شعار الموقع

شرح كتاب الطهارة من سنن أبي داود_5

00:00
00:00
تحميل
100

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم عَلَى نَبِيّنَا محمد وَعَلَى آله وصحبه أجمعين. 

(المتن) 

قَالَ الإمام أبو داود رحمه الله تعالى:  

حدثنا محمد بن داود الإسكندراني حدثنا زياد بن يونس قال: حدثني سعيد بن زياد المؤذن عن عثمان بن عبد الرحمن التيمي قال: سئل ابن أبي مليكة عن الوضوء فقال: «رأيت عثمان بن عفان رضي الله عنه سئل عن الوضوء؛ فدعا بماء، فؤتي بميضأة فأصغاها على يده اليمنى، ثم أدخلها في الماء فتمضمض ثلاثًا، واستنثر ثلاثًا، وغسل وجهه ثلاثًا، ثم غسل يده اليمنى ثلاثًا، وغسل يده اليسرى ثلاثًا، ثم أدخل يده فأخذ ماءً فمسح برأسه وأذنيه، فغسل بطونهما وظهورهما مرة واحدة، ثم غسل رجليه، ثم قال: أين السائلون عن الوضوء؟ هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ». 

(الشرح) 

فهذا الحديث أكمل ما ورد في الوضوء، وذلك أن فيه التثليث في جميع الأعضاء ما عدا الرأس؛ لأنه تمضمض ثلاثًا، واستنشق ثلاثًا، وغسل وجهه ثلاثًا، وغسل يده اليمنى ثلاثًا، وغسل يده اليسرى ثلاثًا، وغسل رجليه ثلاثًا، هذا أكمل ما ورد في الوضوء. 
وفيه: أن الرأس لم يثلث، وإنما يمسح مرة واحدة. 

وفيه: أن مسح الأذنين تابع للرأس، ولا يحتاج أن يأخذ لهما ماءً جديدًا، بل يأخذ ماءً للرأس، ولا يصب الماء على الرأس وإنما يمسح به مسحًا، ثم يمسح أذنيه بالرطوبة الباقية من يديه، يمسح باطنهما وظاهرهما، باطنهما بالسباحتين وظاهرهما مما يلي الرأس بالإبهامين. 

وقوله: «فغسل بطونهما وظاهرهما» المراد: المبالغة في المسح، وليس المراد الغسل، وإنما المراد المسح، والغسل يطلق على المسح، والمسح يطلق على الغسل. 

وفيه أن الرأس لم يثلث، خلافًا لمن استحب من العلماء من تثليث المسح، وهو مروي عن الشافعي رحمه الله؛ استدلالًا بالحديث: «أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثًا ثلاثًا» لكن هذا مجمل بينته الأحاديث الصحيحة . 

وفيه: مشروعية غسل اليدين ثلاثًا قبل الوضوء إلى الكوعين، والكوع: هو العظم المقابل للإبهام، والكرسوع: هو العظم المقابل للخنصر، والرسغ: ما بين الكف والساعد، والساعد: من نهاية الكف إلى المرفق، والمرفق: هو العضد في آخر الساق. 

فاليدان تغسلان من رءوس الأصابع حتى يتجاوز المرفقين هذا هو السنه. 
وغسلهما قبل الوضوء ثلاثًا هذا مستحب وليس بواجب، إلا إذا استيقظ من نوم الليل؛ ناقض الوضوء فإنه يتأكد، والجمهور على الاستحباب. 

والقول الثاني: الوجوب، وهو قول قوي، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثًا، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده». 

والواجب غسل كل عضو بالغسل مرة واحدة، والمراد بالغسل ما يعمم به الإنسان العضو، فإذا عمم أصل العضو مرة واحدة فهذا يعتبر غسلًا سواء كان بغرفة أو بغرفتين، فيعمم بغرفة وتعتبر مرة، ويجزئ هذا، إذا غسله مره فإذا تمضمض مرة واستنشق مرة، وغسل وجهه مرة، وغسل يده اليمنى مرة، وغسل يده اليسرى مرة، ومسح برأسه وأذنيه، وغسل رجله اليمنى مرة، وغسل رجله اليسرى مرة هذا الوضوء يجزئ، وإن غسلهما مرتين مرتين فهذا أفضل، وإن غسلهما ثلاثًا ثلاثًا فهذا هو الأفضل والأكمل، وإن غسلهما مخالفًا: فغسل بعض أعضائه ثلاثًا، وبعضها مرتين، وبعضها مرة فلا حرج، كل هذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم. 

قال في تخريجه: حديث صحيح تفرد به أبو داود. 

كل الأحاديث في الوضوء ثابتة: حديث حمران عن عثمان، زيد بن عبد ربه وغيره، (.....)وثابتة في الصحيحين وفي غيرهما. 

فمرة واحدة هذا هو الغسل الواجب، وهو يجزئ، والمرة الثانية مستحبة، والثالثة مستحبة، والأكمل ثلاثًا ثلاثًا، ولا يزيد على ثلاث. 

وكون المسح مرة ثابت في الأحاديث الصحيحة، وستأتي الأحاديث التي تنص على أنه واحدة. 

الطالب: (.....) 

الشيخ:(.....) 

الطالب: قال أبو داود: أحاديث عثمان الصحاح كلها تدل على مسح الرأس أنه مرة، فإنهم ذكروا الوضوء ثلاثًا، وقالوا فيها: «ومسح رأسه» لم يذكروا عددًا كما ذكروا في غيره. 

الشيخ: وهذا كما قال أبو داود رحمه الله: الأحاديث الصحيحة كلها ليس فيها: أن الرأس يثلث، وإنما فيها أن الرأس يمسح مرة، وهذا يدل على ضعف رواية عبد الرحمن بن وردان في الحديث السابق أنه ذكر تثليث المسح، عبد الرحمن بن وردان وتكلموا فيه وقالوا: خالف الحفاظ، وفيه ضعف ما ذهب إليه الشافعي رحمه الله من تثليث المسح وغيره؛ استدلالًا بالحديث: «أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثًا ثلاثًا» وهذا مجمل ثلاثا ثلاثا في المغسولات أما الرأس فلا يثلث، كما في الأحاديث الصحيحة. 

(المتن) 

حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا عيسى حدثنا عبيد الله -يعني: ابن أبي زياد - عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن أبي علقمة: أن عثمان رضي الله عنه دعا بماء، فتوضأ فأفرغ بيده اليمنى على اليسرى، ثم غسلهما إلى الكوعين، قال: ثم مضمض واستنشق ثلاثًا، وذكر الوضوء ثلاثًا، قال: ومسح برأسه، ثم غسل رجليه، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مثل ما رأيتموني توضأت ثم نحو حديث الزهري وأتم. 

(الشرح) 

هذا فيه عبيد الله بن زياد متكلم فيه, لكن أحاديثه ثابتة, (.....). 

الطالب: (.....) في موضع آخر ليس بالقوي, وقال في موضع آخر: ليس بثقة, وقال الحاكم: أبو حاتم ليس بالقوي عندنا, وقال: أبو حاتم لا يحتج به إذا انفرد, وقال عبد الله بن (.....) وقال: أحمد بن يحيى عن ابن معين ليس به بأس, وقال ابن عدي: قد حدث عن الثقات, ولم ير في حديث شيء منكر, وقال: (.....) عقيبة حديث عن (.....) هذا حديث صحيح, (.....) من أهل مكة يروي عن أبي الحسين (.....). 

المقصود أنه متكلم فيه ولكن الحديث ثابت, هذا مما ضبطه؛ لأن هذا ثابت.  

(المتن) 

حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ عَامِرِ بْنِ شَقِيقِ بْنِ جَمْرَةَ، عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ: رَأَيْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ «غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَمَسَحَ رَأْسَهُ ثَلَاثًا»، ثُمَّ قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ هَذَا»، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ وَكِيعٌ، عَنْ إِسْرَائِيلَ قَالَ: تَوَضَّأَ ثَلَاثًا قط. 

