| المتن |
120- قَالَ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: وَقَالَ: بَابُ قَوْلِ الله: السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ.
وَرَوَى حَدِيثَ عَبْدِ اللهِ فِي التَّشَهُّدِ ([1]).
| الشرح |
المُؤَلِّفُ ابنُ البَنَّاءِ -رحمه الله- لا يَزَالُ يَنْقُلُ عنِ الإمامِ البُخَارِيِّ من كِتَابِ التَّوْحِيدِ أَبْوَابًا، ويَخْتَصِرُهَا من كتابه (الجامع الصحيح)، وإِنَّمَا يُرِيدُ أنْ يَذْكُرَ أَمْثِلَةً، فكِتَابُ التوحيد من صحيحِ البُخَارِيِّ أَقَرَّ فِيهِ عقيدةَ أهلِ السُّنَّةِ والجَمَاعَةِ في إثباتِ الأَسْمَاءِ والصِّفَاتِ لِلَّهِ، ونَوَّعَ التَّرَاجِمَ، فَذَكَر تَحْتَ هَذِهِ التَّرَاجِمَ نُصُوصًا مِنَ الكِتَابِ والسُّنَّةِ.
ومن ذلك هذا الباب الذي نقله وهو: «بَابُ قَوْلِ الله: السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ، يُشِيرُ إلى قَوْلِ الله -تَعَالَى- في آيَةِ الحَشْرِ: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ، فترجم بها لإثْبَاتِ اسْمِ السَّلَامِ، واسم المُؤْمِنِ، فهما اسمان من أسماء الله.
فالسلام: دُعَاءٌ بالسَّلَامِ، فالمُسْلِمُ يَدْعُو بالسَّلَامَةِ لمَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ.
والمؤمن: المُصَدِّقُ لِرُسُلِهِ بالمُعْجِزَاتِ.
والآية فيها إثباتُ عَدَدٍ من الأَسْمَاءِ لله -تعالى- هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ، فاسمُ المَلِكِ القُدُّوسِ مُتَنَزِّهٌ مُتَطَهِّرٌ عن كل نَقْصٍ وعَيْبٍ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ، فَهَذِهِ ثَمَانِيَةُ أَسْمَاء، والمُؤَلِّفُ ذَكَر اسْمَيْنِ في التَّرْجَمِةِ.
ثم قال: «وَرَوَى حَدِيثَ عَبْدِ اللهِ فِي التَّشَهُّدِ». هو: ابنُ مَسْعُودٍ ، وحديثُ ابْنُ مَسْعُودٍ أخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ البخارِيُّ ومُسْلِمٌ فِي تَعْلِيمِ النَّبِيِّ ﷺ لَهُ التَّشَهُّدَ، والتشهد هو أنْوَاعٌ وصِيَغٌ، فتَشَهُّدُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وتَشَهُّدُ ابنِ عبَّاسٍ، وتشهُّدُ ابنِ عُمَر، وأَصَحُّهَا تَشَهُّدُ ابنِ مَسْعُودٍ قال: عَلَّمَنِي رَسُولُ الله ﷺ، وَكَفِّي بَيْنَ كَفَّيْهِ، التَّشَهُّدَ، كَمَا يُعَلِّمُنِي السُّورَةَ مِنَ القُرْآنِ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ، السَّلامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ الله الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. ([2]).
أما تشهد ابن عباس فإنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ فَكَانَ يَقُولُ: التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ، الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ. ([3]).
إِذَا أَتَى المُسْلِمُ بِأَيِّ نَوْعٍ من الأَنْواعِ التَّشَهُّدِ الثابتة، فإنَّهُ مَشْرُوعٌ.
التَّحِيَّاتُ: يَعْنِي: التَّعْظِيمَاتِ كُلَّهَا لِلَّهِ.
وَالصَّلَوَاتُ: الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ وغَيْرُهَا.
وَالطَّيِّبَاتُ: الْأَعْمَالُ الطَّيِّبَةُ، والأَقْوَالُ الطَّيِّبَةُ.
السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ، السَّلامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ الله الصَّالِحِينَ. وهذا هُوَ الشَّاهِدُ في التَّرْجَمَةِ، فَفِيهِ إِثْبَاتُ اسْمِ السَّلَامِ لِلَّهِ في التَّشَهُّدِ.
| المتن |
121- وَقَالَ: بَابُ قَوْلِ الله -تَعَالَى-: مَلِكِ النَّاسِ.
قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدٍ -هُوَ ابْنُ المُسَيَّبِ-، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: يَقْبِضُ اللهُ الأَرْضَ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَيَطْوِي السَّمَاءَ بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا المَلِكُ أَيْنَ مُلُوكُ الأَرْضِ. ([4]).
| الشرح |
قَالَ الإمامُ البُخَارِيُّ: «بَابُ قَوْلِ الله -تَعَالَى-: مَلِكِ النَّاسِ. المَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ إِثْبَاتُ اسمِ المَلِكِ، وأَنَّه مِنْ أَسْمَاءِ الله.
ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: يَقْبِضُ اللهُ الأَرْضَ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَيَطْوِي السَّمَاءَ بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا المَلِكُ أَيْنَ مُلُوكُ الأَرْضِ.
الشاهد في الحديث قوله: أَنَا المَلِكُ.
فيه من الفوائد:
إِثْبَاتُ اسمِ المَلِكِ.
إِثْبَاتُ القَبْضِ لِلَّهِ ، يَقْبِضُ اللهُ الأَرْضَ يومَ القِيَامَةِ، ويَطْوِي السموات بيمينه، كما لكمال جلاله وعظمته، وهما من الصِّفَاتِ الفِعْلِيَّةِ.
| المتن |
122- وَقَالَ: بَابُ قَوْلِ الله -تَعَالَى-: وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.
قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا حَرَمِيٌّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: لا يَزَالُ يُلْقَى فِيهَا وَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ، حَتَّى يَضَعَ فِيهَا رَبُّ العَالَمِينَ قَدَمَهُ، فَيَنْزَوِي بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، ثُمَّ تَقُولُ: قَدْ، قَدْ، بِعِزَّتِكَ وَكَرَمِكَ، وَلا تَزَالُ الجَنَّةُ تَفْضُلُ، حَتَّى يُنْشِئَ اللهُ لَهَا خَلْقًا، فَيُسْكِنَهُمْ فَضْلَ الجَنَّةِ. ([5]).
| الشرح |
قَالَ الإمَامُ البُخَارِيُّ: «بَابُ قَوْلِ الله -تَعَالَى-: وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. المقْصُودُ مِنْ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ إِثْبَاتُ اسمِ العَزِيزِ، واسمِ الحَكِيمِ لِلَّهِ ، وَسَبَقَ أَنَّ أسْمَاءَ الله -تَعَالَى- مُشْتَقَّةٌ لَيْسَت جَامِدَةً.
كُلُّ اسمٍ مُتَضَمِّنُ لِصِفَةٍ، فالعَزِيزُ مُتَضَمِّنٌ لإِثْبَاتِ صِفَةِ العِزَّةِ، والحَكِيمُ مُتَضَمِّنٌ لإثباتِ صِفَةِ الحِكْمَةِ.
ثم ذكر حديثَ أنسٍ قال: لا يَزَالُ يُلْقَى فِيهَا يعني النار وَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ، حَتَّى يَضَعَ فِيهَا رَبُّ العَالَمِينَ قَدَمَهُ، فَيَنْزَوِي بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، ثُمَّ تَقُولُ: قَدْ، قَدْ، بِعِزَّتِكَ وَكَرَمِكَ.
الشَّاهِدُ قَوْلُهُ: بِعِزَّتِكَ وَكَرَمِكَ.
فيه من الفوائد:
أنَّ العِزَّةَ لِلَّهِ.
الحَلِفُ بِعِزَّةِ الله، فالنَّارُ أَقْسَمَتْ بِعِزَّةِ الله، والقَسَمُ صِفَةٌ من صِفَاتِ الله، والقسم بالله وأسمائه وصفاته مَشْرُوعٌ، وفي قَولِ الله -تَعَالَى- عن إبْلِيس أنَّهُ أَقْسَمَ بِعِزَّةِ الله: قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ.
ومنه: مَا جَاءَ في الحَدِيثِ الصَّحِيحِ في قصة آخر أهل النار خروجا: ثُمَّ يَفْرُغُ اللهُ مِنَ القَضَاءِ بَيْنَ العِبَادِ، وَيَبْقَى رَجُلٌ مِنْهُمْ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّارِ، هُوَ آخِرُ أَهْلِ النَّارِ دُخُولًا الجَنَّةَ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ اصْرِفْ وَجْهِي عَنِ النَّارِ، فَإِنَّهُ قَدْ قَشَبَنِي رِيحُهَا، وَأَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا، فَيَدْعُو الله بِمَا شَاءَ أَنْ يَدْعُوَهُ، ثُمَّ يَقُولُ اللهُ: هَلْ عَسَيْتَ إِنْ أَعْطَيْتُكَ ذَلِكَ أَنْ تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ؟ فَيَقُولُ: لا، وَعِزَّتِكَ لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ. (1). فأَقْسَمَ بِعِزَّةِ الله، فالواوُ واو القَسَمِ.
إِثْبَاتُ القَدَمِ لِلَّهِ ، كَمَا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ وعَظَمَتِهِ.
أنَّ النَّار لَا تَزَالُ تَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ. حَتَّى يلقي ربُّ العِزَّةِ قدمه فيها.
أنَّ الجَنَّةَ يَبْقَى فِيهَا فَضْلٌ حَتَّى يُنْشِئَ اللهُ لهَا خَلْقًا؛ فَيُدْخِلَهُمْ الجَنَّةَ بِفَضْلِهِ وإِحْسَانِهِ.
| المتن |
123- وَقَالَ: بَابُ قَوْلِ الله -تَعَالَى-: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ.
وَذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَدْعُو مِنَ اللَّيْلِ»([6]).
| الشرح |
قَالَ البُخَارِيُّ: «بَابُ قَوْلِ الله -تَعَالَى-: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ. هذه الآية من سُورَةِ الأَنْعَامِ يقول الله -تعالى-: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ.
هذه الآيةُ فيها إثباتُ عَدَدٍ من الصِّفَاتِ:
صِفَةُ الخَلْقِ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ
صِفَةُ القَوْلِ وَالكَلَامِ: وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ.
صِفَةُ العِلْمِ: عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ.
صِفَةُ الحِكْمَةِ، والخِبْرَةِ، وإِثْبَاتُ اسمِ الحَكِيمِ والخَبِيرِ: وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ.
ثم ذكر حديثَ ابنِ عبَّاسٍ: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَدْعُو مِنَ اللَّيْلِ». والحديثُ طويل رواه الإمام البخاري في قيام الليل وهو حديث طويل في حديث الاستفتاح أوله: اللهُمَّ لَكَ الحَمْدُ، أَنْتَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، لَكَ الحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، لَكَ الحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، قَوْلُكَ الحَقُّ، وَوَعْدُكَ الحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ... ([7])إلى آخر الحديث.
ففيه: إثباتُ المُلْكِ، والعِلْمِ، والخِبْرَةِ، والعِزَّةِ، والرُّبُوبِيَّةِ، والقَيُّومِيَّةِ؛ فَهُو قيوم السموات والأرض؛ فيكونُ شَاهِدًا مُنَاسِبًا للتَّرْجَمَةِ.
| المتن |
124- وَقَالَ: بَابُ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا.
وَقَالَ الأَعْمَشُ، عَنْ تَمِيمٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الأَصْوَاتَ، فَأَنْزَلَ اللهُ –تَعَالَى- عَلَى النَّبِيِّ ﷺ: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا.
وَذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي مُوسَى: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فِي سَفَرٍ، فَكُنَّا إِذَا عَلَوْنَا كَبَّرْنَا، فَقَالَ: ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، فَإِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا، تَدْعُونَ سَمِيعًا بَصِيرًا قَرِيبًا. الْحَدِيثَ([9]).
وَحَدِيثَ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: إِنَّ جِبْرِيلَ نَادَانِي قَالَ: إِنَّ الله قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ. ([10]).
| الشرح |
قَالَ الإمِامُ البُخَارِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: بَابُ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا. المَقْصُودُ من هَذِهِ التَّرْجَمَةِ إِثْبَاتُ اسمَي السَّمِيعِ، والبَصِيرِ، وصِفَتَي السَّمْعِ، والبَصَرِ، والسَّمِيعُ، والبَصِيرُ من الأسماءِ المُشْتَرَكَةِ بينَ الخَالِقِ والمخْلُوقِ.
لأنَّ أسماء الله نوعان:
الأول: نَوْعٌ خَاصٌّ بِهِ لا يُسَمَّى بِهِ إلَّا هُوَ -سبحانه-، مثل: اللهُ، الرَّحْمَنُ، خَالِقُ الخَلْقِ، مَالِكُ المُلْكِ، الضَّارُّ، النَّافِعُ، المُعْطِي، المَانِعُ، رَبُّ العَالمِينَ.
الثاني: أسماءٌ مُشْتَرَكَةٌ، الخالقُ لَهُ مَا يَخُصُّهُ والمخْلُوقُ لَهُ ما يَخُصُّهُ مثل: السَّمِيعُ، والبَصِيرُ، والعَلِيمُ، والحَكِيمُ والحَيُّ، وما أشْبَهَ ذَلِكَ من الصِّفَاتِ.
ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- في قِصَّةِ المُجَادِلَةِ وهِيَ: خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ، لمَّا ظَاهَرَ مِنْهَا زَوْجُهَا أوسُ بنُ الصَّامِتِ فقال لَهَا: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، تأتي وَهِيَ تَشْتَكِي إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ زَوْجَهَا وَهِيَ تَقُولُ: «يَا رَسُولَ اللهِ أَكَلَ شَبَابِي وَنَثَرْتُ لَهُ بَطْنِي حَتَّى إِذَا كَبِرَتْ سِنِّي وَانْقَطَعَ لَهُ وَلَدِي ظَاهَرَ مِنِّي، اللهُمَّ إِنِّي أَشْكُو إِلَيْكَ». فَأَنْزَلَ اللهُ أَوَّلَ سُورَةِ المُجَادَلَةِ: الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ.... أنزل الله كفارة الظهار؛ فقالت عائشة -رضي الله عنها-: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الْأَصْوَاتَ، لَقَدْ جَاءَتِ الْمُجَادِلَةُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، وَأَنَا فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ، تَشْكُو زَوْجَهَا، وَمَا أَسْمَعُ مَا تَقُولُ فأَنْزَلَ الله: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا. ففيه: إِثْبَاتُ السَّمْعِ لِلَّهِ .
وذكر حديث أبي موسى وهو في الصحيحين قال: «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فِي سَفَرٍ، فَكُنَّا إِذَا عَلَوْنَا كَبَّرْنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ. أَيِ: ارْفُقُوا على أَنْفُسِكُمْ مِنْ رَفْعِ الصَّوْتِ، فَإِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلا غَائِبًا، تَدْعُونَ سَمِيعًا بَصِيرًا قَرِيبًا. أقْرَبَ إلى أَحَدِكُمْ من عُنُقِ رَاحِلَتِهِ، ففي هَذَا الحَدِيثِ إِثْبَاتُ صِفَةِ السَّمْعِ والبَصَرِ لِلَّهِ.
وَحَدِيثَ عَائِشَةَ: إِنَّ جِبْرِيلَ نَادَانِي قَالَ: إِنَّ الله قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ. وفيه: إِثْبَاتُ صِفَةِ السَّمْعِ، وهو الشاهد في الترجمة.
| المتن |
125- وَقَالَ: بَابُ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ.
وَذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ السُّلَمِيِّ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِي الاسْتِخَارَةِ([11]).
| الشرح |
المَقْصُودُ مِن هَذِهِ التَّرْجَمِةِ هُوَ إِثْبَاتُ اسمِ القَادِرِ، وهُوَ يَتَضَمَّنُ إِثْبَاتَ صِفَةِ القُدْرَةِ.
ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ جَابِرٍ في الاسْتِخَارَةِ قال: كَانَ رَسُولُ الله ﷺ يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ الِاسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا، كَمَا يُعَلِّمُهُمُ السُّورَةَ مِنَ القُرْآنِ يَقُولُ: إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الفَرِيضَةِ، ثُمَّ لِيَقُلِ: اللهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلا أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلا أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلَّامُ الغُيُوبِ، اللهُمَّ فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ هَذَا الأَمْرَ -ثُمَّ تُسَمِّيهِ بِعَيْنِهِ- خَيْرًا لِي فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ -قَالَ: أَوْ فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي- فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي، ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ، اللهُمَّ وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي - أَوْ قَالَ: فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ - فَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدُرْ لِيَ الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ. ([12]).
والشَّاهِدُ من الحَدِيثِ: إِثْبَاتُ صِفَةِ العِلْمِ والقُدْرَةِ في قوله: اللهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ.
| المتن |
126- وَقَالَ: بَابُ مُقَلِّبِ القُلُوبِ.
وَذَكَرَ حَدِيثَ عَبْدِ الله: أَكْثَرُ مَا كَانَ النَّبِيُّ يَحْلِفُ: لا وَمُقَلِّبِ القُلُوبِ. ([13]).
| الشرح |
«قَالَ البُخَارِيُّ: بَابُ مُقَلِّبِ القُلُوبِ». أي: اللهُ -تَعَالى- هُوَ مُقَلِّبُ القُلُوبِ ومُصَرِّفُهَا، فهُوَ يَتَصَرَّفُ في خَلْقِهِ، وَيُدَبِّرُهُمْ.
ثم ذكر حديث عبد الله: أَكْثَرُ مَا كَانَ النَّبِيُّ يَحْلِفُ: لا وَمُقَلِّبِ القُلُوبِ.
ومناسبة الترجمة ظاهرة، وفي الحديث الآخر قالت عائشة: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، إِنَّكَ تُكْثِرُ أَنْ تَدْعُوَ بِهَذَا الدُّعَاءِ، هَلْ تَخْشَى؟ قَالَ: وَمَا يُؤْمِنِّي وَإِنَّمَا قُلُوبُ الْعِبَادِ بَيْنَ أُصْبُعَيْ الرَّحْمَنِ، إِنَّهُ إِذَا ارَادَ أَنْ يَقْلِبَ قَلْبَ عَبْدٍ قَلَبَهُ. ([14]). نَسْأَلُ الله أنْ يُثَبِّتَ قُلُوبَنَا على طَاعَتِهِ، وعَلَى دِينِهِ.
| المتن |
127- بَابٌ: إِنَّ لِلَّهِ مِائَةَ اسْمٍ إِلَّا وَاحِدًا.
وَذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ. ([15]).
| الشرح |
قَالَ البُخَارِيُّ -رحمه الله- فِي صَحِيحِهِ: «بَابٌ: إِنَّ لِلَّهِ مِائَةَ اسْمٍ إِلَّا وَاحِدًا».
المَقْصُودُ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ إثباتُ الأَسْمَاءِ لِلَّهِ، وأنَّ لَهُ أسماء كَثِيرَةً فِي غَيْرِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، ولكنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ: إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ. فيه إِثْباتُ الأَسْمَاءِ لِلَّهِ ، وأَسْمَاءُ اللهِ لَيْسَتْ مَحْصُورةً بالمِائَةِ، وإنما هذه الأسماء موصوفة بأن: مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ.
وله -سبحانه- أَسْمَاءُ أخْرَى غَيْرُ مَوْصُوفَةٍ بِهَذَا الوَصْفِ؛ فليس المرادُ الحَصْرَ؛ فأسماءُ الله أكثرُ مِنْ تِسْعَةٍ وتِسْعِينَ، حتى قيل: إنَّ لِلَّهِ ألفَ اسمٍ.
يدل على ذلك حَدِيثُ ابنِ مَسْعُودٍ: مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ، فَقَالَ: اللهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، ابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ. ([16]). معناه: أنَّه اسْتَأْثَرَ بأسَمْاءٍ في عِلْمِ الغَيْبِ عِنْدَهُ لا يعْلَمُهَا غَيْرُهُ.
قد يقول قائل: هل الحق اسم من أسماء الله؟
نعم، الحق اسمٌ من أسماءِ الله، ودليله قوله -تعالى-: فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ. وقوله -تعالى-: فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ. وقول النبي ﷺ: أَنْتَ الحَقُّ، وَوَعْدُكَ الحَقُّ. ([17]). فالآيات والأحاديث واضحة.
| المتن |
128- وَقَالَ: بَابُ السُّؤَالِ بِأَسْمَاءِ الله وَالْاسْتِعَاذَةِ بِهَا.
وَذَكَرَ الْحَدِيثَ: اللهُمَّ بِاسْمِكَ أَحْيَا وَأَمُوتُ. ([18]). وَذَكَرَ أَحْادِيثَ الصَّيْدِ وَالتَّسْمِيَةِ([19])».
| الشرح |
قَالَ البُخَارِيُّ -رحمه الله-: «بَابُ السُّؤَالِ بِأَسْمَاءِ الله، وَالْاسْتِعَاذَةِ بِهَا». هَذِهِ التَّرْجَمَةُ مَعْقُودَةٌ لِلْسُؤَالِ بأسماءِ الله، والاسْتِعَاذَةِ بِهَا.
ذَكَرَ الحَدِيثَ: اللهُمَّ بِاسْمِكَ أَحْيَا وَأَمُوتُ. فَإِنَّهُ يُشْرَعُ لِلْمُسْلِمِ أن يقوله عندَ النَّوْمِ وإذا اسْتَيْقَظَ قَال: الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا، وَإِلَيْهِ النُّشُورُ. ([20]).
والشاهد قوله: اللهُمَّ بِاسْمِكَ أَحْيَا وَأَمُوتُ. فقد سَأَلَ وتوسل بِسْمِ الله؛ فَمَشْرُوعٌ للمُسْلِمِ أنْ يَسْتَعِينَ باسْمِ الله، وأن يَسْتَعِيذَ بأسماءِ الله، وأن يَتَوَسَّلَ بأسماءِ الله.
قال: «وذكرَ أحادِيثَ الصَّيْدِ والتَّسْمِيَةِ». ففيه: السُّؤَالُ باسْمِ الله، وفي حَدِيثِ الاستِخَارَةِ الَّذِي سَبَقَ: اللهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ. ([21]).
وَفِي الآيَةِ اللهُ -تَعَالَى- يقُولُ: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا.
وفِي حَدِيثِ خَوْلَةَ بِنْتِ حَكِيمٍ الذي رواه الإمام مسلم: مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا ثُمَّ قَالَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ، حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ. ([22]). هذه الاستعاذة بكلمات الله.
وكَذَلِكَ يُسْتَعَانُ بِالله عِنْدَ الأَكْلِ، والشُّرْبِ، وعِنْدَ دُخُولِ المَسْجِدِ، وعِنْدَ الجِمَاعِ، وفِي الصَّيْدِ؛ إذا أَرَادَ أن يَصِيدَ طَيْرًا فهو يَقُولُ: بِسْمِ الله. وإذا أرسلَ كَلْبَهُ المُعَلَّمَ، يُسَمِّي لَهُ يَقُولُ: بِسْمِ الله.
| المتن |
فَصْلٌ
«اعْلَمْ -رَحِمَنَا اللهُ وَإِيَّاكَ-: أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الَّتِي قَدْ ذَكَرْنَا فِي صِفَاتِ الله -تَعَالَى- قَدْ ذَكَرَهَا الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ، وَأْشَبَاهَهَا، وَرَوَاهَا شُيُوخُنَا، وَجَمَعَهَا شَيْخُنَا الْإِمَامُ أَبُو يَعْلَى -نَضَّرَ اللهُ وَجْهَهُ- عَلَى مَا سَاقَهَا الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ بَطَّةَ، وَأَوْجَبُوا كُلُّهُمُ الْإِيمَانَ بِهَا وَالتَّسْلِيمَ، وَلَا تُرَدُّ، وَلَا تُتَأَوَّلُ، وَكَذَلِكَ سَاقَهَا مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيُّ، وَجَمِيعُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ».
| الشرح |
انْتَهَى الآنَ نَقْلُ المُؤَلِّفِ من كِتَابِ التَّوْحِيدِ في (الجَامِعِ الصَّحِيحِ) للإمامِ البُخَارِيِّ، وكَذَلِكَ سَبَقَ أَنَّهُ نَقَلَ من كِتَابِ (الشَّرِيعَةِ) لِلآجُرِّيِّ، وسَيَنْقُلُ بَعْدَ قَلِيلٍ عن ابنِ قُتَيْبَةَ مِنْ كِتَابِ (تَأْوِيل مختلف الحديث).
يقول المؤلف: «اعْلَمْ -رَحِمَنَا اللهُ وَإِيَّاكَ-». اعْلَمْ: تَيَقَّنْ. العِلْمُ هُوَ حُكْمٌ ذِهْنِيٌّ جَازِمٌ، وهو غَيْرُ الشَّكِّ، والوَهْمِ، والظَّنِّ. وقد دَعَا لَنَفْسِهِ ولِلْقَارِئ.
فالْأَشْياءُ التي تُتَصَوَّرُ أربعةُ أَشْيَاءَ:
العِلْمُ هُوَ: الْيَقِينُ الَّذِي يَتَيَقَّنُهُ الإنْسَانُ.
والشَّكُّ هو: التَّرَدُّدُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ من غَيْرِ مُرَجِّحٍ.
والظن هو: التَّرَدُّدُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَرجح من الآخَرِ، فالرَّاجِحُ يُسَمَّى ظَنًّا.
والوهم هو: المَرْجُوحُ من أمرين أحدهما أرجح من الآخر.
«أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الَّتِي قَدْ ذَكَرْنَا فِي صِفَاتِ الله –تَعَالَى- قَدْ ذَكَرَهَا الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ... وَجَمَعَهَا شَيْخُنَا الْإِمَامُ أَبُو يَعْلَى». وهُوَ القَاضِي أَبُو يَعْلَى([23]) في كِتَابِهِ (إبطال التأويلات)([24]) الَّذِي أَلَّفَهُ في الرَّدِّ على ابْنِ فُورَكَ([25])، ولَكِنْ عَلَيْهِ بَعْضُ المَلْحُوظَاتِ؛ والقَاضِي أَبُو يَعْلَى من عُلَمَاءِ الحَنَابِلَةِ لَهُ بعضُ الأَغْلَاطِ؛ قَدْ يُوَافِقُ أَهْلَ السُّنَّةِ، وقَدْ يُخَالِفُهُمْ، ويَنْقُلُ في كِتَابِهِ (إبطال التأويلات) عن شَيْخِ الإسلامِ، وقَدْ يَذْكُرُ فيه بعض الأحاديث الموضوعة.
قَالَ: «عَلَى مَا سَاقَهَا الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ بَطَّةَ». مِنْ عُلَماءِ الحَنَابِلَةِ المَشْهُورِينَ؛ يعني: سَاقَ هَذِهِ الأَحَادِيثَ نقلا عن القَاضِي أَبِي يَعْلَى.
قَالَ: «وَأَوْجَبُوا كُلُّهُمُ الْإِيمَانَ بِهَا وَالتَّسْلِيمَ». أي: الإِيمَانَ بِالأَسْمَاءِ والصِّفَاتِ التي جَاءَتْ في الكِتَابِ والسُّنَّةِ.
«وَلَا تُرَدُّ، وَلَا تُتَأَوَّلُ». أي: لَا تُتَأَوَّلُ تَأْوِيلًا بَاطِلًا.
«وَكَذَلِكَ سَاقَهَا مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيُّ، وَجَمِيعُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ». يَعْنِي: مَا رَوَاهُ الإمامُ مُسْلِمٌ وأَصْحَابُ السُّنَنِ؛ منَ الأحَادِيثِ الوَارِدَةِ في الأَسْمَاءِ والصِّفَاتِ.
| المتن |
«وَإِنَّمَا زَادَ عَلَيْهِمْ شَيْخُنَا -رحمه الله-: أَنَّهُ ذَكَرَ أَسْئِلَةً اعْتَرَضَ بِهَا المُتَكَلِّمُونَ عَلَيْهَا إِمَّا لِيُبْطِلُوهَا، أَوْ يَتَأَوَّلُوهَا، فَرَدَّ عَلَيهِمْ ذَلِكَ عَلَى مَا قَالَهُ السَّلَفُ الْمَهْدِيُّونَ، وَالْخَلَفُ الْمَرْضِيُّونَ، وَكَانَ مُوَفَّقًا بِحَمْدِ اللهِ فِي ذَلِكَ وَغْيِرِهِ؛ لِأَنَّ الْمَلَاحِدَةَ قَدِ اعْتَرَضَتْ عَلَى آيِ الْكِتَابِ بِمَا أَوْقَعَتْ بِهِ الشُّبَهُ وَالشُّكُوكُ.
فَلَوْلَا مَا تَفَضَّلَ اللهُ بِهِ مِنَ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ أَزَالُوهُ وَمَيَّزُوهُ؛ وَإِلَّا كَانَ النَّاسُ فِي حَيْرَةٍ، وَكَذَلِكَ اعْتَرَضُوا عَلَى الْأَخْبَارِ، وَرَدَّ عَلَيْهِمُ السَّلَفُ الْأَخْيَارُ، وَكَذَلِكَ فَعَلُوا فِي أَحَادِيثِ الصَّفَاتِ.
وَمَنْ كَانَ قَبْلُ فَكَانَ لَهُمْ مِنْ قُوَّةِ الْإِيمَانِ، وَصِحَّةِ الْإِتْقَانِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالْبَيَانِ مَا لَا يَحْتَاجُونَ مَعَهُ إِلَى مَنْ يَتَجَرَّدُ لِذَلِكَ، فَأَمَّا فِي زَمَانِنَا هَذَا فَالنَّاسُ بِهِمْ حَاجَةٌ إِلَى ذَلِكَ، فَلَوْ لَمْ يُفْعَلْ لَكَانُوا فِي حَيْرَةٍ، وَاللهُ يُحْسِنُ عَلَى ذَلِكَ جَزَاءَهُ، وَيَجْمَعُ لَهُ خَيْرَ آخِرَتِهِ وَدُنْيَاهُ، وَلَقَدْ كَانَ مِنْ أَحْبَارِ الْمُؤْمِنِينَ، وَخِيَارِ المُسْلِمِينَ، وَمِنَ الْأَئِمَّةِ الصَّالِحِينَ.
نَفَعَنَا اللهُ بِمَحَبَّتِهِ، وَتَغَمَّدَنَا وَإِيَّاهُ بِرَحْمَتِهِ، إِنَّهُ بِمَا يُسْأَلُ جَدِيرٌ، وَعَلَى مَا يَشَاءُ قَدِيرٌ إِنْ شَاءَ اللهُ».
| الشرح |
يَقُولُ المُؤَلِّفُ -رحمه الله-: هَذِهِ الأَحَادِيثُ الَّتِي رَوَاهَا أَهْلُ السُّنَّةِ؛ كالإمامِ أَحْمَدَ، وأصحابِ السُّنَنَ والصِّحَاحِ والمَسَانِيدِ، وزادَ عَلَيْهَا شَيْخُنَا أنَّه ذَكَرَ «أَسْئِلَةً» يَعْنِي: أَسِئْلَةً بِتَسْهِيلِ الهَمْزَةِ.
«اعْتَرَضَ بِهَا المُتَكَلِّمُونَ». «زَادَ عَلَيْهِمْ شَيْخُنَا». والمراد بقوله: «شَيْخُنَا». هُوَ: القَاضِي أَبُو يَعْلَى، وهُوَ الآنَ سَيَنْقُلُ عن ابنِ قُتَيْبَةَ، ويُحْتَمَلُ أنَّ مَقْصُودَهُ القَاضِي أبَو يَعْلَى، أو ابنُ قُتَيْبَةَ.
قال: «ذَكَرَ أَسْئِلَةً»، اعْتَرَض بِهَا المُتَكَلِّمُونَ عَلَى النُّصُوصِ، كما سَيَأْتِي فسوف يَنْقُلُ المؤلِّفُ -رحمه الله- شُبَهًا مُتَعَدِّدَةً مَا يَقْرُبُ مِنْ أَرَبْعَ عَشْرَةَ شُبْهَةً.
يقول: «إِمَّا لِيُبْطِلُوهَا، أَوْ يَتَأَوَّلُوهَا، فَرَدَّ عَلَيهِمْ ذَلِكَ عَلَى مَا قَالَهُ السَّلَفُ الْمَهْدِيُّونَ، وَالْخَلَفُ الْمَرْضِيُّونَ، وَكَانَ مُوَفَّقًا بِحَمْدِ الله فِي ذَلِكَ». يَعْنِي فِي رَدِّهِ، لأَنَّ المَلَاحِدَةَ اعْتَرَضُوا على نُصُوصِ الكِتَابِ، ونُصُوصِ السُّنَّةِ، باعْتِرَاضَاتٍ تُوقِعُ الشُّبَهَ والشُّكُوكَ، ولكنَّ الله قَيَّضَ لهُم العُلَماءَ الذين أجابُوا عَنِ هَذِهِ الشُّبَهِ، وَلَوْلَا أَنَّ الله قَيَّضَهُمْ لكَانَ النَّاسُ في حَيْرَةٍ.
يقول المؤلف: «وَمَنْ كَانَ قَبْلُ»، في الأَزْمِنَةِ السَّابِقَةِ العُلَمَاءُ المُتَقَدِّمُونَ قَبْلَ أنْ تُوجَدَ الشُّبَهُ كان عندهم «مِنْ قُوَّةِ الْإِيمَانِ وَصِحَّةِ الْإِتْقَانِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالْبَيَانِ»، مَا لَا يَحْتَاجُونَ مَعَهُ إلى مَنْ يَرُدُّ عَلَى أَهْلِ البَاطِلِ.
فأمَّا في زَمَانِنَا فالنَّاسُ مُحْتَاجُونَ؛ بِسَبَبِ كَثْرَةِ الشُّبَهِ، وضَعْفِ الإيمانِ؛ فالناسُ مُحْتَاجُونَ إلى منْ يَرُدُّ شُبَهَ أهلِ البَاطلِ، فلو لم يَفْعَلْ أهلُ الحَقِّ، ويَرُدُّوا أهلَ الباطلِ لكَانَ النَّاسُ في حَيْرَةٍ.
قال: «وَاللهُ يُحْسِنُ عَلَى ذَلِكَ جَزَاءَهُ، وَيَجْمَعُ لَهُ خَيْرَ آخِرَتِهِ وَدُنْيَاهُ، وَلَقَدْ كَانَ مِنْ أَحْبَارِ الْمُؤْمِنِينَ، وَخِيَارِ المُسْلِمِينَ، وَمِنَ الْأَئِمَّةِ الصَّالِحِينَ»، أي: القَاضِي أَبُو يَعْلَى، وكَذَلِكَ أيضا ابنُ قُتَيْبَةَ.
ثم قال: «نَفَعَنَا اللهُ بِمَحَبَّتِهِ، وَتَغَمَّدَنَا وَإِيَّاهُ بِرَحْمَتِهِ»، دَعَاءُ مَحَبَّةِ الصَّالحِينَ دِينٌ يَدِينُ بِهِ الإنسانُ رَبَّهُ، وتَغَمَّدَنَا اللهُ وإيَّاهُ بِرَحْمَتِهِ، يعْنِي: ابنَ قُتَيْبَة، والقَاضِي أبَا يَعْلَى.
«إِنَّهُ بِمَا يُسْأَلُ جَدِيرٌ»، اللهُ -تَعَالى- جَدِيرٌ بِذَلِكَ.
وقوله: «وَعَلَى مَا يَشَاءُ قَدِيرٌ». هَذَا الدُّعَاءُ يوافقُ مَنْهَجَ المُعْتَزِلَةُ الذِينَ يقولون: إنَّه عَلَى مَا يَشَاءُ قَدِيرٌ. وقَصْدُهُمْ بذَلِكَ: أنَّ أَفْعَالَ العِبَادِ لا يَشَاؤهَا، ولا يَقْدِرُ عَلَيْهَا، وكان الوَاجِبُ على المؤلف أنْ يَدْعُو بِمَا دَعَتْ بِهِ أَهْلُ السُّنَّةِ: واللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
ثم قوله: «إِنْ شَاءَ اللهُ». لَا حَاجَةَ إِلى هذا الاسْتِثْنَاءِ؛ فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ، اللهُمَّ ارْحَمْنِي إِنْ شِئْتَ، لِيَعْزِمْ فِي الدُّعَاءِ، فَإِنَّ اللهَ صَانِعٌ مَا شَاءَ، لَا مُكْرِهَ لَهُ. ([26]).
| المتن |
فَصْلٌ
130- أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِىُّ بْنُ أَحْمَدَ الْمُقْرِئُ الحِمَامِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ كَامِلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أُبُو قِلَابَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ حَفْصٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَكُونَ خُصُومَتُهُمْ فِي رَبِّهِمْ. ([27]).
قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْفَتْحِ الحَافِظُ -رحمه الله-: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ؛ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، تَفَرَّدَ بِهِ حُسَيْنُ بْنُ حَفْصٍ عَنْهُ، وَتَفَرَّدَ بِهِ أَبُو قِلَابَةَ عَنْ حُسَيْنٍ.
وَهَذِهِ الْخُصُومَةُ هِي اعْتِرَاضَاتُ المُلْحِدَةُ عَلَى الآثَارِ الَّتِي صَحَّتْ رُوَاتُهَا، وَشُهِرَ نَقْلُهَا، وَأَخَذَتِ الْأَئِمَّةُ بِهَا فَاحْتَاجَ الْعُلَمَاءُ الرَّدَّ لِتِلْكَ الشُّبَهِ، وَنَصِيحَةَ الْأُمَّةِ فِي ذَلِكَ.
| الشرح |
هَذَا الحَدِيثُ الذي رواه المؤلف: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَكُونَ خُصُومَتُهُمْ فِي رَبِّهِمْ. رَوَاهُ ابْنُ عَبْدَ البَرِّ في (جامع بيان العلم وفضله) مِنْ طَرِيقِ حُسَيْنِ بْنِ حَفْصٍ، وهَذَا الحديثُ -كَمَا قَالَ الإمامُ أبُو الفَتْحِ الحَافِظُ-: غَرِيبٌ تَفَرَّدَ بِه حُسَيْنُ بْنُ صَالِحٍ، وعَنْهُ تَفَرَّدَ به أبو قِلَابَةَ عن حُسَيْنٍ؛ فيكونُ فِيهِ ضَعْفٌ، ولكنْ لَعَلَّ لَهُ شَواهِدَ.
ثُمَّ عَلَّقَ المُؤَلِّفُ عَلَيْهِ قال: «وَهَذِهِ الْخُصُومَةُ هِي اعْتِرَاضَاتُ المُلْحِدَةُ عَلَى الآثَارِ الَّتِي صَحَّتْ رُوَاتُهَا، وَشُهِرَ نَقْلُهَا». يَعْتَرِضُونَ عليها بِشُبَهٍ يُشَكِّكُونَ الناسَ، مع أنَّ هَذِهِ الأحاديثَ صَحَّتْ رَوَاتُهَا، واشْتُهِرَ نَقَلَتُهَا، وأخَذَ الأَئِمَّةُ بها؛ من أجلِ ذَلِكَ احْتَاجَ العُلَمَاءُ لِرَدِّ تِلْكَ الشُّبَهِ نَصِيحَةً لِلْأُمَّةِ.
| المتن |
بَابُ مَا اعْتَرَضُوا بِهِ عَلَى أَخْبَارِ الصِّفَاتِ
131- قَالُوا: رَوَيْتُمْ أَنَّ الله يَنْزِلُ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، وَهَذَا خِلَافٌ لِقَوْلِ الله -تَعَالَى-: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ، وقوله: وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ وَقَدْ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّهُ بِكُلِّ مَكَانٍ، لَا يَشْغَلُهُ شَأْنٌ عَنْ شَأْنٍ.
فَأَجَابَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ عَنْ ذَلِكَ قَالَ: قَوْلُهُ: إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ بِالْعِلْمِ بِمَا هُمْ عَلَيْهِ.
وَكَذَا نَقُولُ: عِلْمُهُ بِكُلِّ مَكَانٍ، وِإِلَّا كَانَ مَذْهَبَ الْحُلُولِيَةِ. قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى أَيِ: اسْتَقَرَّ. كَمَا قَالَ: فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ أَيِ: اسْتَقْرَرْتَ.
وَسَاقَ الْآيَاتِ وَالشَّوَاهِدَ عَلَى ذَلِكَ.
وَقَالَ فِي الآيَةِ الْأُخْرَى: أَرَادَ إِلَهَ السَّمَاءِ وَمَنْ فِيهَا وَكَذَلِكَ الْأَرْضُ، كَمَا تَقُولُ: هُوَ بُخُرَاسَانَ أَمِيرٌ، وَبِمِصْرَ أَمِيرٌ. فَالْإِمَارَةُ تُجْمَعُ لَهُ بِهِمَا، وَإِنْ كَانَ خَالِدًا فِي أَحَدِهِمَا أَوْ فِي غَيْرِهِمَا.
ثُمَّ قَالَ: وَلَا نُحَتِّمُ عَلَى النُّزُولِ مِنْهُ بِشَيْءٍ نُؤْمِنُ بِهِ، وَنُسَلِّمُهُ، ثُمَّ سَاقَ حَدَّ النُّزُولِ بَيْنَنَا فِي اللُّغَةِ، واللهُ يَجَلُّ عَنْ ذَلِكَ، وَيَعْظُمُ»([28]).
| الشرح |
أرادَ المصَنِّفُ -رحمه الله- في هذا الباب تَلْخِيصَ بعضِ أَجْوِبَةِ ابنِ قُتَيْبَةَ -رحمه الله- في كِتَابِه (تَأْوِيلِ مُخْتَلَفِ الحَدِيثِ) في الرَّدِّ على أعداءِ أهلِ الحَدِيثِ، والجمعِ بينَ الأخبارِ التِي ادَّعَوْا عليها التَّنَاقُضَ والاخْتِلَافَ، والجوابِ عَمَّا أَوْرَدُوهُ مِنَ الشُّبَهِ على بعضِ الأخْبَارِ المتَشَابِهَةِ والمُشْكِلَةِ.
فابنُ قُتَيْبَةَ في كِتَابِهِ (تأويل مختلف الحديث) يَأْتِي بِالحَدِيثِ، ثم يَأْتِي بِالشُّبْهَةِ، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيْهَا.
نَقَلَ المُؤَلِّفُ هُنَا أَرَبَعَ عَشْرَةَ شُبْهَةٍ عَلَى أرْبَعَةَ عَشَرَ حَدِيثًا:
هذه الشبهة الأولى اعتراض على آيات من القرآن.
وهي: «قَالُوا: رَوَيْتُمْ أَنَّ الله يَنْزِلُ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا». هَذَا اعْتِرَاضٌ عَلى حَدِيثِ النُّزُولِ: يَنْزِلُ رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ. وهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ رواهُ الشَّيْخَانِ وأصحابُ السُّنَنِ، بل قِيلَ: إِنَّهُ يبلغُ حَدَّ التَّوَاتُرِ، وألَّفَ فِيهِ أبو العَبَّاسِ الإمامُ شَيْخُ الإسلامِ ابنُ تَيْمِيَةَ كتَابًا سَمَّاهُ (شَرْحَ حَدِيثِ النُّزُولِ).
«وَهَذَا خِلَافٌ لِقَوْلِ الله -تَعَالَى-: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ، الْآيَةَ، وَقَوْلِهِ: وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ، وَقَدْ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّهُ بِكُلِّ مَكَانٍ، لَا يَشْغَلُهُ شَأْنٌ عَنْ شَأْنٍ». هذه هي الشبهة.
فهو يُرِيدُ أَنْ يُبْطِلَ الحَدِيثَ لأنه -بِزَعْمِهِ- يخالفُ قوله -تعالى-: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ، ومعناها عندهم: معهم؛ مُخْتَلِطٌ بالمَخْلُوقَاتِ، وقوله: وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ، فهُو في الأَرْضِ، وفي السَّمَاءِ، وفي كُلِّ مَكَانٍ، فَكَيْفَ يَنْزِلُ وهو في كُلِّ مَكَانٍ؟!
خُلَاصَةُ الجَوابِ: أنَّ النُّصوصَ لا تَتَنَاقضُ؛ فأحَادِيثُ النَّبِيِّ ﷺ تُوافِقُ كَلامَ الله ؛ كَلَامُ اللهِ يُوَافِقُ بَعْضُهُ بَعْضًا، ويوافق كَلَامَ رَسُولِهِ؛ فالآيات التي فيها المَعِيَّةِ: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ. فالمَعِيَّةُ في الآيةِ لا تَقْتَضِي الاخْتِلَاطَ والامْتِزَاجَ.
المَعِيَّةُ في لُغَةِ العَرَبِ: مُطْلَقُ المُصَاحَبَةِ؛ تقولُ العَرَبُ: مَا زِلْنَا نَسِيرُ والنَّجْمُ معنَا والقَمَرُ مَعَنَا. وتقول: المتاعُ مَعِي. وهُوَ فَوْقَ رَأْسِي، ويَقُولُ: الشَّخْصُ يَنَامُ وَزَوْجَتُهُ مَعَهُ. وإن كانَتْ في المَشْرِقِ وهو في المَغْرِبِ؛ فالمرادُ: في عِصْمَتِهِ.
أما قوله -تعالى-: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ، فمعناها: مَعَهُمْ بِعِلْمِهِ بِدَلِيلِ أنَّ الله -تَعَالَى- افْتَتَحَ الآيَةَ بالعِلْمِ، وخَتَمَها بالعِلْمِ: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ. أَيْ: مَعَهُمْ بِعِلْمِهِ، واطِّلَاعِهِ وإِحَاطَتِهِ، ونُفُوذِ قُدْرَتِهِ ومَشِيئَتِهِ، وهُوَ يَسْمَعُ أَقْوَالَهُمْ، ويرَى أَفْعَالهُمْ، ويُبْصِرُهُمْ من فوقِ عَرْشِهِ، وذَاتُهُ فَوْقَ العرشِ.
وكَذَلِكَ الآياتُ الأُخْرَى: وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ، إله يعني: مَعْبُودٌ؛ أي: مَعْبُودٌ في الأَرْضِ، ومَعْبُودٌ في السَّمَاءِ، وليس المرادُ أنَّ ذَاتَهُ في الأَرْضِ.
ومَثَّلَ لَهُ المُؤَلِّفُ كَمَا نَقُولُ: «كَمَا تَقُولُ: هُوَ بُخُرَاسَانَ أَمِيرٌ، وَبِمِصْرَ أَمِيرٌ». يعني: هُوَ أَمِيرٌ لِأَهْلِ مِصْرَ، وأَمِيرٌ لخُرَاسَانَ، وإنْ كَانَ سَاكِنًا فِي إحداهما.
قال: «أَجَابَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ». يَعْنِي: في كِتَابِه (تأويل مُخْتَلَفِ الحديث).
قال: «قَالَ: قَوْلُهُ: إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ . بِالْعِلْمِ بِمَا هُمْ عَلَيْهِ». «وَكَذَا نَقُولُ: عِلْمُهُ بِكُلِّ مَكَانٍ، وِإِلَّا كَانَ مَذْهَبَ الْحُلُولِيَةِ». يعني: لَوْ لم نَقُلْ بِذَلِكَ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ لوافَقْنَا الحُلُولِيَّةَ الذِينَ يَقُولُونَ: إنَّ الله حَالٌّ في كُلِّ مَكَانٍ، وهُمْ كُفَّارٌ، وَهُمُ الجَهْمِيَّةُ الأُوْلَى يَقُولُونَ: إنَّ الله حَالٌّ في كُلِّ مَكَانٍ حَتَّى قالُوا: إنَّهُ مَوْجُودٌ في بُطُونِ السِّبَاعِ، وفِي أَجْوَافِ الطيورِ -نسألُ الله العَافِيَةَ-، حَتَّى إِنَّهُمْ لم يُنَزِّهُوُه عن أي شيءٍ؛ تعالى الله عما يقولون، وهَذَا كُفْرٌ وضَلَالٌ.
وأما الجَهْمِيَّةُ المتَأَخِّرُونَ فإنهم ناقَضوا فقالوا: لَا دَاخِلَ العَالَمِ، ولا خَارِجَهُ، ولا فَوْقَهُ، ولا تَحْتَهُ؛ فأنْكَرُوا وُجُودَهُ.
قال المؤلف -رحمه الله-: «قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى. أَيِ: اسْتَقَرَّ. كَمَا قَالَ: فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ . أَيِ: اسْتَقْرَرْتَ. وَسَاقَ الْآيَاتِ وَالشَّوَاهِدَ عَلَى ذَلِكَ».
أي: سَاقَ نُصُوصَ الاسْتِوَاءِ والعُلُوِّ والفَوْقِيَّةِ التي أَفْرَدَهَا وهي تَزِيدُ على ثلاثة آلاف دَلِيلٍ كُلُّهَا تَدُلُّ على أن الله فوقَ العَرْشِ بِذَاتِهِ، وهو مع الخَلْقِ بِعِلْمِهِ واطِّلَاعِهِ وإِحَاطَتِهِ، ونُفُوذِ قُدْرَتِهِ ومَشِيئَتِهِ، وهُوَ معَ المؤمنين بِعَوْنِهِ ونَصْرِهِ وتَأْيِيدِهِ.
«وَقَالَ فِي الآيَةِ الْأُخْرَى: أَرَادَ إِلَهَ السَّمَاءِ وَمَنْ فِيهَا وَكَذَلِكَ الْأَرْضُ، كَمَا تَقُولُ: هُوَ بُخُرَاسَانَ أَمِيرٌ، وَبِمِصْرَ أَمِيرٌ. فَالْإِمَارَةُ تُجْمَعُ لَهُ بِهِمَا، وَإِنْ كَانَ خَالِدًا فِي أَحَدِهِمَا أَوْ فِي غَيْرِهِمَا».
«ثُمَّ قَالَ: وَلَا نُحَتِّمُ عَلَى النُّزُولِ مِنْهُ بِشَيْءٍ نُؤْمِنُ بِهِ، وَنُسَلِّمُهُ، ثُمَّ سَاقَ حَدَّ النُّزُولِ بَيْنَنَا فِي اللُّغَةِ، واللهُ يَجَلُّ عَنْ ذَلِكَ وَيَعْظُمُ». ذَكَر ابنُ قُتَيْبَةَ هَذَا في جَوَابٍ لِسُؤَالٍ نَصُّهُ: فإنْ قِيلَ لَنَا: كَيْفَ النُّزُولُ مِنْهُ -جَلَّ وَعَزَّ-؟ قُلْنَا: لَا نَحْكُمُ على النُّزُولِ مِنْهُ بَشَيءٍ.
يقول الحافظ ابن كثير -رحمه الله- في معنى هذه الآية وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ: «أَيْ هُوَ إِلَهُ مَنْ فِي السَّمَاءِ، وإلِهُ مَنْ في الأرضِ؛ يَعْبُدُهُ مِنْ أَهْلِهِمَا، وكُلُّهُمْ خَاضِعُونَ لَهُ أَذِلَّاءُ بينَ يَدَيْهِ»([29]).
والمَعِيَّةُ نوعان:
الأول: مَعِيَّةٌ عَامَّةٌ للمُؤْمِنِ والكَافِرِ، وتكون في سياق المُحَاسَبَةِ والمُجَازَاةِ.
الثاني: مَعِيَّةٌ خَاصَّةٌ بالمُؤْمِنِينَ والأنبياء، ومنها قوله -تعالى-: إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى، وقوله: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ، وقوله: لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا، وتأتي في سِيَاقِ المَدْحِ والثَّنَاءِ، وتَقْتَضِي النَّصْرَ والتَّأْيِيدَ والحِفْظَ.
| المتن |
132- حَدِيثٌ آخَرُ: قَالُوا: «رَوَيْتُمْ أَنَّ كِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، وَهَذَا مُسْتَحِيلٌ إِنْ كُنْتُمْ أَرَدْتُمْ بِالْيَدَيْنِ الْعُضْوَيْنِ، وَكَيْفَ يُعْقَلُ؟ يَدَانِ كِلْتَاهُمَا يَمِينٌ».
فَأَجَابَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ صَحِيحٌ([30])، وَمَعْنَاهُ: التَّمَامُ وَالْكَمَالُ؛ لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مِنَّا مَيَاسِرُهُ تَنْقُصُ عَنْ مَيَامِنِهِ فِي الْقُوَّةِ وَالْبَطْشِ، وَكَانَتِ الْعَرَبُ تُحِبُّ التَّيَامُنَ، وَتَكْرَهُ التَّيَاسُرَ؛ لِمَا فِي الْيَمِينِ مِنَ التَّمَامِ وَفِي الْيَسَارِ مِنَ النُّقْصَانِ؛ أَيْ: صِفَةُ الله بِخَلِافِ ذَلِكَ، وَفِي الْحَدِيثِ نَصًّا: يَمِينُ الله سَحَّاءُ، لَا يَغِيضُهَا شَيْءٌ، اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ. ([31]). أَيْ: تَصُبُّ الْعَطَاءَ وَلَا يَنْقُصُهَا»([32]).
| الشرح |
هَذِهِ الشُّبْهَةُ الثَّانِيَةُ عَلَى الحَدِيثِ؛ وَهُوَ: كِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ. وهُوَ حَدِيثٌ ثَابِتٌ في الصِّحِيحَيْنِ وغَيْرِهِمَا.
صَاحِبُ الشُّبْهَةِ يقولُ: «وَهَذَا مُسْتَحِيلٌ إِنْ كُنْتُمْ أَرَدْتُمْ بِالْيَدَيْنِ الْعُضْوَيْنِ، وَكَيْفَ يُعْقَلُ؟ يَدَانِ كِلْتَاهُمَا يَمِينٌ».
فأَجَابَ ابنُ قُتَيْبَةَ -رحمه الله-: إنَّهُ لا مَانِعَ. فالمُرَادُ أنَّ مَعْنَى حَدِيثِ: كِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ. يعني: فِي الفَضْلِ، والشَّرَفِ، والكَمَالِ وعَدَمِ النَّقْصِ؛ لأنَّ المخلوقَ عَادَةً تَكُونُ اليَسَارُ أضعفَ منَ اليَمِينِ.
أما اللهُ فَلَا يَلْحَقُهُ النَّقْصُ، بل كِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ. يَعْنِي: في الشَّرَفِ والفَضْلِ والقُوَّةِ وعَدَمِ الضَّعْفِ، وإن كَانَتْ لَهُ يَمِينٌ وشِمَالٌ في أَصَحِّ قَوْلِ العُلَمَاءِ. ولهَذَا اخْتَلَفَ العُلَمَاءُ هَلْ له يَمِينٌ وشِمَالٌ؟
جاء في حديثٍ رَوَاهُ الإمامُ مُسْلِمٌ(1) بَعْضُهُمْ طَعَنَ فِيهِ بِتَفَرُّدِ بَعْضِ الرُّوَاةِ، وقالُوا: العُمْدَةُ عَلَى حَدِيثِ: كِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ. فلَا تُسَمَّى الثَّانِيَةُ شِمَالا، بَلْ كُلٌّ مِنْهُمَا يَمِينٌ.
وقال آخرون: تسمى هذه يمينا، وتسمى هذه شمالا كما جاء في الحديث: يَطْوِي اللهُ السَّمَوَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ يَأْخُذُهُنَّ بِيَدِهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَيْنَ الْجَبَّارُونَ؟ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ. ثُمَّ يَطْوِي الْأَرَضِينَ بِشِمَالِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ أَيْنَ الْجَبَّارُونَ؟ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ؟ ([33]). ومَعْنَى: كِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ. كِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ في الشَّرَفِ، والفَضْلِ وعَدَمِ النَّقْصِ والضَّعْفِ، وإن كانت إحْدَاهما يمينٌ والأُخْرَى شِمَالٌ.
قالَ المُؤَلِّفُ: «فَأَجَابَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ صَحِيحٌ، وَمَعْنَاهُ: التَّمَامُ وَالْكَمَالُ لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مِنَّا». أي: مِنَ المَخْلُوقِين، «مَيَاسِرُهُ تَنْقُصُ عَنْ مَيَامِنِهِ فِي الْقُوَّةِ وَالْبَطْشِ وَكَانَتِ الْعَرَبُ تُحِبُّ التَّيَامُنَ، وَتَكْرَهُ التَّيَاسُرَ؛ لِمَا فِي الْيَمِينِ مِنَ التَّمَامِ وَفِي الْيَسَارِ مِنَ النُّقْصَانِ، أَيْ: صِفَةُ الله بِخَلِافِ ذَلِكَ».
«وَفِي الْحَدِيثِ نَصًّا: يَمِينُ الله سَحَّاءُ، لَا يَغِيضُهَا شَيْءٌ، اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ. أَيْ: تَصُبُّ الْعَطَاءَ وَلَا يَنْقُصُهَا». هَذَا الحَدِيثُ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ قال النبي ﷺ: إِنَّ يَمِينَ الله مَلْأَى لَا يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ. يعني: لا تُنْقِصُهَا نَفَقَةٌ. سَحَّاءُ. يعني: كَثِيرَةَ الصَّبِّ اللَّيْلَ والنَّهَارَ، وفي الحديث الآخر: أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنُذْ خَلَقَ السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَمِينِهِ. يعني: لم يَنْقُصْ.
فاللهُ لَهُ الكَمَالُ، ويمينُ الله سَحَّاءُ في العَطَاءِ، لا يُنْقِصُهَا شَيْءٌ؛ تحب العطاء.
سَحَّاءُ... اللَّيْلَ والنَّهَارَ. يَعْنِي: يُنْفِقُ اللَّيْلَ والنَّهَارَ، ولا يَنْقُصُ ما عِنْدَهُ .
| المتن |
133- حَدِيثٌ آخَرُ، قَالُوا: رَوَيْتُمْ عَجِبَ رَبُّكُمْ مِنْ إِلِّكُمْ وَقُنُوطِكُمْ. ([34]). وضَحِكَ مِنْ كَذَا. إِنَّمَا يَعْجَبُ وَيَضْحَكُ مَنْ لَا يَعْلَمُ فَيَعْلَمُ.
قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: وَنَحْنُ نَقُولُ: إِنَّ الْعَجَبَ وَالضَّحِكَ لَيْسَ كَمَا ظَنُّوا، وَإِنَّمَا هُوَ حَلَّ كَذَا عِنْدَهُ مَحِلَّ مَا يُعْجَبُ مِنْهُ، وَمَحِلَّ مَا يُضْحَكُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الضَّاحِكَ إِنَّمَا يَضْحَكُ مِنْ مُعْجِبٍ لَهُ([35]).
وَقَالَ اللهُ لِنَبِيِّهِ: وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ، لَمْ يُرِدْ: أَنَّهُ عِنْدِي عَجَبٌ، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّهُ عَجَبٌ عِنْدَ مَنْ سَمِعَهُ.
وَهَذَا مَنْزَعٌ وَإِلَّا فَعَلَيْنَا الْإِيمَانُ بِهِ وَالتَّسْلِيمُ.
| الشرح |
الشُّبْهَةُ الثَّالِثَةُ عَلى الحَدِيثِ الَّذِي وَرَدَ في العَجَبِ والضَّحِكِ.
الأَحَادِيثُ التِي وردت في العَجَبِ عِدَّةُ أَحَادِيثَ مِنْهَا: هذا الحديث الذي ذكره المؤلف؛ حديث عَجِبَ رَبُّكُمْ مِنْ إِلِّكُمْ وَقُنُوطِكُمْ. وهَذَا الحَدِيثُ ذَكَرَهُ ابنُ الأَثِيرِ في النِّهَايَةِ ، ثم قال: الإِلُّ شِدَّةُ القُنوط، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ رَفْع الصَّوْتِ بِالْبُكَاءِ، يُقَالُ أَلَّ يَئِلُّ أَلًّا. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْمُحَدِّثُونَ يَرْوُونَهُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ، وَالْمَحْفُوظُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ الْفَتْحُ، وَهُوَ أَشْبَهُ بِالْمَصَادِرِ.
وفي حديث العجب عَجِبَ اللهُ مِنْ شَابٍّ لَيْسَ لَهُ صَبْوَةٌ. وَفِي الآيَةِ الكَرِيمَةِ في سورة الصافات: بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ، هذه قراءة حفص في قَوْلِ الرَّسُولِ ﷺ، وفي قراءة أخرى بَلْ عَجِبْتُ وَيَسْخَرُونَ، فَيَكُونُ فِيهِ إِثْبَاتُ صِفَةِ العَجَبِ لِلَّهِ.
وحديث الضحك: يَضْحَكُ اللهُ إِلَى رَجُلَيْنِ، يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ كِلَاهُمَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ. ([36]). هَذَا الحَدِيثُ ثَابتٌ في الصَّحِيحَيْنِ فيهِ إثْبَاتُ الضَّحِكِ لِلَّهِ، والمعْنَى: أنه يَقْتِتُلُ مُسْلِمٌ وكَافِرٌ، فيَقْتُلُ الكَافِرُ المسلمَ، ثُمَّ بَعْدَ ذلك يَمُنُّ اللهُ على الكُافِرِ بالإِسْلَامِ فيُسْلِمُ؛ فَكِلَاهُمَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ؛ الأَوَّلُ دَخَلَ الجَنَّةَ لِأَنَّهُ شَهِيدٌ، والثَّانِي لأنهُ أَسْلَمَ.
والحديث الآخر: ضَحِكَ رَبُّنَا مِنْ قُنُوطِ عَبْادِهِ، وَقُرْبِ غِيَرِهِ. ([37]).
فالمُعْتَرِضُ يقولُ: كَيْفَ تُثْبِتُونَ العَجَبَ والضَّحِكَ لله؟ والعَجَبُ والضَّحِكُ إِنَّمَا يَصْدُرُ من الجَاهِلِ؛ واللهُ عَالمٌ، فَكَيْفَ تَصِفُون الله بالعَجَبِ والضَّحِكِ مع أنه لا يُوصَفُ بهما إلَّا الجاهل؟
قال ابن قتيبة في الجواب: «وَنَحْنُ نَقُولُ: إِنَّ الْعَجَبَ وَالضَّحِكَ لَيْسَ كَمَا ظَنُّوا، وَإِنَّمَا هُوَ حَلَّ كَذَا عِنْدَهُ مَحِلَّ مَا يُعْجَبُ مِنْهُ، وَمَحِلَّ مَا يُضْحَكُ مِنْهُ». يَعْنِي: إِنَّهُ عَجِبَ لِأَنَّهُ حَلَّ العَجَبُ مِنْهُ مَحِلَّ مَنْ يَعْجَبُ، وحَلَّ الضَّحِكَ عِنْدَه محل ما يُضْحَكُ مِنْهُ.
«لِأَنَّ الضَّاحِكَ إِنَّمَا يَضْحَكُ مِنْ مُعْجَبٍ لَهُ. وَقَالَ اللهُ لِنَبِيِّهِ: وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ، لَمْ يُرِدْ: أَنَّهُ عِنْدِي عَجَبٌ، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّهُ عَجَبٌ عِنْدَ مَنْ سَمِعَهُ».
لَكِنَّ شَيْخَ الإِسْلَامِ ابنَ تَيْمِيَةَ -رحمه الله- بَيَّنَ أَنَّ مَعْنَى العَجَبِ: أنه يُعجَبُ منه لخُرُوجِهِ عَنْ نَظَائِرِهِ، فقال: «وَقَدْ يَكُونُ مَقْرُونًا بِجَهْلِ بِسَبَبِ التَّعَجُّبِ، وَقَدْ يَكُونُ لِمَا خَرَجَ عَنْ نَظَائِرِهِ وَاَللَّهُ –تَعَالَى- بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ فَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَعْلَمَ سَبَبَ مَا تَعَجَّبَ مِنْهُ؛ بَلْ يَتَعَجَّبُ لِخُرُوجِهِ عَنْ نَظَائِرِهِ تَعْظِيمًا لَهُ، وَاَللَّهُ –تَعَالَى- يُعَظِّمُ مَا هُوَ عَظِيمٌ؛ إمَّا لِعَظَمَةِ سَبَبِهِ أَوْ لِعَظَمَتِهِ، فَإِنَّهُ وَصَفَ بَعْضَ الْخَيْرِ بِأَنَّهُ عَظِيمٌ، وَوَصَفَ بَعْضَ الشَّرِّ بِأَنَّهُ عَظِيمٌ فَقَالَ –تَعَالَى-: رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، وَقَالَ: وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ، وَقَالَ: وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا، وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا، وَقَالَ: وَلَوْلَا إذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ وَقَالَ: إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ، وَلِهَذَا قَالَ –تَعَالَى-: بَلْ عَجِبْتُ وَيَسْخَرُونَ عَلَى قِرَاءَةِ الضَّمِّ فَهُنَا هُوَ عَجَبٌ مِنْ كُفْرِهِمْ مَعَ وُضُوحِ الْأَدِلَّةِ»([38]).
فابن قُتَيْبَةَ فَسَّرَ العَجَبَ: عَجَبٌ حَلَّ عِنْدَهُ مَحِلَّ مَا يُعْجَبُ مِنْهُ. والصَّوَابُ كَمَا قَالَهُ شيخُ الإسلامِ: أنَّهُ يَتَعَجَّبُ بِخُرُوجِهِ عن نَظَائِرِه تَعْظِيمًا لَهُ، واللهُ يُعَظِّمُ مَا هُوَ عَظِيمٌ؛ إِمَّا لعَظَمَةِ سَبِبِه، وإِمَّا لَعَظَمَتِهِ.
ابنُ قُتَيْبَةُ يَقُولُ: «هَذَا مُنَزَّلٌ». يعني: هَذَا تَأْوِيلٌ، وإِلَّا عَلَيْنَا الإيمانُ والتَّسْلِيمُ إذا وَرَدَتِ النُّصُوصُ في إثباتِ الضَّحِكِ والعَجَبِ لِلَّهِ، فَنُسَلِّمُ ونَقُولُ: آمَنَّا باللهِ ورُسُلِهِ.
| المتن |
134- حَدِيثٌ آخَرُ، قَالُوا: رَوَيْتُمْ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: لَا تَسُبُّوا الرِّيحَ، فَإِنَّهَا مِنْ نَفَسِ الرَّحْمَنِ. ([39]).
وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ عِنْدَكُمْ غَيْرَ مَخْلُوقَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مِنَ الرَّحْمَنِ شَيْءٌ مَخْلُوقٌ.
قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: «وَنَحْنُ نَقُولُ: إِنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِالنَّفَسِ مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّ الرِّيحَ مِنْ فَرَجِ الرَّحْمَنِ وَرُوحِهِ وَقَدْ فَرَّجَ اللهُ عَنْ نَبِيِّهِ بِالرِّيحِ يَوْمَ الْأَحْزَابِ، وَقَالَ: فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: إِنِّي لَأَجِدُ نَفَسَ رَبِّكُمْ مِنْ قِبَلِ الْيَمَنِ. ([40]). يَعْنِي: أَنَّهُ يَجِدُ الْفَرَجَ مِنْ قِبَلِ الْأَنْصَارِ، وَهُمْ مِنَ الْيَمَنِ»([41]).
| الشرح |
هَذِهِ الشُّبْهَةُ الرَّابِعَةُ على حَدِيثِ لَا تَسُبُّوا الرِّيحَ، فَإِنَّهَا مِنْ نَفَسِ الرَّحْمَنِ. وَهَذَا الحَدِيثُ رَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظِ النَّسَائِيُّ والحَاكِمُ مَوْقُوفًا على أُبِيِّ بْنِ كَعْبٍ، وقَدْ وَرَدَ من طرق أخرى مَرْفُوعَةً بلفظ: لَا تُسُبُّوا الرِّيحَ فَإِنَّهَا مِنْ رَوْحِ الله. قَدْ رَوَاهُ الإمامُ أَحْمَدُ والتِّرْمِذِيُّ وصَحَّحَهُ الأَلبَانِي -رحمه الله-.
قَالَ المُعْتَرِضُ المُشَبِّهُ: «وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ عِنْدَكُمْ -أي: الريح- غَيْرَ مَخْلُوقَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مِنَ الرَّحْمَنِ شَيْءٌ مَخْلُوقٌ».
ظَنَّ المُعْتَرِضُ أنَّ قَوْلَهُ ﷺ: لَا تَسُبُّوا الرِّيحَ، فَإِنَّهَا مِنْ نَفَسِ الرَّحْمَنِ. أنها «نفْس». بسكون الفاء، وقال: إِذَا كَانَتْ الرُّوحُ منَ الرَّحْمَنِ فيَنْبَغِي أنْ تَكُونَ غَيْرَ مَخْلُوقَةٍ، والريحُ مَخْلُوقَةٌ، فكَيْفَ تكونُ الرِّيحُ من نَفْسِ الرَّحْمَنِ؟! يَعْنِي: جَعَلَهَا جُزْءا من الله، والعياذُ بِالله. فينبغي ألا تَكُونَ عِنْدَكُمْ مَخْلُوقَةً.
رَدَّ عَلَيْهِ ابنُ قُتَيْبَةَ قالَ: مَا فَهِمْتَ، مَعْنَى الحَدِيثِ ليس «من َنفْسِ الرحمن». وإنِّمَا هُوَ من نَفَسِ الرَّحْمَنِ. والمرَادُ أنَّ الرِيحَ مِنْ نَفَسِ الرحمن؛ يعني: مِنْ فَرَجِ الله وروحه؛ يَعْنِي: أنَّ الله -تَعَالى- نَفَّس بها وفرَّج بها؛ ولهذا قال: «وَقَدْ فَرَّجَ اللهُ عَنْ نَبِيِّهِ بِالرِّيحِ يَوْمَ الْأَحْزَابِ، وَقَالَ: فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا.
ومِثَالُ ذَلِكَ الحَدِيثُ الآخَرُ: إِنِّي لَأَجِدُ نَفَسَ رَبِّكُمْ مِنْ قِبَلِ الْيَمَنِ. يَعْنِي: تَفْرِيجَ رَبِّكُمْ أي: أَنَّهُ يَجِدُ الفَرَجَ مِنْ قِبَلِ الأنْصَارِ؛ الأَوْسِ والخَزْرَجِ لأنهم نزحوا من اليمن، وقَدْ فَرَّجَ اللهُ بِهِمْ عن المُؤْمِنِينَ حين قَاتَلُوا الكُفَّارَ.
وبهذا يَتَبَيَّنُ أن إِضَافَةَ النَّفَسِ في الحديث إلى الرَّبِّ -سُبْحَانَهُ- ليس من بَابِ إِضَافَةِ الصِّفَةِ إلى الموصوفِ كما يَظُنُّهُ هذا المُعْتَرِضُ، إِنَّمَا هِيَ مِنْ إِضَافَةِ المخلوقِ إلى خَالِقِهِ مثل إِضَافَةِ عبدِ الله، ونَاقَةِ الله، ورَسُولِ الله، وبيتِ الله؛ هذه إضافة المخلوق إلى خالقه؛ وكَذَلِكَ الريحُ مِنْ نَفَسِ الرَّحْمَنِ. يَعْنِي: إِضَافَةَ الرِّيحِ إلى الله إضافةَ مَخْلُوقٍ إلى خَالِقِهِ.
لهَذَا قَالَ ابنُ فارس في مَقَايَسِ اللُّغَةِ: «والنَّفَسُ عن كُلِّ شيءٍ يُفَرَّجُ بِهُ عن مَكْرُوبٍ». وذَكَرَ حَدِيثَ أبي هُرَيْرَةَ هذا، ثم قال: «يُرَادُ أَنَّ بِالْأَنْصَارِ نُفِّسَ عَنِ الَّذِينَ كَانُوا يُؤْذَوْنَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَكَّةَ»([42]).
وقد سُئِلَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيْمِيَةَ -رحمه الله- عن هذا الحديث: إِنِّي لَأَجِدُ نَفَسَ رَبِّكُمْ مِنَ الْيَمَنِ. فقال: «مِنَ الْيَمَنِ» يُبَيِّنُ مَقْصُودَ الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلْيَمَنِ اخْتِصَاصٌ بِصِفَاتِ الله –تَعَالَى- حَتَّى يُظَنَّ ذَلِكَ، وَلَكِنْ مِنْهَا جَاءَ الَّذِينَ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ الَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ: فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: سُئِلَ عَنْ هَؤُلَاءِ؛ فَذَكَرَ أَنَّهُمْ قَوْمُ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ؛ وَجَاءَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ مِثْلُ قَوْلِهِ: أَتَاكُمْ أَهْلُ اليَمَنِ، هُمْ أَرَقُّ أَفْئِدَةً وَأَلْيَنُ قُلُوبًا، الإِيمَانُ يَمَانٍ، وَالحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ. ([43]). وَهَؤُلَاءِ هُمْ الَّذِينَ قَاتَلُوا أَهْلَ الرِّدَّةِ وَفَتَحُوا الْأَمْصَارَ فَبِهِمْ نَفَّسَ الرَّحْمَنُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ الْكُرُبَاتِ»([44]).
وبهذا يَتَبَيَّنُ أنَّ مَعْنَى قوله في الحديث: نفَس الرحمن. تَنْفِيسِيِه وتَفْرِيجِهِ؛ فَرَّجَ الله بِهَا عَنِ المُؤْمِنِينَ، كما فَرَّج بالرِّيحِ يومَ الأحْزَابِ عن المُؤْمِنِينَ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا.
| المتن |
135- حَدِيثٌ آخَرُ: قَالُوا: رُوِّيتُمْ أَنَّ قَلْبَ الْمُؤْمِنِ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ. ([45]).
فَإِنْ كُنْتُمْ أَرَدْتُمْ بِالأَصَابِعِ هَا هُنَا النِّعَمَ، وَكَانَ الْحَدِيثُ صَحِيحًا فَهُوَ مَذْهَبٌ.
وَإِنْ كُنْتُمْ أَرَدْتُمُ الْأَصَابِعَ بِعَيْنِهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ يَسْتَحِيلُ لِأَنَّ الله –تَعَالَى- لَا يُوَصَفُ بِالْأَعْضَاءِ، وَلَا يُشَبَّهُ بِالْمَخْلُوقِينَ.
قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: وَنَحْنُ نَقُولُ: إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ صَحِيحٌ، وَإِنَّ الَّذِي ذَهَبُوا إِلَيْهِ فِي تَأْوِيلِ الْإِصْبَعِ لَا يُشْبِهُ الْحَدِيثَ، لِأَنَّهُ قَالَ فِي دُعَائِهِ: يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ. فَقَالَتْ لَهُ إِحْدَى أَزْوَاجِهِ: أَوَتَخَافُ يَا رَسُولَ الله عَلَى نَفْسِكَ؟ فَقَالَ: إِنَّ قَلْبَ الْمُؤْمِنِ، بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الله -تَعَالَى-.
فَإِنْ كَانَ الْقَلْبُ عِنْدَهُمْ بَيْنَ نِعْمَتَيْنِ مِنْ نِعَمِ الله –تَعَالَى-، فَهُوَ مَحْفُوظٌ فَمَا كَانَ يَحْتَاجُ إِلَى الدُّعَاءِ، وَإِنَّمَا هُوَ عِنْدَنَا مِثْلُ الْحَدِيثِ الآخَرِ: يَحْمِلُ الْأَرْضَ عَلَى أُصْبُعٍ، وَكَذَا عَلَى أُصْبُعٍ... ([46]).
وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الأُصْبُعُ هَا هُنَا نِعْمَةً، وَلَا نَقُولُ أُصْبُعٌ كَأَصَابِعِنَا، وَلَا يَدٌ كَأَيْدِينَا، وَلَا قَبْضَةٌ كَقَبَضَاتِنَا، لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مِنْهُ لَا يُشْبِهُ شَيْئًا مِنَّا.
| الشرح |
هَذِهِ الشُّبْهةُ الخَامِسِةُ على حديث: قُلُوبُ الْعِبَادِ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ. والحَدِيثُ رَوَاهُ الإمامُ مسلمٌ من حَدِيثِ عبدِ الله بن عمرِو بنِ العَاصِ بلفظ: إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، كَقَلْبٍ وَاحِدٍ، يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: اللهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ.
وفي حديث آخر: يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ. رَوَاهُ ابنُ أبي عَاصِمٍ في (السُّنَّةِ) والآجُرِيُّ في (الشَّرِيعَةِ)، وإن كان في سنَدِهِ ضَعْفٌ؛ لكن يَشْهَدُ لَهُ الحَدِيثُ السَّابِقُ.
يقول المعترض على هذا الحديث: «فَإِنْ كُنْتُمْ أَرَدْتُمْ بِالأَصَابِعِ هَا هُنَا النِّعَمَ، وَكَانَ الْحَدِيثُ صَحِيحًا فَهُوَ مَذْهَبٌ، وَإِنْ كُنْتُمْ أَرَدْتُمُ الْأَصَابِعَ بِعَيْنِهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ يَسْتَحِيلُ لِأَنَّ الله –تَعَالَى- لَا يُوَصَفُ بِالْأَعْضَاءِ، وَلَا يُشَبَّهُ بِالْمَخْلُوقِينَ».
والجواب: أنَّ الأَصَابِعَ ثَابِتَةٌ لِلَّهِ –تعالى-، كما أنَّ اليَدَ ثَابِتَةٌ للهِ –تعالى-؛ فما أَثْبَتَهُ اللهُ لنَفْسِهِ، أو أَثْبَتَهُ له رَسُولُهُ ﷺ يَجِبُ عَلَيْنَا أنْ نُثْبِتَهُ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ.
اللهُ أَثْبَتَ لِنَفْسِهِ الأصابِعَ، واليَدَ، والسَّمْعَ، والبَصَرَ، والعِلمَ، والقُدْرَةَ، والاسْتِوَاءَ، والعُلُوَّ، فلا نُؤَوِّلُ اليدَ والأَصَابِعَ بالنِّعْمَةِ كما يقول هذا المعترض، ولا نقول: إنَّهَا تُشْبِهُ أصابِعَ المخلوقِينَ، كما جاء في الحديث الآخر: إِنَّ الله يَضَعُ السَّمَاءَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالأَرْضَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالجِبَالَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالشَّجَرَ وَالأَنْهَارَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَسَائِرَ الخَلْقِ عَلَى إِصْبَعٍ، ثُمَّ يَقُولُ بِيَدِهِ: أَنَا المَلِكُ... ([47]). أَثْبَتَ لِلَّهِ خَمْسَةَ أَصَابِعَ، كَمَا يَلِيقُ بجَلَالِهِ وعَظَمَتِهِ.
وبعضهم تأول قوله: قُلُوبُ الْعِبَادِ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ. ([48]). وقال: كَيْفَ تَكونُ قُلُوبُ العِبَادِ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ؟! نَحَنُ لا نَحُسُّ بِأَنَّ أصَابِعَ الرحمنِ في صُدُورِنَا وقُلُوبِنَا.
وهَذَا مِنَ الجَهْلِ؛ فالْبَيْنِيَّةُ مَعْنَاهَا وَاسِعٌ في اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ يقول الله -تعالى-: وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، السحابُ بينَ السَّمَاءِ والأرضِ، هل يَدُلُّ أنَّه مُمَاسُّه؟ لا يَدُلُّ أنه مُمَاسُّهُ؛ فالسحاب لا يمَسُّ الأرْضَ، ولا يَمَسُّ السماءَ.
فَلا يَتَوَهَّمُ المُتَوَهِّمُ من البِدَعِ فيقول: إن أصابع الرحمن مماسة لقلوب العباد. نقول له: لا يلزم منها المماسة، ولا المحاذاة كما في الآية.
أجابَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: «وَنَحْنُ نَقُولُ: إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ صَحِيحٌ، وَإِنَّ الَّذِي ذَهَبُوا إِلَيْهِ فِي تَأْوِيلِ الْإِصْبَعِ لَا يُشْبِهُ الْحَدِيثَ، لِأَنَّهُ قَالَ فِي دُعَائِهِ: يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ. فَقَالَتْ لَهُ إِحْدَى أَزْوَاجِهِ: أَوَتَخَافُ يَا رَسُولَ الله عَلَى نَفْسِكَ؟ فَقَالَ: إِنَّ قَلْبَ الْمُؤْمِنِ، بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الله –تَعَالَى-.
«فَإِنْ كَانَ الْقَلْبُ عِنْدَهُمْ بَيْنَ نِعْمَتَيْنِ مِنْ نِعَمِ الله –تَعَالَى-، فَهُوَ مَحْفُوظٌ فَمَا كَانَ يَحْتَاجُ إِلَى الدُّعَاءِ». إذَا كَانَ قَلْبُ العِبَادِ بَيْنَ نِعْمَتَيْنِ؛ ليس له حاجة إلى الدعاء.
ثم قال: «وَإِنَّمَا هُوَ عِنْدَنَا مِثْلُ الْحَدِيثِ الآخَرِ». أي: عِنْدَنَا مِثْلُ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ الله.
ثم قال: «يَحْمِلُ الْأَرْضَ عَلَى أُصْبُعٍ، وَكَذَا عَلَى أُصْبُعٍ...». يشير إلى الحديث: إِنَّ الله يَضَعُ السَّمَاءَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالأَرْضَ عَلَى إِصْبَعٍ.
ثم قال: «وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْإِصْبُعُ -هَهُنَا- نِعْمَةً، وَلَا نَقُولُ أُصْبُعٌ كَأَصَابِعِنَا، وَلَا يَدٌ كَأَيْدِينَا، وَلَا قَبْضَةٌ كَقَبَضَاتِنَا، لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مِنْهُ لَا يُشْبِهُ شَيْئًا مِنَّا».
| المتن |
136- حَدِيثٌ آخَرُ: قَالُوا: رُوِّيتُمْ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: رَأَيْتُ رَبِّي فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ، وَوَضَعَ كَفَّهُ بَيْنَ كَتِفَيَّ حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ أَنَامِلِهِ بَيْنَ ثَنْدُوَتَيَّ. ([49]).
قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: وَنَحْنُ نَقُولُ: إِنَّ الله لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ، يَعْنِي: فِي الدُّنْيَا. فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ كَمَا يَرَوْنَ الْقَمَرَ لَيْلَةَ الْبَدْرِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ لِمُوسَى: لَنْ تَرَانِي، يَعْنِي: فِي الدُّنْيَا.
ثُمَّ قَالَ: وَكَذَلِكَ نَقُولُ: إِنَّ نَبِيَّنَا لَمْ يَرَهُ إِلَّا فِي الْمَنَامِ، وَعِنْدَ تَغَشِّي الْوَحْيِ لَهُ.
ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ حَدِيثَ أُمِّ الطُّفَيْلِ: وَأَنَّهُ رَأَى رَبَّهُ فِي المَنَامِ فِي صُورَةِ كَذَا.
وَنَحْنُ لَا نُطْلِقُ عَلَى الصُّورَةِ تَشْبِيهًا، بَلْ مُخَالِفَةٌ لِغَيْرِهَا، كَمَا خَالَفَتْ ذَاتُهُ غَيْرَهَا مِنَ الذَّوَاتِ.
| الشرح |
هَذِهِ الشُّبْهَةُ السَّادِسَةُ على حديث: رَأَيْتُ رَبِّي فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ، وَوَضَعَ كَفَّهُ بَيْنَ كَتِفَيَّ حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ أَنَامِلِهِ بَيْنَ ثَنْدُوَتَيَّ. وهو حَدِيثُ اخْتِصَامِ المَلأ الأَعْلَى، وقد شَرَحَهُ الحافِظُ ابنُ رَجَبٍ في رسالةٍ مُسْتَقِلَّةٍ، بعنوان (شرحِ حَديثِ اختصام الملأ الأعلى) وهو مطبوع ضمن مجموع رسائل ابن رجب.
وفيه أن النبي ﷺ قال: أَتَانِي رَبِّي فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَبِّي وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: فِيمَ يَخْتَصِمُ المَلَأُ الأَعْلَى؟ قُلْتُ: رَبِّ لَا أَدْرِي، فَوَضَعَ يَدَهُ بَيْنَ كَتِفَيَّ فَوَجَدْتُ بَرْدَهَا بَيْنَ ثَدْيَيَّ فَعَلِمْتُ مَا بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، فَقُلْتُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: فِيمَ يَخْتَصِمُ المَلَأُ الأَعْلَى؟ قُلْتُ: فِي الدَّرَجَاتِ وَالكَفَّارَاتِ، وَفِي نَقْلِ الأَقْدَامِ إِلَى الجَمَاعَاتِ... إِلَى آخِرِ الحَدِيثِ([50]).
وهَذَا الحَدِيثُ إِنَّمَا هُوَ رُؤْيَا مَنَامِيَّةٌ، ورُؤْيَا النَّبِي حَقٌّ، والحَدِيثُ ثَابِتٌ رواهُ الإمامُ أحَمْدُ والتِّرْمِذِيُّ في سياقٍ طويل، وقال التِّرمذي: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وقالَ: سَأَلْتُ محمدَ بنَ إسماعِيلَ عن هَذَا الحديثِ، فقال: هذَا الحَدِيثُ صَحِيحٌ. والحديث صَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ.
ولِلْحَدِيثِ شَوَاهِدُ عَدِيدَةٌ عن عبدِ الرحمن بنِ عَائِش، وابنِ عبَّاسٍ، وثَوْبَانَ، وابنِ عمرَ، وهي مُفَصَّلَةٌ في تَخْرِيجِ كِتَابِ (اختيار الأَوْلَى) لابن رجبٍ .
أجابَ ابنُ قُتَيْبَةَ -رحمه الله- عَنْهُ فَقَالَ: إنَّ اللهَ -تَعَالى- لا يُرَى فِي الدُّنْيَا، وَإِنَّمَا يُرَى في الآخِرَةِ.
نحن نَقُولُ: هَذَا رُؤْيَا مَنَامِيَّة، فَالنَّبِيُّ رَأَى رَبَّهُ في المَنَامِ، ولا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ التَّشْبِيهُ، ورُؤْيَا الله في المنام أَثْبَتَهَا جَمِيعُ أهلِ الطَّوَائفِ، كما قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيْمِيَةَ؛ إلا الجَهْمِيَّةَ من شِدِّةِ إِنْكَارِهِمَا لِرُؤْيَةِ اللهِ حَتَّى أَنْكَرُوا رُؤْيَةَ الله في المَنَامِ.
وقال: جَميعُ الطَّوَائِفُ أَثْبَتُوا رُؤْيَةَ الله في المَنَامِ، ولا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ التَّشْبِيهُ «وَمَنْ رَأَى الله فِي الْمَنَامِ فَإِنَّهُ يَرَاهُ فِي صُورَةٍ مِنَ الصُّوَرِ بِحَسَبِ حَالِ الرَّائِي إنْ كَانَ صَالِحًا رَآهُ فِي صُورَةٍ حَسَنَةٍ؛ وَلِهَذَا رَآهُ النَّبِيُّ ﷺ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ»([51]).
وإنْ كَانَ اعْتِقَادُهُ فِيهِ خَلَلٌ؛ رَأَى رَبَّهُ في صُورَةٍ تُنَاسِبُ اعِتْقَادَهُ.
أما الرُّؤْيَةُ في الدُّنْيَا فاللهُ –تَعَالَى- لَا يَرَاهُ أحدٌ في الدُّنْيَا، وفِي الآخِرَةِ المُؤْمِنُونَ يَرَوْنَ رَبَّهُمْ كما ثَبَتَ في الآياتِ وفي الأحاديثِ المُتَوَاتِرَةِ.
قَالَ ابنُ قُتَيْبَةَ: «وَنَحْنُ نَقُولُ: إِنَّ الله لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ، يَعْنِي: فِي الدُّنْيَا، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ كَمَا يَرَوْنَ الْقَمَرَ لَيْلَةَ الْبَدْرِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ لِمُوسَى: لَنْ تَرَانِي، يَعْنِي: فِي الدُّنْيَا».
ثُمَّ قَالَ: «ثُمَّ قَالَ: وَكَذَلِكَ نَقُولُ: إِنَّ نَبِيَّنَا لَمْ يَرَهُ إِلَّا فِي الْمَنَامِ، وَعِنْدَ تَغَشِّي الْوَحْيِ لَهُ». وَقَوْلَهُ: «وَعِنْدَ تَغَشِّي الْوَحْيِ لَهُ». يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ؛ فالصَّوَابُ التِي دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ: إنَّ النَّبِيَّ لم يَرَ رَبَّهُ ليلةَ المِعْرَاجِ بعَيْنِ رَأْسِهِ، وإنما رَآهُ بَعَيْنِ قَلْبِهِ.
وحكى شيخ الإسلام ابن تيمية إجماع السلف على أنَّ الله لا يراهُ أحدٌ في الدنيا؛ إلا في ليلة المعراج؛ فقال: «وَلِهَذَا اتَّفَقَ سَلَفُ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا عَلَى أَنَّ الله يُرَى فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّهُ لَا يَرَاهُ أَحَدٌ فِي الدُّنْيَا بِعَيْنِهِ. وَفِي رُؤْيَةِ النَّبِيِّ ﷺ رَبَّهُ كَلَامٌ مَعْرُوفٌ لِعَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ فَعَائِشَةُ أَنْكَرَتْ الرُّؤْيَةَ وَابْنُ عَبَّاسٍ ثَبَتَ عَنْهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ قَالَ: «رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ بِفُؤَادِهِ مَرَّتَيْنِ»([52])، وَكَذَلِكَ ذَكَرَ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ أَثْبَتَ رُؤْيَتَهُ بِفُؤَادِهِ وَهَذَا الْمَنْصُوصُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي ذَرٍّ وَغَيْرِهِمَا هُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ مِنْ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ، وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ إثْبَاتُ الرُّؤْيَةِ بِالْعَيْنِ فِي الدُّنْيَا كَمَا لَمْ يَثْبُتْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ إنْكَارُ الرُّؤْيَةِ فِي الْآخِرَةِ»([53]).
ذَكَرَ ابنُ قُتَيْبَةَ حَدِيثَ أمِّ الطُّفَيْلِ: «وَأَنَّهُ رَأَى رَبَّهُ فِي المَنَامِ فِي صُورَةِ كَذَا». وقد ذَكَرَهُ ابنُ قُتَيْبَةَ ضِمْنَ اعتِرَاضٍ لِقَوْمٍ يَقُولُونَ: إنَّ النَّبِيَّ ﷺ لم يرَ رَبَّه إلَّا في المَنَامِ، وعِنْدَ تَغَشِّي الوَحْيِ لَهُ، وأنَّ الإسراءَ كَانَ بِرُوحِهِ دُونَ جَسَدِهِ، واحتج في ذلك بحديث أم الطُّفَيْلِ وغيره.
والصَّوَابُ: أَنَّ الإِسْرَاءَ كَانَ بِرُوحِهِ وجَسَدِهِ، وأنَّ النَّبِيَّ لم يَرَ رَبَّهُ بَعْينِ رَأْسِهِ، وإِنَّمَا رَآهُ بِعَيْنِ قَلْبِهِ، هَذَا هُوَ الَّذِي دَلَتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ.
يقول المؤلف: «وَنَحْنُ لَا نُطْلِقُ عَلَى الصُّورَةِ تَشْبِيهًا، بَلْ مُخَالِفَةٌ لِغَيْرِهَا، كَمَا خَالَفَتْ ذَاتُهُ غَيْرَهَا مِنَ الذَّوَاتِ». ولا شَكَّ أن هَذَا في جَمِيعِ الصِّفَاتِ؛ الصُّورَةُ صِفَةٌ ثَابِتَةٌ لله -جَلَّ وعَلَا- في أحاديث كثيرة.
فالواجب: إِمْرَارُهَا كَمَا جَاءَتْ، وإِثْبَاتُهَا على ظَاهِرِهَا لله -تعالى-؛ خِلَافًا لأَهْلِ الْكَلَامِ الباطلِ الَّذِينَ يَنْفُونَ عَنِ الله صِفَةَ كَمَالِهِ، أو يتأولونها بالتأويلات الباطلة.
| المتن |
137- حَدِيثٌ آخَرُ: قَالُوا: رُوِّيتُمْ: إِنَّ اللهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ. ([54]). وَاللهُ يَجَلُّ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ صُورَةٌ، أَوْ مِثَالٌ.
قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: وَنَحْنُ نَقُولُ: إِنَّ الله يَجَلُّ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ صُورَةٌ أَوْ مِثَالٌ، غَيْرَ أَنَّ النَّاسَ رُبَّمَا أَلِفُوا الشَّيْءَ وَأَنِسُوا بِهِ، فَسَكَتُوا عِنْدَهُ، وَأَنْكَرُوا مِثْلَهُ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الله -تَعَالَى- يَقُولُ فِي وَصْفِهِ نَفْسَهُ: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ. هَذَا، يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مِثْلَهُ لَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ، وَمِثْلُ الشَّيْءِ غَيْرُ الشَّيْءِ، فَقَدْ صَارَ -عَلَى هَذَا الظَّاهِرِ- لِلَّهِ مِثْلٌ.
وَمَعْنَى ذَلِكَ فِي اللُّغَةِ، أَنَّهُ يُقَامُ الْمِثْلُ مَقَامَ الشَّيْءِ نَفْسِهِ.
يَقُولُ الْقَائِلُ: مِثْلِي لَا يُقَالُ لَهُ هَذَا الْكَلَامُ. وَيُرِيدُ نَفْسَهُ؛ فَيَكُونُ قَوْلُهُ: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، يُرِيدُ: [لَيْسَ] كَهُوَ شَيْءٌ.
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْكَافُ زَائِدَةً، كَمَا تَقُولُ فِي الْكَلَامِ: كَلَّمَنِي بِلِسَانٍ كَمِثْلِ السِّنَانِ.
ثُمَّ قَالَ: وَقَدِ اضْطَرَبَ النَّاسُ فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ.
فَقَالَ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِ الْكَلَامِ: أَرَادَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ، وَهَذَا غَلَطٌ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي ذَلِكَ.
وَمَنْ يَشُكُّ فِي أَنَّ الله خَلَقَ الْإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ، وَالسِّبَاعَ عَلَى صُوَرِهَا، وَالْأَنْعَامَ عَلَى صُوَرِهَا؟!
وَقَالَ قَوْمٌ: إِنَّ الله –تَعَالَى- خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَةٍ عِنْدَهُ.
وَهَذَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الله لَا يَخْلُقُ شَيْئًا مِنْ خَلْقِهِ عَلَى مِثَالٍ.
وَقَالَ قَوْمٌ فِي الْحَدِيثِ: لَا تُقَبِّحُوا الْوَجْهَ، فَإِنَّ الله -تَعَالَى- خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ. ([55]). يُرِيدُ عَلَى صُورَةِ الْوَجْهِ، وَهَذَا أَيْضًا بِمَنْزِلَةِ التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ لَا فَائِدَةَ فِيهِ، وَالنَّاسُ يَعْلَمُونَ أَنَّ الله خَلَقَ آدَمَ عَلَى خَلْقِ وَلَدِهِ، وَوَجْهُهُ عَلَى وُجُوهِهِمْ، وَزَادَ قَوْمٌ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ مَرَّ بِرَجُلٍ يَضْرِبُ وَجْهَ رَجُلٍ فَقَالَ: لَا تَضْرِبْهُ فَإِنَّ الله خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ. أي: الْمَضْرُوبُ، وَفِي هَذَا مِنَ الْخَلَلِ مَا فِي الْأَوَّلِ.
وَقَالَ قَوْمٌ: خَلَقَ آدَمَ فِي الْجَنَّةِ عَلَى صُورَتِهِ فِي الْأَرْضِ لَمْ تَخْتَلِفْ.
قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: وَالَّذِي عِنْدِي -وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ- أَنَّ الصُّورَةَ لَيْسَتْ بِأَعْجَبَ مِنَ الْيَدَيْنِ، وَالْأَصَابِعِ، وَالْعَيْنِ، وَإِنَّمَا وَقَعَ الْإِلْفُ لِذَلِكَ لِمَجِيئِهَا فِي الْقُرْآنِ، وَوَقَعَتِ الْوَحْشَةُ مِنْ هَذِهِ، لِأَنَّهَا لَمْ تَأْتِ فِي الْقُرْآنِ، وَنَحْنُ نُؤْمِنُ بِالْجَمِيعِ، وَلَا نَقُولُ فِي شَيْءٍ مِنْهُ بِكَيْفِيَّةٍ وَلَا حَدٍّ([56]).
| الشرح |
هَذِهِ الشُّبْهَةُ عَلَى حَدِيثِ: خَلَقَ اللهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ، طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا. وَهَذَا الحَدِيثُ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ وغَيْرُهُمَا.
وهذا الحديث فِيهِ إِثْبَاتُ الصُّورَةِ لِلَّهِ ، والضَّمِيرُ يَعُودُ إِلَى الله، وهَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ؛ الَّذِي أَقَرَّهُ المُحَقِّقُونَ كالإمامِ أحمدَ وشيخِ الإسلامِ وابنِ القَيِّمِ، وجَمَاعَةٍ من أَهْلِ السُّنَّةِ والجَمَاعَةِ -قَالُوا: الضَّمِيرُ يَعُودُ إلى الله في قوله: خَلَقَ اللهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ. ويَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الرِّوَايَاتُ الأُخْرَى الَّتِي صَحَّحَهَا الحَافِظُ في (الفتح) في الجزء الحادي عشر: خَلَقَ اللهُ آدَمَ عَلَى صُورَةِ الرَّحْمَنِ. وهذه الرواية تُؤَيِّدُ أنَّ الضَّمِيرَ يعودُ إلى الله.
فَفِيهِ إِثْبَاتُ الصُّورَةِ لِلَّهِ وهُوَ يَقْتَضِي نَوْعًا مِنَ المُشَابَهَةِ، وهِيَ المُشَابَهَةُ في مُطْلَقِ الصُّورَةِ، لا في الجِنْسِ والمِقْدَارِ، لم يقل: إن آدم يُشْبِهُ الله في الجِنس أو في المِقْدَارِ.
وَأَنْتَ تَرَى صُورَةَ القَمَرِ في الماءِ؛ فَتَقُولَ: هَذِهِ صُورَةُ القَمَرِ تُشْبِهُ القمرَ الَّذِي في السماء. هل هَذَا القَمرُ الَّذِي في الصورةِ الَّتِي في الماء تُشْبِهُ القَمَرَ في ذَاتِهِ، هي ذاته؟! لا. هَلْ هِيَ تُشْبِهُهُ في المِقْدَارِ، في الجِنْسِ؟! هَذِهِ مُجَرَّدُ صُورَةٍ؛ ما لهَا ذَاتٌ ولَا شَكْلٌ.
فالذي حقَّقَهُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيمية -رحمه الله-، في بحثه في بَيَانِ تَلْبِيسِ الجَهْمِيَّةِ، وهو المسمى (بنَقْضِ تَّأْسِيسِ التقديس)، وتأسيس التقديس كتاب للفخر الرازي([57])، وذَكَرَ فِيهِ تأويلَ الأحاديثِ، ورَدَّ عليه شيخ الإسلام في هذا الكتاب.
وهو كِتَابٌ عَظِيمٌ، وهو بيان تأسيس الجهمية، وجد منها الشيخ محمد القاسِمِيُّ -رحمه الله- ما يقرب من النِّصْفِ، ثم وجدَ النِّصْفَ الآخر، وقَدْ أَخَذْتُهُ إلى كلية أصول الدين قبل عشر سنوات، ووُزِّعَ على ثَمانِ طُلَّابٍ؛ في ثمان رسائل دكتوراه، وحُقِّقَ الكتابُ، وكنت المشرفَ على الثمانية كلهم، ولكن تأخرت طباعته، وهو الآن في مجمع الملك فهد إن شاء الله يطبع على نفقة الوزارة، وهو سيطبع إن شاء الله، وفيه بحوث لا توجد في غيره؛ بُحُوثٌ عظيمة، ومن ذلك مسألة الصورة حتَّى إنَّ مبحث الصورة جاء في رسالة دكتوراه كاملة، وهو كتاب عظيم، وردَّ فيه على الرازي.
ذكر الرازي ثلاثة أقوال في هذا الحديث: خَلَقَ اللهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ.
القول الأول: عَلَى صُورَتِهِ يَعُودُ على صُورَةِ المَضْرُوبِ؛ أي: المضروبُ أنَّه لمَّا رَأَى شَخْصًا يَضْرِبُ شَخْصًا، قال: لَا تَضْرِبِ الْوَجْهَ؛ فَإِنَّ الله خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَةِ المَضْرُوبِ. فيكونُ تَشْبِيها مَقْلُوبا.
قال شَيْخُ الإسْلَامِ: وهذا باطل.
القول الثاني: أَنَّ الضَّمِيرَ يَعُودُ إلى آدَمَ؛ خَلَقَ اللهُ آدمَ عَلَى صُورَةِ آدَمٍ، وهَذَا بَاطِلٌ أيضًا. قال عَبْدُ اللهِ بنُ الإمامِ أحمدَ لِأَبِيهِ: خَلَقَ اللهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ. صُورَةِ آدَمَ؟ قَالَ: هَذَا قَوْلُ الجَهْمِيَّةِ، أيُّ صُورَةٍ لآدَمَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُ اللهُ؟
القَوْلُ الثَّالثُ: أنَّهُ يَعُودُ إِلى الله.
وهَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ النُّصُوصُ، وفِيهِ إِثْبَاتُ الصُّورَةِ لِلَّهِ، واللهُ تَعَالَى لا يُشْبِهُ المَخْلُوقِينَ؛ له صُورَةٌ لا تُشْبِهُ صُوَر المَخْلُوقِينَ.
وإن كانَ في إِثْبَاتِهَا نَوْعٌ من المُشَابَهَةِ؛ إلا أنَّهَا مُشَابَهَةٌ في مُطْلَقِ الصُّورَةِ، لا في الجِنْسِ ولا في المِقْدَارِ.
وَقَدْ غَلِطَ في هَذَا أُنَاسٌ كَثِيرُونَ مِنْهُمُ: الاتِّحَادِيَّةُ والحُلُولِيَّةُ -والعِيَاذُ بالله- وقَدْ ردَّ عَلَيْهِمْ شيخُ الإسلامِ.
وَأحَادِيثُ الصُّورَةِ مُتَعَدِّدَةٌ منها هذا الحديث خَلَقَ اللهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ.
ومنها حديثُ الصُّورَةِ: هَلْ تُضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ الله، قَالَ: هَلْ تُضَارُّونَ فِي القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ الله، قَالَ: فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ كَذَلِكَ، يَجْمَعُ اللهُ النَّاسَ، فَيَقُولُ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتَّبِعْهُ، فَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ القَمَرَ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ، وَتَبْقَى هَذِهِ الأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا، فَيَأْتِيهِمُ اللهُ فِي غَيْرِ الصُّورَةِ الَّتِي يَعْرِفُونَ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِالله مِنْكَ، هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا، فَإِذَا أَتَانَا رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ، فَيَأْتِيهِمُ اللهُ فِي الصُّورَةِ الَّتِي يَعْرِفُونَ. ([58]).
فقد جمع بَينَ هذه الأحاديث كلها، في بحث عظيم، فيه فوائد عظيمة.
وممن غَلِطَ في هذا: ابنُ خُزَيْمَةَ، وهو من أئمة أهل السنة وقد رَدَّ عَلَيْهِ شيخُ الإسلام في كتابِ التَّوْحِيدِ؛ فإنه أنْكَرَ الصُّورَة قال: «تَفَهَّمُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ مَعْنَى الْخَبَرِ، لَا تَغْلَطُوا وَلَا تَغَالَطُوا فَتَضِلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ، وَتَحْمِلُوا عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّشْبِيهِ الَّذِي هُوَ ضَلَالٌ»([59]). ظَنَّ -رحمه الله- وهَذِهِ مَعْدُودَةٌ في غَلَطَاتِه- أنَّ الصُّورَةَ فيها تَشْبِيهٌ. هذا ليس فيه تَشْبِيهٌ.
وكما قالَ ابنُ قُتَيْبَةَ في آخِرِ البَحْثِ: «وَالَّذِي عِنْدِي -وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ- أَنَّ الصُّورَةَ لَيْسَتْ بِأَعْجَبَ مِنَ الْيَدَيْنِ، وَالْأَصَابِعِ، وَالْعَيْنِ، وَإِنَّمَا وَقَعَ الْإِلْفُ لذلك لِمَجِيئِهَا فِي الْقُرْآنِ، وَوَقَعَتِ الْوَحْشَةُ مِنْ هَذِهِ، لِأَنَّهَا لَمْ تَأْتِ فِي الْقُرْآنِ، وَنَحْنُ نُؤْمِنُ بِالْجَمِيعِ، وَلَا نَقُولُ فِي شَيْءٍ مِنْهُ بِكَيْفِيَّةٍ وَلَا حَدٍّ».
وهذا حق، وقول ابنُ قُتَيْبَةَ -رحمه الله-: «إن الله يَجَلُّ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ صُورَةٌ أَوْ مِثَالٌ». هذا فيه إجمال؛ لكن مَقْصُودُ قوله أن يكون له صورةٌ تُشْبِهُ صُورَةَ المَخْلُوقِينَ.
وذكر في قوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ. يقول: هذا مثال نَظِير، كما أن الآية لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ يَدَلُّ على أن مِثْلَهُ لا يُشْبِهُهُ شيء، ومِثْلُ الشَّيْءِ غيرُ الشيءِ، فقد صار على هذا الظاهر لله مِثْلٌ.
ثم قال: إن أهل اللغة يقولون: «مِثْلِي لَا يُقَالُ لَهُ هَذَا الْكَلَامُ. وَيُرِيدُ نَفْسَهُ». وَذَكَرَ القَوْلَ الآخَرَ، وقال: إنَّ هَذَا يجوزُ أن تكون الكاف زائدة.
ثم ذكر الأقوال في الصورة:
فقال: «فَقَالَ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِ الْكَلَامِ: أَرَادَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ». وهذا قول الجهمية، وقال: «وَهَذَا غَلَطٌ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي ذَلِكَ». فالمعنى فاسد؛ فكما قال الإمام أحمد: هذا قول الجهمية. أَيُّ صورةٍ لآدم قبل أن يَخْلُقَهُ الله؟ كيف خلق آدم على صورة آدمَ قَبْلَ أن يَخْلُقَ لَهُ صُورَةً؟!
«وَقَالَ قَوْمٌ: إِنَّ الله –تَعَالَى- خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَةٍ عِنْدَهُ. وَهَذَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الله لَا يَخْلُقُ شَيْئًا مِنْ خَلْقِهِ عَلَى مِثَالٍ». وهذا أيضا مثله فاسد.
وَقَالَ قَوْمٌ فِي الْحَدِيثِ: لَا تُقَبِّحُوا الْوَجْهَ، فَإِنَّ الله –تَعَالَى- خَلَقَ آدَمَ عَلَى صورته، يُرِيدُ عَلَى صُورَةِ الْوَجْهِ. أي: على صُورَةِ الوَجْهِ، وهذا أيضا باطل.
«وَزَادَ قَوْمٌ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ مَرَّ بِرَجُلٍ يَضْرِبُ وَجْهَ رَجُلٍ فَقَالَ: لَا تَضْرِبْهُ فَإِنَّ الله خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ. أي: الْمَضْرُوبُ». فيكونُ منْ بَابِ التَّشْبِيهِ المَقْلُوبِ.
«وَقَالَ قَوْمٌ: خَلَقَ آدَمَ فِي الْجَنَّةِ عَلَى صُورَتِهِ فِي الْأَرْضِ لَمْ تَخْتَلِفْ». كُلُّ هَذِهِ الأَقْوَالِ بَاطِلَةٌ.
والصوابُ -كَمَا ثَبَتَ- أنَّ الضَّمِيرَ يعودُ إلى الله، وفيه إثباتُ الصُّورَةِ للهِ؛ أن الله خلق آدم على صورته، ويدل على ذلك الروايةُ الصَّحِيحَةُ في الحديث الصحيح الآخر: خَلَقَ اللهُ آدَمَ عَلَى صُورَةِ الرَّحْمَنِ.
وقد أَلَّفَ الشيخُ حَمودٌ التُّوَيْجِرِيُّ -رحمه الله- رسالة جيدة في مبحث الصورة، وسماها (عقيدة أهل الإيمان في خلق آدم على صورة الرحمن) أخذها من كلام شيخ الإسلام في كتابه (نقض تأسيس الجهمية).
| الحواشي |
([1]) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: السَّلاَمُ المُؤْمِنُ [الحشر: 23] ، رقم (7381).
([2]) أخرجه البخاري: كِتَابُ الِاسْتِئْذَانِ ، بَابُ الأَخْذِ بِاليَدَيْنِ ، رقم (6265) .
([3]) أخرجه مسلم: كتاب الصلاة، رقم (403).
([4]) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: مَلِكِ النَّاسِ [الناس: 2]، رقم (7382).
([5]) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ [إبراهيم: 4]، رقم (7384).
(1) أخرجه البخاري: كِتَابُ التَّوْحِيدِ ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة: 22- 23] ، رقم (7437)، ومسلم: كتاب الإيمان، رقم (182).
([6]) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالحَقِّ، رقم (7385).
([7]) الحديث السابق .
([8]) أخرجه البخاري معلقاً (9/117) .
([9]) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا [النساء: 134]، رقم (7386).
([10]) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا [النساء: 134]، رقم (7389).
([11]) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: قُلْ هُوَ القَادِرُ [الأنعام: 65]، رقم (7390).
([12]) الحديث السابق .
([13]) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد ، بَابُ مُقَلِّبِ القُلُوبِ، رقم (7391).
([14]) أخرجه أحمد في المسند :رقم (26133) .
([15]) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد ، بَابٌ: إِنَّ لِلَّهِ مِائَةَ اسْمٍ إِلَّا وَاحِدًا، رقم (7392).
([16]) أخرجه أحمد في المسند : رقم (4318).
([17]) أخرجه البخاري: كتاب التهجد، باب التهجد بالليل وقوله : وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ [الإسراء: 79]، رقم (1120)، ومسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، رقم (769).
([18]) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد ، بَابُ السُّؤَالِ بِأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَالِاسْتِعَاذَةِ بِهَا، رقم (7394).
([19]) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد ، بَابُ السُّؤَالِ بِأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَالِاسْتِعَاذَةِ بِهَا، رقم (7397).
([20]) سبق تخريجه .
([21]) تقدم تخريجه.
([22]) أخرجه مسلم: كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، رقم (2708).
([23]) هو القاضي أبو يعلى ، محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن الفراء، شيخ الحنابلة، وممهد مذهبهم في الفروع، المتوفى (458هـ). انظر: ترجمته في البداية والنهاية (12/116).
([24]) طُبع في دار إيلاف الدولية – الكويت، بتحقيق محمد بن حمد الحمود النجدي.
([25]) هو شيخ المتكلمين، أبو بكرن محمد بن الحَسنِ بنِ فُورَكَ الأصبهانِي. انظر: ترجمته في سير أعلام النبلاء (13/24).
([26]) نَقَلَ المُحَقِّقُ الشيخُ عبدُ الرَّزَّاقِ البَدْرُ كلامَ الشيخِ مُحَمِّدِ المَانِعِ في تعليقه على العقيدة الطحاوية على قوله: «وهو على ما يشاء قدير». قال: يَجِيءُ في كَلامِ بعضِ النَّاسِ، وهُوَ على ما يَشاءُ قَدِيرٌ. وليسَ ذَلِكَ بِصَوابٍ، بل الصوابُ ما جاءَ في الكِتَابِ والسُّنَّةِ: وهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٍ. لِعُمُومِ مَشِيئَتِهِ وقُدْرَتِهِ تعالى.
[27]- أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (2/935/1783) .
[28] - انظر تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة (1/397) .
([29]) انظر: تفسير ابن كثير (7/243).
[30] - أخرجه مسلم : كتاب الإمارة ، رقم (1827) .
[31] - أخرجه البخاري : كتاب تفسير القرآن ، بَابُ قَوْلِهِ: وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ [هود: 7] ، رقم (4684) ،ومسلم : كتاب الزكاة ، رقم (993) .
[32] - انظر تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة (1/304) .
(1) كما في قوله ﷺ :يَطْوِي اللهُ السَّمَوَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ يَأْخُذُهُنَّ بِيَدِهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَيْنَ الْجَبَّارُونَ؟ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ. ثُمَّ يَطْوِي الْأَرَضِينَ بِشِمَالِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ أَيْنَ الْجَبَّارُونَ؟ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ؟. أخرجه مسلم: كتاب صفة القيامة والجنة والنار، رقم (2788).
([33]) أخرجه مسلم: كتاب صفة القيامة والجنة والنار، رقم (2788).
[34] - أخرجه ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث (1/61) .
[35] - انظر تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة (1/305) .
(([36] أخرجه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب الكافر يقتل المسلم ثم يسلم، برقم (2826)، وأخرجه مسلم، كتاب الإمارة، برقم (1890).
([37]) أخرجه ابن ماجه: كتاب الإيمان وفضائل الصحابة، باب فيما أنكرت الجهمية، رقم (181).
([38]) انظر: مجموع الفتاوى (6/123).
[39] - أخرجه النسائي في الكبرى : كِتَابُ عَمَلِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ ،رقم (10706) ، والحاكم في المستدرك رقم (3075) ، وقال هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ .
[40] - أخرجه أحمد في مسنده (10978) ، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ غَيْرَ شَبِيبٍ، وَهُوَ ثِقَةٌ (10/56) .
[41] - انظر تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة (1/307) .
([42]) انظر: مقاييس اللغة (5/460).
([43]) أخرجه البخاري: كتاب المغازي، باب قدوم الأشعريين وأهل اليمن، رقم (4388)، ومسلم: كتاب الإيمان، رقم (52).
([44]) انظر: مجموع الفتاوى (6/398).
([45]) أخرجه مسلم: كتاب القدر، رقم (2654).
[46] - سبق تخريجه .
([47]) أخرجه البخاري: كِتَابُ التَّوْحِيدِ ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولاَ ، رقم (7451)، ومسلم: كتاب صفة القيامة والجنة والنار، رقم (2786).
([48]) أخرجه مسلم: كتاب القدر، رقم (2654).
[49] - سبق تخريجه .
([50]) أخرجه الترمذي: كتاب تفسير القرآن، باب: سورة ص، رقم (3235) وقال: حسن صحيح.
([51]) انظر: مجموع الفتاوى (5/251).
([52]) أخرجه مسلم: كتاب الإيمان، رقم (176).
([53]) انظر: مجموع الفتاوى (2/230).
[54] - أخرجه البخاري : كِتَابُ الِاسْتِئْذَانِ ، بَابُ بَدْءِ السَّلاَمِ ، رقم (6227) ، ومسلم : كتاب الْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَالْآدَابِ ، رقم (2612) .
[55] - أخرجه ابن أبي عاصم في السنة (1/229/518) ، والحاكم في المستدرك (2/349/3243) ، وقال «هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ». ووافقه الذهبي .
[56] - انظر تأويل مختلف الحديث (1/322) .
([57]) هو فخر الدين، محمد بن عمر بن الحسين القرشي، قد بدت منه في تواليفه بلايا وعظائم وسحر وانحرافات عن السنة، والله يعفو عنه، فإنه توفي على طريقة حميدة، والله يتولى السرائر. انظر: سير أعلام النبلاء (21/501).
([58]) تقدم تخريجه.
([59]) انظر: التوحيد لابن خزيمة (1/84/6).