بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على نبينا محمد , قال الإمام مسلم رحمه الله تعالى :
( متن )
( شرح )
بسم الله الرحمن الرحيم و الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف الأنبياء و المرسلين نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين , أما بعد :
فهذا الحديث فيه بيان فضل الصديق و علمه رضي الله عنه و شجاعته و قوته في الحق فإن الناس بعد وفاة النبي صلى الله عليه و سلم ارتدت القبائل والعرب و تنوعت ردتهم منهم من عبد الأوثان و رجع إلى عبادة الأوثان و منهم من أنكر نبوة النبي صلى الله عليه و سلم و قال لو كان نبيا ما مات و منهم من منع الزكاة و قال لا نؤديها إلى من بعده لا نؤديها إلا إلى الرسول صلى الله عليه و سلم فقاتلهم الصحابة رضوان الله عليهم كلهم و سموهم المرتدين و لا نفرق بينهم و حصل في أول الأمر تنكع من الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما عزم الصديق على قتال مانعي الزكاة و قال قتال من عبد الأوثان و أنكر نبوة الرسول لا إشكال فيه لكن كيف تقاتل من منع الزكاة و قد قال النبي صلى الله عليه و سلم أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، و أني رسول الله فإن قالوا ذلك، فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ، وَنَفْسَهُ، إِلَّا بِحَقِّهِ و هؤلاء يشهدون أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله كيف تقاتلهم ! و هنا ظهر علم الصديق و شجاعته رضي الله عنه فقال إن النبي صلى الله عليه و سلم قال: فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ، وَنَفْسَهُ، إِلَّا بِحَقِّهِ حق التوحيد امتثال الأوامر و اجتناب النواهي و الزكاة من حق التوحيد هذا من علمه رضي الله عنه و فقهه قال و إن كان يقولون لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله فإني أقاتلهم على حق و هو التوحيد فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ، وَنَفْسَهُ، إِلَّا بِحَقِّهِبحق التوحيد و هو امتثال الأوامر و اجتناب النواهي و الزكاة من حق التوحيد و فيه دليل على أن الموحد دمه معصوم و ماله معصوم و لهذا قال النبي صلى الله عليه و سلم فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ، وَنَفْسَهُ، إِلَّا بِحَقِّهِو استثنى من هذا إن فعل ما يهدر دمه كما إذا ارتد بعد الإسلام أو زنا و هو حصن أو قتل نفسا معصومة فإن هذا مستثنى كما جاء في الحديث الآخر أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لا يحل دم امرؤ مسلم إلا بثلاث الثيب الزاني و النفس بالنفس و التارك لدينه المفارق للجماعة هؤلاء الثلاثة دمهم هدر لكن من قبل ولاة الأمور و ليس الناس إذا ثبت عند ولي الأمر ثبتت ردته يقتل بعد أن يتثبت و كذلك إذا تثبت زناه و كان محصنا عند المحكمة حكم عليه الحاكم بذلك يرجم بالحجارة حتى يموت و كذلك إذا ثبت أنه قتل عمدا عدوانا و طلب أولياء القتيل القصاص و ما عدا هؤلاء الثلاثة فالدم معصوم و المال معصوم إذا وحد الله و لهذا قال النبي صلى الله عليه و سلم في الحديث الصحيح أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، و أني رسول الله فإن قالوا ذلك، فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ، وَنَفْسَهُ، إِلَّا بِحَقِّهِ و حقه التوحيد و في رواية إلا بكلمة التوحيد و حسابهم على الله فالصديق رضي الله عنه استنبط من قول النبي إِلَّا بِحَقِّهِ قتال مانعي الزكاة و أن أداء الزكاة من حق لتوحيد , قال عمر رضي الله عنه مَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَأَيْتُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ شَرَحَ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ يعني أنه بعد ذلك وافقه إنما هذا التوقف في بداية الأمر ثم بعد ذلك شرح الله صدر الفاروق لما شرح له صدر أبو بكر و أجمع الصحابة على قتال المرتدين على اختلافهم و تنوعهم و ظهرت شجاعة الصديق رضي الله عنه عندما قال للصحابة : وَاللهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَاللهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهِ , العقال الخيط الذي يربط به يد البعير , لو منعوني عقال , عقال كانوا يؤدى إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم لقاتلتهم على منعه و في رواية أخرى لو منعوني عناق كانوا يؤدونها و هي الصخرة الصغيرة و في لفظ قال ما استمسك السيف بيدي فيه شجاعة عظيمة و قوة في الحق و علم و فهم لهذا النص العظيم و كأن الصديق رضي الله عنه و كذلك عمر لم يبلغهم الحديث الآخر الذي فيه أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله و أني رسول الله و يقيموا الصلاة و يؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دمائهم و أموالهم إلا بحقها و هذا صريح سيأتي صريح في أنه يقاتل على ترك الصلاة و ترك الزكاة قال و يقيموا الصلاة و يؤتوا الزكاة لكن هذا الفهم العظيم مع كونه لم يصله النص الآخر و يقيموا الصلاة و يؤتوا الزكاة لو بلغهم هذا النص لاحتج الصديق على عمر بقوله و يقيموا الصلاة و يؤتوا الزكاةو لو بلغ عمر هذا النص لما اعترض على الصديق من قتال مانعي الزكاة لكن الصديق فهم من اللفظ الآخر أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، و أني رسول الله الشهادتين حق التوحيد فإن قالوا ذلك، فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ، وَنَفْسَهُ، إِلَّا بِحَقِّهِ حق التوحيد و حسابهم على الله و الزكاة أداء الزكاة واجب فرض لكن هل تركه كفر ! إذا جحد وجوب الزكاة كفر لكن هؤلاء المرتدين هل هم جحدوا الزكاة حتى يحكم عليهم بالردة ! الصحابة سموهم كلهم مرتدين ما فرقوا بين من منع الزكاة و بين من عبد الأصنام و بين من أنكر نبوة النبي صلى الله عليه و سلم الظاهر و الله أعلم أن السبب في هذا أن هؤلاء الذين منعوا الزكاة قاتلوا عليها منعوها و قاتلوا عليها فكان قتالهم عليها و منعه إياها يعتبر إنكارا لها و جحودا لأنه لو لم يقاتلوا عليها لأخذت منهم و أدبوا مانع الزكاة إذا امتنع من أداء الزكاة يؤدب تؤخذ منه الزكاة و يؤدب و لا يكفر لكن إذا منع و قاتل دليل على جحوده لها منعها و قاتل عليها فمانعوا الزكاة منعوها و قاتلوا الصحابة عليها فلما جمعوا بين الأمرين المنع و القتال فهذا جحود من عملهم منعها مع القتال عليها جحدوا بها .
