شعار الموقع

شرح كتاب الطهارة من سنن أبي داود_7

00:00
00:00
تحميل
99

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم عَلَى نَبِيّنَا محمد وَعَلَى آله وصحبه أجمعين. 

(المتن) 

قَالَ الإمام أبو داود رحمه الله تعالى:  

باب: إذا شك في الحدث 

حدثنا قتيبة بن سعيد ومحمد بن أحمد بن أبي بن خلف قالا: حدثنا سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب وعباد بن تميم عن عمه رضي الله عنه قال: «شكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يجد الشيء في الصلاة حتى يخيل إليه، فقال: لا ينفتل حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا». 

حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا حماد قال أخبرنا سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كان أحدكم في الصلاة فوجد حركة في دبره أحدث أو لم يحدث فأشكل عليه فلا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا». 

(الشرح) 

هذا الباب عقده المؤلف رحمه الله فيمن شك في الحدث ماذا يعمل، وذكر الحديث الأول -وقد رواه الشيخان- أنه شُكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم أذا الرجل يجد في بطنه شيئًا، وهذا كناية عن الحدث، فقال: «لا ينفتل حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا»؛ أي: لا يخرج من الصلاة, وكذلك إذا كان خارج الصلاة؛ حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا، أي: حتى يسمع صوت الحدث، وهو الضراط، أو يجد ريحًا، وهو شم الفساء، والمراد أن يتيقن الحدث، ومثل لو وجد رطوبة في فرجه. 

وهذا الحديث حديث عظيم، وهو أصل من أصول الإسلام، وقاعدة من قواعد الفقه، وهي أن الأشياء يحكم ببقائها على أصلها حتى يتيقن خلاف ذلك، وأن الشك الطارئ لا عبرة به، فالأشياء إنما تبقى على أصلها, ومن ذلك ما جاء في الحديث: أن من شك أنه أحدث فإنه لا يخرج بالشك؛ لأن الطهارة متيقنة والحدث شك، فيبقى على الطهارة حتى يتيقن ، ولهذا قال: «حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا»؛ أي: حتى يعلم الحدث، وكذلك أيضًا إن تيقن الحدث وشك في الطهارة، فإنه يبقى على الأصل، فيكون محدثًا حتى يتيقن أنه توضأ. 

أخذ العلماء من هذا قاعدة من قواعد الفقه, وهي: أن الأشياء بحكم ببقائها على أصلها, ولا ينتقل عن هذا الأصل حتى يتيقن خلاف ذلك, وبهذا تنقطع الوساوس التي ترد على الإنسان، فكثير من الناس يبتلى بالوساوس يخيل إليه أنه أحدث، ويخيل إليه أنه خرج من ذكره شيء وهو قد تيقن الطهارة، لكن هذا شك؛ فلا يأخذ بهذا الشك حتى يتيقن يقينًا، ما يخرج من يقين إلا بيقين, ما يخرج من اليقين بالشك, إذا تيقن أنه أحدث فإنه يخرج, عبر عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا»، أي: أن يسمع صوت الحدث، أو يجد ريح الحدث. 

ومثله إذا تيقن برطوبة في فرجه مائة في المائة يخرج؛ أما الشك فإنه لا يعمل به؛ حتى لا تستولي عليه الوساوس. وهذا من فضله تعالى وإحسانه إلى عباده؛ أن المسلم إنما يعمل باليقين ويبني على اليقين حتى يتيقن خلافه, فينتقل من يقين إلى يقين, ولا ينتقل من يقين إلى شك, فالشك الطارئ لا عبرة به. 

هذا الحديث أخرجه مسلم والترمذي, الحديث الأول حديث عباد أخرجه الشيخان. 

(المتن) 

باب: الوضوء من القبلة. 

حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى وعبد الرحمن قالا: حدثنا سفيان عن أبي روق عن إبراهيم التيمي عن عائشة رضي الله عنها: «أن النبي صلى الله عليه وسلم قبلها ولم يتوضأ». 

(الشرح) 

هذا الحديث في بيان حكم القبلة، والقبلة تكون بالفم، فإذا قبل الرجل زوجته فهل ينتقض وضوؤه؟ ومثله إذا مس الرجل المرأة باليد بدون حائل فهل ينتقض الوضوء أو لا ينتقض الوضوء؟  

وهذه المسألة خلافية بين أهل العلم، وهذا الحديث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل عائشة ولم يتوضأ، لكن الحديث ضعيف؛ لأنه منقطع؛ لأن إبراهيم التيمي لم يسمع من عائشة، فيكون الحديث مرسلًا يعني منقطع، والمرسل عند أهل العلم يطلق على ما سقط منه الصحابي، ويطلق على ما سقط من سنده واحد، فالمنقطع يسمى مرسلًا عند بعض أهل الحديث.  

وهذا الحديث منقطع لكن يشهد له الحديث الذي بعده، وأحاديث أخرى كثيرة تجبر هذا الضعف، وتدل على أن مس المرأة بدون حائل وتقبيلها لا ينقض الوضوء، وهذا هو الصواب من أقوال أهل العلم سواء أكان بشهوة أو بغير شهوة، إلا إذا خرج منه شيء كأن يخرج المذي من ذكره، فإن خرج فقد انتقض وضوؤه وبطل، وأما إذا لم يخرج المذي فلا ينتقض وضوؤه. 

ومس المرأة فيه ثلاثة أقوال لأهل العلم:  

الأول: أن مس المرأة لا ينقض الوضوء مطلقًا. 

الثاني: أنه ينقض مطلقًا، وهذا مذهب الشافعية وجماعة، سواء أكان بشهوة أم بغير شهوة. 

الثالث: أن مس المرأة بشهوة ينقض، ومسها بغير شهوة لا ينقض، وهذا هو مذهب الحنابلة، ولهذا ذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في نواقض الوضوء الثمانية مس المرأة بشهوة، واستدل بعضهم على هذا القول بقوله تعالى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء/43] . 

والصواب: إن المراد بالملامسة هنا الجماع؛ لأن الله تعالى يكني عنه بالجماع, فالمس واللمس يراد بهما الجماع، وبذلك تكون الآية شاملة للحدثين الأصغر والأكبر، حيث يقول تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة/6].  

فقوله تعالى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ}؛ هذا هو الحدث الأصغر، وقوله تعالى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ}؛ هذا هو الحدث الأكبر. 

والصواب أن مس المرأة لا ينقض الوضوء مطلقًا، والشافعية يشددون في هذا ويقولون: إن مس المرأة مطلقًا ينقض الوضوء، ولهذا يقول بعض المتأخرين: ليحرص الإنسان إذا توضأ وهو في المسجد الحرام ألا تمس يده يد امرأة؛ حتى لا ينتقض وضوؤه؛ لأن الوضوء شرط في صحة الطواف والصلاة. 

وهذا متعذر في هذا الزمن لشدة الزحام في الأبواب وفي الطواف، وهذا فيه حرج, كل ما توضأ مست يده امرأة ثم رجع يتوضأ ثم يرجع وهكذا, إلى ما لا نهاية ولاسيما في وقت الموسم. 

المقصود: أن الصواب أن مس يد المرأة لا ينقض الوضوء مطلقًا, إلا إذا خرج من ذكره شيء بطل وضوءه. 

الطالب: (.....). 

ومذهب الشافعي إذا مست يد الرجل يد امرأة بدون حائل, مس اللحم اللحم بدون حائل ينقض الوضوء مطلقًا, هذا عند الشافعية. 

والثاني: أنه لا ينقض إلا بشهوة وهذا مذهب الحنابلة. 

والثالث: أنه لا ينقص مطلقًا. 

وإذا كان بحائل ما هو محل خلاف, محل الخلاف إذا كان بدون حائل إذا مس اللحم اللحم. 

قال أبو داود: وكذا رواه الفريابي وغيره. 

قال أبو داود: وهو مرسل، إبراهيم التيمي لم يسمع من عائشة شيئًا, يعني فيكون منقطع, إذا لم يسمع من عائشة رضي الله عنها شيئا فيكون منقطع وضعيف. 

قال أبو داود: مات إبراهيم التيمي ولم يبلغ أربعين سنة، وكان يكنى أبا أسماء. 

(المتن) 

حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا وكيع حدثنا الأعمش عن حبيب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها: «أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل امرأة من نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ، قال عروة: فقلت لها: من هي إلا أنت؟ فضحكت». 

قال أبو داود: هكذا رواه زائدة وعبد الحميد الحماني عن سليمان الأعمش. 

(الشرح) 

هذا الحديث يشهد للحديث السابق، واختلف في عروة هذا هل هو عروة بن الزبير أو عروة المزني؟ وكذلك اختلف في سماع حبيب من عروة، فذهب الأئمة يحيى بن سعيد القطان ويحيى بن معين والثوري والبخاري إلى أنه لم يسمع من عائشة، فيكون منقطع، وذهب ابن عبد البر وأبو داود إلى أنه سمع منها. 

وهذا الضعف ينجبر بالروايات الأخرى، فقد جاءت أحاديث كثيرة تؤيد, روايات متعددة تجبر هذا الضعف، فهذا الحديث فمرسل مع مرسل يشد بعضهما بعضًا, مع الأحاديث والروايات والكثيرة المتعددة؛ تدل على أن مس المرأة لا ينقض الوضوء. 

الطالب: (.....). 

فيه اختلاف، أبو داود, قال: أنه سمع من عروة بن الزبير, وغيره قالوا: إنه لم يسمع الحديث من عروة بن الزبير, وإنما سمع من عروة المزني, وسيذكر المؤلف الخلاف في هذا. 

(المتن) 

حدثنا إبراهيم بن مخلد الطالقاني، حدثنا عبد الرحمن بن مغراء حدثنا الأعمش حدثنا أصحاب لنا عن عروة المزني عن عائشة رضي الله عنها بهذا الحديث. 

(الشرح) 

هذا الحديث من رواية عبد الرحمن بن مغراء وهو ضعيف, عن عائشة عن أصحاب له مجهولون, ذكر عن عروة المزني لكن ضعيف هذا. 

(المتن) 

قال أبو داود: قال يحيى بن سعيد القطان لرجل: احكِ عني أن هذين -يعني: حديث الأعمش هذا عن حبيب، وحديثه بهذا الإسناد في المستحاضة أنها تتوضأ لكل صلاة- قال يحيى: احكِ عني أنهما شبه لا شيء. 

(الشرح) 

يعني: أن هذين الحديثين ضعيفان، وهما حديث الأعمش في: «أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل امرأة ولم يتوضأ»، وحديث المستحاضة الذي فيه: «الوضوء لكل صلاة». وقصده بذلك أنه يضعف هذا الحديث. 

(المتن) 

وروي عن الثوري قال: ما حدثنا حبيب إلا عن عروة المزني -يعني: لم يحدثهم عن عروة بن الزبير بشيء. 

(الشرح) 

أي: أن الثوري ويحيى بن سعيد القطان وجماعة كلهم يرون أن الحديث ما روى عن عروة بن الزبير وإنما روى عن عروة المزني. 

(المتن) 

وقد روى حمزة الزيات عن حبيب عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها حديثًا صحيحًا. 

(الشرح) 

أي: أن أبا داود يختار أنه سمع من عروة بن الزبير، ويقول: قد روى حمزة الزيات عن حبيب عن عروة بن الزبير حديثًا صحيحًا، فـ أبو داود يثبت رواية حبيب عن عروة بن الزبير، وسفيان الثوري ويحيى بن سعيد وجماعة يرون أنه ما سمع من عروة بن الزبير، وإنما سمع من عروة المزني. 

الشيخ: (.....). 

وعلى كل حال فالأئمة كـ الثوري والبخاري وجماعة يرون أن حبيب بن أبي ثابت ما سمع من عروة بن الزبير فيكون منقطع، لكنه يجبر بالروايات المتعددة، وأبو داود وابن عبد البر يريان أنه سمع فيكون متصلًا. 

(المتن) 

باب: الوضوء من مس الذكر. 

حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر أنه سمع عروة يقول: دخلت على مروان بن الحكم فذكرنا ما يكون منه الوضوء، فقال مروان: ومن مس الذكر، فقال عروة: ما علمت ذلك، فقال مروان: أخبرتني بسرة بنت صفوان رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من مس ذكره فليتوضأ». 

(الشرح) 

حديث بسرة بنت صفوان هذا فيه الوضوء من مس الذكر، وهو حديث لا بأس بسنده، رواه أصحاب السنن: مالك والشافعي وأحمد والدارقطني وجماعة، قال البخاري: هو أصح شيء في هذا الباب. 

أصح شئ في الباب حديث بسرة 

والحديث فيه أن من مس ذكره فليتوضأ، يعني: إن مسه بدون حائل، كأن مسه بيده بباطن الكف أو ظاهره. 

وهو أصح من حديث طلق بن علي الذي فيه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن مس الذكر فقال: هو بضعة منك»، فهو مقدم على هذا كما ذكر العلامة ابن القيم رحمه الله وغيره: أن حديث بسرة مقدم على حديث طلق؛ لأنه أصح من حديث طلق، ولأنه ناقل عن الأصل، وحديث طلق مبق على الأصل، والشريعة ناقلة، فحديث طلق إما أنه منسوخ بحديث بسرة، أو أن حديث بسرة أرجح وأصح، فهو مقدم عليه من جهة الصحة أصح، ومن جهة التأخر متأخر أيضًا. 

(المتن) 

باب: الرخصة في ذلك. 

يعني باب الرخصة في مس الذكر. 

حدثنا مسدد حدثنا ملازم بن عمرو الحنفي حدثنا عبد الله بن بدر عن قيس بن طلق عن أبيه رضي الله عنه قال: «قدمنا على نبي الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل كأنه بدوي فقال: يا نبي الله! ما ترى في مس الرجل ذكره بعدما يتوضأ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: هل هو إلا مضغة منه أو بضعة منه». 

(الشرح) 

يعني: إنه لا ينقض الوضوء، لكن الحديث هذا قاله النبي صلى الله عليه وسلم عندما سئل قديمًا في أول الهجرة، إذ أن طلقًا قدم على النبي صلى الله عليه وسلم في أول هجرته وكان بمسجده في السنة الأولى، وأما حديث بسرة فهو متأخر؛ ولهذا قال جمع من أهل العلم: إنه منسوخ بحديث بسرة. 

وقال آخرون: إن حديث بسرة مقدم أصح وأرجح فيقدم، ويؤيد هذا أن حديث بسرة ناقل عن الأصل، وحديث طلق مبق على الأصل، والناقل مقدم على المبقي؛ لأن الشريعة ناقلة وليست مبقية على الأصل، فيكون الأرجح، ويكون العمل على هذا هو الصواب، وهو الذي عليه الفتوى: أن مس الذكر ينقض الوضوء إذا كان بظاهر الكف أو باطنه بدون حائل، وأما إذا مسه برجله أو بمرفقه أو بذراعه فلا يؤثر, المراد الكف, أو من وراء حائل. 

فمن العلماء من عمل بحديث بسرة, قال: ينقض مطلقًا، ومنهم من عمل بحديث طلق وقال: إنه لا ينقض مطلقًا، ومنهم من فصل وقال: إذا مسه بشهوة انتقض وضوؤه، وإذا مسه بغير شهوة لم ينتقض، وذهب إلى هذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. 

فإن قيل: وهل تدخل المرأة في هذا؟ قلنا: الصواب أنه عام، فقد جاء في بعض الروايات: «من مس الذكر» مطلق، صغير أو كبير إذا كان بدون حائل وكان المس بالكف، والكف إلى الرسغ بالباطن أو الظاهر, أما إذا مس بالذراع فلا يؤثر, أو برجله فلا يؤثر. 

أما قول من قال بالتفصيل وأن حديث بسرة يحمل على الشهوة فلابد من دليل على هذا التفصيل. 

واختار الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله قول شيخ الإسلام ابن تيمية أنه بشهوة، والصواب القول الأول الذي عليه الجماهير وهو أنه ينقض مطلقًا بشهوة أو بغير شهوة إذا مس اللحم اللحم ببطن الكف أو ظاهره. 

(المتن) 

قال أبو داود: رواه هشام بن حسان وسفيان الثوري وشعبة وابن عيينة وجرير الرازي عن محمد بن جابر عن قيس بن طلق. 

حدثنا مسدد حدثنا محمد بن جابر عن قيس بن طلق عن أبيه رضي الله عنه بإسناده ومعناه، وقال: «في الصلاة». 

(الشرح) 

قوله: «في الصلاة» أي: ما ترى في رجلًا مس ذكره في الصلاة، والحاصل أن عبد الله بن بدر رواه عن قيس بلفظ: ما ترى في مس الرجل ذكره بعدما يتوضأ، ولم يذكر فيه لفظ «في الصلاة». 

وروى مسدد وهشام بن حسان والثوري وشعبة وابن عيينة وجرير الرازي هؤلاء كلهم عن محمد بن جابر عن قيس بن طلق عن أبيه بلفظ «في الصلاة» أي: يمس الرجل حال كونه في الصلاة. 

قال الخطابي: إنهم تأولوا خبر طلق أيضًا على أنه أراد به المس ودونه الحائل، واستدلوا على ذلك برواية الثوري وشعبة وابن عيينة أنه سأله عن مسه في الصلاة، والمصلى لا يمس فرجه من غير حائل بينه وبينه قلت: ولا يخفى بعد هذا التأويل. 

وقال الشيخ شمس الدين ابن القيم: نقض الوضوء من مس الذكر فيه حديث بسرة، قال الدارقطني: قد صح سماع عروة من بسرة هذا الحديث، وبسرة هذه من الصحابيات الفضليات، قال مالك: أتدرون من بسرة بنت صفوان؟ هي جدة عبد الملك بن مروان، لأمه فاعرفوها. 

وقال مصعب الزبيري: هي بنت صفوان بن نوفل من المبايعات، و ورقة بن نوفل عمها، وقد ظلم من تكلم في بسرة وتعدى، وفي الموطأ في حديثها من رواية ابن بكير: «إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ وضوءه للصلاة»، وفيه حديث أبي هريرة يرفعه: «إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره ليس بينه وبينه شيء فليتوضأ». 

يعني: أنه قد جاءت أحاديث كثيرة تؤيد حديث بسرة: وهو أنه إذا أفضى بيده من غيره حائل فليتوضأ. 

ثم قال ابن القيم بعد ذلك: وفي الباب حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده يرفعه: «أيما رجل مس فرجه فليتوضأ، وأيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ». 

قال الحازمي: هذا إسناد صحيح؛ لأن الحافظ ابن راهويه رواه في مسنده: حدثنا بقية بن الوليد حدثنا الزبيدي حدثنا عمرو فذكره. 

وبقية ثقة في نفسه، وإذا روى عن المعروفين فمحتج به، وقد احتج به مسلم ومن بعده من أصحاب الصحيح. 

الشيخ: (.....). 

الطالب: (.....). 

قال: وأما حديث طلق فقد رجِّح حديث بسرة وغيره عليه من وجوه:  

أحدها: ضعفه -أي: ضعف حديث طلق-. 

والثاني: أن طلقًا قد اختلف عنه، فروي عنه: «هل هو إلا بضعة منك؟» يعني: اختلاف الحديث هل: بضعة أو مضغة؟ يدل على اضطرابه. 

الثالث: أن حديث طلق لو صح لكان حديث أبي هريرة ومن معه مقدمًا عليه؛ لأن طلقًا قدم المدينة وهم يبنون المسجد فذكر الحديث وفيه قصة مس الذكر، وأبو هريرة أسلم عام خيبر بعد ذلك بست سنين، وإنما يؤخذ بالأحدث فالأحدث من أمره صلى الله عليه وسلم. 

الرابع: أن حديث طلق مبق على الأصل، وحديث بسرة ناقل، والناقل مقدم؛ لأن أحكام الشارع ناقلة عما كانوا عليه. 

الخامس: أن رواة النقل أكثر وأحاديثه أشهر، فإنه من رواية بسرة وأم حبيبة وأبي هريرة وأبي أيوب وزيد بن خالد رضي الله عنهم. 

السادس: أنه قد ثبت الفرق بين الذكر وسائر الجسد في النظر والحس، فثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنه نهى أن يمس الرجل ذكره بيمينه». 

المقصود: في مرجحات كثيرة منها الأحاديث الكثيرة التي تؤيد حديث بسرة إذا أفضى بيده إلى فرجه إن يتوضأ, ومنها ضعف حديث طلق, ومنها الاختلاف في حديث طلق, ومنها أنه كان قديمًا ومبقيًا على الأصل, كل هذه مرجحات تدل على أن العمل على حديث بسرة. 

الطالب: (.....). 

الشيخ: (.....). 

(المتن) 

باب: الوضوء من لحوم الإبل. 

حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن عبد الله بن عبد الله الرازي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: «سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوضوء من لحوم الإبل، فقال: توضئوا منها. وسئل عن لحوم الغنم، فقال: لا توضئوا منها. وسئل عن الصلاة في مبارك الإبل، فقال: لا تصلوا في مبارك الإبل؛ فإنها من الشياطين. وسئل عن الصلاة في مرابض الغنم، فقال: صلوا فيها؛ فإنها بركة». 

(الشرح) 

هذا الحديث أخرجه الترمذي وابن ماجة وأحمد وابن خزيمة. 

وهذا الباب معقود للوضوء من أكل لحوم الإبل، وفيه هذا حديث البراء أن النبي صلى الله عليه وسلم: «سئل عن الوضوء من لحم الإبل، فقال: توضئوا من لحوم الإبل. وسئل عن الوضوء من لحوم الغنم؟ فقال: لا تتوضئوا من لحوم الغنم». 

وفيه حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه: «توضئوا من لحوم الإبل ولا تتوضئوا من لحوم الغنم»، وهما حديثان صحيحان كما قال الإمام أحمد رحمه الله. 

ولهذا ذهب الإمام أحمد رحمه الله وجماعة من أهل الحديث إلى وجوب الوضوء من أكل لحوم الإبل، ذهب إلى هذا ابن خزيمة رحمه الله، وابن المنذر وطائفة من أهل الحديث، وذهب الجمهور والأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأبي حنيفة إلى أنه لا يجب الوضوء من أكل لحوم الإبل. 

واستدلوا بحديث جابر: «كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم عدم الوضوء مما مست النار»، ولكن حديث جابر رضي الله عنه هذا عام، وحديث البراء خاص، والقاعدة عند أهل العلم: أن الخاص يقدم على العام. 

ولهذا عدل الإمام ابن القيم رحمه الله عن الاحتجاج بحديث جابر على عدم وجوب الوضوء من أكل لحم الإبل، وقال: إن هذا عام وهذا خاص، وكانوا في أول الإسلام يتوضئون من أكل كل شيء مسته النار: إذا شرب مرقًا مسته النار، أو أكل سويقًا أو طعامًا توضأ، ثم نسخ ذلك أو بقي على الاستحباب، وأما لحوم الإبل ففيها دليل خاص، ولأن الوضوء من أكل لحوم الإبل عام يشمل النيئ والمطبوخ والمشوي عام بخلاف عدم الوضوء مما مسته النار، لو اكل شئ لم تمسه النار فانه لا ينقض لكن الوضوء من لحم الابل هذا خاص بلحم الابل سواء اكلها نية أو مطبوخة أو مشوية  

ولهذا قال النووي رحمه الله: إن القول بالوضوء من أكل لحم الإبل أصح دليلًا، وإن كان الجمهور على خلافه. 

وقال: ليس عندي إشكال في حديث جابر بن سمرة: «توضئوا من لحوم الإبل، ولا تتوضأوا من لحوم الغنم»، وحديث البراء: «أنه لما سئل أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم، وقيل: أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: لا»، فالوضوء من أكل لحوم الغنم عام يدخل فيه حديث جابر: «كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم عدم الوضوء مما مست النار». 

واختلف العلماء كما سيأتي في الحديث في الوضوء مما مست النار هل هو منسوخ أو بقي على الاستحباب؟ والراجح: أنه بقي الاستحباب. 

ودل حديث جابر أيضًا على النهي عن الصلاة في مبارك الإبل، وأنها لا تصح الصلاة؛ لأن النهي للفساد. 

والعلة في النهي أنها مأوى للشياطين، وهو المكان الذي تقيم فيه عند المراح، وتقيم فيه المدة الطويلة، وأما المكان العارض الذي يكون فيه البعير ثم يذهب فهذا لا يعتبر مبركًا؛ لأن المبرك: هو المكان الذي يطيل فيه الجلوس، ويكون فيه المراح, وأما مكان الغنم فلا بأس بالصلاة فيه. 

وفيه دليل على طهارة أبوال ما يؤكل لحمه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أباح الصلاة في مبارك الغم، ولا تخلو مباركها من البعر والبول، لكنها طاهرة في أصح أقوال العلماء، فجميع ما يؤكل لحمه طاهر حتى الفضلات، طاهر فضلاتها وابوالها. 

وذهب الشافعية إلى أن أبوال ما يؤكل لحمه نجسة. 

وذهب آخرون من أهل العلم إلى أن جميع الأبوال طاهرة ما عدا بول الآدمي وعذرته، وقالوا: إن بول الحيوانات سواء كان مأكول أو غير مأكول فهو طاهر. 

والصواب: هو القول الوسط الذي تجمع عليه النصوص, أما أبوال يؤكل لحمه فروثه ومنيه طاهر، وأما ما لا يؤكل لحمه فهو نجس كالأسد والنمر والكلب والثعلب وغيرها، هذه كلها نجسة؛ لأنها ليست طاهرة كالآدمي.  

أما ما يؤكل لحمه فإنه طاهر حتى فضلاته خلافًا للشافعية الذين يقولون: إن أبوال الإبل والبقر والغنم نجسة، واستدلوا بالأحاديث التي فيها العموم في النهي عن البول ووجوب توقي البول.  

لكن يقال: هذه عامة وهذه خاصة، والدليل على طهارة أبوال الإبل: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر العرنيين لما أقاموا في المدينة أن يلحقوا بإبل الصدقة ويشربوا من أبوالها وألبانها، ولم يقل لهم: اغسلوا أفواهكم فإنها نجسة، ففعلوا وشربوا من أبوالها وألبانها حتى صحوا، فلو كانت نجسة لأمرهم أن يغسلوا أفواههم، وهذا ثابت في الصحيحين، يعني أمرهم أن يشربوا من أبوال الإبل وألبانها فشربوا, فصحوا ولم يأمرهم بغسل أفواهم, فدل على أنها طاهرة, وهذا هو الصواب الذي لا إشكال فيه: أن بول ما يؤكل لحمه وروثه ومنيه وجميع فضلاته طاهرة، وأما ما لا يؤكل لحمه فهو نجس من الحيوانات ومن الآدمي. 

ومن الأدلة على طهارتها: أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في الصلاة في مبارك الغنم، ومن المعلوم أن مبارك الغنم لابد فيها من الروث والبول، ولم يقل: توقوا أو افرشوا شيئًا حائلًا بينكم وبين الأرض، دل على أنها طاهرة. 

فإن قيل: إذا كانت مبارك الإبل مهجورة حيث نقلت الإبل إلى موقع آخر؟ فالأقرب والله أعلم أنه انتقل حكمها، ما صارت مبارك لها, انتقل الحكم عنها، كما لو نقل المسجد إلى مكان آخر فإن حكم المسجد ينتقل، والعلة كما بين النبي أنها من الشياطين؛ لما فيها من الشيطنة والعتو والتمرد، وقد تأتي إلى الإنسان وهو يصلي وتؤذيه مثلًا، لأن البعير إذا اعتاد مكان ما يغير مكانه، ولهذا لا يصلي عن الإيطان كإيطان البعير، كأن يصلي في مكان لا يغيره؛ لأن البعير إذا اعتاد مكان يستمر على هذا المكان, قد يأتي إلى هذا المكان وإذا كان فيه إنسان يبرك عليه. 

فالمقصود: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة في مبارك الإبل، والنهي يقتضي الفساد، وهي من الأشياء الممنوع الصلاة فيها، وهي: المزبلة، والمجزرة، والمقبرة، ومبارك الإبل كل هذه منهي عن الصلاة فيها. 

فالنبي قال: «إنها من الشياطين», يعني فيها شيطنة, والشيطان يطلق على كل عات متمرد من الإنس أو الجن أو الحيوان يسمى شيطان. 

وذكر شيخ الإسلام رحمه الله ابن تيمية وغيره الحكمة في الوضوء من لحم الإبل، فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن هذه من الشياطين، والشيطان مخلوق من نار، والنار تطفأ بالماء، فلهذا وجب الوضوء من أكل لحم الإبل. 

وعلى كل حال فهذا استنباطه وإلا فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالوضوء من أكل لحوم الإبل، ونهى عن الصلاة في مبارك الإبل وقال: إنها من الشياطين. 

أو هي من الشيطنة، فاستنبط رحمه الله أن هذا من الشيطنة, وأصل الشيطان مخلوق من نار, والنار تطفأ بالماء فلهذا وجب الوضوء من أكل لحم الإبل, على كل حال سواء كانت هذه الحكمة أو غيرها, فنحن عبيد مأمورون بأن نقول: سمعنا وأطعنا إذا أمر الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم بشيء أو نهانا عن شيء نقول سمعنا وأطعنا. 

(المتن) 

باب: الوضوء من مس اللحم النيئ وغسله. 

حدثنا محمد بن العلاء وأيوب بن محمد الرقي وعمرو بن عثمان الحمصي المعنى، قالوا: حدثنا مروان بن معاوية أخبرنا هلال بن ميمون الجهني عن عطاء بن يزيد الليثي، قال هلال: لا أعلمه إلا عن أبي سعيد، وقال أيوب وعمرو: وأراه عن أبي سعيد رضي الله عنه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بغلام يسلخ شاة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: تنح حتى أريك، فأدخل يده بين الجلد واللحم فدحس بها حتى توارت إلى الإبط، ثم مضى فصلى للناس ولم يتوضأ». 

زاد عمرو في حديثه -يعني: لم يمس ماء-، وقال: عن هلال بن ميمون الرملي. 

قال أبو داود رواه عبد الواحد بن زياد وأبو معاوية عن هلال عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا، لم يذكر أبا سعيد. 

(الشرح) 

وهذا الحديث فيه هلال بن ميمون الجهني، قال أبو المغيرة: تكلم فيه بعضهم. 

وفيه أنه لا يجب الوضوء من مس اللحم النيئ أو المطبوخ، ولا يجب غسل يده، لكن غسل اليد من باب الاستحباب؛ لئلا يكون فيها شيء من الدهونة، إنما يجب الوضوء من أكل لحم الإبل أما مس اللحم سواء كان نيا أو مطبوخا أو غسله فلا يجب الوضوء منه ولا يجب غسل اليد، وكذلك لو شرب مرقًا أو لبنًا فلا يجب الوضوء من شرب لبن الإبل أو من مرق اللحم ؛ إنما الوجوب من أكل اللحم خاصة. 

واختلف العلماء: هل يجب الوضوء من جميع أجزاء اللحم، أو من اللحم خاصة وهو ما يسمى بالهبر؟ فذهب الحنابلة وجماعة إلى أنه لا يجب الوضوء إلا من اللحم فقط، وأما لو أكل من لحم الرأس أو الكرش أو المصران أو الكبد أو العصب فلا يجب الوضوء. 

والقول الثاني: أنه يجب الوضوء من جميع أجزاء اللحم، وهذا هو الصواب؛ جميع اجزاء الإبل يحب الوضوء منه، سواء أكان اللحم الأحمر، أو الكرش، أو لحم الرأس، أو المصران أو غيره، لأن الله سبحانه وتعالى حرم لحم الخنزير بقوله: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ} [البقرة:/173]. 

فقال: {ولحم الخنزير}؛ ولم يقل أحد: إنه يجوز أكل غير اللحم في الخنزير، كأكل لحم الرأس أو العصب أو الكبد، بل هذا عام جميع أجزاء الخنزير حرام، سواء كام لحما أو عصبا أو كبدا أو كرشا، فكذلك الوضوء من أكل لحم الإبل الصواب أنه عام. 

أما إذا شرب لبن الإبل أو شرب المرق وليس فيه لحم فلا يوجب الوضوء، وكذلك أيضًا إذا مس اللحم، أو ذبح الذبيحة، أو قطع اللحم، أو مس اللحم النيئ أو المطبوخ أو غسله، فلا يوجب الوضوء، وإنما يجب الوضوء من الأكل. 

وفيه: حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم حيث علم هذا الغلام، وقال له: «تنحّ حتى أعلمك، ثم أدخل يده بين الجلد واللحم». 

(.....) 

باب الوضوء يعني حكم الوضوء هل يجب أو لا يجب والدليل يدل على أنه لا يجب . 

هلال بن ميمون الجهني أو الهذلي أبو علي الفلسطيني (.....) بن المسيب ويعلى بن شداد وجماعة. 

والصحيح أنه مختلف فيه، والأقرب أنه لا بأس بحاله. 

 وما دل عليه الحديث صحيح,أنه لا يجب الوضوء من غسل اللحم سواء كان نيًا أو مطبوخًا أو مسه. 

يغسل الدم ولا يجب عليه الوضوء. 

الدم المسفوح، هذا نجس، مسفوح الذي حينما تذبح الذبيحة يسفح الدم هذا، وأما اللحم الذي يبقى في العروق أو في اللحم هذا طاهر؛ لأن الله تعالى قال: {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} [الأنعام/145]؛ والدم المسفوح يكون عند الذبح. 

الغنم لما فيها من السكينة والدعة، بخلاف الإبل فإن فيها قوة وفيها عتو، ولهذا تؤثر الغنم على الرعاة، وتؤثر الإبل على الرعاة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الفخر والخيلاء في أصحاب الإبل، والسكينة والدعة في أصحاب الغنم»، الملابسة تؤثر, تجد الذين يرعون الإبل عندهم خيلاء عندهم فخر، بخلاف أهل الغنم فإن عندهم وديعة عندهم سكينة عندهم هدوء؛ لأن ملابسة الشيء تؤثر عليه، وهؤلاء لابسوا الإبل فأثرت عليهم ؛ الإبل فيها قوة وشيطنة، فأثرت عليهم بالفخر والخيلاء، والغنم فيها دعة وسكينة فأثرت على أصحابها بالتواضع والهدوء. 

(.....) في هذا الحديث غسل اليد. 

في باب الوضوء هل يجب غسل اليد لا يجب من باب النظافه غسل اليد من باب النظافه واذا صلى (.....) إذا حب أن يفسل يديه يكون أحسن. 

(المتن) 

باب: ترك الوضوء من مس ميتة. 

حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا سليمان -يعني: ابن بلال - عن جعفر عن أبيه عن جابر رضي الله عنه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بالسوق داخلًا من بعض العالية والناس كنفتيه، فمر بجدي أسك ميت فتناوله فأخذ بإذنه، ثم قال: أيكم يحب أن هذا له؟» وساق الحديث. 

(الشرح) 

وهذا الحديث رواه الإمام مسلم في صحيحه، وتمامه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بجدي», الجدي: هو ولد المعز الصغير، يقال له جدي ذكر إذا مضى عليه أربعة أشهر أو قريبًا منها، يقال له جدي وإذا كانت أنثى فتسمى سخلة أو عناقًا, والجدي هو التيس الصغير الذي مضى عليه أربعة أشهر أو نحوًا من ذلك. 

قال: «مر النبي صلى الله عليه وسلم بجدي أسك», يعني: صغير الأذن، أو ملتصق الأذن، أو مقطوع الأذن، «ميت فأخذ بأذنه فقال للصحابة: أيكم يحب أن يكون له هذا بدرهم؟»؛ تيس ميت له أربعة أشهر وصغير الأذن أو مقطوع الأذن «فقالوا: يا رسول الله! ما نحب أنه لنا بشيء، وما نصنع به؟! فقال: أتحبون أن يكون لكم هذا؟ قالوا: والله! لا نريده، إنه لو كان حيًا لكان معيبًا»، لو كان حيًا لكان معيب وهو أنه صغير الأذن أو مقطوع الأذن، جدي مقطوع الأذن معيب ومع ذلك ميت, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «للدنيا أهون عند الله من هذا عليكم»، هذا الجدي التيس صغير الأذن أو مقطوع الأذن أو ملتصق الأذن ميت, هين على الناس ما أحد يريده ولا له قيمة, فقال النبي r:«للدنيا أهون على الله من هذا عليكم»، دل على أن الدنيا لا تساوي عند الله شيئًا. 

وفي حديث آخر: «لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرًا منها شربة ماء»، فالدنيا لا تساوي شيئًا عند الله، ولهذا يأكل منها البر والفاجر، فهي عرض حاضر يأكل منها البر والفاجر وفيها اختلاط وامتزاج الأبرار بالفجار، والأخيار بالأشرار، والمؤمنون بالكفار، بخلاف الآخرة، فإنها وعد صادق يحكم فيها ملك قاهر فيحصل التميز والانفصال، فيتميز المؤمنون من الكفار، والأشرار من الأخيار، وأما هذه الدنيا فهي دار اختبار، ودار امتزاج واختلاط الخبيث بالطيب، والمؤمن بالكافر؛ فلهذا صارت ليس لها عند الله قيمة، وهي هينة على الله، فهي أهون على الله من هوان هذا التيس الميت مقطوع الأذن على الناس, كما أنه هين على الناس ولا يريدونه ولا أحد يقبله, فكذلك الدنيا هينة على الله. 

والحديث فيه دليل على أن مس النجاسة اليابسة لا يؤثر على الإنسان، ولا يوجب غسل اليد ولا يجب الوضوء ما دامت يابسة. 

والنجاسة نوعان: رطبة ويابسة، فإذا كانت يابسة فلا يؤثر مسها على اليد، ولا يوجب الوضوء ولا يجب غسل اليد، أما إذا كانت رطبة فلابد من غسل اليد، ولكن لا يوجب الوضوء كما يظن بعض الناس؛ يظن أنه يجب الوضوء لا الوضوء صحيح الوضوء بحالة فإذا مست يدك نجاسة رطبة أو وطأت برجلك نجاسة رطبة تغسل رجلك أو تغسل يدك و الوضوء بحالة لا تعيد الوضوء، لأنك لم تفعل ناقضًا من نواقض الوضوء، ومثله فلو مس إنسان بيده يد كلب يابس فليس عليه شيء، إن كانت يده رطبة أو الكلب رطب يغسل يده. 

(المتن) 

باب: في ترك الوضوء مما مست النار. 

حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس رضي الله عنهما: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ». 

(الشرح) 

وهذا أخرجه الشيخان: البخاري ومسلم رحمهما الله, فيه أن النبي r أكل كتف شاة مطبوخ ولم يتوضأ. 

وفيه دليل على أنه لا يجب الوضوء من أكل لحوم الغنم، وإنما يجب الوضوء من أكل لحوم الإبل. 

وفيه ترك الوضوء مما مست النار، وكانوا في أول الإسلام يتوضئون من أكل أي شيء مسته النار، إذا كان لحمًا مسته النار ، أو أكل طعامًا، أو شرب سويقًا، السويق الحب المحبوس في النار فإنه يتوضأ, ثم نسخ ذلك، ولهذا فإن النبي أكل كتف شاة (.....) صلى ولم يتوضأ.  

وفي الحديث الآخر: «أنه عليه الصلاة والسلام دعي إلى الصلاة وهو يحتز من لحم شاة بالسكين، فقام وترك السكين على اللحم ولم يتوضأ»، وجاء في الحديث الآخر ما يدل على الاستحباب، والنبي صلى الله عليه وسلم فعل هذا يدل على الجواز، لكن إذا توضأ فهو أفضل وإن لم يتوضأ فلا حرج. 

(المتن) 

حدثنا عثمان بن أبي شيبة ومحمد بن سليمان الأنباري المعنى، قالا: حدثنا وكيع عن مسعر عن أبي صخرة جامع بن شداد عن المغيرة بن عبد الله عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: «ضفت النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فأمر بجنب فشوي، وأخذ الشفرة فجعل يحز لي بها منه، قال: فجاء بلال فآذنه بالصلاة، قال: فألقى الشفرة وقال: ماله تربت يداه؟! وقام يصلي». 

زاد الأنباري: «وكان شاربي وفاء فقصه لي على سواك» أو قال: «أقصه لك على سواك». 

(الشرح) 

وهذا فيه دليل على أنه لا يجب الوضوء من أكل لحم الغنم سواء كان مطبوخًا أو مشويًا، وإنما يجب الوضوء من أكل لحوم الإبل خاصة. 

وفيه: جواز القطع بالسكين خلافًا لمن كره ذلك يحتز بالسكين. 

وفيه: أن بلال آذنه بالصلاة فقام وترك الأكل، فاحتج به بعض العلماء على أن الإمام مستثنى من الحديث الآخر: «إذا حضرت الصلاة وقدم العشاء فابدءوا بالعشاء»، قالوا: استثنى من هذا الإمام، قالوا: هذا خاص, فيدل على أن الإمام مستثنى يقوم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قام وترك الطعام ترك الأكل، وكأنه محتاجًا إليه؛ ولهذا قال: «ماله تربت يداه؟!» أي: ما له استعجل؟ قالوا: إن هذا خاص بالإمام والإمام يقوم.  

وأما غير الإمام فإذا قدم العشاء فإنه يبدأ بالعشاء كما في الحديث الآخر: «إذا حضرت الصلاة وقدم العشاء فابدءوا بالعشاء» يكون هذا عام وهذا خاص يستثنى منه الإمام. 

وجمع الخطابي رحمه الله بينهما فقال: إن هذا الحديث فيه دليل على أن الإنسان إذا قدم له الطعام وكان متماسكًا ولا تزعجه الحاجة إلى الأكل، ولا يؤثر عليه في الإتيان بالصلاة بحقوقها ومكملاتها فإنه لا بأس، أما إذا كان صائمًا واشتد عليه الجوع فإنه يقدم العشاء. 

الحديث: «إذا حضرت الصلاة وقدم العشاء فابدءوا بالعشاء»؛ هذا محمول على الصائم إذا كان جائعًا ونفسه تطوق إلى طعام ولا يتماسك, أما هذا الحديث فإنه محمول على الإنسان إذا لم يكن شديد الجوع وهو متماسك ولا يؤثر عليه إن قام إلى الصلاة ولا يشوش ذهنه, فجمع الخطابي بينهما بهذا, وآخرون قالوا: إن هذا خاص بالإمام. 

وقول الخطابي له وجاهة، يعني: إذا كانت نفسه تتوق إلى الطعام ينبغي أن يأخذ نهمته, مثلا إذا قدم له الطعام يأخذ نهمته ولو ما أكمل؛ حتى يزول تعلق النفس به فحسن. 

أما إذا رأى أن النفس تتعلق به وأنه يحصل له تشوش فإن عليه أن يأخذ نهمته ثم يذهب للصلاة، ولو فاتته الجماعة، فيكون هذا عذر من الأعذار في ترك الجماعة، لكن هذا إذا قدم له العشاء، لكن لا ينبغي له إذا سمع الأذان يقديم العشاء؛ لأن هذا معناه تعمد لترك الصلاة، لكن إذا قدم من دون تعمد, قدم العشاء ثم أذن المؤذن أو حضرت الصلاة فإنه يبدأ بالعشاء, ولاسيما إذا كانت نفسه تطوق إلى ذلك. 

وفي الحديث أيضًا: أن النبي صلى الله عليه وسلم قص شاربه على السواك، حيث طال شعر شاربه فوضع السواك ثم قصه عليه، ووضع السواك حتى لا يصيب المقص شيئًا من الجلد، فجعل السواك وقاية، ثم قص ما زاد فوق السواك من الشعر. 

وفيه: مشروعية قص الشارب. 

وفيه: المبادرة إلى ذلك. 

وفيه: حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث إن النبي قص شاربه. 

وجاء عند مسلم من حديث أنس: «أن النبي صلى الله عليه وسلم وقّت في قص الشارب وحلق العانة وتقليم الأظفار ونتف الإبط ألا يترك ذلك فوق أربعين ليلة»، أما المغيرة فطال شاربه؛ لأنه انشغل عنه بالجهاد وأعماله الأخرى، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قصه ولم يمهله المبادرة فوضع السواك عليه؛ حتى يكون وقاية له؛ حتى لا يصيب المقص ما يبلغه من الجلد, وقص ما كان فوق السواك.  

فاجتمع فيه الأمران: كونه يأمن أن يصيب القص شيئًا من الجلد، وأن يقص ما زاد وما طال فوق السواك. 

وأما طريقة ذلك فهي أن يضع السواك على الشفه، والشعر فوق السواك، ثم يقص ما كان فوق السواك، وأبقى بقية وهو ما تحت السواك. 

وينكر على الشخص إذا أطال شاربه فوق أربعين ليلة؛ للوعيد في ذلك، حيث جاء في الحديث قوله: «من لم يأخذ من شاربه فليس منا»، وقوله: «احفوا الشوارب، وأرخوا اللحى؛ خالفوا المشركين». 

الطالب: (.....). 

قوله: «وكان شاربي» ظاهره يعود إلى المغيرة راوي هذا الحديث، وأما بلال فمجيئه عارض, إنما آذن للصلاة. 

الطالب: (.....). 

لكن قد جاء الحديث من رواية الترمذي في الشمائل بلفظ: «وكان شاربه» أي: كان شارب بلال قد طال وأشرف على فمه، والذي يقص منه هو الذي يسيل على الفم, معنى وفى, أي: طال. 

في الرواية الأخرى «وكان شاربه», وأما هنا: «فكان شاربي», ظاهر الرواية هنا أنه المغيرة, فينظر كيف يأتي الجمع بين الروايتين، وأيهما أصح: شاربه أو شاربي؟ فإن كان «وشاربي», ظاهره الضمير يعود إلى المغيرة. 

المهم الحكم, النبي بادر بالامتثال الأمر وفيه حسن خلق النبي r ولم يكل هذا إلى أحد من أصحابه, وإنما فعلها بنفسه عليه الصلاة والسلام. 

والحديث أخرجه الترمذي وابن ماجة وأحمد والنسائي في الكبرى. 

(المتن) 

حدثنا مسدد حدثنا أبو الأحوص حدثنا سماك عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم كتفًا ثم مسح يده بمسح كان تحته، ثم قام فصلى». 

(الشرح) 

هذا فيه دليل على أنه لا يجب الوضوء من أكل لحم الغنم. 

وفيه: جواز مسح اليد بعد الطعام، وأنه لا يجب الغسل وإنما يستحب، فإذا مسح بالمنديل كفى، وإن غسلها فهو أكمل وأفضل. 

 وأصله في الصحيحين: «أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل كتفًا ثم قام فصلى ولم يتوضأ». 

وقوله في حديث المغيرة السابق: «تربت يداه» يعني: لصقت يداه بالتراب من شدة الفقر، وهذا هو الأصل، لكن هذه من الكلمات التي تجري على اللسان ولا يراد بها معناها، ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: «فاظفر بذات الدين تربت يداك»، فهو من باب الحث على الشيء أو تأكيد الشيء، وليس المقصود الدعاء عليه. 

يعني كأنه استعجل عليه والنبي ما أخذ نهمة من الطعام, وهذا من باب تأكيد الشيء أو الحث على الشيء (.....).  

ومثل ذلك ما جاء في الحديث: «عقرى حلقى، أحابستنا هي؟» وذلك لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالرحيل من حجة الوداع، فقالوا: إن صفية حاضت، قال: «عقرى حلقى أحابستنا هي؟! قالوا: إنها أفاضت، قال: أيسروا إذن». 

فقوله: «عقرى» أصلها دعاء بالعقر، و «حلقى» بالحلق، ولكن ليس هذا المراد بها هنا، وإنما هذه كلمات أصبحت تجري على اللسان من غير قصد، على عادة العرب. 

(المتن) 

حدثنا حفص بن عمر النمري، حدثنا همام عن قتادة عن يحيى بن يعمر عن ابن عباس رضي الله عنهما: «أن النبي صلى الله عليه وسلم انتهش من كتف ثم صلى ولم يتوضأ». 

(الشرح) 

وهذا كما سبق في الصحيحين، ويدل على عدم الوضوء من لحم الغنم ومما مسته النار. 

(المتن) 

حدثنا إبراهيم بن الحسن الخثعمي حدثنا حجاج قال ابن جريج: أخبرني محمد بن المنكدر قال: سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول: «قربت للنبي صلى الله عليه وسلم خبزًا ولحمًا، فأكل ثم دعا بوضوء فتوضأ به، ثم صلى الظهر، ثم دعا بفضل طعامه فأكل، ثم قام إلى الصلاة ولم يتوضأ». 

(الشرح) 

الحديث فيه أنه توضأ لصلاة الظهر ولم يتوضأ لصلاة العصر وقد أكل طعامًا، فدل على التوسعة في أن الإنسان مخير إذا أكل طعامًا أو شيئًا مسته النار أو لحم غنم فهو مخير بين الوضوء كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الظهر، وبين عدم الوضوء. 

ويدل عليه حديث: «لما سئل أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت. قيل: أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم». 

(المتن) 

حدثنا موسى بن سهل أبو عمران الرملي حدثنا علي بن عياش حدثنا شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن المنكدر عن جابر رضي الله عنه قال: «كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما غيرت النار». 

(الشرح) 

هذا الحديث هو الذي احتج به الجمهور على أن لحم الإبل لا ينقض الوضوء، لكنه حديث عام، وحديث الوضوء من لحم الإبل خاص. 

(المتن) 

قال أبو داود: وهذا اختصار من الحديث الأول. 

حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح حدثنا عبد الملك بن أبي كريمة قال ابن السرح: ابن أبي كريمة من خيار المسلمين.  

قال: حدثني عبيد بن ثمامة المرادي قال: قدم علينا مصر عبد الله بن الحارث بن جزء رضي الله عنه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسمعته يحدث في مسجد مصر قال: «لقد رأيتني سابع سبعة أو سادس ستة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في دار رجل، فمر بلال رضي الله عنه فناداه بالصلاة فخرجنا، فمررنا برجل وبرمته على النار، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أطابت برمتك؟ قال نعم بأبي أنت وأمي! فتناول منها بضعة فلم يزل يعلكها حتى أحرم بالصلاة، وأنا أنظر إليه». 

 (الشرح) 

الطالب: (.....). 

هذا الحديث قال فيه الألباني: حديث ضعيف. 

أما أحمد بن عمرو بن السرح فهو ثقة. 

وعبد الملك بن أبي كريمة صدوق صالح. 

قال ابن السرح: ابن أبي كريمة من خيار المسلمين. 

وعبيد بن ثمامة مقبول، فيكون ضعيف الا اذا وجد شاهد. 

وهذا الحديث له شاهد عند ابن ماجة وابن حبان في صحيحه، فيرتقي من درجة الضعيف إلى درجة الحسن لغيره. 

وقوله: «بأبي أنت وأمي» يعني: أفديك بأبي وأمي. 

وفي الحديث دليل على أن من أكل من لحم غير الإبل فإنه فلا يجب عليه الوضوء، والحديث وإن كان فيه ضعف لكن له شاهد يرتقي به إلى درجة الحسن. 

فيه دليل على أن من أكل من لحم غير الإبل لا يجب عليه الوضوء ولا يجب عليه غسل اليد, ولهذا فإن النبي r لم يزل يعلك؛ حتى أقاموا الصلاة ولم يتمضمض, فلا تجب المضمضة ولا غسل اليد. 

 وكونه صلى الله عليه وسلم تناول من البضعة إيناسًا له جبرًا للخاطر ففيه حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم، فدل على أنه لا بأس للإنسان إذا أكل لحمًا أو طعامًا أن يصلي ولو لم يتمضمض، ولم يغسل يده، لكن كونه يغسل يده ويتمضمض حتى يزول ما في فمه من فضلات الطعام هذا أفضل، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو لبيان الجواز، ولكن لو تمضمض، وغسل يده هذا هو الافضل والاكمل. 

(المتن) 

باب: التشديد في ذلك. 

حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن شعبة حدثني أبو بكر بن حفص عن الأغر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الوضوء مما أنضجت النار». 

حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا أبان عن يحيى -يعني ابن أبي كثير - عن أبي سلمة أن أبا سفيان بن سعيد بن المغيرة حدثه: «أنه دخل على أم حبيبة رضي الله عنها فسقته قدحًا من سويق، فدعا بماء فمضمض، قالت: يا ابن أختي! ألا توضأ؟ إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: توضئوا مما غيرت النار، أو قال: مما مست النار». 

قال أبو داود: في حديث الزهري: يا ابن أخي!. 

(الشرح) 

هذا الأثر محمول على أن أم حبيبة رضي الله عنها لم تبلغها رخصة عدم الوضوء، وهو حديث جابر: «كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم عدم الوضوء مما مست النار». 

أما حديث أبي هريرة فهذا كان أولًا قبل النسخ. 

الشيخ: (.....). 

وحديث أبي هريرة هذا أخرجه أحمد ومسلم في كتاب الحيض من طريق إبراهيم بن قارظ عن أبي هريرة بلفظ: «توضئوا مما مست النار»، وقد أخرجه النسائي وأحمد جميعًا عن أبي سفيان. 

حديث أبي هريرة واضح هذا كان أولًا «الوضوء مما مست النار», هذا في الأول قبل النسخ, وحديث أم حبيبة أنها أمرت, الظاهر أنها أمرت؛ لأنه بعد وفاة النبي r وأنها لم يبلغها النهي رضي الله عنها وأنها أخذت بالأمر الأول, وهذا منسوخ كما في حديث جابر «كان آخر الأمرين من رسول الله r ترك الوضوء مما مست النار». 

الطالب: (.....). 

وقد أجاب بعض العلماء على حديث أم حبيبة بجوابين:  

الأول: أنه منسوخ بحديث جابر. 

الثاني: أن المراد بالوضوء غسل الفم والكفين. 

قال النووي: ثم إن هذا الخلاف الذي حكيناه كان في الصدر الأول، ثم أجمع العلماء بعد ذلك على أنه لا يجب الوضوء من أكل ما مسته النار. 

واعترض الشوكاني على الجواب الأول: بأن الجواب الأول إنما يتم بعد تسليم أن فعله صلى الله عليه وسلم يعارض القول الخاص وينسخه، والمتقرر في الأصول خلافه. 

الكلام على حديث ام حبيبة فهو محمود على انه لم يبلغها النهي والصواب انه لا يجب الوضوء. 

وقال النووي عن حديث أم حبيبة: «هذا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه لم يبلغها النهي». 

والظاهر من كلام أم حبيبة أنها أوجبت، إذ قالت: «ألا تتوضأ؟ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بالوضوء مما غيرت النار»، والأمر للوجوب. 

أما قول أبي داود في حديث الزهري: يا ابن أخي، فهو وهم؛ لأن أم حبيبة خالة أبو سفيان، ويمكن أن يكون محمولًا على المجاز، او مبني على وهم بعض الراوة. 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد