بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(المتن)
قال الإمام أبو داود رحمه الله تعالى:
حدثنا عمرو بن علي الباهلي حدثنا محمد بن أبي عدي حدثنا سعيد عن أبي معشر عن النخعي عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يغتسل من الجنابة بدأ بكفيه فغسلهما، ثم غسل مرافغه، وأفاض عليه الماء، فإذا أنقاهما أهوى بهما إلى حائط، ثم يستقبل الوضوء، ويفيض الماء على رأسه».
(الشرح)
هذا الحديث فيه اختصار، وفيه بيان كيفية الغسل من الجنابة، وهو أنه يبدأ بكفيه هذا جاء في عدة أحاديث فيغسلهما ثلاثًا، في حديث عائشة وفي حديث ميمونة وغيرها أن المسلم إذا أراد أن يغتسل من الجنابة يبدأ بغسل كفيه، وقبل ذلك تكون النية لابد من النية، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» فإن انغمس في الماء ناويًا التبرد فلا يرتفع الحدث لابد من النية.
ثم يسمي أيضًا، التسمية في الوضوء وفي الغسل مستحبة عند جمهور العلماء، وأوجبها طائفة من أهل العلم، وهم الحنابلة وجماعة، قالوا: والأحاديث وإن كانت ضعيفة إلا أنه يشد بعضها بعضًا، فتكون من باب الحسن لغيره، ساق الحافظ ابن كثير رحمه الله الآثار في آية الوضوء في آية المائدة، كثيرة وقال: إنه يشد بعضها بعضًا.
قوله: («ثم غسل مرافعه») المراد بالمرافع: المغابن الآباط وأصول الفخذين، وهو كناية عن غسل الفرج، كنت عائشة رضي الله عنها عن غسل الفرج بغسل المرافغ كما جاء في بعض الروايات: «إذا التقى الرفغان وجب الغسل» يريد التقاء الختانين، فكنى عنه بالتقاء أصول الفخذين، هكذا ذكر هذا في النهاية وفي غيره.
وفيه أنه بعد ذلك إذا استنجى يغسل يده، ولهذا قال:« وأفاض عليه الماء فإذا أنقاهما أهوى بهما إلى حائط» جاء هذا أيضًا في أحاديث أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا استنجى ضرب بيده الحائط، لتنقية اليد مما علق بها من الرائحة، وإذا غسلها بالصابون فإنه ينوب مناب الحائط؛ لأن الحائط في ذلك الزمان من طين فيعلق الطين ويغسله أما الآن فالحائط أملس، وكذلك الأرض ملساء، فينوب عنه بالصابون، وإن اكتفى بالماء كفى، ليس بلازم، لكن هذا من باب النظافة، ثم يتوضأ، ثم يفيض الماء على رأسه, هذا مختصر, ما تخريج الحديث؟.
الطالب: واعلم أن متن هذا الحديث فيه اختصار وتقديم وتأخير، ولعل بعض الرواة قد فعل ذلك والله تعالى أعلم.
الطالب: سعيد بن أبي عروبة قال في التقريب: ثقة حافظ له تصانيف كثير التدليس واختلط، وكان من أثبت الناس في قتادةـ.
الشيخ: سعيد بن أبي عروبة معروف.
الطالب: ومحمد بن أبي عدي روى عنه بعد الاختلاط.
الشيخ: ولهذا فيه بعض المخالفة للأحاديث الأخرى, لفظ اتصل مع مرافعه ومرافغه, ثم قال: وأفاض عليه الماء, ثم قال: فإذا أنقاهما, والتنقية هي التي يباشر بها الاستنجاء.
(المتن)
حدثنا الحسن بن شوكر قال: حدثنا هشيم عن عروة الهمداني قال: حدثنا الشعبي قال: قالت عائشة رضي الله عنها: «لئن شئتم لأرينكم أثر يد رسول الله r في الحائط حيث كان يغتسل من الجنابة».
(الشرح)
هذا فيه بيان أنه r إذا استنجى ضرب بيده الحائط, وهذا جاء في عدة أحاديث أنه r إذا استنجى ضرب بيده الحائط لتنقيتها وإزالة الرائحة, لكن الحديث هذا ضعيف؛ لأنه منقطع عند الشعبي لم يسمع من عائشة رضي الله عنها, ولكن ضرب اليد بالحائط هذا ثابت في الأحاديث؛ لأنه كان من الطين لتنظيف اليد من أثر الاستنجاء والفرج, والحسن بن شوكر لا بأس به صدوق.
(المتن)
حدثنا مسدد بن شريج قال: أخبرنا عبد الله بن داود عن الأعمش عن سالم عن كريب قال: أخبرنا ابن عباس رضي الله عنهما عن خالته ميمونة رضي الله عنها قالت: «وضعت للنبي r غسلًا يغتسل به من الجنابة فأكفأ الإناء على يده اليمنى فغسلها مرتين أو ثلاثًا ثم صب على فرجه فغسل فرجه بشماله ثم ضرب بيده الأرض فغسلها ثم تمضمض واستنشق وغسل وجهه ويديه ثم صب على رأسه وجسده ثم تنحى ناحية فغسل رجليه فناولته منديل فلم يأخذه وجعل ينفض الماء عن جسده».
فذكرت ذلك لإبراهيم فقال: كانوا لا يرون بالمنديل بأسًا, ولكن كانوا يكرهون العادة.
قال أبو داود: قال مسدد: قلت لعبد الله بن داود: كانوا يكرهونه للعادة؟ فقال: هكذا هو, ولكن وجدته في كتابي هكذا.
(الشرح)
وهذا الحديث أخرجه الشيخان والترمذي والنسائي وابن ماجة, وفيه حديث ميمونة البدء بغسل الكفين, وأنه يُشرع للمسلم إذا أراد أن يغتسل يبدأ بغسل الكفين (.....) , وهذا بعد النية وبعد التسمية لحديث: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» والبشرة مستحبة في الوضوء وفي الغسل عند جمهور العلماء, ثم البدء بغسل الفرج بشماله, وفيه وجوب المضمضة والاستنشاق في غسل الجنابة وفي الوضوء, هذا هو الصواب: الصواب أن المضمضة والاستنشاق واجبتان في الوضوء وفي الغسل, قال بعض العلماء: ليستا واجبتان لا في الغسل ولا في الوضوء, وقال آخرون: واجبتان في الوضوء دون الغسل, وقال آخرون: يجب الاستنشاق دون المضمضة, والصواب: أنه لابد منهما.
وفيه: أن النبي r توضأ أولًا ثم أخر غسل رجليه, فيه تأخير غسل الرجلين إلى آخر الغسل, في حديث عائشة أنه كمل وضوئه أولًا قبل غسل رجليه فدل على جواز الأمرين, في حديث ميمونة أخر غسل الرجلين, وفي حديث عائشة كمل الوضوء, فدل على جواز الأمرين, ولعله أخر غسل الرجلين في حديث ميمونة لأن المكان فيه طين فغسل رجليه آخرًا حَتَّى ينظفهما من الطين والتراب.
وفي آخر الحديث أنها قالت: «ناولته منديل فلم يأخذه وجعل ينفض الماء عن جسده» أخذ بعضهم من هذا الحديث أن ترك المنديل أولى في الغسل دون الوضوء فإنه مسكوت عنه, ولهذا يقول العلماء في الوضوء: (.....) أما في الغسل فالأولى تركه وإن أخذه فلا حرج, ولهذا قالت: «ناولته منديل فلم يأخذه وجعل ينفض الماء عن جسده».
قال سليمان الأعمش: فذكرت ذلك لإبراهيم النخعي فقال: (كانوا لا يرون بالمنديل بأسًا, ولكن كانوا يكرهون للعادة) يعني: لا يتخذوا التنشيف عادة, أما من فعله أحيانًا فلا حرج.
(قال أبو داود قال مسدد: قلت لعبد الله بن داود) وهو شيخ مسدد عبد الله بن داود, (كانوا يكرهونه للعادة؟) يسأله, (فقال: هكذا هو, ولكن وجدته في كتابي هكذا) فما في الكتاب غير ما في الحفظ, وجدته في كتابي هكذا ولكني أحفظ أنه هكذا, وجد أنه لا يرون بالمنديل بأسًا.
الطالب: (.....).
الشيخ: الأفضل أنه يتوضأ قبل الغسل, يستنجي ويتوضأ, ويكتفي هذا ولا يحتاج يعيد الوضوء كما سيأتي إلا إذا أحدث.
(المتن)
حدثنا الحسين بن عيسى الخرساني قال: اخبرنا ابن أبي فديك, عن ابن أبي ذئب, عن شعبة قال: أن ابن عباس رضي الله عنهما كان إذا اغتسل من الجنابة يُفرغ بيده اليمنى على يده اليسرى سبع مرار ثم يغسل فرجه.
(الشرح)
بين الشارح أن توجيه إبراهيم مع الأعمش, قال: (في كتابي هكذا) يعني: هكذا في حفظي مع مذاكرة الأعمش مع شيخي ابراهيم وإنا نحفظها ولكن وجدت حديث ميمونة في كتابي هكذا.
(المتن)
حدثنا الحسين بن عيسى الخرساني قال: اخبرنا ابن أبي فديك, عن ابن أبي ذئب, عن شعبة قال: أن ابن عباس رضي الله عنهما كان إذا اغتسل من الجنابة يُفرغ بيده اليمنى على يده اليسرى سبع مرار ثم يغسل فرجه, فنسي مرة كم أفرغ فسألني كم أفرغ؟ فقلت: لا أدري, فقال: لا أم لك وما يمنعك أن تدري, ثم يتوضأ وضوئه للصلاة ثم يفيض على جلده الماء ثم يقول: هكذا كان رسول الله r يتطهر.