( مداخلة )
وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ أَهْلَ الرِّدَّةِ كَانُوا أَصْنَافًا مِنْهُمْ مَنِ ارْتَدَّ عَنِ الْمِلَّةِ وَدَعَا إِلَى نُبُوَّةِ مُسَيْلِمَةَ وَغَيْرِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ وَأَنْكَرَ الشَّرَائِعَ كُلَّهَا وَهَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ سَمَّاهُمُ الصَّحَابَةُ كُفَّارًا وَلِذَلِكَ رَأَى أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَبْيَ ذَرَارِيِّهِمْ وَسَاعَدَهُ عَلَى ذَلِكَ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ واستو لد عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَارِيَةً مِنْ سبى بنى حنيفة فولدت له محمد الذي يدعى بن الْحَنَفِيَّةِ ثُمَّ لَمْ يَنْقَضِ عَصْرُ الصَّحَابَةِ حَتَّى أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يُسْبَى فَأَمَّا مَانِعُو الزَّكَاةِ مِنْهُمُ الْمُقِيمُونَ عَلَى أَصْلِ الدِّينِ فَإِنَّهُمْ أَهْلُ بَغْيٍ وَلَمْ يُسَمَّوْا عَلَى الِانْفِرَادِ مِنْهُمْ كُفَّارًا وَإِنْ كَانَتِ الرِّدَّةُ قَدْ أُضِيفَتْ إِلَيْهِمْ لِمُشَارَكَتِهِمُ الْمُرْتَدِّينَ فِي مَنْعِ بَعْضِ مَا مَنَعُوهُ مِنْ حُقُوقِ الدِّينِ وَذَلِكَ أَنَّ الرِّدَّةَ اسْمٌ لُغَوِيٌّ وَكُلُّ مَنِ انْصَرَفَ عَنْ أَمْرٍ كَانَ مُقْبِلًا عَلَيْهِ فَقَدِ ارْتَدَّ عَنْهُ وَقَدْ وُجِدَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الِانْصِرَافُ عَنِ الطَّاعَةِ وَمَنْعُ الْحَقِّ وَانْقَطَعَ عَنْهُمُ اسْمُ الثَّنَاءِ وَالْمَدْحِ بِالدِّينِ .
( شرح )
ليس بالصحيح هذا الكلام أهل الردة ما سموا أهل ردة إلا لأنهم كفر ارتدوا عن الإسلام و الذي لم يرتد ما يقاتل يعزر أو يقام عليه الحد لكن مانع الزكاة لو لم يقاتلوا عليها أخذت منهم و تركوا تؤخذ منهم و يؤدبون و يتركون إذا منع شخص الزكاة تؤخذ منه يأخذها و لي الأمر قهرا و يؤدبه يؤدب الحبس أو الضرب تأديبا يردعهم و تؤخذ منهم الزكاة و يتركون و لا يقتلون لكن إذا جمع بين أمرين منعها و قاتل عليها دل على جحوده لها ما قاتل عليها و على منعها إلا أنه جاحد لها الزكاة ركن من أركان الإسلام و كذلك لو ترك الصلاة و قاتل عليها و لو ترك الحج و قاتل عليه .
( مداخلة )
فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ تَأَوَّلْتَ أَمْرَ الطَّائِفَةِ الَّتِي مَنَعَتِ الزَّكَاةَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَهَبْتَ إِلَيْهِ وَجَعَلْتَهُمْ أَهْلَ بَغْيٍ وَهَلْ إِذَا أَنْكَرَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي زَمَانِنَا فَرْضَ الزَّكَاةِ وَامْتَنَعُوا مِنْ أَدَائِهَا يَكُونُ حُكْمُهُمْ حُكْمَ أَهْلِ الْبَغْيِ قُلْنَا لَا فَإِنَّ مَنْ أَنْكَرَ فَرْضَ الزَّكَاةِ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ كَانَ كَافِرًا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَؤُلَاءِ وَأُولَئِكَ أَنَّهُمْ إِنَّمَا عُذِرُوا لِأَسْبَابٍ وَأُمُورٍ .
( شرح )
من أنكر هذا ليس فيه إشكال ليس البحث فيمن أنكر من أنكر فرض الصلاة هذا كافر بإجماع المسلمين و من أنكر فرض الزكاة هذا كافر لكن الكلام إذا أقر بها ثم امتنع عن أدائها و على أن بعض العلماء يرى أن ترك الزكاة و لو لم ينكرها كفر لكن هذا خلاف الصواب بعض العلماء يرى أن من ترك الزكاة من لم يزكي أو من لم يحج أو لم يصم يكفر و الصواب أنه لا يكفر إلا بترك الصلاة خاصة إذا لم يجحد وجوب الصلاة أو وجوب الصوم أو وجوب الحج الصواب أنه عاصي ضعيف الإيمان يؤدب و لا يكفر هذا هو الصواب لأن النبي صلى الله عليه و سلم لما ذكر تعذيب مانع الزكاة و أنه يعذب يوم القيامة بماله الإبل و الغنم و البقر التي يبطح لها والمال الذي يصفح له قال ثم يرى سبيله إما إلى الجنة و إما إلى النار فإذا كان كافرا لم يكن له سبيل إلى الجنة , و إذا أنكر و معروف أنه جاهل يعلم إذا ساكن في بلاد بعيدة و لا يعرف حكمها لاشك أن هذا يكون عذر فلابد أن يبلغ .
( مداخلة )
قَالَ الْخَطَّابِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِنَّمَا عَرَضَتِ الشُّبْهَةُ لِمَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي حَكَيْنَاهُ عَنْهُ لِكَثْرَةِ مَا دَخَلَهُ مِنَ الْحَذْفِ فِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِهِ لَمْ يَكُنْ سِيَاقُ الْحَدِيثِ عَلَى وَجْهِهِ وَذَكَرَ الْقِصَّةَ فِي كَيْفِيَّةِ الرِّدَّةِ مِنْهُمْ وَإِنَّمَا قُصِدَ بِهِ حِكَايَةُ مَا جَرَى بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَمَا تَنَازَعَاهُ فِي اسْتِبَاحَةِ قِتَالِهِمْ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ أَبُو هُرَيْرَةَ إِنَّمَا لَمْ يَعْنِ بِذِكْرِ جَمِيعِ الْقِصَّةِ اعْتِمَادًا عَلَى مَعْرِفَةِ الْمُخَاطَبِينَ بِهَا إِذْ كَانُوا قَدْ عَلِمُوا كَيْفِيَّةَ الْقِصَّةِ وَيُبَيِّنُ لَكَ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ مُخْتَصَرٌ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بنَ عُمَرَ وَأَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ رَوَيَاهُ بِزِيَادَةٍ لَمْ يَذْكُرْهَا أَبُو هُرَيْرَةَ فَفِي حَدِيثِ بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أُمِرْتُ أَنْ أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ .
( شرح )
و هذا سيأتي ما يلزم أن يكون مختصر هذا حديث و هذا حديث هذا سمعه أبو هريرة و هذا سمعه ابن عمر .
الممتنع إذا جحد وجوب الزكاة و لم يقاتل عليها ما يكفر إذا منعها و لم يجحدها و ما قاتل عليها ما يكفر على الصحيح يؤخذ منه و يؤدب و يعزر و أما إذا منعها و قاتل عليها الصحابة جعلوه كافرا لما جمع بين الأمرين .
و قتاله مثل قتال البغاة , البغاة يقاتلون و إن كانوا مسلمين و تاركو الأذان يقاتلون و لو كانوا مسلمين لكن هذا قتالهم قتال كفر الصحابة اعتبروهم كفر كلهم مرتدين مانعوا الزكاة جعلوهم مثل عباد الأصنام لا يوجد فرق بينهم مثل من أنكر نبوة النبي صلى الله عليه و سلم و من أقر بنبوة مسيلمة الصحابة ما فرقوا بينهم كلهم سموهم مرتدين .
و صلاة الجماعة يقاتلون لكن لا يكونون كفار و هذا من ترك الشعيرة الظاهرة أما مانعوا الزكاة في عهد الصديق قوتلوا لأمرين كونهم منعوا الزكاة و قاتلوا عليها فاعتبرهم الصحابة مرتدين بهذا و الصحابة قاتلوهم على أنهم كفار و البغاة الذين يخرجون على الإمام و ينقبون على الإمام أشياء يسمون بغاة يقاتلون.
من قاتل جماعة على الربا أو على الزنا أو على السرقة و ما هو معلوم من الدين بالضرورة الصحابة في قصة قدامة بن مظعون لما شربوا الخمر و تأولوا في قوله تعالى ليس عليكم جناح فيما ... أجمع الصحابة على قتالهم لكن إذا استحلوه قتلوا و إن لم يستحلوه جلدوا و هم متأولين قدامة بن مظعون لما شربوا الخمر و تأولوا قول ليس عليكم جناح فيما .... .
( متن )
( شرح )
إلا بحق هذا قيد إلا بحق توحيده , حقوق التوحيد أداء الفرائض و الانتهاء عن المحارم و الالتزام بالإسلام يعني يقاتلون على التوحيد و على حقوق التوحيد و في رواية إلا بحقها يعود الضمير على كلمة التوحيد .
( متن )
( شرح )
و من ذلك الشهادة له عليه الصلاة و السلام بالرسالة يؤمنوا به و بما جاء به عليه الصلاة والسلام .
( متن )
( شرح )
و هذا يخصص حديث لا يحل دم امرؤ مسلم إلا في ثلاث يعني الموحد معصوم دمه و حسابه على الله لكن يستثنى من ذلك ما إذا فعل ما يوجب إهدار الدم و هو الردة أو الزنا بعد الإحصان أو القتل عمدا و عدوانا كل واحد من هذه الثلاث يكون دمه هدر ما يكون معصوم مستثناة .
و الصحابة يقاتلون المرتدين و لم يقولوا بغاة الصحابة قاتلوهم كمرتدين و سبوا أموالهم كلهم عاملوهم معاملة المرتدين ما قالوا هؤلاء مرتدين و هؤلاء بغاة كلهم عاملهم معاملة أهل الردة سبوا أموالهم وذراريهم علي رضي الله عنه تزوج واحدة من بني حنيفة و ما فرقوا بينهم هم و غيرهم سواء المهم الحكم واحد الصحابة حكموا عليهم بحكم واحد ما أطلقوا عليهم بأحكام مختلفة كلهم سموهم مرتدين على جميع طبقاتهم .
( متن )
( شرح )
إلا بحقها يعني كلمة التوحيد , هذا وظيفته عليه الصلاة و السلام مذكر و مبلغ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ بمتسلط و في الآية ليس عليك هداهم و لكن الله يهدي من يشاء و وظيفته التذكير و الإبلاغ ليس عليك إلا البلاغ إنما أنت مذكر .
( متن )
( شرح )
و هذا حديث ابن عمر فيه زيادة على حديث أبي هريرة , حديث أبي هريرة فيه ذكر الشهادتين فقط حديث عمر فيه زيادة يقيموا الصلاة و يؤتي الزكاة و هذه الرواية لم تبلغ عمر و لو بلغتهما ما حصل بينهم محاورة لأنه نص بأنه من ترك الصلاة و الزكاة يقاتل فيه أمرت أن أقاتل الناس حتى يفعلوا هذه الأمور الأربعة حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله و أن محمد رسول الله و يقيموا الصلاة و يؤتوا الزكاة و يقاتلوا عليها لكن الرواية الأولى حديث أبي هريرة ليس فيه إلا الشهادتين .
( متن )
( شرح )
و هذا فيه اشتراط الإخلاص في كلمة التوحيد قوله و كفر بما يعبد من دون الله مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مَنْ دُونِ اللهِ، حَرُمَ مَالُهُ، وَدَمُهُ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللهِ فيه اشتراط الإخلاص و أن من قال هذه الكلمة و أشرك مع الله فلا يحرم دمه و لا ماله و لهذا قال مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مَنْ دُونِ الله و في رواية من قال لا إله إلا الله خالصا و في لفظ مخلصا و المعنى واحد لابد من الإخلاص التوحيد مع الإخلاص فإذا دخل الشرك مع التوحيد فسد إذا دخل هذا التوحيد شرك فسد و بطل فلهذا لابد من الأمرين مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مَنْ دُونِ اللهِ، أما من لم يكن كفر بما يعبد من دون الله ما يكون مسلم وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مَنْ دُونِ اللهِ، هذا هو كفر الطاغوت لابد منه كفر بالطاغوت و إيمان بالله فمن لم يكفر بالطاغوت ما يكون مخلص يكون مشرك يكون يعبد الله و يعبد غيره معه فلا يكون مخلصا فلابد من الإخلاص يعبد الله وحده دون ما سواه و يكفر بما يعبد من دون الله كما قال الله تعالى قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم و الذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم و مما تعبدون من دون الله كفرنا بكم و بدا بيننا و بينكم العداوة و البغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده لابد من الكفر بالطاغوت لابد من الكفر بما يعبد من دون الله لابد من البراءة من كل معبود سوى الله و إلا فلا توحيد لا توحيد إلا بذلك إيمان بالله و كفر بالطاغوت و هذا من شروط لا إله إلا الله الإخلاص و هذا من أدلتها .
( متن )
( شرح )
مَنْ وَحَّدَ اللهَ هذا دليل على أن المراد من كلمة الشهادة التوحيد ليس المراد قولها باللسان فقط و لهذا قال مَنْ وَحَّدَ اللهَ هذا تفسير لقوله من قال لا إله إلا الله و المعنى واحد و النصوص يفسر بعضها بعضا من قال لا إله إلا الله يعني وحد الله المراد المعنى ليس المراد قولها باللسان فقط بل المراد المعنى والعمل يقولها عن توحيد و إخلاص .
( متن )
وحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ جَاءَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلٍ، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا عَمِّ، قُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، كَلِمَةً أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللهِ ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ: يَا أَبَا طَالِبٍ، أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ، وَيُعِيدُ لَهُ تِلْكَ الْمَقَالَةَ حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ: هُوَ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَأَبَى أَنْ يَقُولَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَا وَاللهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ، وَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِي أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ .
( شرح )
و هذا الحديث فيه دليل على أن الكافر إذا أسلم عند الموت فإسلامه صحيح إذا تاب و وحد الله عند الموت فإسلامه مقبول ما لم تصل الروح إلى الحلقوم ما دام أن الروح لم تصل إلى الحلقوم فتوبته صحيحة فلهذا عرض النبي صلى الله عليه و سلم الإسلام على عمه أبو طالب و هو في الموت في مرض الموت فقبل أن تصل الروح إلى الحلقوم فإن التوبة مقبولة ففي الحديث الصحيح يقول النبي صلى الله عليه و سلم: إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر و أبلغ من ذلك قول الله تعالى إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم و كان الله عليما حكيما قال العلماء كل شيء قبل الموت فهو قريب و ليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن يعني إذا بلغت الروح إلى الحلقوم , إذا بلغت الروح إلى الحلقوم ما تقبل إذا قبل ذلك فلا بأس و لهذا عرض النبي صلى الله عليه و سلم الإسلام على عمه أبا طلب و فيه تأثير قرناء السوء و أن قرناء السوء لهم تأثير عظيم على الإنسان كان عنده أبو جهل و عبد الله بن أبي أمية قريناء سوء فقالا له : أترغب عن ملة أبيك عبد المطلب , ملة عبد المطلب هي الشرك ملته هي الشرك عبادة الأصنام و الأوثان ذكراه بحجته الملعونة و هي اتباع الآباء و الأجداد عل الباطل فأعاد عليه لنبي صلى الله عليه و سلام فأعاداه عليه فكان آخر ما قال : هو على ملة أبي عبد المطلب يعني الشرك و أبا أن يقول لا إله إلا الله و لا حول و لا قوة إلا بالله و فيه دليل على أنه لا يجوز اتباع الآباء و الأجداد على الباطل و أن على الإنسان أن ينظر و لا يلغي عقله إذا كان الآباء و الأجداد على الباطل و إذا كانوا على الحق نعم يتبعهم لأنهم على الحق لأن الحق أحق أن يتبع اتباعا للحق و فيه بيان حجة الكفار تتابعوا عليها و هي اتباع الآباء و الأجداد على الباطل قال الله تعالى عن المشركين إنا وجدنا آباءنا على أمة يعني على دين و إنا على آثارهم مقتدون و هي حجة قرشية حجة قريش ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق و هي حجة فرعون قال فما بال القرون الأولى و فيه أن الهداية هداية القلوب لله لا يملكها غيره حتى أشرف الخلق نبينا صلى الله عليه و سلم ما استطاع أن يهدي عمه أبا طالب حاول و بذل جهده ما استطاع ففيه أن الهداية هداية القلوب كونه يقبل الحق و يرضى به و يختاره هذا ليس إلا لله حتى أشرف الخلق عليه الصلاة و السلام و هذا فيه من الحكمة بيان أن الرسول و هو أشرف الخلق عليه الصلاة و السلام لا يملك شيئا من هداية القلوب و أن هذا مختص بالله عز و جل و فيه تسلية لمن بعد الرسول صلى الله عليه و سلم من الدعاة و غيرهم تسليه لهم إذا كان الرسول صلى الله عليه و سلم أشرف الخلق و لم يستطع هداية عمه فأنت من باب أولى حتى صار مثل يضرب يقال النبي ما هدى عمه و هو أشرف الخلق عليه الصلاة و السلام ما استطاع لكن الرسول عليه الصلاة و السلام يملك دلالة الدلالة و الإرشاد و الوعظ و كذلك غيره من الأنبياء و من الدعاة قال الله تعالى و إنك لتهدي إلى صراط مستقيم هذه هداية الدلالة و الإرشاد و الوعظ هذه يملكها الرسول و الدعاة أما هداية القلوب فهي منفية عن النبي صلى الله عليه و سلم في قوله إنك لا تهدي من أحببت أنزل الله هذه الآية تسلية له عليه الصلاة و السلام أنزل الله إنك لا تهدي من أحببت و لكن الله يهدي من يشاء و هو أعلم بالمهتدين و فيه دليل على أنه لا يجوز الاستغفار للمشركين من مات على الشرك لا يستغفر له ولا يدعى له و لا يحج عنه و لا يتصدق عنه و لهذا قال النبي صلى الله عليه و سلم لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ فنهي أنزل الله مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ فمن مات على الشرك أو مات على دين الجاهلية فلا يدعى له و لا يستغفر له و لا يتصدق عنه و لا يحج عنه و لا يعتمر .
و فيه دليل على أن أول واجب على العبد كلمة التوحيد أول واجب على العبد هو التوحيد أحسن مما قال النووي اختلافا لأهل البدع القائلين أن أول واجب الشك أو النظر أو القصد إلى النظر بعض أهل البدع يقولون أول ما يجب على الإنسان يشك بما حوله ثم ينتقل من الشك إلى اليقين و بعضهم يقول أول واجب النظر والتأمل و القصد و هذه أقوال باطلة أول واجب على الإنسان التوحيد و لهذا لما بعث الرسول معاوية إلى اليمن قال له فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله و قال أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا اللهما قال حتى يشكوا أو ينظروا أو يتأملوا , قصد النووي أن يقول أن ما يقوله أهل البدع من الشك و النظر باطل لكن الأولى ن يقول أول واجب فيه دليل على أن أول واجب هو التوحيد أول واجب على الإنسان هو التوحيد لا الشك و لا النظر و لا القصد إلى النظر كأقوال أهل الكلام المذموم .
( متن )
( شرح )
لم يزالا به يعني أبي جهل و عبد الله بن أبي أمية .
يعني ينبغي للإنسان أن يبتعد عن قرناء السوء و أن يصحب الأخيار و يبتعد عن قرناء السوء فقرناء السوء قد أثروا عليه نسأل الله العافية و فيه دليل على أن معرفة الإنسان للحق إذا لم يعمل به لا ينفعه بعض الناس يقول أنا أعلم أن هذا هو الحق إذا كنت عارف و لم تعمل ما تفيدك المعرفة أبو طالب عارف حتى إنه قال في قصيدته المعروفة :
و لقد علمت بأن دين محمد | من خير أديان البرية دينا |
لولا الملامة أو حذاري سبة | لوجدتني سمحا بذاك مبينا |
فكون الإنسان يعلم بالحق و لا يعمل به ما يجعله تابعا للحق لابد من العمل فرعون يعلم و لم تنفعه المعرفة يعلم أن موسى صادق لكن ما تبعه كفره بالإباء و الاستكبار و إبليس كفره بالإباء و الاستكبار أبو طالب كفره بالإباء و الاستكبار اليهود كفرهم بالإباء و الاستكبار فبعض الناس إذا نصحته قال أن عارف أو فلان عارف لهذا الشيء و إذا كان عارف لا تكفيه المعرفة لابد من المتابعة متابعة و عمل المعرفة وحدها لا تكفي و إنما يقول بهذا الجهم يقول الإيمان هو المعرفة في القلب و هذا من أبطل الباطل لابد من المعرفة و المتابعة يعلم أنه رسول الله حقا و يتابعه عليه الصلاة و السلام و يكفر بالطاغوت لابد من هذا .
( متن )
( شرح )
فيه أن كلمة التوحيد حجة شهادة عند الله للموحد و لهذا قال النبي أشهد لك أو أحاج لك بها عند الله و فيه دليل على أنه ينبغي للمسلم أن يحذر من قرناء السوء و لهذا قال النبي صلى الله عليه و سلم في الحديث الصحيح مثل الجليس الصالح و الجليس السوء كحامل المسك و نافخ الكير جلساء السوء لهم تأثير عظيم و جلساء الخير لهم تأثير جليس الخير يرغبك في الخير في المعروف يرغبك و يدلك و قرين السوء يزهدك في المعروف و يرغبك في الشر نسأل الله العافية .
( متن )
( شرح )
فيه دليل على أن الذي منع أبو طالب ليس هو الجهل بالإيمان بالله لكن منعه التعصب الحمية لقومه و آبائه و أجداده أن يشهد عليهم بالكفر ما استطاع أن يشهد عليهم بالكفر يكفر بدينهم و فيه دليل على أنه ليس هناك توحيد إلا بالكفر بالطاغوت و الإيمان بالله , ملة أبو طالب هي الطاغوت الشرك لابد أن يكفر به و هو لم يستطيع أن يكفر به قال لولا أن يعيرني الناس أن ترك دين آبائه و أجداده لأقررت بها عينك خاف من العار و اعتبر أن هذا شك بآبائه و أجداده و هو عارف فالمعرفة وحدها لا تكفي لكن لم يتابع النبي صلى الله عليه و سلم ما تكفي المعرفة وحدها لابد من الإيمان و المتابعة و الشهادة على الكفر بدين الجاهلية الشهادة عليهم بالكفر و أنهم على الكفر و أنهم على الباطل و أنهم على الضلال هذا هو الطاغوت فما استطاع أن يكفر بالطاغوت هو عارف بالله لكن ما استطاع أن يكفر بالطاغوت قال ما أستطيع لولا أن يعيرني الناس و يقولوا شتم دين آبائه و أجداده لأقررت بها عينك فقال في قصيدته المشهورة :
لولا الملامة أو حذاري سبة | لوجدتني سمحا بذاك مبينا |
بين أن الذي منعه من الإيمان الملامة و خوف السب يلومه الناس , و في بيت آخر لقصيدة له :
فو الله لولا أن أجيء بسبة | تجر على أشياخنا في المحافل |
يعني إذا شهد على ملة عبد المطلب أنها كفر و شرك معناها أتى بسبة تجر على أشياخه آبائه و أجداده يقول هذه سبة يقول لولا أن أجيء بسبة على أشياخنا في المحافل لآمنت و أقررت بها عينك لكن خوف السبة فهو لم يكفر بالطاغوت داء أبو طالب أنه لم يكفر بالطاغوت نسأل الله العافية فمن يكفر بالطاغوت و يؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها و الله سميع عليم ليس هناك إيمان إلا بشيئين ليس هناك توحيد إلا بشيئين إيمان بالله و كفر بالطاغوت و هذا موجود في كلمة التوحيد لا إله إلا الله فيها كفر بالطاغوت و إيمان بالله كفر بالطاغوت ( لا إله ) و ( إلا الله ) إيمان بالله آمن بالله بمعنى أنه عرف الله بقلبه و عرف الحق لكن ما تابعه و ما عمل به مثله مثل فرعون عارف بالحق و لم يتابع قال الله و جحدوا بها و استيقنتها أنفسهم مثل اليهود عرفوا و مثل إبليس مثل هؤلاء على طريقة واحدة إبليس عارف قال رب بما أغويتني عرف و لم يقابل أمر الله بالتسليم و إنما قابله بالاعتراض لما قال الله للملائكة اسجدوا لآدم ماذا قال إبلي هل قال هذا ليس بأمرك ! لا , عارضه و قال أنا خير منه و أفضل و كيف يسجد الفاضل للمفضول هذا معناه و اعترض على الله قابل أمر الله بالاعتراض بالإباء و الاستكبار لا بالرفض و التكذيب ما كذب يقول هذا أمر الله يخاطب ربه معترض للأمر لكن ما امتثل للأمر اعترض على الأمر نسأل الله العافية فكلهم من باب واحد إبليس و فرعون و اليهود و أبو طالب كلهم كفرهم بالإباء و الاستكبار نسأل الله العافية و هم غير مكذبين .
( متن )
( شرح )
و هذا فيه اشتراط القين في كلمته من مات و هو يعلم أنه لا إله إلا الله العلم هو اليقين يعني من مات و هو يعلم أن لا إله إلا الله و قالها عن يقين بلا شك و ريب دخل الجنة و إذا قالها عن يقين مناف للشك و الريب إذا لابد أن يلتزم بحقوقها و من قالها عن يقين و إخلاص لا يقع فيه شرك فإذا وقع في عمله شرك دل على ضعف الإخلاص و اليقين إذا ضعف اليقين جاءت الغفلة فيقع في المعاصي و إذا قوي اليقين ذهبت الغفلة يؤتى الإنسان من ضعف اليقين مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، دَخَلَ الْجَنَّةَ هذا فيه اشتراط العلم و اليقين و مناف للشك و الريب كما سيأتي في الأحاديث الأخرى .
( متن )
( مداخلة )
وَأَمَّا مَعْنَى الْحَدِيثِ وَمَا أَشْبَهَهُ فَقَدْ جَمَعَ فِيهِ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ كَلَامًا حَسَنًا جَمَعَ فِيهِ نَفَائِسَ فَأَنَا أَنْقُلُ كَلَامَهُ مُخْتَصَرًا ثُمَّ أَضُمُّ بَعْدَهُ إِلَيْهِ مَا حَضَرَنِي مِنْ زِيَادَةٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيمَنْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَتَيْنِ فَقَالَتِ الْمُرْجِئَةُ لَا تَضُرُّهُ الْمَعْصِيَةُ مَعَ الْإِيمَانِ وَقَالَتِ الْخَوَارِجُ تَضُرُّهُ وَيَكْفُرُ بِهَا وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ يَخْلُدُ فِي النَّارِ إِذَا كَانَتْ مَعْصِيَتُهُ كَبِيرَةً وَلَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ مُؤْمِنٌ وَلَا كَافِرٌ وَلَكِنْ يُوصَفُ بأنه فَاسِقٌ وَقَالَتِ الْأَشْعَرِيَّةُ بَلْ هُوَ مُؤْمِنٌ وَإِنْ لَمْ يُغْفَرْ لَهُ وَعُذِّبَ فَلَا بُدَّ مِنْ إِخْرَاجِهِ مِنَ النَّارِ وَإِدْخَالِهِ الْجَنَّةَ .
( شرح )
هذا مثل ما سبق قلنا إن أفسد ما قيل في تعريف الإيمان الجهم قال بأن الإيمان هو المعرفة و الخوارج يرون أن الإيمان هو جميع الأعمال كلها لكن إذا ترك واحد منها كفر و المعتزلة إذا فعل المعصية خرج من الإيمان و لم يدخل في الكفر بل يكون في منزلة بين المنزلتين و المرجئة المحضة يقولون الإيمان هو مجرد المعرفة .
( متن )
( شرح )
نفذ طعامهم حتى هموا بذبح بعض الإبل ليأكلوا منها لقلة الطعام
( متن )
( شرح )
و هذه القصة فيها دليل من دلائل النبوة و فيها دليل أيضا على قدرة الله عز و جل و ذلك أنهم في بعض الغزوات قل طعامهم فأرادوا أن ينحروا بعض الإبل ليأكلوا منها فقال عمر يا رسول الله إنهم إذا فعلوا ذلك قلت الرواحل , الرواحل يحتاجونها الإبل يركبون عليها و لا يمكن إن أمرتهم أن يجمعوا ما معهم من أزواد القوم فدعوت الله عليها هذا فيه إشارة المفضول على الفاضل بما يراه فأخذ النبي صلى الله عليه و سلم بمشورة عمر كل واحد يأتي بما عنده فجاء البر ببره كل واحد عنده من البر يأتي به و يضعه و من عنده تمر يأتي بما يستطيع تمرة تمرتين و من عنده نوى يضعها قالوا ماذا تفعلون بها ! قالوا نمصها فيه أثر من الطعام فيه الدليل على ما أصاب الصحابة من شدة الجوع و لم يضرهم ذلك بل عبدوا الله و جاهدوا في سبيل الله و نصروا دين الله و لم يضرهم ما أصابهم فاجتمع ما عندهم فدعا رسول الله صلى الله عليه و سلم بالبركة فأنزل الله فيها البركة حتى ملؤوا أوعيتهم فأكلوا و شبعوا هذا فيه دليل على قدرة الله و أن الله سبحانه و تعالى على كل شيء قدير إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون و فيه دلائل من دلائل النبوة البركة في الطعام هذه من دلالات النبوة , ثم قال النبي عليه الصلاة و السلام بعد ذلك أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، لَا يَلْقَى اللهَ بِهِمَا عَبْدٌ غَيْرَ شَاكٍّ فِيهِمَا، إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ و في قول فيحجب عن النار و هذا هو الشاهد قوله غير شاك اشتراط اليقين و هذا معنى قوله في الحديث السابق و هو يعلم أن لا إله إلا الله لأنه لابد من اشتراط اليقين في كلمة التوحيد يقوله عن يقين مناف للشك و الريب .
( متن )
( شرح )
نواضحنا يعني الإبل أصابهم الجوع مجاعة قالوا نذبح بعض الإبل فنأكل و ندهن نأكل من لحمها و ندهن قال نعم أذن لهم النبي في أول الأمر ثم جاء عمر و أشار بالرأي الآخر قال يا رسول الله إذا أذنت لهم قلت النواضح , النواضح و الإبل هي تحملنا إذا ذبح هذا و هذا قلت أين الرواحل لو أمرتهم أن يجمعوا ما عندهم ثم دعوت الله لعل الله أن يبارك فيها فقال نعم فأخذ بمشورة عمر عليه الصلاة والسلام .
( متن )
( شرح )
قل الظهر الإبل التي تحملهم قال الظهر لأنها يركبون عليها في ظهورهم تحملهم بمثابة الآن هي مركوب ليس عندهم مركوب إلا الإبل بمثابة السيارات و هذا لا بأس جائز مثل ما أمر عمر العباس أن يدعوا لما أصابهم القحط , الحي الحاضر لا بأس .
( متن )
( شرح )
بفضل أزوادهم ما زاد .
( متن )
( شرح )
نطع من جلد يشبه السفرة توضع عليها الطعام النطع شيء من الجلد سفرة يعني يوضع عليها الطعام .
( متن )
( شرح )
هذه من دلائل النبوة شيء يسير كف ذرة و كسر خبز شيء يسير دعا النبي صلى الله عليه و سلم فملأ لهم جميع أوعيتهم كل ما في العسكر ملؤوه كثر الله هذا الطعام هذا من دلائل نبوته تكثير الطعام و من دلائل قدرة الله عز و جل و أن الله على كل شيء قدير .
( متن )
( شرح )
الله أكبر , هم ليس لديهم شيء في الأول يريدون أن يذبحوا الإبل ليس لديهم شيء فلما جمعوا ما عندهم و دعا لهم النبي ملؤوا كل وعاء العسكر و أكلوا و شبعوا و بقي شيء زيادة .
( متن )
( شرح )
فيحجب عن الجنة و في الأولى يدخل الجنة لَا يَلْقَى اللهَ بِهِمَا عَبْدٌ غَيْرَ شَاكٍّ، إلا دخل الْجَنَّة هنا فيحجب عن الجنة و المعنى واحد , يعني من قالها عن يقين مناف للشك و الريب لا يحجب عن الجنة , إذا قوي اليقين و الصدق و الإخلاص ما تجد الشبهات تحرق الشبهات الإخلاص و الصدق يحرق الشبهات و إذا ضعف الصدق في القلب جاءت الشبهات إذا مات عليها من غير توبة إذا ضعف اليقين و الإخلاص و فعل المعاصي من غير توبة فهو تحت المشيئة و إذا قوي اليقين و قوي الصدق و الإخلاص لا يصر على معصية في هذه الحالة إنما يصر عند الضعف إذا ضعف اليقين و ضعف الصدق و الإخلاص أصر على المعاصي .
( متن )
( شرح )
و هذا فيه فضل كلمة التوحيد فيه فضل التوحيد و أن أهل التوحيد و من مات على التوحيد فهو من أهل الجنة إن عاجلا أو آجلا من مات على توحيد خالص لم يصر فيه على المعاصي دخل الجنة من أول وهلة و إن أصر على بعض المعاصي فهو تحت المشيئة قال: من شهد أن لا إله إلا الله يعني وحد الله ليس المراد النطق باللسان .
( متن )
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنِ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ، عَنْ الصُّنَابِحِيِّ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، أَنَّهُ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي الْمَوْتِ، فَبَكَيْتُ، فَقَالَ: مَهْلًا، لِمَ تَبْكِي؟
( مداخلة )
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنْ عَمَلٍ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى إِدْخَالِهِ الْجَنَّةَ فِي الْجُمْلَةِ فَإِنْ كَانَتْ لَهُ مَعَاصٍ مِنَ الْكَبَائِرِ فَهُوَ فِي الْمَشِيئَةِ فَإِنْ عُذِّبَ خُتِمَ لَهُ بِالْجَنَّةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي كَلَامِ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ مَبْسُوطًا مَعَ بَيَانِ الِاخْتِلَافِ فِيهِ والله أعلم .
( شرح )
إن عاجلا أو آجلا إن مات على توحيد خالص ليس معه معاص دخل الجنة من أول وهلة و إلا فإنه تحت المشيئة من مات على كبائر أصر عليها , و فيه أنه لابد من الإيمان بهذه الأمور لابد من الإيمان بالساعة و الإيمان بالجنة و النار و الإيمان أن عيسى عبد الله و رسوله حتى يخرج من معتقد النصارى .
و هذا على تفصيل من مات على توحيد خالص من المعاصي دخل من أول وهلة و إن أصر على معاصي و ضعف الإخلاص فهو تحت المشيئة .