بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم عَلَى نَبِيّنَا محمد وَعَلَى آله وصحبه أجمعين.
(المتن)
قَالَ الإمام أبو داود رحمه الله تعالى:
باب: تخليل اللحية
حدثنا أبو توبة -يعني: ربيعة بن نافع - حدثنا أبو المليح عن الوليد بن زوران عن أنس بن مالك رضي الله عنه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ أخذ كفًا من ماء فأدخله تحت حنكه، فخلل به لحيته وقال: هكذا أمرني ربي عز وجل».
قال أبو داود: والوليد بن زوران روى عنه حجاج بن حجاح وأبو المليح الرقي.
(الشرح)
هذا الباب عقده المصنف رحمه الله لبيان حكم تخليل اللحية، والمراد تخليل اللحية الكثيفة التي تستر البشرة، وأما اللحية الخفيفة التي لا تستر البشرة فيجب إيصال الماء إلى البشرة، وغسل الشعر الخفيف، أما اللحية الكثيفة التي تستر البشرة فهذا هو محل البحث فيها.
وفي هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ كفًا من ماء فيخلل لحيته، لكن الحديث فيه الوليد بن زوران هذا، وقد تكلم فيه ابن حزم وقال: إنه مجهول، وكذلك ابن القطان، وابن القيم رحمه الله فيقول: الجهالة مرتفعة عنه؛ لأنه روى عنه من هو معروف، فتزول به الجهالة، وبكل حال فالأحاديث في تخليل اللحية في مجموعها تدل على سنية التخليل.
وقد اختلف العلماء في وجوب تخليل اللحية أو سنيتها، وهل يجب تخليلها في الغسل دون الوضوء أم لا؟ والأقرب: أنه سنة مستحبة في الوضوء، وأما في الغسل فإنه يجب إيصال الماء إلى البشرة، ولهذا جاء: «أَنْقِ البشرة»، وجاء في حديث وإن كان فيه ضعف: «تحت كل شعرة جنابة»، فيجب إيصال الماء في الجنابة إلى أصول شعر الرأس وشعر اللحية.
أما الوضوء فإنه يجب غسل ظاهر الوجه وظاهر الشعر, والتخليل مستحب سنة, هذا إذا كانت اللحية تستر البشرة, أما إذا كانت اللحية ضعيفة خفيفة لا تستر البشرة فإنه يجب غسل الشعر وإيصال الماء إلى البشرة.
قال شمس الدين بن القيم: قال أبو محمد بن حزم: لا يصح حديث أنس هذا؛ لأنه من طريق الوليد بن زوران وهو مجهول، وكذلك أعله ابن القطان بأن الوليد هذا مجهول الحال، وفي هذا التعليل نظر، فإن الوليد هذا روى عنه جعفر بن برقان وحجاج بن منهال وأبو المليح الحسن بن عمر الرقي وغيرهم.
يعني: روى عنه ثلاثة فارتفعت عنه الجهالة.
«ولم يعلم فيه جرح، وقد روى محمد بن يحيى الذهلي في كتاب علل حديث الزهري فقال: حدثنا محمد بن عبد الله بن خالد الصفار من أصله وكان صدوقًا، حدثنا محمد بن حرب حدثنا الزبيدي عن الزهري عن أنس بن مالك رضي الله عنه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فأدخل أصابعه تحت لحيته، فخللها بأصابعه، ثم قال: هكذا أمرني ربي عز وجل»، وهذا إسناد صحيح.
وفي الباب حديث عثمان: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخلل لحيته» رواه الترمذي وابن ماجة، وقال الترمذي: حسن صحيح».
المقصود أن أحاديث التخليل في مجموعها تدل على الاستحباب، (.....), يعني كأنه يرى ما يراه ابن القيم رحمه الله في ارتفاع الجهالة عن أبي الوليد.
الشيخ: (.....).
وقال الخطابي: وأوجب بعض العلماء تخليل اللحية وقال: إذا تركه عامدًا أعاد الصلاة، وهو قول إسحاق بن راهويه وأبي ثور، وذهب عامة العلماء إلى أن الأمر به استحباب وليس بإيجاب، ويشبه أن يكون المأمور بتخليله من اللحى على سبيل الوجوب ما رق من الشعر منها فتراءى ما تحتها من البشرة.
يعني: الشعر الخفيف الذي لا يستر البشرة يجب إيصال الماء إلى البشرة، أما غيره فالصواب أنه مستحب وليس بواجب في الوضوء.
الطلب: (.....).
يعني الجمهور على أنه مستحب, وبعضهم أوجبه, بعض العلماء أوجب التخليل, والجمهور على أنه مستحب, والصواب أنه مستحب في الوضوء.
(المتن)
باب المسح على العمامة
حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل حدثنا يحيى بن سعيد عن ثور عن راشد بن سعد عن ثوبان رضي الله عنه قال: «بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فأصابهم البرد، فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساخين».
(الشرح)
المراد بالعصائب: العمائم، والتساخين: الخفاف.
أما المسح على الخفين فالأحاديث فيه متواترة، وقد أنكرها الرافضة مع أنها متواترة، والعلماء ذكروا مسح الخفين في كتب العقائد فقالوا: ونرى المسح على الخفين, وأرادوا من ذلك الرد على الرافضة الذين أنكروا هذه السنة مع تواترها.
وفي الحديث مشروعية المسح على العمائم والخفين بشرط أن تكون العمامة محنكة، وهي التي يدار منها لفة أو لفتين تحت الحنك؛ لأنه يشق نزعها، ولهذا يقول الحنابلة: له المسح على العمامة إذا كانت محنكة أو ذات ذؤابة، يعني: كلها أطراف من الخلف، وهذا فيه نظر؛ لأن الذؤابة لا يشق نزعها، لكن العمامة المحنكة إذا كانت مدارة على الحنك فهذه يشق نزعها، فيشرع للإنسان إذا لبسها على طهارة أن يمسح عليها يومًا وليلة، فإن ظهر شيء من الرأس مسحه مع العمامة كما جاء في حديث المغيرة «أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على ناصيته وعلى العمامة».
وكذلك خمار المرأة إذا كان مدارًا تحت حلقها فلها أن تمسح عليه.
قال الترمذي في جامعه: وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم: أبو بكر وعمر وأنس، وبه يقول الأوزاعي وأحمد وإسحاق، قالوا: يمسح على العمامة.
قال: وسمعت الجارود بن معاذ يقول: سمعت وكيع بن الجراح يقول: إن مسح على العمامة يجزئه للأثر انتهى. تفرد به أبو داود.
الشيخ: (.....).
(المتن)
حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب حدثني معاوية بن صالح عن عبد العزيز بن مسلم عن أبي معقل عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وعليه عمامة قطرية، فأدخل يده من تحت العمامة فمسح مقدم رأسه ولم ينقض العمامة».
(الشرح)
هذا الحديث ضعيف؛ لأن أبا معقل هذا ضعيف، فلا حجة فيما دل عليه من عدم مسح العمامة، ولو صح فهو محمول على أنه لم يمسح على العمامة هنا، وإنما مسح على رأسه، ولكن لا يدل على عدم المسح على العمامة؛ لأن النصوص الأخرى دلت على مشروعية المسح على العمامة.
قوله: «قطرية» يعني: نسبة إلى قطر، فبالنسبة يقال: قطري، والعمامة يقال قطرية، وثوب قطري بكسر القاف.
وفي إحدى النسخ أنه قال في المتن: «فمسح مقدم رأسه لم ينقض العمامة» وفي البعض الآخر بدون: «مقدم رأسه».
الشيخ: (.....).
(المتن)
باب غسل الرجل
حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن عمرو عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن المستورد بن شداد رضي الله عنه قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ يدلك أصابع رجليه بخنصره».
(الشرح)
هذا الحديث ضعيف أيضًا؛ لأن فيه ابن لهيعة، وابن لهيعة احترقت كتبه فساء حفظه فسقط حديثه، (.....) لكن الحديث له شواهد من غيره, له طرق تشهد له من غيره.