(الشرح)
والحديث هذا حديث ضعيف من أجل شعبة مولى ابن عباس هو أبو عبد الله ويقال أبو يحيى, هو ضعيف لا حجة فيما دل عليه أن الغسل سبع مرار, الثابت في الأحاديث الصحيحة أن الغسل ثلاث مرات, يغسل يده ثلاث مرات لا سبعًا, وكذلك يغسل شقه الأيمن ثلاثًا ولا يغسله سبعًا, فهذا الحديث ضعيف من أجل شعبة مولى ابن عباس, الثابت والمحفوظ أن النبي r غسل جلده ثلاث مرات, وغسل يديه ثلاثًا, كذلك من النكارة قوله: (فنسي مرة كم أفرغ فسألني) ابن عباس سأل مولاه شعبة كم أفرغ؟ مرتين أو ثلاث أو أربع ليكمل سبعة, (فقلت: لا أدري, فقال: لا أم لك وما يمنعك أن تدري) فهذا الحديث ضعيف ولا حاجة لأن يسأله, السنة ثلاث, غسل يديه ثلاثًا, وشقه الأيمن ثلاثًا, أما هذا الحديث فهو ضعيف.
الطالب: قال ابن حبان عن شعبة هذا: يروي عن ابن عباس ما لا أصل له, كأنه ابن عباس آخر.
الشيخ: هو ضعيف.
(المتن)
حدثنا قتيبة بن سعيد قال: أخبرنا أيوب بن جابر عن عبد الله بن عصم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: «كانت الصلاة والغسل من الجنابة سبع مرار، وغسل البول من الثوب سبع مرار، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل حتى جعلت الصلاة خمسًا والغسل من الجنابة مرة، وغسل البول من الثوب مرة».
(الشرح)
وهذا الحديث أيضًا ضعيف؛ لأن فيه ضعيفين: أيوب بن جابر وعبد الله بن عصم، كلاهما ضعيف، فلا حجة فيه فيما دل عليه من غسل الجنابة سبع مرار، وغسل البول أيضًا سبع مرار، وكذلك أيضًا من النكارة قوله: (لم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يسأل ربه) يعني ليلة المعراج, (حتى جعلت الصلاة خمسًا، والغسل من الجنابة مرة، وغسل البول من الثوب مرة) هذا مخالف للأحاديث الصحيحة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم سأل في ليلة المعراج تخفيف الصلاة, وليس فيه الغسل الجنابة ولا غسل البول، لكن هذا الحديث ضعيف, المحفوظ أنه عليه الصلاة والسلام لما اغتسل من الجنابة أفاض على جسده ثلاثًا، وغسل البول مافيه تحديد يكون بغلبة الظن أنه قد طهر.
ولو صح هذا الحديث فإنه منسوخ كما دل عليه آخر الحديث، أما الصلاة فإنها فرضت خمسين ثم نسخت قبل التمكن من الفعل، بعض الأحناف ذكر أن النجاسة تغسل ثلاثًا، وجاء في الحديث أيضًا: «أمرنا بغسل الأنجاس سبعًا» لكنه حديث ضعيف، والصواب أنه ليس هناك تحديد، مثلما قال بعضهم أن النجاسة ضربان: مرئية وغير مرئية، فما كان منها مرئية فطهارتها بأن تزول عينها فإذا زالت عينها ثم غسلها بعد ذلك فأخر غسله تزول بها النجاسه هذه نجسه ثم بعد ذلك تكون طاهرة الغسله التي بعدها، أما غير المرئية فطهارتها أن يغسلها حتى يغلب على ظنه أنها قد طهرت, أما هذا الحديث فهو ضعيف، وليس بحجة.
(المتن)
حدثنا نصر بن علي قال: حدثني الحارث بن وجيه قال: أخبرنا مالك بن دينار عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن تحت كل شعرة جنابة فاغسلوا الشعر وأنقوا البشر».
قال أبو داود: الحارث بن وجيه حديثه منكر وهو ضعيف.
(الشرح)
وهذا الحديث أخرجه الترمذي وابن ماجة وهو ضعيف كما قال المؤلف منكر كما قال المؤلف لضعف الحارث بن وجيه، فلا حجة فيه، في قوله: إن تحت كل شعرة جنابة؛ لأنه يقتضي نقض القرون والضفائر خلافًا لإبراهيم النخعي الذي أخذ بالحديث وقال: إنه يجب نقض القرون والضفائر، والصواب أنه لا يجب، بل يكفي إيصال الماء إلى أصول الشعر وإن لم ينقض شعره، كما هو قول عامة أهل العلم، وكما جاء في حديث أم سلمة بعد باب، أنه لا يجب النقض، وإنما الواجب إدخال الماء إلى أصول الشعر ولو لم ينقض، وأما هذا الحديث: «إن تحت كل شعرة جنابة فاغسلوا الشعر وأنقوا البشر» فهو ضعيف.
(المتن)
حدثنا موسى بن إسماعيل قال: أخبرنا حماد أخبرنا عطاء بن السائب عن زاذان عن علي رضي الله عنه قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من ترك موضع شعرة من جنابة لم يغسلها فعل به كذا وكذا من النار، قال علي رضي الله عنه: فمن ثم عاديت رأسي فمن ثم عاديت رأسي فمن ثم عاديت رأسي وكان يجز شعره رضي الله عنه».
(الشرح)
وهذا أخرجه ابن ماجة وهو ضعيف أيضًا؛ لأن فيه عطاء بن السائب، وقد اختلط في آخر عمره فمن روى عنه قبل الاختلاط فروايته صحيحه كـ البخاري، فهو ممن روى عنه قبل الاختلاط، أما من روى عنه بعد الاختلاط فهو غير مقبول، وممن روى عنه بعد الاختلاط حماد بن سلمة، فهو كحديث أبي هريرة السابق في ضعفه، فلا يدل على وجوب غسل البشرة التي تحت الشعر الكثيف، بل يكتفي بغسل ظاهر الشعر؛ لأنه بمثابة البشرة، أما الشعر الخفيف فيجب غسله وغسل البشرة التي تحته.
دل حديث أم سلمة الآتي على أنه لا ينقض شعر الرأس المشدود، بل تحثي على رأسها ثلاث حثيات، لكن أيضًا دل الحديث على أن النقض أفضل؛ لأنه من الطهارة في غسل الحيض.
أما جز الشعر هذا لا بأس به, حلق الشعر للرجل لا بأس به، وهو مباح، وقال بعضهم: مكروه، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى صبيًا حلق بعض رأسه، فقال: «أحلقه كله أو اتركه كله» فلا بأس في حلق شعر الرأس فهو مباح، فإذا كان في إبقاء الشعر تشبه ببعض أهل البدع فلا يبقيه، لكن لو أبقاه إتباعًا للسنة فهذا حسن، ولهذا قال الإمام أحمد رحمه الله إن إبقاء الشعر سنة، ولو نقوى عليه لاتخذناه، لكن له كلفة ومشقة، يحتاج إلى غسل ودهن وتسريح ففيه مشقة، ومن كان يقوى على هذا فهو حسن, كان النبي r إنما يحلق في حج أو في العمرة.
(المتن)
باب الوضوء بعد الغسل: حدثنا عبد الله محمد النفيلي قال: أخبرنا زهير قال: أخبرنا أبو إسحاق عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل ويصلي الركعتين وصلاة الغداة ولا أراه يحدث وضوءًا بعد الغسل».
(الشرح)
ماذا قال عن تخريجه؟.
الترمذي وقال حديث حسن صحيح، والنسائي وابن ماجة وأحمد جميعًا من طريق أبي إسحاق به.
فالحديث ظاهره أن لا بأس بسنده، فـأبو إسحاق السبيعي تدليسه قليل، وهو دليل على أنه لا يتوضأ بعد الغسل، اكتفاء بوضوئه قبل الغسل، هكذا عادته عليه الصلاة والسلام، كان يستنجي ثم يتوضأ، ثم يفيض الماء على رأسه، ثم يغسل شقه الأيمن ثم يغسل شقه الأيسر، وعلى هذا فلا يتوضأ بعد الغسل، إلا إذا أحدث في أثناء الغسل بأن مس فرجه أو خرج منه ريح أو بول، فلابد من الوضوء، أما إذا استنجى أولًا ثم توضأ فلا يعيد الغسل بعد ذلك.
وقد يحتج به بعضهم بأنه إذا اغتسل(.....) هذا ذهب إليه بعض العلماء إلى أنه إذا نوى رفع الحدثين دخل الأصغر في الأكبر، لكن المعروف من غسل النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يتوضأ أولًا، ما كان يكتفي بالغسل، وهذا هو الغسل الكامل، وفيه يستنجي ثم يتوضأ، ثم يفيض الماء على رأسه ثلاثًا، ثم يغسل شقه الأيمن ثم يغسل شقه الأيسر، هذا هو المحفوظ من فعله عليه الصلاة والسلام.
أما الغسل المجزي فهو أن ينوي ثم يسمي ثم يعمم بدنه بالماء، لكن الأكمل هو الغسل الكامل، وهو الذي كان يفعله عليه الصلاة والسلام, ثم يصلي ركعتين، يعني ركعتي الفجر، وصلاة الغداة صلاة الفجر.
(المتن)
باب المرأة هل تنقض شعرها عند الغسل: حدثنا زهير بن حرب وابن السرح قالا: أخبرنا سفيان بن عيينة عن أيوب بن موسى عن سعيد بن أبي سعيد عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة رضي الله عنها عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: إن امرأة من المسلمين وقال زهير: إنها قالت: يا رسول الله! إني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه للجنابة؟ قال: «إنما يكفيك أن تحفني عليه ثلاثًا» وقال زهير: «تحثي عليه ثلاث حثيات من ماء، ثم تفيضي على سائر جسدك فإذا أنت قد طهرت».