(الشرح) 

هذا ضعيف, عامر بن شقيق بن جمرة هذا ضعيف, فقوله: «مسح رأسه ثلاثًا», لا يثبت هذا, (.....) هذا من أغلاطه وأوهامه أنه مسح رأسه ثلاثًا, والثابت في الأحاديث الصحيحة ليس فيها تثليث المسح, وقوله: «قط», يعني حسب ولم يزد, المقصود أن هذا قوله: «مسح رأسه ثلاثًا», لا يحتج به؛ لأن هذا من أغلاط وأوهام عامر بن شفيق بن أبي جمرة. 

الطالب: (.....) 

الشيخ: تكلم عليه. 

الطالب: (قط), فتح القاف وسكون الطاء بمعنى حسب, ثم قال: أي أن وكيعًا اقتصر في روايته على لفظ توضأ ثلاثًا فقط عن إسرائيل ولم يفصل ولم يبين في روايته كما بين يحيى بن آدم عن إسرائيل. 

الشيخ: وظاهر كلام الشراح أنها (قط) ما في (فقط), وهما متقاربتان. 

(المتن) 

حدثنا مسدد قال: حدثنا أبو عوانة عن خالد بن علقمة عن عبد خير قال: «أتانا علي رضي الله عنه وقد صلى، فدعا بطهور فقلنا: ما يصنع بالطهور وقد صلى؟ ما يريد إلا ليعلمنا، فؤتي بإناء فيه ماء وطست، فأفرغ من الإناء على يمينه فغسل يديه ثلاثًا، ثم تمضمض واستنثر ثلاثًا، فمضمض ونثر من الكف الذي يأخذ فيه، ثم غسل وجهه ثلاثًا، وغسل يده اليمنى ثلاثًا، وغسل يده الشمال ثلاثًا، ثم جعل يده في الإناء فمسح برأسه مرة واحدة، ثم غسل رجله اليمنى ثلاثًا ورجله اليسرى ثلاثًا، ثم قال: من سره أن يعلم وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو هذا». 

(الشرح) 

وهذا فيه عن عبد خير وهو من أصحاب علي، وفيه النص على أنه مسح رأسه مرة واحدة؛ لأنه قيدها بقوله: «مرة واحدة». 

وفيه: المضمضة والاستنشاق من كف واحدة، فإنه مضمض واستنشق واستنثر من كف واحدة، وهذا هو الأفضل، يأخذ كفًا من ماء، ثم يتمضمض ويستنشق، فبعض الكف يتمضمضه، وبعضه يستنشقه، ويستنثر بيده الأخرى، يفعل هذا ثلاثًا. 

وإن تمضمض بكف واستنشق بكف فلا بأس، لكن الثابت في الأحاديث في وصف وضوء النبي صلى الله عليه وسلم: أنه تمضمض واستنشق من كف واحدة. 

قال في تخريجه: عبد خير بن يزيد الهمداني أبو عمارة الكوفي مخضرم أدرك الجاهلية. 

قال عثمان الدارمي عن يحيى بن معين: ثقة، وقال ابن أبي شيبة عن يحيى جاهلي. 
وقال العجلي: كوفي تابعي ثقة. 

قلت: وقال أبو جعفر محمد بن الحسين البغدادي: سألت أحمد بن حنبل عن الثبت في علي رضي الله عنه فذكر عبد خير فيهم. 

وقال الخطيب: يقال: اسم عبد خير عبد الرحمن وذكر طويلًا، قال عبد الملك بن سلع: قلت لـ عبد خير: كم أتى عليك؟ قال: عشرون ومائة سنة. 

(المتن) 

حدثنا الحسن بن علي الحلواني حدثنا الحسين بن علي الجعفي عن زائدة حدثنا خالد بن علقمة الهمداني عن عبد خير قال: «صلى علي رضي الله عنه الغداة، ثم دخل الرحبة فدعا بماء، فأتاه الغلام بإناء فيه ماء وطست، قال: فأخذ الإناء بيده اليمنى، فأفرغ على يده اليسرى وغسل كفيه ثلاثًا، ثم أدخل يده اليمنى في الإناء فمضمض ثلاثًا واستنشق ثلاثًا، ثم ساق قريبًا من حديث أبي عوانة -ثم مسح رأسه مقدمه ومؤخره»، ثم ساق الحديث نحوه. 

(الشرح) 

وهذا كما سبق فيه: أنه تمضمض ثلاثًا، وغسل كفيه ثلاثًا، ومسح رأسه مقدمه ومؤخره، كيفما مسحه يصح ، لكن الأفضل مثلما جاء في الأحاديث حديث حمران وغيره: «أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بمقدم رأسه، ثم ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه». فيأخذ كفًا للمضمضة والاستنشاق، (.....) ثم يأخذ ماءً ويغسل وجهه. 

(المتن) 

حدثنا محمد بن المثنى حدثني محمد بن جعفر حدثنا شعبة قال: سمعت مالك بن عرفطة قال: سمعت عبد خير قال: «رأيت عليًا رضي الله عنه أتي بكرسي فقعد عليه، ثم أتي بكوز من ماء فغسل يده ثلاثًا، ثم تمضمض مع الاستنشاق بماء واحد» وذكر الحديث. 

(الشرح) 

وفيه: أنه لا بأس بالوضوء للتعليم، فيتوضأ للتعليم وينوي بالوضوء رفع الحدث, فإذا نوى الوضوء وللتعليم أيضًا فلا بأس, كما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على المنبر وركع، ثم لما أراد السجود نزل القهقرى وسجد في الأرض، ثم لما قام صعد على المنبر وركع، ولما أراد السجود نزل القهقرى وسجد في الأرض وقال: «إنما فعلت هذا لتعلموا صلاتي» فالصلاة للتعليم أو الوضوء للتعليم ما عليه بأس، وهو عبادة. 

فيه كلام عن مالك بن عرفطة، بعضهم قال: إنه خالد بن علقمة. 

(المتن) 

حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا أبو نعيم قال: حدثنا ربيعة الكناني عن المنهال بن عمرو عن زر بن حبيش أنه سمع عليًا رضي الله عنه وسئل عن وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث وقال: «ومسح رأسه حتى لما يقطر، وغسل رجليه ثلاثًا ثلاثًا، ثم قال: هكذا كان وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم». 

(الشرح) 

المنهال بن عمرو بعضهم تكلم فيه، تكلم فيه ابن حزم رحمه الله، لكنه لا بأس به، وفيه زر بن حبيش من أصحاب علي من أصحاب ابن مسعود. 

الطالب: قال ابن القيم رحمه الله تعالى: حديث زر عن علي هذا: فيه المنهال بن عمرو كان ابن حزم يقول: لا يقبل في باقة بقل، ومن روايته حديث البراء الطويل في عذاب القبر، والمنهال قد وثقه يحيى بن معين وغيره، والذي غر ابن حزم شيئان:  

أحدهما: قول عبد الله بن أحمد عن أبيه، تركه شعبة على عمد. 

والثاني: أنه سمع من داره صوت طنبور، وقد صرح شعبة بهذه العلة، فقال العقيلي عن وهيب: قال: سمعت شعبة يقول: أتيت المنهال بن عمرو فسمعت عنده صوت طنبور، فرجعت ولم أسأله، قيل: فهلا سألته فعسى كان لا يعلم به؟. 

 الشيخ: نعم قد لا يعلم ويكون بعض من عنده من الخدم وهو لا يعلم ولا يرضى به. 

الطالب: المنهال بكسر الميم وسكون النون ابن عمرو الأسدي مولاهم الكوفي، قال ابن معين والنسائي: ثقة، وقال العجلي: كوفي ثقة، وتركه شعبة؛ لأنه سمع في منزله صوت طنبور. 

الشيخ: شدد شعبة رحمه الله هنا. 

تركه هذا يعني: طعن فيه، وهذا يحتاج إلى سؤال، فإن كان عالمًا وأقره، وإن كان لم يعلم، أو غلب على أمره فيكون معذورًا في هذا. 

والمقصود: أن الجرح لا بد أن يكون مفسرًا، وأن يكون عن علم بهذا، وإلا فالأصل أنه ثقة. 

الطالب: قوله: «حتى لما يقطر» وهذه زيادة تشير إلى أن المسح كان مرة واحدة؛ لأنه لو كان ثلاثًا لقطر الماء عن رأسه بعد المسح. 

قال: لما: بفتح اللام وتشديد الميم بمعنى: لم، وهي على ثلاثة أوجه: أحدهما: أن يختص بالمضارع فتجزمه وتنفيه وتقلبه ماضيًا مثل لم، إلا أنها تفارقه في أمور. 

