بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم عَلَى نَبِيُّنَا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(المتن)
قَالَ الإمام أبو داود رحمه الله تعالى:
باب الوضوء من اللبن.
حدثنا قتيبة قال حدثنا الليث عن عقيل عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما: «أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب لبنًا فدعا بماء فتمضمض، ثم قال: إن له دسمًا».
(الشرح)
بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام عَلَى نَبِيُّنَا محمد وعلى آله وصحبه وسلم آمين؛ أَمَّا بَعْدَ:
هذا الحديث رواه الشيخان: والترمذي والنسائي، وفيه دليل على استحباب المضمضة من شرب اللبن.
بين النبي صلى الله عليه وسلم العلة فقال: «إن له دسمًا» فيستحب للمسلم إذا شرب لبنًا أن يتمضمض إذا أراد أن يصلي؛ حتى يذهب الدسم ويزول البقايا التي في الفم.
(المتن)
باب الرخصة في ذلك.
حدثنا عثمان بن أبي شيبة عن زيد بن الحباب عن مطيع بن راشد عن توبة العنبري أنه سمع أنس بن مالك رضي الله عنه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب لبنًا فلم يمضمض ولم يتوضأ، وصلى».
قال زيد: دلني شعبة على هذا الشيخ.
(الشرح)
شعبة دله عليه؛ لأنه ثقة عنده, وهذا فيه دليل عَلَى أنه لا بأس ترك المضمضة من شرب اللبن، وأنه ليس بأمر حتم ولا بواجب، وإنما هو مستحب، فإن تمضمض فحسن، وإن ترك فلا حرج، فليس هناك نسخ كما زعمه بَعْضُهُمْ وأن أحدهم ناسخ للآخر، بل فعله عليه الصلاة والسلام يُحمل على الاستحباب، وتركه يُحمل على الجواز أحيانًا, هَذَا يكون من باب الاستحباب إن أحب أن يتمضمض فهذا أفضل, وإن ترك فلا حرج.
(المتن)
باب الوضوء من الدم.
حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع حدثنا ابن المبارك عن محمد بن إسحاق حدثني صدقة بن يسار عن عقيل بن جابر عن جابر رضي الله عنه قال: «خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني في غزوة ذات الرقاع فأصاب رجل امرأة رجل من المشركين، فحلف ألا أنتهي حتى أهريق دمًا في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فخرج يتبع أثر النبي صلى الله عليه وسلم، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم منزلًا فقال: من رجل يكلؤنا؟ فانتدب رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار، فقال: كونا بفم الشعب، قال: فلما خرج الرجلان إلى فم الشعب اضطجع المهاجري وقام الأنصاري يصلي، وأتى الرجل فلما رأى شخصه عرف أنه ربيئة للقوم، فرماه بسهم فوضعه فيه، فنزعه حتى رماه بثلاثة أسهم، ثم ركع وسجد، ثم انتبه صاحبه، فلما عرف أنهم قد نذروا به هرب، فلما رأى المهاجري ما بالأنصاري من الدماء قال: سبحان الله! ألا أنبهتني أول ما رمى، قال: كنت في سورة أقرؤها فلم أحب أن أقطعها!».
(الشرح)
هَذَا الحديث من رواية صدقة بن يسار عن عقيل بن جابر، وعقيل بن جابر مجهول، ولم يروي عنه إلا صدقة بن يسار، وهو من رواية محمد بن إسحاق في المغازي، ورواه أيضًا أحمد والدارقطني، وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم.
وليس في هذا الحديث دلالة على الوضوء من الدم على فرض صحته، وإنما فيه الاستمرار في الصلاة، والإنسان إذا خرج منه دم أثناء صلاته وكان مستمرًا فإنه يستمر في صلاته، فيكون حكمه حكم المستحاضة التي لا ينقطع عنها الدم؛ لأنه لو قطع الصلاة فلن يفيده ذلك؛ لأن الدماء مستمرة، وكما أن الإنسان إذا كان به جرح سيال يستمر في صلاته، وكذا من فيه سلس البول، ولأن الاستمرار في الصلاة غير ابتدائها، فالاستمرار في الصلاة يستمر الإنسان في صلاته إذا أصابه الدماء, أَمَّا في ابتداء الصلاة فَإِنَّهُ إذا أصابه دماء قبل أن يبتدئ الصلاة فَإِنَّهُ يعالج هَذِهِ الدماء حَتَّى ينقطع دمه ويرقى الدم, وفرق بين ابتداء الصلاة والاستمرار فِيهَا.
ولهذا استمر عمر رضي الله عنه لما طعن وجرحه يثعب دمًا استمر في صلاته، وإن كان قد أناب عبد الرحمن بن عوف في الصلاة، إلا أن ظاهره أنه استمر في صلاته، ولأن أَيْضًا الجراحات التي تصيب الغزاة والمجاهدين في الأسفار والغزوات معفو عنها من أجل المشقة، وقد لا يتمكن من غسلها، وليس هناك دليل واضح على نجاسة الدم، لكن جاء في قصة المستحاضة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اغسلي عنك الدم وتوضئي وصلي» فخصه بعضهم بالدم الخارج من الفرج، وَلَكِن في كون الوضوء من الدم فليس هناك دليل واضح عَلَى وجوب الوضوء من الدم، أَمَّا مسألة الدم نجسًا أو غير نجس؟ فالدم المسفوح الذي يخرج من الذبيحة نجس لقوله تعالى: {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا}[الأنعام/145].
وكذلك الدم الذي يخرج من الفرج كالمستحاضة، وقد نقل النووي الإجماع على ذلك، لكن خروج الدم هل هو من نواقض الوضوء؟ بعض العلماء يرى أن خروج الشيء الفاحش النجس كالدماء وغيرها من النواقض، وليس هناك دليل واضح يدل عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ الوضوء من خروج الدم، لكن إن توضأ فهو مستحب؛ فيه الخروج من خلاف من أوجب، لاسيما إذا كان الدم كثيرًا.
وهذا الحديث ليس فِيه دلالة عَلَى الوضوء ولا عَلَى ترك الدم؛ لِأَنَّ هَذَا الأنصاري استمر في صلاته, ولم يبتدئ الصلاة وفيه دم إِنَّمَا ابتدئ الصلاة وليس فِيه دماء ثُمَّ أصابته دماء فاستمر في صلاته؛ ولأن الغزاة من الجراحات معفو عنهم, وفيه دليل على مشروعية فعل الأسباب، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من يكلؤنا»، وهو رسول الله، وهو سيد المتوكلين، ومع ذلك قال: «من يكلؤنا» أي: من يحفظنا؟ أو من يحرسنا؟ فانتدب المهاجري والأنصاري.
الطالب: (....).
الشيخ: يُستحب له أن يُعيد الوضوء خروجًا من الخلاف, فالأوجب الوضوء للخروج من الشيء الفاحش النجس من الجسد, ولهذا ذكر العلماء الحنابلة وغيرهم, وذكر الإمام محمد بْنِ عبد الوهاب رحمه الله في نواقض الوضوء خروج الفاحش النجس من الجسد, أَمَّا الخروج من القبل أو الدبر هَذَا ما فِيه إشكال.
(المتن)
باب في الوضوء من النوم.
حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق قَالَ: أنبأنا, وفي رواية حدثنا ابن جريج أخبرني نافع حدثني عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شُغل عنها ليلة فأخرها حتى رقدنا في المسجد، ثم استيقظنا ثم رقدنا، ثم استيقظنا ثم رقدنا، ثم خرج علينا فقال: ليس أحد ينتظر الصلاة غيركم».
(الشرح)
يَعْنِي: صلاة العشاء شُغل عنها, هذا رواه الشيخان, وقوله: «رقدنا ثم استيقظنا» يعني: نعسنا، فالمراد برقدنا النعاس، وفيه دليل على أن النعاس لا ينقض الوضوء، وكذلك خفقان الرأس، وإنما الذي ينقضه النوم المستغرق الذي يزول معه الإحساس، كما في حديث صفوان بن عسال: «أمرنا أن لا ننزع أخفافنا ثلاثة أيام إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم»، فقوله: «ولكن من غائط وبول ونوم» يعني: النوم المستغرق، وهذا هو الجمع بين الحديثين، فهذا الحديث فِيه أن النوم المراد به النعاس، وحديث صفوان المراد به النوم المستغرق الذي يزول معه الإحساس.
ماذا قَالَ الألباني عن الحديث الأخير؟.
الطالب: قال الألباني: حديث حسن.
الشيخ: وقد صححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم, كذلك أيضًا أخرجه محمد بن إسحاق في المغازي.
(المتن)
حدثنا شاذ بن فياض حدثنا هشام الدستوائي عن قتادة عن أنس رضي الله عنه قال: «كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخفق رءوسهم ثم يصلون ولا يتوضئون».
(الشرح)
وهذا يبين الحديث السابق وأن المراد بالنوم هو خفقان الرأس والنعاس, وهذا الحديث رواه مسلم, فكون الإنسان يخفق رأسه من النعاس وهو يحس ويشعر بمن حوله ولم يزل الإحساس فهذا لا يوجبه الوضوء عَلَى الصحيح.
(المتن)
قَالَ أبو داود: وزاد فيه شعبة عن قتادة قال: «كنا نخفق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم».
ورواه ابن أبي عروبة عن قتادة بلفظ آخر: حدثنا موسى بن إسماعيل وداود بن شبيب، قالا: حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني أن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «أقيمت صلاة العشاء فقام رجل فقال: يا رسول الله! إن لي حاجة، فقام يناجيه حتى نعس القوم أو بعض القوم، ثم صلى بهم ولم يذكر وضوءًا».
(الشرح)
هذا رواه مسلم، «ولم يذكر وضوءًا» ورواه أيضًا الشيخان عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس، وفيه: أن الصحابة كانوا ينعسون وهم ينتظرون الصلاة فيصلون ولا يتوضئون، وأقرهم النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، دل على أن النعاس لا يوجب الوضوء، وَإِنَّمَا يوجبه النوم المستغرق الذي يزول معه الإحساس.
وفيه: جواز مناجاة الواحد إذا كان عنده جماعة، والمناجاة يعني: التكلم معه سرًا، وإنما المنهي أن يتناجى اثنان ومعهم ثالث يتركونه، أو يتناجى ثلاثة ومعهم رابع وهكذا، وأما إذا تناجى اثنان وهناك اثنان أو ثلاثة أو أربعة فلا حرج، إِنَّمَا المنهي أن يتناجى اثنان ويبقى واحد؛ لِأَنَّ هذا الأمر يحزنه، كما جاء في الحديث: «إذا تناجى اثنان ومعهم ثالث فإن ذلك يحزنه» ويشق عليه ولأنه قد يتصور أنهم يتكلمون فِيه, أَمَّا إذا كَانَ عدد كثير وتناجى اثنان فلا حرج.
وفيه: أنه إذا أقيمت الصلاة وأطال الفصل فلا تعاد الإقامة، ولهذا أقيمت الصلاة وناجى النبي صلى الله عليه وسلم هذا الرجل، ثم صلى ولم يعد الإقامة، وهذا الرجل قيل: إنه رجل له شأن في الإسلام، والله أعلم.
وفيه: حسن خُلق النبي صلى الله عليه وسلم لمناجاة هذا الرجل.
وفيه: تقديم المهمات والأمور المهمة، وأن هذا لا يؤثر ولو كان بعد إقامة الصلاة.
(المتن)
حدثنا يحيى بن معين وهناد بن السري وعثمان بن أبي شيبة عن عبد السلام بن حرب، وهذا لفظ حديث يحيى: عن أبي خالد الدالاني عن قتادة عن أبي العالية عن ابن عباس رضي الله عنهما: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسجد وينام وينفخ ثم يقوم فيصلي ولا يتوضأ، فقلت له: صليت ولم تتوضأ وقد نمت، فقال: إنما الوضوء على من نام مضطجعًا».
(الشرح)
هذا الحديث أوله ثابت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينام وينفخ ويصلي ولا يتوضأ؛ لأن نومه صلى الله عليه وسلم لا ينقض الوضوء، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: «إنما تنام عيناي ولا ينام قلبي» فنوم النَّبِيِّ r لا ينقض الوضوء لِأَنَّه تنام عيناه ولا ينام قلبه, وهذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام.
أما قوله: «إنما الوضوء على من كان مضطجعًا» هذه لفظة منكرة؛ لأنها من طريق يزيد أبو خالد الدالاني، وأبو خالد الدالاني هذا ضعيف يروي المناكير، وهذه اللفظة غير ثابتة ومنكرة، والمنكر: هو مخالفة الضعيف للثقات.
(المتن)
زاد عثمان وهناد: فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله.
قال أبو داود: قوله: «الوضوء على من نام مضطجعًا» هو حديث منكر لم يروه إلا يزيد أبو خالد الدالاني عن قتادة، وروى أوله جماعة عن ابن عباس رضي الله عنهما ولم يذكروا شيئًا من هذا.
(الشرح)
أوله ثابت صحيح, أَمَّا هَذِهِ الزيادة فِيهَا زيادة أبو خالد الدالاني وهي منكرة, قوله: «الوضوء على من نام مضطجعًا» هَذِهِ ليست صحيحة, وهذا الحديث فيه تدليس قتادة، وفيه ضعف أبي خالد الدالاني ومخالفته الثقات.
الطالب: عبد السلام بْنِ حرب قَالَ: ثقة حافظ له مناكير.
الشيخ: وهذا من مناكيره.
(المتن)
وقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم محفوظًا.
وقالت عائشة رضي الله عنها: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «تنام عيناي ولا ينام قلبي».
(الشرح)
وهذا ثابت في الصحيحين قول عائشة: «تنام عيناي ولا ينام قلبي» هَذَا من خصائصه r, نومه لا ينقض الوضوء, أَمَّا نحن فنومنا ينقض الوضوء.
(المتن)
وقال شعبة: إنما سمع قتادة عن أبي العالية أربعة أحاديث: حديث يونس بن متى، وحديث ابن عمر رضي الله عنهما في الصلاة، وحديث: القضاة ثلاثة، وحديث ابن عباس رضي الله عنهما: حدثني رجال مرضيون منهم عمر، وأرضاهم عندي عمر رضي الله عنهم.
(الشرح)
يعني: هَذَا الحديث يكون منقطعًا, أن شعبة إنما روى عن قتادة عن أبي العالية أربعة أحاديث وهذا الحديث ليس منها: «إنما الوضوء على من كان مضطجعًا» فيكون منقطعًا غير ثابت.
(المتن)
وذكرت حديث يزيد الدالاني لـأحمد بن حنبل فانتهرني استعظامًا له.
(الشرح)
لأنه منكر، ذكر الإمام أبو داود أَنَّهُ سأل الإمام أحمد عن هَذَا الحديث فانتهره وقال: إنه ليس بشيء هَذَا الحديث, وكأنه يقول له: لا تذكر هذا الحديث على أنه صحيح، إنما هو ضعيف.
(المتن)
فقال: ما لـيزيد الدالاني يدخل على أصحاب قتادة؟ ولم يعبأ بالحديث.
(الشرح)
قوله: (ولم يعبأ بالحديث) يعني: بزيادة «الوضوء على من كان مضطجعًا».
وقوله: (يدخل على أصحاب قتادة) يعني: على شيوخه، فدل على أن هذه اللفظة منكرة لا يعول عليها.
وأخذ بعضهم بهذا وقال: إن الوضوء لا يجب إلا على من كان مضطجعًا، والنوم فيه خلاف طويل، ما يقرب من ثمان مذاهب أو تسعة مذاهب فقال بعضهم: الوضوء مطلقًا لا ينقض، وبعضهم قال: ينقض مطلقًا حتى النعاس، وبعضهم قال: لا ينقض الوضوء إلا إذا كان راكعًا أو ساجدًا، وبعضهم يقول: إذا كان مضطجعًا وبعضهم قال إن كان في حالة (....) لا ينقض الوضوء.
والصواب: أن النوم المستغرق الذي يزول معه الإحساس هو الذي ينقض الوضوء، أما النعاس وخفقان الرأس فهذا لا يؤثر، وبهذا تجتمع الأدلة كما في حديث صفوان بن عسال: «ولكن من غائط وبول ونوم» قال: فالنوم ينقض الوضوء، وفي الأحاديث الصحيحة وفي غيرها أن الصحابة كانوا يجلسون وتخفق رءوسهم وهم ينتظرون الصلاة ولا يتوضئون، فدل على أنه يُجمع بين الحديثين بهذا وأما النعاس بخفقان الرأس لا ينقض الوضوء, أَمَّا النوم المستغرق الَّذِي يزول معه الإحساس فَإِنَّهُ ينقض الوضوء, وَكَذَلِكَ النوم إذا كَانَ فِيه رؤيا هَذَا مستغرق.
(المتن)
حدثنا حيوة بن شريح الحمصي في آخرين قالوا: حدثنا بقية عن الوضين بن عطاء عن محفوظ بن علقمة عن عبد الرحمن بن عائذ عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وكاء السه العينان فمن نام فليتوضأ».
(الشرح)
هذا رواه ابن ماجة، والسه: الدبر، والوكاء: هو الرباط، والمعنى: أن العينين رباط للحدث ورباط للدبر، والمعنى إذا كَانَ الإنسان مستيقظ فإنه يعلم بخروج الحدث ويمنع نفسه، وأما إذا نام فَإِنَّهُ يخرج الحدث وهو لا يشعر.
والحديث فيه بقية بن الوليد وهو كثير التدليس، وفيه الوضين بن عطاء متكلم فيه، وقد وثقه أحمد وابن معين وضعفه بَعْضُهُمْ, ماذا قَالَ عَلَى الحديث؟.
الطالب: نقلت كلام اِبْن حجر في التلخيص, قال ابن حجر رحمه الله في التلخيص الحبير: وحسن المنذري وابن الصلاح والنووي حديث علي هَذَا, والحديث أخرجه ابن ماجة والبيهقي من طريق بقية به، وأحمد والدارقطني.
وقال: يقصد من ذكر عبد الرحمن بن عائذ من الصحابة قال: ووهم من ذكره من الصحابة, وقال أبو زرعة: لم يسمع عبد الرحمن بْنِ عائذ من علي، وقال ابن حجر في التلخيص: وفي هذا النفي نظر؛ لأنه يروي عن عمر كما جزم به البخاري.
الشيخ: يمسكون علة أخرى, لَكِنْ العلة الوضين وبقية كثير التدليس لَكِنْ كثير التدليس والإرسال هِيَ العلة, أَمَّا الوضين وثقه أحمد وابن معين ومنهم من ضعفه, والمعنى صحيح : «العين وكاء السه» المعنى: أن الإنسان إذا كَانَ مستيقظ فَإِنَّهُ يعلم بخروج الحدث ويمنع نفسه من خروج الحدث, أما إذا نام فَإِنَّهُ يخرج الحدث وهو لا يشعر, وإذا نامت العينان وكان نوم مستغرق فهذا ناقض للوضوء.
(المتن)
باب في الرجل يطأ الأذى برجله.
حدثنا هناد بن السري وإبراهيم بن أبي معاوية عن أبي معاوية ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة أخبرنا شريك وجرير وابن إدريس عن الأعمش عن شقيق قال: قال عبد الله رضي الله عنه: «كنا لا نتوضأ من موطئ، ولا نكف شعرًا ولا ثوبًا».
أخرجه ابن ماجة والبيهقي وابن خزيمة، وقال: هذا الخبر له علة لم يسمعه الأعمش من شقيق, وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي, وقال الألباني: حديث صحيح.
وقد ذكر أبو داود الاختلاف في هذا السند هل هو بصيغة التحديث أم بصيغة العنعنة؟ قال رحمه الله: قال إبراهيم بن أبي معاوية فيه: عن الأعمش عن شقيق عن مسروق، أو حدثه عنه قال: قال عبد الله، وقال هناد عن شقيق أو حدثه عنه قال: قال عبد الله.
(الشرح)
وهذا اختلاف فإذا ثبت أن الأعمش لم يسمع من شقيق صارت علة, ولكن وطء الأذى بالرجل هذا فيه تفصيل: فإن وطأ نجاسة رطبة فلابد من غسل رجله، وأما إذا وطأ نجاسة يابسة فلا يضره ذلك، ولا يجب عليه الوضوء.
وقوله: «ولا نكف شعرًا ولا ثوبًا» هذا ثابت في صحيح مسلم، والمعنى: أن المسلم إذا سجد فإنه يسجد على شعره وثوبه ولا يكفهما؛ لحديث: «نهيت أن أقرأ القرآن راكعًا أو ساجدًا وألا أكف شعرًا ولا ثوبًا» رواه مسلم في صحيحه, أَمَّا وطء الأذى في الرجل فهذا فِيه تفصيل: إن كانت النجاسة يابسة فلا يضر, وإن كانت رطبة فَإِنَّهُ يغسل رجله ولا يتوضأ.
وإذا مشى في الأرض فالأصل فيها الطهارة إلا إذا علم أنها نجسة فَإِنَّهُ يغسل رجله, كَانَ الصحابة يخوضون في المياه في الشوارع بأرجلهم ولا يغسلون لِأَنَّ الأصل فِيهَا الطهارة إِلَّا إذا علم النجاسة فَإِنَّهُ يغسل الرجل ولا يُعاد الوضوء, قوله: «كنا لا نتوضأ من موطأ ولا نكف شعرًا ولا ثوبًا» الوطء لا يتوضأ منه، وإنما تغسل الرجل إذا وطئت نجاسة رطبة، وإن وطئت يابسة فلا يضر.
الطالب: في ترجمة أبي معاوية, قَالَ: هو محمد بن خازم، ذكره الحافظ رحمه الله في التقريب, قَالَ: محمد بْنِ خازم ثقة أحفظ الناس لحديث الأعمش، وقد يهم في حديث غيره, وهو في الأعمش من أوثق الناس وأحفظهم لحديثه.
الشيخ: يَعْنِي: هَذَا رد لكلام اِبْن خزيمة لَكِنْ عَلَى كُلّ حال المعنى صحيح وطء الأذى لا يوجب الوضوء.
الطالب: (....).
الشيخ: وكف الثياب معلوم مثل من يشمر ذراعه أو ذراعيه، لأن النبي نهى أن يكف المصلي ثيابه وشعره، ولما رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا معكوف الشعر حله، وأنكر عليه ذلك, وعقد الشعر معناه منعه من إصابة الأرض، ففي حالة الركوع يتركه.
الطالب: العلة في منعنا عن التكفيف؟
الشيخ: (....)
وفي حالة الركوع المشلح يكفه أو يتركه؟.
الشيخ: يتركه إِلَّا إذا كَانَ ينتشر عَلَى من حوله فلا بأس.
الطالب: (....).
الشيخ: يرفعه ويباشر الأرض.
(المتن)
باب فيمن يحدث في الصلاة.
حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير بن عبد الحميد عن عاصم الأحول عن عيسى بن حطان عن مسلم بن سلام عن علي بن طلق رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا فسا أحدكم في الصلاة فلينصرف فليتوضأ وليعد الصلاة».
(الشرح)
هذا الحديث فيه أن خروج الريح يبطل الصلاة والوضوء، وعليه أن يعيد الوضوء والصلاة: «إذا فسا أحدكم في الصلاة فلينصرف فليتوضأ وليعد الصلاة».
والحديث صححه أحمد والترمذي, ما تخريجه عندك؟.
الطالب: والترمذي والنسائي والدارمي وابن حبان من طريق عاصم الأحول بِهِ, وقال أبو عيسى: حديث علي بن طلق حديث حسن, وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح.
الشيخ: لا بأس به (....)، وهو أصح من حديث عائشة الذي فيه: «إذا خرج من أحدكم مذي أو دم أو قلس فلينصرف وليتوضأ، وليبن على صلاته ولا يتكلم» فهو حديث ضعيف، وقد أخذ به بعض العلماء كـمالك وأبي حنيفة وقالوا: إذا خرج من الإنسان حدث فَإِنَّهُ يخرج ويتوضأ ولا يتكلم، وليبنِ على صلاته, هذا حديث ضعيف فلا يعارض حديث علي بن طلق فإنه حديث صحيح وعليه العمل، وهذا إذا كان في الصلاة، وإن كان خارج الصلاة بطل الوضوء وعليه أن يتوضأ من جديد.
وهذا الحديث حديث صحيح صححه أحمد وغيره والعمدة عليه ولا يعارض بحديث عائشة؛ لِأَنَّه حديث ضعيف لا يُحتج بِهِ, فَإِذَا خرج من الإنسان الحدث بطلت الصلاة وبطل الوضوء, إن كَانَ في الصلاة بطلت الصلاة والوضوء, وإن كَانَ خارج الصلاة بطل الوضوء, فليتوضأ من جديد, ومثله إذا كان يطوف بالبيت وخرج منه الحدث فإنه يبطل الطواف، وعليه أن يتوضأ ويعيد الطواف من جديد، وهذا هو الصواب.
الطالب: في شدة الزحام في الطواف؟.
الشيخ: ولو, ولو في شدة الزحام إذا خرج منه الحديث يبطل الطواف وهذا الَّذِي عليه جمهور العلماء, وبعض العلماء يرى الطهارة ليست شرطًا للطواف، وهو ظاهر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وجماعة، وقال الإمام أبو حنيفة وبعضهم قَالَ: إنه يجبره بدم، والصواب الذي عليه الجمهور أَنَّهُ يبطل الطواف كالصلاة.
الطالب: (....).
الشيخ: «إذا كان أحدكم في صلاة ثم خرج من أحدكم مذي أو دم أو قلس فلينصرف وليتوضأ، وليبن على صلاته ولا يتكلم» ماذا قَالَ؟.
الطالب: فيعارضه حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله r قَالَ: «من أصابه قيء أو رعاف أو قلس أو مذي فلينصرف وليتوضأ، ثُمَّ ليبن على صلاته وهو في ذلك لا يتكلم» أخرجه اِبْن ماجة وضعفه أحمد وغيره.
الشيخ: ضعيف لا يعارض الحديث.
(المتن)
باب في المذي.
حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبيدة بن حميد الحذاء عن الركين بن الربيع عن حصين بن قبيصة عن علي رضي الله عنه قال: «كنت رجلًا مذاء فجعلت أغتسل حتى تشقق ظهري، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم أو ذكر له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تفعل، إذا رأيت المذي فاغسل ذكرك وتوضأ وضوءك للصلاة، فإذا فضخت الماء فاغتسل».
(الشرح)
هذا الباب, والأبواب الآتية كلها معقودة للمذي وحكمه, والمذي: هو ماء أبيض رقيق لزج يخرج عند الملاعبة وعند اشتداد الشهوة وتذكر الجماع، وقد لا يحس الإنسان بخروجه، يُبتلى بِهِ الإنسان فلهذا جاء الشرع بتخفيف حكمه، فنجاسته نجاسة مخففة.
وهذا الحديث حديث علي رضي الله عنه هذا أخرجه النسائي، وأخرجه الشيخان من حديث محمد بن علي وهو: ابن الحنفية عن أبيه بنحوه مختصرًا، وهو دليل على أن خروج المذي لا يوجب الغسل، وإنما يوجب الوضوء، وهذا هو الصواب الذي عليه الجماهير خلافًا لمن قال: إنه يوجب الغسل، وهو قول شاذ.
علي رضي الله عنه قال: «كنت رجلًا مذاء» ومذاء صيغة مبالغة، أي: أنه كان كثير المذي، قال: «فجعلت أغتسل حتى تشقق ظهري» أي: أصابه تشقق بسبب كثرة الاغتسال في الشتاء، فبين له النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يوجب الغسل وإنما يوجب الوضوء، ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا تفعل، إذا رأيت المذي فاغسل ذكرك وتوضأ وضوءك للصلاة» فدل هذا على أن المذي إنما يوجب الوضوء ولا يوجب الغسل، وهو يدل على وجوب غسل الذكر كله من المذي، فقد قال له: «فاغسل ذكرك» وهذا هُوَ الصواب, وتأوله بعضهم أن المراد غسل ما أصابه المذي، والصواب أن المراد غسل جميع الذكر، وهذا بخلاف البول فإنه يُغسل رأس الذكر فقط، وأما المذي فإنه يغسل الذكر كله، وكذا يغسل أنثييه من المذي وهما خصيتاه، كما سيأتي في الأحاديث: «اغسل ذكرك وأنثييك» ولعل الحكمة في ذلك والله أعلم: أن غسل الذكر والأنثيين يتقلصان بسبب الخارج.
قوله: «فإذا فضخت الماء فاغتسل» أي: إذا صببته بشدة فاغتسل، والمراد بالماء هنا المني، فهذا يدل على أن المني يوجب الغسل، وهو الذي يخرج بقوة وبلذة، وأما إذا خرج المني بغير شهوة كما يخرج من المريض فهذا حكمه حكم البول، فقد يصاب بعض المرضى بخروج المني من غير شهوة, قَد يصاب الإنسان بمرض يسمى الإبردة، فإذا أصيب بهذا المرض خرج منه المني من غير شهوة، وهذا لا يوجب الغسل وإنما يوجب الوضوء، فالذي يوجب الغسل هو الذي يخرج دفقًا بلذة وبقوة؛ بسبب الشهوة.
وكذلك إذا خرج منه المني في النوم ولو لم يذكر احتلامًا فإنه يجب عليه الغسل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما الماء من الماء» وهذا الحديث باقٍ حكمه في خروج المني في النوم، فإذا رأى المني في ثوبه أو فخذيه فإن عليه أن يغتسل ولو لم يذكر احتلامًا.
وأما إذا احتلم في النوم ولم يجد بللًا في ثوبه فلا يجب الغسل؛ لأن العبرة بخروج المني في النوم، وأما في اليقظة فإنه يجب عليه الغسل بخروج المني، وبالجماع ولو لم يخرج المني كما سيأتي في الأحاديث.
وفي هَذَا الحديث أن المني هُوَ الَّذِي يوجب الغسل وهو الَّذِي يخرج دفعًا بلذة وشهوة, ولهذا قَالَ: «فَإِذَا فضخت الماء» يَعْنِي: صببت بشدة, «فاغتسل» فدل الحديث عَلَى هَذِهِ الأحكام أن المذي يوجب الوضوء ولا يوجب الغسل, ودل عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ غسل الذكر أَيْضًا وَكَذَلِكَ الأنثيين, ودل عَلَى أن خروج المني بلذة يوجب الغسل.
الطالب:(....).
الشيخ: العلماء يَقُولُونَ: إذا خرج منه المني بعد ذلك فلا يغتسل له, كالحنابلة وغيرهم, لكن ينبغي للإنسان ألا يعجل وألا يبادر بالاغتسال حتى يتأكد من خروج المني للخارج، وإذا قضى حاجته وخرج منه بَعْدَ ذلك يكون أولى, كأن يقضي حاجته من البول هَذَا يكون أولى فينبغي للإنسان أن يحتاط بمثل هَذَا.
الطالب: (....).
الشيخ: هذا ثابت في الأحاديث الأخرى خروج المني بلذة يوجب الغسل.
(المتن)
حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن أبي النضر عن سليمان بن يسار عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه: «أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أمره أن يسأل له رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل إذا دنا من أهله فخرج منه المذي ماذا عليه؟ فإن عندي ابنته وأنا أستحيي أن أسأله، قال المقداد: فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: إذا وجد أحدكم ذلك فلينضح فرجه، وليتوضأ وضوءه للصلاة».
(الشرح)
في هذا الحديث أن عليًا أمر المقداد أن يسأل له، وفي حديث آخر أنه أمر عمارًا، وفي رواية أخرى أنه سأل بنفسه، وقد جمع ابن حبان بين هذه الأحاديث: بأن عليًا أمر عمارًا أن يسأل، ثم أمر المقداد، ثم سأل بنفسه، استحسن هذا الحافظ ابن حجر رحمه الله يقول: إنه جمع جيد إلا أن قوله في بعض الروايات إنه استحى من السؤال بنفسه لا ينافي قوله إنه سأله بنفسه، فهذا يحمل على المجاز، أي: يحمل قوله: سأله بنفسه أنه هو الآمر، ومن أمر فكأنما سأل.
وهذا الحديث فيه غسل الفرج من المذي كما تقدم ثُمَّ الوضوء بلا غسل، وأن المني يوجب الغسل ثم الوضوء، ولهذا قال: «إذا وجد أحدكم ذلك فلينضح فرجه، وليتوضأ وضوءه للصلاة» والمراد بالنضح هنا تمام الغسل لا الرش.
وقوله: «إذا دنا من أهله فخرج منه المذي» أي: ماذا عليه؟ والمذي هو ما يخرج من الإنسان عند اشتداد الشهوة, ماذا عليه هَلْ الوضوء أو الغسل؟ قَالَ: «إذا وجد أحدكم ذلك فلينضح فرجه، وليتوضأ وضوءه للصلاة».
وهذا الحديث أخرجه النسائي وابن ماجة، لَكِنْ الحديث منقطع؛ لأن سليمان بن يسار لم يسمع من المقداد بن الأسود، لكنه شاهد لما قبله, ماذا قَالَ؟.
الطالب: (....).
الشيخ: وهذا نقله الشارح عن الشافعي أَنَّهُ قَالَ: لا نعلم أَنَّهُ سمع منه شَيْئًا.
الطالب: الشارح قال: وقد رواه بكير بن الأشج عن سليمان بن يسار عن ابن عباس في قصة علي والمقداد موصولًا.
الشيخ: أي: من رواية أخرى, وأما هذه الرواية فهي منقطعة.
الطالب: وسليمان بن يسار المدني هو أحد الفقهاء السبعة، روى عن زيد بن ثابت وعائشة وأبي هريرة ومولاته ميمونة وأرسل عن جماعة.
الشيخ: ما ذكر روايتها عن المقداد فالظاهر أنها منقطعة، لكن الحديث شاهد لما قبله، وروي موصولًا من طريق أخرى كما عن اِبْن عباس, رواه بكير بن الأشج عن سليمان بن يسار عن ابن عباس، وهي موصولة، وهو يشهد لما قبله، ويدل على أن المذي يوجب غسل الفرج والوضوء فقط دون الغسل.
الطالب: (....).
الشيخ: والمراد بالنضح ليس مجرد الرش كما ينضح بول الصبي الذي لم يأكل الطعام بالماء، فنجاسته مخففة، فإذا أصاب الثوب يكفيه الرش، لكن خروج المذي من الذكر فيه الغسل ولا يكفي الرش.
الطالب: (....).
الشيخ: وعلى كل حال فإن هذه الرواية ثابتة من طريق أخرى، ويشهد لها الحديث الذي قبله.
(المتن)
حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير عن هشام بن عروة عن عروة أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال للمقداد رضي الله عنه، وذكر نحو هذا، قال: فسأله المقداد رضي الله عنه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليغسل ذكره وأنثييه».
قال أبو داود: ورواه الثوري وجماعة عن هشام عن أبيه عن المقداد عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي قال: حدثنا أبي عن هشام بن عروة عن أبيه عن حديث حدثه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قلت للمقداد رضي الله عنه فذكر معناه.
قال أبو داود: رواه المفضل بن فضالة وجماعة والثوري وابن عيينة عن هشام عن أبيه عن علي رضي الله عنه، ورواه ابن إسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه عن المقداد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر أنثييه.
(الشرح)
هذا الحديث ذكر فيه المؤلف رحمه الله هذه الروايات المعلقة؛ ليبين الاختلاف في رواية غسل الذكر والأنثيين، ولهذا اختلف العلماء في غسل الأنثيين تبعًا لثبوت هذه الرواية أو عدم ثبوتها، وَلَكِن هذا الحديث الأول وهو حديث هشام بن عروة عن عروة فِيه غسل الذكر والأنثيين، والمراد بالأنثيين: الخصيتين، فهي ثابتة من رواية عروة بن الزبير عن علي، وعروة معاصر لـعلي رضي الله عنه، وهو ابن عشرين سنة لما ذهب علي إلى الكوفة, وهو مستغرق السماع هُوَ عَلَى مذهب الإمام مسلم المعاصرة فتثبت رواية غسله.
وكذلك غسل الأنثيين ثابت من رواية أبي عوانة الإسفرائيني في صحيحه من حديث سليمان بن حيان عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن عبيدة السلماني عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، كما ذكر العلامة ابن القيم رحمه الله، وفيه يغسل ذكره وأنثيية، فتثبت رواية الغسل وعليه فيجب غسل الذكر والأنثيين, يعني: الخصيتين من المذي، وكأن الحكمة والله أعلم حتى يتقلص الخارج وهذا خاص بالمذي غسل الذكر كامل والخصيتان، وأما البول فلا تغسل الأنثيان ولا يُغسل الذكر كاملًا, وإنما يغسل رأس الذكر فقط.
الطالب: تكون رواية متصلة؟.
الشيخ: نعم.
الطالب: وقوله الشارح: الزهيري عن هشام منقطع؟.
الشيخ: فِيه نظر, وهو أن عروة ما سمع.
الطالب: قوله: الزهيري عن هشام, قَالَ الشارح: أراد المؤلف ذكر أن رواية غسل الأنثيين غير واردة من وجه صحيح؛ لأن حديث زهير عن هشام بْنِ عروة مرسل.
الشيخ: رواية عروة فثابتة، وكذلك رواية أبي عوانة الإسفرائيني ثابتة ذكرها ابن القيم رحمه الله، فرواية أبي عوانة عن علي ثابتة, لكن رواية زهير عن هشام إن كانت ثابتة فتكون كل من الروايتين تعضد الأخرى، وإن لم تثبت كان المنقطع يعضد المتصل.
الطالب: قال في الحاشية: وإسناد هذا الحديث واضح.
الشيخ: عَلَى هَذَا كأنه يرى سماع زهير.
الطالب: وهو زهير بن حرب بن شداد الحرشي بفتح المهملتين بعدهما معجمة مولاهم أبو خيثمة النسائي الحافظ، عن جرير بن عبد الحميد وهشيم وابن علية وحفص بن غياث، روى عنه البخاري ومسلم وغيرهما.
الشيخ: ولم يذكر روايته عن هشام فيحتاج إلى تأمل.
الطالب: (....).
الشيخ: يَعْنِي بينهم 12 سنة.
الطالب: (....).
الشيخ: الصواب أَنَّهُ سمعه لِأَنَّه كَانَ اِبْن عشرين لما ذهب علي إِلَى الكوفة, لَكِنْ رواية هشام, رواه زهير عن هشام.
(المتن)
حدثنا مسدد قال: حدثنا إسماعيل؛ يَعْنِي: ابن إبراهيم, أخبرنا محمد بن إسحاق حدثني سعيد بن عبيد بن السباق عن أبيه عن سهل بن حنيف رضي الله عنه قال: «كنت ألقى من المذي شدة، وكنت أكثر من الاغتسال، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: إنما يجزيك من ذلك الوضوء، قلت: يا رسول الله! فكيف بما يصيب ثوبي منه؟ قال: يكفيك بأن تأخذ كفًا من ماء فتنضح بها من ثوبك حيث ترى أنه أصابه».
(الشرح)
تُرى أحسن, ويصلح: تُرى بمعنى: تظن, تَري بمعنى: تبصر وتشاهد.
وهذا الحديث أخرجه الترمذي وابن ماجة وفيه أن المذي يوجب الوضوء وأنه لا يوجب الغسل، ولهذا قال: «إنما يجزيك من ذلك الوضوء».
وفيه أن المذي إذا أصاب الثوب فإنه يكفيه النضح وهو الرش بدون غسل؛ لأن نجاسته مخففة كبول الغلام الذي لم يأكل الطعام، وهذا من فضل الله تعالى وإحسانه؛ لِأَنَّ المذي قَد يُبتلى به الإنسان كثيرًا ولاسيما الشاب، فالله تعالى خفف في حكمه بأن جعل نجاسته مخففة يكفيها الرش مثل بول الغلام الرضيع، وأما بول الجارية فلابد من غسله، ولهذا قال: «يكفيك أن تأخذ كفًا من ماء فتنضح بها من ثوبك» أيْ: ترش، «حيث تَرى» أي تبصر فيه، أو «حيث تُرى» بالضم أي: تظن.
الطالب: (....).
الشيخ: الأول نضح الفرج المراد بِهِ الغسل, النضح يأتي بمعنى الرش ويأتي بمعنى الغسل, والنضح بالنسبة للذكر المراد به الغسل، وبالنسبة لما أصابه من الثوب فالمراد به الرش، فالنضح يأتي لهذا ولهذا.
الطالب: (....).
الشيخ: جاء في الروايات الأخرى وفسر قَالَ: «اغسل ذكرك» الغسل غير الرش, وهنا قَالَ: «يكفيك أن تأخذ كفًا من ماء فتنضح بها فرجك» يكفيك هَذَا يفيد التخفيف.
الطالب: (....).
الشيخ: (....) والمذي المعروف عنه أنه نجس، ونجاسته مخففة، أَمَّا المني لا يجب فيه الغسل بل الوضوء.
(المتن)
حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا عبد الله بن وهب حدثنا معاوية يعني ابن صالح عن العلاء بن الحارث عن حرام بن حكيم.61@@@
(الشرح)
حرام بن حكيم بالحاء والراء المهملتين المفتوحتين هو الأنصاري العبدلي، وأما المهاجرون ففيهم حزام بالزاي، وهو حزام بن حكيم, ماذا قَالَ عنه؟.
الطالب: (....).
الشيخ: ماذا عن حزام؟.
الطالب: حزام بْنِ حكيم قَالَ: مقبول.
الطالب: (....).
الشيخ: هذا حرام بْنِ حكيم عن عمه عبد الله الأنصاري, هَذَا في الأنصار, أَمَّا حزام في المهاجرين.
الطالب: بْنِ حكيم بْنِ حزام الأسدي إذا تبين القرشي مقبول من الثامنة.
الشيخ: هَذَا القرشي, وهذا حجازي, حرام اِبْن حكيم هَذَا أنصاري, وهذا حجازي.
(المتن)
عن حرام بن حكيم عن عمه عبد الله بن سعد الأنصاري قال: «سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يوجب الغسل، وعن الماء يكون بعد الماء، فقال: ذلك المذي، وكل فحل يمذي، فتغسل من ذلك فرجك وأنثييك، وتوضأ وضوءك للصلاة».
(الشرح)
وهذا الحديث أخرجه الترمذي طرفا منه, وأخرجه ابن ماجة والحديث لا بأس بسنده، وفيه دليل بين على غسل الذكر مَعَ الأنثيين، قَالَ: «فتغسل من ذلك فرجك وأنثييك، وتوضأ وضوءك للصلاة» وعلى أن المذي يوجب الوضوء ولا يوجب الغسل، «عن الماء يكون بَعْدَ الماء» يَعْنِي: المذي يكون عقب البول متصلًا به.
ومذى يمذي مثل مضى يمضي، ويمذي من الرباعي أَمذى يُمذي, وكل فحل يمذي، وهذا عام في جميع الفحول.
(المتن)
حدثنا هارون بن محمد بن بكار حدثنا مروان يعني ابن محمد حدثنا الهيثم بن حميد حدثنا العلاء بن الحارث عن حرام بن حكيم عن عمه: «أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يحل لي من امرأتي وهي حائض؟ قال: لك ما فوق الإزار، وذكر مؤاكلة الحائض أيضًا» وساق الحديث.
(الشرح)
هذا الحديث فيه دليل على جواز استمتاع الرجل من امرأته الحائض بما فوق السرة؛ لقوله: «لك ما فوق الإزار» والإزار يكون من السرة إلى الركبة، دل على أنه يستمتع بما فوق السرة وهذا هو الأفضل، وأن يأمرها أن تضع إزارًا إذا أراد أن يستمتع بها، ولكن لا بأس في الاستمتاع بما تحت الإزار أيضًا بشرط اجتناب الفرج، ويدل على هذا حديث أنس عند مسلم: «اصنعوا كل شيء إلا النكاح» أي: إلا الجماع، فدل على أن قوله: «لك ما فوق الإزار» محمول على الاستحباب، فالأفضل أن يباشر ما فوق الإزار وأن يأمرها أن تضع إزارًا من السرة إلى الركبة، هذا هو الأفضل، ولكن لا بأس بالاستمتاع بما تحت الإزار مع اجتناب الجماع.
وفيه دليل على مؤاكلة الحائض، وفيه الرد على اليهود الذين لا يؤاكلون الحائض ولا يجالسونها ولا يجامعونها، بل يهجرونها في البيوت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اصنعوا كل شيء إلا النكاح» فقالت اليهود: ما يريد هذا الرجل بشيء إلا أن يخالفنا.
ولما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك سأله بعض الصحابة: أفلا نجامعها؟ فسكت النبي صلى الله عليه وسلم حتى ظن أنه وجد عليه أسيد بن حضير ثم بَعْدَ ذلك جاءه لبن فسقاهما، فعلم أنه لم يغضب عليهما.
الطالب: وجه الاستشهاد بحديث (....).
الشيخ: هُوَ ما ذكر بقية الحديث, تكلم عن مناسبة الحديث؟ كأنه يحتمل أن حرام بْنِ حكيم روى هَذَا الحديث وهذا الحديث مقرونًا.
الطالب: والحديث (....) أخرجه الإمام أحمد في مسنده بسنده عن معاوية يعني: ابن صالح عن العلاء بن الحارث عن حرام بن حكيم عن عمه عبد الله بن ثابت أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يوجب الغسل، وعن الماء يكون بعد الماء، وعن الصلاة في البيت؟.
الشيخ: عن الماء يكون بَعْدَ الماء هَذَا هُوَ المذي, كأن الشرح اختصره أو من ساق الحديث اختصره، وذكر أن رواية هذا الحديث ثابتة، وأن رواية حرام بن حكيم عن عمه ثابتة، فذكر الآن ما يتعلق بالاستمتاع من الحائض، ولم يذكر حكم الماء من الماء؛ اختصره اكتفاءً بذكره الحديث السابق.
لَكِنْ حتى في الحديث الذي بعده كذلك ذكر الاستمتاع، وكأن المؤلف رحمه الله أدخل حديث الاستمتاع، ويُحتمل والله أعلم أن يكون وجه المناسبة أنه عند الاستمتاع تشتد الشهوة ويخرج المذي، فلهذا ذكره, ذكر هَذَا الحديث والحديث الَّذِي بعده وهو استمتاع لرجل بامرأته وأن الاستمتاع والمباشرة في الغالب توجب خروج المذي, ولهذا ذكر ما يسبب خروج المذي وذكر حكمه في الأحاديث السابقة.
الطالب: (....) وحديث عبد الله بن سعد الذي في حكم المذي فيه الأمر بالاستمتاع من الحائض بما فوق الإزار، وحديث معاذ فيه أن التعفف عن ذلك أفضل، وصرح المؤلف بأن حديث معاذ ضعيف.
الشيخ: حديث معاذ سيأتي بَعْدَ هَذَا.
الطالب: (....).
الشيخ: هَذَا الأقرب, يَعْنِي: أن الملاعبة أو الاستمتاع سبب لخروج المذي فذكر حكمها وأن الإنسان له رخصة الاستمتاع ولو كَانَ هَذَا يسبب المذي والمذي عُرف حكمه أَنَّهُ يغسل ما أصابه ويغسل ذكره.
(المتن)
حدثنا هشام بن عبد الملك اليزني حدثنا بقية بن الوليد عن سعد الأغطش وهو ابن عبد الله عن عبد الرحمن بن عائذ الأزدي قال هشام: وهو ابن قرط أمير حمص، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: «سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يحل للرجل من امرأته وهي حائض؟ قال: فقال: ما فوق الإزار، والتعفف عن ذلك أفضل».
قال أبو داود: وليس بالقوي.
(الشرح)
يَعْنِي: هذا الحديث ضعيف وقد ضعفه أبو داود رحمه الله.
وفيه أربع علل إحداها:
الأولى: عنعنة بقية بن الوليد وهو مدلس.
والثانية: ضعف سعد الأغطش.
والثالثة: الانقطاع فإن عبد الرحمن بن عائذ لم يسمع من معاذ.
والرابعة: النكارة في المتن, شاذ منكر المتن, وهي زيادة قوله: «والتعفف من ذلك أفضل» وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستمتع بما فوق الإزار، وكان إذا أراد أن يستمتع من أهله أمرها بأن تضع الإزار فيستمتع بها، فكيف يكون التعفف أفضل، وهو فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا منكر فِيه نكارة, فهذا الحديث ضعف, وقد ضعفه المؤلف رحمه الله وقال: ليس بالقوي, يَعْنِي: هُوَ ضعيف.
(المتن)
باب في الإكسال.
حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو يعني ابن الحارث عن ابن شهاب حدثني بعض من أرضى أن سهل بن سعد الساعدي أخبره أن أبي بن كعب أخبره «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما جعل ذلك رخصة للناس في أول الإسلام لقلة الثياب، ثم أمر بالغسل ونهى عن ذلك».
قال أبو داود: يعني الماء من الماء.
(الشرح)
الإكسال معناه: الضعف والفتور، وهو: أن يجامع فلا يُنزل هَذَا هُوَ الإكسال, فما حكم الإكسال يَعْنِي: إذا جامع ولم يُنزل هَلْ يوجب الغسل أو لا يوجب الغسل؟ فالصواب في هَذَا أَنَّهُ يوجب الغسل, إذا جامع وغيب الحشفة في الفرج وجب الغسل ولو لم يُنزل، وكان في أول الإسلام إذا جامع الإنسان ولم يُنزل، غسل ذكره وتوضأ وضوءه للصلاة، ثم نُسخ ذلك، وأوجب الله سبحانه وتعالى عَلَى لسان نبيه الغسل بالجماع.
وهذا الحديث فيه مجهول، لأنه قال: (حدثني بعض من أرضى أن سهل بن سعد) فهذا مبهم لأنه قَد يرضاه هو لابد من تسميته؛ لأنه قد يرضاه هو ولا يرضاه غيره، لعلة قادحة فيه، وَلَكِن الحديث له شواهد في الصحيحين وغيرهما في أن الإنسان إذا جامع ولم يُنزل فإنه يجب الغسل.
وهنا قَالَ: (وأبي بن كعب أخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما جعل عدم الاغتسال من الجماع بغير إنزال رخصة للناس في أول الإسلام؛ لقلة الثياب ثم أمر بالغسل ونهى عن ذلك) هذا ثابت بالأحاديث الصحيحة، وإن كان هذا الحديث فيه انقطاع.
قَالَ أبو داود: (الماء من الماء) الماء الأول: ماء الغسل، والماء الثاني: ماء المني، في أول الإسلام قَالَ: «إِنَّمَا الماء من الماء» أي: لا يجب الغسل إلا إذا خرج المني، وهذا كان في أول الإسلام ثم نُسخ وبقي حكم ذلك في النائم فلا يجب عليه الغسل إلا إذا رأى المني.
الطالب: قوله: (حدثني بعض من أرضى) قال ابن حبان: تتبعت طرق هذا الخبر على أن أجد أحدًا رواه عن سهل بن سعد فلم أجد في الدنيا أحدًا إلا أبا حازم، فيشبه أن يكون الرجل الذي قال الزهري: حدثني بعض من أرضى عن سهل بن سعد هو أبو حازم.
الشيخ: وعلى هذا فيكون الحديث متصلًا، لكن هو بهذا السند منقطع, لَكِنْ تشهد له النصوص الأخرى كما سيأتي.
الطالب: (....).
الشيخ: وسيأتي في الحديث الذي بعده، أن قليلاً من الصحابة والتابعين ذهبوا إلى أنه لا غسل إلا من الإنزال.
(المتن)
حدثنا محمد بن مهران البزاز الرازي حدثنا مبشر الحلبي عن محمد أبي غسان عن أبي حازم، عن سهل بن سعد قال: حدثني أبي بن كعب: «أن الفتيا التي كانوا يفتون أن الماء من الماء كانت رخصة رخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم في بدء الإسلام ثم أمر بالاغتسال بَعْدَ».
(الشرح)
هذا الحديث فيه ذكر أبو حازم الساقط في الحديث السابق، قَالَ: أبو حازم الذي يروي عن سهل بن سعد, وهذا الحديث أخرجه الترمذي وابن ماجة، وقال الترمذي: حسن صحيح.
وسهل بن سعد يقول: حدثني أبي بن كعب: («أن الفتيا التي كانوا يفتون أن الماء من الماء كانت رخصة رخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم في بدء الإسلام ثم أمر بالاغتسال بَعْدَ») والذين يفتون بذلك جماعة من الصحابة منهم: علي وعثمان والزبير وطلحة وأبو أيوب كَانُوا يفتون بذلك، كما أخرج الشيخان في صحيحيهما (أن هؤلاء الصحابة كانوا يفتون أن الماء من الماء) يعني: أنه لا يجب الغسل إلا من خروج المني، فإذا جامع ولم يُمني فلا يجب الغسل، وهذا كان رخصة في أول الإسلام رخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أمر بالاغتسال بعد ذلك، وهذا صريح بأن هذا الحكم منسوخ، وهو أَنَّهُ لا يَجِبُ الغسل إِلَّا من خروج المني ولو جامع, إذا جامع ولم يمني لا يَجِبُ الغسل هَذَا في أول الإسلام ثُمَّ نُسخ, وهذا ثابت في الصحيحين وفي غيرهما, ثُمَّ أمر بالاغتسال بمجرد الإيلاج ومس الختان الختان كما في الحديث الَّذِي بعده.
(المتن)
حدثنا مسلم بن إبراهيم الفراهيدي، حدثنا هشام وشعبة عن قتادة عن الحسن عن أبي رافع عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قعد بين شعبها الأربع وألزق الختان بالختان فقد وجب الغسل».
(الشرح)
الطالب: (....).
وهذا الحديث رواه الشيخان بدون لفظ: («وألزق الختان بالختان») والمراد بشعبها الأربع هي: اليدان والرجلان هذا هو الأقرب، وقيل: الرجلان والفخذان وقيل: الفخذان والختان.
ففي رواية البخاري («إذا قعد بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل») وفي لفظ: («وإن لم يُنزل») جهدها يعني: كناية عن الجماع, شدها بحركته، وهذا الحديث فيه دليل على أنه يجب الغسل بمجرد الإيلاج فإذا أولج الذكر في الفرج، ومس الختان الختان؛ فإنه يجب الغسل.
والمراد من قوله: («ألزق الختان بالختان») أي: ألزق ختان الرجل بختان المرأة، والمراد تلاقي موضع القطع من الذكر مع موضعه من فرج الأنثى، وذلك لا يكون إلا إذا غاب الذكر في الفرج، وليس المراد حقيقة المس, المراد تغييب الحشفة وهي رأس الذكر في الفرج، فلا يلاقي الختان الختان إلا إذا غيب الحشفة.
وقد أجمع العلماء على أنه لو وضع ذكره على ختانها ولم يغيب الحشفة لم يجب الغسل لا عليه ولا عليها، وإنما يجب الغسل بتغييب الحشفة في الفرج أو قدرها إذا كانت مقطوعة فإذا غيب الحشفة وهي رأس الذكر في الفرج فحينئذ يلتقي الختان بالختان؛ لأن الختان في المرأة في أعلى الفرج، فإذا غيب الحشفة في الفرج التقى الختان بالختان وليس المراد مس الختان بالختان.
فدل على أن قوله: («إنما الماء من الماء») منسوخ، وبقي الماء من الماء من الاحتلام، فإنه لا يغتسل حتى يخرج منه الماء وهو المني، فإن احتلم ولم يخرج منه شيء فلا غسل عليه، بخلاف المجامع فإنه إذا أولج ومس الختان الختان وغيب الحشفة في الفرج، فإنه يجب عليه الغسل.
(المتن)
حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الماء من الماء» وكان أبو سلمة يفعل ذلك.
(الشرح)
هذا الحديث منسوخ بحديث: «إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جاهدها فقد وجب الغسل» أخرجه الشيخان، وفي لفظ لـمسلم: «وإن لم يُنزل» بقي هذا في النوم فلا يجب الغسل إلا إذا خرج الماء وهو المني، هذا هو الصواب، وقد بقي بعض الصحابة، وبعض التابعين على الأمر الأول، وكأنه لم يبلغهم النسخ، ولهذا قال الشارح: (واعلم أن قليلًا من الصحابة والتابعين ذهبوا إلى أنه لا غسل إلا من الإنزال) وهو مذهب داود الظاهري، وهو قول ضعيف مرجوح.
والصواب الذي عليه الجماهير أنه يجب الغسل بمجرد التقاء الختانين بعد غيبوبة الحشفة في الفرج وهذا لا ينبغي العدول عنه، وفي أحاديث في الباب كلها تدل على هَذَا وذكر الشارح طرفًا منها.
الطالب: (....).
الشيخ: إذا قطعت الحشفة ثم غيب مقدارها وجب الغسل.
الطالب: (....).
الشيخ: (....) كما سمعت المذي طاهر والمني نجس.
الطالب: (....).
الشيخ: النضح في الثوب يَعْنِي: الرش, والنضح في الفرج هُوَ: الغسل.