(الشرح)
وهذا الحديث أخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة، وهو دليل على أن المرأة لا تنقض شعرها في غسل الجنابة، ولهذا قالت: إني امرأة أشد ضفر رأسي، والضفر فوق الظهر، وهي العمائم، تسمى العمائم وتسمى القرون، وتسمى الجزائل عند بعض العامة، «أفأنقضه للجنابة، قال: لا، إنما يكفيك أن تحفني عليه ثلاثًا» في الرواية الأخرى: وقال زهير: «تحثي عليه ثلاث حثيات من ماء» فإذا صبت الماء على رأسها وروت أصول الشعر كفى، من دون حاجة إلى النقض، ثم تفيض على سائر جسدها.
وفي وراية: «أفأنقضه للجنابة والحيضة، قال: لا» فدل على أنه لا يجب النقض، لا لغسل الجنابة ولا للحيض، لكن نقضه لغسل الحيض أفضل؛ لأن الحيض مدته تطول وكذلك النفاس، وقد تتجمع أوساخ، بخلاف الجنابة، فإنها تتكرر في الشهر بل في اليوم، فيكون في النقض مشقة، والمشقة تجلب التيسير، كلما حصلت مشقة كانت سببًا للتخفيف.
والعلماء اختلفوا في هذه المسألة فمنهم من أوجب نقض الشعر للجنابة وللحيض، ومنهم من لم يوجبها، لا للجنابة ولا للحيض، ومنهم من أوجب النقض في الحيض دون الجنابة، ومنهم ابن القيم رحمه الله، اختار أنه يجب على المرأة أن تنقض شعرها في الحيض، تكلم في هذا قال: إن حديث أم سلمة يدل على أنه ليس على المرأة أن تنقض شعر لغسل الجنابة، وهذا اتفاق من أهل العلم، ثم تكلم في غسل الحيض، فقال: إن المنصوص عن أحمد أنها تنقضه، فنقل كلامًا وخلص إلى أنه يجب على المرأة أن تنقض شعرها في غسل الحيض دون الجنابة، والصواب أنه لا يجب لا في الحيض ولا في الجنابة، ولكن الأفضل أن تنقض شعرها لغسل الحيض والنفاس، لأن مدتها تطول وقد تتجمع الأوساخ، بخلاف الجنابة.
الطالب: (.....)
الشيخ: في الحديث: «والحيضة؟ قال: لا» قال: لا, يدل على أنه ليس بواجب.
الطالب: (.....)
الشيخ: يُنظر إن كانت مخالفة لكنها ليست مخالفة يكون منفرد بها, إذا انفرد بها بعض الرواة دون زملائه يرى بعضهم التشابه في هذه الحالة.
الطالب: (.....)
الشيخ: الدلك سنه ابن القيم رحمه الله يقول: حديث أم سلمة على الصحيح فيه الاقتصار على ذكر الجنابة دون الحيض، وليس لفظ الحيضة فيه محفوظه.
(المتن)
حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح قال: حدثنا ابن نافع يعني الصائغ عن أسامة عن المقبري عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: أن امرأة جاءت إلى أم سلمة رضي الله عنها بهذا الحديث، قالت فسألت لها النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه قال فيه: «واغمزي قرونك عند كل حفنة».
(الشرح)
(اغمزي) أي: أبصري (.....) , والقرون الضفائر وسماها بعضهم العمائم، وسماها بعضهم الجدائل، فإذا غمستها وروتها بماء كفى من دون نقض.
(المتن)
حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: أخبرنا يحيى بن أبي بكير قال: أخبرنا إبراهيم بن نافع عن الحسن بن مسلم عن صفية بنت شيبة عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت إحدانا إذا أصابتها جنابة أخذت ثلاث حفنات هكذا تعني بكفيها جميعًا، فتصب على رأسها وأخذت بيد واحدة فصبتها على هذا الشق، والأخرى على الشق الآخر.
(الشرح)
وهذا الحديث رواه البخاري قريبًا منه، وفيه أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لا ينقضن ضفائر رؤوسهن عند الاغتسال من الجنابة، وإنما تأخذ الواحدة ثلاث حفنات فتصبها على رأسها، فدل على أن النقض ليس بواجب.
(المتن)
حدثنا نصر بن علي قال: أخبرنا عبد الله بن داود عن عمر بن سويد عن عائشة بنت طلحة عن عائشة رضي الله عنها قالت: كنا نغتسل وعلينا الضماد ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محلات ومحرمات.
(الشرح)
وهذا الحديث ظاهره أن إسناده لا بأس به إسناده حسن, تكلم عليه عندك؟.
الطالب: نصر بن علي ثبت، وعبد الله بن داود وابن عامر ثقة عابد، وعمر بن سويد بن غيلان ثقة وعائشة بنت طلحة ثقة.
الشيخ: لا بأس به، والضماد ما يوضع على الشعر مما يلبده من طيب، أو صمغ أو خطم، والحديث دليل على أنه لا يجوز إزالة الضماد، وأن المرأة إذا كان على رأسها ضماد فإنها تصب الماء على رأسها فدل على جواز الاغتسال وعلى رأسها ضماد من طيب وخطمي، وأنه لا يجوز نقض الضفائر، بل يكتفى بصب الماء على الرأس وإيصاله إلى أصول الشعر محلات ومحرمات، سواء كانت المرأة محلة أو محرمة.
الطالب: الحنا ؟
الشيخ: من جنس الضماد أيضًا الحناء تصب الماء وتروي.
الطالب: (.....)
الشيخ: الضماد قد يكون من قماش، وقد يكون من غيره، لكن ليس المراد القماش هنا، وإنما المراد الضماد صمغ حناء مثلًا وما أشبه ذلك خطمي يوضع على الرأس ثم يصب عليه ومعروف انه طبقه لكن تزول مع الماء.
(المتن)
حدثنا محمد بن عوف قال: قرأت في أصل إسماعيل بن عياش قال ابن عوف: وأخبرنا محمد بن إسماعيل عن أبيه قال: حدثني ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد قال: أفتاني جبير بن نفير عن الغسل من الجنابة أن ثوبان رضي الله عنه، حدثهم أنهم استفتوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: «أما الرجل فلينشر رأسه فليغسله حتى يبلغ أصول الشعر، وأما المرأة فلا عليها أن لا تنقضه لتغرف على رأسها ثلاث غرفات بكفيها».
(الشرح)
وهذا الحديث في إسناده محمد بن إسماعيل بن عياش وأبوه إسماعيل بن عياش وفيهما مقال، لكن محمد بن إسماعيل بن عياش في راويته عن الشاميين وهم أهل بلده جيدة، أما روايته عن الحجازيين فهي ضعيفه، فإذا روى عن أهل بلده فالرواية جيدة، ولهذا قال ابن القيم رحمه الله: هذا إسناد شامي، وحديث إسماعيل بن عياش عن الشاميين صحيح، وعلى كل حال الحديث فيه كلام.
قوله: قرأت في أصل إسماعيل بن عياش، كذا روى ابن عوف وجادة يعني قرأ في كتابه وجادة، ثم قال: (قال ابن عوف: وأخبرنا محمد بن إسماعيل عن أبيه) كأنه قرأ في أصل إسماعيل وجادة وسمعه من محمد بن إسماعيل، ومحمد بن إسماعيل فيه كلام.
وفيه: أن الرجل ينشر رأسه فيغسله حتى يبلغ أصول الشعر، ومعناه أنه يصب الماء على رأسه وهو التفريغ، يعني: يفرق شعر رأسه فيغسله حتى يبلغ أصول الشعر، وأما المرأة فأنها لا تنقضه بل تصب على رأسها ثلاث غرفات بكفيها، وهذا موافق للأحاديث الأخرى, ماذا قال عن محمد بن إسماعيل؟.
الطالب: قال عنه محمد بن إسماعيل عن أبيه، قال أبو حاتم لم يسمع من أبيه شيئًا، حملوه على أن يحدث فحدث، وضمضم بن زرعة (.....) صدوق يهم ضعفه أبو حاتم, وشريح بن عبيد، ثقة وكان يرسل كثيرًا وثقه النسائي وغيره.
الشيخ: على هذا يكون الحديث منقطعًا لأنه لم يسمع من أبيه، لكن ما دل عليه من أنه لا يجب نقض شعر الرأس هذا موافق للأحاديث فالمرأة لا تنقض شعرها، والرجل كذلك إذا كان له شعر يصب الماء عليه.
قوله: فلينشر رأسه، أي: يفرغ ما يحتاج تفريغ، المهم يبلغ الماء أصول الشعر، يصب الماء حتى يبلغ ولو لم يفرق رأسه.
الطالب: (.....)
الشيخ: يغسله لكن لا يجب النقض إذا كان ضفائر.
ذكر الخلاف في النقض هل يجب النقض؟ أقوال لأهل العلم ومذاهب:
المذهب الأول: أنه لا يجب النقض لا في الجنابة ولا في الحيض.
المذهب الثاني: أنها تنقض في الجنابة وفي الحيض.
المذهب الثالث: وجوب النقض في الحيض دون الجنابة.
والصواب: أنه لا يجب لا في الحيض ولا في الجنابة, وهو مذهب الجمهور والذي دلت عليه أحاديث أم سلمة.
(المتن)
باب في الجنب يغسل رأسه بالخطمي.
حدثنا محمد بن جعفر بن زياد: قال: أخبرنا شريك عن قيس بن وهب عن رجل من بني سواءة بن عامر عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان يغسل رأسه بالخطمي وهو جنب يجتزىء بذلك ولا يصب عليه الماء.