وثانيها: أنها تختص بالماضي، فتقتضي جملتين وجدت ثانيتهما عند وجود أولاهما. 

وثالثها: أن تكون حرف استثناء، فتدخل على الجملة الإسمية، وهاهنا للوجه الأول. 

الشيخ: والمراد الوجه الأول «حتى لم يقطر»، يعني: أنه مرة واحدة. 

(المتن) 

حدثنا زياد بن أيوب الطوسي قال: حدثنا عبيد الله بن موسى قال: حدثنا فطر عن أبي فروة عن أبي عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: «رأيت عليًا رضي الله عنه توضأ فغسل وجهه ثلاثًا، وغسل ذراعيه ثلاثًا، ومسح برأسه واحدة، ثم قال: هكذا توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم». 

(الشرح) 

هذا الحديث فيه النص على أن مسح الرأس مرة واحدة. 

(المتن) 

حدثنا مسدد وأبو توبة قالا: حدثنا أبو الأحوص ح وحدثنا عمرو بن عون قال: أخبرنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن أبي حية قال: «رأيت عليًا رضي الله عنه توضأ فذكر وضوءه كله ثلاثًا ثلاثًا، قال: ثم مسح رأسه، ثم غسل رجليه إلى الكعبين، ثم قال: إنما أحببت أن أريكم طهور رسول الله صلى الله عليه وسلم». 

(الشرح) 

في هذا أبو حية وفيه كلام, هو أبو حية بن قيس الوادعي الخارفي نسبة إلى خارف، وهي بطن من همدان، نزل الكوفة، واختلف في اسمه، وقال أبو أحمد الحاكم وغيره: لا يعرف اسمه. وقال أبو زرعة: لا يسمى. 

وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه: شيخ، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال أبو الوليد بن الفرضي: مجهول، وقال ابن المديني، وقال ابن القطان: وثقه بعضهم، (.....) في التقريب: قال: مقبول، والحديث له متابعات وشواهد. 

(المتن) 

حدثنا عبد العزيز بن يحيى الحراني قال: حدثنا محمد يعني: ابن سلمة عن محمد بن إسحاق عن محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة عن عبيد الله الخولاني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «دخل عليَّ علي رضي الله عنه - يعني: ابن أبي طالب - وقد أهراق الماء، فدعا بوضوء، فأتيناه بتور فيه ماء حتى وضعناه بين يديه، فقال: يا ابن عباس! ألا أريك كيف كان يتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: بلى، قال: فأفضى الإناء على يده فغسلها، ثم أدخل يده اليمنى فأفرغ بها على الأخرى، ثم غسل كفيه، ثم تمضمض واستنثر، ثم أدخل يديه في الإناء جميعًا فأخذ بهما حفنة من ماء فضرب بها على وجهه، ثم ألقم إبهاميه ما أقبل من أذنيه، ثم الثانية، ثم الثالثة مثل ذلك، ثم أخذ بكفيه اليمني قبضة من ماء فصبها على ناصيته فتركها تستن على وجهه، ثم غسل ذراعيه إلى المرفقين ثلاثًا ثلاثًا، ثم مسح رأسه وظهور أذنيه، ثم أدخل يديه جميعًا فأخذ حفنة من ماء فضرب بها على رجله وفيها النعل فغسلها بها، ثم الأخرى مثل ذلك، قال: قلت: وفي النعلين، قال: وفي النعلين، قال: قلت: وفي النعلين قال: وفي النعلين، قال: قلت: وفي النعلين قال: وفي النعلين ». 

(الشرح) 

هذا ضعيف، ضعفه البخاري والشافعي وفيه نكارة من وجهين:  

الوجه الأول: أنه صب الماء على ناصيته بعد غسل يديه ثلاثًا. 

الموضع الثاني: أنه غسل رجليه وفيهم النعلان، وهذا فيه إفساد لهما، وقد جاءت النصوص بعدم إضاعة المال، إلا أن يقال: إنهما نعلان لا يضرهما الماء، فلا يؤثر فيهما الماء، لكن المعروف أن النعلين كانت من جلد؛ فيؤثر عليهما الماء. 

قوله: " محمد بن إسحاق " صاحب المغازي، محمد بن إسحاق عن محمد بن طلحة عن يزيد بن ركانة, ومحمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة أيضًا متكلم فيهم, محمد بن إسحاق ثقة لكنه مدلس رحمه الله. 

" ابن ركانة ": بضم الراء، (.....) محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة القرشي المطلبي، وثقه ابن معين وأبو داود وذكره ابن حبان في الثقات، مات في أول خلافة هشام سنه 103. 

قال: وأما هذا الحديث فقد تكلم الناس فيه, قال أبو عيسى: سألت محمد بن إسماعيل عنه فضعفه. 

وقال: ما أدري ما هذا، وقد يحتمل - إن ثبت الحديث - أن تكون تلك الحفنة من الماء قد وصلت إلى ظاهر القدم وباطنه، وإن كان في النعل، ويدل على ذلك قوله: ففتلها بها. 

المقصود: أن الحديث فيه النكارة من الاثنين. 

(المتن) 

قال أبو داود: وحديث ابن جريج عن شيبة يشبه حديث علي لأنه قال فيه حجاج بن محمد عن ابن جريج: ومسح برأسه مرة واحدة. 

وقال ابن وهب فيه عن ابن جريج: ومسح برأسه ثلاثًا. 

(الشرح) 

وهذا منكر,(.....) مسح برأسه ثلاثا،  

الطالب: الوضوء بالنعال ماثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ 

الشيخ: ثبت عن علي وقال: هذا وضوء من لم يحدث, نص عليه عمر في النسائي. 

الطالب:  وفي حديث جريج لما سأل ابن عمر وقال: رأيتك تمس الأركان ثم قال: يلبس النعال ويتوضأ فيه.  

الشيخ: ما يلزم هذا يصب الماء عليها. 

الطالب:قال ابن القيم: فإن البخاري روى في صحيحه حديث ابن عباس رضي الله عنهما كما سيأتي، وقال في آخره: «ثم أخذ غرفة من ماء فرش بها على رجله اليمنى حتى غسلها، ثم أخذ غرفة أخرى فغسل بها -يعني: رجله اليسرى- ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ». 

الشيخ: حسنه ؟ 

(المتن) 

حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أنه قال لـعبد الله بن زيد بن عاصم وهو جد عمرو بن يحيى: هل تستطيع أن تريني كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ؟ فقال عبد الله بن زيد رضي الله عنه: نعم، فدعا بوضوء فأفرغ على يديه فغسل يديه، ثم تمضمض واستنثر ثلاثًا، ثم غسل وجهه ثلاثًا، ثم غسل يديه مرتين مرتين إلى المرفقين، ثم مسح رأسه بيديه، فأقبل بهما وأدبر، بدأ بمقدم رأسه ثم ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه، ثم غسل رجليه. 

(الشرح) 

وهذا حديث عبد الله بن زيد ثابت في الصحيحين وغيرهما، وفيه: أنه غسل وجهه ثلاثًا وغسل يديه مرتين مخالفة. 

(المتن) 

حدثنا مسدد قال: حدثنا خالد عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه عن عبد الله بن زيد بن عاصم رضي الله عنه بهذا الحديث وقال: فمضمض واستنشق من كف واحدة يفعل ذلك ثلاثًا. ثم ذكر نحوه. 

(الشرح) 

فيه المضمضة والاستنشاق من كف واحدة، وأنه كررها ثلاثًا. 

(المتن) 

حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح قال: حدثنا ابن وهب عن عمرو بن الحارث أن حبان بن واسع حدثه أن أباه حدثه أنه سمع عبد الله بن زيد بن عاصم رضي الله عنه الله عنه يذكر أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر وضوءه، قال: «ومسح رأسه بماء غير فضل يديه، وغسل رجليه حتى أنقاهما». 

(الشرح) 

فيه: أنه يأخذ ماءً جديدًا للرأس غير ماء اليدين، لكن لا يصب الماء على الرأس وإنما يمسح. 