وفيه: مشروعية غسل الرجل وتخليل أصابع الرجلين؛ لأنه قد ينبو عنها الماء فلا يصل إليها فينبغي للإنسان (.....)، فالحديث ثابت من غير طريق ابن لهيعة.
(المتن)
باب المسح على الخفين
حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب حدثني عباد بن زياد أن عروة بن المغيرة بن شعبة أخبره أنه سمع المغيرة رضي الله عنه يقول: «عدل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه في غزوة تبوك قبل الفجر فعدلت معه، فأناخ النبي صلى الله عليه وسلم فتبرز، ثم جاء فسكبت على يده من الإداوة فغسل كفيه، ثم غسل وجهه، ثم حسر عن ذراعيه فضاق كُمَّا جبته فأدخل يديه فأخرجهما من تحت الجبة، فغسلهما إلى المرفق، ومسح برأسه، ثم توضأ على خفيه ثم ركب».
(الشرح)
يعني: توضأ وعليه خفان ولم يخلعهما، قال صاحب عون المعبود: أي: مسح على خفيه كما في عامة الروايات.
(المتن)
«فأقبلنا نسير حتى نجد الناس في الصلاة قد قدموا عبد الرحمن بن عوف، فصلى بهم حين كان وقت الصلاة، ووجدنا عبد الرحمن وقد ركع بهم ركعة من صلاة الفجر، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصف مع المسلمين فصلى وراء عبد الرحمن بن عوف الركعة الثانية، ثم سلم عبد الرحمن، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاته، ففزع المسلمون فأكثروا التسبيح؛ لأنهم سبقوا النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة، فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم: قد أصبتم أو قد أحسنتم».
(الشرح)
هذا الحديث رواه الشيخان: البخاري ومسلم رحمهما الله، والترمذي والنسائي.
وفيه: أنه مسح على خفيه، ولم يقل: توضأ على خفيه، وليس فيه أنه سبح الناس.
والحديث فيه فوائد كثيرة أهمها: مشروعية المسح على الخفين، وأن المسح على الخفين سنة مشروع، وفيه: الرد على الرافضة الذين يمنعون المسح على الخفين، فإن الرافضة لا يرون المسح على الخفين، بل يجب عندهم خلع الخفين ومسح ظهور القدمين، وإذا كانت الرجلان مكشوفتين فإنه يمسح ظاهر القدمين كما يمسح الرأس، فيبل يده ويمسح القدمين، وهذا من أبطل الباطل؛ لأن الأحاديث متواترة، فإن الصحابة الذين رووا وضوء النبي صلى الله عليه وسلم وغسله ومسحه أكثر عددًا من الذين نقلوا نص الآية وهي آية المائدة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة/6].
فالأحاديث متواترة.
قال الإمام أحمد فيها: رواها عن النبي صلى الله عليه وسلم سبعون صحابيًا.
ومع ذلك أنكرت الرافضة هذه السنة المتواترة، ولهذا يذكرها العلماء في كتب العقائد، فيقولون: ونرى المسح على الخفين، ويقصدون من هذا الرد على الرافضة, وإلا المسح على الخفين مسألة فرعية تذكر في كتب الفروع، لكن يذكرها العلماء في كتب العقائد من أجل الرد على الرافضة الذين صارت لهم عقيدة، فهم يعتقدون أنه لا يجوز المسح على الخفين، وأنه يجب خلعهما ومسح ظهور القدمين، يعني: يجب مسح ظهور القدمين على كل حال، فإن كانت الرجلان مكشوفتين مسحوا ظهور القدمين، وإن كانت الرجلان فيهما خفان وجب خلع الخفين ومسح ظهور القدمين، هكذا عند الرافضة، والرافضة معروف انهم فرقة ضالة، نسأل الله السلامة والعافية.
والحديث أيضا فيه فوائد، من الفوائد أن النبي صلى الله عليه وسلم بشر ليس ربًا ولا إلهًا، فيصيبه ما يصيب البشر، ويأكل ويشرب، ويبول ويتغوط، ولهذا ذهب النبي صلى الله عليه وسلم لحاجته يتبرز، وليس نورًا كما يقول بعض الناس، بل هو لحم ودم، مخلوق من ذكر وأنثى، من أبيه عبد الله، وأمه آمنة بنت وهب، خلافًا للغلاة الذين غالوا فيه وعبدوه وجعلوه إلهًا، حتى قال بعضهم: إنه خلق من نور! بل هو بشر يأكل ويشرب وينام ويبول ويتغوط, ولهذا ذهب يتبرز, فلما قضى حاجته جاءه وصب عليه وتوضأ, وفيه جواز الإعانة في الوضوء، فلا بأس أن يعينك أحد في الوضوء فيصب عليك وأنت تتوضأ، وانت تغسل وجهك او تغسل رجليك فلا بأس.
والإعانة في الوضوء على ثلاثة أحوال:
الحالة الأولى: أنت تأتي بنفسك بالماء وتتوضأ.
الحالة الثانية: أن يأتي غيرك ويصب عليك الماء، وهذا لا بأس به.
الحالة الثالثة: أن يأتي غيرك فيغسل الأعضاء وأنت تنوي، وهذا سائغ في حالة ما إذا كان الإنسان مريضًا، فلا بأس بأن ينوي هو ويأتي إنسان صحيح ويغسل وجهه إلخ، فالنية من المريض، والغسل من الصحيح، فيغسل يده ووجهه ورجليه.
وفي الحديث من الفوائد أن الإمام إذا تأخر فليقدم الناس واحد يصلي بهم ولا يعطلون ، ولهذا لما تأخر النبي صلى الله عليه وسلم هو والمغيرة لقضاء حاجته؛ انتظرت الصحابة فلما تأخر قدم عبد الرحمن بن عوف، فصلى بهم صلاة الفجر، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم والمغيرة وقد صلى عبد الرحمن ركعة، فصف هو والمغيرة خلف عبد الرحمن بن عوف ولم ينكر عليهم.
وفيه أن الإمام إذا تأخر لا ينبغي أن ينكر على الناس أو أن يشدد على الناس, لا يجمع بين أمرين: كونه يتأخر يحبس الناس ثم يتكلم, بعض الأئمة إذا جاء تكلم قال: لماذا لا تصلون, أو أعيدوا صلاتكم, وهذا خطأ, فالنبي صلى الله عليه وسلم لما رجع قال: أحسنتم أو أصبتم, ولم يصل النبي صلى الله عليه وسلم خلف أحد من أمته إلا عبد الرحمن بن عوف, وأبو بكر كذلك في القصة الأخرى لما تأخر النبي صلى الله عليه وسلم ذهب يصلح بين بني عوف، فجاء بلال إلى أبي بكر ليصلي بالناس وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم حبس، أي: تأخر في بني عوف، فقال: نعم إن شئت.
فأقام وتقدم أبو بكر، ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يشق الصفوف، فتأخر أبو بكر وتقدم النبي صلى الله عليه وسلم، وفي قصة عبد الرحمن لم يتقدم؛ لأن أبا بكر لم يصل ركعة، وعبد الرحمن صلى ركعة، فيدل ذلك على أن الإمام بالخيار، فإذا جاء ونائبه يصلي عنه إن شاء تقدم ذهب إلى المحراب وتأخر النائب, وإن شاء صلى مع الناس.
لكن الأولى إذا كان الإمام في أول صلاته يتقدم، وإن فاته شيء من الصلاة فالأولى ألا يتقدم؛ حتى لا يشوش على الناس، وإن تقدم فلا حرج، وحينئذٍ يصلي بهم، ثم ينتظرونه حتى يأتي بالركعة التي فاتته، ثم يسلم بهم.
وفيه -أيضًا- من الفوائد أن الاثنين إذا جاءا فصليا مع الإمام وقد فاتهما شيء من الصلاة فإن كل واحد منهما يقضي لنفسه ولا يقتدي بالآخر، ولهذا قام النبي صلى الله عليه وسلم يقضي الركعة التي فاتته هو والمغيرة، ولم يقتد المغيرة بالنبي عليه الصلاة والسلام كل يقتدي بنفسه، وإن اقتدى به فلا حرج، لكن الأولى ألا يقتدي.
وفيه -أيضًا- من الفوائد جواز لبس الضيق من الثياب كالضيقة الكمين، ولهذا لما أراد أن يغسل يديه ضاق عليه كم الجبة، فأخذها من تحتها، فدل على أنه لا بأس بأن يلبس الضيق، وفيه دليل على جواز لبس الثياب التي أتت من الكفار؛ لأن الشام في ذلك الوقت من الكفار, هذه جبة شامية من بلاد الروم، فلا بأس أن يلبس الإنسان الثياب التي جاءت من الكفار، فالأصل فيها الحل والطهارة.
وفيه دليل على اشتراط الطهارة في لبس الخفين؛ جاء في اللفظ الآخر أنه لما قام المغيرة: قال «فأهويت لأنزع الخفين، فقال: دعهما؛ فإني أدخلتهما طاهرتين، ثم مسح عليهما» ففيه دليل على اشتراط الطهارة للمسح على الخفين، وأنه لابد من الطهارة، فإن لبسهما على غير طهارة فلابد من نزعهما.
الطالب: عبد الرحمن بن عوف قدموه على أبي بكر؟
الشيخ: قدموه الصحابة وهو من العشرة المبشرين بالجنة من السابقين الأولين, يحتمل أن أبو بكر مع النبي أو يحتمل أنه في مكان آخر, كأن الصحابة توزعوا, ما في ذكر لأبي بكر هنا, (.....)، الغزو والجيش كبير يحتمل أن أبو بكر وعمر في مكان آخر, ما في ذكر لهما.
(المتن)
حدثنا مسدد حدثنا يحيى -يعني ابن سعيد -، ح: وحدثنا مسدد حدثنا المعتمر عن التيمي حدثنا بكر عن الحسن عن ابن المغيرة بن شعبة عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ، ومسح على ناصيته، وذكر فوق العمامة».
قال عن المعتمر: سمعت أبي يحدث عن بكر بن عبد الله عن الحسن عن ابن المغيرة بن شعبة عن المغيرة «أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يمسح على الخفين، وعلى ناصيته، وعلى عمامته»، قال بكر: وقد سمعته من ابن المغيرة.
(الشرح)
هذا الحديث أخرجه مسلم والترمذي والنسائي، وفيه مشروعية المسح على الخفين، ومشروعية المسح على العمامة، وأنه إذا كانت العمامة غير ساترة للرأس فيمسح على الناصية وعلى العمامة، وإن كانت ساترة للرأس فيكتفى بالمسح على العمامة، وإن بدا شيء من الرأس مسحه مع العمامة.
(المتن)
حدثنا مسدد حدثنا عيسى بن يونس حدثني أبي عن الشعبي قال: سمعت عروة بن المغيرة بن شعبة يذكر عن أبيه رضي الله عنه قال: «كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ركبه.
الشيخ: يعني ركب النبي، تكلم عليه؟
الطالب: (.....).
في ركبه ومعي إداوة فخرج لحاجته، ثم أقبل فتلقيته بالإداوة، فأفرغت عليه، فغسل كفيه ووجهه، ثم أراد أن يخرج ذراعيه وعليه جبة من صوف من جباب الروم ضيقة الكمين فضاقت، فادرعهما ادراعًا، ثم أهويت إلى الخفين لأنزعهما، فقال لي: دع الخفين؛ فإني أدخلت القدمين الخفين وهما طاهرتان، فمسح عليهما». قال أبي: قال الشعبي: شهد لي عروة عن أبيه، وشهد أبوه على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(الشرح)
هذا الحديث فيه اشتراط الطهارة, قال: « فقال لي: دع الخفين؛ فإني أدخلت القدمين الخفين وهما طاهرتان», وفيه جواز لبس الصوف وأنه لا بأس به, لبس الصوف أو القطن أو الكتان، وأن جميع أنواع اللباس جائز، إلا الحرير والمغصوب والنجس في وقت الصلاة، وما عدا ذلك فهو حلال اللبس، سواء أكان من الصوف، أو من القطن أو من غيرهما.
(المتن)
حدثنا هدبة بن خالد حدثنا همام عن قتادة عن الحسن وعن زرارة بن أوفى أن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: «تخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم» فذكر هذه القصة، قال: «فأتينا الناس وعبد الرحمن بن عوف يصلي بهم الصبح، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يتأخر، فأومأ إليه أن يمضي، قال: فصليت أنا والنبي صلى الله عليه وسلم خلفه ركعة، فلما سلم قام النبي صلى الله عليه وسلم فصلى الركعة التي سبق بها، ولم يزد عليها شيئًا».
قال أبو داود: أبو سعيد الخدري وابن الزبير وابن عمر يقولون: من أدرك الفرد من الصلاة عليه سجدتا السهو.
(الشرح)
وهذا ضعيف يقول: من أدرك ركعة هذا قول لبعض أهل العلم؛ أنه إذا أدرك ركعة فإنه يأتي بما بقي من صلاته ثم يسجد سجدتين للسهو, قالوا: لما فيه من المخالفة للإمام وهذا قول مرجوح, والصواب: أنه لا يسجد سجدتين للسهو, إلا إذا حصل عليه سهو, أما مجرد إدراك الركعة ما يوجب سجود السهو.
حدثنا هدبة بن خالد حدثنا همام عن قتادة عن الحسن وعن زرارة بن أوفى أن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: «تخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم» فذكر هذه القصة، قال: «فأتينا الناس وعبد الرحمن بن عوف يصلي بهم الصبح، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يتأخر، فأومأ إليه أن يمضي، قال: فصليت أنا والنبي صلى الله عليه وسلم خلفه ركعة، فلما سلم قام النبي صلى الله عليه وسلم فصلى الركعة التي سبق بها، ولم يزد عليها شيئًا».
قال أبو داود: أبو سعيد الخدري وابن الزبير وابن عمر رضي الله عنهم يقولون: من أدرك الفرد من الصلاة عليه سجدتا السهو.
أي أن من أدرك وترًا من صلاة إمامه فعليه أن يسجد للسهو؛ لأنه يجلس للتشهد مع الإمام في غير موضع الجلوس، وبه قال جماعة من أهل العلم، منهم: عطاء وطاوس ومجاهد وإسحاق، ويجاب عن ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم جلس خلف عبد الرحمن ولم يسجد، ولا أمر به المغيرة، وأيضًا: ليس السجود إلا للسهو، ولا سهو هاهنا، وأيضا متابعة الإمام واجبة، فلا يسجد لفعلها كسائر الواجبات والله أعلم، وهذا إن صح عن الصحابة فهو اجتهاد منهم رضي الله عنهم, قالوا: إنه إذا أدرك ركعة أتى بأفعال زائدة وأنه جلس للتشهد وليس محل التشهد إلا من أجل متابعة الإمام فيسجد سجدتين, وهذا اجتهاد, والصواب: أنه لا يسجد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى خلف عبد الرحمن بن عوف جلس للتشهد متابعةً للإمام ومع ذلك لم ينقل عنه أنه سجد سجدتين للسهو.
(المتن)
حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا شعبة عن أبي بكر -يعني ابن حفص بن عمر بن سعد - سمع أبا عبد الله عن أبي عبد الرحمن أنه شهد عبد الرحمن بن عوف يسأل بلالًا عن وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «كان يخرج يقضي حاجته فآتيه بالماء فيتوضأ ويمسح على عمامته وموقيه».
قال أبو داود: هو أبو عبد الله مولى بني تميم بن مرة.
(الشرح)
الموق هو الخف أو الجورب، وفي الحديث مشروعية المسح على الخفين، وعلى الجوربين، وعلى العمامة.
(المتن)
حدثنا علي بن الحسين الدرهمي حدثنا ابن داود عن بكير بن عامر عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير: «أن جريرًا رضي الله عنه بال، ثم توضأ فمسح على الخفين، وقال: ما يمنعني أن أمسح وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح، قالوا: إنما كان ذلك قبل نزول المائدة، قال: ما أسلمت إلا بعد نزول المائدة».
(الشرح)
وهذا فيه مشروعية المسح على الخفين وأنه غير منسوخ, وهذا الحديث حديث جرير بن عبد الله يعجب العلماء؛ لأنه لم يسلم إلا بعد أن نزول المائدة, ففيه الرد على من يقول: إن المسح على الخفين منسوخ بآية المائدة، وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة/6].
قال بعضهم: إن المسح على الخفين منسوخ بآية المائدة, وهذا حديث جرير بن عبد الله البجلي رأى النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين وهو لم يسلم إلا بعد نزول آية المائدة, ولهذا كان يعجبهم هذا الحديث, لما فيه من الرد على من يقول: إن المسح على الخفين منسوخ بآية الوضوء.
ولما قيل لـ جرير بن عبد الله: إنه منسوخ بآية المائدة, قال: وهل أسلمت إلا بعد المائدة!.
قال المنذري: وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة من حديث همام بن الحارث النخعي عن جرير، -وهو ابن عبد الله البجلي - رضي الله عنه.
وعلي بن الحسين الدرهمي.
الشيخ: تكلم عليه.
بكير بن عامر قال في التقريب: إنه ضعيف, لكن الحديث ثابت في الصحيحين.
وعلى بن الحسين الدرهمي هو علي بن الحسين بن مطر الدرهمي نسبة إلى درهم، وهو البصري، قال الحافظ: قال أبو حاتم: صدوق، وقال النسائي: ثقة، وقال في موضع آخر: لا بأس به، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال مسلمة بن قاسم: ثقة، مات سنة ثلاث وخمسين ومائتين.
الشيخ: (.....).
(المتن)
حدثنا مسدد وأحمد بن أبي شعيب الحراني قالا: حدثنا وكيع حدثنا دلهم بن صالح عن حجير بن عبد الله عن ابن بريدة عن أبيه رضي الله عنه: «أن النجاشي أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خفين أسودين ساذجين، فلبسهما ثم توضأ ومسح عليهما».
قال مسدد: عن دلهم بن صالح، قال أبو داود: هذا مما تفرد به أهل البصرة.
(الشرح)
قوله: «ساذجين» أي: ليس فيهما نقوش.
ودلهم بن صالح قال عنه في التقريب: ضعيف، وحجير قال عنه: مقبول, وعلى كل فالحديث ضعيف، لكن المسح على الخفين ثابت بالأحاديث المتواترة.
(المتن)
حدثنا أحمد بن يونس حدثنا ابن حي هو الحسن بن صالح عن بكير بن عامر البجلي عن عبد الرحمن بن أبي نعم عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين، فقلت: يا رسول الله! أنسيت؟ قال: بل أنت نسيت، بهذا أمرني ربي عز وجل».
(الشرح)
عبد الرحمن بن أبي نعم -بسكون المهملة- البجلي هو أبو الحكم الكوفي، ذكره ابن حبان في الثقات وقال: كان من عباد الكوفة ممن يصبر على الجوع الدائم, أخذه الحجاج ليقتله وأدخله بيتًا مظلم وسد الباب خمسة عشر يومًا ثم أمر بالباب ففتح ليخرج فيقتل, فدخلوا عليه فإذا هو قائم يصلي, فقال له الحجاج: صر حيث شئت, وثقه ابن سعد والنسائي، وقال ابن أبي حيثمة عن ابن معين: ضعيف. وبكير تقدم أنه ضعيف.
فالحديث ضعيف، ولكن المسح ثابت بأحاديث متواترة.
(المتن)
باب: التوقيت في المسح
حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن الحكم وحماد عن إبراهيم عن أبي عبد الله الجدلي عن خزيمة بن ثابت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المسح على الخفين للمسافر ثلاثة أيام، وللمقيم يوم وليلة».
(الشرح)
عقد المؤلف رحمه الله هذا الباب لبيان هذا الحكم، وهذا الحديث فيه التوقيت في المسح، وأنه للمسافر ثلاثة أيام بلياليها، وللمقيم يوم وليلة، وهذا الحديث ضعيف تكلم فيه ابن حزم في سنده، ورد عليه العلامة ابن القيم رحمه الله وقال: سنده لا بأس به، وكلام ابن حزم في عبد الله الجدلي لا وجه له، ثم إن التوقيت قد ثبت في صحيح مسلم من حديث علي رضي الله عنه، وفيه أن المسافر يمسح ثلاثة أيام بلياليها، والمقيم يومًا وليلة، وأحاديث المسح على الخفين من الأحاديث المتواترة ولكن هذا ولكن هذا بالتوقيت, وعلى هذا أكثر العلماء على التوقيت, وذهب الإمام مالك رحمه الله وجماعة إلى أنه لا توقيت، وأن من لبس الخفين فإنه يمسح متى شاء حتى يخلع خفيه، وهذا قول مرجوح ضعيف، والقائلون به محجوجون بالأحاديث الصحيحة، فالصواب ما عليه جمهور العلماء، وهو ما دلت عليه الأحاديث من التوقيت المسح على الخفين للمسافر ثلاثة أيام بلياليها، وللمقيم يومًا وليلة، كما ثبت ذلك في صحيح مسلم, ولهذا ذهب جمهور العلماء إلى العمل بهذا الحكم.
(المتن)
رواه منصور بن المعتمر عن إبراهيم التيمي بإسناده، قال فيه: ولو استزدناه لزادنا.
(الشرح)
هذه رواية منصور ، رواية ضعيفة، وليست بصحيحة، وهذا وهم من منصور رحمه الله, ظن أن النبي صلى الله عليه وسلم لو استزاده الصحابة عن التوقيت لزادهم، وهذا وهم منه لا وجه له، فالأحاديث صريحة في التوقيت (.....).
(المتن)
حدثنا يحيى بن معين حدثنا عمرو بن الربيع بن طارق أخبرنا يحيى بن أيوب عن عبد الرحمن بن رزين عن محمد بن يزيد عن أيوب بن قطن عن أبي بن عمارة، -قال يحيى بن أيوب: وكان قد صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم القبلتين- أنه قال: «يا رسول الله! أمسح على الخفين؟ قال: نعم، قال يومًا؟ قال: يومًا، قال: ويومين؟ قال: ويومين، قال: وثلاثة؟ قال: نعم، وما شئت».
(الشرح)
وهذا الحديث ضعيف عند أهل العلم، فرواته مجهولون، فلا حجة فيما دل عليه من عدم التوقيت؛ إذ فيه عدة مجاهيل لا يعرفون كما بين ذلك النقاد.
ومحمد بن يزيد هذا مجهول، وكذلك أيوب بن قطن.
المقصود: أن الحديث ضعيف, وأبي بن عِمارة بالكسر هنا الصحابة الجليل, (.....) عُمارة.
المقصود: أن الحديث ضعيف ولا حجة فيما دل عليه من عدم التوقيت لجهالة عدد من الرواة, وتكلم عليه ابن حجر في التهذيب, قال ابن حجر في التهذيب في ترجمة أيوب بن قطن عن أبي بن عمارة وقيل: عن عبادة بن نسي في ترك التوقيت في المسح على الخفين, وعنه محمد بن يزيد بن أبي زياد وفي إسناده جهالة واضطراب.
فالحديث مضطرب وفيه عدد من المجاهيل (.....).
(المتن)
قال أبو داود: ورواه ابن أبي مريم المصري عن يحيى بن أيوب عن عبد الرحمن بن رزين عن محمد بن يزيد بن أبي زياد عن عبادة بن نسي عن أبي بن عمارة رضي الله عنه قال فيه: «حتى بلغ سبعًا، قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، ما بدا لك».
(الشرح)
هذا الحديث جاء مضطربًا سندًا ومتنًا، سندًا لأن فيه رواية عبادة بن نسي, ومتن أيضًا كذلك البعض إلى ثلاثة وفي بعضها إلى سبعة, هذا اضطراب في السند والمتن مع جهالة الرواة.
(المتن)
قال أبو داود: وقد اختلف في إسناده، وليس هو بالقوي.
(الشرح)
نعم كما قال ليس إسناده بالقوي بل هو ضعيف, والسند الأول ليس فيه عبيد بن نسي, والمتن قال: إلى ثلاثة, وفي بعضها إلى سبع.
(المتن)
ورواه ابن أبي مريم، ويحيى بن إسحاق - السيلحيني - عن يحيى بن أيوب، وقد اختلف في إسناده.
(الشرح)
اختلف إسناد الحديث هذا عن الحديث الآخر.
(المتن)
باب: المسح على الجوربين
حدثنا عثمان بن أبي شيبة عن وكيع عن سفيان الثوري عن أبي قيس الأودي -هو عبد الرحمن بن ثروان - عن هزيل بن شرحبيل عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على الجوربين والنعلين».
قال أبو داود: كان عبد الرحمن بن مهدي لا يحدث بهذا الحديث؛ لأن المعروف عن المغيرة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين».
(الشرح)
وهذا الحديث فيه المسح على الجوربين، ومن العلماء من تكلم في هذا الحديث وقال: إن رواية الأودي وهزيلًا تفردا بها عن غيرهما من الرواة، وإن كان الأودي من رجال الصحيح لكنه تفرد، والمعروف في حديث المغيرة أنه روى المسح على الخفين لا على الجوربين، وفي هذه الرواية روى المسح على الجوربين، قالوا: إن هذا التفرد لعبد الرحمن بن ثروان عن هزيل, أنهما تفردا بهذه الرواية, وإنما هي المسح على الخفين؛ لأن هذا هو المعروف من حديث المغيرة أنه روى المسح على الخفين دون الجوربين.
واختلف في الجوربين ما هما، فقيل: إنهما من جلد، وقيل: من قطن، وقيل: من صوف.
ولهذا طعن بعضهم في هذه الرواية بأن الأودي وهزيل تفردا بهذه الرواية عن غيرهما من الحفاظ, والمعروف من حديث المغيرة أنه روى المسح على الخفين لا على الجوربين, ولهذا ذهب العلماء إلى تضعيف هذا الحديث، وممن ذهب إلى تضعيفه الإمام أحمد رحمه الله، ولكنه قال بالمسح على الجوربين، والمسح على الجوربين قال به أكثر أهل العلم، ولكن قد يقال: وإن رويَّ عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه المسح على الخفين, فقد يروى عنه المسح على الجوربين.
وأيضًا كذلك الجوربين من ناحية المعنى كالخفين، كلا منهما تستر الرجل, وتمنع البرد والحر والأذى، ويدل على هذا فتاوى الصحابة رضوان الله عليهم, ولهذا ذهب الإمام أحمد رحمه الله إلى القول بالمسح على الخفين, وإن كان عند هذا الحديث قال: إنه لا يصح هذا الحديث, لكن قال: العمدة على القياس وفتاوى الصحابة, وذلك أن الجوربين في معنى الخفين, فإذا كان الخفان ثبت المسح عليهما لكون الخف يستر الجلد ويقيه الحر والبرد والأذى فالجورب كذلك فالمعنى واحد, ثم أيضًا فتاوي الصحابة في هذا, عدد من الصحابة أفتوا بهذا وهم أعلم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من غيره.
فلو لم يصح هذا الحديث فالعمدة إنما هو كما قال الإمام أحمد رحمه الله على القياس وفتاوى الصحابة.
ومن العلماء من منع المسح على الجوربين، وقال: إن الثابت إنما هو المسح على الخفين دون الجوربين.
الأودي من رجال الصحيحين لكن المنع أنه تفرد بهذا الحديث عن الحفاظ, تفرد بهذه الرواية المسح على الجوربين, والحفاظ رووا المسح على الخفين, والثقة إذا خالف من هو أوثق منه يكون شاذ, يرون أنه شاذ وإن كان ثقة الأودي وهزيل, إلا أن مخالفتهما لكثير من الأصحاب تجعل الحديث شاذ.
قال ابن قيم الجوزية: وقال النسائي: ما نعلم أن أحدًا تابع هزيلًا على هذه الرواية، فالصحيح عن المغيرة «أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين».
وقال البيهقي: قال أبو محمد -يعني يحيى بن منصور -: رأيت مسلم بن الحجاج ضعف هذا الحديث.
فالإمام مسلم ضعف هذا الخبر من أجل التفرد، ورأى أنه شاذ، وهزيل والأودي وإن كانا ثقتين إلا أنهما تفردا بهذه الرواية، والقاعدة عند أهل العلم أن الثقة إذا خالف من هو أوثق منه يكون شاذًا، ومن العلماء من قال: إن هذه الزيادة من الثقة مقبولة وعلى كل حال فإنه إذا لم يصح الحديث فالعمدة على القياس وفتاوى الصحابة.
قال أبو داود: وروي هذا -أيضًا- عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه مسح على الجوربين»، وليس بالمتصل ولا بالقوي.
أي: أن هذه الزيادة عن أبي موسى منقطعة.
قال أبو داود: ومسح على الجوربين علي بن أبي طالب وابن مسعود والبراء بن عازب وأنس بن مالك وأبو أمامة وسهل بن سعد وعمرو بن حريث رضي الله عنهم، وروي ذلك عن عمر بن الخطاب وابن عباس رضي الله عنهم.
أي أن تسعة من الصحابة ثبت عنهم المسح على الجوربين مع القياس، ولهذا ذهب الإمام أحمد رحمه الله إلى المسح على الجوربين وإن لم يقل بالحديث، وإنما العمدة فيه فتاوى الصحابة، وقياس الجوربين على الخفين؛ لأن المعنى واحد، إذ شرع المسح على الخفين لأن الخف يستر الرجل من الحر والبرد ويقيها الأذى، والجورب كذلك، فالمعنى واحد, وإذا كان النعلين فيهما جوربان ومسح عليهما حصل المقصود.
(المتن)
باب: المسح على النعلين
حدثنا مسدد وعباد بن موسى قالا: أخبرنا هشيم عن يعلى بن عطاء عن أبيه، قال عباد: قال أخبرني أوس بن أبي أوس الثقفي رضي الله عنه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ أو مسح على نعليه وقدميه وقال عباد: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى على كظامة قوم -يعني: الميضأة-، ولم يذكر مسدد الميضأة والكظامة، -ثم اتفقا- فتوضأ ومسح على نعليه وقدميه».
(الشرح)
وهذا الحديث ضعيف عند أهل العلم؛ لأن هشيمًا مدلس وقد عنعن، ووالد يعلى ضعيف، فلا حجة فيما دل عليه من المسح على القدمين والخفين، ولو صح فهو محمول على أن المراد بالمسح الغسل الخفيف، أو أن المراد المسح على القدمين يعني اللتي عليهما الجوربان، ليوافق الأحاديث الكثيرة التي دلت على أنه لابد من غسل الرجلين مكشوفتين.
فهذا الحديث ضعيف ولو صح فهو محمول على أن المراد مسح يعني: غسل غسلاً خفيفًا؛ لأن الغسل الخفيف يسمى مسح, تقول العرب: تمسحت للصلاة, أو أنه محمول على المسح على القدمين في داخل الجوربين.
أما المسح على القدمين مكشوفتين فهذا باطل؛ لأن الأحاديث الكثيرة المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم دلت على أنه غسل رجليه، والصحابة نقلوا وضوء النبي صلى الله عليه وسلم غسلًا ومسحًا، نقلاً متواترًا, الصحابة الذين شاهدوا النبي صلى الله عليه وسلم غسل رجليه مكشوفتين ويمسح على الخفين بلغت حد التواتر, وهذا الحديث لا يقوى بالأحاديث لضعفه ونكارته وضعف سنده, لكن لو صح يحمل على أن المراد بالمسح الغسل الخفيف, أو المسح على القدمين في داخل الجوربين.
(المتن)
باب: كيف المسح
حدثنا محمد بن الصباح البزاز حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد قال: ذكره أبي عن عروة بن الزبير عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمسح على الخفين»، وقال غير محمد: مسح على ظهر الخفين.
(الشرح)
هذا هو المعروف في الأحاديث، وهو أن يكون المسح على ظهر الخفين, قال الألباني عن هذا الحديث: حسن صحيح.
(المتن)
حدثنا محمد بن العلاء حدثنا حفص -يعني ابن غياث - عن الأعمش عن أبي إسحاق عن عبد خير عن علي رضي الله عنه قال: «لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه».
(الشرح)
الحديث لا بأس بسنده، وفيه أن عليًا رضي الله عنه قال: «لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه»؛ لأن أسفل الخف هو الذي يباشر المشي على الأرض، يتأمل الإنسان اللي يباشر الأرض أسفل الخف, فلو كان الدين بالرأي لمسح أسفل الخف؛ لأنه هو الذي يباشر المشي, وهذا في أول الأمر, لكن عند التأمل يجد الإنسان أن ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم موافق للعقل؛ لأن العقل الصريح يوافق النقل الصحيح؛ لأنه إذا مسح أسفل الخف اتسخت يده واحتاج إلى غسلها, وأيضًا ترطب أسفل الخف فعلقت به الأوساخ, فلاشك أن العقل الصريح يوافق النقل الصحيح, لكن في أول الأمر قد يقال ما ذكر الإمام الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه, لكن عند التأمل يجد الإنسان أن العقل الصريح يقضي بأن يمسح أعلى الخف لا أسفل؛ لأن المسح على أسفل الخف يتسبب في تلويث اليد وترطب أسفل الخلف وتعلق الأوساخ به.
(المتن)
حدثنا محمد بن رافع حدثنا يحيى بن آدم قال: أخبرنا يزيد بن عبد العزيز عن الأعمش بإسناده بهذا الحديث، قال: «ما كنت أرى باطن القدمين إلا أحق بالغسل حتى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظهر خفيه».
(الشرح)
هذا فيه دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما يمسح ظاهر خفيه، وهذه هي كيفية المسح الذي بوب له أبو داود بقوله: " باب كيفية المسح "، وهي أن يمسح على الخف من الأصابع إلى أول الساق.
(المتن)
حدثنا محمد بن العلاء حدثنا حفص بن غياث عن الأعمش بهذا الحديث، قال: «لو كان الدين بالرأي لكان باطن القدمين أحق بالمسح من ظاهرهما، وقد مسح النبي صلى الله عليه وسلم على ظهر خفيه».
ورواه وكيع عن الأعمش بإسناده، قال: «كنت أرى أن باطن القدمين أحق بالمسح من ظاهرهما حتى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح ظاهرهما».
قال وكيع: يعني: الخفين.
ورواه عيسى بن يونس عن الأعمش كما رواه وكيع، ورواه أبو السوداء عن ابن عبد خير عن أبيه قال: «رأيت عليًا توضأ فغسل ظاهر قدميه، وقال: لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله» وساق الحديث.
(الشرح)
عبد خير المذكور مخضرم، وهو تابعي.
(المتن)
حدثنا موسى بن مروان ومحمود بن خالد الدمشقي -المعنى- قالا: حدثنا الوليد، قال محمود: أخبرنا ثور بن يزيد عن رجاء بن حيوة عن كاتب المغيرة بن شعبة عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: «وضأت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فمسح على الخفين وأسفلهما».
قال أبو داود: وبلغني أنه لم يسمع ثور هذا الحديث من رجاء بن حيوة.
(الشرح)
هذا الحديث ضعيف؛ لأن فيه عدة علل:
الأولى: تدليس الوليد بن مسلم.
الثانية: أن ثور بن يزيد لم يسمع من رجاء.
الثالثة: أن الحديث مرسل.
الرابعة: أن كاتب المغيرة مجهول.
فلا عبرة بما دل عليه هذا الحديث من مسح أسفل الخف وأعلاه؛ لمخالفته الأحاديث الصحيحة.
حدثنا موسى بن مروان ومحمود بن خالد الدمشقي -المعنى- قالا: حدثنا الوليد، قال محمود: أخبرنا ثور بن يزيد عن رجاء بن حيوة عن كاتب المغيرة بن شعبة عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: «وضأت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فمسح على الخفين وأسفلهما».
قال أبو داود: وبلغني أنه لم يسمع ثور هذا الحديث من رجاء.
الشيخ: (.....).
الطالب:(.....) قال البيهقي: وفي كل هذه الروايات (.....) الدلالة على أن (.....)فيما أخبرنا أبو علي الروذباري, حدثنا أبو محمد بن سودة عن(.....).
هذا اضطراب في الرواية أو وهم من بعض الرواة, يطلق بعضهم الغسل على المسح, مر حديث علي رضي الله عنه المسح على قدميه وقال: هذا وضوء من لم يحدث, إذا كان على وضوء يجدد الوضوء ومسح على النعلين فلا بأس, أما إذا كان على غير طهارة لابد من غسل القدمين, هذا هو الظاهر من التوقيت، إنما يمسح عليهما لكونهما تقي الرجل الحر والبرد والأذى, فإذا نزعت زال المعنى.
الطالب: (.....)؟
الشيخ: هذا حكمه حكم النعلين, لابد أن يكون معها جورب أسفل يتجاوز الكعب, فإذا مسح عليهما جميعًا لا يخلعه, وإذا أراد أن يخلعه؛ يخلع عند المسح ويمسح على الجورب, يعني حكمه حكم النعلين دون الكعب, إذا كان عليه جورب يتجاوز الكعب مسح عليهما جمعًا وصار حكمهم واحدا, وإذا خلع (.....) ومسح على الجورب فله ذلك.
(المتن)
باب في الانتضاح
حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان -هو الثوري - عن منصور عن مجاهد عن سفيان بن الحكم الثقفي -أو الحكم بن سفيان الثقفي - قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بال يتوضأ وينتضح».
قال أبو داود: وافق سفيان جماعة على هذا الإسناد، قال بعضهم: الحكم أو ابن الحكم.
(الشرح)
هذه الترجمة معقودة لبيان الانتضاح، والانتضاح قيل المراد به الاستنجاء، وقيل: المراد به رش ما حول الفرج من الثياب لقطع الوساوس التي ترد على الإنسان؛ حتى لا يشك، فإذا أحس ببلل يعتبره من هذا الماء الذي نضح على فرجه، وهذا الحديث فيه مقال لأهل العلم، فمن العلماء من صححه، ومنهم من لم يصححه وقال: إن فيه اضطرابًا في الحكم بن سفيان أو سفيان بن الحكم.
ومن صححه احتج به على أنه يشرع لمن كان عنده بعض الخواطر أو الوساوس إذا استنجى أن يرش ثوبه ما حول الفرج بالماء؛ حتى يقطع الوساوس، وأما من لم يكن عنده وساوس فلا حاجة إلى ذلك, ومن لم يصححه قال: إن الحديث مضطرب فلا يصح, فلا يشرع الانتضاح, في صحته نظر.
أخرجه النسائي وابن ماجة وأحمد.
(المتن)
حدثنا إسحق بن إسماعيل حدثنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن رجل من ثقيف عن أبيه قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بال ثم نضح فرجه».
(الشرح)
هذا الحديث فيه رجل مبهم، فهو ضعيف، بال ثم نضح فرجه، أي: الثوب.
(المتن)
حدثنا نصر بن المهاجر حدثنا معاوية بن عمرو حدثنا زائدة عن منصور عن مجاهد عن الحكم -أو ابن الحكم - عن أبيه: «أن النبي الله صلى الله عليه وسلم بال ثم توضأ ونضح فرجه».
(الشرح)
فيه الحكم او ابن الحكم، في صحة هذا الحديث نظر، والأقرب أنه لا يستحب النضح، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم ليس عنده وساوس، إلا إن قيل: إن هذا التشريع لمن حصل له شيء من ذلك، وعلى كل حال فالمبتلى بالوساوس الذي يخيل إليه أن في ثوبه بلل إن رشه فلا بأس بذلك، وهو من باب قطع الوساوس، بقطع النظر عن صحة الحديث.
وهذا الحديث أخرجه النسائي في الطهارة، وابن ماجة في الطهارة، وأخرج ابن ماجة والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «جاءني جبريل فقال يا محمد: إذا توضأت فانتضح».
وذكر الترمذي أن في الباب عن أبي الحكم بن سفيان وقال بعضهم: سفيان بن الحكم أو الحكم بن سفيان، واضطربوا في هذا الحديث.
إي حديث الحسن.
وذكر الشيخ شاكر في شرح الترمذي أن الصحيح اسمه الحكم بن سفيان، وأنه ليست له صحبة كما في الإصابة، اذا يكون منقطع, يكون منقطع اذا سقط منه صحابي، (.....)، واخرج الترمذي وابن ماجة من حديث الحسن بن علي الهاشمي عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه، وحديث الهاشمي هذا ضعيف.
فكل الأحاديث في الباب هذا في صحتها نظر.
(المتن)
باب ما يقول الرجل إذا توضأ
حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني حدثنا ابن وهب سمعت معاوية -يعني ابن صالح - يحدث عن أبي عثمان عن جبير بن نفير عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: «كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خدام أنفسنا نتناوب الرعاية رعاية إبلنا، فكانت علي رعاية الإبل، فروحتها بالعشي، فأدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس، فسمعته يقول: ما منكم من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء، ثم يقوم فيركع ركعتين يقبل عليهما بقلبه ووجهه إلا قد أوجب.
فقلت: بخ بخ، ما أجود هذه! فقال رجل من بين يدي: التي قبلها -يا عقبة - أجود منها، فنظرت فإذا هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قلت: ما هي يا أبا حفص؟ قال: إنه قال آنفًا قبل أن تجيء: ما منكم من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء، ثم يقول حين يفرغ من وضوئه: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء».
قال معاوية: وحدثني ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس عن عقبة بن عامر.
(الشرح)
وهذا الحديث أخرجه مسلم في صحيحه, وهو حديث عقبة بن عامر, فيه قوله: «كنا خدام أنفسنا», كانوا الصحابة يخدمون أنفسهم ليس لهم خدام؛ لأنهم لم تفتح عليهم الدنيا مثلنا.
وأما نحن فعندنا اليوم خدام، وقد وجدت الشرور والمعاصي والخادمات، ووجدت بلاءات ومصائب الآن، حتى سمعنا أن كثيرًا من الناس يتذمرون، فهناك من يقول: إنه ولد له ولد يشبه الخادم أو يشبه قائد السيارة، وذلك بسبب الاختلاط بهؤلاء الخدم والخادمات، وهناك من يخلو بالخادمة، وقد اتصلت بي امرأة بالهاتف تقول: إنها تدرس في المساء وتترك الخادمة مع زوجها, قلت: اذهبي بها معكي, قالت: ما يرضي زوجي يقول: تبقى في البيت, وليس عندها أحد, ثم قالت: إن عندها أطفال صغار, قلت: إما تذهب معكي أو تتركي الدراسة, ما يجوز الخلوة بها, لابد أن تكون المرأة مع النساء, هذا من المصائب والبلايا, هناك من يخلو بالخادمة أيضًا بالسيارة, هناك حصل مصائب وشرور من الخدم وقائد السيارة بسبب انفتاح الدنيا على الناس, وكان الناس في عافية من هذا سابقًا.
والصحابة رضوان الله عليهم كانوا خدام أنفسهم، كما قال عقبة رضي الله عنه، ليس هناك أحد يخدمهم فسلموا من الشرور.
الحاصل: أن الخدم والخادمات التي وجدت في زماننا, وكانوا يتناوبون رعاية الإبل، كل واحد يرعى الإبل والباقي يتفرغون لأعمالهم, كل واحد يكون عليه يوم أو كل واحد يكون عليه شهر, فجاء فسمع النبي يحدث بهذا الحديث: «من توضأ فأحسن الوضوء، ثم صلى ركعتين يقبل فيهما بقلبه وجهه؛ إلا قد أوجب» أي: أوجب الله له الجنة.
وفيه أن هذا من أسباب دخول الجنة أن يحسن الوضوء، ثم يقبل عليهما بوجهه وقلبه، يعني بباطنه وظاهره، وفي اللفظ الآخر: «لا يحدث بهما نفسه بشيء» أي: احسان الوضوء وصلاة الركعتين من دون وساوس من أسباب دخول الجنة، إقبال الوجه والقلب, القلب الباطن والوجه الظاهر, يقبل فيهما بقلبه ووجه, فلا ترد الوساوس عليه، يكون عنده خضوع في الباطن وفي الظاهر.
فلما سمع ذلك عقبة رضي الله عنه قال: «بخ بخ» أي: هذا شيء عظيم.
وأعجبه أن هذا شيء عظيم فضل عظيم في عمل يسير سهل يتوضأ ثم يصلي ركعتين.
فقال له بين يديه: التي قبلها أعجب», أعجب من هذه, فنظر فإذا هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه, قال أن النبي صلى الله عليه وسلم قال قبل أن تأتي؛ لأنه كان منشغل برعايته, قال قبل أن تأتي: «ما من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء -وفي لفظ: فيبلغ الوضوء- ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء».
هذا فضل عظيم, وهذا الحديث رواه مسلم في صحيحه، وفيه فضل هذا الذكر بعد الوضوء، وأنه يشرع للمسلم هذا الذكر، وأن هذا من أسباب دخول الجنة، وهو شهادة لله تعالى بالوحدانية، ولنبيه صلى الله عليه وسلم بالرسالة.
وزاد الترمذي في سند لا بأس به: «اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين» وهذا ثابت، يقول: «أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله, اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين».
وزاد النسائي: «يقول: سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك» لكن هذه الرواية ضعيفة في سندها مجهول، مثل كفارة المجلس، وجاء أيضًا رفع البصر إلى السماء كما سيذكره المؤلف، وفي سنده مجهول ضعيف.
وفيه دليل على أنه ليس هناك أذكار في الوضوء إلا التسمية عند البدء والتشهد في آخره، (.....)، وما يذكره بعضهم من أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا غسل وجهه قال: «اللهم بيض وجهي يوم تسود الوجوه، وإذا غسل يده قال: اللهم أعطني كتابي بيميني» كل هذا لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الطالب: (.....).
الشيخ: (.....).
(المتن)
قال معاوية وحدثني ربيعة بن يزيد عن ابي ادريس عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال حدثنا الحسين بن عيسى حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ عن حيوة بن شريح عن أبي عقيل عن ابن عمه عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه، ولم يذكر أمر الرعاية، قال عند قوله: «فأحسن الوضوء ثم رفع بصره إلى السماء، فقال» وساق الحديث بمعنى حديث معاوية.
(الشرح)
وهذا ضعيف فهو مبهم، فلا يصح دليلًا على رفع البصر إلى السماء بعد الانتهاء من الوضوء.
(المتن)
باب: الرجل يصلي الصلوات بوضوء واحد
حدثنا محمد بن عيسى حدثنا شريك عن عمرو بن عامر البجلي، قال محمد -هو أبو أسد بن عمرو - قال: «سألت أنس بن مالك رضي الله عنه عن الوضوء، فقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة، وكنا نصلي الصلوات بوضوء واحد».
(الشرح)
هذا متفق على صحته، وقد رواه الشيخان، وفيه جواز الصلوات المتعددة بوضوء واحد، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة طلبًا للأفضل، وصلى الصلوات الخمس بوضوء واحد يوم الفتح عليه الصلاة والسلام.
وفيه دليل على أنه لا بأس بأن يصلي الصلوات المتعددة بوضوء واحد ولا حرج في ذلك, وعلى هذا عامة العلماء.
حكي عن بعض العلماء أنه يجب الوضوء لكل صلاة وإن لم يكن محدثًا، قال النووي: ولا أظن هذا يثبت عن أحد، ولعل مقصودهم استحباب تجديد الوضوء، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصلوات بوضوء واحد كما سيأتي في الحديث الذي بعده بوضوء واحد, وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحتز من كتف شاة عندما دعي إلى الصلاة ترك السكين وصلى ولم يتوضأ .
الطالب: (.....).
(.....)، وكان النبي يتوضأ لكل صلاة، وذلك لفضيلة الوضوء، ومسألة تجديد الوضوء روي فيها حديث ضعيف عند أبي داود والبيهقي: «من توضأ على طهر كتب الله له عشر حسنات» ولكن إن طال الفصل بين الصلوات وتوضأ ليجدد النشاط فذلك حسن (.....).
(المتن)
حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سفيان حدثني علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه قال: «صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح خمس صلوات بوضوء واحد، ومسح على خفيه، فقال له عمر رضي الله عنه: إني رأيتك صنعت اليوم شيئًا لم تكن تصنعه! قال: عمدًا صنعته».
(الشرح)
هذا الحديث رواه الإمام مسلم، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع الصلوات بوضوء واحد، فلو جمع خمس صلوات أو ست صلوات بوضوء واحد فلا حرج.
(المتن)
باب: تفريق الوضوء
حدثنا هارون بن معروف حدثنا ابن وهب عن جرير بن حازم أنه سمع قتادة بن دعامة حدثنا أنس رضي الله عنه: «أن رجلًا جاء إلى رسول صلى الله عليه وسلم وقد توضأ وترك على قدمه مثل موضع الظفر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ارجع فأحسن وضوءك».
قال أبو داود: هذا الحديث ليس بمعروف عن جرير بن حازم، ولم يروه إلا ابن وهب وحده، وقد روي عن معقل بن عبيد الله الجزري عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه عن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه، قال: «ارجع فأحسن وضوءك».
(الشرح)
الاول ، والثاني قال المؤلف: تفرد به ابن وهب عن جرير، وتفرد به جرير ايضا واعتبر هذا التفرد ضعف، لكن حديث عمر الذي بعده رواه مسلم.
اختلف العلماء في معنى قوله: «أحسن وضوءك» فيه ان الرجل ترك لمعة لم يصبها الماء، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «ارجع فأحسن وضوءك»، فقال بعضهم: الحديث دليل على عدم وجوب الموالاة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل: ارجع فأعد الوضوء.
بل قال: «ارجع فأحسن وضوءك»، دل على أن مراده: اغسل موضع اللمعة فقط.
فدل على أن الموالاة بين أعضاء الوضوء ليست واجبة، وإلى هذا ذهب أبو حنيفة وجماعة.
وقال آخرون: بل هو دليل على وجوب الموالاة؛ لأنه لم يقل: اذهب فاغسل الموضع الذي تركته، وإنما قال: «ارجع فأحسن وضوءك» فدل على أن المراد هو إعادة الوضوء، وهذا هو الأقرب، ويدل على ذلك الحديث الذي بعده، وأنه صريح في الأمر بإعادة الوضوء.
وهو دليل على وجوب الموالاة بين أعضاء الوضوء، فلا يفرق بين الأعضاء، كأن يتوضأ فيغسل وجهه ويديه ثم يتركهما حتى يجفا، ثم يكمل وضوءه، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم هذا الرجل بأن يحسن الوضوء، وفي الحديث الآخر أنه أمره أن يعيد الوضوء؛ لأن هذه اللمعة طال الفصل فلو كان الموالاة غير واجبة لقال: اغسل اللمعة, واغسل ما بعدها, وإذا كانت في الرجل يغسل اللمعة ويكتفي, قوله: أحسن وضوءك وقوله في الحديث الآخر: أعد الوضوء, دليل على وجوب الموالاة.
والعلماء لهم كلام في هذا: فمنهم من قال: إن الموالاة تجب.
ومنهم من قال: لا تجب.
ومنهم من قال: تجب إذا لم يجف العضو الذي قبله، والبخاري رحمه الله بوب فقال: باب التفريق في الوضوء والغسل وذكر أثر ابن عمر، أن ابن عمر توضأ فغسل قدماه، وأنه غسل يديه بعد أن جفت قدماه، وظاهره أنه لا يرى وجوب الموالاة، والصواب وجوب الموالاة بين أعضاء الوضوء.
(المتن)
حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا يونس وحميد عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى قتادة.
حدثنا حيوة بن شريح حدثنا بقية عن بجير -هو ابن سعد - عن خالد عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: «أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يصلي وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيد الوضوء والصلاة».
(الشرح)
وهذا فيه كلام لأهل العلم، قال المنذري: إن الحديث فيه مقال.
وهو أن بقية بن الوليد مدلس وقد عنعن، وكذلك أعله ابن حزم، لأن راويه مجهول، إذ فيه: عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأجاب ابن القيم رحمه الله عن العلتين فقال: أما العلة الأولى -وهي تدليس بقية بن الوليد - فقد صرح بالسماع كما عند أحمد، وفي رواية الحاكم في المستدرك صرح بقية بن الوليد بالسماع، فزال ما يشكل من تدليسه، وأما قول ابن حزم بأن راويه مجهول؛ لأن الصحابة كلهم عدول، وهذا معروف عند جميع العلماء حتى ابن حزم معترف بهذا وأنه لا يضر جهالة الصحابي؛ لأن الصحابة كلهم عدول.
وبهذا يصح الحديث، ويكون فيه دليل على وجوب الموالاة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر هذا الرجل أن يعيد الوضوء والصلاة؛ لأنه ترك لمعة وقد طال الفصل، ولو كانت الموالاة غير واجبة لأمره بأن يغسل اللمعة في رجله دون أن يعيد الوضوء، فكونه أمر بإعادة الوضوء دليل على أن الموالاة واجبة بين أعضاء الوضوء، فإذا جف العضو غسل يده وجفت ولم يمسح رأسه أعاد الوضوء، إلا إذا كانت الريح شديدة وجفت ولم يغسل اعضاءه فلا يضر.
هنا فرق أن يغسل والوجه واليدين ويجلس خمس دقائق أو عشر دقائق ثم يكمل المسح, ولا يروح يشرب الشاي ولا يتكلم في الهاتف وإذا فرغ راح كمل وضوئه, هذا تفريق بين الوضوء هل يجوز أم لا يجوز؟ على القول بجواز التفريق فهذا لا يضر, غسل وجهك ويديك وتروح تشرب الشاي خمس دقائق عشر دقائق ثم تذهب وتكمل الوضوء.
وعلى القول بوجوب الموالاة لا يصح لابد أن تعيد الوضوء من جديد؛ لأن الموالاة واجبة بين أعضاء الوضوء وهذا هو الصواب.
الطالب: (.....).
الشيخ: (.....).
الطالب: (.....).
وإذا مثلاً غسل يديه فصار في اليد لمعة رآه بعد أن مسح الرأس يعود يغسل اللمعة ثم يمسح رأسه إذا ما طال الفصل, وإذا طال الفصل يعيد الوضوء من جديد.