(الشرح)
وهذا الحديث ضعيف بهذا السند؛ لأن فيه رجلًا مبهمًا وهو مجهول، قال: (رجل من بني سوادة) روى عنه قيس بن وهب، والمؤلف ذكره ولم يتكلم عليه؛ لأنه معروف عند أهل الحديث، ومعرفة الحديث الضعيف علم، كما أن معرفة الصحيح علم، وقد يذكر أهل العلم الحديث الضعيف من أجل أن لعله يوجد له طريق أخرى, أو يوجد له متابعة وشواهد، وهو لو صح فهو محمول على أنه غسل رأسه أولًا بالماء ليوافق الأحاديث الصحيحة, والحديث فيه: « أنه كان يغسل رأسه بالخطمي وهو جنب» ويكفي بهذا ولا يصب عليه الماء, هذا محمول على أنه غسل رأسه أولًا بالماء ليوافق الأحاديث الصحيحة.
الطالب: (.....)
الشيخ: يقول ما سكت عنه فهو حسن قال ذكرت فيه الحسن وما يقاربه، وما سكت عنه فهو حسن؟ هذا هو الغالب، لكن قد يسكت أحيانًا عن الحديث ويكون من غير الغالب فالقاعدة ليست مطردة فقد ذكر هذا الحديث، وهو ضعيف فيه مجهول.
ولعله اكتفى بأنه معروف عند أهل الحديث، وأهل هذا الشأن، (عن رجل من بني سواءة) معروف، فإذا قرأه من له إلمام بالحديث عرف أنه ضعيف لوجود الرجل المبهم.
الطالب: ما هو الخطمي؟.
الشيخ: والخطمي شيء يوضع على الرأس، مثل الأشتان، وهو من جنس الضماد ومثل الصمغ وما أشبهه, وسيلة تنظيف.
(المتن)
باب فيما يفيض بين الرجل والمرأة من الماء.
حدثنا محمد بن رافع قال: أخبرنا يحيى بن آدم قال: أخبرنا شريك عن قيس بن وهب عن رجل من بني سواءة بن عامر عن عائشة رضي الله عنها فيما يفيض بين الرجل والمرأة من الماء قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ كفًا من ماءٍ يصب علي الماء، ثم يأخذ كفًا من ماء ثم يصبه عليه.
(الشرح)
وهذا الحديث كالسابق ضعيف، لأنه بالسند السابق فيه رجل مجهول، وهو من بني سواءه الذي أبهمه قيس بن وهب فهو ضعيف بهذا السند، وقوله فيما يفيض بين الرجل والمرأة من الماء يعني: من المني، قال: كان يأخذ كفًا من ماء، فيصبه على الماء، يعني يصبه على المني لتطهيره، والمعروف في الأحاديث الصحيحة أن المني طاهر يحك يابسه ويغسل رطبه من باب النظافة، كما ثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كنت أغسل المني في ثوب النبي صلى الله عليه وسلم فيخرج إلى الصلاة وإني أرى أثر بقع الماء على ثوبه» وفي الحديث الآخر: «كنت أفركه يابسًا بظفري» فالمني طاهر يفرك يابسه ويغسل رطبه من باب النظافة، وإما المذي فإنه نجس يغسل، وأما هذا الحديث فهو ضعيف فلا حجة فيما دل عليه من غسلها المني لأنه ضعيف، لأن هذا فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يغسل، وأنه كان يأخذ كفًا من ماء فيصبه عليه، وهو طاهر فهو أصل الإنسان، والمعروف أن عائشة تغسله، فتغسل رطبه وتحك يابسه.
الطالب: (.....)
الشيخ: يأخذ كفًا من ماء الغسل فيصبه على الماء؛ أي المني.
(المتن)
باب في مؤاكلة الحائض ومجامعتها.
حدثنا موسى بن إسماعيل قال: أخبرنا حماد قال: أخبرنا ثابت البناني عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: إن اليهود كانت إذا حاضت منهم المرأة أخرجوها من البيت، ولم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يجامعوها في البيت، فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فأنزل الله تعالى ذكره: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ}[البقرة/222]، إلى آخر الآية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «جامعوهن في البيوت، واصنعوا كل شيء غير النكاح» فقالت اليهود: ما يريد هذا الرجل أن يدع شيئًا من أمرنا إلا خالفنا فيه، فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر رضي الله عنهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالا: يا رسول الله! إن اليهود تقول كذا وكذا أفلا ننكحهن في المحيض؟ فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننا أن قد وجد عليهما، فخرجا فاستقبلتهما هدية من لبن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث في آثارهما فسقاهما فظننا أنه لم يجد عليهما.
(الشرح)
هذا الحديث أخرجه مسلم رحمه الله والترمذي والنسائي وابن ماجة، وحماد هو ابن أبي سلمة وهو شيخ موسى بن إسماعيل وهو أثبت الناس في روايته، وهذا الباب ذكره المؤلف رحمه الله ليبين حكم مؤاكلة الحائض، ومباشرتها لزوجها، والأكل معها والشرب معها، وأن هذا لا بأس به كما دلت عليه الأحاديث.
وفي هذا الحديث أن حديث أنس رضي الله عنه أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة اعتزلوها، وجعلوها في غرفة مستقلة، ولم يؤاكلوها، ولم يشاربوها، فسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فأنزل الله تعالى هذه الآية: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ}[البقرة/222].
فلم يأمر الله سبحانه وتعالى إلا اعتزالها في المحيض يعني في محل الحيض وهو الجماع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «جامعوهن في البيوت» أي: اجتمعوا معهن، واجلسوا معهن، وآكلوهن وشاربوهن مخالفة لليهود، قال: «جامعوهن في البيوت واصنعوا كل شيء إلا النكاح» هذا رواه الإمام مسلم في صحيحه, والمراد بالنكاح الجماع، والنكاح يطلق على العقد ويطلق على الوطء، والمراد هنا الوطء، فلما قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، قالت اليهود: (ما يريد هذا الرجل) أي: النبي صلى الله عليه وسلم (أن يدع شيئًا من أمرنا إلا خالفنا فيه) فمخالفة اليهود مقصودة للشارع، ولهذا جاء في الحديث الآخر: «إن اليهود لا يصلون في نعالهم فصلوا في نعالكم», «إن اليهود لا يصبغون فخالفوهم» فمخالفة اليهود مقصودة للشارع.
ومن ذلك أن اليهود كانوا من تشددهم يعتزلون المرأة إذا حاضت، يجعلونها في غرفة مستقلة لا تؤآكل ولا تشارب، يهجرونها ولا يمسونها ولا تطبخ ولا تغسل فهذا من تشددهم، والحائض بدنها طاهر وعرقها طاهر ولعابها طاهر وثيابها طاهرة، إنما النجاسة في الدم، يأكل معها، ويشرب معها، وتطبخ، وتغسل الثياب، وتعجن, تصنع الطعام, تصنع القهوة, تصنع الشاي, كل شيء من يدها لا بأس به إلا أن زوجها لا يجامعها؛ لأن الجماع منهي عنه، والمباشرة لا بأس بها، وقد سبق في الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا شربت عائشة من إناء وضع فمه في المكان الذي وضعت فمها فيه، وأنها تتعرق العظم وهو عرموش اللحم، فيأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه مكان فمها.
وفي هذا مخالفة لليهود قبحهم الله، ولما قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا، جاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالا: (يا رسول الله! إن اليهود تقول كذا وكذا، أفلا ننكحهن في المحيض؟) يعني أفلا نجامعهن, (فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم) يعني: تغير عليه الصلاة والسلام؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ}[البقرة/222].
قال: (حتى ظننا أن قد وجد عليهما) يعني: فظنوا أنه غضب عليهما، فوجد بمعنى غضب, (فخرجا فاستقبلتهما هدية من لبن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث في آثارهما فسقاهما، فظننا أنه لم يجد عليهما) يعني: لما قاما من عنده جاءت هدية من لبن في وقت قيامهما من عند النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إليهما فجاءا فسقاهما من اللبن فعلم الصحابة أنه لم يغضب عليهما.
وأسيد بن حضير وعباد بن بشر هذان هما اللذان حصلت لهما الكرامة وأضاء لهما سوطهما لما خرجا من عند النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة، وهذا من كرامات الأولياء, فلما افترقا أضاء لكل واحد منهما السوط حتى وصل إلى أهله.
وكما حصل لبعض الصحابة كـالطفيل بن عمرو لما أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى قومه، سأله أن يدعو الله أن يجعل له آية أي: علامة، يعلمون بها صدقه فلما جاءهم أضاء لهم مثل السراج في جبهته، فقال يا رب! في غير هذا الموضع، فكان في سوطه، فأسلم قومه.
هذا من كرامات الاولياء وهي موجودة ولكنها ليست كثيرة في الصحابة ، إنما كثرت في التابعين, وفي الحديث جواز الاستمتاع من الحائض أن زوجها يستمتع بها في غير الوطئ، مؤاكلة ومجالسة ومباشرة، وفي هذا الحديث الغضب إذا انتهكت محارم الله.
(المتن)
حدثنا مسدد قال: حدثنا عبد الله بن داود عن مسعر عن المقدام بن شريح عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أتعرق العظم وأنا حائض فأعطيه النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فمه في الموضع الذي فيه وضعته، وأشرب الشراب فأناوله فيضع فمه في الموضع الذي كنت أشرب منه.
(الشرح)
وهذا الحديث أيضًا أخرجه مسلم رحمه الله، والنسائي، وابن ماجة، وتعرق العظم: وفي اللفظ تعرق (.....) ، وهو العظم الذي فيه بقية من لحم، والمعنى: أن عائشة كانت تأخذ العظم فيه شيء من اللحم فتعرش منه، ثم تعطيه للنبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه مكان فمها، وهذا من حُسن خلقه عليه الصلاة والسلام ومؤانسته لأهله، وفيه دليل على أن فم الحائض طاهر، وكذلك عرقها وثيابها ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم ينام مع الحائض ويضاجعها، والنجاسة مختصة بالدم.
في حسن خلقه عليه الصلاة والسلام ومعاشرته ومداعبته ومؤانسته لأهله بل قال عليه الصلاة والسلام: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي»، وهذا أقرب إلى القبول والاستجابة والتآلف مع البشر والبشاشة وأقرب من التعبيس والشدة والغلظة، فيما تركبه من المخالفات مع النصيحة باللين الذي لا يؤدي إلى الطلاق، يعني: كونه يعاشرها ويحسن خلقه معها هذا أقرب إلى المودة وأقرب إلى استقامة الحال، بخلاف ما إذا عبس وأغلظ فإن هذا قد يؤدي إلى الطلاق.
(المتن)
حدثنا محمد بن كثير قال: أخبرنا سفيان عن منصور بن عبد الرحمن عن صفية عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع رأسه في حجري فيقرأ وأنا حائض.
(الشرح)
وهذا أخرجه الشيخان، والنسائي، وابن ماجة، وفيه طهارة جسم الحائض، وثيابها، وأن النجاسة مختصة بالدم، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يضع رأسه في حجر عائشة ويقرأ القرآن وهي حائض ولا حرج في ذلك.
(المتن)
باب في الحائض تناول من المسجد.
حدثنا مسدد بن مسرهد قال: أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن ثابت بن عبيد عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ناوليني الخمرة من المسجد، قلت إني حائض، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن حيضتك ليست في يدك».
(الشرح)
وهذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، من حديث عبد الله البري، والخمرة سجادة أو حصير صغيرة بقدر الوجه والكفين، سميت خمرة؛ لأنها تخمر وجه المصلي أي تستره من الأرض، وفيه دليل على أن مرور الجنب الحائض في المسجد لحاجة من دون (.....) لا بأس به في هذا الحديث لقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ}[النساء/43].
فالجنب يجوز له أن يمر في المسجد، لكن لا يجوز له المكث وكذلك الحائض تمر مرورًا، أما المكث فلا، إلا إذا توضأ الجنب، فإنه ورد عن الصحابة ما يدل على أنه لا بأس بذلك لأنها حينئذ تخف الجنابة، كما سبق.
والنبي صلى الله عليه وسلم قال في هذا الحديث لـعائشة: «ناوليني الخمرة» يعني: السجادة, «فقالت: إني حائض فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن حيضتك ليست في يدك» يبين لها عليه الصلاة والسلام أنه لا بأس بالمرور.
الطالب: (.....)
الشيخ: قِيلَ إِنَّهَا خمرة مصلى صغير بقدر الوجه والكفين تستر الوجه عن حرارة الأرض, فإذا كَانَ كبير يسمى سجادة.
الطالب: (.....)
الشيخ: لا بأس أن يصلي المرء على ما يمنع أذى حرارة الأرض أو برودتها وحصاها من سجادةٍ أو شيءٍ آخر لكن إذا كانت الأرض مفروشة ما في داعي لمثل ذلك, وكان النبي صلي الله عليه وسلم يصلي على الحصير ويصلي على الأرض ما يتكلف.
(المتن)
باب في الحائض لا تقضي الصلاة.
حدثنا موسى بن إسماعيل قال: أخبرنا وهيب قال: أخبرنا أيوب عن أبي قلابة عن معاذة قالت: «إن امرأة سألت عائشة رضي الله عنها أتقضي الحائض الصلاة؟ فقالت أحرورية أنت؟ لقد كنا نحيض عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نقضي ولا نؤمر بالقضاء».
(الشرح)
وهذا الحديث أخرجه الشيخان، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، وفيه دليل على أن الحائض لا تقضي الصلاة، ولكنها تقضي الصوم، وهذا من حكمة الله تعالى من رحمة الله تعالى بالمرأة، فإن الحيض يتكرر في كل شهر مرة، فلو كُلفت بقضاء الصلاة لشق عليها ذلك، أما الصوم فإنه لا يكون إلا في السنة مرة، فلهذا تؤمر بقضاء الصوم، وفي اللفظ الآخر أن عائشة قالت لها: «كنا نحيض على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة» كما سيأتي في الحديث الذي بعده.
وقولها: «أحرورية أنت» أي: هل أنت من الخوارج الذين سكنوا بلدة حرورى، بلدة في العراق تجمع فيها الخوارج، فسموا حرورية، لسكناهم هذه البلدة وذلك أنها لم تحسن السؤال، فظنت عائشة رضي الله عنها أنها معترضة، أي: تعترض, فقالت لها: أحرورية أنت، لأنها قالت في اللفظ الآخر: «ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة»، فقالت: أحرورية أنت، تعترضين قالت: لست بحرورية ولكني أسأل.
لما لم تحسن السؤال ظنت عائشة أنها من الخوارج والخوارج مبتدعة وهم الذين خرجوا في زمن علي رضي الله عنه وغلاة السبأية الذين ينتسبون لـعبد الله بن سبأ اليهودي الحميري الذي دخل في الإسلام نفاقًا لإفساد دين الإسلام، وكان علي رضي الله عنه خد لهم الأخاديد في الأرض وأضرمها نارًا، ثم ألقاهم فيها من شدة غضبه وغيظه عليهم، قال:
لما رأيت الأمر أمرًا منكرًا
أججت ناري ودعوت قنبرًا
ومن أصولهم أنهم يعملون بالقرآن ولا يعملون بالسنة بزعمهم،فهذا الحكم وهو أن الحائض لا تقضي الصلاة بالسنة ولا يعملون به.
الطالب: (.....)
الشيخ: فيهم خلاف فالجمهور على أنهم مبتدعة، الصحابة عاملوهم معاملة المبتدعة؛ لأنهم متأولون، استدلوا الجمهور بقول علي رضي الله عنه، لما سئل عنهم أكفار هم؟ قال: من الكفر فروا.
والقول الثاني: أنهم كفار، وهي روايه عن الإمام أحمد وهو ظاهر الأحاديث الكثيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية»، وفي لفظ: «يمرقون من الدين ثم لا يعودون إليه».
وفي اللفظ الآخر: «لئن لقيتهم لأقتلنهم قتل عاد»، شبههم بعاد وهم قوم كفار.
وفي اللفظ الآخر: «فمن لقيهم فليقتلهم فإن في قتلهم أجر لمن قتلهم عند الله» قالو وهذه النصوص تدل على كفرهم.
(المتن)
حدثنا الحسن بن عمرو قال: أخبرنا سفيان يعني ابن عبد الملك عن ابن المبارك عن معمر عن أيوب عن معاذة العدوية عن عائشة رضي الله عنها بهذا الحديث، وزاد فيه: «فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة».
(الشرح)
هذا فيه أن الله سبحانه وتعالى سامح المرأة الحائض من قضاء الصلاة لمشقة التكرر بخلاف الصوم، فإنه لا يكون إلا في العام مرة فلهذا تؤمر به، واختلف العلماء في الصلاة التي دخل وقتها وهي طاهر ثم حاضت، هل تقضيها أو لا تقضيها؟ فقال كثير من الفقهاء الحنابلة وغيرهم: تقضيها، وقال آخرون: لا تقضيها، فإن قضت احتياطًا فهو حسن.
(المتن)
باب في إتيان الحائض.
حدثنا مسدد قال: أخبرنا يحيى عن شعبة قال: حدثني الحكم عن عبد الحميد بن عبد الرحمن عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض قال: «يتصدق بدينار أو نصف دينار».
قال أبو داود هكذا الرواية الصحيحة قال: دينار أو نصف دينار، وربما لم يرفعه شعبة.
(الشرح)
وهذا الباب معقود لإتيان الحائض للجماع في الفرج, ذكر فيه المؤلف رحمه الله ابن عباس, وهذا السند لا بأس به، سند جيد، والحديث روي موصولًا وموقوفًا ورواه الحاكم وابن القطان موصولًا وهما ثقتان، ومن العلماء من قدم الموقوف وجمهور العلماء أعلوه بالاضطراب في سنده ومتنه، وقالوا: إن هذا الحديث لا يعمل به؛ لأنه مضطرب سندًا ومتنًا، كما سيذكر المؤلف رحمه الله روايات في هذا الحديث بعده، وقالوا: ليس عليه شيء إذا جامع امرأته وهي حائض وإنما عليه أن يستغفر الله، وقالوا: إن الذمة بريئة إلا أن تقوم الحجة بشغلها، وهذا الحديث فيه اضطراب في السند، واضطراب في المتن، في السند فقد روي موصولًا وروي موقوفًا، وفي المتن فقد روي دينار وروي نصف دينار على الشك، كما روي يتصدق بدينار فإن لم يجد فبنصف دينار، وروي التفرقة بين أن يصبها في الدم أو انقطاع الدم، وروي يتصدق بخمسي دينار، وروي بنصف دينار، وروي إذا كان دمًا أحمرًا فدينار، وإن كان دمًا أصفرًا فنصف دينار، وروي إن كان الدم عبيطًا فيتصدق بدينار، وإن كان صفرة فنصف دينار ، قالوا هذا إضطراب ف المتن وإضطراب في السند روي موصولًا وروي موقوفًا.
ولذلك قالوا: ليس عليه شيء إذا جامع زوجته فإنه يستغفر الله؛ وليس عليه شئ لأن هذا الحديث لا يصح.
وقال آخرون: أن هذا الحديث ثابت وهو الصواب فقد وروي موصولًا وموقوفًا رواه الحاكم وابن القطان موصولًا وهما ثقتان، ورواه بعضهم موقوفًا، فيقدم من رواه موصولًا على من رواه موقوفًا إذا كان ثقة؛ لأن الواصل معه زيادة علم خفيت على من قطع، وكذلك من رفع معه زيادة علم خفيت على من وقف.
وعلى هذا فإنه يُعمل بهذا الحديث فيكون إذا جامع عليه التوبة والاستغفار وعليه كفارة دينار أو نصف دينار، والدينار مثقال من الذهب، وهو يعادل أربعة أسباع الجنيه السعودي، فإذا كان الجنيه السعودي صرفه مثلًا سبع مائه، فعلى من جامع أربعمائة أو مائتين، وإذا كان صرف الجنيه سبعين ريالًا يكون عليه أربعين ريالًا، أو نصف يعني عشرين ريالًا يتصدق بها بالخيار، وكونه مخيرًا فهذا لا بأس به، ففي كفارة اليمين تخيير، وفي كفارة الأذى في الحج في تخيير: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}[البقرة/196].
وأبو داود رحمه الله رجح تفسيرها، قال أبو داود: هكذا الرواية الصحيحة، وصححه ابن القيم رحمه الله، وقال: إن عبد الحميد بن زيد الخطاب أخرج له صاحب الصحيح ووثقه النسائي، وهو حديث لا بأس بسنده.
الطالب: (.....)
الشيخ: التخيير له شواهد مثلما سبق كفارة اليمين تخيير (.....) ولا يشكل.
(المتن)
حدثنا عبد السلام بن مطهر قال: أخبرنا جعفر يعني ابن سليمان عن علي بن الحكم البناني عن أبي الحسن الجزري عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إذا أصابها في أول الدم فدينار، وإذا أصابها في انقطاع الدم فنصف دينار.
قال أبو داود: وكذلك قال ابن جريج عن عبد الكريم عن مقسم.
حدثنا محمد بن الصباح البزاز قال: أخبرنا شريك عن خصيف عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا وقع الرجل بأهله وهي حائض فليتصدق بنصف دينار».
قال أبو داود: وكذا قال علي بن بديمة عن مقسم عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا، وروى الأوزاعي عن يزيد بن أبي مالك عن عبد الحميد بن عبد الرحمن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أمره أن يتصدق بخمسي دينار» وهذا معضل.
(الشرح)
معضل يعني: سقط من الإسناد فيكون ضعيفًا، وكذلك الأول حديث محمد بن الصباح عن شريك عن خصيف، وخصيف ضعيف, وكذلك ما قبله عن جعفر عن علي بن الحكم البناني كل هذه ضعيفة, كونه يتصدق بنصف دينار أو بخمس دينار لا تخلو من مقال, والصواب ما دل عليه الحديث الأول حديث ابن عباس حديث عبدالحميد بن عبدالرحمن أنه يتصدق بدينار أو بنصف دينار, أما هذه الروايات فتكون (.....) بنصف دينار أو بخمس دينار أو إن كان أصابها في أول الدم فدينار إن أصابها في انقطاع الدم فتصف دينار كل هذا ضعيف علي بن الحكم البناني هل تكلم عليه, بن الحسن الجزيري؟.
الطالب: الجزيري مجهول، علي بن الحكم البناني ثقه ضعفه (.....) حجه.
الشيخ: فيكون هذا ضعيف التفصيل أنه في أول الدم دينار, وفي انقطاع الدم نصف دينار هذا ضعيف, وكذلك أيضًا رواية خصيف وشريك ضعيف.
الطالب: (.....) قيل عنه: صدوق سئ الحفظ، خلط بآخره ورمي بالإرجاء.
الشيخ: وهو الراوي في الحج أن النبي صلى الله عليه وسلم لبى في مصلاه وهو ضعيف، والصواب أنه لبى بعدما ركب راحلته, والرواية الثانية عن علي بن بديمة معضلة فكل هذه الروايات ضعيفة.
تفصيل إذا كونه في أول الدم دينار وفي أخره نصف دينار أو أنه يتصدق بنصف دينار أو بخمس دينار
الطالب: (.....)
كل هذه ضعيفه.
(المتن)
باب في الرجل يصيب منها ما دون الجماع.
حدثنا يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الرملي قال: حدثنا الليث بن سعد عن ابن شهاب عن حبيب مولى عروة عن ندبة مولاة ميمونة عن ميمونة رضي الله عنها قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يباشر المرأة من نسائه وهي حائض إذا كان عليها إزار إلى أنصاف الفخذين أو الركبتين تحتجز به.
(الشرح)
وهذا الحديث أخرجه النسائي كما سبق، والحديث في سنده ندبة ويقال: ندبه والراوي عنها حبيب مولى عروة وفيه كلام، ولكن الحديث له شواهد ومتابعات يرتقي بها إلى درجة الاحتجاج كما قال العلامة ابن القيم رحمه الله، وسيأتي بعده من الأحاديث تشهد له، وهو يدل على أنه لا بأس بمباشرة الحائض فيما دون الفرج، وكونه من وراء الإزار أفضل وأبعد عن الخطر، لكن لو لم يجعل الإزار فلا بأس وفي حديث أنس عند مسلم «يصنع كل شيء إلا النكاح»، أي: الجماع, يعني: كونه يأمرها أن تضع إزار فيما بين السرة والركبة هذا أحوط وأبعد عن الخطأ.
(المتن)
حدثنا مسلم بن إبراهيم قال: أخبرنا شعبة عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر إحدانا إذا كانت حائضًا أن تتزر ثم يضاجعها زوجها، وقال مرة يباشرها».
(الشرح)
الشيخ: وهذا الحديث أخرجه الشيخان، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، وهو يشهد للحديث الذي قبله، ويدل على أنه لا بأس بمباشرة الحائض من وراء الإزار وأن هذا الأفضل.
(المتن)
حدثنا مسدد قال: أخبرنا يحيى عن جابر بن صبح قال: سمعت خلاسًا الهجري قال: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: «كنت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نبيت في الشعار الواحد وأنا حائض طامث فإن أصابه مني شيء غسل مكانه ولم يعده ثم صلى فيه، وإن أصاب تعني ثوبه منه شيء غسل مكانه ولم يعده ثم صلى فيه».
(الشرح)
وهذا الحديث سنده حسن لا بأس به وأخرجه النسائي كما سبق، والشعار هو الثوب الذي يلي الجسد، وفيه دليل على جواز مباشرة الحائض والاضطجاع معها في الثوب الواحد وهو الشعار.
وفيه أن الإنسان إذا أصابه شيء من الدم يغسل ثوبه أو جسده يغسله ولا يتجاوز مكانه ولا يتكلف، كما يفعل بعض العامة إذا أصابه شيء من بعض النجاسة كالبول غسل الثوب كله، أو إذا أصاب جسمه شيء اغتسل، هذا من الوسواس الذي لا وجه له، إنما يغسل مكان النجاسة فقط، ولو كان متوضئًا وأصابته نجاسه جاز أن يغسل مكان النجاسة والوضوء صحيح, وقولها: «لم يعده» أي: لم يجاوز موضع الدم.
والطامث: هي الحائض.
(المتن)
حدثنا عبد الله بن مسلمة قال: أخبرنا عبد الله يعني ابن عمر بن غانم عن عبد الرحمن يعني ابن زياد عن عمارة بن غراب قال: إن عمة له حدثته أنها سألت عائشة رضي الله عنها قالت: إحدانا تحيض وليس لها ولزوجها إلا فراش واحد، قالت: أخبرك بما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ دخل فمضى إلى مسجده، قال أبو داود: تعني مسجد بيته فلم ينصرف حتى غلبتني عيني وأوجعه البرد فقال: «ادني مني، فقلت: إني حائض فقال: وإن اكشفي فخذيك».
(الشرح)
الشيخ: «وإن» أي: وإن كنت حائض.
(المتن)
فقال: «وإن اكشفي فخذيك فكشفت فخذي، فوضع خده وصدره على فخذي، وحنيت عليه حتى دفىء ونام».
(الشرح)
هذا الحديث فيه علل، وآفات متعددة، ومن العجب سكوت أبي داود عليه، وهو رحمه الله قال: ما سكت عنه فهو حسن، فـعبد الله بن عمر بن غانم هذا ضعيف، وعبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي أيضًا ضعيف ، وعمارة بن غراب أيضًا ضعيف، وعمته مجهولة أيضًا كل هؤلاء لا يُحتج بحديثهم أربع علل، وأيضًا فيه نكارة المتن أيضًا، وهو أن وضع الرأس على الفخذين ليس فيه دفئ، وإنما الدفء أن يضع على الفخذين ثوبٍ أو شيءٍ يكون حائلًا بينه وبين اللحم ومن العجب سكوت أبو داود رحمه الله على هذا الحديث وفيه هذه العلل وهذه الآفات.
(المتن)
حدثنا سعيد بن عبد الجبار قال: أخبرنا عبد العزيز يعني ابن محمد عن أبي اليمان عن أم ذرة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «كنت إذا حضت نزلت عن المثال على الحصير فلم نقرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ندن منه حتى نطهر».
(الشرح)
«عن المثال» يعني: عن الفراش والحديث في سنده أبو اليمان وهو ليس بمشهور وفي سنده أم ذرة ويقال: درة بالدال أو الذال وهي مجهولة فسقط الاحتجاج بهذا الحديث، ومع ذلك أيضًا سكت عليه أبو داود رحمه الله، ولو استقام سنده وصح فهو شاذ، لا يُعمل بشذوذه ومخالفته للأحاديث الصحيحة التي تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم يباشر الحائض ويلمسها ويشرب من موضع فمها ويتعرق العظم من موضع فمها، قال في حديث أنس: «تصنع كل شيء إلا النكاح»، أي الجماع وقد سبق.
وهذا فيه أنها تقول: «لم نقرب الرسول صلى الله عليه وسلم ولم ندن منه حتى نطهر»، فهذا شاذ لو صح مع إنه حديث ضعيف ماذا قال في تخريجه عندك.
الطالب: ماتكلم في تخريجه (.....)
الشيخ: هذا لو صح سنده, لكن لم يصح سنده ولو صح فالأقرب أنه شاذ.
(المتن)
حدثنا موسى بن إسماعيل قال: أخبرنا حماد عن أيوب عن عكرمة عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: «إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد من الحائض شيئًا ألقى على فرجها ثوبًا».
(الشرح)
وهذا الحديث لا بأس به، قال الحافظ في الفتح سنده قوي، وهذا كونه يلقي على فرجها ثوبًا من باب الاستحباب من باب والحيطة وسد الزرائع خشية أن يلمس الفرج ثم لا يصبر، وإلا فيجوز له المباشرة من دون إزار على الصحيح، كما دلت على ذلك الأحاديث الأخرى كحديث أنس: «اصنعوا كل شيء إلا النكاح» ولم يذكر الإزار.
(المتن)
حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: أخبرنا جرير عن الشيباني عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا في فوح حيضتنا أن نتزر ثم يباشرنا وأيكم يملك إربه كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يملك إربه».
(الشرح)
قولهها في «فوح حيضتها» أي في أوله ومعظمه، والإرب: المراد العضو، وروي يملك إربة يعني العضو، وروي: يملك إربه، يعني حاجته (.....) والمعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أملك الناس لأمره، فلا يخشى عليه ما يخشى على غيره من أن يحوم حول الحمى، ومع ذلك كان يباشر فوق الإزار تشجيعًا للأمة، فالإزار أفضل وأولى.
بين العلماء الخلاف في مسألة المباشرة من فوق السرة وتحت الركبة هذا لا بأس به، المباشرة بالجماع هذا حرام بالاتفاق، أما المباشرة فيما فوق السرة وتحت الركبة فهذا جائز بالاتفاق، وأما المباشرة فيما بين السرة والركبة من وراء إزار فهذا أيضًا جائز، هذا بالاتفاق وأما بدون إزار فهذا فيه خلاف، والصواب أنه لا بأس به لحديث أنس: «اصنعوا كل شيء إلا النكاح».
(المتن)
باب في المرأة تستحاض ومن قال: تدع الصلاة في عدة الأيام التي كانت تحيض: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن نافع عن سليمان بن يسار عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: إن امرأة كانت تهراق الدماء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستفتت لها أم سلمة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «لتنظر عدة الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر فإذا خلفت ذلك فلتغتسل، ثم لتستثفر بثوب ثم لتصل فيه».
(الشرح)
وهذا الحديث سنده جيد لولا ما يخشى من أن سليمان بن يسار لم يسمع من أم سلمة رضي الله عنها لأن الأحاديث التي بعده فيه أن سليمان بن يسار جعل بينه وبين أم سلمة واسطة, وابن المنذر يقول: إسناده حسن.
الطالب: ومعلوم أن سليمان بن يسار مولى ميمونة المدني أحد الفقهاء السبعة، وقد روى عن زيد بن ثابت وعائشة وأبي هريرة ومولاته ميمونة وأرسل عن جماعة، روى عنه (.....) قتادة والزهري وعمرو بن شعيب، قال أبو زرعة: ثقة مأمون.
الشيخ: ما ذكر عن أم سلمة؟.
الطالب: أما أم سلمة فقد كانت ثقة عالمة رفيعة فقهية (.....).
الشيخ: فلا إشكال في توثيقه لكن الكلام في سماعه من أم سلمة لكن الحديث له شواهد، ولهذا حسنه المنذري فقال: إسناده حسن وفيه دليل على أن المستحاضة تجلس عدد الأيام التي كانت تحيضها قبل مرور الدم، فإذا انقضت هذه الأيام واغتسلت ثم استترت بثوبين، أو تتحفظ يوجد الآن حفائظ، وتتوضأ لكل صلاة وتصلي.
وفيه دليل على أن العادة مقدمة على التمييز، فالمستحاضة تعمل بعادتها أولًا، فإن لم يكن لها عادة ونسيت العادة عملت بالتمييز، فإن لم يكن لها تمييز، جلست في أول كل شهر هلالي ستة أيام أو سبعة أيام على حسب عادة النساء كما دلت على ذلك الأحاديث، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لتنظر عدة الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها، فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر» هذا دليل على أنها تعمل بالعادة، وأن العادة مقدمة، فإذا كانت يصيبها الدم من أول كل شهر سبعة أيام ثم استمر الدم عليها وأطبق فإنها تجلس الستة أيام أو السبعة الأيام التي كانت تجلسها قبل استمرار الدم.
وإذا كانت تجلسها من منتصف الشهر تجلسها من منتصف الشهر وهكذا، أما إذا لم يكن لها عادة ونسيت العادة تعمل بالتمييز كما سيأتي، فدم الحيض معروف أسود منتن غليظ، فالأيام التي يكون فيها غليظ منتن تجلس، والأيام التي يكون فيها أحمر رقيق تصلي.
(المتن)
حدثنا قتيبة بن سعيد ويزيد بن خالد بن يزيد بن عبد الله بن موهب قالا: حدثنا الليث عن نافع عن سليمان بن يسار: أن رجلًا أخبره عن أم سلمة رضي الله عنها، أن امرأة كانت تهراق الدم فذكر معناه قال: فإذا خلفت ذلك وحضرت الصلاة فلتغتسل، بمعناه.
(الشرح)
وهذا الحديث أخرجه النسائي، وابن ماجة، وفي إسناد هذه الرواية مجهول مبهم أن رجلًا أخبر عن أم سلمة, فهذا سليمان بن يسار الذي في الحديث السابق جعل بينه وبين أم سلمة رجل, فتكون هذه الرواية ضعيفة.
(المتن)
حدثنا عبد الله بن مسلمة قال: حدثنا أنس يعني ابن عياض عن عبيد الله عن نافع عن سليمان بن يسار عن رجل من الأنصار: أن امرأة كانت تهراق، الدماء فذكر معنى حديث الليث قال: فإذا خلفتهن وحضرت الصلاة فلتغتسل، وساق معناه.
(الشرح)
وهذا فيه قوله: عن رجل من الأنصار، والصحابة كلهم عدول، فإذا كان المقصود أنه صحابي فكلهم عدول، وإن كان رجلًا من الأنصار من غير الصحابة فيكون فيه مجهول.
وفيه أن الغسل لا يجب إلا إذا حان وقت الصلاة، وأنه لا يجب عليها أن تغتسل قبل وقت الصلاة، فلا يكون الغسل واجبًا على الفور.
(المتن)
حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال: أخبرنا عبد الرحمن بن مهدي قال: أخبرنا صخر بن جويرية عن نافع بإسناد الليث ومعناه قال: فلتترك الصلاة قدر ذلك، ثم إذا حضرت الصلاة فلتغتسل، ولتستذفر بثوب ثم تصلي.
(الشرح)
وهذا كما سبق.
(المتن)
حدثنا موسى بن إسماعيل قال: أخبرنا وهيب قال: أخبرنا أيوب عن سليمان بن يسار عن أم سلمة رضي الله عنها بهذه القصة قال فيه: تدع الصلاة وتغتسل فيما سوى ذلك وتستذفر بثوب وتصلي.
قال أبو داود: وسمى المرأة التي كانت استحيضت حماد بن زيد عن أيوب في هذا الحديث قال: فاطمة بنت أبي حبيش.
(الشرح)
ومن المعروف أنها فاطمة بنت أبي حبيش كانت استحيضت فالنبي فأمرها أن ترجع إلى عادتها.
(المتن)
حدثنا قتيبة بن سعيد قال: أخبرنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن جعفر عن عراك عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: إن أم حبيبة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الدم، فقالت عائشة رضي الله عنها، فرأيت مركنها ملآن دمًا، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك ثم اغتسلي».
قال أبو داود: ورواه قتيبة.
(الشرح)
هذا أخرجه مسلم، والنسائي، وهذا يشهد لحديث أم سلمة السابق، وأنها تجلس قدر عادتها ثم تغتسل، والمركن إناء واسع تغسل فيه الثياب، وهو ما يشبه ما يسمى الآن الطست ويسمى إدانة (.....) وهي لفظة فارسية وقوله: ملآن على وزن عطشان لا ينقلب على وزن فعلان، وفيه دليل على أن المرأة الحائض المستحاضة تجلس عدد الأيام التي كانت تحيضها قبل ذلك ثم تغتسل، ثم تتلجم وتتحفظ بثوب وتصلي، وتتوضأ في وقت كل صلاة.
(المتن)
قال أبو داود: ورواه قتيبة: بين أضعاف حديث جعفر بن ربيعة في آخرها، ورواه علي بن عياش ويونس بن محمد عن الليث فقالا جعفر بن ربيعة.
(الشرح)
(في أضعاف) الأضعاف يعني في أثناء الحديث، والمعنى أن قتيبة روى هذا الحديث بلفظ جعفر فقط من غير نسبة لأبيه.
(المتن)
حدثنا عيسى بن حماد قال: أخبرنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن بكير بن عبد الله عن المنذر بن المغيرة عن عروة بن الزبير قال: إن فاطمة بنت أبي حبيش حدثته أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكت إليه الدم، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما ذلكِ عرق، فانظري إذا أتى قَرؤك فلا تصلي، فإذا مر قَرؤك فتطهري ثم صلي ما بين القرء إلى القرء».
(الشرح)
وهذا الحديث في إسناده المنذر بن المغيرة وهو مجهول.
الطالب: قال أبو حاتم: مجهول ليس بمشهور وذكره .
الشيخ: لكن الحديث له شواهد ويشهد له ما سبق، وفيه دليل على أن المستحاضة تجلس أيام عادتها ثم تتلجم وتصلي، وفيه دليل على أن دم الاستحاضة دم عرق وهو يسمى (.....) وفيه أن المرأة تصلي من القرء إلى القرء، والقرء يطلق على الطهر ويطلق على الحيض، وقد اختلف العلماء هل المراد بالقرء الطهر، أو الحيض.
قال الله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ}[البقرة/228]، فمن قال: إن القروء الحيض، قال: المرأة تعتبر في الحيض إذا كانت تحيض ثلاثة حيض، ومن قال: إن المراد به الطهر قال: تحتجز ثلاثة أطهار ذهب إلى الأول الحنابلة وذهب إلى الثاني الشافعية والجماعة.
والصواب أن المراد به الحيض، وهذا هو الذي تدل عليه النصوص، وتدل عليه اللغة أيضًا، وهو يطلق على الطهر، ولكن المراد به هنا الحيض، ثلاثة قروء: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ}[البقرة/228]، يعني: ثلاث حيضات، ولهذا في هذا الحديث: «إنما ذلك عرق» يعني دم الاستحاضة، «فانظري فإذا أتى قرؤك فلا تصلي» يريد الحيض، ولو كان المراد به الطهر ما يقل: فلا تصلي، فقوله: إذا أتى قرؤك أي: وقت حيضك فلا تصلي، فإذا مر قَرؤك فتطهري ثم صلي، ما بين القرء إلى القرء، ما بين الحيض إلى الحيض، هذا واضح أن المراد به الحيض.
الطالب: (.....).
الشيخ: ضعيف لكن له شواهد أيضًا, فهذا الحديث السابق، وحديث سليمان بن يسار يشد بعضهما بعضًا، فيكونا حجة, يعني: حديث سليمان بن يسار فيه انقطاع وهذا فيه جهالة فيشد بعضهما الآخر ويشهد لهما أيضًا حديث مسلم السابق حديث عائشة.
(المتن)
حدثنا يوسف بن موسى قال: أخبرنا جرير عن سهيل يعني ابن أبي صالح عن الزهري عن عروة بن الزبير قال: حدثتني فاطمة بنت أبي حبيش أنها أمرت أسماء أو أسماء حدثتني أنها أمرتها فاطمة بنت أبي حبيش أن تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرها أن تقعد الأيام التي كانت تقعد ثم تغتسل.
(الشرح)
هذا الحديث لا بأس بسنده إسناده حسن كما قال المنذري، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم: «أمرها أن تقعد الأيام التي كانت تقعد ثم تغتسل» واستدل به بعضهم على أن الاعتبار للعادة لا للتمييز كما يدل له بحديث فاطمة بنت أبي حبيش، وحديث عائشة السابق في قصة أم حبيبة، كل منهما فيه دليل على أنها تعمل بالعادة، فالعادة مقدمة على التمييز، ولهذا قال: «أمرها أن تقعد الأيام التي كانت تقعد» يعني: قبل أن يأتيها الدم.
(المتن)
قال أبو داود: ورواه قتادة عن عروة بن الزبير عن زينب بنت أم سلمة أن أم حبيبة بنت جحش استحيضت فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتصلي.
(الشرح)
والحديث فيه قتادة مدلس وقد عنعن.
(المتن)
قال أبو داود: لم يسمع قتادة من عروة شيئًا.
(الشرح)
فيكون منقطعًا، ولكن يشهد له ما سبق من أحاديث، وهو أنها تعمل بالعادة، فتجلس أيام عادتها ثم تغتسل وتصلي.
(المتن)
وزاد ابن عيينة في حديث الزهري عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها قالت: إن أم حبيبة رضي الله عنها كانت تستحاض فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فأمرها أن تدع الصلاة أيام أقرائها.
قال أبو داود: وهذا وهم من ابن عيينة ليس هذا في حديث الحفاظ عن الزهري إلا ما ذكر سهيل بن أبي صالح.
(الشرح)
زاد ابن عيينة في حديث الزهري عن عمرة عن عائشة، قال هذا وهم من ابن عيينة ليس في حديث الحفاظ عن الزهري, يعني: سفيان ابن عيينة وهم في قوله: عن عمرة عن عائشة، وإنما هو عن سهيل بن أبي صالح كما في الحديث الأول
(.....) , هذا من جهة السند يعني.
(المتن)
وقد روى الحميدي هذا الحديث عن ابن عيينة لم يذكر فيه: تدع الصلاة أيام أقرائها.
وروت قَمير بنت عمرو زوج مسروق عن عائشة رضي الله عنها.
(الشرح)
قَمير بفتح القاف، امرأة مسروق وهنا سكت عنها فهي مجهولة وفيها جهالة.
الطالب: (.....).
الشيخ: وقد قال العجلي: بأنها تابعية ثقة وهو متساهل في هذا رحمه الله.
(المتن)
وروت قَمير بنت عمرو زوج مسروق عن عائشة رضي الله عنها: «المستحاضة تترك الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل».
وقال عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه: إن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تترك الصلاة قدر أقرائها.
وروى أبو بشر جعفر بن أبي وحشية عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أم حبيبة بنت جحش استحيضت فذكر مثله.
وروى شريك عن أبي اليقظان عن عدي بن ثابت عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم: «المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتصلي».
وروى العلاء بن المسيب عن الحكم عن أبي جعفر قال: إن سودة استحيضت فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم إذا مضت أيامها اغتسلت وصلت.
وروى سعيد بن جبير عن علي وابن عباس رضي الله عنهم: «المستحاضة تجلس أيام قَرئها».
وكذلك رواه عمار مولى بني هاشم وطلق بن حبيب عن ابن عباس رضي الله عنهما، وكذلك رواه معقل الخثعمي عن علي رضي الله عنه، وكذلك روى الشعبي عن قَمير امرأة مسروق عن عائشة رضي الله عنها.
قال أبو داود: وهو قول الحسن وسعيد بن المسيب وعطاء ومكحول وإبراهيم وسالم والقاسم: أن المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها.
(الشرح)
وكل هذه الآثار التي ذكرها المؤلف رحمه الله والمراسيل كلها تدل على ما دلت عليه الأحاديث من أن: المستحاضة تجلس أيام عادتها، وتعمل بعادتها ثم تغتسل وتتلجم وتصلي.
فالمؤلف رحمه الله أتى بهذه الآثار وهذه والمراسيل كلها تؤيد ما دلت عليه الأحاديث وتقويها, وذكر أيضًا رحمه الله: أن هذا القول وهو: أنها تجلس أيام عادتها ثم تغتسل، أن هذا قول الحسن وسعيد بن المسيب وعطاء ومكحول وإبراهيم وسالم والقاسم, فكل هؤلاء العلماء ذهبوا إلى ما دلت عليه الأحاديث من أن: المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها, يعني: أيام حيضها، ثم تغتسل وتتلجم وتصلي.
(المتن)
حدثنا أحمد بن يونس وعبد الله بن محمد النفيلي قالا: حدثنا زهير أخبرنا هشام بن عروة عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: «إن فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إني امرأة أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ قال: إنما ذلكِ عرق وليست بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، فإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي».
(الشرح)
وهذا أخرجه الشيخان, والترمذي, والنسائي, وابن ماجة, وفيه: أن فاطمة قالت: «يا رسول الله! إني امرأة أستحاض فلا أطهر» يعني: يستمر الدم معها، وظنت أنها لا تطهر, «أفأدع الصلاة؟ قال: إنما ذلك عرق وليست بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، فإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي».
فقوله: «أقبلت الحيضة» احتج به بعضهم على أن المراد به: العمل بالتمييز.
ويحتمل أن المراد: ردها إلى العادة، كما دلت الأحاديث السابقة دلت على أنها تعمل بالعادة ولاشك أن العادة مقدمة، فإن لم تعلم العادة عملت بالتمييز.
فيحتمل أن المراد: ردها إلى العادة، أو: إلى الحالة التي تكون للحيض، من قوة الدم في اللون, وهو محتمل.
وعلى كل حال فالعادة مقدمة، إذا كان لها عادة تعلم العادة، كما دلت على ذلك الأحاديث السابقة، حديث أم سلمة وحديث عائشة وغيرهما من أنها تعمل بالعادة، فإذا لم يكن لها عادة عملت بالتمييز.
فقوله: «فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة» محتمل إن أقبلت بالتمييز الذي تعرفينه أو بالعادة التي تعلمينها.
(المتن)
حدثنا القعنبي عن مالك عن هشام بإسناد زهير ومعناه قال: «فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة، فإذا ذهب قدرها فاغسلي الدم عنك وصلي».
(الشرح)
وهذا هو الحديث السابق بسند زهير، وفيه أنه قال: «فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة، فإذا ذهب قدرها فاغسلي الدم عنك وصلي»، وفي الحديث الأول: «فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، فإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي»، هنا حديث القعنبي: «فإذا ذهب قدرها فاغسلي الدم عنك وصلي»، أي: إذا ذهب قدرها قدر الأيام، أو قدرها من العادة، ترجح أن المراد بها العادة، ولاشك أن العادة مقدمة.