الطالب: وتبويب البخاري لما قال: باب غسل الرجلين في النعلين ولا يسمح على النعلين, يعني كأنه يرد على حديث علي؟ 

الشيخ: لا يمسح عليهما رد على مذهب الرافضة؛ لأنهم يرون المسح, لكن حديث علي هذا قال: «هذا وضوء من لم يحدث», هذا إذا أتم محدث لا يمسح عليه إذا كان على وضوء فلا بأس. 

الطالب: في لفظ البخاري هذا وضوء من (.....) . 

والمقصود: أن المسح إنما هذا لمن كان على طهارة المهم غسل الرجلين. 

(المتن) 

حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل حدثنا أبو المغيرة حدثنا حريز حدثني عبد الرحمن بن ميسرة الحضرمي قال: سمعت المقدام بن معدي كرب الكندي رضي الله عنه قال: «أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء فتوضأ فغسل كفيه ثلاثًا». 

(الشرح) 

وَضوء بفتح الواو أفصح، ويعني: بالماء، والفعل يقال بضم الواو، هذا الأفصح، لا يجوز أن يطلق هذا على هذا، وهذا على هذا. 

(المتن) 

قال: «أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوَء فتوضأ فغسل كفيه ثلاثًا، وغسل وجهه ثلاثًا، ثم غسل ذراعيه ثلاثًا ثلاثًا، ثم تمضمض واستنشق ثلاثًا، ثم مسح برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما». 

(الشرح) 

فهذا الحديث في سنده حريز وحريز متهم برأي الخوارج، وهو من رجال البخاري، عبد الرحمن الحضرمي هذا ضعيف، قال فيه الحافظ: مقبول، وقد خالف الثقات هنا، فقوله: «ثم تمضمض واستنشق» بعد غسل اليدين هذا منكر هذا فيه نكارة, وأتى بكلمة «ثم» التي تفيد الترتيب، هذا مخالف للأحاديث الصحيحة؛ فيكون شاذًا، فلا حجة فيما رواه عبد الرحمن الحضرمي؛ لأنه مقبول، وقد خالف الثقات. 

والصواب: أن المضمضة والاستنشاق تكون مع غسل الوجه وقبل غسل اليدين، وأما هذا الحديث أنه غسل يديه ثم تمضمض واستنشق كلمة ثم التي تفيد الترتيب هذا شاذ مخالف للأحاديث الصحيحة, والأحاديث الصحيحة التي دلت على هذا كحديث عبد الله بن زيد، وحديث حمران (.....) ، كلها فيها المضمضة والاستنشاق مع غسل الوجه، وليس فيها أن المضمضة تكون بعد غسل اليدين، وإنما هذا في رواية أبي داود عن الإمام أحمد بن حنبل من شيوخه. 

(المتن) 

حدثنا محمود بن خالد ويعقوب بن كعب الأنطاكي لفظه: قالا: حدثنا الوليد بن مسلم عن حريز بن عثمان عن عبد الرحمن بن ميسرة عن المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ، فلما بلغ مسح رأسه وضع كفيه على مقدم رأسه، فأمرهما حتى بلغ القفا، ثم ردهما إلى المكان الذي منه بدأ». 

قال محمود: قال: أخبرني حريز. 

(الشرح) 

هذا فيه كيفية مسح الرأس، وهي على هذه الكيفية إذا عمم أجزأه، لكن الأفضل ما جاء في الأحاديث الصحيحة في أنه يبدأ من مقدم رأسه إلى قفاه، ثم يردهما إلى المكان الذي بدأ منه، وهنا فيه أن وضعه هنا كان على قصة رأسه، ثم أمرها هكذا، فلا بأس إذا مسح على هذه الكيفية، لكن الأفضل أن يبدأ بمقدم رأسه، إلى قفاه، ثم يردهما إلى المكان الذي بدأ منه. 

(المتن) 

حدثنا محمود بن خالد وهشام بن خالد المعنى قالا: حدثنا الوليد بهذا الإسناد، قال: «ومسح بأذنيه ظاهرهما وباطنهما». 

زاد هشام: «وأدخل أصابعه في صماخ أذنيه». 

(الشرح) 

وهذا الوليد بن مسلم مدلس، لكنه صرح بالسماع، وفيه: أن مسح الأذنين ظاهرهما وباطنهما، باطنهما: بالسبابتين في صماخ الأذنين، وظاهرهما: يمسح ظاهرهما بإبهامه مما يلي الرأس. 

وهذا في رواية عبد الرحمن الحضرمي لكنه وافق الأحاديث الصحيحة، ووافق الثقات. 

(المتن) 

حدثنا مؤمل بن الفضل الحراني حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا عبد الله بن العلاء حدثنا أبو الأزهر المغيرة بن فروة ويزيد بن أبي مالك: «أن معاوية رضي الله عنه توضأ للناس كما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ، فلما بلغ رأسه غرف غرفة من ماء فتلقاها بشماله حتى وضعها على وسط رأسه، حتى قطر الماء أو كاد يقطر، ثم مسح من مقدمه إلى مؤخره، ومن مؤخره إلى مقدمه». 

(الشرح) 

قال: صحيح أخرجه أحمد من طريق الوليد بن مسلم. 

وفيه: أنه صب الماء على رأسه، أخذ غرفة بيده اليمين ثم جعلها (.....) حتى قطر الماء، المعروف في الحديث أن الرأس يمسح ولا يغسل ويصب عليه الماء صب؛ لأنه أخذ غرفة من ماء ثم وضعها على شماله ثم صبها على وسط رأسه؛ حتى قطر الماء, وهذا فيه نكارة, المعروف في الأحاديث الصحيحة أن النبي مسح رأسه, وليس فيه أنه أخذ الماء وصبه؛ حتى قطر الماء, مسح رأسه بدأ بمقدم رأسه إلى قفاه ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه, فالرأس ما يغسل وإنما يمسح, (.....) المغسولات وهي تغسل مثل الوجه واليدين والرجلين, والعضو الرابع يمسح. 

الوليد بن مسلم صرح بالسماع هنا. 

(المتن) 

حدثنا محمود بن خالد حدثنا الوليد بهذا الإسناد قال: «فتوضأ ثلاثًا ثلاثًا، وغسل رجليه بغير عدد». 

(الشرح) 

لكنه ثابت العدد في الأحاديث الأخرى, أن الرجلين كذلك ثلاثًا, السنة ثلاثة ولا يزاد. 

(المتن) 

حدثنا مسدد حدثنا بشر بن المفضل حدثنا عبد الله بن محمد بن عقيل عن الربيع بنت معوذ بن عفراء رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتينا، فحدثتنا أنه قال: اسكبي لي وضوءًا، فذكرت وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت فيه: فغسل كفيه ثلاثًا، ووضأ وجهه ثلاثًا، ومضمض واستنشق مرة، ووضأ يديه ثلاثًا ثلاثًا، ومسح برأسه مرتين، يبدأ بمؤخر رأسه ثم بمقدمه، وبأذنيه كلتيهما ظهورهما وبطونهما، ووضأ رجليه ثلاثًا ثلاثًا» قال أبو داود: وهذا معنى حديث مسدد. 

(الشرح) 

وهذا في سنده عبد الله بن محمد بن عقيل وهو سيئ الحفظ، وفيه نكارة، يقول: مسح برأسه مرتين، فإن كان مقصوده بمرتين أنه بدأ بمقدم رأسه واعتبرها مرة، ثم ردهما المكان الذي بدأ منه مرة فهذا لا يعتبر مرتين، وإن كان مقصوده أنه كرر المسح فهذا مخالف للأحاديث الصحيحة.  

والصواب: أن الرأس لا يمسح إلا مرة واحدة، وليبدأ بمقدم رأسه ثم يردهما إلى المكان الذي بدأ منه هذه تعتبر مرة؛ لأنه حين يرده المرة الأخرى يمسح أطراف الشعر الذي ما أصابه في المسحة الأولى، فالحديث ضعيف عبد الله بن محمد بن عقيل, والرأس لا يكرر وإن كان المراد به أنه كرر فهذا مخالف للأحاديث الصحيحة, وإن كان المراد أنه بدأ بمقدم رأسه فاعتبر هذه مسحة ثم مؤخره اعتبرها مسحة هذه ليس مسحتين وإنما هي مسحة واحدة, تمسح مثل الرجل من مقدم رأسه الى قفاه فقط، الظفائر ما تمسح. 

قال: حدثنا المغيرة بن فروة ويزيد بن أبي مالك, والمغيرة بن فروة الثقفي أبو الأزهر الدمشقي، ومنهم من قلبه، مشهور بكنيته، مقبول. 

ويزيد بن عبد الرحمن بن أبي مالك الهمداني بالسكون الدمشقي القاضي، صدوق ربما وهم. 

(المتن) 

حدثنا إسحاق بن إسماعيل حدثنا سفيان عن ابن عقيل بهذا الحديث، يغير بعض معاني بشر قال فيه: «وتمضمض واستنثر ثلاثًا». 

(الشرح) 

يعني: غير معنى حديث بشر بن المفضل. 

يقول: الحديث السابق، حديث الربيع أخرجه ابن ماجة في الطهارة، والترمذي وقال: حديث حسن، وحديث عبد الله بن زيد أصح من هذا وأجود إسنادًا. 

قال الشيخ شاكر في تعليقه على هذا الحديث: وحديث الربيع صحيح، وإنما اقتصر الترمذي على تحسينه ذهابًا منه إلى أنه يعارض حديث عبد الله بن زيد، ولكنهما عن حادثتين مختلفتين، فلا تعارض بينهما حتى يحتاج إلى الترجيح، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يبدأ بمقدم الرأس، وكان يبدأ بمؤخره، وكل جائز. 

لا بأس كونه مرتين هذا فيه قوله مسح مرتين ان كان قصده تكرار المسح فهذا مخالف وأن كان القصد انه بدأ بمقدم رأسه اعتبره مره ثم بمؤخرته مره هذا موافق. 

(المتن) 

حدثنا قتيبة بن سعيد ويزيد بن خالد الهمداني قالا: حدثنا الليث عن ابن عجلان عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الربيع بنت معوذ بن عفراء رضي الله عنها: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ عندها، فمسح الرأس كله من قرن الشعر، كل ناحية لمنصب الشعر، ولا يحرك الشعر عن هيئته». 

(الشرح) 

هذا في كيفية المسح على أي كيفية، لكن الأفضل أن يبدأ بمقدم رأسه، ثم يردهما إلى المكان الذي بدأ منه كما بدأ في الأحاديث، بدأ من قرن رأسه هكذا بدأ من هنا ثم مسح كذا ومسح كذا المهم أنه مسح على أي كيفية هذا الحديث فيه عبد الله بن محمد بن عقيل، أما الليث إن كان الليث ابن أبي سليم فهو ضعيف, الليث بن سعد ثقة إمام معروف. 

فيه عبد الله بن محمد بن عقيل وفيه أنه لا بأس بالمسح على أي كيفية, ولكن الأفضل مسح الرأس كما جاء في الأحاديث الصحيحة, حديث حمران وحديث عبد الله بن زيد أنه يبدأ بمقدم رأسه إلى قفاه ثم يردهما إلى المكان الذي بدأ منه. 

(المتن) 

حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا بكر - يعني: ابن مضر - عن ابن عجلان عن عبد الله بن محمد بن عقيل أن ربيع بنت معوذ بن عفراء رضي الله عنها أخبرته قالت: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ قالت: فمسح رأسه، ومسح ما أقبل منه وما أدبر، وصدغيه، وأذنيه، مرة واحدة». 

(الشرح) 

وهذا ضعيف، في سنده عبد الله بن محمد بن عقيل وهو ضعيف في الحفظ وفيه نكارة مسح الصدغين، والصدغان لا يمسحان. 

(المتن) 

حدثنا مسدد حدثنا عبد الله بن داود عن سفيان بن سعيد عن ابن عقيل عن الربيع رضي الله عنها: «أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح برأسه من فضل ماء كان في يده». 

(الشرح) 

وهذا ضعيف، ففيه: عبد الله بن محمد بن عقيل قال البخاري: شاذ مخالف للأحاديث الصحيحة، والأحاديث الصحيحة في أنه يمسح رأسه بماء جديد، لا من فضل يده، يأخذ ماء ويغسل وجهه، ثم يأخذ ماءً ويغسل يده اليمنى، ثم يأخذ ماءً ويمسح رأسه، وإنما الأذنان يمسحان تبعًا للرأس؛ لأنهما من الرأس, أما الرأس واليدان عضوان، يأخذ ماءً لليدين ويأخذ ماء  للرأس . 

(المتن) 

حدثنا إبراهيم بن سعيد حدثنا وكيع حدثنا الحسن بن صالح عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الربيع بنت معوذ رضي الله عنها: «أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فأدخل إصبعيه في جحري أذنيه». 

(الشرح) 

يعني: في صماخ الأذنين، السباحتين، والإبهامين يمسح بهما ظاهر أذنيه مما يلي الرأس. 

(المتن) 

حدثنا محمد بن عيسى ومسدد قالا: حدثنا عبد الوارث عن ليث عن طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح رأسه مرة واحدة؛ حتى بلغ القذال وهو أول القفا». 

وقال مسدد: مسح رأسه من مقدمه إلى مؤخره، حتى أخرج يديه من تحت أذنيه. 

(الشرح) 

وهذا ضعيف أيضًا؛ لأن في إسناده ليث بن أبي سليم، وكذلك مصرف والد طلحة مجهول، وجده عمرو كذلك، وليس له صحبة، وفيه نكارة، لا حجة فيما دل عليه من مسح الرقبة, إلى القذال مسح الرقبة ، وكذلك قوله: أخرج يديه من تحت أذنيه، فكل هذا فيه نكارة؛ مخالف للأحاديث. 

والحديث ضعيف, فيه ليث بن أبي سليم ضعيف, ومصرف والد طلحة مجهول, عمرو جده ليس له صحبة, فلا حجة فيما دل عليه من مسح القذال وإنما المسح من مقدم رأسه إلى قفاه ولا يسمح القذال الرقبة, الرقبة ما تسمح, وكذلك قوله: أخرج يديه من تحت أذنيه. 

(المتن) 

قال أبو داود: قال مسدد: فحدثت به يحيى فأنكره. 

(الشرح) 

نعم يحيى القطان أنكره وهو جدير بالإنكار نعم. 

(المتن) 

قال أبو داود: وسمعت أحمد يقول: إن ابن عيينة زعموا أنه كان ينكره ويقول: إيش هذا طلحة عن أبيه عن جده؟. 

(الشرح) 

ابن عيينة أي سفيان بن عيينة, زعموا أي قالوا: إنه ينكره. 

قوله: «إيش» كلمة استفهام كأي شيء هذا، يعني: مختصرة منحوتة من أي شيء، إيش هذا إنكار استفهام إنكار, " إيش هذا طلحة بن مصرف " فدل على هذا فيه نكارة, يعني: استنكر ما رواه طلحة بن مصرف من مسح الرقبة. 

هذا فيه أن أبا داود كان شيخ أحمد بن حنبل. 

قال: نقل عنه "زعموا" يعني: قالوا، "فزعم" تطلق على مجرد القول، وتطلق على الادعاء الكاذب، فقوله: إيش طلحة؟ يعني: غير معروف طلحة هذا، ومصرف والده غير معروف، و طلحة ضعيف، وما رواه فيه نكارة. 

كلمة إيش عندنا في اللهجة, وهي كلمة عربية منحوتة مثل الحوقلة والسبحلة والحمدلة, إيش: أي شيء هذا, إنكار. 

(المتن) 

حدثنا الحسن بن علي حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا عباد بن منصور عن عكرمة بن خالد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما: «رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ. 

فذكر الحديث كله ثلاثًا ثلاثًا، قال: ومسح برأسه وأذنيه مسحة واحدة». 

(الشرح) 

هذا هو السنة، الرأس والأذنين تمسحان مسحة واحدة. 

(المتن) 

حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد ح وحدثنا مسدد وقتيبة عن حماد بن زيد عن سنان بن ربيعة عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة رضي الله عنه ذكر وضوء النبي صلى الله عليه وسلم: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح المأقين قال: وقال: الأذنان من الرأس». 

قال سليمان بن حرب: يقولها أبو أمامة قال قتيبة: قال حماد: لا أدري هو من قول النبي صلى الله عليه وسلم أو أبي أمامة رضي الله عنه - يعني: قصة الأذنين -قال قتيبة عن سنان أبي ربيعة. 

قال أبو داود: وابن ربيعة كنيته أبو ربيعة. 

(الشرح) 

لا شك أن الأذنين من الرأس، وسواء كان هذا كلام النبي صلى الله عليه وسلم أو من كلام أبي أمامة. 

والمأقين: ما تحت العينين . 

أخرجه الترمذي وابن ماجة وأحمد في مسنده. 

أما شهر بن حوشب فهذا تكلم فيه وله أوهام، منهم من ضعفه، ومنهم، وإذا خالف الثقات فلا عبرة فيما رواه (.....). 

قال: تثنية مأق بالفتح وسكون الهمزة، أي: يدلكهما، في القاموس: موق العين: مجرى الدمع منها أو مقدمها أو مؤخرها. 

قوله: «يمسح المأقين» إن كان مقصوده يمسح تبعًا للرأس فلا تمسح, وإن كان المقصود الدلك يعني يغسل الوجه ويدلك, تخصيص المأقين ما لهم شيء, يغسل الوجه ويمسح. 

مسح المأقين هذا الذي فيه نكارة إن المقصود أنه تبع الرأس, وإن كان المقصود أنه يدلكه فهذا الدلك في غسل الوجه لازم يكون الوجه كله سنه. 

وأما قوله: «الأذنان من الرأس»، فهذا حق، وسواء كان هذا من قول النبي صلى الله عليه وسلم أو قول أبي أمامة فالأذنان لا شك أنهما من الرأس تابعان له؛ فلا يؤخذ لهما ماء جديد على الصحيح، بل تمسحان بما بقي من (.....) الرطوبه  في اليد يمسح رأسه وأذنيه ولا يأخذ ماء جديد لأذنيه. 

قال الخطابي: وقوله: الأذنان من الرأس، فيه بيان أنهما ليستا من الوجه كما ذهب إليه الزهري، وأنه ليس باطنهما من الوجه، وظاهرهما من الرأس، كما ذهب إليه الشعبي، وممن ذهب إلى أنهما من الرأس المسيب وعطاء والحسن وابن سيرين وسعيد بن جبير والنخعي وهو قول الثوري وأصحاب الرأي، ومالك وأحمد بن حنبل وقال الشافعي: هما سنة على حيالهما، ليستا من الوجه ولا من الرأس، وتأول أصحابه الحديث على وجهين: 

أحدهما: أنهما يمسحان مع الرأس تبعًا له. 

والآخر: أنهما يمسحان كما يمسح الرأس، ولا يغسلان كالوجه، وإضافتهما إلى الرأس إضافة تشبيه وتقريب لا إضافة تحقيق، وإنما هو في معنى دون معنى، كقوله: مولى القوم منهم، أي: في حكم النصرة والموالاة دون حكم النسب واستحقاق الإرث، ولو أوصى رجل لبني هاشم لم يعط مواليهم، ومولى اليهودي لا يؤخذ بالجزية، وفائدة الكلام ومعناه عندهم: إبانة الأذن عن الوجه في حكم الغسل، وقطع الشبهة فيهما، لما بينهما من الشبه في الصورة، وذلك أنهما وجدتا في أصل الخلقة بلا شعر، وجعلتا محلًا لحاسة من الحواس، ومعظم الحواس محله الوجه، فقيل: «الأذنان من الرأس» ليعلم أنهما ليستا من الوجه. 

والصواب: أنهما من الرأس. 

والقول بأنهما مستقلتان، أو أن ظاهرهما: ما ظهر فهو تبع الوجه، وما كان من جهة الرأس فمع الرأس فهو قول ضعيف، والصواب على هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم مسحهما بعد مسح الرأس؛ فهما تبع الرأس باطنهما وظاهرهما. 

والقول: بأن الباطن ما يلي الوجه تبع الوجه وما يلي الرأس تبع الرأس, هذا ضعيف, وكذلك القول بأنهما مستقلان, الصواب: أنهما من الرأس, سواء من قول أبي أمامة إذا كان من قول النبي r ما فيه إشكال. 

(.....) وأعلم أن حديث «الأذنان من الرأس» رواه ثمانية أنفس من الصحابة. 

فالحديث إذا كان ثابتًا عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا إشكال فيه، لكن شهر بن حوشب هذا فيه كلام، وإذا خالف الثقات فلا حجة فيما رواه. 

(المتن) 

باب الوضوء ثلاثًا ثلاثًا 

حدثنا مسدد قال: حدثنا أبو عوانة عن موسى بن أبي عائشة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: «إن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! كيف الطهور؟ فدعا بماء في إناء فغسل كفيه ثلاثًا، ثم غسل وجهه ثلاثًا، ثم غسل ذراعيه ثلاثًا، ثم مسح برأسه وأدخل أصبعيه السباحتين في أذنيه، ومسح بإبهاميه على ظاهر أذنيه وبالسباحتين باطن أذنيه، ثم غسل رجليه ثلاثًا ثلاثًا، ثم قال: هكذا الوضوء فمن زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم، أو ظلم وأساء». 

(الشرح) 

هذه الترجمة معقودة لبيان الوضوء ثلاثًا ثلاثًا، والوضوء ثلاثًا ثلاثًا هو أكثر الوضوء, وهو ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم, وأكمل ما ورد في الوضوء أن يتوضأ ثلاثًا ثلاثًا، بمعنى: أنه يغسل أعضاء الوضوء كل عضو ثلاثًا ثلاثًا، فيتمضمض ثلاثًا، ويستنشق ثلاثًا، ويغسل وجهه ثلاثًا، ويغسل يده اليمنى ثلاثًا، ويغسل يده اليسرى ثلاثًا، ويغسل رجله اليمنى ثلاثًا، ويغسل رجله اليسرى ثلاثًا، وأما الرأس فإنه لا يكرر يمسح مرة واحدة، هذا أكمل ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم. 

وثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه توضأ مرتين مرتين، أي: يغسل كل عضو مرتين، وثبت أنه توضأ مرة مرة، فكل عضو مرة، وثبت أنه توضأ مخالفًا فيغسل بعض الأعضاء مرة، وبعضها مرتين، وبعضها ثلاثًا، وهذا كله ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهناك أربع صور في الوضوء: ثلاثًا ثلاثًا، ومرتين مرتين، ومرة مرة، ومخالفة، فلا يزيد على ثلاث. 

وهذا الحديث فيه قوله: «فمن زاد على هذا أو نقص فقد أساء». 

وكلمة: «أو نقص» وهم من بعض الرواة، قيل: إنه وهم من أبي عوانة؛ لأن النقص من ثلاثٍ لا بأس به كما سبق، وإنما الممنوع الزيادة، كما ثبت في الأحاديث الصحيحة: من حديث عبد الله بن زيد، وحديث حمران مولى عثمان وغيرها أنه لا بأس بالوضوء مرتين مرتين ومرةً مرة. 

 (المتن) 

باب الوضوء مرتين 

حدثنا محمد بن العلاء قال: حدثنا زيد -يعني: ابن الحباب - قال: حدثنا عبد الرحمن بن ثوبان قال: حدثنا عبد الله بن الفضل الهاشمي عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرتين مرتين». 

(الشرح) 

وهذا ثابت في الصحيحين، بمعنى: أنه غسل كل عضو مرتين مرتين، والمراد بالمرة تعميم العضو بالماء، إذا عمم الغضو بالماء فإن هذا يعتبر مرة سواء كان بغرفة أو بغرفتين، إذ لا عبرة بالغرفات، العبرة بتعميم العضو، فإذا عمم وجهه بالماء من منابت شعر الرأس طولًا إلى ما انحدر من اللحيين والذقن، ومن الأذن إلى الأذن عرضًا إذا عممه الماء مره واحده، فهذه تعتبر مرة سواء كان بغرفة أو غرفتين, ولا عبرة بغرفة الأخرق الذي يكثر الغرفات ولا يعمم العضو, العبرة بتعميم العضو، وكذلك إذا عمم غسل يده من رءوس الأصابع حتى يشرع في العضد (.....)يتجاوز المرفق، فهذه تعتبر مرة واحدة. 

(المتن) 

حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا محمد بن بشر قال: حدثنا هشام بن سعد قال: حدثنا زيد عن عطاء بن يسار قال: قال لنا ابن عباس رضي الله عنهما: «أتحبون أن أريكم كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ؟ فدعا بإناء فيه ماء فاغترف غرفة بيده اليمنى، فتمضمض واستنشق، ثم أخذ أخرى فجمع بها يديه، ثم غسل وجهه، ثم أخذ أخرى فغسل بها يده اليمنى، ثم أخذ أخرى فغسل بها يده اليسرى، ثم قبض قبضة من الماء، ثم نفض يده، ثم مسح بها رأسه وأذنيه، ثم قبض قبضة أخرى من الماء فرش على رجله اليمنى وفيها النعل، ثم مسحها بيديه: يد فوق القدم ويد تحت النعل، ثم صنع باليسرى مثل ذلك». 

(الشرح) 

هذا الحديث فيه بعض الوهم، فقوله: «فأخذ غرفة فرش بها رجله» في رواية البخاري: «فرش بها رجله فغسلها». 

قوله: «وفيها النعل» يحتمل أنه توضأ وهو على طهارة، فيكون هذا وضوء من لم يحدث، ولهذا رش بها نعليه كما ثبت عن علي رضي الله عنه. 

وكذلك قوله: «ثم مسحها بيديه: يد فوق القدم ويد تحت النعل» هذا أيضًا قيل: إنه من أوهام هشام بن سعد؛ لأنه إن وضع يده تحت النعل لوث يده، فالمراد إذًا وضع يد فوق القدم ويد تحت القدم. 

والمقصود أن وضوء النبي صلى الله عليه وسلم ثابت في الأحاديث الصحيحة. 

قوله: « يد تحت النعل», غير مناسب؛ لأنه إذا جعل يده تحت النعل لوث يديه, «تحت النعل» (.....) , شاذه، وراويها هشام بن سعد لا يحتج بما انفرد به، فكيف إذا خالف؟! وأجاب الجمهور بأنه حديث ضعيف، ولو صح فهذا مخالف لسائر الروايات. 

المقصود: أن هذا وهم, والحافظ يقول: لعله أراد التجوز، ومقصوده تحت النعل، يعني: تحت القدم، لكن هذا فيه بعد. 

(المتن) 

باب الوضوء مرة مرة 

حدثنا مسدد قال: حدثنا يحيى عن سفيان قال: حدثني زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «ألا أخبركم بوضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فتوضأ مرة مرة». 

(الشرح) 

وهذا ثابت في الصحيح: «أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة»، وهذا أقل الواجب، فأقل الواجب أن يتوضأ مرة مرة، بمعنى: أنه يغسل كل عضو مرة يعممها بالماء. 

(المتن) 

باب في الفرق بين المضمضة والاستنشاق 

حدثنا حميد بن مسعدة قال: حدثنا معتمر قال: سمعت ليثًا يذكر عن طلحة عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: «دخلت -يعني: على النبي صلى الله عليه وسلم- وهو يتوضأ والماء يسيل من وجهه ولحيته على صدره، فرأيته يفصل بين المضمضة والاستنشاق». 

(الشرح) 

وهذا الحديث ضعيف، في سنده ليث بن أبي سليم وهو ضعيف متكلم فيه, وفيه أيضًا مصرف والد طلحة مجهول، وما دل عليه الحديث من الفصل بين المضمضة والاستنشاق ضعيف، المعروف في الأحاديث الصحيحة من حديث عبد الله بن زيد، وحديث حمران عدم الفصل بين المضمضة والاستنشاق، بل كان يأخذ غرفة واحدة من كف واحدة يتمضمض منه ويستنشق، ولا يفصل بينهما. 

العلة في سنده ضعيفان, ليث بن أبي سليم ومصرف والد طلحة. 

(المتن) 

باب في الاستنثار 

حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم لينثر». 

(الشرح) 

وهذا الحديث لا بأس بسنده، وفيه مشروعية الاستنثار، قيل: إنه للوجوب؛ لأن الأوامر أصلها للوجوب، ومعنى الاستنثار: هو أن يخرج الماء الذي في أنفه، والاستنشاق: أن يجذب الماء بأنفه ثم يستنثر بمعنى يخرجه للتنظيف، والمضمضة والاستنشاق فيهما خلاف في وجوبهما، فقيل: إنهما واجبتان في الوضوء والغسل. 

وقيل: واجبتان في الوضوء دون الغسل. 

وقيل: يجب الاستنشاق ولا يجب الوضوء، والصواب: وجوبهما؛ لهذا الحديث وغيره، والاستنثار واجب، يجب أن يستنشق ويستنثر. 

(المتن) 

حدثنا إبراهيم بن موسى قال: حدثنا وكيع قال: حدثنا ابن أبي ذئب عن قارظ عن أبي غطفان عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «استنثروا مرتين بالغتين أو ثلاثًا». 

(الشرح) 

فيه أبو غطفان ضعيف, فيه الأمر بالاستنثار مرتين وهذا ليس بواجب، وإنما الواجب مرة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة، فهذا فيه الأمر: «استنثروا مرتين بالغتين» من باب التنظيف، لكن الواجب مرة لا يجب مرتين, وهذا الحديث فيه أنه يجب مرتين وهذا فيه أبو غطفان وهو ضعيف. 

 أخرجه ابن ماجة, صحيح؛ إذ كيف يكون صحيحًا وفيه الأمر بالاستنثار مرتين، الواجب مرة. 

(المتن) 

حدثنا قتيبة بن سعيد في آخرين قالوا: حدثنا يحيى بن سليم عن إسماعيل بن كثير عن عاصم بن لقيط بن صبرة عن أبيه لقيط بن صبرة رضي الله عنه قال: «كنت وافد بني المنتفق أو في وفد بني المنتفق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم نصادفه في منزله، وصادفنا عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، قال: فأمرت لنا بخزيرة فصنعت لنا، قال: وأتينا بقناع - ولم يقل قتيبة القناع - والقناع: الطبق فيه تمر، ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هل أصبتم شيئًا أو أمر لكم بشيء؟ قال: قلنا: نعم يا رسول الله، قال: فبينا نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جلوس إذ دفع الراعي غنمه إلى المراح ومعه سخلة تيعر، فقال: ما ولدت يا فلان؟ قال: بهمة، قال: فاذبح لنا مكانها شاة، ثم قال: لا تحسِبن - ولم يقل لا تحسَبن - أنا من أجلك ذبحناها، لنا غنم مائة لا نريد أن تزيد، فإذا ولد الراعي بهمة ذبحنا مكانها شاة قال: قلت: يا رسول الله! إن لي امرأة وإن في لسانها شيئًا -يعني: البذاء-، قال: فطلقها إذًا، قال: قلت: يا رسول الله! إن لها صحبة ولي منها ولد، قال: فمرها - يقول عظها -، فإن يك فيها خير فستفعل، ولا تضرب ظعينتك كضربك أميتك. 

فقلت: يا رسول الله! أخبرني عن الوضوء؟ قال: أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا». 

(الشرح) 

وهذا الحديث رواه أحمد وأهل السنن ولا بأس بسنده، وهو حديث فيه فوائد وأحكام، والشاهد من الحديث قوله: «وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا» فيه دليل على مشروعية الاستنشاق ووجوبه. 

وفيه: أن الصائم لا يبالغ في الاستنشاق. 

وفيه دليل على أن الأنف منفذ بخلاف العين والأذن، فإذا قطر في العين الصائم أو الأذن فلا يفطر على الصحيح كما حقق ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره، ولو وجد طعمًا في حلقه؛ لأن العين والأذن ليستا منفذين، لكن إذا قضى من باب الاحتياط وخروجًا من الخلاف فحسن، وأما الأنف فإنه منفذ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا»، فدل على أن الأنف منفذ مثل الفم، فإذا استعط -أي: جعل السعوط في أنفه- ووصل إلى حلقه فإنه يفطر؛ لأن الأنف منفذ, وهذه من فوائد الحديث أن الأنف منفذ وأنه إذا تعمد إدخاله من الأنف فإنه يفطر إذا وصل إلى حلقه, وفيه وجوب الاستنشاق وهذا هو الشاهد من الحديث. 

والحديث فيه فوائد منها: مشروعية إكرام الضيف، وأن الضيف إذا جاء وليس رب الدار موجودًا فإن من في البيت من زوجة وخادم يقوم بواجب الضيافة؛ ولهذا قدمت عائشة رضي الله عنها لهم واجب الضيافة قبل أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم، قدمت لهم خزيرة، والخزيرة بالخاء العصيدة فيها قطعة من اللحم، فإن لم يكن فيها لحم تسمى حزيرة بالحاء, خزيرة الخاء عصيدة فيها قطع اللحم, وهذا هو الموجود في زمنهم, الجودة من الموجود, والحزيرة بالحاء عصيدة ليس فيها لحم. 

وفيه: عدم التكلف للضيف؛ حتى لا يكون ذلك سببًا في نفرة الضيف، ولهذا فإنهم قدموا ما تيسر وذبحوا الداجن وقالوا: لا تسحبن أنا ذبحنانها من أجلكم, بل عندما مائة لا نحب أن تزيد، فإذا ولد الراعي واحدة ذبحنا مكانها فلا تتكلف، فإذا لم يتكلف للضيف صار هذا سببًا في مجيء الضيوف، وأما إذا تكلف صار هذا سببًا في بعد الضيوف وعدم مجيئهم؛ خوفًا من التكلف. 

وفيه أنه قال: «إن لي امرأة بذيئة اللسان، قال: طلقها إذًا، قال: ولي منها ولد، فأمره أن يعظها»، وهذا ينظر فيه الإنسان في المصلحة، إن كانت الزوجة بذيئة اللسان وليس له منها ولد ورأى المصلحة في تطليقها طلقها، وإن كان له ولد فإنه ينظر ويتأمل ويعظها ولا يعجل. 

قال: «فلم نصادفه» فيه دليل على جواز قول الإنسان لأخيه: لقيت فلانًا صدفة؛ هذه يسأل عنها بعض الناس يقول ماحكم قول لقيت فلانا صدفة لا بأس صدفة بالنسبة لي ولك، وأما بالنسبة لله عز وجل فلا يقال هذا، فالله تعالى علم الأشياء وكتبها في اللوح المحفوظ، فمن قال -بالنسبة لله-: إنه صدفة معناه هذا كفر وردة؛ لأنه نسب الله للجهل وأنكر القدر، لكن قوله: لقيت فلانًا صدفة يعني بالنسبة لي أنا وهو، فهي صدفة، يعني: من غير ميعاد، ولهذا قال: فلم نصادفه، وصادفنا عائشة. 

قال: «فأمرت لنا بخزيرة فصنعت لنا» فيه عناية النبي صلى الله عليه وسلم بالضيف، وكرم عائشة رضي الله عنها، ونبل أخلاقها. 

قال: «وأوتينا بقناع قال: -ولم يقل قتيبة القناع- والقناع: الطبق فيه تمر ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم». 

يعني: قدمت لهم خزيرة عصيدة، وقدمت لهم طبقًا من تمر هذا الموجود عندها، ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم وسأل أيضًا - من عنايته بالضيف- هل أمر لكم بشيء؟ فقالوا: نعم، يعني: هل أمر لكم بحق الضيافة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل أصبتم شيئًا أو أمر لكم بشيء؟ قال: قلنا: نعم يا رسول الله! قال: فبينا نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جلوس إذ دفع الراعي غنمه إلى المراح ومعه سخلة تيعر». 

تيعر أي: تصيح، وصوت الغنم يقال له: تيعر، والبقر يقال له: خوار، والإبل له: رغاء، كما في حديث الغلول من الغنيمة: «لا ألفين أحدكم يأتي يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر» تصيح. 

«فقال: ما ولدت يا فلان؟! قال: بهمة، قال: فاذبح لنا مكانها شاة، ثم قال: لا تحسِبن - ولم يقل لا تحسَبن - أنا من أجلك ذبحناها». 

قوله: «لا تحسبن» بكسر السين كأنها لغة، قال النووي في شرحه: مراد الراوي أنه صلى الله عليه وسلم نطق هاهنا مكسورة السين ولم ينطق بها بفتحها، فلا يظن الظان أني رويتها بالمعنى على اللغة الأخرى، أو شككت فيها، أو غلطت أو نحو ذلك، بل أنا متيقن بنطقه صلى الله عليه وسلم بالكسر وعدم نطقه بالفتح. 

وهي بالكسر لغة من اللغات، وقد تكلم بها النبي صلى الله عليه وسلم كما تكلم ببعض لغات أهل اليمن: ليس من البر الصيام في السفر، قال: ليس أمبر امصيام امسفر. 

قال: «قال: لا تحسبن - ولم يقل: لا تحسبن - أنا من أجلك ذبحناها، لنا غنم مائة لا نريد أن تزيد، فإذا ولد الراعي بهمة ذبحنا مكانها شاة، قال: قلت: يا رسول الله! إن لي امرأة وإن في لسانها شيئًا يعني: البذاء، قال: فطلقها إذًا، قال: قلت: يا رسول الله! إن لها صحبة ولي منها ولد، قال: فمرها - يقول: عظها -، فإن يك فيها خير فستفعل، ولا تضرب ظعينتك كضربك أميتك». 

«ظعينتك» يعني: زوجتك، وأصل الظعينة المرأة تكون في الهودج على البعير، يقال لها ظعينة اسم يطلق على الهودج اسم سطلق على المرأة التي في الهودج يقال لها ضعينة، ثم أطلق على المرأة. 

 «لا تضرب ظعينتك كضربك أميتك» أميتك: تصغير أمة، يعني: لا تضرب الزوجة مثل ضرب الأمة وضرب الخادم، الأمة التي تباع وتشترى، الأمة والخادم تضرب وتتأدب، وأما الزوجة فلا، فإن الضرب قد يؤذيها، وقد يسيء العشرة، ولكن المرأة كما قال الله عز وجل، فأولًا: يعظها إذا خاف النشوز، ثم يهجرها في المضجع، ثم يضربها ضربًا غير مبرح، فآخر الطب الكي، والضرب آخر شيء، قال تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء/34]، ولكن الضرب يكون ضرب تأديب، لا يكسر عظمًا، ولا يجرح جسدًا، بل يكون كضرب الصبي الصغير الذي لم يبلغ، «مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر» أضرب تأديب. 

«لا تضرب ظعينتك كضربك أميتك», أي لا تضرب زوجتك كضرب الخادم, أمية تصغير أمة, الخادمة تؤدب, أما الزوجة فينبغي العناية بها وملاحظ لايبدأ بالضرب أولا الضرب آخر شئ, آخر الطب الكي, ويكون ضرب غير مبرح. 

 «فقلت: يا رسول الله! أخبرني عن الوضوء، قال: أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا». 

فيه: إسباغ الوضوء، وهو إكماله وإبلاغه. 

وفيه: مشروعية التخليل بين الأصابع؛ لأنه قد ينبو عنها الماء. 

(.....) بل هو محمول على أنه كان أكثر من ضيف، أو أن عند عائشة خدم في البيت فلا تكون الخلوة. 

والمراد بالخادم التي تباع وتشترى, الخدم كان سباقًا من الجهاد, يقاتلون الأعداء ويجاهدون ويصير هناك رق بسبب الجهاد, أما هذه المستأجرة, يقال: خادم أفصح من خادمة للذكر والأنثى خادم أفصح من خادمة, وكذلك الزوج أفصح من الزوجة. 

(المتن) 

حدثنا عقبة بن مكرم حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا ابن جريج حدثني إسماعيل بن كثير عن عاصم بن لقيط بن صبرة عن أبيه رضي الله عنه وافد بني المنتفق: «أنه أتى عائشة فذكر معناه، قال: فلم ينشب أن جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يتقلع أو يتكفأ، وقال: عصيدة مكان خزيرة». 

(الشرح) 

قوله: «يتقلع أو يتكفأ» يعني: يمشي مشيًا قويًا كأنما ينحط من صبب، لا يمشي مشيًا متثاقلًا متماوتًا. 

(المتن) 

حدثنا محمد بن يحيى بن فارس قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا ابن جريج بهذا الحديث قال فيه: «إذا توضأت فمضمض». 

(الشرح) 

قوله: «فمضمض» هذا أمر استدل به على وجوب المضمضة. 

  

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد