بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم عَلَى نَبِيُّنَا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(المتن)
قَالَ الإمام أبو داود رحمه الله تعالى:
باب في الجنب يعود.
حدثنا مسدد حدثنا إسماعيل حدثنا حميد الطويل عن أنس رضي الله عنه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف ذات يوم على نسائه في غسل واحد».
قال أبو داود: وهكذا رواه هشام بن زيد عن أنس ومعمر عن قتادة عن أنس وصالح بن أبي الأخضر عن الزهري كلهم عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم.
(الشرح)
هذا الحديث أخرجه الشيخان البخاري ومسلم رحمهما الله، وهو دليل على أن الغسل لا يجب بين الجماعين، وأن الإنسان إذا جامع زوجته ثم أراد أن يجامع مرة أخرى فلا يجب الغسل وإنما يستحب له أن يتوضأ بينهما، اما الغسل فلا يجب، (.....) إذا جامع عددًا من زوجاته فلا يجب عليه الغسل، لكن الغسل أفضل بَعْدَ كُلّ جماع, وإن اقتصر على الوضوء فلا حرج.
ومقصود المؤلف رحمه الله من إيراد التعاليق في قوله: (وهكذا رواه هشام بن زيد عن أنس ومعمر عن قتادة عن أنس وصالح بن أبي الأخضر عن الزهري كلهم عن أنس) أن الزيادة: «في غسل واحد» محفوظة, في قول أنس («إن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف ذات يوم على نسائة في غسل واحد») وإن لم يذكرها بعض الرواة عن أنس.
وقد استدل بعض العلماء بهذا الحديث على أن القسم بين الزوجات ليس واجبًا على النبي صلى الله عليه وسلم حيث أنه طاف على نسائه بغسل واحد، وهذا يدل على أن القسم ليس بواجب؛ لأن وطء المرأة في (.....) نوبتها ممنوع، وذهب إلى هذا طائفة من أهل العلم، وعند الأكثرين ذهبوا إلى وجوب القسم بين الزوجات وَلَكِن أجابوا عن هذا الحديث بأجوبة منهم من قال: أن هذا كان برضا صاحبة النوبة، ومنهم من قال: أن هذا كان عند استيفاء القسمة، ثم يستأنف قسمة جديدة، ومنهم من قال: أن هذا كان عند السفر؛ لأنه كان إذا سافر أقرع بين نسائه فإذا انصرف استأنف، ومنهم: من قال أن هذا كان قبل وجوب القسم، والأقرب أن هذا لا يخل بالقسم إذا كان في وقت واحد.
وفيه دليل على ما أعطيه النبي صلى الله عليه وسلم من القوة في الجماع، ولهذا قال أنس: «كنا نحدث أنه أعطي قوة ثلاثين رجلًا في الجماع» عليه الصلاة والسلام.
وقد ذكر العلماء في تعدد الزوجات للنبي صلى الله عليه وسلم من الحكم أنهن ينقلن الأحكام التي لا يطلع عليها الرجال، ومن الحكم أيضًا ما يحصل من التآلف بين عدد من القبائل التي تزوج منهم النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون ذلك عونًا له على القيام بالدعوة ونشر الإسلام.
الطالب: (.....)؟.
الشيخ: هَذَا إذا قِيلَ: لا يكون في وقت واحد, أو يقدم صاحبة النوبة، أو يكون عِنْد القدوم من سفر أو ما أشبه ذلك, هَذَا إذا قِيلَ بأنه لا يُخل بالوجوب.
(المتن)
باب الوضوء لمن أراد أن يعود.
حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد عن عبد الرحمن بن أبي رافع عن عمته سلمى عن أبي رافع رضي الله عنه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف ذات يوم على نسائه يغتسل عند هذه وعند هذه قال: فقلت له: يا رسول الله، ألا تجعله غسلًا واحدًا؟ قال: هذا أزكى وأطيب وأطهر».
قال أبو داود: حديث أنس أصح من هذا.
(الشرح)
ماذا قَالَ عن تخريج الحديث هَذَا؟.
الطالب: أخرجه النسائي وابن ماجة وَكَذَلِكَ أحمد.
الشيخ: تكلم عن عبد الرحمن وعمته سلمى؟.
الطالب: والكلام على عبد الرحمن بن أبي رافع وعمته سلمى وهما مقبولان، روت عن أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم وعنها ابن اخيها عبد الرحمن بن أبي رافع وغيره، ويقال ابن فلان ابن ابي رافع ذكرها ابن حبان في الثقات، وقال ابن القطان: لا تُعرف.
عن ابي رافع القبطي مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلف في اسمه على اربعة (.....).
الشيخ: عبد الرحمن بن أبي رافع الاول ما تكلم عليه، عمته سلمى مقبولة, يَعْنِي: الحديث ليس بالقوي، لكن له شواهد أخرى وقد حسنه الألباني.
الطالب: (.....) وقال في التقريب: عبد الرحمن بن أبي رافع مقبول من الرابعة.
الشيخ: يكون مقبول وعمته مقبولة، والمقبول إذا توبع ارتفع إلى درجة الاحتجاج.
وقال أبو داود: حديث أنس أصح من هذا لا شك؛ لأن حديث أنس السابق في الصحيحين وفيه أنه ترك الاغتسال، وفي هذا الحديث أنه اغتسل، ويُحمل هذا على استحباب الغسل قبل المعاودة، وحديث أنس السابق دليل على جواز ترك الغسل، ولهذا لما سأل أبو رافع النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ألا تجعله غسلًا واحدًا؟ قال: هذا أزكى وأطيب وأطهر» فالغسل أفضل قبل معاودة الوطء، وإن تركه واكتفى بالوضوء فلا حرج.
(المتن)
حدثنا عمرو بن عون، حدثنا حفص بن غياث عن عاصم الأحول عن أبي المتوكل عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أتى أحدكم أهله ثم بدا له أن يعاود فليتوضأ بينهما وضوءًا».
(الشرح)
وهذا الحديث أخرجه مسلم في صحيحه والترمذي والنسائي وابن ماجة، وفيه استحباب الوضوء قبل معاودة الوطء، وقيل: إن الوضوء واجب، وذهب إلى هذا الظاهرية وجماعة، والجمهور على أنه مستحب وحملوا الأمر على الاستحباب، وذهب الظاهرية والمالكية للوجوب, بعض العلماء حمله عَلَى الوضوء اللغوي, وقال الجمهور: إن الذي حمل الأمر عن الوجوب إلى الاستحباب قوله في رواية أحمد بن حنبل وابن حبان والحاكم «فإنه أنشط للعود» فهذا يدل على الاستحباب، وأما الظاهرية وابن حنبل ومالك فقد ذهبوا إلى أنه للوجوب؛ وهو الأصل في الأوامر أنها للوجوب.
وبعض أهل العلم حمله على الوضوء اللغوي قالوا: ورد به غسل الفرج فقط، لكن ابن خزيمة رحمه الله رد هذا؛ لما رواه من طريق ابن عيينة عن عاصم في هذا الحديث فقال: «فليتوضأ وضوءه للصلاة» فالمراد بِهِ الوضوء الشرعي.
والأصل أن الشارع تحمل ألفاظه على الاصطلاحات الشرعية والحقائق الشرعية، هذا هو الأصل، لكن هل هو للوجوب أو للاستحباب؟ قول الظاهرية قول قوي في الوجوب والجمهور حملوه على الاستحباب لقوله في الرواية الأخرى: «فإنه أنشط للعود» عَلَى هذا يكون الوضوء بين الجماعين مستحب متأكد أو واجب، أما الغسل فإنه مستحب وليس بواجب كما في حديث أنس, وحديث أبي رافع يحمل على استحباب الغسل، وحديث أنس السابق يدل على أنه لا يجب الغسل.
الطالب: حدث أبي رافع يُحمل عَلَى (.....).
الشيخ: عَلَى استحباب الغسل, وحديث أنس يُحمل عَلَى الجواز, وحديث ابي سعيد هَذَا يدل عَلَى الوضوء وعلى تأكد الوضوء بين الجماعين.
الطالب: (.....)؟.
الشيخ: أظن الذي أشار إِلَى حمله عَلَى الوضوء اللغوي إسحاق بْنِ راهوية, وذكر هَذَا الحافظ رحمه الله.
(المتن)
باب في الجنب ينام.
حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أنه قال: «ذكر عمر بن الخطاب رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تصيبه الجنابة من الليل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: توضأ واغسل ذكرك ثم نم».
(الشرح)
هذا الحديث أخرجه الشيخان والنسائي، كما مر معنا في النسائي وفي البخاري أَيْضًا وفي مسلم, والحديث فيه دليل على أمر الجنب بالوضوء إذا أراد أن ينام وهو للاستحباب، وذهب الظاهرية إلى الوجوب وهو قول قوي وأن الجنب إذا أراد أن ينام فَإِنَّهُ يتأكد في حقه الوضوء تأكدًا قويًا؛ لأن الأصل في الأوامر أنها للوجوب إلا بصارف, فقول الظاهريه هنا قول قوي ينبغي للإنسان إذا أراد أن ينام وهو على جنابة أَنَّهُ يُكره في حَقّه كراهة شديدة أن ينام بدون لانه يخفف الجنابة, ويغسل ذكره ويتوضأ.
قوله: «توضأ واغسل ذكرك ثم نم» الواو لا تقتضي الترتيب, يعني: أنه يغسل ذكره أولًا ثم يتوضأ؛ لأن الواو لا تقتضي الترتيب وَإِنَّمَا تقتضي الجمع بين الأمرين, فوضوء الجنب للنوم متأكد جدًا، ثم يليه الوضوء للأكل، ثم يليه الوضوء للشرب، وآكدها الوضوء للنوم.
قوله: «ثم نم» من نام ينام ومن خاف يخاف، والأمر منهما نم وخف.
الطالب: (.....).
الشيخ: سيأتي الحديث فيه.
(المتن)
باب الجنب يأكل.
حدثنا مسدد وقتيبة بن سعيد قالا: حدثنا سفيان عن الزهري عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة».
حدثنا محمد بن الصباح البزاز حدثنا ابن المبارك عن يونس عن الزهري بإسناده ومعناه، زاد: «وإذا أراد أن يأكل وهو جنب غسل يديه».
قال أبو داود: ورواه ابن وهب عن يونس فجعل قصة الأكل قول عائشة رضي الله عنها مقصورًا.
(الشرح)
الحديث الأول: (باب الجنب يأكل) يَعْنِي: قبل أن يغتسل, وفيه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة» قد سبق الكلام عليه، لكن حديث محمد بن الصباح زاد: «وإذا أراد أن يأكل وهو جنب غسل يديه» فدل على أن الجنب له أن يأكل ويشرب من غير وضوء، ويأتي في الباب الذي بعده أنه يستحب له الوضوء، فهذا هُوَ الجمع بينهما أنه يجوز له أن يأكل من دون وضوء ولكن الوضوء أفضل, هَلْ تكلم عَلَى تخريج حديث عائشة؟.
الطالب: البخاري ومسلم والنسائي, وابن ماجة وأحمد وابن خزيمة.
(المتن)
حدثنا محمد بن الصباح البزاز حدثنا ابن المبارك عن يونس عن الزهري بإسناده ومعناه، زاد: «وإذا أراد أن يأكل وهو جنب غسل يديه».
قَالَ أبو داود: ورواه اِبْن وهب عن يونس فجعل قصة الأكل قول عائشة رضي الله عنها مقصورًا, رواه صالح بْنِ أبي الأخضر عن الزهري كما قَالَ اِبْن المبارك إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: عن عروة أو أبي سلمة, ورواه الأوزاعي عن يونس عن الزهري عن النَّبِيِّ r كما قَالَ اِبْن المبارك.
(الشرح)
فيُحمل عَلَى الجواز وأنه يجوز له أن يأكل وهو جنب ويكتفي بغسل يديه ولا يتوضأ, وإن توضأ فهو أفضل, للحديث الآتي.
(المتن)
باب من قال: يتوضأ الجنب.
حدثنا مسدد حدثنا يحيى حدثنا شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يأكل أو ينام توضأ» تعني وهو جنب.
(الشرح)
باب من قال: (يتوضأ الجنب) يَعْنِي: ثُمَّ يأكل, أو يشرب, أو ينام.
في هذا الحديث: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يأكل أو ينام توضأ» وهذا الوضوء للاستحباب كما سبق عند الجمهور، وهو للوجوب عند الظاهرية إذا أراد أن ينام, والحديث أخرجه مسلم والنسائي وابن ماجة.
(المتن)
حدثنا موسى يعني ابن إسماعيل حدثنا حماد يعني ابن سلمة أخبرنا عطاء الخراساني عن يحيى بن يعمر عن عمار بن ياسر رضي الله عنه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للجنب إذا أكل أو شرب أو نام أن يتوضأ».
قال أبو داود: بين يحيى بن يعمر وعمار بن ياسر في هذا الحديث رجل، وقال علي بن أبي طالب وابن عمر وعبد الله بن عمرو رضي الله عنهم: «الجنب إذا أراد أن يأكل توضأ».
(الشرح)
هذا الحديث ضعيف لانقطاعه، كما قال أبو داود: (بين يحيى بن يعمر وعمار بن ياسر رجل) فيكون منقطعًا، وهو ضعيف، لَكِنْ شاهد للحديث الَّذِي قبله, أو يشهد له الحديث الذي قبله، وهو يدل على مشروعية الوضوء للجنب إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو ينام.
كذلك أثر علي بْنِ أبي طالي رضي الله عنه يؤيد هَذَا, علي بن أبي طالب وابن عمر وعبد الله بن عمرو كلهم قالوا: «أن الجنب إذا أراد أن يأكل توضأ» أخذاً من الأحاديث والنصوص.
(المتن)
باب في الجنب يؤخر الغسل.
حدثنا مسدد حدثنا معتمر ح وحدثنا أحمد بن حنبل حدثنا إسماعيل بن إبراهيم قالا: حدثنا برد بن سنان عن عبادة بن نسي عن غضيف بن الحارث، قال: «قلت لـعائشة رضي الله عنها أرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من الجنابة في أول الليل أم في آخره؟ قالت: ربما اغتسل في أول الليل، وربما اغتسل في آخره، قلت: الله أكبر الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة، قلت: أرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر أول الليل أم في آخره؟ قالت: ربما أوتر في أول الليل وربما أوتر في آخره، قلت: الله أكبر! الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة، قلت: أرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجهر بالقرآن أم يخفت به؟ قالت: ربما جهر به وربما خفت، قلت: الله أكبر!! الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة».
(الشرح)
وهذا الحديث فيه أنه لا بأس بتأخير الجنب للغسل إلى آخر الليل، لكن يتوضأ قبل النوم كما ثبت في الصحيحين وغيرهما وكما سبق في حديث عمر، أن النَّبِيِّ r قَالَ: «أحدنا ينام وهو جنب؟ قَالَ: نعم إذا توضأ» وفي الحدث الآخر قال «توضأ واغسل ذكرك ونم» فلا بأس أن يؤخر الجنب الغسل لكن يتأكد في حَقّه أن يتوضأ قبل أن ينام, ويكره في حقه كراهة شديدة ترك الوضوء، حتى قال الظاهرية: بأن الوضوء واجب، وهو قول قوي؛ لأن الأصل في الأوامر أنها للوجوب.
وأما ما ذكر من أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر في أول الليل، ويوتر آخره فقد جاء في الصحيح عن عائشة أنها قالت: «من كل الليل أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم (.....)».
وكذلك قراءة القرآن، كان يجهر ويخافت على حسب الحال، إن كان عنده من يتأذى بالجهر كالنائم فإنه يخافت بها، وإن لم يكن عنده من يتأذى جهر.
الشيخ: تكلم عن غضيف بْنِ الحارث؟.
الطالب: غضيف بن الحارث السكوني روى عن عمر وبلال وروى عنه مكحول وعبادة بن نسي (.....) ويقال: الثمالي أبو أسماء الحمصي مختلف في صحبته، ومنهم من فرق بين غضيف بن الحارث وغطيف بن الحارث،(.....) قال ابن أبي حاتم: قال أبي وأبو زرعة: غضيف بن الحارث له صحبه (.....).
ومن قال: إن اسمه الحارث بن غضيف فقد وهم، والصحيح أنه بقي إلى زمن عبد الملك بن مروان،(.....)وقال العجلي: غضيف بن الحارث تابعي شامي ثقة، وقال الدارقطني: ثقة من أهل الشام، وذكره جماعة من التابعين.
(.....) الكندي أبو عمروا الأردني (.....)، قاضي طبرية عن أبي الدرداء وأبي موسى وشداد بن أوس وغضيف بن الحارث وخباب بن الأرت وخلق، وعنه برد بن سنان والمغيرة بن زياد وطائفة، وثقه ابن معين والنسائي، وقال (.....)مات سنة ثمانية عشرة ومائة.
الشيخ: والحديث ثابت، وما دل عليه الحديث له شواهد كثيرة في الصحيحين وفي غيرهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ربما أخر الاغتسال إلى آخر الليل، وكذلك أيضًا الإيتار في اول اليل وآخره كَانَ النَّبِيِّ r يوتر أول الليل ثم ينتهي وتره إلى السحر.
الطالب: (.....).
(المتن)
حدثنا حفص بن عمر النمري حدثنا شعبة، عن علي بن مدرك، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير، عن عبد الله بن نجي، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تدخل الملائكة بيتًا فيه صورة ولا كلب ولا جنب».
(الشرح)
وهذا الحديث سبق وأن أخرجه النسائي، وسبق الكلم فيه والحديث في صحته نظر، من أجل الكلام في عبد الله بن نجي وفي أبيه، قال البخاري رحمه الله: عبد الله بن نجي فيه نظر وأبوه نجي أيضًا فيه كلام, وقال الحافظ: مقبول وفي كلام في صحة الحديث.
والعلماء اختلفوا في صحته منهم من صحح حديثه، ومنهم من لم يصحح، ولو صح فهو محمول كما قَالَ النسائي رحمه الله على ما إذا لم يتوضأ: «لا تدخل الملائكة بيتًا فيه صورة ولا كلب ولا جنب» لو صح, كما بوب النسائي رحمه الله باب الجنب إذا لم يتوضأ وساق هذا الحديث, والبخاري رحمه الله كذلك أَيْضًا بوب قَالَ: باب كينونة الجنب في البيت إذا توضأ، فإذا توضأ زال محظور، اما اذا لم يتوضأ فإنه يشمله هذا الحديث.
وسبق الكلام على أن قوله: («لا تدخل الملائكة بيتًا فيه صورة ولا كلب») هذا الحديث مخرج في الصحيحين، والمراد بالكلب الكلب غير المأذون فِيه, غير كلب الصيد والزرع والغنم، والمراد بالصورة صور ذوات الأرواح ويستثنى من هذا الصور الصور الممتهنة، وكذلك صور غير ذوات الأرواح لا تؤثر.
وسبق في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن للجنب إذا توضأ أن ينام، فكيف يأذن لهم النَّبِيِّ r والنبي r ربما أخر النبي صلى الله عليه وسلم الغسل إلى آخر الليل، ثُمَّ يَقُولُ: «إن الملائكة لا تدخل بيتًا فِيه جُنب» هَذَا ما يدل عَلَى ضعف هَذَا الحديث.
ولهذا اختلف العلماء في صحته، والأقرب أن هذه اللفظة لا تصح، وإن صحت فهي محمولة على ما إذا لم يتوضأ كما سبق.
الطالب: (.....)؟.
الشيخ: والصورة مطلقًا لا تجوز إلا للضرورة، وصور ذوات الأرواح لا تجوز إلا إذا أزيل الرأس والوجه.
(المتن)
حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام وهو جنب من غير أن يمس ماء».
قال أبو داود: حدثنا الحسن بن علي الواسطي، قال: سمعت يزيد بن هارون يقول: هذا الحديث وهم، يعني حديث أبي إسحاق.
(الشرح)
أبو إسحاق السبيعي هُوَ متكلم فيه، وهذا الحديث فيه كلام كثير للعلماء، والمستنكر منه قوله ينام وهو جنب: («من غير أن يمس ماء») فإن هذا مخالف للأحاديث الصحيحة التي فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للجنب أن ينام إذا توضأ، وربما أخر الغسل إلى آخر الليل.
وقد اختلف العلماء في ثبوت هذه اللفظة: («من غير أن يمس ماء») أبو داود نقل عن الحسن بن علي الواسطي قال: سمعت يزيد بن هارون يقول: هذا الحديث وهم، يعني: حديث أبي إسحاق, يَعْنِي قوله: («من غير أن يمس ماء»).
ونقل ابن القيم رحمه الله كلامًا في هذا للعلماء, ورجح أن هذه اللفظة وهم، والصواب ما قاله ابن القيم أن هذه اللفظة وهم وغلط من أبي إسحاق، وعليه فلا يصح الحديث، والصواب أن هذه اللفظة وهم وغلط من أبي إسحاق السبيعي فلا تصح، وعلى هذا فلا يشكل يزول المحظور، لو صح فله جوابان كما قال النووي رحمه الله:
الجواب الأول: أن المراد أنه لا يمس ماء للغسل، لكنه يمس ماءً للوضوء.
الجواب الثاني: أنه كان في بعض الأوقات لا يمس ماء أصلًا؛ لبيان الجواز.
هَذَا لو صح, والأقرب أَنَّهُ لا يصح, والصواب أن هذه اللفظة غير صحيحة لَكِنْ لو صح فرضًا فيحمل عَلَى أحد الجوابين:
الجواب الأول: أن المراد أنه لا يمس ماء للغسل، لكنه يمس ماءً للوضوء.
الجواب الثاني: أنه كان في بعض الأوقات لا يمس ماء، يترك الوضوء؛ لبيان الجواز.
وعلى كُلّ حال فالصواب: أن هذا الحديث غير صحيح, وأنه وهم كما بين ذلك الأئمة أبو داود وغيره وكما نبه عَلَى ذلك اِبْن القيم أن هَذِهِ اللفظة وهمٌ من أبي إسحاق السبيعي فلا يصح
الطالب: (.....)؟.
الشيخ: وأبو إسحاق رحمه الله مدلس، فيحتمل أنه دلسه عن غيره؛ لأن الأحاديث كثيرة كما في رواية الأسود عن عائشة رضي الله عنها في إثبات الوضوء، فيحتمل أنه دلس عن غير الأسود.
الطالب: وقد جاء عند البيهقي صرح بالسماع في هذه الرواية.
الشيخ: لو ثبت هذا فهو شاذ مخالف للأحاديث الصحيحة.
الطالب: (.....)؟.
الشيخ: مثل ما سبق أن هَذِهِ اللفظة شاذة منكرة , ولو صح يُحمل عَلَى أَنَّهُ لو مس ماءً للغسل أو أنه ترك في هذه المرة لبيان الجواز.
(المتن)
باب في الجنب يقرأ القرآن.
حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة قال: «دخلت على علي رضي الله عنه أنا ورجلان: رجل منا، ورجل من بني أسد أحسب، فبعثهما علي وجهًا وقال: إنكما علجان فعالجا عن دينكما، ثم قام فدخل المخرج، ثم خرج فدعا بماء فأخذ منه حفنة فتمسح بها، ثم جعل يقرأ القرآن؛ فأنكروا ذلك، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج من الخلاء فيقرؤنا القرآن، ويأكل معنا اللحم، ولم يكن يحجبه أو قال: يحجزه عن القرآن شيء ليس الجنابة».
(الشرح)
وهذا الحديث في هذه الترجمة لبيان حكم قراءة الجنب للقرآن، وفيه قصة عبد الله بن سلمة قال: («دخلت على علي أنا ورجلان رجل منا من بني مراد، ورجل من بني أسد، فبعثهما علي وجهًا») أي: في جهة ولاية («وقال: إنكما علجان فعالجا عن دينكما.
قال: ثم قام فدخل المخرج») وهو بيت الخلاء, («ثم خرج فدعا بماء فتمسح منه ولم يتوضأ، ثم جعل يقرأ القرآن فأنكروا ذلك، فأخبرهم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج من الخلاء فيقرأ القرآن، ويأكل اللحم، ولا يمنعه شيء من القرآن إلا الجنابة») أو لا يحجُبُه أو يحجِبه من باب نصر ينصر، أو من باب ضرب يضرب, أو قال: (لا يحجزه من القرآن شيء إلا الجنابة) يعني: إلا الجنابة.
والحديث أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة، وهو حديث ضعيف؛ لأن فيه عبد الله بن سلمة (.....)، وأُنكر من حديثه، فلا يتابع حديثه، ولكن ورد في الباب أحاديث تحصل قوة بإنضمام بعضها إلى بعض فيصح للاحتجاج، ولهذا ذهب الجمهور من العلماء إلى أن الجنب لا يقرأ شيئًا من القرآن ولو كان عن ظهر قلب، وهذا الحديث وإن كان ضعيفًا لكن له شواهد يتقوى بها، ولهذا ذهب الجمهور إِلَى أن الجنب لا يقرأ شَيْئًا من الْقُرْآن, وجاء في الحديث الآخر: «فأما الجنب فلا ولا آية» ومراده عن ظهر قلب.
وأما إذا كان حدثه أصغر، فإنه يقرأ القرآن عن ظهر قلب لكن لا يمس المصحف حتى يتوضأ، واختلف العلماء في الحائض والنفساء هل تقرءان او لا تقرءان؟ فذهب الجمهور إلى أنهما لا تقرءان، وقالوا: إن حدثهما أغلظ من الجنب، واستدلوا بحديث ضعيف، (.....) وذهب إلى هذا كثير من الفقهاء كالحنابلة وغيرهم.
والقول الثاني: أنهما تقرءان، ولا يقاسان على الجنب كما قال الجمهور؛ لأنه قياس مع الفارق، لِأَنَّ الجنب مدته قصيرة، والحيض والنفاس مدتهما طويلة، فقد تنسى الحائض والنفساء القرآن إذا كانتا حافظتين له، فتضطران إلى القراءة، وليس هناك دليل يمنعهما من قراءة القرآن، والقياس قياس مع الفارق.
وهذا هُوَ الصواب أن الحائض والنفساء لا بأس أن تقرءان عن ظهر قلب؛ لأنه ليس هناك دليل يمنعهما، وقياسهما على الجنب قياس مع الفارق.
والجنب عليه خلاف أَيْضًا والأحاديث فيها ضعف، لكن يقوي بعضها بعضًا، وهناك رسالة للشيخ سليمان العلوان في الجنب ما تمكنت من قراءتها، صفحات خلص فيها إلى أن الجنب يقرأ القرآن، والمعروف عند جمهور العلماء أن الجنب لا يقرأ القرآن، والأحاديث يشد بعضها بعضًا وإن كان فيها ضعف.
أَمَّا الحائض والنفساء فإنهما مقيسان عَلَى الجنب, والجنب فِيه كلام, فالأقرب أن الحائض والنفساء تقرءان الْقُرْآن لعدم وجود الدليل الَّذِي يمنعهما, وللفارق بينهما وبين الجنب, أَمَّا الجنب أَيْضًا فِيه خلاف بعض العلماء يرى أَنَّهُ يقرأ والجمهور عَلَى أَنَّهُ لا يقرأ, والأحاديث يشد بعضها بعضًا ويقوي بعضها بعضًا.
(المتن)
باب في الجنب يصافح.
حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن مسعر عن واصل عن أبي وائل عن حذيفة رضي الله عنه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه فأهوى إليه، فقال: إني جنب, فقال: إن المسلم ليس بنجس».
(الشرح)
وهذا الحديث أخرجه مسلم في صحيحه والنسائي وابن ماجة، وهو دليل على أن المسلم طاهر الأعضاء والجسم والعرق واللعاب والثياب، وهذا الحديث أصل في طهارة المسلم حيًا وميتًا.
الطالب: الجنب يمس المصحف؟.
الشيخ: الجنب لا يمس المصحف, وَكَذَلِكَ الحائض إذا أرادت تكون من وراء قفازين ولا تمس المصحف.
الطالب: (.....)؟.
الشيخ: الكتاب الَّذِي كتبه النَّبِيِّ r ألا يمس الْقُرْآن إِلَّا طاهر, والحديث أخذ بِهِ الأئمة الأربعة كلهم.
(المتن)
حدثنا مسدد قال: حدثنا يحيى وبشر عن حميد عن بكر عن أبي رافع عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريق من طرق المدينة وأنا جنب، فاختنست فذهبت فاغتسلت ثم جئت، فقال: أين كنت يا أبا هريرة؟! قال: قلت: إني كنت جنبًا فكرهت أن أجالسك على غير طهارة, قال: سبحان الله! إن المسلم لا ينجس».
قال: وفي حديث بشر قال: حدثنا حميد قال: حدثني بكر.
(الشرح)
وهذا الحديث رواه الشيخان أظنه, والترمذي والنسائي وابن ماجة, وهو دليل عَلَى طهارة أعراق الجنب؛ لان بدنه لا ينجس بالنجاسة, فكذلك ما تحلب منه, والجنابة أمرٌ معنوي يمنع من الصلاة وقراءة الْقُرْآن والطواف بالبيت وليس نجاسة, الْمُؤْمِن لا ينجس, الْمُؤْمِن طاهر العرق والبدن والثياب واللعاب فالمسلم طاهر حيًا وميتًا حَتَّى الكافر ليس بنجس نجاسة حسية وَإِنَّمَا المراد نجاسة الشِّرْك: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ}[التوبة/28]يَعْنِي: نجاسة الشِّرْك, ولهذا يجوز للمسلم أن يتزوج الكتابية اليهودية أو النصرانية كما قال الله: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ}[المائدة/5]؛ يعني: حل لكم، ومعلوم أنه إذا تزوجها فإنه يماسها أو يصيبه عرق منها، ولا يجب غسل يديه منها, فَهِيَ طاهرة بدنها طاهر حَتَّى الكافر, اِبْن آدم طاهر حيًا أو ميتًا لَكِنْ الكافر نجس نجاسة معنوية نجاسة الشِّرْك.
وفي هذا الحديث والذي قبله دليل على جواز تأخير الاغتسال من الجنابة، ولهذا حذيفة وأبو هريرة خرجوا إِلَى السوق وعليهما جنابة فلا بأس بالتأخير, وهذا يدل على ضعف ما حمله بعض العلماء في الحديث السابق: «لا تدخل الملائكة بيتًا فيه صورة ولا كلب ولا جنب» بَعْضُهُمْ حمله على المتهاون في الاغتسال، المهم الصلاة أنه إذا جاء وقت الصلاة يغتسل، فـهذا أبو هريرة وحذيفة أخرا غسل الجنابة ولم ينكر عليهما النبي صلى الله عليه وسلم، فدل على أنه لا بأس بتأخير الغسل.
وقوله: (وفي حديث بشر قال: حدثنا حميد قال: حدثني بكر) مقصوده أنه صرح حميد بالتحديث هنا، وقد عنعن في السند السابق، فمقصود المؤلف أن يبين تصريح حميد وبشر بالتحديث.
وهذا الحديث فيه دليل على أنه لا بأس بمصافحة الجنب كما بوب المؤلف رحمه الله، فمصافحته ومماسته والسلام عليه لا بأس في ذلك.
الطالب: (.....)؟.
الشيخ: عليه أن يتوضأ.
(المتن)
باب في الجنب يدخل المسجد.
حدثنا مسدد حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا أفلت بن خليفة حدثتني جسرة بنت دجاجة قالت: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: «جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجوه بيوت أصحابه شارعة في المسجد فقال: وجهوا هذه البيوت عن المسجد، ثم دخل النبي صلى الله عليه وسلم ولم يصنع القوم شيئًا؛ رجاء أن ينزل فيهم رخصة، فخرج إليهم بعدُ فقال: وجهوا هذه البيوت عن المسجد؛ فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب».
قال أبو داود: هو فليت العامري.
(الشرح)
هذا الباب عقده المؤلف رحمه الله لبيان حكم دخول الجنب المسجد، ومثله الحائض والنفساء؛ لأنهما في معناه.
ذكر في هذا الحديث حديث عائشة رضي الله عنها وفي سنده جسرة بنت دجاجة قال فيها في التقريب: مقبولة، يعني إذا توبع حديثها كان حسنًا لغيره.
وفليت العامري لا بأس به، وقد تكلم فيه بعضهم ولا بأس بِهِ, والحديث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن توجه البيوت الشارعة في المسجد، وكان الصحابة رضوان الله عليهم يفتحون أبوابًا صغارًا يسمى الواحد منها الخوخة على المسجد؛ ولذلك قال عليه الصلاة والسلام في آخر حياته: «لا تبقى خوخة إلا سدت إلا خوخة أبي بكر رضي الله عنه» لأن هذا فِيه دليل على أنه هو الخليفة بعد النبي صلى الله عليه وسلم، استدل به الصحابة على ذلك.
ومن الأدلة أيضًا أن النبي صلى الله عليه وسلم استخلفه في مرض موته عليه الصلاة والسلام, وكان هذه البيوت كانت موجهة إلى المسجد، وكأنها هي الأبواب الرئيسية التي كانوا يخرجون منها إلى المسجد، ويكون المسجد طريقًا؛ ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تُصرف إلى جهة أخرى.
والحديث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا أحل المسجد لحائض ولا جنب»، والحديث وإن كان في سنده بعض الشيء إلا أن الآية الكريمة واضحة في هذا، وهي قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ}[النساء/43].
فدلت الآية الكريمة على أنه لا يجوز للجنب أن يدخل المسجد إلا إذا كان عابر سبيل، ومثله الحائض والنفساء، فإن كلًا منهما ليس لها أن تمكث في المسجد، والجنب كذلك ليس له أن يمكث في المسجد، وإنما يجوز العبور، فيعبر المسجد ويخرج من باب ويدخل من باب، وكذلك المرأة الحائض تأخذ شيئًا إذا أمنت تلويث المسجد كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لـعائشة كما سبق: «ناوليني الخمرة، قالت: إني حائض! قال: حيضتك ليست في يدك».
والحديث وإن كَانَ فيه شَيْئًا إلا أن الآية الكريمة واضحة في هَذَا, والعلماء اختلفوا في هذه المسألة، من العلماء من ذهب إلى ما دل عليه الحديث مع الآية الكريمة، وقال: وهو أنه لا يجوز للجنب أن يمكث في المسجد وكذلك الحائض والنفساء إلا إذا كان ذلك عبورًا، ومن العلماء مثل الشافعي وجماعة أجازوه مطلقًا، ومن العلماء ومن العلماء قال: لا يجوز إلا ألا يجد بدًا منه، والصواب ما دلت عليه الآية الكريمة والحديث، وهو أنه لا يجوز للجنب أن يمكث في المسجد إلا إذا كان عابرًا، وكذلك الحائض والنفساء كأن تأخذ وتتناول شيئًا.
واختلف العلماء فيما إذا توضأ الجنب هل يجوز له أن يمكث في المسجد أو ليس له ذلك؟ من العلماء من منع من ذلك، وذهب الإمام أحمد وجماعة إلى جواز المكث في المسجد للجنب إذا توضأ؛ لآثار وردت عن الصحابة رضي الله عنهم رواه سعيد بن منصور في سننه عن عطاء بن يسار «أن رجالًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يجلسون في المسجد وهم جنب إذا توضئوا وضوء الصلاة»، قال الحافظ ابن كثير: إسناد الحديث صحيح على شرط مسلم؛ في هذا آثار لا بأس بها، ولهذا ذهب الإمام أحمد وجماعة إلى أنه لا بأس بالمكث؛ لأنه في هذه الحالة إذا توضأ خفت جنابته، والجنب إذا توضأ تخف الجنابة ويجوز في حقه أحكام ليست للجنب الذي لم يتوضأ، من ذلك: أن الجنب إذا توضأ فإنه يأكل ويشرب وينام بلا كراهة، كما سبق في حديث عمر رضي الله عنه في البخاري وغيره أنه قال: «يا رسول الله! أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم، إذا توضأ»، فإذا توضأ خفت الجنابة، وجاز له الوضوء، وجاز له النوم، وجاز له الأكل والشرب، وكذلك المكث في المسجد لهذه الآثار عن الصحابة، والصحابة أعلم الناس بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي آثار جيدة لا بأس بها.
الطالب: (.....)؟.
الشيخ: (.....) الحديث دل عَلَى ما دلت عليه الآية الكريمة.
الطالب: (.....).
الشيخ: (.....).
الطالب: وجسرة بنت دِجاجة بكسر الدال، (.....)، روت عن أبي ذر وعلي وعائشة وأم سلمة، وهي معدودة في أهل الكوفة، روى عنها: غيلان بن عبد الله العامري وأفلت بن خليفة، (.....)، قال العجلي: ثقة، وقد ورد ما يدل على أن(.....) عن خزامة عن جسرة قالت: أتانا آت يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فأشرف على الجبل فقال: يا أهل الوادي انحرف الدين (ثلاث مرات)، وعلى كل حال حديثها هذا يوافق ما دلت عليه الآية.
الشيخ: عَلَى كُلّ حال الآن الحديث يوافق ما دلت عليه الآية, والحائض أَيْضًا يَجِبُ أن لها مرور, ويكون جسرة بْنِ دِجاجة بالكسر, فَهِيَ مثلثة: دُجاجة, دَجاجة, دِجاجة, وأما الراوي هنا يكون بالكسر؛ دِجاجة.
الطالب: (.....)؟.
الشيخ: والآثار السابقة جاءت في الجنب لا الحائض؛ لأن الحائض يخشى أن تلوث المسجد، فيقتصر على ما جاء في الآثار.
الطالب: بالنسبة للطواف؟.
الشيخ: والطواف يعتبر لبثًا طويلًا، فقد يطوف الإنسان في الزحام لمدة ساعة أو ساعتين.
(المتن)
باب في الجنب يصلي بالقوم وهو ناس.
حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن زياد الأعلم عن الحسن عن أبي بكرة رضي الله عنه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل في صلاة الفجر فأومأ بيده: أن مكانكم، ثم جاء ورأسه يقطر فصلى بهم».
حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا حماد بن سلمة بإسناده ومعناه، وقال في أوله: «فكبر»، وقال في آخره: «فلما قضى الصلاة قال: إنما أنا بشر، وإني كنت جنبًا».
قال أبو داود: رواه الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «فلما قام في مصلاه وانتظرناه أن يكبر انصرف ثم قال: كما أنتم».
ورواه أيوب وابن عون وهشام عن محمد يعني ابن سيرين مرسلًا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فكبر ثم أومأ بيده إلى القوم أن اجلسوا، فذهب فاغتسل».
وكذلك رواه مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم عن عطاء بن يسار قال: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر في صلاة».
قال أبو داود: وكذلك حدثناه مسلم بن إبراهيم قال: حدثنا أبان عن يحيى عن الربيع بن محمد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كبر.
حدثنا عمرو بن عثمان الحمصي حدثنا محمد بن حرب حدثنا الزبيدي ح وحدثنا عياش بن الأزرق أخبرنا ابن وهب عن يونس ح وحدثنا مخلد بن خالد حدثنا إبراهيم بن خالد إمام مسجد صنعاء حدثنا رباح عن معمر ح وحدثنا مؤمل بن الفضل حدثنا الوليد عن الأوزاعي؛ كلهم عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «أقيمت الصلاة وصف الناس صفوفهم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا قام في مقامه ذكر أنه لم يغتسل، فقال للناس: مكانكم، ثم رجع إلى بيته فخرج علينا ينطف رأسه قد اغتسل ونحن صفوف» وهذا لفظ ابن حرب.
وقال عياش في حديثه: «فلم نزل قيامًا ننتظره حتى خرج علينا وقد اغتسل».
(الشرح)
هذه الترجمة معقودة للجنب إذا صلى بالناس وهو ناسٍ للجنابة، ذكر المؤلف رحمه الله حديث أبي هريرة وحديث أخير رواه الشيخان والنسائي، وهو صريح في أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدخل في الصلاة، وإنما أراد أن يكبر ثم تذكر، فذهب واغتسل، ورجع وصلى بالناس.
أما الحديث الأول حديث أبي بكرة ففيه: («أنه صلى الله عليه وسلم دخل في الصلاة وكبر ثم تذكر ثم أومأ إليهم وقال: مكانكم») ثم ذهب واغتسل وجاء، وأكمل بهم الصلاة، وهم قيام ينتظرونه، وذكر المؤلف رحمه الله روايات معلقة رواية محمد بن سيرين وعطاء بن يسار والربيع بن محمد وكلها مرسلة تؤيد حديث أبي بكرة في أنه صلى الله عليه وسلم انصرف بعدما دخل في الصلاة وكبر.
والأحاديث المسندة في الصحيحين وفي غيرهما فِيهَا أن النَّبِيِّ r لَمْ يكبر, وَإِنَّمَا تذكر بَعْدَ أن قام وقام الناس (.....), أَمَّا الأحاديث الَّتِي فِيهَا أَنَّهُ كبر فَهِيَ مرسلة, واختلف العلماء هل هما قصتان أو قصة واحدة؟ فمن العلماء من ذهب إلى أنهما قصة واحدة، وتأول حديث أبي بكرة في قوله: كبر، يعني كاد أن يكبر، وكذلك الأحاديث المرسلة تأولها على أنه كاد أن يكبر لتوافق الأحاديث الصحيحة؛ لأنها لو لم تتأول لكانت معارضة للأحاديث الصحيحة، والأحاديث الصحيحة مقدمة عَلَى المرسلة.
ومن العلماء من قال: إنهما قصتان، وذهب إلى هذا النووي وقال: إنه الأظهر، وجزم بذلك ابن حبان وقال: إنهما واقعتان، وإذا كانا واقعتان فلا إشكال يزول المحظور، لكن إن كانت قصة واحدة فالتأويل قوله: بأن كاد أن يكبر فيه نوع تعسف، والعمدة على الحديث الصحيح.
وعلى كُلّ حال: الإمام إذا تذكر أن عليه جنابة فإن كان قبل أن يصلي بالناس فإنه يذهب ويغتسل، وهم ينتظرونه إن لم يشق عليهم، وإن شق عليهم قدموا من يصلي بهم، أما إذا كان قد دخل في الصلاة ثم تذكر، فهذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم، فمن العلماء من قال: إن صلاة المأمومين صحيحة وهم معذورون، وعلى هذا يدل حديث أبي بكرة والروايات المرسلة فيها أنه كبر وقال: «كما أنتم وأشار إليهم» ثم ذهب واغتسل وصلى بهم، وأكملوا الصلاة، ولم يأمرهم بإعادة أول الصلاة، فدل على أن صلاة الجنب إذا صلى بالناس، أو صلى الإمام بالناس وهو على غير طهارة، ثم تذكر؛ فإن صلاتهم صحيحة ولا يعيدون، وإنما يعيد الإمام وحده يغتسل أو يتوضأ ويعيد الصلاة وحده، ويؤيد هذا حديث أبي هريرة في صحيح البخاري: «يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطئوا فلكم وعليهم».
ويؤيد هذا آثر عن الصحابة، ثبت عن عمر رضي الله عنه أنه صلى بالناس الصبح، ثم غدا إلى أرضه في الجرف، فوجد في ثوبه احتلامًا.
فقال: «إنا لما أصبنا الودك لانت العروق» فاغتسل وغسل الاحتلام من ثوبه، وأعاد صلاته، ولم يأمرهم بإعادة الصلاة، وكذلك ثبت أيضًا عن عثمان رضي الله عنه أنه صلى بالناس وهو جنب، فأعاد الصلاة، ولم يأمرهم بإعادة الصلاة؛ فدل هذا على أن الإمام إذا صلى بالناس وهو على غير طهارة، ثم تذكر بعد ذلك فإنه يعيد الصلاة، ولا يعيدون.
وذهب آخرون من أهل العلم إلى أنهم يعيدون، ذهب إِلَى هذا أبو حنيفة وجماعة: قالوا يجب عليهم الإعادة، واستدلوا بحديث: «الإمام ضامن»، وقالوا: إن هذه الأحاديث مرسلة لا تقوم بها حجة.
أَمَّا إذا تذكر في أثناء الصلاة فقد اختلف العلماء أيضًا في هذه المسألة:
القول الأول: ذهب الحنابلة وجماعة إلى أنه يفرق بين ما إذا سبقه الحدث، وما إذا لم يسبقه الحدث، فإن تذكر وهو في أثناء الصلاة أنه على غير طهارة أو أنه أحدث فإنه في هذه الحالة يقطع الصلاة، ويستأنفون صلاتهم من جديد, أما إذا حس بأنه لا يستطيع الاستمرار، وهو على طهارة، فإنه يتأخر، ويقدم من يتم بهم الصلاة.
والقول الثاني لأهل العلم: أنه لا فرق بين الصورتين، وأن الإمام إذا تذكر أنه على غير طهارة، ولو سبقه الحدث؛ فإنه يقدم من يُتم بهم الصلاة، ويكون معذورًا في هذا، والدليل على هذا حديث الحسن عن أبي بكرة، والحديث الأول الذي ذكره المؤلف رحمه الله، والآثار المرسلة في هذا، ففيها دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم بعدما كبر، ذهب واغتسل، ثم جاء وأتم بهم الصلاة، ولم يأمرهم بإعادة بقية الصلاة، ويؤيد هذا حديث البخاري: «يصلون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطئوا فلكم وعليهم» وهذا هُوَ الأرجح أنه لا فرق بين الصورتين، وأن الإمام يستخلف من يُتم بهم الصلاة سواء سبقه الحدث أو لم يسبقه.
والحديث الأول الذي ذكره المؤلف فيه رواية الحسن عن أبي بكرة، وينظر في سماع الحسن عن أبي بكرة، ولأنه حديث مسند وأما الآثار الآخري مرسلة التي ذكرها المؤلف رحمه الله وهو مع عدم تركه للصلاة يعني حجة في أن الامام ولو سبقه الحدث فإنه يقدم من يتم بهم الصلاة وهو دليل أيضا على أن الإمام إذا صلى وهو جنب أو عليه حدث ولم يعلم إلا بعد انتهاء الصلاة، فإن صلاة المأمومين صحيحة، وإنما عليه أن يتوضأ أو يغتسل ويعيد الصلاة وحده.
الطالب: (.....)؟.
الشيخ: يكون حجة؛ لِأَنَّ ظاهر حديث أبي بكرة أن النَّبِيِّ r أومأ بيده أن مكانكم ثُمَّ ذهب واغتسل ثُمَّ جاء فصلى بهم يَعْنِي: أكمل بهم الصلاة ولم يأمرهم بإعادة الصلة, وبيت النَّبِيِّ r قريب له باب عَلَى المسجد ولا يستغرق وقتًا طويلًا.
الطالب: (.....).
الشيخ: (.....) لكن في هذه الحالة فلايحرج ان يستخلف من يتم بهم الصلاة.
(المتن)
باب في الرجل يجد البلة في منامه.
حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا حماد بن خالد الخياط حدثنا عبد الله العمري عن عبيد الله عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها قالت: «سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد البلل، ولا يذكر احتلامًا؟ قال: يغتسل، وعن الرجل يرى أن قد احتلم ولا يجد البلل؟ قال: لا غسل عليه، فقالت أم سليم رضي الله عنها: المرأة ترى ذلك أعليها غسل؟ قال: نعم، إنما النساء شقائق الرجال».
(الشرح)
هذا الحديث رواه الترمذي وابن ماجة، وفي سنده عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم العمري ضعفه يحيى بن سعيد من قبل حفظه، قال في التقريب: هُوَ ضعيف عابد من السابعة، وعبد الله العمري يقال: عبيد الله العمري وهو عبد الله بْنِ عمر بْنِ حفصة روى عن أخيه عبيد الله بالتصغير، أحفظ من أخيه عبد الله المكبر, المكبر ضعيف هَذَا وأما أخوه عبيد الله فهو أحفظ منه وضابط, رواية عبيد الله أحسن من رواية عبد الله, عبد الله المكبر العمري هَذَا ضعيف, ماذا قَالَ عن عبد الله بْنِ عمر بْنِ حفصة؟!
والحديث فيه: أن النائم إذا وجد بللًا بعد اليقظة من النوم ولم يذكر احتلامًا فإنه يغتسل، أما إذا رأى أنه يجامع في الليل ولكنه لم ير احتلامًا فإنه لا يغتسل.
والحديث وإن كان فيه عبيد الله بن عمر العمري إلا أنه يؤيده الحديث الآخر: «إنما الماء من الماء»، ويؤيده حديث أم سليم وهو ثابت في الصحيحين أنها قالت: «يا رسول الله! إن الله لا يستحيي من الحق»، وهو الحديث الذي أتى به المؤلف رحمه الله بعد هذا، وفيه: قالت: («المرأة ترى ما يرى الرجل أعليها غسل؟ قال: نعم، إذا رأت الماء») فإذا رأى الرجل في ثوبه بلة، وتحقق أنه احتلام، فإنه يجب عليه أن يغتسل، وكذلك المرأة إذا رأت الماء، فإنها تغتسل، أما إذا لم يرى بللًا فإنه لا يجب عليه الغسل، ولو رأى في النوم أنه يجامع، وكذلك المرأة إذا رأت أنها تجامع ولم تر ماءًا، فلا يجب عليها الاغتسال، هذا معلق بوجود الماء.
الطالب: عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم العمري روى عن أخيه عبيد الله، وزيد بن أسلم وعنه ابنه عبد الرحمن وابن وهب ووكيع، قال يعقوب بن شيبة: صدوق ثقة في حديثه اضطراب، وضعفه النسائي، وقال ابن عدي: لا بأس بِهِ, وقال الخليفة توفي سنة إحدى وسبعين ومائة.
الطالب: (.....).
الشيخ: (.....).
عَلَى كُلّ حال إن كَانَ الحديث فيه عبيد الله إلا أَنَّهُ يؤيده حديث: «إِنَّمَا الماء من الماء» ويؤيده حديث: أم سليم, لَكِنْ قَد يقال: إن البلة قَد لا يكون ماء دافق, فَإِذَا تحقق أَنَّهُ احتلام فيجب عليه أن يغتسل.
هذا الحديث يعضض «إنما الماء من الماء» قصة ام سليم.
ولما قالت أم سليم: («أعليها غُسل؟ قَالَ: إنما النساء شقائق الرجال») يعني: إن المرأة مثل الرجل في هذا، والأصل: أن النساء مثل الرجال إِلَّا إذا وُجدت ذريعة على الخصوصية.
وفي هذا الحديث من الفوائد:
إثبات القياس, وإلحاق حكم النظير بالنظير فَإِن النَّبِيِّ r قاس الرجال عَلَى النساء, وفيه الرد عَلَى من أنكر القياس كالظاهرية وابن حزم وجماعة أنكروا قياس وإلحاق النظير بالنظير.
وشقيق الرجل: هو أخوه لأبيه وأمه يقال له شقيق، والإخوة من الأب والأم يقال لهم: أشقاء، ويقال لهم: إخوة أعيان، وأما إذا كان الإخوة أبوهم واحد وأمهاتهم شتى يقال: إخوة علات كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنا معاشر الأنبياء إخوة لعلات، ديننا واحد وأمهاتنا شتى» وإذا كانت الأم واحدة والآباء متعددون يقال عنهم: إخوة أخياف, وإذا كَانَ الأب والأم واحد يقال: اخوة أعيان وأشقاء.
(المتن)
باب في المرأة ترى ما يرى الرجل.
حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عنبسة حدثنا يونس عن ابن شهاب قال: قال عروة: عن عائشة رضي الله عنها: «أن أم سليم الأنصارية وهي أم أنس بن مالك رضي الله عنهما قالت: يا رسول الله! إن الله لا يستحيي من الحق، أرأيت المرأة إذا رأت في النوم ما يرى الرجل أتغتسل أم لا؟ قالت عائشة رضي الله عنها: قال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم، فلتغتسل إذا وجدت الماء, قالت عائشة رضي الله عنها: أقبلت عليها فقلت: أف لك وهل ترى ذلك المرأة؟! فأقبل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: تربت يمينك يا عائشة! ومن أين يكون الشبه؟!».
قال أبو داود: وكذا روى الزبيدي وعقيل ويونس وابن أخي الزهري عن الزهري وابن أبي الوزير عن مالك عن الزهري، ووافق الزهري مسافع الحجبي قال: عن عروة عن عائشة رضي الله عنها، وأما هشام بن عروة فقال: عن عروة عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة أن أم سليم جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(الشرح)
الحديث أخرجه الشيخان البخاري ومسلم من طرق عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة، والمؤلف رحمه الله رجح رواية الزهري عن عروة عن عائشة، فتكون عائشة هي التي قالت هذا.
والشيخان رويا هذا الحديث من طرق عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة، أم سلمة هي التي قالت ذلك، وجمع النووي بينهما في شرح مسلم بأن عائشة وأم سلمة أنكرتا على أم سليم، وأنه لا مانع من أن تكون كلاهما في المجلس، وتكون أم سلمة وعائشة كلاهما أنكرتا على أم سليم, قال الحافظ بن حجر: وهو جمع جيد, واستحسن هذا.
وعلى كل حال فالحديث ثابت، وفيه إثبات الحياء لله عز وجل كما يليق بجلاله وعظمته خلافًا لمن تأوله مثل النووي والحافظ، يقول الحافظ: المراد بالحياء هنا معناه اللغوي، والحياء الشرعي خير كله، وقد تقدم أن الحياء تغير وانكسار، وهو مستحيل في حق الله تعالى، فيُحمل على أن المراد أن الله لا يأمر بالحياء في الحق أو لا يمنع منه في الحق، وهذا تأويل ليس بصحيح، والصواب إثبات الحياء لله عز وجل كما يليق بجلاله وعظمته، والله تعالى له صفات لا تماثل صفات المخلوق {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}[الشورى/11].
الحياء, والعلم, والكلام, والسمع, والبصر, والاستواء، وصفات الذات كلها تثبت لله كما يليق بجلاله وعظمته، وحياء المخلوق هو الذي يكون فيه ضعف، أما حياء الخالق فهو كما يليق به سبحانه وتعالى، قال عز وجل في كتابه المبين: {إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ}[الأحزاب/53] فيه اثبات لله كما يليق بجلاله وعظمته.
وفي هذا الحديث أن أم سلمة وعائشة أنكرتا على أم سليم الاحتلام، وقالتا: كيف هل المرأة تحتلم؟! والنبي صلى الله عليه وسلم قد صدق أم سليم، وبين أن المرأة تحتلم، لكن إنكار عائشة وأم سلمة يدل على أن الاحتلام في النساء قليل، ولهذا قال ابن عبد البر: فيه دليل على أنه ليس كل النساء يحتلمن، قال: وقد يوجد عدم الاحتلام في بعض الرجال، إلا أن ذلك في النساء أكثر، فالنساء أقل؛ ولهذا أنكرت عائشة وأم سلمة على أم سليم لقلة وقوع هذا الشئ ولكنه واقع؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: («تربت يمينك ومن أين يكون الشبه؟!») يعني: أن الولد يتولد من ماء الرجل وماء المرأة، قال تعالى: {فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ}[الطارق/5-7].
أي: من صلب الرجل وترائب المرأة، والترائب: عظام في الصدر، فإذا اجتمع الماءان خلق الله الإنسان منهما، فهو مخلوق من ماء الرجل ومن وماء المرأة، وكأن هذه الآية خفيت على عائشة وأم سلمة أو أنها لم تنزل إلا بعد ذلك؛ لأن الآية واضحة, والحديث دل على أن الولد متولد من ماء الرجل وماء المرأة كما دلت الآية الكريمة آية الطارق، وفيه دليل عَلَى أن الشبه يكون للرجل يكون للمرأة، وأيهما غلب كان الشبه له، كما جاء في الحديث الآخر: «أيهما غلب أو سبق كان الشبه له».
وفيه دليل على أن المرأة إذا احتلمت ورأت الماء وهو المني وجب عليها الغسل كالرجل، وهذا يؤيد الحديث السابق حديث عبد الله العمري ويعضده ويشهد له، فإذا رأى المحتلم الماء فإنه يغتسل، سواء كان رجلًا أو امرأة، إذا احتلم في الليل، ثم رأى الماء فإنه يجب عليه الغسل, هَذَا الحديث ثابت في الصحيحين ويؤيد الحديث السابق حديث عبد الله بْنِ عمر العمري,وقول النبي: «تربت يمينك» مثل قوله: «عقرى حلقى»، أصلها تربت يمينك يعني: لصقت يدك بالتراب من شدة الفقر، ومثله: عقرى حلقى، أي: عقرك الله وحلق شعرك، ومثل قوله: «قاتله الله»، وهذه كلمات تجري على اللسان وليس المقصود منها الدعاء على صاحبها وإنما المقصود منها الزجر أو الحث على الفعل، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: «تنكح المرأة لأربع: لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك» فهو من باب الحث وليس المقصود الدعاء عليه بالفقر، فهي كلمة تجري على ألسنة العرب والمقصود بها الحث على فعل الشيء أو الزجر عنه.
الطالب: ما حكم التلقيح الصناعي؟
الشيخ: هذه المسألة تعرف بطفل الأنابيب، وطفل الأنابيب فِيه كلام والمجمع الفقهي له بحث مطول في هذا، والأصل المنع منه؛ لأن فيه وسيلة لاختلاط الأنساب، هذا ممنوع إلا في حدود ضيقة بشروط معروفة؛ لأنه يخشى أن يؤتى بمني رجل أجنبي ويحقن في امرأة أجنبية، فتختلط الأنساب, فالأصل المنع.
الطالب: مقولة: (لا حياء في الدين) هل هي حديث؟.
الشيخ: لا أعرف مقولة مثل هذه، وإنما قالت أم سليم: (إن الله لا يستحيي من الحق).
الطالب: هل نساء النبي صلى الله عليه وسلم لا يحتلمن لأنه من الشيطان؟.
الشيخ: ليس هذا ببعيد، لكن حتى غير نساء النبي قد لا يحتلمن، فاحتلام النساء قليل؛ ولهذا أنكرت ذلك أم سلمة وعائشة.
(المتن)
باب مقدار الماء الذي يجزئ به الغسل.
حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من إناء واحد هو الفرق من الجنابة».
قال أبو داود: قال معمر عن الزهري في هذا الحديث، قالت: «كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد، فيه قدر الفرق».
قال أبو داود: وروى ابن عيينة نحو حديث مالك.
قال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل يقول: الفرق ستة عشر رطلًا، وسمعته يقول: صاع ابن أبي ذئب خمسة أرطال وثلث.
قال: فمن قال: ثمانية أرطال؟ قال: ليس ذلك بمحفوظ.
قال: وسمعت أحمد يقول: من أعطى في صدقة الفطر برطلنا هذا خمسة أرطال وثلثًا فقد أوفى.
قيل: الصيحاني ثقيل؟ قال: الصيحاني أطيب.
قال: لا أدري.
(الشرح)
هذه الترجمة في بيان مقدار الماء الذي يُجزئ في الغسل، وذكر فيه حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من إناء هو الفرق، والفرق مكيال مقدار ثلاثة آصع، هذا أصح ما قيل فيه.
وفي رواية الزهري قالت عائشة: («كنت أغتسل أنا ورسول الله من إناء واحد فيه قدر الفرق») يعني: مقدار الآصع, وفي اللفظ الآخر: «تختلف أيدينا»، وفي اللفظ الآخر: «حتى أقول: دع لي، ويقول: دعي لي» وفيه دليل على جواز اغتسال الرجل وزوجته من إناء واحد، وأنه لا بأس أن ينظر الرجل إلى عورة امرأته وتنظر إلى عورته؛ لأنها حِل له وهو حِل لها، وأما حديث: «ما رأيت منه ولا رأى مني» يعني: العورة فهو حديث ضعيف لا يقاوم الأحاديث الصحيحة.
وفي هذا أن أبا داود سأل الإمام أحمد رحمه الله عن الفرق؟ فقال: ستة عشر رطلًا، وهو ثلاثة آصع بصاع النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الصاع خمسة أرطال وثلث؛ ولهذا قال أبو داود: (سمعته من أحمد يقول: صاع ابن أبي ذئب خمسة أرطال وثلث)، فيكون الفرق ستة عشر رطلًا، وهو ثلاثة آصع، فسأل أبو داود الإمام أحمد قال فمن قال: ثمانية أرطال؟ فقال: ليس ذلك بمحفوظ، وهذا ما ذهب إليه الأحناف، فقد ذهبوا إلى أن الصاع ثمانية أرطال، ولم يرى هذا أحمد وقال: ليس ذلك بمحفوظ.
قال أبو داود: سمعت أحمد يقول: (من أعطى في صدقة الفطر برطلنا هذا خمسة أرطال وثلثاً فقد أوفى) يعني: أن الصاع في الماء وفي صدقة الفطر خمسة أرطال وثلث.
قيل: (الصيحاني ثقيل) الصيحاني تمر معروف في المدينة.
قال: (الصيحاني أطيب), قال: (لا أدري).
هذه اللفظة فيها اختلاف، والأصل أن الصاع أربعة أمداد، والمد ملء كفي الرجل المتوسط، والصاع أربع حفنات كل حفنة ملء كفي الرجل المتوسط الذي ليست يداه كبيرتين ولا صغيرتين، وهذا هو صاع النبي صلى الله عليه وسلم.
وأبو حنيفة ذهب إلى أن الصاع ثمانية أرطال، وكان أبو يوسف الصاحب الأول يذهب إلى قول أبي حنيفة، ثم بعد ذلك لما ذهب إلى الحجاز وأروه الصاع ذهب إلى أن الصاع خمسة أرطال وثلث، وترك قول أبي حنيفة، ولهذا أخرج البيهقي عن الحسين بن الوليد القرشي قال: قدم علينا أبو يوسف من الحج، فقال: إني أريد أن أفتح لكم بابًا من العلم أهمني، ففحصت عنه فقدمت المدينة فسألت عن الصاع، فقال: صاعنا هذا صاع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت لهم: ما حجتكم في ذلك؟ قالوا: نأتيك بالحجة غدًا، فلما أصبحت أتاني نحو خمسين شيخًا من أبناء المهاجرين والأنصار مع كل رجل منهم الصاع تحت ردائه، كل رجل منهم يخبر عن أبيه وأهل بيته أن هذا صاع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال (.....) فنظرت فإذا هي سواء، قال فعيرته فإذا هي خمسة أرطال وثلث، فرأيت أمرًا قويًا فتركت قول أبي حنيفة في الصاع، وأخذت بقول أهل المدينة.
والمراد بيان أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل في الغالب بالصاع، ويتوضأ بالمد، وربما توضأ بثلثي المد، وربما اغتسل بأقل من الصاع، وكان يغتسل هو وزوجته بثلاث آصع في الغالب، وقد يزيد يسيرًا، وليس المراد التحديد، وقد ذكر الشارح كلامًا جيدًا في هذا، قال: واعلم أنه ليس الغسل بالصاع أو الفرق للتحديد والتقدير، بل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما اقتصر على الصاع، وربما زاد عليه، والقدر المجزئ من الغسل ما يحصل به تعميم البدن على الوجه المعتبر سواء كان صاعًا أو أقل أو أكثر هذا هو المراد، ما لم يبلغ في النقصان إلى مقدار لا يسمى مستعمله مغتسلًا، أو إلى مقدار في الزيادة يدخل فاعله في حد الإسراف.
إذًا: ليس هناك تحديد، لَكِنْ هَذَا فِيه بيان أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بالصاع، فإذا اغتسل الإنسان بالصاع أو أكثر فلا حرج، أو أقل فلا حرج، المهم أن يعمم البدن على الوجه المعتاد وعلى الوجه المعتبر، فإذا عمم بدنه بالماء سواء كان صاعًا أو أقل أو أكثر ما لم يبلغ في النقصان إلى مقدار لا يسمى مستعمله مغتسلًا، فلو أتى بمد أو بنص مد واغتسل به فهذا لا يصل إلى حد يسمى صاحبه مغتسلًا، بل يكون هذا مسح، والمقصود الغسل، ليس المقصود المسح ان يمسح بدنه، بل المقصود أن يغسل بدنه ويعمه بالماء على الوجه المعتبر.
وهذا الحديث أخرجه الشيخان وله ألفاظ.
(المتن)
باب في الغسل من الجنابة.
حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي قال: حدثنا زهير قال: حدثنا أبو إسحاق قال: حدثني سليمان بن صرد عن جبير بن مطعم رضي الله عنه: «أنهم ذكروا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الغسل من الجنابة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما أنا فأفيض على رأسي ثلاثًا وأشار بيديه كلتيهما».
(الشرح)
هذا الباب معقود لبيان كيفية الاغتسال، وذكر فيه حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه، والحديث أخرجه الشيخان والنسائي وابن ماجة, وفيه استحباب إفاضة الماء على الرأس ثلاثًا، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: («أما أنا فأفيض على رأسي ثلاثًا وأشار بيده كلتيهما» ولم يذكر بقية الغسل؛ لأنه جاء في الأحاديث الأخرى، وإنما فيه بيان إفاضة الماء على الرأس ثلاثًا، وهذا هو المستحب، والواجب إذا غسل رأسه ووصل الماء إلى أصول الشعر كفى، لكن كونه يفيض الماء على رأسه ثلاثًا هذا مستحب وكذلك ايضا تعميم البدن اذا عمم البدن بالماء مرة واحدة كفى واذا فاض الماء على رأسه ثلاثا وغسل شقه الأيمن ثلاثًا وشقه الأيسر ثلاثًا فهذا هو الأكمل والأفضل, والواجب تعميم البدن مرة, فَإِذَا صب عَلَى رأسه الماء وري أصول الشعر كفى ولو مرة, لَكِنْ كونه يفيض الماء عليه نفسه ثلاثًا هَذَا الأكمل والأفضل.
(المتن)
حدثنا محمد بن المثنى حدثنا أبو عاصم عن حنظلة عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة دعا بشيء من نحو الحلاب، فأخذ بكفيه، فبدأ بشق رأسه الأيمن ثم الأيسر، ثم أخذ بكفيه فقال بهما على رأسه».
(الشرح)
هذا الحديث أخرجه الشيخان والنسائي، وفيه استحباب البداءة بالميامن في التطهر، ولهذا قال: («فبدأ بشق رأسه الأيمن»).
وفيه: («أنه أخذ بكفيه فقال بهما على رأسه»).
وقوله: («من نحو الحلاب») ذكر الخطابي أن الحلاب إناء يسع قدر حلب الناقة ثم اغتسل به وأخذ بكفيه وبدأ بشقه الأيسر.
والبخاري رحمه الله في صحيحه تأول هذا القول بالحلاب عَلَى أَنَّهُ شيء من الطيب يستعمل, تأول على استعمال الطيب في الطهور، قال الخطابي: البخاري حسب أنه وهم، توهم أنه اريد به المحلب الذي يستعمل في غسل العين وليس الحلاب من الطيب في شيء، وإنما هو ما فسرت لك, ولهذا البخاري رحمه الله ذكر هَذِهِ الترجمة وذكر نوعًا من الطيب, والخطابي يَقُولُ: هذا وهم من البخاري وَإِنَّمَا هُوَ إنا يسع قدر حلب الناقة.
وفي هذا الحديث أنه بدأ بشقه الأيمن، هذا هو الأفضل، ولم يذكر بقية الغسل، فيؤخذ من الأحاديث الأخرى.
وفيه استحباب البداءة بالميامن، يبدأ بشقه الأيمن، وإن لم يبدأ فلا حرج، وإذا عمم بدنه بالماء سواء بدأ بالأيمن أو بالأيسر أجزأ، لكن الأفضل أن يبدأ بالشق الأيمن من الرأس وكذلك أيضًا يبدأ بشقه الأيمن من الجسد.
(المتن)
حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال: حدثنا عبد الرحمن يعني ابن مهدي عن زائدة بن قدامة عن صدقة قال: حدثنا جميع بن عمير أحد بني تيم الله بن ثعلبة قال: «دخلت مع أمي وخالتي على عائشة رضي الله عنها، فسألتها إحداهما: كيف كنتم تصنعون عند الغسل؟ فقالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يفيض على رأسه ثلاث مرار، ونحن نفيض على رءوسنا خمسًا من أجل الظفر».
(الشرح)
هذا الحديث أخرجه النسائي وابن ماجة، وفي سنده جميع بن عمير هُوَ متكلمٌ فيه، قال بعضهم: لا يحتج بحديثه، قال في التقريب: صدوق يخطئ ويتشيع.
والحديث ثابت في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ وضوءه للصلاة، ثم يفيض بالماء على رأسه ثلاث مرار هذا جاء في الصحيحين، لكن المستنكر قوله: («ونحن نفيض على رءوسنا خمسًا من أجل الظفر») فيه أن عائشة خالفت فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يفيض على رأسه ثلاثًا، وهي تفيض على رأسها خمسًا من أجل الظَّفْر وهو شد الشعر أو من أجل الظُفُرْ وهي الخصلة من الشعر، لكنه معارض لحديث أم سلمة الآتي: «يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات من ماء ثم تفيضين على سائر جسدك» وهذا هو المعتمد، ولعل هذا من أوهام جميع بن عمير, ماذا قَالَ عنه؟
الطالب: جميع بن عمير التميمي: أبو الأسود كوفي شيعي, عن عائشة وابن عمرو وعن عوام بن حوشب والأعمش، قال البخاري: فيه نظر, قال ابن أبي حاتم: صادق الحديث.
الشيخ: البخاري لطيف العبارة في التجريح، فإذا قال: فيه نظر، فمعناه: لا يحتج به، فلعل هَذَا من أوهامه من اغلاطه: («ونحن نفيض على رءوسنا خمسًا من أجل الظفر») هذا من أوهام جميع، ولا يمكن أن عائشة تخالف فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ولاسيما في حديث أم سلمة الآتي قال: «يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات» يَعْنِي النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات» وهي تقول: «نفيض عَلَى رؤوسنا خمسًا!» ما يمكن تخالف, لَكِنْ هَذَا من الأوهام وأغلاط جميع.
الطالب: (.....)؟.
الشيخ: الأفضل كُلّ شق ثلاث مرات.
(المتن)
حدثنا سليمان بن حرب الواشحي ح وحدثنا مسدد قالا: أخبرنا حماد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة قال سليمان: يبدأ فيفرغ بيمينه على شماله، وقال مسدد: غسل يديه يصب الإناء على يده اليمنى، ثم اتفقا فيغسل فرجه وقال مسدد: يفرغ على شماله وربما كنّت عن الفرج ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يدخل يده في الإناء فيخلل شعره حتى إذا رأى أنه قد أصاب البشرة أو أنقى البشرة أفرغ على رأسه ثلاثًا، فإذا فضل فضلة صبها عليه».
(الشرح)
هذا الحديث أخرجه الشيخان والترمذي والنسائي، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم يبدأ أولًا بغسل فرجه وما حوله، ثم يفيض بيمينه على شماله، فيغسل يده.
وقوله: («وربما كنّت عن الفرج») الكناية هي أن يعبر عن الشيء بما يفيد المعنى بعبارة لا يستنكرها الإنسان، فيعبر عن الشيء الذي يستحى منه بلفظ واضح.
وفي الحديث الآخر: أنه كان يضرب بيده الأرض أو الحائط مرتين أو ثلاثًا لإزالة ما علق بها من الرائحة، وكانت الجدار من طين، فإذا ضرب يده في الجدار بالطين ثم صب عليه الماء زال الرائحة، والآن لا يوجد التراب لا في الجدار ولا في الأرض، ولكن الصابون ينوب عنه، وإذا لم يجد صابونًا صب عليه الماء يكفي، لكن من باب النظافة إذا أصاب شيئًا من الصابون أو ضرب بيده بالأرض أو الحائط كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم لإزالة الرائحة فهذا أفضل.
وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم يبدأ فيغسل فرجه وما حوله، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم بعد ذلك يخلل شعره ويصب على رأسه ثلاثًا، كما سبق يغسل رأسه ثلاثًا وهذا الأفضل، والواجب إيصال الماء إلى أصول الشعر ولو مرة واحدة، فإذا فضلت فضلة صبها عليه.