اعْتَدَلَتْ، وَكَذَلِكَ المُؤْمِنُ يُكَفَّأُ بِالْبَلاءِ، وَمَثَلُ الكَافِرِ كَمَثَلِ الأَرْزَةِ صَمَّاءَ مُعْتَدِلَةً حَتَّى يَقْصِمَهَا اللهُ إِذَا شَاءَ.

والشاهد في قوله: إِذَا شَاءَ. إِثْبَاتُ المَشِيئَةِ لِلَّهِ .

 ثم ذكر حديث ابن عمر: إِنَّمَا بَقَاؤُكُمْ فِيمَا سَلَفَ قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَمِ، كَمَا بَيْنَ صَلاةِ العَصْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ.

وبَقِيَّتُهُ أَنَّهُ: كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ أُجَرَاءَ، فَقَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ غُدْوَةَ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ؟ فَعَمِلَتِ اليَهُودُ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إِلَى صَلاةِ العَصْرِ عَلَى قِيرَاطٍ؟ فَعَمِلَتِ النَّصَارَى، ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنَ العَصْرِ إِلَى أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ عَلَى قِيرَاطَيْنِ؟ «فَأَنْتُمْ هُمْ». فَغَضِبَتِ اليَهُودُ، وَالنَّصَارَى، فَقَالُوا: مَا لَنَا أَكْثَرَ عَمَلًا، وَأَقَلَّ عَطَاءً؟ قَالَ: «هَلْ نَقَصْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ؟» قَالُوا: لا، قَالَ: «فَذَلِكَ، فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ.

فالشَّاهِدُ قَوْلُهُ: أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ، إِثْبَاتُ المَشِيئَةِ لِلَّهِ.

وحديث أبي هريرة : أَنَّ سُلَيْمَانَ كَانَ لَهُ سِتُّونَ امْرَأَةً، فَقَالَ: لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى سِتِّينَ امْرَأَةٍ -وفي لفظ: لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى تِسْعِينَ امْرَأةٍ تَحْمِلُ كُلٌّ مِنْهُنَّ غُلَامًا يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ الله. سليمان ﷺ مقصوده الجهاد، له تسعون امرأة طاف عَلَيْهِنَّ في لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ، وهذا يَدُلُّ على أَنَّهُمْ أُتُوا قُوَّةً شَدِيدَةً، فبَنِي إسرائيلَ أَعُطْوا من الزوجات الكثير.

فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: قُلْ: إِنْ شَاءَ اللهُ، فَلَمْ يَقُلْ إِنْ شَاءَ اللهُ. وفي لفظ: فَلَمْ يَقُلْ وَنَسِيَ فَطَافَ عَلَيْهِنَّ جَمِيعًا فَلَمْ يَحْمِلْ مِنْهُنَّ إِلَّا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ، جَاءَتْ بِشِقِّ رَجُلٍ. قال النبي ﷺ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْ قَالَ: إِنْ شَاءَ اللهُ، لَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ الله، فُرْسَانًا أَجْمَعُونَ. والشاهد قوله: قُلْ: إِنْ شَاءَ اللهُ. فيه: إثبات المشيئة لله.

ثم ذكر حديث أبي هريرة: النَّاسُ يَصْعَقُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ، فَإِذَا مُوسَى بَاطِشٌ بِجَانِبِ العَرْشِ، فَلا أَدْرِي أَكَانَ فِيمَنْ صَعِقَ فَأَفَاقَ قَبْلِي، أَوْ كَانَ مِمَّنِ اسْتَثْنَى اللهُ -تَعَالَى-؟.

فِي قَوْلِهِ: إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ، هَذِهِ المَشِيئَةُ الَّتِي اسْتَثْنَاهَا اللهُ.

| المتن |

114- وَقَالَ: بَابٌ: أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ: بَيْنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَالْأَرْضِ السَّابِعَةِ.

وَرَوَى حَدِيثَ ابْنِ أَبِي أَوْفَى، قَالَ رَسُولُ الله ﷺ يَوْمَ الأَحْزَابِ: اللهُمَّ مُنْزِلَ الكِتَابِ، سَرِيعَ الحِسَابِ، اهْزِمِ الأَحْزَابَ، وَزَلْزِلْهُمْ. ([56]).

| الشرح |

هذا الباب فِيهِ: إِثْبَاتُ العِلْمِ لِلَّهِ قال -تعالى-: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا [الطلاق:12]، ففي الآية إثباتُ العِلْمِ؛ لحَدِيثِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَدْعُو يَوْمَ الْأحْزَابِ، وَقَالَ: اللهُمَّ مُنْزِلَ الكِتَابِ، سَرِيعَ الحِسَابِ، اهْزِمِ الأَحْزَابَ، وَزَلْزِلْهُمْ.

الشَّاهِدُ فِي قَوْلِهِ: مُنْزِلَ الكِتَابِ. إِنْزَالُ الْكِتَابِ، وهُوَ كَلَامُ الله في إِثْبَاتِ الْكَلَامِ لِلَّهِ .

 وفيه: إِثْبَاتُ العِلْمِ لِلَّهِ ، وأَنَّ الله عَالمٌ بأَحْوَالِهِمْ، في قول النَّبِيِّ ﷺ: اللهُمَّ مُنْزِلَ الكِتَابِ، سَرِيعَ الحِسَابِ، اهْزِمِ الأَحْزَابَ، وَزَلْزِلْهُمْ.

| المتن |

115- وَقَالَ: بَابُ قَوْلِهِ: يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ.

قَالَ: حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَسُبُّ الدَّهْرَ، وَأَنَا الدَّهْرُ، بِيَدِي الأَمْرُ، أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ. ([57]).

قَالَ: وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الأَغَرِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ الله ﷺ قَالَ: يَتَنَزَّلُ رَبُّنَا كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ. ([58]).

وَسَاقَ فِيهِ حَدِيثَ الْإِفْكِ([59])، وَحَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الرَّجُلِ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ، فَقَالَ: حَرِّقُونِي.... بِطُولِهِ([60]).

| الشرح |

هَذَا البَابُ أيْضًا عَقَدَهُ المُؤَلِّفُ في إِثْبَاتِ الْكَلَامِ، وغَيْرِهِ مِنَ الصِّفَاتِ، فقال: «بَابُ قَوْلِهِ: يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ، فِيهِ: إِثْبَاتُ الكَلَامِ لِلَّهِ .

 ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ أبِي هُرَيْرَةَ: قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَسُبُّ الدَّهْرَ، وَأَنَا الدَّهْرُ. يقول: قَالَ اللهُ –تَعَالَى-. هَذَا إِثْبَاتُ القَوْلِ لِلَّهِ، فالقَوْلُ كَلَامٌ، وهَذَا حَدِيثٌ قُدْسِيٌّ وهو من كَلَامِ الله لَفْظًا ومَعْنًى.

أما قوله: أَنَا الدَّهْرُ. يعني: مُصَرِّفَ الدَّهْرِ، وخَالِقَ الدَّهْرِ، وقَدْ غَلِط ابنُ حَزْمٍ؛ حِينَما أَثْبَتَ الدَّهْرَ من أسماءِ الله، فقد غَلَّطَهُ أهل العلم، وقَالُوا: الأحَادِيثُ يُفَسِّرُ بَعْضُهَا بَعْضًا.

 فقوله: وَأَنَا الدَّهْرُ. اللَّفْظُ الآخَرُ: مُصَرِّفُ الدَّهْرِ. وفسره بقية الحديث: بِيَدِي الأَمْرُ، أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ.

قد يقول قائل: هَلْ قَوْلُنَا: يَوْمٌ شَدِيدُ الحَرِّ, أو يومُ نَحْسٍ، من سَبِّ الدَّهْرِ؟

فنقول: لا، ليسَ مِنْ سَبِّ الدَّهْرِ؛ لأنَّ هَذَا وَصْفٌ لَهُ. هذا الوَصْفُ الَّذِي أخبر الله بِهِ عَنْ قَوْمِ لُوطٍ فقال -سبحانه-: وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ [هود:77].

فسبُّ الدهر يدخل فيه، من يَسُبُّ اللَّيْلَ والنَّهَارَ، ويَلْعَنُ الزَّمَانَ، فيقول: آذَانَا الدَّهْرُ، لعنَ اللهُ الدَّهْرَ.

ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ: يَتَنَزَّلُ رَبُّنَا كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ.

قوله: يَتَنَزَّلُ رَبُّنَا. فيه: إِثْبَاتُ النُّزُولِ لِلَّهِ .

وَسَاقَ فِيهِ حَدِيثَ الإفْكِ أن عائشة قالت: «مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ الله يُنْزِلُ فِي بَرَاءَتِي وَحْيًا يُتْلَى، وَلَشَأْنِي فِي نَفْسِي كَانَ أَحْقَرَ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللهُ فِيَّ بِأَمْرٍ يُتْلَى، وَلَكِنِّي كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ الله ﷺ فِي النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللهُ بِهَا». فقولها: «أَنْ يَتَكَلَّمَ اللهُ فِيَّ»، فيه: إِثْبَاتُ الكَلَامِ لِلَّهِ .

وكذلك حديث الذي لم يعمل خيرا قط: قَالَ رَجُلٌ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ: فَإِذَا مَاتَ فَحَرِّقُوهُ وَاذْرُوا نِصْفَهُ فِي البَرِّ، وَنِصْفَهُ فِي البَحْرِ، فَوَالله لَئِنْ قَدَرَ اللهُ عَلَيْهِ لَيُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا لَا يُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ العَالَمِينَ، فَأَمَرَ اللهُ البَحْرَ فَجَمَعَ مَا فِيهِ، وَأَمَرَ البَرَّ فَجَمَعَ مَا فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: لِمَ فَعَلْتَ؟ قَالَ: مِنْ خَشْيَتِكَ وَأَنْتَ أَعْلَمُ، فَغَفَرَ لَهُ. فيه إثبات الكلامِ لِلَّهِ .

| المتن |

116- وَقَالَ: بَابُ مَا جَاءَ فِي دُعَاءِ النَّبِيِّ ﷺ أُمَّتَهُ إِلَى تَوْحِيدِ الله.

وَذَكَرَ حَدِيثَ مُعَاذٍ وَغَيْرِهِ([61]).

| الشرح |

هَذَا البَابُ في دُعَاءِ النَّبِيِّ ﷺ أُمَّتَهُ إِلَى تَوْحِيدِ الله . وَذَكَرَ حَدِيثَ مُعَاذٍ حِينَ كَانَ رَدِيفَ النَّبِيِّ ﷺ عَلَى حِمَارٍ؛ فَقَالَ ﷺ: يَا مُعَاذُ، أَتَدْرِي مَا حَقُّ الله عَلَى العِبَادِ؟ قَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، أَتَدْرِي مَا حَقُّهُمْ عَلَيْهِ؟ قَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ. (1).

فهَذَا الحديث فيه بيانُ حَقِّ الله، وحق الله حقٌّ وَاجِبٌ لَازِمٌ، وهُوَ تَوْحِيدُهٌ وإِخْلَاصُ الدِّينِ لَهُ.

وأمَّا حَقُّ العِبَادِ على الله فحَقُّ تَفَضُّلٍ وإِكْرَامٍ، حقٌّ أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ وهو أنَّهُ لا يُعَذِّبُ مَنْ مَاتَ على التَّوْحِيدِ، لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا.

فهذا الحديث فيه دُعَاءُ النَّبِيِّ ﷺ لِأُمَّتِهِ إلى التَّوْحِيدِ، والمُؤَلِّفُ اخْتَصَرَهُ، حَذَفَ نُصُوصًا كَثِيرَةً، فقد كَانَ يُرِيدُ أنْ يَأْتِيَ بأَمْثِلَةٍ، يَسْتَعْرِضُ الأَبْوَابَ التي ذَكَرَهَا الإمامُ البُخَارِيُّ.

| المتن |

117- وَقَالَ: بَابُ قَوْلِ الله: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ...

ورَوَى حَدِيثَ جَرِيرٍ قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: لَا يَرْحَمِ اللهُ مَنْ لَا يَرْحَمِ النَّاسَ. ([62])

| الشرح |

هذا الباب، وهو بَابُ: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى.

فيه من الفوائد:

 1- إِثْبَاتُ اسمِ الرَّحْمَنِ.

فَضْلُ صِلَةِ الرَّحِمِ؛ لأنَّ أسماءَ الله مُشْتَقَّةٌ، كُلُّ اسمٍ مُشْتَمِلٌ عَلَى صِفَةٍ، الرَّحْمَنُ مُشْتَمِلٌ على صِفَةِ الرَّحْمَةِ، العليمُ مُشْتَمِلٌ على صِفَةِ العِلْمِ، القَدِيرُ مُشْتَمِلٌ على صِفَةِ القُدْرَةِ، اللهُ مُشْتَمِلٌ على صِفَةِ الأُلُوهِيَّةِ، وهكذا.

 قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى. [الإسراء: 110]: اللهُ أَعْرَفُ المعَارِفِ، وهُو اسْمُهُ الَّذِي يُسَمَّى بِهِ.

ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ: لَا يَرْحَمُ اللهُ مَنْ لَا يَرْحَمُ النَّاسَ.

وفِيهِ: إِثْبَاتُ الرَّحْمَةِ.

| المتن |

 118- وَقَالَ: بَابُ قَوْلِ الله: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات: 58].

قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: مَا أَحَدٌ أَصْبَرُ عَلَى أَذًى سَمِعَهُ مِنَ الله، يَدَّعُونَ لَهُ الوَلَدَ، ثُمَّ يُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ. ([63]).

| الشرح |

هذا الباب وهو: «بابُ قَوْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات: 58].

فِيهِ من الفوائد:

إِثْبَاتُ اسمِ الرَّزَّاقِ، وأنَّهُ من أسْمَائِهِ.

 إِثْبَاتُ صِفَةِ القُوَّةِ في قوله: ذُو الْقُوَّةِ.

ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ أبِي مُوسَى الأَشْعَرِيَّ قال: قال النبي ﷺ: مَا أَحَدٌ أَصْبَرُ عَلَى أَذًى سَمِعَهُ مِنَ الله، يَدَّعُونَ لَهُ الوَلَدَ، ثُمَّ يُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ.

فيه: وَصْفُ الله بالصَّبْرِ على الأَذَى، وهذا فِيهِ قُوَّةٌ، فأثبت صِفَةَ القُوَّةِ لِلَّهِ كما يَلِيقُ بجَلَالِه وعَظَمَتِهِ.

| المتن |

119- وَقَالَ: بَابُ قَوْلِ الله: عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا، وَإِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ... الآيَاتِ.

وَرَوَى حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: مَفَاتِيحُ الغَيْبِ خَمْسٌ، لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللهُ. ([64]).

وَقَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نا سُفْيَانُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «مَنْ حَدَّثَكُم أَنَّ مُحَمَّدًا رَأَى رَبَّهُ، فَقَدْ كَذَبَ، وَهُوَ يَقُولُ: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ. وَمَنْ حَدَّثَكَ أَنَّهُ يَعْلَمُ الغَيْبَ، فَقَدْ كَذَبَ، وَهُوَ يَقُولُ: لَا يَعْلَمُ الغَيْبَ إِلَّا اللهُ. ([65]).

| الشرح |

هَذَا البَابُ عَقَدَهُ المُؤَلِّفُ -رحمه الله- في إِثْبَاتِ صِفَةِ العِلْمِ، وأنَّهُ يَعْلَمُ الغَيْبَ والشَّهَادَةَ، وأن الله يَعْلَمُ مَا كَانَ في المَاضِي والأَزَلِ، وما يكونُ في الحَاضِرِ، ومَا يَكُونُ في المُسْتَقْبَلِ، ويعلمُ مَا لَمْ يَكُنْ لو كَانَ كَيْفَ يَكُونُ.

 قَالَ: «بَابُ قَوْلِ الله -تَعَالَى-: عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا، وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ... .

ثُمَّ رَوَى حَدِيثَ ابنِ عُمَرَ: مَفَاتِيحُ الغَيْبِ خَمْسٌ، لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللهُ ثُمَّ قَرَأَ الْآيَةَ: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ.

هَذِهِ مَفَاتِيحُ الغَيْبِ لَا يَعْلَمُ عِلْمَ السَّاعَةِ إلَّا اللهُ: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ: لَا يَعْلَمُ مَتَى يَنْزِلُ المَطَرُ إلَّا اللهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ: لا يَدْرِي مَا فِي الأَرْحَامِ إلَّا اللهُ، وهَذَا قَبْلَ أن يُخْلَقَ الجَنِينُ، مَا يَدْرِي ما تَكُونُ هذه النُّطْفَةُ، هل هي ذَكَرٌ أو أُنْثَى؟ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يُعْلِمُ اللهُ المَلَكَ، يقولُ: أي رَبِّ ذَكَرٌ أو أُنْثَى؟ ثُمَّ بَعْدَ ذَلكَ يَعْلَمُ الأَطِبَّاُء، والرابع من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله: وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا، مَا تُدْرِكُ نَفْسٌ مَاذَا يَحْصُلُ مِنَ الغَدِ، والخَامِسُ هُوَ: وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ.

ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ عَائِشَةَ قَالَتْ: «مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَأَى رَبَّهُ، فَقَدْ كَذَبَ، وَهُوَ يَقُولُ: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ، وَمَنْ حَدَّثَكَ أَنَّهُ يَعْلَمُ الغَيْبَ، فَقَدْ كَذَبَ، وَهُوَ يَقُولُ: قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ.

وقوله: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ: يعني: لَا تَرَاهُ العُيُونُ في الدُّنْيَا، فلا تُحِيطُ بِه رُؤْيَا، وهَذَا هُوَ الصَّوَابُ: أنَّ مُحَمَّدًا ﷺ لَمْ يَرَ رَبَّهُ بِعَيْنِ بَصَرِهِ في لَيْلَةِ المِعْرَاجِ، وقالَ بَعْضُ العُلْمَاءِ: إنَّهُ رَآهُ بِعَيْنِ رَأْسِهِ. والصَّوَابُ أنَّهُ رَآهُ بِعَيْنِ قَلْبِهِ؛ ومَا جَاءَ عَنِ الصَّحَابَةِ من الآثَارِ في إِثْبَاتِ رُؤْيَةِ النَّبِيِّ ﷺ لِرَبِّهِ فَهُو مَحْمُولٌ عَلَى رُؤْيَةِ الفُؤَادِ، ومَا جَاءَ مِنَ الآثَارِ في المَنْعِ من الرُّؤْيَةِ فَهُو مَحْمُولٌ على رُؤْيَةِ البَصَرِ، وبِهَذَا تَجْتَمِعُ الأَدِلَّةُ.

 فيَكُونُ النَّبِيُّ ﷺ لم يَرَ رَبَّهُ بِعَيْنِ رَأْسِهِ؛ ولَكِنَّهُ رَآهُ بِعَيْنِ قَلْبِه.

فإن قال قائل: مَا مَعْنَى رُؤْيَةِ القَلْبِ؟

فنقول: أي: مَا رَأى بَعَيْنِ رَأْسِه؛ لَكِنْ جَعَلَ اللهُ زِيَادَةَ العِلْمِ في قَلْبِهِ.

 وَقَالَتْ: «وَمَنْ حَدَّثَكَ أَنَّهُ يَعْلَمُ الغَيْبَ، فَقَدْ كَذَبَ، واللهُ يَقُولُ: قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ. هَذَا الشَّاهِدُ فِي وَصْفِ الله بأنَّهُ يعْلَمُ الغَيْبَ، وفِيهِ وصْفُ الله بالعَظَمَةِ، وأنَّهُ لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ.

| الحواشي |

([1]) أخرجه البخاري معلقا (9/120) .

([2]) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد ، بَابُ مَا يُذْكَرُ فِي الذَّاتِ وَالنُّعُوتِ وَأَسَامِي اللَّهِ، رقم (7402).

([3]) هو خبيب بن عدي بن مالك بن عامر الأنصاريّ الأوسيّ، شهد بدرا واستشهد في عهد النبيّ ﷺ. انظر: ترجمته في الإصابة (2/225).

([4]) أخرجه البخاري: كتاب الجهاد والسير، باب هل يستأسر الرجل ومن لم يستأسر، ومن ركع ركعتين عند القتل، رقم (3045).

([5]) أخرجه البخاري: كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله –تعالى-: وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا، رقم (3358)، ومسلم: كتاب الفضائل، رقم (2371).

([6]) أخرجه مسلم: كتاب الطلاق ، رقم (1499).

([7]) سبق تخريجه .

([8]) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ [آل عمران: 28]، رقم (7405).

([9]) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص: 88]، رقم (7406).

([10]) أخرجه مسلم: كتاب الفتن وأشراط الساعة، رقم (2890).

(1) أخرجه الطبراني (13/73/181).

([11]) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي [طه: 39]، «تُغَذَّى»، وَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا [القمر: 14]، رقم (7407).

([12]) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي  [طه: 39]، «تُغَذَّى»، وَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا​​​​​​​  [القمر: 14]، رقم (7408).

([13]) أخرجه البخاري: كتاب الحج، باب التلبية إذا انحدر في الوادي، رقم (1555)، مسلم، كتاب الإيمان، رقم (166).

([14]) أخرجه مسلم : كتاب الْفِتَنِ وَأَشْرَاطِ السَّاعَةِ ، رقم (2934).

([15]) أخرجه أبو داود: كتاب الملاحم، باب خروج الدجال، رقم (4319).

([16]) أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (3/451).

([17]) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ: هُوَ اللَّهُ الخَالِقُ البَارِئُ المُصَوِّرُ [الحشر: 24]، رقم (7409).

([18]) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص: 75]، رقم (7410).

([19]) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ​​​​​​​  [ص: 75] ، رقم (7411).

([20]) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ​​​​​​​  [ص: 75]، رقم (7412).

([21]) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ​​​​​​​  [ص: 75]، رقم (7414).

([22]) أخرجه البخاري: كتاب الوكالة، باب إذا وكل رجلا فترك الوكيل شيئا، رقم (2311).

([23]) أخرجه البخاري معلقاً (9/123) .

([24]) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد ، بَابُ قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ [الأنعام: 19]، رقم (7417).

([25]) أخرجه البخاري معلقاً (9/124) .

([26]) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد ، بَابُ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ [هود: 7]، وَهُوَ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ [التوبة: 129]، رقم (7418).

([27]) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: تَعْرُجُ المَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ [المعارج: 4] ، رقم (7433).

([28]) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ۝ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:22 - 23]، رقم (7434).

([29]) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ۝ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:22 - 23]، رقم (7437).

([30]) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ۝ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:22 - 23]، رقم (7439).

([31]) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ۝ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:22 - 23]، رقم (7440).

([32]) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ۝ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:22 - 23]، رقم (7441).

([33]) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ۝ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:22 - 23]، رقم (7442).

([34]) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ۝ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:22 - 23]، رقم (7443).

([35]) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ۝ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:22 - 23]، رقم (7444).

([36]) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ۝ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:22 - 23]، رقم (7445).

([37]) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ۝ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:22 - 23]، رقم (7446).

([38]) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ۝ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:22 - 23]، رقم (7447).

([39]) أخرجه أبو داود: كتاب اللباس، باب ما جاء في الكبر، رقم (4090)، وابن ماجه: كتاب الزهد، باب البراءة من الكبر والتواضع، رقم (4174).

([40]) مجموع الفتاوى (10/196).

[41] - سبق تخريجه .

([42]) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد ، بَابُ مَا جَاءَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ المُحْسِنِينَ، رقم (7448).

([43]) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد ، بَابُ مَا جَاءَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ المُحْسِنِينَ​​​​​​​،، رقم (7449).

([44]) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولاَ، رقم (7451).

([45]) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد ، بَابُ مَا جَاءَ فِي تَخْلِيقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَغَيْرِهَا مِنَ الخَلاَئِقِ، رقم (7452).

([46]) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد ، بَابُ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المُرْسَلِينَ [الصافات: 171]، رقم (7454).

([47]) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [النحل: 40]، رقم (7459).

([48]) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ​​​​​​​  [النحل: 40]، رقم (7460).

([49]) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: قُلْ لَوْ كَانَ البَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ البَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا [الكهف: 109]، رقم (7463).

([50]) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد ، بَابُ فِي المَشِيئَةِ وَالإِرَادَةِ: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ، رقم (7464).

([51]) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد ، بَابُ فِي المَشِيئَةِ وَالإِرَادَةِ: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ​​​​​​​، رقم (7466).

([52]) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد ، بَابُ فِي المَشِيئَةِ وَالإِرَادَةِ: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ​​​​​​​، رقم (7467).

([53]) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد ، بَابُ فِي المَشِيئَةِ وَالإِرَادَةِ: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ​​​​​​​، رقم (7469).

([54]) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد ، بَابُ فِي المَشِيئَةِ وَالإِرَادَةِ: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ​​​​​​​، رقم (7472).

([55]) تقدم تخريجه.

([56]) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالمَلاَئِكَةُ يَشْهَدُونَ [النساء: 166]، رقم (7489).

([57]) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالمَلاَئِكَةُ يَشْهَدُونَ​​​​​​​  [النساء: 166]، رقم (7491).

([58]) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالمَلاَئِكَةُ يَشْهَدُونَ​​​​​​​  [النساء: 166]، رقم (7494).

([59]) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالمَلاَئِكَةُ يَشْهَدُونَ​​​​​​​  [النساء: 166]، رقم (7500).

([60]) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالمَلاَئِكَةُ يَشْهَدُونَ​​​​​​​  [النساء: 166]، رقم (7506).

([61]) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد ، بَابُ مَا جَاءَ فِي دُعَاءِ النَّبِيِّ ﷺ أُمَّتَهُ إِلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، رقم (7371).

(1)  أخرجه البخاري: كِتَابُ التَّوْحِيدِ ، بَابُ مَا جَاءَ فِي دُعَاءِ النَّبِيِّ ﷺ أُمَّتَهُ إِلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، رقم (7373)، ومسلم: كتاب الأيمان، رقم (30).

([62]) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد ، بابُ قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى [الإسراء: 110]، رقم (7376).

([63]) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو القُوَّةِ المَتِينُ [الذاريات: 58] ، رقم (7378).

([64]) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: عَالِمُ الغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا [الجن: 26] ، رقم (7379).

([65]) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: عَالِمُ الغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا​​​​​​​ [الجن: 26] ، رقم (7380).

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد